الإصحَاحُ
الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ

 

في هذا الإصحاح ترد آخر نبوات اشعياء عن الممالك والأمم والمدن
التي كانت لها معاملات مع شعب الله في العهد القديم وهنا تنبأ النبى عن مدينة صور
وكانت الميناء الرئيسي على
ساحل فينيقيا على بعد 40 كيلومتر جنوب صيدون و45 كيلومترآ شمال عكا.

و
كانت صور مدينة قديمة ذكر هيرودوت أنها تأسست سنة 2700 ق.م. وقد أقيمت على جزيرة
صخرية تبعد عن الشاطئ بمسافة نصف ميل يصلها بالبر رصيف مرصوف بالحجارة.

 واشتهرت
عظمتها بالتجارة إذ وصلت سفنها أقاصي العالم القديم وازدهرت تجارتها جدا حتى تفوقت
على " أمها " صيدون وقد ذُكِرت في
(مز 45) بنات صور إشارةً إلى عظمتها.

و قد
ورد ذكر صور في مناسبات عديدة في الكتاب المقدس وقامت بينها وبين اليهود صلات –
فقد أرسل حيرام ملكها عمالا وفنانين إلى داود وإلى سليمان (2 صم 5 : 11، 1مل 5: 1-
7 : 13 -9 :11) وقد تنبأ بعض الأنبياء – عدا اشعياء – عن خرابها (1ر 25 :22 ,
27 : 2 , 47 : 4، حز ص 26 – 27 , 29 : 18، هو 9 : 12 , يوئيل 2: 4 , عا 1 :
9 – 10 , زك 9 : 2-4) وتمَّت هذه النبوات بحصار نبوخذنصر ثم الأسكندر الذي استولى
عليها بعد حصار استمر سبعة أشهر وأحُرِقت المدينة بالنار ثم استعادت صور كيانها
وكانت في أيام السيد المسيح مدينة كبيرة وقد مَرَّ له المجد بتخومها وتحدث عنها –
وكانت المرأة الكنعانية التي امتدح إيمانها من نواحيها (مت 11: 21 – 22 , 15 : 21
– 28 , مر 3 : 8 , 7 :24- 31 , لو 6: 17) واقترن ذكرها بمدينة صيدا (وهي صيدون
القديمة) وقد صار في صور عدد من المسيحيين اجتمع بهم بولس ومكث 7 أيام (أع 21 : 3-
6) -و في قرون المسيحية الأولى كانت تلى مدينة أنطاكيه في أهميتها بالنسبة للكرسي
الأنطاكي وفي (ف7 ك 8) أورد أسابيوس القيصري وصفا لتعذيب واستشهاد كثيرين من أقباط
مصر فى صور كانوا قد أُرسِلوا للعمل في فلسطين.

 

ويشتمل هذا الإصحاح على قسمين :

(1) نبوة بسقوط صور وخرابها (عد 1 – 14)

(2) الوعد بقيامها ورجوعها (عد 15 – 18)

 

أولا : النبوة بسقوطها وخرابها (عد1 14)

1وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ صُورَ: وَلْوِلِي يَا سُفُنَ تَرْشِيشَ لأَنَّهَا
خَرِبَتْ حَتَّى لَيْسَ بَيْتٌ حَتَّى لَيْسَ مَدْخَلٌ. مِنْ أَرْضِ كِتِّيمَ
أُعْلِنَ لَهُمْ. 2اِنْدَهِشُوا يَا سُكَّانَ السَّاحِلِ. تُجَّارُ صَيْدُونَ
الْعَابِرُونَ الْبَحْرَ مَلأُوكِ. 3وَغَلَّتُهَا زَرْعُ شِيحُورَ حَصَادُ
النِّيلِ عَلَى مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ فَصَارَتْ مَتْجَرَةً لأُمَمٍ. 4اِخْجَلِي يَا
صَيْدُونُ لأَنَّ حِصْنَ الْبَحْرِ نَطَقَ قَائِلاً: «لَمْ أَتَمَخَّضْ وَلاَ
وَلَدْتُ وَلاَ رَبَّيْتُ شَبَاباً وَلاَ نَشَّأْتُ عَذَارَى». 5عِنْدَ وُصُولِ
الْخَبَرِ إِلَى مِصْرَ يَتَوَجَّعُونَ عِنْدَ وُصُولِ خَبَرِ صُورَ. 6اُعْبُرُوا
إِلَى تَرْشِيشَ. وَلْوِلُوا يَا سُكَّانَ السَّاحِلِ. 7أَهَذِهِ لَكُمُ
الْمُفْتَخِرَةُ الَّتِي مُنْذُ الأَيَّامِ الْقَدِيمَةِ قِدَمُهَا؟ تَنْقُلُهَا
رِجْلاَهَا بَعِيداً لِلتَّغَرُّبِ.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ى يادون 2

 

(عد 1): يستهل
اشعياء كلامه بتوجيه الحديث إلى سفن ترشيش (في اسبانيا حيث كان يسكن مهاجرون من
صور التي كانت تتبادل معها التجارة). ويفيد اشعياء أن خبر خراب صور يُسمعَ من أرض
كتيم (وهي جزيرة قبرص) وقد ترتب على هذا الخراب عدم وجود بيت فى صور وعدم إمكانية
دخول السفن إلى مينائها إذ أصبحت مداخل الميناء مسدودة من ردم المدينة

 

(عد 2): يسمع
ويندهش جميع سكان ساحل فينيقية لخراب صور التي أغناها وملأها تجار صيدون بتجارتهم.

 

(عد 3): ينتقل
اشعياء هنا إلى صيغة الغائب بدلا من المخاطَب ويقول إن غلة صور هي زرع شيحور حصاد النيل – أي أن قمح مصر كان يغمرها – وشيحور هو اسم للنيل (1 أيام 13 : 5 , أر 2 : 18) وكان
القمح يُنقل بسفن تسير على مياه كثيرة وأصبحت صور متجرة الأمم.

(قيل إن كلمة " شيحور " تعنى فى أصلها " أسود " إشارة إلى طمى النيل – وقال
البعض إنها إسم لأحد روافدة)

 

(عد 4): يخاطب
النبي مدينة صيدون لكي تشعر بالخجل لأن صور (حصن البحر) كأنها ترثى خسارتها
لمستعمراتها وكأنها لم تتمخض ولم تلد إذ لم تعد لها علاقات تجارية ببلدان أخرى

 

(عد 5): يتوجع
المصريون لخراب صور وانتهاء مكاسبهم بانقطاع تجارتهم معها

 

(عد 6): يطلب
اشعياء من أهل صور أن يهربوا إلى ترشيش – أما من يبقون في صور من أهلها فليس لهم
إلا النحيب والبكاء.

 

(عد 7): هنا
وكأن النبي يرى بقايا صور فيتساءل : " أهذه لكم المدينة المتفاخرة القديمة
وقد صارت كانسانة ضعيفة تحملها قدماها إلى بلاد غريبة ؟ "

 

8مَنْ قَضَى بِهَذَا عَلَى صُورَ الْمُتَوَّجَةِ الَّتِي تُجَّارُهَا
رُؤَسَاءُ؟ مُتَسَبِّبُوهَا مُوَقَّرُو الأَرْضِ. 9رَبُّ الْجُنُودِ قَضَى بِهِ
لِيُدَنِّسَ كِبْرِيَاءَ كُلِّ مَجْدٍ وَيُهِينَ كُلَّ مُوَقَّرِي الأَرْضِ.
10اِجْتَازِي أَرْضَكِ كَالنِّيلِ يَا بِنْتَ تَرْشِيشَ. لَيْسَ حَصْرٌ فِي مَا
بَعد. 11مَدَّ يَدَهُ عَلَى الْبَحْرِ. أَرْعد مَمَالِكَ. أَمَرَ الرَّبُّ مِنْ
جِهَةِ كَنْعَانَ أَنْ تُخْرَبَ حُصُونُهَا. 12وَقَالَ: «لاَ تَعُودِينَ
تَفْتَخِرِينَ أَيْضاً أَيَّتُهَا الْمُنْهَتِكَةُ الْعَذْرَاءُ بِنْتُ صَيْدُونَ.
قُومِي إِلَى كِتِّيمَ. اعْبُرِي. هُنَاكَ أَيْضاً لاَ رَاحَةَ لَكِ». 13هُوَذَا أَرْضُ
الْكِلْدَانِيِّينَ. هَذَا الشَّعْبُ لَمْ يَكُنْ. أَسَّسَهَا أَشُّورُ لأَهْلِ
الْبَرِّيَّةِ. قَدْ أَقَامُوا أَبْرَاجَهُمْ. دَمَّرُوا قُصُورَهَا. جَعَلَهَا
رَدْماً. 14وَلْوِلِي يَا سُفُنَ تَرْشِيشَ لأَنَّ حِصْنَكِ قَدْ أُخْرِبَ.

 

(عد 8 , 9): يتساءل
اشعياء عمن قضى بهذا الخراب على صور المتوجة (التي تعطي التيجان) التي كان تجارها
رؤساء وكان متكسبوها كرام الأرض !!

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس م ملاحون ن

– إنه
رب الجنود الذي قضى بتحطيم كبرياء صور.

 

(عد 10 – 12):
يبشر النبي أهل ترشيش التي كانت صور متسلطة عليهم بأن يجتازوا متنقلين بحرية
كانسياب النيل لأنة لن يكون حصر فيما بعد أي لن يكون هناك ما يُقيِد حريتها فقد مد
الله يده لخراب حصون كنعان والمقصود هنا صور فإنها " بنت صيدون " العذراء المتهتكة أي التي فقدت شرفها بهزيمتها فلن
تعود تفتخر ولن تجد راحتها في كتيم.

 

(عد 13 : 14): يشير
اشعياء إلى الكلدانيين كشعب برية لم يكن له شأن ولا سيادة ولكنهم سيهجمون على صور
ويدمرونها فلتولول سفن ترشيش لخراب حصنها

 

ثانيا : الوعد بقيام صور ورجوعها (عد 15 – 18)

في
الأعداد السابقة استخدم اشعياء أسلوبا شاعريا في التنبؤ بسقوط صور

وخرابها
وهنا – بلغة النثر – يتنبأ بارتفاع صور من الرماد لتعود إلى عمرانها

وازدهار
تجارتها وحصولها على أرباح تقدمها قدسآ للرب.

 

15وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ صُورَ تُنْسَى سَبْعِينَ
سَنَةً كَأَيَّامِ مَلِكٍ وَاحِدٍ. مِنْ بَعد سَبْعِينَ سَنَةً يَكُونُ لِصُورَ
كَأُغْنِيَةِ الزَّانِيَةِ. 16خُذِي عُوداً. طُوفِي فِي الْمَدِينَةِ أَيَّتُهَا
الزَّانِيَةُ الْمَنْسِيَّةُ. أَحْسِنِي الْعَزْفَ أَكْثِرِي الْغِنَاءَ لِكَيْ
تُذْكَرِي. 17وَيَكُونُ مِنْ بَعد سَبْعِينَ سَنَةً أَنَّ الرَّبَّ يَتَعَهَّدُ
صُورَ فَتَعُودُ إِلَى أُجْرَتِهَا وَتَزْنِي مَعَ كُلِّ مَمَالِكِ الْبِلاَدِ
عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ. 18وَتَكُونُ تِجَارَتُهَا وَأُجْرَتُهَا قُدْساً
لِلرَّبِّ. لاَ تُخْزَنُ وَلاَ تُكْنَزُ بَلْ تَكُونُ تِجَارَتُهَا لِلْمُقِيمِينَ
أَمَامَ الرَّبِّ لأَكْلٍ إِلَى الشَّبَعِ وَلِلِبَاسٍ فَاخِرٍ.

 

(عد 15): 15وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ صُورَ تُنْسَى سَبْعِينَ
سَنَةً

تظل
صور منسية لا وجود لها في فكر الناس ولا مكانة لها أو أعتبار سبعين سنة.


ويرى كثيرون أن هذه المدة حرفية بدأت بحكم نبوخذنصر ملك بابل وانتهت بقيام دولة
الفرس ويعتبرون هذه المدة مقابلة لمدة سبي يهوذا وهي تتمشى مع نبوة ارميا " وتخدم هذه الشعوب ملك بابل سبعين سنة " (25 :
11) وقد ذكر أرميا مدينة صور ضمن هذه الشعوب (25 : 22)


ويرى آخرون أن السبعين سنة هي مدة رمزية تشير إلى فترة طويلة كما جاء في (تك4 :
24) أنه ينتقم للامك سبعة وسبعين وفي (مت 18 : 22) إلى
سبعين مرة سبع مرات

كَأَيَّامِ مَلِكٍ وَاحِدٍ.

أي أن
حالة الكساد والانحطاط التي تكون عليها صور خلال تلك المدة تبقى ثابتة غير متغيرة
كما كانت سياسة الملوك القدماء وطرق حكمهم لا تتغير.

مِنْ بَعد سَبْعِينَ سَنَةً يَكُونُ لِصُورَ كَأُغْنِيَةِ
الزَّانِيَةِ.

هنا
يشبه اشعياء مدينة صور بامرأه زانية – كما شُبِهت مدينة نينوى في (ناحوم 3: 4)
ومدينة بابل في (رؤ 18: 3) – ويشير النبي إلى أغنية لعلها كانت شائعة بيت تلك
الأوساط في زمانة.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس و وضع تواضع ع

 

(عد 16): 16خُذِي عُوداً. طُوفِي فِي الْمَدِينَةِ أَيَّتُهَا الزَّانِيَةُ
الْمَنْسِيَّةُ..

تتضمن
كلمات هذا العدد بعض فقرات الأغنية المشار إليها في العدد السابق وهي أغنية كانت ترددها امرأة زانية قد تقدمت في عمرها
وأصبحت مَنسية ومهملة وهي تخاطب نفسها بلغة الرثاء والحزن لكي تلفت أنظار الناس
اليها بغنائها وموسيقاها حتى يعود الناس إلى ذكرها

و
المقصود بذلك أن صور تعود إلى استخدام أساليبها لاستعادة نشاطها التجاري كما تفعل
زانية منسية بالموسيقى والغناء للإغراء وجذب الأنظار إليها.

 

(عد 17): 17وَيَكُونُ مِنْ بَعد سَبْعِينَ سَنَةً أَنَّ الرَّبَّ يَتَعَهَّدُ
صُورَ فَتَعُودُ إِلَى أُجْرَتِهَا

هنا يترك
اشعياء الكلام عن الأغنية ويستأنف نبوته عن صور التي سيفتقدها الرب بعد سبعين سنة
ولكن ليس بالعقاب بل بالرحمة والإحسان..

ستعود إلى أجرتها – أي إلى تجارتها ونشاطها الاقتصادي مع
البلاد المختلفة والبعيدة..

وَتَزْنِي مَعَ كُلِّ مَمَالِكِ الْبِلاَدِ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ.


لماذا يعود النبي إلى استخدام هذه الكلمة " تزني
" بعد أفتقاد الرب لها ؟


ربما لأنها ستعود إلى ممارسة نشاطها التجاري سعيآ وراء نفعها الشخصي وتحقيقا
لمجدها الذي تريد استعادته – وكأن درس محنتها لم ترتفع بفائدته إلى مستوى النضوج
في المعرفة..

و لا يفوتنا أن النبي استخدم هذه الكلمة باعتبارها تصف ما كانت
علية صور سابقا وأمثلة ذلك كثيرة

:

+ فقد
أُطلِق على متى لقب العشار (مت 10 : 3) رغم
أنه كان قد ترك هذه الوظيفة وصار تلميذا للمسيح.

+
وقيل عن لعازر " فخرج الميت " (يو 1
: 44) وذلك بعد أن كان قد قام من الموت.

+
وقال المسيح له المجد " اصنعوا لكم أصدقاء من
مال الظلم
"(لو 16: 9) بالنظر إلى طبيعته بصفة عامة، رغم أن أولاد الله
لا يقتنون مالآ بطريق الظلم ولا يجوز تقديم شيء منه للرب (تث 23 : 18).

 

(عد 18): 18وَتَكُونُ تِجَارَتُهَا وَأُجْرَتُهَا قُدْساً لِلرَّبِّ

تصير
أرباح هذه التجارة خالية من الغش والتلاعب وتستخدم لأغراض الخير.

وَلاَ تُكْنَزُ بَلْ تَكُونُ تِجَارَتُهَا لِلْمُقِيمِينَ أَمَامَ
الرَّبِّ لأَكْلٍ إِلَى الشَّبَعِ وَلِلِبَاسٍ الفَاخِرٍ

تتغير
الأمور بالنسبة لصور فلا تُدًخر ولا تٌكتَنز ثروتها بل تتحول تجارتها لتوفير غذاء
مشبع وثياب فاخرة للساكنين أمام الرب أي خدام بيته من الكهنة واللاويين , الذين
يدبر الرب احتياجاتهم من طعام ولباس يناسب خدمتهم السامية.

أما
عن إتمام هذه النبوة، فإن البعض يرى إتمامها ماديا حينما خدم الصوريون في بناء
الهيكل بعد العودة من السبي (عزرا 3 : 7) ويرى آخرون إتمامها روحيا في العصر
المسيحي حينما انتشرت في صور وقدم مؤمنوها عطايا قلوبهم للرب.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي