تَفْسِير
سِفْرُ إِرْمِيَا

 

إسم السفر:

سفر
أرميا
Jeremiah

الاختصار
: أر =
JER

 

كاتب السفر:

أرميا
النبي

+
أرميا النبي الذى ولد في منتصف القرن السابع ق.م في أواخر عصر الملك منسي المرتد،
من عائلة كهنوتية تقطن في قرية عناثوث في أرض بنيامين بجوار أورشليم،

 +
تكرس أرميا للعمل النبوي قبل ولادته وُدعي بواسطة رؤيا وهو صغير السن، لكن الله
لمس فمه ووهبه كلمته، لقد أعلن له أنه سيُقاوَم من القادة والكهنة والشعب لكنهم لا
يغلبوه (1: 4 – 10)

 +
كان رقيق المشاعر، عاطفيا إلي أبعد الحدود لكنه قوي لا يعرف الضعف ولا يتراخى في إعلان
الحق مهما كلفه الأمر، عاش باكيا تجري دموعه كنهر ينساب لا يجف، فدُعي بالنبي
الباكي لكنه غير هزيل، ُدعي " أيوب الأنبياء " رجل آلام وضيقات

 +
بسبب جراءته رفضه شعبه (11: 18 – 21)، خانه أخوته (12 : 6)، وضع في مقطرة (20 : 1
– 2)، هدد بالقتل (26 : 8 ؛ 36 : 26)، سجن وأتهم بالخيانة الوطنية (32 : 2، 3، 37
: 11 – 15)، وضع في جب ليموت (38 : 6)، قيد في سلاسل (40 : 1)، أحرقت بعض نبواته (36
: 22 – 25)، حمل إلى مصر قسرا ورجم، امتنع عن الزواج بأمر إلهي (16 : 1 – 4) كعمل
رمزي، بأن الشعب يموت ولا يجد من يدفنه وعن انقطاع الفرح.

 

+
واجه أرميا النبي مشكلتين :

 1
– من جهة مملكة يهوذا ككل تلخصت مشكلته معهم في أمرين : –

أولا
: بدأ ارميا خدمته في السنة أل 13 لملك يوشيا (626 ق.م) أي بعد حوالي خمس سنوات من
حركة الإصلاح الدينية العظيمة الواردة في (2 مل 23) بالرغم من مقاومة الملك
للوثنية بكل طاقاته لكن تيار الفساد كان متغلغلا في النفوس، لم يهتم الرؤساء
المدنيون والدينيون والشعب أيضا بإصلاح قلوبهم مكتفين بترميم الهيكل وممارسة
العبادة في شكليات بلا روح ممتزجة بالرجاسات الوثنية، نادي النبي بالإصلاح القلبي

ثانيا
: كان الحكام والشعب في صراع بين التحالف مع فرعون مصر أم مع بابل، فالغالبية لا
تطيق بابل وتتوقع هجومها بين الحين والأخر مما دفعهم للارتماء في أحضان فرعون مصر،
وإن كانت العلاقة مع الفراعنة كما مع بابل ليست بطيبة ويمكننا إدراك ذلك الصراع ما
حدث مع الملوك الخمسة الذين عاصرهم ارميا أثناء نبوته


يوشيا الملك (640 – 609 ق.م) قتله المصريون في معركة مجدو

 –
يهوآخار : أقامه فرعون عوض أبيه وخلعه بعد 3 شهور (2 أي 36 : 2)


يهوياقيم : أقامه فرعون عوض أخيه وبقي مواليا له لمدة 4 سنوات وإذ غلب نبوخذنصر
فرعون خضع لبابل وكان موته غامضا


يهوياكين : بعد إقامته ملكا عوض والده ب 3 شهور أسره نبوخذنصر


صدقيا : أقامه نبوخذنصر عوض ابن أخيه كان في صراع بين ولائه لسيده في بابل وبين
محاولته إرضاء الشعب الذي مال إلى فرعون مصر لحمايته من بابل متطلعين إلى يهوياكين
الأسير في بابل كملك شرعي، تحالف صدقيا قلبيا مع فرعون فسباه ملك بابل بعد أن فقأ
عينيه وسبي أورشليم ويهوذا (39 : 1 – 7)

هكذا
كان يهوذا بين حجري رحى وعوضا عن الالتجاء إلى الله بالتوبة للتمتع بالخلاص اتكأ
علي هذا أو ذاك

2
– ظهر ارميا كخائن لعائلته وقريته، إذ شدد علي ضرورة الالتزام بما جاء في الشريعة
وهي حصر العبادة العامة في الهيكل بأورشليم، الأمر الذي لم يقبله أهل عناثوث
بكونهم سلالة الكاهن أبياثار المطرود من أورشليم فكانوا يمارسون الطقوس مستقلين عن
أورشليم من جهة أخري إذ رأي أهل قريته أن مملكة يهوذا في ثورة ضد أرميا النبي
كخائن وطني حاولوا التبرؤ منه حتى لا يُنظر إليهم كخونة للوطن

 

الظروف التاريخية:

 عاش
النبي في فترة عصيبة فمنذ حوالي قرن سقطت مملكة الشمال " إسرائيل "
بأسباطها العشرة تحت السبي بسبب الفساد أما مملكة الجنوب " يهوذا " فعوض
أن تتعظ بما حل بأختها " إسرائيل " تناست ما صنعته الخطية بأختها حاسبة
أن ذلك هو حكم الهي عادل، لانفصالها عن يهوذا وإقامتها مركزا للعبادة في السامرة
عوض هيكل أورشليم.

1
– ارميا في عهد يوشيا

 في
بدء رسالته (626 ق. م) كانت أشور سيدة العالم لمدة حوالي 300 عاما ولم يكن أحد
يتخيل قط أنه يمكن أن تنهار يوما ما في السنة التالية لخدمة ارميا أسس نبوبلاسر
الدولة البابلية الجديدة وكانت صغيرة لا قوة لها لا يتوقع أحد أنها في الطريق
لاستلام سيادة العالم من أشور بعد موت أشوربانيبال حل الضعف بأشور فصارت عاجزة عن
منع يوشيا من التحرك نحو الاستقلال والتحرر من النفوذ الآشوري وبسقوط نينوى عام
612 ق.م انتهت مملكة أشور، فبدا كأن ارميا قد أخطأ في تفسيره لمركز يهوذا السياسي
إذ حسب الكل أنه زال الخطر عن يهوذا، في سنة 609 ق. م حشد نخو
Necho فرعون مصر جيشه
لاحتلال أرض الفرات فاحتل غزة وعسقلان وغيراهما من المدن الفلسطينية وكان هدفه
مساعدة الآشوريين للصمود في وجه البابليين في حاران، حاول يوشيا أن يوقفه عند مجدو
متكلا علي وعود الأنبياء الكذبة التفاؤلية لكنه قتل.

2
– ارميا في أيام يهوآحاز ويهوياقيم

 بقتل
يوشيا أقيم ابنه يهوآحاز أو شلوم (أر 22 : 11) ملكا وكان شريرا، خلعه فرعون نخو
بعد ثلاثة شهور وأسره في ربلة ثم أخذه إلى مصر وأقام أخاه يهوياقيم أو الياقيم
عوضا عنه.

في
السنوات الأولي من حكم يهوياقيم أعلن ارميا النبي في دار الهيكل أنه إن لم يغير
يهوذا طريقه سيخرب الهيكل نفسه (7 : 1- 15 ؛ 26 : 1 – 6)، أثارت هذه النبوة شغبا
ولولا تدخل بعض الأشراف لقتل الشعب الثائر ارميا (26 : 7 – 24)، وفي السنة الرابعة
من حكمه سجل ارميا النبوات التي نطق بها خلال السنوات السابقة وقام باروخ بنسخها
في درج، وإذ منع أرميا من الدخول إلى بيت الله أمر باروخ أن يقرأها أمام الشعب
بمناسبة الصوم، وصل الدرج إلى يد الملك فاستمع إلى بعض فقراته ثم مزقه وأحرقه
بالنار، قام أرميا بكتابة درجين كالدرج الأول مع إضافات (36 : 27 – 32) بتوجيه
إلهي ولكن الكاهن فشحور الناظر الأول للهيكل وضعه في مقطرة ثم أطلقه في اليوم
التالي (20 : 1 – 3)، في نفس السنة (605 ق. م) تغلب نبوخذنصر علي نخو فرعون مصر في
معركة كركميش (إر 46 : 1، 2)، فاضطر يهوياقيم أن يحول ولاءه لمصر إلى بابل لكن ظل
كثير من الشعب يفضل الخضوع لمصر للجهاد معها ضد بابل، ويبدو أن يهوياقيم بطريقة
غامضة توج ابنه يهوياكين (يكنيا) المملوء شرا.

3
– أرميا في أيام يهوياكين

 لم
يدم ملكه سوي ثلاثة شهور وجاء نبوخذنصر إلى أورشليم وأخذه هو وعائلته ورؤساء الشعب
مع خزائن بيت الرب إلى بابل (2 مل 24 : 8 – 16) وعاش أسيرا في السبي

مما
يجدر ملاحظته أن السلطات اليهودية تطلعت إلى نبوات ارميا وكلماته أثناء حصار
أورشليم بمنظار سياسي حربي لا ديني فرأت فيها تحطيما لمعنويات الجيش ونفسية الشعب
فحسبته خائنا وطنيا.

4
– ارميا في أيام صدقيا

 أقام
نبوخذنصر الملك صدقيا عوضا عن أخيه يهوياكين (2 مل 24 : 17)، وكان شريرا لم يبال
بكلمات أرميا بل ونجس الهيكل في بداية حكمه، كان بعض رجال يهوذا يتطلعون إلى
يهوياكين المسبي كملك شرعي يأملون في رجوعه واستعادته العرش، لذا كان صدقيا في
صراع بين رغبته في الظهور بالخضوع لسيده البابلي وبين إظهار روح الوطنية أمام
الشعب ومضاداته لبابل المستعمر في عام 588 ق.م سار نبوخذنصر مرة أخري إلى يهوذا
وحاصر أورشليم، طلب صدقيا المشورة من أرميا النبي (21 : 1 -14) فأخبره بأن الخضوع
للبابليين هو الطريق الوحيد لإنقاذ حياته ومدينته، لكن الملك لم يقدر أن يقدم هذه
المشورة لرجاله بسبب ضعف شخصيته، تحرك الجيش المصري نحو فلسطين ففك البابليون
الحصار عن أورشليم مؤقتا لمواجهة المصريين ليعودوا فيحاصروها من جديد بعد تدبير
أمورهم مع فرعون.

انتهز
أرميا فرصة فك الحصار المؤقت وأراد الذهاب إلى قريته (37 :12) فأتهم انه هارب إلى
الكلدانيين كخائن (37 : 13،14)، ألقي في الجب (37 : 1)، وبعد أيام كثيرة أطلقه
الملك وسأله سرا عن كلمة الرب بشأنه، أخبره ارميا أنه سُيدفع إلى ملك بابل، فأمر
الملك بإيداعه في دار السجن وإحسان معاملته بعض الشيء، لكن الرؤساء ألقوه في الجب
ليموت جوعا (38 : 1 – 6)، أشفق عليه خصي إثيوبي (عبد ملك) فاستأذن الملك أن يرفعه
من وحل الجب ويضعوه في دار السجن فسمح له وبقي هناك حتى استسلمت أورشليم (38 : 7 –
28).

5
– ارميا بعد سقوط أورشليم

 في
سنة 587 ق.م سقطت أورشليم بواسطة نبوخذنصر ودمر الهيكل وقتل كثيرون كما سُبي البعض
إلى بابل، فقأ عيني صدقيا واقتاده مسبياًإلى بابل، أما من جهة ارميا فقد علم ملك
بابل ما عاناه فظن أنه يفعل ذلك لأجله فأصدر تعليماته بإحسان معاملته، أرسل
نبوزرادان الكلداني رئيس الشرطة إلى دار السجن ليستدعيه مع غيره من الأسري إلى
الرامة ومنحه حق الخيار بين الذهاب إلى بابل أو البقاء في يهوذا وقدم له زادا
وهدية وأطلقه، أتي أرميا إلى جدليا بن أخيقام والي المنطقة في المصفاة وأقام عنده
مع الشعب الباقي في يهوذا (39 : 11- 14 ؛ 40 : 1 – 6)، رفض ارميا راحته وكرامته
مفضلا أن يعيش متألما مع من أحبهم بالرغم من كراهيتهم له.

6
– ارميا في مصر

 لما
ُقتل جدليا، عبثا حث ارميا النبي الشعب ألا يهربوا إلى مصر إذ ذهبوا وأرغموه هو
وصديقه باروخ علي مرافقتهم في رحلتهم (41 : 1 – 43 : 7)، وهناك نطق نبواته الأخيرة
في تحفنحيس بمصر (43 : 8 – 44 : 30)، يوجد تقليد يقول أنه رجم في مصر بسبب
توبيخاته لشعبه

 

محور السفر:

 +
الخطية، العقاب، الله رب الجميع، قلوب جديدة، الخدمة الأمينة + إصلاح القلب
الداخلي

+
ترقب مجئ المسيح + الخطية تؤدى إلى كوارث عظيمة + تأديبات الرب ممتزجة بحنوه

 

أهم الشخصيات:

ارميا
– صدقيا – يهوياقيم

 

أهم الأماكن:

أورشليم
– بابل

 

غاية السفر:

القضاء

 

غرض السفر:

1
– كان يرجو أن يدخل بيهوذا إلى التوبة لكي يتجنب كارثة السبي البابلي

2-
الحاجة إلى إصلاح القلب الداخلي

 صار
القلب نجسا بالطبيعة كثمرة للسقوط (17 : 9)، منه تنبع الخطية (4: 4 ؛ 7: 9، 12 : 2)
فيتقسى ويزداد عنادا (7: 24 ؛ 9 : 14 ؛ 23 : 17)، فيه يصب الله اشتياقاته (11 : 20
؛ 17 : 10 ؛ 20 : 12)، صارت الحاجة إلى شريعة يمكن أن تنقش علي القلب ذاته (31 :
33 ؛ 24 : 7)

3-
ترميم بيت الرب ليس غاية في ذاته : لا تتكلوا علي كلام كذب قائلين : هيكل الرب
هيكل الرب هيكل الرب هو " 7: 4. تنبأ عن خرابه، إعلانا عن الخراب الذي حل
بهيكل القلوب غير المنظورة

4-
عدم الارتكان علي مجرد حيازة سفر الشريعة أو التمتع بوجود تابوت العهد في وسطهم
إنما الحاجة أيضا إلى نقش الشريعة في القلب وإعلان حضرة الله فيهم، فإن لم ترتبط
بذبيحة الطاعة أو ذبيحة القلب (17 : 24 – 27 ؛ 27 : 19 – 22 ؛ 3 : 10، 11، 17)
تصير بلا قيمة أشبه برشوة لا يتقبلها الله

5-
يهتم الله بختان القلب (4: 4) والأذن (6 : 10) ويطلب اغتسالنا من الآثم لا مجرد
اغتسال الجسد (2 : 22)

6-
بالنسبة للاتكال علي الآباء السابقين ومحبة الله لهم وشفاعتهم لديه (15 : 1) وعلي
الآباء المجاهدين أيضا (7 : 16 ؛ 11: 14 ؛ 14 : 11)، الله يطلب منا التوبة فصلاة
الغير عنا لا تسندنا ما لم نطلب من الله العون

7
– الله هو سيد التاريخ يعمل لخير البشرية كلها، يوجه الله التاريخ لخير شعبه وكل
الأمم أيضا كالخزاف الذي يخرج من الطين أوان جميلة (18 : 1 – 6)، هو الذي يحث
نبوخذنصر خادمه (27 : 6) مع أنه وثني، لتأديب يهوذا ليعود الله فيؤدب الأمم علي
خطاياها (25 : 15 – الخ ؛ ص 46)، إنه يقيم الأمم ويزيلها بخطة إلهية فائقة (18 : 7
– 10)

8
– خطب الله إسرائيل (كنيسة العهد القديم) عروسا، لكن الحاجة إلى عهد جديد، دُعي
إسرائيل بكر حصاد الله (2: 3) يتقبله كأنه بكور الكل وميراثه المقدس (12: 7 – 9)،
وكرمه (12 : 10)، وقطيعه (13 : 17)، وعروسه (2 : 32)، ومحبوبته (11 : 15 ؛ 12 : 7)،
لهذا يطلب منها أن تسلك كما يليق بكرامتها وحبه لها (2: 2 – الخ ؛ 6 : 16 -الخ)،
إذ دخل معها في عهد خاص (7 : 23، 11 : 4، 24 : 7 ؛ 31 : 33)، لا ينسي الله حب صبا
شعبه (2: 2 ؛ 3 : 4)، اله رحوم (3 : 13 – الخ) يهتم بإسعاده، لا يتوقف عن تكرار الدعوة
له لكي يعود إليه، تكررت كلمة " ينسي" أو ما يماثلها 24 مرة، كما تكررت
كلمة " مرتد " أو ما يعادلها 13 مرة، و" ارجع " 47 مرة، علاقة
الله بشعبه هي أيضا علاقة شخصية تمس حياة كل عضو في الجماعة، هي علاقة الله بكل
قلب لذا يهتم أن يكون مقدسا لكي يدخل في هذه العلاقة خلال العهد الإلهي (31 : 33 –
34)

9
– الحاجة إلى المسيا الملك البار ليحقق الخلاص

 

سمات السفر:

 1
– مال ارميا النبي إلى التوبيخ بشدة مع فتح باب الرجاء لأن السبي كان علي الأبواب

 2
– يكشف عن قلب نبي مملوء حبا وحنوا لقد انحرف الشعب إلى عبادة الأوثان (16 : 10 –
13، 20 ؛ 22 : 9 ؛ 32 :34،35 ؛ 44 : 2، 3، 8، 17) وقدموا أحيانا أطفالهم ذبائح
للآلهة الغربية (7 : 30 – 34) ومع هذا بحب شديد كان يصلي من أجلهم (14 : 7، 20)
حتى حين أمره الله أن يكف عن ذلك (7 : 16، 11: 14 ؛ 14 : 11)

3
– كان يطلب أن يري الله ساكنا في وسط شعبه (7 : 23) وفي نفس الوقت يطلبه ساكنا في
كل قلب، يكشف عن خطية الشعب ككل (17 : 1)، وأيضا عن نجاسة القلب التي اتسم بها
الأشخاص (17 : 9)، يطلب توبة جماعية مع توبة قلبية شخصية.

4
– له إرادة لا تقهر من جهة إقامة شعب مقدس لله.

5
– يقدم ارميا مفاهيم لاهوتية روحية حية، خطية الشعب هي كسر الميثاق مع الله
والتوبة هي عودة إليها، كل الخطايا موجهة ضد الله نفسه. حب أكيد حتى في لحظات
السقوط تحت التأديب. الحاجة هي إلى دخول في عهد جديد (31 : 31 – 34)

 

أقسام السفر:

 جاء
السفر مرتبا ترتيبا موضوعيا وليس تاريخيا، السفر في غالبيته مجموعة عظات ألقاها
النبي في مناسبات متكررة ومتشابهة في أيام ملوك مختلفين، يمكن تقسيم نبواته علي
ثلاثة أقسام رئيسية مع مقدمة وختام

+
دعوة أرميا ورسالته ص1.

+
نبوات ما قبل سقوط أورشليم (مع الوعد بالرجوع من السبي) ص 2 – 33

+
تاريخ سقوط أورشليم ص 34 – 45

+
نبوات عن الأمم الغربية ص 46 – 51

 

يري
البعض أن ارميا عاصر السبي في مراحله الأربع:

 +
السبي الأول : سنة 606 ق. م في أيام يهوياقيم فيه سبي دانيال وأصدقاؤه الثلاثة (2
أي 36 :6،7، دا 1: 1، 2، 6)

 +
السبي الثاني : سنة 599 ق.م في أيام يهوياكين ويسمي السبي العظيم (2 مل 24 : 8 –
16، 2 أي 36 : 9، 10) فيه سبي حزقيال النبي (حز 1: 1، 2) ومردخاي (أس 2 : 6)

 +
السبي الثالث : : سنة 588 ق.م بسبب تمرد صدقيا الملك علي نبوخذنصر (2 أي 36 : 13)
اضطر صدقيا إلى الهروب فقبض عليه

 +
الدمار الكامل : سنة 584 ق.م علي يد نبوزردان رئيس الشرط (إر 52 : 12، 30) حيث
أحرق بيت الرب وبيت الملك وهدمت أسوار المدينة وبعد ثلاثة أيام انتهت أعمال
التدمير الشامل فصار اليوم العاشر من الشهر الخامس يوم بكاء لسقوط أورشليم (إر 52
: 12، زك 7 : 3، 5)

المسيا في سفر أرميا:

 أساء
ملوك بيت داود القيادة فتشتت الرعية (21 : 1 – 23 : 3) لذلك وعد الله بمجيء ملك
جديد من نسل داود

(23
: 3 – 6) تطلع إلى العصر المسياني الذي فيه يحقق السيد المسيح التجديد الروحي الحق
فيقدم الله عهدا جديدا حيث يملك روحيا علي القلب (23 : 5 – 8 ؛ 30 : 4 – 11 ؛ 33 :
14 – 26 ؛ 32 : 36 – 41) وبهذا ينتهي الطقس اليهودي في حرفيته وينفتح الباب لدعوة
الأمم (3 : 17) امتزجت مرارة أرميا بحلاوة خلال رؤيته السيد المسيح المخلص، بروح
النبوة رأي العصر المسياني كعلاج حقيقي للخراب الحال 23 : 5، 6، ورأي السيد المسيح
الذبيح 11: 19، ارتبطت شخصية أرميا بشخصية السيد المسيح (مت 16 : 14)،

أهم
ملامح هذا الارتباط هي:

+
عاش أرميا يحمل في داخله أثقال شعب الله بمرارة 4 : 19 ؛ 9 : 1 وقيل عن السيد
المسيح " رجل أوجاع ومختبر الحزن " أش 53 : 3

+
أبغضه الشعب مع القيادات بسبب توبيخه لهم وهكذا أبغضوا السيد المسيح يو3 : 20

+
تنبأ أرميا النبي عن خراب أورشليم 1: 15، 16 وأعلن السيد المسيح ما سيحل بأورشليم
مت 23 : 37، 38

+
يقوم الإصلاح الحقيقي بهدم الشر تماما، أي هدم الإنسان القديم والتمتع بالخير، أي
قيامة الإنسان الجديد ليكون الإصلاح جذريا 1: 10

+
حمل العار من أجل الرب : " اعرف احتمالي العار لأجلك " إر 15 : 15، كما
قيل عن السيد المسيح : تعييرات معيريك وقعت علي " ر و15 : 3

+
عرض أرميا النبي الكثير من الأسئلة التي لا إجابة لها إلا بمجيء السيد المسيح
وإقامة العهد الجديد نذكر علي سبيل المثال (5: 7 مع أف 1: 7 ؛ 8 : 22 ؛ 13 : 23 مع
غلا 6 : 15 ؛ 12 : 5 مع 1كو15 : 57)

+
يري السيد المسيح في سفر أرميا إنه : بلسان في جلعاد (8 : 22) أي دواء للنفس
المنكسرة، وطبيب بنت شعبي (8 : 22)، والراعي الصالح (31 : 10)، رجاء الكنيسة (14 :
8 ؛ 50 : 34)، الفخاري يشكل طبيعتنا (الطين) بيده الإلهية (18 : 6)، غصن بر(23 :
5)، داود الملك(30 : 9) ينبوع المياه الحية (2 : 13).

+
أما أهم النبوات المسيانية فهي : ميلاده كابن لداود (23 : 5 ؛ 33 : 15 ؛ أع 13 :
22 ؛ ر و1: 3) ولاهوته : " الرب برنا " 23 : 6 (1كو1 :30) وقتل أطفال
بيت لحم (31 : 15، مت 2 : 16، 18)، وتقديم نفسه ذبيحة حب

 (11
:19)، وحمله العار (15 : 15)، وعدم جلوسه في مجلس المازحين مبتهجا (15 : 17).

 

مقارنة بين الأنبياء الكبار أشعياء، أرميا، حزقيال، دانيال من حيث:

1-
تاريخ الكتابة

أشعياء
: أثناء مجد يهوذا

أرميا
: أخر أيام يهوذا

حزقيال
: بين المسبيين

دانيال
: قصور ملوك الأمم بالسبي

 2-
موضوع الإعلان

أشعياء
: القدوس المخلص، تمجد الابن المخلص

أرميا
: مقاومة للخطية والتمتع بعهد جديد، تمجد الأب المهذب

حزقيال
: هيكل الله الجديد، تمجد الروح القدس

دانيال
: الله ضابط التاريخ

 3-
الشخصيه

أشعياء:
من العائلة الملكية

أرميا
: كاهن ريفي قبل السبي

حزقيال
: كاهن في السبي

دانيال
: رجل دولة في السبي

 4-
ما يشغله

أشعياء
: بيت لحم والجلجثة، يدعو للإيمان

أرميا
: قلب الإنسان، يدعو للحب

حزقيال
: الهيكل عرش الله، يدعو للرجاء

دانيال
: الحجر الذي ملأ الأرض

 5-
الحالة

إشعياء
: متعز بالخلاص

أرميا
: باك من أجل شعبه

حزقيال
: يسخر به شعبه

دانيال
: في سلام في جب الأسود

 

بين أرميا ونحميا :

حمل
الاثنان عواطف متأججة بالحب لشعب الله (نح 1 : 4 ؛ إر 9 : 1)، وشعر كلاهما أن
خطايا الشعب هي خطاياهما (نح 1 : 6، 7 ؛ إر 14 : 7)، كما وقفا كشفيعين في الشعب (نح
5: 14 – 19 ؛ 13: 31) " أذكر وقوفي أمامك لأتكلم عنهم بالخير لأرد غضبك عنهم
" (إر 18 : 20) وكانا مخلصان في حُبهما لوطناهما

 

مضمون السفر:

بدأ
إرميا، النبي الكاهن، خدمته خلال ال 40 سنة الأخيرة من تاريخ مملكة يهوذا، بعد أن
هزم الأشوريون مملكة إسرائيل الشمالية بحوالي 100 سنة. وقد بدأت خدمته العلنية في
السنة ال 13 من حكم الملك التقي يوشيا الذي ملك لمدة 31 سنة. واستمرت خدمة إرميا
خلال فترة حكم أربعة ملوك أشرار هم: يهوآحاز، ويهوياقيم، ويهوياكين، وصدقيا.
وأثناء هذه المدة، بما فيها الفترة التي تولى فيها جدليا الحكم لوقت قصير، وقف
إرميا بمفرده – وتعرض للبغضة والاضطهاد.

وبمرور
السنين، ضعفت الإمبراطورية الأشورية وأخذت مكانها الإمبراطورية المادية البابلية.
ووقعت إسرائيل تحت سيطرة نبوخذنصر بعد أن هزم مصر في كركميش، المدينة الرئيسية في
شمال سوريا والتي كانت تحمي طريق التجارة الرئيسي عبر نهر الفرات. وحدث غزو يهوذا
بعد حوالي سبع سنوات، وفي السنة الحادية عشر من ملك صدقيا سقطت أورشليم وسرعان ما
تحققت للإمبراطورية البابلية السيادة الكاملة على العالم.

وأحداث
هذا السفر ليست مرتبة تاريخيا ولكنها مرتبة بحسب ما استحسنه الروح القدس من أجل
تنوير إدراكنا الروحي.

الأصحاحات
1-38 هي نبوات جاءت قبل سقوط أورشليم -ابتداء من أيام يوشيا (إرميا 6:3) – وهي
مؤرخة طبقا للكلمات الافتتاحية في كل أصحاح. وقد تعين إرميا نبيا للشعوب (إرميا
5:1) وأنذر مملكة يهوذا بأن تتوب عن خطاياها وأن تعبد الرب. الأنبياء يتنبأون
بالكذب والكهنة تحكم على أيديهم، وشعبي هكذا أحب!… من النبي إلى الكاهن كل واحد
يعمل بالكذب (إرميا 31:5؛ 13:6). (ملاحظة: فشحور في أصحاح 20 ليس هو نفسه فشحور بن
ملكيا في أصحاح 1:21 و1:38).

وقد
أدان الرعاة الكذبة (إرميا 34:25) الذين هم آخر أربعة ملوك على يهوذا: يهوآحاز
[شالوم]، ويهوياقيم، ويهوياكين [يكنيا]، وصدقيا. وأدان أيضا المعلمين الكذبة
(إرميا 1:23-2)، والأنبياء الكذبة (إرميا 9:23)، والكهنة الكذبة (11:23).

الأصحاحان
29-30 موجهان للسبايا الأوائل الذين تم ترحيلهم من مملكة يهوذا إلى بابل قبل
دمارها النهائي ببضعة سنوات: أرسل إلى كل السبي… ها أيام تأتي، يقول الرب، وأرد
سبي شعبي إسرائيل ويهوذا (إرميا 31:29؛ 3:30).

وأصحاح
39 مخصص لدمار أورشليم، والقبض على صدقيا، وإطلاق سراح إرميا من السجن.

الأصحاحات
40-44 هي رسالة موجهة إلى بني إسرائيل بعد دمار أورشليم، أولا في يهوذا (أصحاح
40-42) ثم في مصر (أصحاح 43-44).

أصحاح
45 مخصص لباروخ كاتب سفر إرميا.

الأصحاحات
46-51 هو نبوات مختصة بالشعوب الوثنية.

أصحاح
52 مخصص لصدقيا، آخر ملوك يهوذا، والذي قبض عليه وهو يحاول الهرب، فأذلوه واقتلعوا
عينيه، وأخذوه مقيدا إلى بابل (2 ملوك 18:24 – 30:25). وهو يذكر السبب الذي أدى
إلى دمار مملكة يهوذا المجيدة والتي عاصمتها هي أورشليم: هكذا قال الرب إله
إسرائيل: ملعون الإنسان الذي لا يسمع كلام هذا العهد… فلم يسمعوا ولم يميلوا
أذنهم (إرميا 3:11،8؛ أيضا 15:30).

 

حياة إرميا النبي:

أولا
– الاسم والشخصية : إرميا واحد من أنبياء إسرائيل العظام، ولأن الاسم كان شائع
الاستعمال، لذلك يدعي النبي " ابن حلقيا " (إر 1 : 1)، وهو ليس حلقيا
رئيس الكهنة الذي جاء ذكره في الأصحاحين الثاني والعشرين والثالث والعشرين من الملوك
الثاني، إذ يذكر عنه فقط أنه " من الكهنة الذين في عناثوث في أرض بنيامين
". وفي عناثوث – وهي الآن قرية " أناتا " على سفر ساعة ونصف شمالي
شرق أورشليم – عاشت فئة من الكهنة تنتمي إلى فرع صادوق الكاهن (1 مل 2 : 26).

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس س سيلابوس س

 

ثانياً
– حياة إرميا : لقد دعا الرب إرميا للخدمة كنبي وهو بعد شاب (1 : 6) في نحو
العشرين من عمره، في السنة الثالثة عشرة للملك يوشيا (1 : 2، 25 : 3) في سنة 627
ق.م. وظل نشيطاً في خدمته من ذلك الحين حتى خراب أورشليم في 586 ق.م، طيلة حكم
الملوك يوشيا ويهوآحاز ويهوياقيم ويهوياكين وصدقيا، وحتى بعد سقوط أورشليم، ظل
يتنبأ وهو في مصر لعدة سنوات على الأقل، فامتدت خدمته نحو خمسين عاماً. ويحتمل أنه
عاش أولاً في عناثوث وكان يتردد علانية على أورشليم في المناسبات والأعياد الكبيرة،
ثم سكن أخيراً في أورشليم، وكان بها في الأيام العصيبة من حصار المدينة وخرابها.

ومع
أن الملك يوشيا كان يخاف الله ومستعداً لخدمة يهوه، وسرعان ما أعلن اصلاحاته حسب
شريعة يهوه، في السنة الثامنة عشرة من ملكه، إلا أن إرميا عندما دعي لخدمته
النبوية، لم يشك اطلاقاً في أن دينونة الله ستحل على المدينة قريباً (1 : 11 وما
بعده). وعندما وجد سفر الشريعة في الهيكل بعد سنوات قليلة (2مل 22، 23) أذاع إرميا
كلمات " هذا العهد " على الشعب الذين كانوا في المدينة وفي كل نواحي
البلاد (11 : 1 – 8، 17 : 19 – 27) وحثهم بشدة على الطاعة للوصية الإلهية. ولكنه
بعمله هذا صار موضوع كراهية شديدة وبخاصة في موطنه عناثوث. بل إن إخوته وأقاربه
تآمروا عليه، بإعلانهم أنه من أخطر المتعصبين (12 : 6). وعلى أي حال، كانت أيام
إرميا في عهد هذا الملك التقي أسعد أيام خدمته، وقد رثاه إرميا عند موته المبكر
بمراث حزينة، نوه عنها كاتب سفر الأخبار (2 أخ 35 : 25) ولكنها لم تصل إلينا.

وكانت
أحوال إرميا على غير ما يرام بعد وفاة يوشيا، فقد تلقي الملك يهوآحاز (شلوم) –
الذي حكم ثلاثة أشهر فقط – إعلان القضاء عليه، من إرميا (22 : 10 وما بعده). أما
يهوياقيم (609 – 598 ق.م) فقد أيد بدوره عبادة الأوثان، وضايق الشعب بمحبته للترف
وإقامة المباني الضخمة (إرميا 22 : 13 وما بعده)، علاوة على أن سياسته كانت مبنية
على الخيانة والغدر، فقد تآمر مع مصر على سيده نبوخذ نصر. وجاءت اللحظة الحاسمة في
السنة الرابعة من ملكه، حين انتصر الكلدانيون في موقعة كركميش في غربي أسيا، كما
سبق أن تنبأ إرميا (46 : 1 – 12).

وفي
أيام يهوياقيم ألقي إرميا خطابه العظيم في الهيكل (الأصحاحات 7 – 9، 10 : 17 – 25)
فصمم الكهنة على قتله (الأصحاح 26)، ولكن الرؤساء ذوي النفوذ أنقذوه من أيديهم،
ولكنه تعرض للإهانة من المسئولين تلبية لرغبة الكهنة (ص 20). ونرى من إرميا (36 :
1، وما بعده)، أنه لم يعد يسمح له بالدخول إلى الهيكل، ولهذا أمره الرب أن يجمع
نبواته في درج، وأن يقرأها للشعب تلميذه الأمين " باروخ " (36، 45).
ولما وقع السفر في يد الملك، أحرقه، ولكن إرميا عاد وأملى السفر ثانية على باروخ
مع إضافات جديدة.

أما
يهوياكين أو كنياهو (22 : 24 وما بعده) ابن يهوياقيم، فبعد أن حكم ثلاثة أشهر،
أخذه نبوخذ نصر أسيراً إلى بابل، وأخذ معه عدداً كبيراً من النبلاء وخيرة الشعب (24
: 1، 29 : 2) كما سبق وتنبأ إرميا (22 : 20 – 30)، ولم تتحسن الأمور في عهد صدقيا (596
– 585 ق.م) مع أن الملك نفسه لم يكن معادياً لإرميا مثلما كان يهوياقيم، ولكن كان
أكثر الناس كراهية له هم الأمراء وقادة الجيش الذين أصبح بيدهم الأمر بعد أن اجليت
أفضل طبقة من الشعب إلى بابل. وظلوا في تمردهم ضد بابل، مما اضطر إرميا معه إلى
معارضة حركة وطنية من ذلك النوع. وأخيراً جاء الجيش البابلي لمعاقبة الملك الخائن
الذي دخل مرة أخرى في تحالف مع مصر. لقد نصحه إرميا بإلحاح بالخضوع، ولكن الملك
كان ضعيفاً وجباناً جداً أمام نبلائه، فطال الحصار، وسبب معاناة رهيبة في حياة
إرميا، إذ ألقاه قادة الجيش في سجن قذر متهمين إياه بالخيانة (37 : 11 وما بعده)
أما الملك الذي استشاره سراً، فقد أخرجه من السجن ووضعه في دار السجن (37 : 17 وما
بعده) حيث استطاع أن يتحرك بحرية وأن يتنبأ مرة أخرى. وإذ حل القضاء، أمكنه أن
يتحدث عن رجاء المستقبل (32، 33). ويحتمل أن أصحاحي (30، 31) يشيران إلى تلك
الفترة، ولكن بسبب استمرار ندائه للشعب بالتسليم، ألقاه المسئولون في جب موحل،
ولكن أحد رجال البلاط – عبد ملك – أشفق عليه وأنقذه (39 : 15 – 18)، فعاد مرة أخرى
إلى دار السجن، وبقى هناك حتى فتحت أورشليم.

وبعد
احتلال المدينة، عامله البابليون باحترام عظيم عندما علموا أنه تحدث لصالحهم (39 :
11 – 40 : 1 وما بعده) وأعطوه حرية الاختيار بين الذهاب إلى بابل أو البقاء في
وطنه، ولكنه قرر البقاء، وذهب إلى جدليا الوالي في المصفاة، وكان جدلياً إنساناً
جديراً بالثقة، ولكن عندما اغتال المعارضون الأثمة هذا الرجل بعد فترة وجيزة، قرر
اليهود الذين كانوا قد تُركوا في فلسطين – مهددين وخائفين من انتقام الكلدانيين –
أن يهاجروا إلى مصر، فحذرهم إرميا بشدة وأنذرهم بانتقام يهوه إذا أصروا على ذلك (42
: 1 وما بعده)، ولكنهم أصروا على رأيهم، بل وأجبروا النبي الشيخ على الذهاب معهم (43
: 1 وما بعده)، وكانت وجهتهم الأولى مدينة تحفنحيس في مصر السفلى (الوجه البحرى)
وهناك واصل إرميا مناداته بكلمة الله لزملائه الإسرائيليين ونجد شيئاً من ذلك في (43
: 8 – 13)، وفي عظته في الأصحاح الرابع والأربعين، التي قالها في وقت لاحق، ولكن
قبل 570 ق.م. ولا بد أن إرميا كان قد بلغ في ذلك الوقت مابين السبعين والثمانين من
عمره ويحتمل أنه مات بعد ذلك بقليل في مصر. ويقول بعض آباء الكنيسة إن اليهود قد
رجموه حتى الموت في تحفنحيس. (جيوم وترتليان … وغيرهما)، ولكن ليس لهذا القول ما
يؤيده تماماً، وهو أشبه بالتقليد اليهودي الذي يقول إنه أخذ من مصر إلى بابل ومعه
باروخ بأمر نبوخذ نصر، وهناك مات.

ثالثاً
– صفات إرميا الشخصية : لا يقدم لنا سفر إرميا صورة كاملة لحياة النبي ورسالته
فحسب، بل يقدم لنا أيضاً الكثير عن حياته الداخلية ومشاعره أكثر من أي نبي آخر.
فمن هذا السفر نعرف أنه كان بطبيعته رقيقاً في مشاعره وعواطفه، وإن كانت له صورة
مغايرة في رسالة القضاء القاسي، التي كان عليه أن ينادي بها. لقد جعله الله في
تبليغ رسالته مثل الحديد صلباً لا يلين (1 : 18، 15 : 20). هذا التناقض بين مشاعره
الشخصية الرقيقة الدافئة، وبين رسالته الصارمة، يظهر بوضوح – مرات عديدة – في
تعبيراته القلبية في نبواته. لقد ابتهج أولاً عندما تكلم الله إليه (15 : 16)،
ولكن سرعان ما صارت كلمات الله في قلبه مصدراً للألم والمعاناة (15 : 17 وما بعده).
كان يود أن لا ينطق بها، لكنها اشتعلت في قلبه كالنار (20 : 7، 23 : 9). لقد كان
في حاجة إلى المحبة، ولكن لم يسمح له بالزواج (16 : 1 وما بعده). لقد اضطر أن يهجر
مباهج الشباب (15 : 17). لقد أحب شعبه أكثر مما فعل غيره، ومع ذلك اضطر إلى التنبؤ
عليهم بالشر، وبدا كما لو كان عدواً لأمته، وكثيراً ما جعله هذا حزيناً. لقد شعر
بعمق العداوة التي كان هو ضحيتها لأنه لم يعلن إلا الحق. (انظر شكواه 9 : 1، 12 :
5، 15 : 10، 17 : 14 – 18، 18 : 23 …) وفي هذا الصراع المؤلم بين قلبه ووصايا الرب،
كان يتمنى لو أن الله لم يكلمه، بل لقد لعن اليوم الذي ولد فيه (15 : 10، 20 : 14
– 18، انظر أيوب 3 : 1 وما بعده). ويجب أن نميز بدقة بين هذه الشكاوى وبين تلك
التي أبلغها الرب بروحه للنبي، إن الله يوبخه على هذه الشكاوى ويطلب إليه أن يتوب
وأن يثق فيه ويطيعه (15 : 19)، فيصبح راسخاً لا يتزعزع. بل إن إدانته المريرة
لأعدائه (11 : 20، وما بعده، 15 : 15، 17 : 18، 18 : 21 – 23) نبعت جزئياً من
طبيعته العميقة الحساسة، وتظهر الفرق الكبير بينه وبين " المتألم الكامل
" الذي صلي من أجل ألد أعدائه. ولكن على أي حال، كان إرميا أشبه ما يكون
" بالمخلص المتألم " أكثر من كل قديسي العهد القديم، وقد ظل ككاهن يصلي
من أجل شعبه حتى نهاه الله عن ذلك (7 : 16، 11 : 14، 14 : 11، 18 : 20). لقد كان
عليه – أكثر منهم جميعهم – أن يتألم بسبب غضب الله على الشعب. لقد شعر أفراد الشعب
أنفسهم أنه كان يريد خيرهم، ويمكننا أن نرى ذلك في أن الشعب المتمرد – الذين فعلوا
دائماً عكس ما أمرهم به، والذين اعتبروه نبياً غير مرغوب فيه – إضطروه للذهاب معهم
إلى مصر لأنهم أدركوا أنه هو العبقري الفذ بينهم.

رابعاً
– نبوات إرميا : كان على إرميا أن ينادى بقضاء الله على يهوذا، وذلك بسبب ارتداد
الشعب عن يهوه، وعبادتهم الأصنام على المرتفعات كما فعل إسرائيل، لقد وجدت
الممارسات الوثنية الشريرة طريقها إلى حياة الشعب، لقد دخلت الوثنية صراحة بواسطة
أشخاص من أمثال منسى، حتى وصلت إلى تقديم الأطفال ذبيحة " لبعل ومولك "
في وادي بن هنوم (7 : 18، 19 : 5، 32 : 35) وعبادة " ملكة السموات " (7
: 18، 44 : 19). صحيح أن إصلاحات يوشيا قد اكتسحت أسوأ هذه الشرور، ولكنها لم تؤد
إلى عودة قلبية حقيقية إلى الرب، ولأن هذه الاصلاحات كانت أكثر ما تكون سطحية
خارجية لإرضاء الملك، وهكذا يدين إرميا الشعب للخطايا السابقة، ويضيف إليها ذنوب
الجيل المعاصر (18 : 11 وما بعده). ومع هذا النفاق الديني، جاء الفساد الأخلاقي
كعدم الأمانة والظلم واضطهاد العاجزين والنميمة وأمثالها (انظر الاتهامات في 5 : 1
وما بعده و7 و26، 6 : 7 و13، 7 : 5 و9، 9 : 2 و6 و8، 17 : 9، 21 : 12، 22 : 13، 23
: 10، 29 : 3 … الخ – وهي اتهامات موجهة إلى القادة الروحيين والكهنة والأنبياء).

وقد
أعلن إرميا منذ البداية، أن القضاء القادم قريباً، عقاباً لخطايا الشعب، سيكون غزو
البلاد بواسطة عدو سيجتاحها من الخارج، كما هو واضح من رؤيا القدر المنفوخة ووجهها
من جهة الشمال، التي رآها النبي في بدء دعوته (1 : 13 و14)، ولم يذكر اسم هذه
القوة القادمة من الشمال، إلا في السنة الرابعة ليهوياقيم (ص 25) حيث تحدد اسم نبوخذ
نصر على أنه هو الفاتح المنتصر. ويظن البعض أنه في السنوات الأولي كان السكيثيون
في ذهنه عندما تحدث عن الأعداء الذين سيأتون من الشمال، وبخاصة في الأصحاحات من 4
– 6، وقد ذكر هيرودوت أن السكيثيين – قبل دعوة إرميا للنبوةبسنوات قليلة – كانوا
قد احتلوا ميديا ثم عبروا أسيا الصغرى واقتحموا طريقهم حتى مصر، مخترقين كنعان
ومارين في مسيرتهم من الشرق إلى الغرب " ببيت شان ". كما يحتمل أن
التخريب الذي أحدثه هؤلاء الناس العتاة، كان له أثره في اللهجة التي استخدمها
إرميا في نبواته (4 : 11، 5 : 15، 6 : 3 و22) ولكن ليس من المعقول أن إرميا لم
يتوقع أكثر من النهب والسلب بواسطة جحافل السكيثيين البدو، فلم يكن للسكيثيين
المركبات الموصوفة في (4 : 13)، والأكثر من هذا، ينبغي أن لا ننسي أن إرميا منذ
البداية تكلم عن إجلاء شعبه إلى تلك البلاد الأجنبية (3 : 18، 5 : 19)، بينما لم
يكن سبي إسرائيل إلى بلاد السكيثيين في الحسبان. وعلى أي حال، فمنذ السنة الرابعة
ليهوياقيم، صرح إرميا أن الكلدانيين هم العدو الذي سيأتي من الشمال (انظر إش 39 :
6، ميخا 4 : 10، حب 1 : 6). وهناك أيضاً أنبياء آخرون يعتبرون أن البابليين ينتمون
إلى مجموعة الأمم الشمالية (زكريا 6 : 8) لأنهم كانوا دائماً يأتون من الشمال، كما
أنهم كانوا الخلفاء الشرعيين للأشوريين.

على
النقيض من أدعياء النبوة الذين كانوا يأملون في معالجة الأمور (6 : 14)، فإن إرميا
– منذ البداية تنبأ بخراب المدينة والهيكل، وعن نهاية الأمة اليهودية وسبي الشعب بواسطة
هؤلاء الأعداء القادمين من الخارج. وبناء على ما جاء في إرميا (25 : 11، 29 : 10)
نجد أن مدة السيادة البابلية (وليس بالضبط مدة السبي) كانت لا بد أن تستمر سبعين
عاماً يعقبها الخلاص من قبضتها. تكرر الوعد بذلك في السنوات الأولي من حياة النبي (3
: 14، 12 : 14، 16 : 14)، كما تكرر أيضاً بكثرة في أثناء الحصار وبعده (23 : 1، 24
: 6، 47 : 2 – 7).

وأهم
مايميز النبي إرميا هو تقواه الروحية العميقة، فمآل العبادة الخارجية إلى الدمار
لأنها مظاهر تفتقر إلى روح الاحساس بخوف الله، فالختان الظاهري لا قيمة له بدون
نقاوة القلب الداخلية، وسيحيق الدمار بالهيكل لأنه أصبح مخبأ للخطاة، وأصبحت
الذبائح بلا قيمة لافتقار الذين يقدمونها إلى الحياة الروحية، وهذا كله يحزن الله.
لقد شجب تفسير شريعة الله وتطبيقها (8 : 8)، حتى تابوت العهد لم يعد يعلن مجد حضور
الرب. كان لا بد للشريعة أن تكتب على قلوب الناس (31 : 31 … الخ). وإن كان النبي
لا يصف أمجاد زمن المسيا بالتفصيل، إلا أنه يذكر مراراً أوصافها الروحية في عبارة
" الرب برنا " (23 : 6، 33 : 16). وعلى كل حال لا ينبغي أن نقلل من قيمة
مثالية إرميا، فقد آمن بعودة حقيقية لسيادة الله عملياً، مثل سائر الأنبياء (الأصحاحات
31، 32، 38 – 40).

أما
من جهة تعبيرات إرميا النبوية، فقد كان ذا طبيعة شاعرية، ولكنه لم يكن شاعراً فحسب،
بل كثيراً ما استخدم أسلوب الرثاء، ولكنه لم يكن مقيداً به، بل كان ينتقل بحرية
إلى الأوزان الشعرية الأخرى ومنها إلى الأساليب النثرية حسب مقتضى الحال. والنغمة
الحزينة الرتيبة التي تنسجم مع رسالته الحزينة، تتحول أحيانا إلى تعبيرات متنوعة
أكثر حيوية عندما يتحدث النبي عن أمم أخرى، ففي هذه الحال يستخدم تعبيرات الأنبياء
السابقين.

 

النص والترجمات:

1-
اليونانية : وهي موجودة بصفة خاصة في المخطوطات الرئيسية للترجمة السبعينية (المخطوطات
ذات الحروف المتصلة).

2-
السريانية : البشيطة، وهي شبيهة باليونانية ولكنها أكثر تحرراً، وقريبة جداً من
النسخة الفاتيكانية.

3-اللاتينية
: جاءت ترجمة الفولجاتا من اليونانية مباشرة، وهناك ترجمة لاتينية مختلفة نشرها
ساباتييه في كتابه " فرائض الكتاب المقدس " وهي أكثر تحرراً من
الفولجاتا.

هناك
أيضاً ترجمات عربية (تتبع المخطوطة الإسكندرانية) والقبطية (طبعة 1810) والأثيوبية
(طبعة دلمان 1894).

 

محتويات السفر:

أولا
: التهديد بسبي يهوذا ص 1 – 33

 1.
الدعوة للخدمة ص 1 2. عتاب في الأذن ص 2 – 6 3. عتاب في الهيكل ص 7 – 10 (العبادة  الشكلية).

 4.
نقض العهد ص11 – 12 5. مثال المنطقة ص 13 6. التأديب بالقحط ص14 – 15

 7.
منعه من الزواج ص 16 8. خطايا يهوذا ص 17 9. مثل الفخاري ص 18

 10.
مثل إبريق الفخاري ص 19 11. مقاومة فشحور له ص 20 12. صدقيا يسأله ص 21

13.
ارميا يطلب التوبة ص 22 14. مرثاة علي الرعاة ص 23 15. سلتا التين ص 24

16.
إرسال السيف للتأديب ص 25 17. هياج الكل ضده ص 26 18. السقوط تحت نير بابل ص 27

19.
لقاؤه مع حننيا النبي ص 28 20. بقاء السبي 70 عاما ص29 21. العودة وقيام مملكة
داود ص 30 – 33

افتتح
ارميا النبي السفر بدعوته للخدمة (ص 1)، بعدها قدم لنا مجموعة عظات فيها يؤكد
تأديبات الله ليهوذا خاصة بالسبي إلى بابل، بسبب عدم توبة الشعب متكلا علي شكليات
العبادة (ص 7 – ص 10) وبسبب الخلط بين عبادة الله الحي والوثنية، ويختمها بتأكيد
التحرر من السبي بعد 70 عاما، مشيرا إلى الحرية من سبي الخطية بدخولنا في عهد جديد
مع الله خلال مملكة داود الجديدة.

 

ثانيا
: تحقق السبي (ص 34 – 45) : في هذا القسم يقدم لنا النبي صورة حية لما حدث في
السبي

1.
عتق العبيد إلى حين ص34 2. موقف الركابيون الأمناء ص35 3. ارميا يملي باروخ ص 36

4.
صدقيا يستشير ارميا ص 37 5. إلقاء ارميا في الجب ص 38 6. سقوط أورشليم ص 39

7.
بقاء ارميا في أورشليم ص 40 8. قتل جدليا والي أورشليم ص 41 9. ارميا يسألهم عدم
الذهاب إلى مصر ص42

10.
ذهابهم إلى مصر ص43 11. نبواته في مصر ص44 12. تعزيته لباروخ في مصر ص45

 

ثالثا
: الأمم الغربية (46 – 51).

إن
كان الله يؤدب شعبه بالسبي، فهو يعاقب الإدارة التي أذلتهم والأمم الذين شمتوا
فيهم. لذلك نطق النبي بنبوات ضد :

1.
مصر ص 46 2. فلسطين ص47 3. موآب ص48 4. عمون وأدوم ص49 5. بابل ص50، 51

رابعا
: ملحق تاريخي (52)

إصحاح
تاريخي مختصر عن سبي أورشليم يعتبر خاتمه لسفر ارميا ومقدمه لمراثيه قيل أن عزرا
وضعه كمقدمة لمراثي ارميا.

 

شرح السفر:

 إرميا 1 – 3

تركزت
رسالة إرميا على الأهمية العظمى لإطاعة كلمة الله. فأي شيء أقل من ذلك سيقود إلى
الوثنية التي تجلب دينونة الله. وقد كان إرميا مكلفا بالذهاب إلى كل من أرسلك إليه
تذهب، وتتكلم بكل ما آمرك به… أهل الشريعة [أي الذين يتداولون الناموس] لم
يعرفوني، والرعاة عصوا عليَّ، والأنبياء تنبأوا ببعل وذهبوا وراء ما لا ينفع
(إرميا 7:1؛ 8:2).

وبعد
ذلك صوّر مشكلتهم قائلا: لأن شعبي عمل شرين: تركوني أنا ينبوع المياه الحية
لينقروا لأنفسهم آبارا، آبارا مشققة لا تضبط ماء (إرميا 13:2). فالشرين كانا
جسيمين في حق الله، الذي وحده يستطيع أن يسدد كل احتياجاتهم. لقد لجأوا إلى عمل
أيديهم – مثل عبادة الآلهة الكاذبة والتحالف العسكري مع مصر – وهذه هي الآبار
المشققة التي لا تضبط ماء.

في
مناخ فلسطين الصحراوي، يعتبر الماء هو الضرورة الأولى لوجود الإنسان. وقد تناحر
الرجال وماتوا من أجل الآبار. ولكن لا أحد يستبدل بحر الجليل بكل جماله وغزارته –
وهو يرمز إلى الله "الماء الحي" – مقابل أفضل الآبار التي من صنع
الإنسان. فمهما كانوا قد تعبوا في حفرها، ومهما كانت تبدو جذابة، فإنهم سيضطرون
إلى الاعتماد على مورد محدود من الأمطار للإبقاء على حياتهم. فنحن نعتبر مثل هذه
المساومة ضربا من الجنون.

ولكن
الرب يقول أن بني إسرائيل ارتكبوا حماقة أكبر من هذه. فلقد كانوا الشعب الوحيد على
الأرض الذي حصل على إعلان عن الله الواحد الحقيقي، وعندهم كلمته التي هي المصدر
الوحيد لماء الحياة. ومع ذلك فلقد تحوّلوا إلى الأوثان.

وقال
بعد ذلك: أليست هكذا كلمتي كنار يقول الرب، وكمطرقة تحطم الصخر؟ لذلك هأنذا على
الأنبياء يقول الرب [أي الأنبياء الكذبة] الذين يسرقون كلمتي (إرميا 29:23-30).
يسرقون كلمتي معناها أن يجعل الإنسان كلماته الشخصية تبدو أكثر أهمية. وهذه واحدة
من أعظم الاهتمامات لدى البعض منا أيضا.

فإنه
توجد اليوم كتب كثيرة تدّعي بتقديم الحلول لكل مشاكل الحياة؛ وللأسف فإنه بالنسبة
للكثيرين أصبحت هذه الكتب بديلا عن الكتاب الوحيد الحقيقي الذي يؤدي إلى الحياة.
إنها لحماقة أن نتحول نحو بدائل من تأليف البشر "من أجل الكسب الشخصي".
إن كل الكتاب… نافع للتعليم (2 تيموثاوس 16:3). فإذا أخذنا في الاعتبار الوقت
المتاح لنا للقراءة، فيجب أن نسأل أنفسنا هذا السؤال: "هل الكتب التي نقرأها
تقودنا إلى قراءة وفهم الكتاب المقدس، أم أنها بديل لما يريد أن يقوله الله
لنا؟" ويجب أيضا أن نسأل أنفسنا: "هل هؤلاء المؤلفون أكثر مصداقية وأشد
حرصا من الخالق على أن يقدموا لنا الحلول لمشاكل الحياة؟"

في
وسط المقاومة استطاع إرميا أن يقول بانتصار: وُجِدَ كلامك فأكلته فكان كلامك لي
للفرح ولبهجة قلبي، لأني دُعيت باسمك، يا رب إله الجنود (إرميا 16:15).

إعلان
عن المسيح: بصفته ينبوع المياه الحية (إرميا 13:2). يسوع هو الينبوع الوحيد الذي
يستطيع أن يروي النفس العطشانة (يوحنا 1:4-26).

 

 إرميا 4 – 6

بدأ
إرميا خدمته الجهارية في السنة ال 13 من جلوس الملك التقي يوشيا على عرش يهوذا
(إرميا 2:1). وكان منسى، جد يوشيا، قد ملك لمدة 55 سنة، أما أبوه آمون فلقد قتل
بعد سنتين فقط. وكانا كلاهما ملكين شريرين وقادا الشعب إلى الانحراف والفساد
الأخلاقي. وكانا قد أشاعا عبادة الآلهة الكاذبة، بما في ذلك تقديم البخور لملكة
السموات (إرميا 17:44-19،25) وتقديم الذبائح البشرية للآلهة الشيطانية.

وقد
ملأ منسى وآمون شوارع أورشليم بدم الأبرياء (إرميا 17:44-19؛ 2 ملوك
6:21،16،19-23؛ 2 أخبار 2:33-9،20-23). وفوق ذلك أضلهم منسى ليعملوا ما هو أقبح من
الأمم الذين طردهم الرب من أمام بني إسرائيل! (2 ملوك 9:21). ومع ذلك، فإن يوشيا
ابن آمون عمل المستقيم في عينَي الرب (2 ملوك 2:22). وفي السنة ال 18 من ملكه، بدأ
يوشيا بتجديد الهيكل وإعادة العبادة الحقيقية، وعمل فصحا لم يحدث مثله في كل تاريخ
إسرائيل (2 ملوك 22:23). وبلا شك أن إرميا كان مشجعا كبيرا لحركة الإصلاح التي قام
بها يوشيا.

وبعد
موت يوشيا (2 ملوك 30:23-32)، ارتدت الأمة إلى الطرق الشريرة التي اتبعها منسى.
وفي الواقع، فإن يوشيا التقي كان كل أبناؤه أشرارا. وبسبب ذلك، كانت خدمة إرميا
صعبة جدا ولم تلق قبولا لدى الناس.

وقد
وصف إرميا حالة الخطية والعناد لدى الشعب بأنه شعب جاهل وعديم الفهم، لهم أعين ولا
يبصرون، ولهم آذان ولا يسمعون (إرميا 21:5). ثم تكلم عن التمرد قائلا: صار في
الأرض دهش وقشعريرة [أي أنه أمر رهيب يجلب الخراب والدمار على البلاد] (إرميا
30:5). لقد كان الشر موجودا في الهيكل، الذي هو مصدر التعليم الروحي. الأنبياء
يتنبأون بالكذب، والكهنة تحكم على أيديهم (إرميا 31:5). وكان الكثيرون يخافون أن
ينادوا ضد الخطايا التي كانت شائعة والتي أدت إلى سقوط الأمة. وآخرون أطلقوا
العنان للطمع، فكانوا يتكلمون فقط بكلمات التملق التي يريد الناس أن يسمعوها
للحفاظ على شعبيتهم. وكنتيجة لذلك، لم يتعلم الشعب ضرورة التوبة والعيش بطريقة
ترضي الله.

وهكذا
أصبحت مملكة يهوذا في حالة يُرثى لها من الانحطاط الأخلاقي حتى أن كلمة الرب صارت
لهم عارا [أي موضع سخرية] لا يسرون بها (إرميا 10:6).

يوجد
اليوم بعض ممن هم أعضاء في الكنيسة، ويشغلون مراكز مرموقة، ويدعمون ميزانية
الكنيسة، ولكنهم يعيشون يوما بعد يوم وسنة بعد سنة بدون أن يبذلوا أي جهد لقراءة
الكتاب المقدس. ويبدو أنهم هم أيضا لا يسرون بها. هؤلاء ينطبق عليهم ما قيل للشعب
في أيام إرميا: لم يصغوا لكلامي وشريعتي رفضوها (إرميا 19:6).

البعض
يجدون تشابها بين سقوط يهوذا والانحدار الأخلاقي السريع الحادث اليوم وتزايد
الديانات الكاذبة. قد يكون ذلك حصيلة جزئية لقلة حضور الاجتماعات سواء في يوم الرب
أو في اجتماعات الصلاة وسط الأسبوع. إن إهمال كلمة الله هي خطوة أساسية نحو
الارتداد. لقد أنبأنا الكتاب المقدس أنه قبل رجوع المسيح سيكون هناك ارتداد [أي
سقوط عظيم] (2 تسالونيكي 1:2-3). فالمسيحي الحقيقي يفرح بكلمة الله – أشهى من
الذهب والإبريز الكثير (مزمور 10:19).

هل تبحث عن  هوت روحى كلمة منفعة 27

إعلان
عن المسيح: كان الرب مستعدا أن يصفح عن أورشليم لو كان فيها شخص واحد بار غير
إرميا (إرميا 1:5). إن الرب مستعد أن يغفر للذين يأتون إليه بقلوب تائبة (1 يوحنا
9:1).

 

 إرميا 7 – 10

حدث
في بداية حكم يهوياقيم ابن يوشيا أن الرب أمر إرميا بأن يقف عند باب بيت الرب حيث
يدخل جموع العابدين الآتين من كل مدن يهوذا (إرميا 11:26-12). وكانت هذه المناسبة
هي أحد الأعياد الثلاثة الرئيسية التي فيها يجب على جميع الذكور أن يأتوا إلى
أورشليم. وكانت هذه الاحتفالات مليئة عادة بالبهجة والفرح. ولكن إرميا لم يوجّه
إليهم كلمات الترحيب وإنما وجه إليهم اتهاما خطيرا من عند الرب: أتسرقون، وتقتلون،
وتزنون، وتحلفون كذبا، وتبخرون للبعل، وتسيرون وراء آلهة أخرى لم تعرفوها، ثم
تأتون وتقفون أمامي في هذا البيت الذي دعي باسمي عليه، وتقولون قد أنقذنا! – حتى
تعملوا كل هذه الرجاسات؟ هل صار هذا البيت الذي دعي باسمي عليه مغارة لصوص في
أعينكم؟ هأنذا أيضا قد رأيت يقول الرب (إرميا 9:7-11).

الأصحاحان
7 و26 يشيران إلى نفس المناسبة. فالكلمات شبه متطابقة، بما في ذلك الإشارة إلى
شيلوه (إرميا 12:7؛ 9:26). وقد اقتبس الرب يسوع من هذه الأصحاحات عندما دخل الهيكل
وطرد الصيارفة قائلا لهم: بيتي بيت الصلاة يُدعى، وأنتم جعلتموه مغارة لصوص (متى
13:21).

وعلى
الرغم من أن الإسرائيليين حافظوا على خدمات العبادة للرب، إلا أنهم أيضا عبدوا بعل
إيزابل وملكة السموات التي تعبدها مصر. وآخرون بنوا مرتفعات توفة التي في وادي ابن
هنوم ليحرقوا بنيهم وبناتهم بالنار [إكراما لمولك إله النار] (إرميا 18:7،31).
ولكن الكهنة والأنبياء والشعب لم يحتملوا الإدانة من إرميا "الضيّق
الذهن": وكل الشعب أمسكوه قائلين تموت موتا (إرميا 8:26). فكانوا يصرون على
أن كل إنسان يجب أن يعبد بحسب ضميره الشخصي، تماما مثل ما نسمعه اليوم. فحذرهم
إرميا وطلب منهم أن يتذكروا أن شيلوه – التي ظلت لعدة عصور مكانا لخيمة الاجتماع –
قد خربت تماما، وإذا لم يتوبوا فإن أورشليم والهيكل سيخربان أيضا كما صنعت بشيلوه
(إرميا 14:7-15).

ولكن
الشعب اعتبر أن هذا تجديف. فإن الهيكل كان يعطيهم إحساسا بالأمان واليقين الشديد
بأن الله الذي أرشد سليمان لبناء الهيكل كمكان سكناه والذي اختار أورشليم مدينة
له، لن يسمح لهما أن يُهدما حيث صنع عهدا مع شعبه المختار. وبعد ذلك قال الرب
لإرميا ثلاث مرات ألا يضيع وقته في الصلاة من أجلهم (إرميا 16:7؛ 14:11؛ 11:14).

لا
يوجد أناس مخدوعون مثل أولئك الذين يتخيلون أن كل شيء على ما يرام طالما أنهم
يحضرون اجتماع العبادة في اليوم الصحيح ومع الجماعة الصحيحة، وأن أسماءهم مسجلة
بوضوح في دفاتر الكنيسة، وأنهم يسمعون المدح الإيجابي من أحد المبشرين المشهورين.

قال
الرب يسوع عن العابدين في أورشليم: يقترب إليّ هذا الشعب بفمه ويكرمني بشفتيه وأما
قلبه فمبتعد عني بعيدا (متى 8:15). وقال أيضا: ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل
ملكوت السموات، بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السموات (21:7).

إعلان
عن المسيح: كالشخص الذي طالب بتطهير الهيكل والعابدين فيه (إرميا 1:7-11). لقد
اقتبس المسيح من هذه الأعداد في متى 13:21 وفي مرقس 17:11. (أيضا 1 كورنثوس
19:6-20).

 

 إرميا 11 – 14

كان
الرجل العبراني يلبس رداء طويلا وواسعا يشبه العباءة، ولتثبيته حول الجسم كان يشده
بحزام من جلد يسمى "منطقة". وكان كل من إيليا ويوحنا المعمدان يرتديان
منطقة من جلد (2 ملوك 8:1؛ متى 4:3؛ أيضا أعمال 8:21-11؛ 2 صموئيل 40:22؛ خروج
11:12).

والمنطقة
المصنوعة من كتان التي كان الكاهن يرتديها تشير إلى العلاقة الوثيقة التي بين
يهوذا وأورشليم وبين الرب – لأنه كما تلتصق المنطقة بحقوي الإنسان هكذا ألصقت
بنفسي كل بيت إسرائيل وكل بيت يهوذا يقول الرب (إرميا 11:13). فكان ينبغي على بني
إسرائيل أن يكونوا مقدسين مثل الكهنة ويعبدون الرب. وكنتيجة لذلك فإن قوة الله المعجزية
ستسدد جميع احتياجاتهم وتوفر لهم الحماية. عندئذ سيكتشف جميع الشعوب ضرورة التخلي
عن آلهتهم الوثنية ليعبدوا الرب. ولكنهم تخلوا عن الرب وتنجسوا فلم يعودوا صالحين
لخدمته المقدسة.

وقد
أرشد الرب إرميا أن يشتري منطقة من كتان ويرتديها، وقال له: لا تدخلها في الماء
(إرميا 1:13). كان عليه أن يترك هذه المنطقة البيضاء الجميلة تتسخ جدا. وفي
النهاية قال له: خذ المنطقة التي اشتريتها التي هي على حقويك، وقم انطلق إلى
الفرات، واطمرها هناك في شقّ صخر… وبعد أيام كثيرة… إذا بالمنطقة قد فسدت لا
تصلح لشيء… هكذا قال الرب: هكذا أفسد كبرياء يهوذا وكبرياء أورشليم العظيمة
(إرميا 4:13-9).

كان
على إرميا أن يقطع رحلة طويلة وشاقة إلى أرض السبي التي أخذ إليها حزقيال،
ودانيال، وشدرخ، وميشخ، وعبدنغو، وغيرهم الكثيرين الذين أخذهم البابليون أسرى.

كانت
المنطقة قد دفنت لأيام كثيرة إلى أن أصبحت غير صالحة للاستعمال. بعد ذلك كان ينبغي
على إرميا أن يرتدي هذه المنطقة المتعفنة ويعود بها إلى أورشليم لكي يجعل الشعب
يفهمون أنهم لم يعودوا نافعين لخدمة الرب ولذلك سوف يؤخذون إلى بابل حيث
"يدفنوا" هناك "لأيام كثيرة" – هي بالتحديد 70 سنة.

ربما
كانت رحلة إرميا تبدو مضيعة للوقت والجهد، ولكن طاعته المطلقة كانت دليلا على
رغبته في تحقيق قصد الله. وقد أعطى تشبيها لما كان على وشك أن يحدث- وما هو سبب
حدوثه.

وربما
كان غريبا في نظر الشعب أن يروا هذا النبي الكاهن يرتدي منطقة قذرة. ولا بد أن ذلك
كان موضع كثير من التعليقات. وعندما عاد من بابل بنفس هذه المنطقة، بعد أن أصبحت
في هذه المرة متعفنة وفاسدة، فلا بد أن ذلك قد جعل رسالته أعمق تأثيرا.

لقد
نالت الأمة اليهودية العديد من البركات حتى أن شعبها تجاهلوا كلمة الله فتخللتها
شرور عديدة بالإضافة إلى عبادة الأوثان. ولكن بعد أن خرب الهيكل وقاسى بنو إسرائيل
الذل والهوان كعبيد للبابليين، عندئذ فقط أدركوا معنى الكلمات: أفسد كبرياء
أورشليم العظيمة (إرميا 9:13).

لقد
كانت مشكلتهم الرئيسية هي الكبرياء. وكما هو الحال في وقتنا الحالي فإن البعض قد
انتفخوا بالكبرياء ففقدوا امتياز كونهم آنية مختارة. لأنه بعد أن باركهم الرب
وأعطاهم النجاح، نجدهم يصابون بالغرور، وينجرفون إلى تحقيق مصالحهم الشخصية.
وللأسف، فإنهم يكتشفون بعد أن يتقدم بهم العمر أن الفرص التي كانت قبلاً متاحة لهم
لخدمة الرب لم تعد موجودة.

لأن
الناس يكونون محبين لأنفسهم، محبين للمال، متعظمين، مستكبرين (2 تيموثاوس 2:3).

إعلان
عن المسيح: بصفته رجاء وخلاص شعبه (إرميا 8:14-9). فلا اليهود ولا الأمم يستطيعون
أن ينالوا السلام إلا بقبولهم المسيح، ملك السلام، مخلصا لهم (لوقا 24:21-28).

 

 إرميا 15 – 18

إنه
لأمر مذهل أن يعتقد الخطاة أن لديهم كفاءة وحكمة كافية ليعرفوا ما هو الأفضل لهم –
غير عالمين أن الرب هو المتحكم في مصائرهم. ولا عجب أن نقرأ أن إسرائيل الخاطئة
المتمردة قد أجابت إرميا بطريقة مماثلة، فقيل لإرميا: قم انزل إلى بيت الفخاري
وهناك أسمعك كلامي. فنزلت إلى بيت الفخاري وإذا هو يصنع عملا على الدولاب. ففسد
الوعاء الذي كان يصنعه من الطين بيد الفخاري، فعاد وعمله وعاء آخر كما حسن في
عينَي الفخاري أن يصنعه (إرميا 2:18-4). ثم قال الرب: هوذا كالطين بيد الفخاري،
أنتم هكذا بيدي يا بيت إسرائيل… إن تابت أمة عن شرها بعد أن أكون قد نويت على
إهلاكها فإني أرجع عن الشر الذي قررت أن أصنعه بهم، وإن فعلت أمة الشر بعد أن أكون
قد قررت أن أباركها فإني أرجع عن الخير الذي قلت أني أحسن إليها به (إرميا 6:18،
8-10). ولكنهم رفضوا أن يصدقوا إرميا وقالوا: لأننا نسعى وراء أفكارنا وكل واحد
يعمل حسب عناد قلبه الرديء – لقد عمل كل واحد ما يراه الأفضل لنفسه (إرميا 12:18).

وكان
رد الرب أنه أرسل إرميا إلى بيت الفخاري ليكتسب فهما صحيحا لمشكلة بني إسرائيل.

إن
الله القدير هو الفخاري، وله مطلق السلطان أن يفعل ما يريد بخليقته. ولكن ليس هذا
هو كل شيء، فالرب هو أيضا المحبة والقداسة والحكمة والعدل المطلق. والإنسان ليس
إلا طين، لأن الرب قد نفخ في هذا الطين نسمة حياة… وقال الله نعمل الإنسان على
صورتنا كشبهنا، أي بعقل وإرادة خاصة به (تكوين 7:2؛ 26:1).

عندما
فسد الوعاء – أي شعبه المختار الذين صنعهم من طين – في يد الفخاري (إرميا 4:18)،
كانت القساوة في الطين ذاته وليس أن عمل الفخاري هو الذي أفسد الوعاء.

إن
إسرائيل كأمة قد قاومت إرادة الله وفسدت بسبب خطيتها. لذلك فلقد انكسر الوعاء [أي
إسرائيل] بواسطة بابل، وأخذ الشعب إلى السبي. وبعد 70 سنة في السبي (إرميا 11:25)،
صنع الرب من الطين وعاء آخر إذ تخلى اليهود التائبون عن أوثانهم ورجعوا إلى
أورشليم ليعيدوا بناء الهيكل ويعبدوا الرب.

إن
الكثيرين في وقتنا الحالي مصممون بكل عناد وتمرد على المضي في عاداتهم الشريرة،
وعذرهم في ذلك هو أنهم لا يملكون أن يتحكموا بما يفعلون.

إن
كل إنسان يشبه وعاء الفخار، والرب لديه خطة لحياة كل واحد منا ليصبح إناء للكرامة
يستخدمه هو. وبغض النظر عن حالة وعائك الآن، سواء كان فاسدا أو حتى مهشما إلى قطع
بسبب الخطية أو الظروف، فإن أخبار الإنجيل السارة تبشرك بأنك إذا أعطيت نفسك اليوم
للفخاري الأعظم، فإنه بيديه العطوفة سيعيد تشكيلك إلى وعاء آخر، وعاء يصلح لاحتواء
حضور المسيح نفسه.

رفع
بولس هذه الصلاة: وإله السلام نفسه يقدسكم بالتمام ولتحفظ روحكم ونفسكم وجسدكم
كاملة بلا لوم عند مجيء ربنا يسوع المسيح (1 تسالونيكي 23:5).

إعلان
عن المسيح: قال إرميا: كان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي (إرميا 16:15). قال يسوع:
الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة (يوحنا 63:6). إنه هو الشخص الذي يفحص قلب
الإنسان ويعطي كل واحد حسب طرقه، وحسب ثمر أعماله (إرميا 10:17؛ مزمور 23:139-24؛
رؤيا 23:2).

 

 إرميا 19 – 22

أخيرا
تحولت المقاومة لإرميا إلى اضطهاد صريح. فلا عجب أن الرب قال له في بداية خدمته:
لا ترتع من وجوههم… فيحاربونك ولا يقدرون عليك (إرميا 17:1،19).

كان
ينبغي على إرميا أن يتكلم بأحكام الرب على كل شرهم لأنهم تركوا الرب وبخروا لآلهة
أخرى وسجدوا لأعمال أيديهم (إرميا 16:1).

وعندما
قال الرب لإرميا: أنا ساهر على كلمتي لأجريها (إرميا 12:1)، ربما ظن إرميا أنه
عندما يعرف الشعب عن شرورهم يتوبون ويرجعون إلى الرب. ولكنهم بدلا من ذلك بدأوا
حملة تشهير ضده وخصصوا أناسا لمراقبة كل تحركاته قائلين: هلم فنفكر على إرميا [أي
نتآمر ضده]… هلم فنضربه باللسان [أي نقدم بلاغا ضده إلى الملك] ولكل كلامه لا
نصغ (إرميا 18:18). وبدافع من البغضة اللئيمة، كان هؤلاء الجواسيس يراقبونه
باستمرار، لكي يسجلوا أي كلمة يقولها يمكن أن تؤخذ على أنها هرطقة أو تجديف أو
خيانة لبلده. وكنتيجة لهذه الجهود الموحدة فإن فشحور بن إمير الكاهن، وهو ناظر أول
في بيت الرب.. ضرب إرميا وجعله في المقطرة (إرميا 1:20-2).

وبينما
كان إرميا في السجن وحيدا وفاقد العزيمة، فكر في نفسه قائلا: لا أذكره ولا أنطق
بعد باسمه… ولكن كلام الرب كان في قلبه كنار محرقة محصورة في عظامه… فلم يستطع
أن يتمالك نفسه أكثر من ذلك (إرميا 9:20). لم يخطر على باله أبدا أن يرفض الرب،
ولا أن يتعاون مع الأنبياء الكذبة، ولا أن يتغاضى عن الشرور التي كانت شائعة في
أيامه. لقد كان بحق إنسانا شديد الولاء لكلمة الرب.

إن
خدام الرب لا ينبغي أن يتعجبوا من المقاومة، لأنه يوجد "فشحور" في كل
العصور لكي يقاومك ويضربك.

وبالطبع
لم يكن إرميا أول من تعرض لهذا الشعور باليأس والفشل. فلعلنا نذكر ما قاله موسى
للرب: لماذا أرسلتني؟ (خروج 22:5)؛ وكيف أن إيليا ظن أنه فاشل، حتى بعد أن جعل
نارا تنزل من السماء (1 ملوك 4:19)؛ وكيف أن يوحنا المعمدان تعرض للشك في أن يسوع
هو المسيح (متى 3:11).

في
لحظات الذل والهوان والرفض الشديد، قال إرميا: ملعون اليوم الذي ولدت فيه!…
ملعون الإنسان الذي بشر أبي قائلا قد ولد لك ابن! – مفرحا إياه فرحا (إرميا
14:20-15). لقد كان هذا القول نابعا من اعتقاده للحظة بأنه قد خذل الرب وأضاع
حياته، وبالتالي فإن التهنئة بمولده كانت بلا فائدة. ولكن على عكس جميع توقعاته،
فإن مولد إرميا كان بركة عظيمة لشعبه ولملايين المؤمنين في كل أنحاء العالم حتى
يومنا هذا.

لا
يمكن للشخص الذي ينادي بكلمة الله أن يكون إنسانا فاشلا، ولا يمكن للشخص الذي يقرأ
كلمة الله المقدسة ويعيش بموجبها أن يكون إنسانا فاشلا، لأن الرب قال: هكذا تكون
كلمتي التي تخرج من فمي، لا ترجع إليّ فارغة بل تعمل ما سررت به وتنجح في ما
أرسلتها له (إشعياء 11:55).

إعلان
عن المسيح: بصفته الشخص الذي يتكلم بالقضاء على الأشرار والذين لا يطيعون كلمته
(إرميا 15:19؛ قارن مع متى 26:7-27).

 

 إرميا 23 – 25

لقد
فات الأوان للصلاة من أجل نجاة أورشليم والهيكل (إرميا 16:7؛ 14:11؛ 11:14)، ولم
يتبق إلا أن يعلن النبي أشد التهديدات من الرب: وأنا أحاربكم بيد ممدودة، وبذراع
شديدة، وبغضب وحمو وغيظ عظيم (إرميا 5:21). فبعد بضعة شهور فقط كان البابليون
يدمرون مملكة يهوذا تدميراً شاملاً. ويهوآحاز (شالوم) يموت في السبي؛ ويهوياقيم
يدفن دفن حمار (إرميا 19:22)؛ وابنه يهوياكين (كنيا) الذي يشبّه بوعاء خزف مهان
ومكسور (إرميا 28:22) يموت في بابل؛ وصدقيا تقتلع عيناه ويؤخذ إلى بابل مقيدا
بالسلاسل (2 ملوك 7:25). هذه كلها أدلة رهيبة على أن الخطية والألم لا يفترقان.

ولكن
بالنسبة لأولاد الله، فإن الألم والإحباط يمكن أن يستخدمهما الرب لتعميق الرغبة
لدينا في علاقة أوثق معه لكي يستخدمنا بأكثر فاعلية في المناداة بالحق الروحي.

ومع
انهيار المملكة اليهودية أمام الغزو البابلي، تحولت رسالة إرميا إلى تشجيع الأمناء
القلائل الذين شبههم الرب بتين جيد… أرسلته من هذا الموضع إلى أرض الكلدانيين
للخير. وأجعل عيني عليهم للخير وأرجعهم إلى هذه الأرض (إرميا 5:24-6). كان التين
يُجمع ثلاث مرات في السنة – في يونيو، وأغسطس، ونوفمبر، وكان التين الأول في يونيو
يعتبر تينا فاخرا (إشعياء 4:28؛ هوشع 10:9؛ ميخا 1:7). لذلك أرسل الرب هذا التين
المختار إلى السبي ليحميه من الدمار الجارف الآتي على "التين الرديء".

وقد
أعلن الرب عن الرجاء بالمملكة المقبلة التي سيجمع فيها بني إسرائيل من أطراف الأرض
(إرميا 3:30). وقد أعطيت كلمة التشجيع هذه للأمناء القلائل عندما كانت جيوش بابل
تحاصر أورشليم قبل سقوطها بأيام قليلة: ها أيام تأتي يقول الرب، وأقيم لداود غصن
بر، فيملك ملك وينجح ويجري حقا وعدلا في الأرض… وهذا ما تتسمى به "الرب
برنا" (إرميا 5:25؛ 16:33).

بالميلاد
الطبيعي، ليس بار ولا واحد (رومية 10:3). ولكن عندما نختبر الرب أنه برنا فإن هذه
الآية تتحقق فينا – إذ نتحول عن الذات وعن الخطية إلى المسيح الذي لم يعرف خطية…
وصار خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه (2 كورنثوس 21:5). عندما نقبل المسيح
مخلصا لنا، فإنه يعطينا روحه القدوس وطبيعته. إذا لا شيء من الدينونة الآن على
الذين هم في المسيح يسوع السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح. لأن ناموس روح
الحياة في المسيح يسوع [أي قانون الحياة الموجود في المسيح يسوع والذي صار قانون
كياننا الجديد] قد أعتقني من ناموس الخطية والموت… لأنه إن عشتم حسب الجسد
فستموتون، ولكن إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون (رومية 1:8-2، 13-14).

إعلان
عن المسيح: بصفته "الرب برنا" (إرميا 5:23-6؛ أيضا 1 كورنثوس 30:1؛ 2
كورنثوس 21:5).

 

 إرميا 26 – 28

كان
يوشيا التقي قد مات، وتولى ابنه الثاني يهوياقيم الملك على يهوذا بتكليف من فرعون.
وعلى عكس أبيه، كان يهوياقيم معاديا لأنبياء الرب. ولتوضيح مدى حساسية الموقف،
يذكر الكتاب المقدس في قراءة اليوم حادثة أوريا (مع أنها كانت قد حدثت في زمان
آخر) ليبين خطورة وقوف إرميا في ساحة بيت الرب. فلقد كان أوريا قد تنبأ أيضا
بأمانة ضد المدينة. ولما سمع الملك يهوياقيم وكل أبطاله وكل الرؤساء كلامه طلب
الملك أن يقتله… فضربه بالسيف (إرميا 21:26،23). وفي مثل هذه الظروف من المقاومة
العنيفة، إذا بالرب يطلب من إرميا قائلا: قف في دار بيت الرب وتكلم على كل مدن
يهوذا القادمة للسجود في بيت الرب بكل الكلام الذي أوصيتك أن تتكلم به إليهم، لا
تنقّص كلمة (إرميا 2:26).

وكان
لما فرغ إرميا من التكلم بكل ما أوصاه الرب أن يكلم كل الشعب به أن الكهنة
والأنبياء وكل الشعب أمسكوه قائلين تموت موتا! (إرميا 8:26). فلقد ألقي القبض عليه
في الحال وطالب المشتكون عليه بأن توقع عليه عقوبة الموت.

إن
مناداة إرميا بقرب دمار الهيكل كان بلا شك صدمة للشعب. وقد طالبوا بأن توقع عليه
عقوبة الموت لأنها كانت العقوبة الشرعية للتجديف (لاويين 16:24) وللتنبؤ بالكذب
(تثنية 20:18). لقد كانت رسالة إرميا متناقضة تماما مع كلام الأنبياء الكذبة مثل
فشحور (إرميا 6:20). فهؤلاء الأنبياء جميعهم قدموا وعودا بالسلام وبسرعة رجوع
المسبيين من بابل.

وقد
أصغى الشيوخ إلى الشهود، ثم جاءت الشهادة غير المتوقعة من أخيقام، الذي لم يكن
نبيا ولكنه كان يشغل منصبا بارزا أثناء حكم يوشيا عندما وجدوا سفر الشريعة في بيت
الرب (2 ملوك 12:22-14). وكان الملك يوشيا قد كلف أخيقام وأشخاصا آخرين بأن يذهبوا
لاستشارة خلدة النبية – لأنه عظيم هو غضب الرب الذي اشتعل علينا من أجل أن آباءنا
لم يسمعوا لكلام هذا السفر ليعملوا حسب كل ما هو مكتوب علينا (2 ملوك 13:22).

وقد
وقف أخيقام بشجاعة ليدافع عن إرميا ضد القادة الدينيين والملك. فذكرهم بأن ميخا قد
تنبأ في أيام الملك حزقيا وقال نفس المضمون الذي قاله إرميا: هل قتلا قتله حزقيا
ملك يهوذا وكل يهوذا؟ (إرميا 19:26). فحيث أنه لم يتهم بالتجديف (وما يستوجبه من
حكم الموت)في ذلك الوقت، فلا ينبغي أن توجه هذه التهمة لإرميا الآن. كان من الواضح
أنه توجد سابقة.

ومما
لا شك فيه أن شهادة هذا الشاهد غير المتوقع قد أثرت على صدور الحكم بالبراءة.
وربما كانت بقية خدمة هذا النبي العظيم قد أصبحت ممكنة بفضل هذا الرجل الذي وقف
إلى جوار ما يعرفه أنه حق.

كان
إرميا قد تلقى أمرا بألا ينقص كلمة (إرميا 2:26). وجميعنا مسئولون أن نقدم مثل هذا
الولاء للمسيح، بغض النظر عن النتائج. إن الحق الموجود في كلمة الله هو أقصى ما
يحتاج إليه عالمنا المحتضر. فالمسئولية عاجلة والحق هو أمانة في أعناقنا.

إن
معظمنا لا يستطيع أن يساهم بطريقة مباشرة مثل الخادم أو النبي أو المرسل في توصيل
الحق إلى العالم، ولكننا معا نستطيع أن نحقق ذلك. وتكونون لي شهودا في أورشليم وفي
كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض (أعمال 8:1).

إعلان
عن المسيح: من خلال إرميا، الذي اتهم باطلا من الكهنة والأنبياء الكذبة (إرميا
8:26-9). لقد تعرض الرب يسوع للتهديد والاتهام الباطل في العديد من المواقف عندما
كانت تعاليمه لا تتّفق مع تعاليم القادة الدينيين في زمانه (يوحنا 48:8،59).

 

 إرميا 29 – 31

لقد
تنبأ إرميا عن دمار أورشليم وذهاب شعبها إلى السبي ورجوعهم إلى أورشليم بعد 70
سنة. وقد حذر الأنبياء مرارا وتكرارا من أن اليهود سيتشتتوا في كل الأرض، ولكنهم
لن يفنوا تماما بواسطة أعدائهم، وإنما سيظلوا شعبا مميزا. ومن ناحية أخرى أعلن
الرب أنه سيهزم أعداءهم: وإن أفنيت جميع الأمم الذين بددتك إليهم، فأنت لا أفنيك،
بل أؤدبك بالحق ولا أبرئك تبرئة [أي لا أدعك تذهب بدون عقاب] (إرميا 11:30).

وقد
تحققت هذه النبوة المميزة. فلقد فنيت تماما المملكتان العالميتان العظيمتان بابل
وأشور. ولم يبق منهما سوى بضعة أنقاض تؤكد عظمتهما السابقة. وقد انهزمت أيضا الأمة
اليهودية الصغيرة وصار شعبها عبيدا وتشتتوا في كل أنحاء العالم. ولكن كما أنبأ
النبي، فقد رجع اليهود إلى أورشليم.

وأثناء
السبي، نصح إرميا الشعب ألا يقوموا بأي ثورات وألا يصابوا باليأس والقنوط. وعلمهم
أسلوب الرب في التعامل مع أعدائهم قائلا: اطلبوا سلام المدينة التي سبيتكم إليها
(إرميا 7:29). هذا يعني أنهم يجب أن يكونوا بركة لمعتقليهم وأن يصلوا من أجلهم –
فينالوا هم أيضا بركة.

هذا
يوضح خطأ الاحتفاظ بالضغينة والسعي إلى الانتقام عندما نشعر بسوء المعاملة أو
عندما نواجه مقاومة. فبدلا من الرثاء لأنفسنا وبدلا من أن نبغض الذين يحاولون
اضطهادنا، نحن أيضا يجب أن نصلي من أجل أعدائنا ونطلب سلامهم، ونحافظ على مصالحهم.
قال يسوع: أحبوا أعداءكم… وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويضطهدونكم (متى 44:5).

ما
أتعس الشخص الذي يكون دائما ناقما على ظروفه و"ينتظر" باستمرار أن يأتي
وقت فيه يقدر أن يستمتع حقا بحياته. ربما ينتظر الحصول على ترقية جديدة، أو أن
يشفى من مرضه، أو يشتري منزلا أفضل، أو يتقاعد عن العمل. ولكنه على جميع الأحوال
"ينتظر" شيئا ينقذه من واقعه الحالي – المليء بالمرارة والإحباط.

لقد
كان العهد المعطى على جبل سيناء متمثلا في وصايا خارجية مكتوبة على حجارة. وقد
كانت هذه الوصايا كاملة كما قال بولس الرسول: الناموس مقدس والوصية مقدسة وعادلة
وصالحة (رومية 12:7). ولكننا خطاة، وبالطبيعة أبناء الغضب (أفسس 2:3) -وغير قادرين
على تنفيذ شروط هذا العهد. لذلك فنحن نحتاج إلى طبيعة روحية جديدة، كما قال يسوع:
إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يدخل ملكوت الله (يوحنا 3:3،5). فإننا
بالولادة الجديدة نصبح شركاء الطبيعة الإلهية (2 بطرس 4:1).

ومنذ
يوم الخمسين إلى الآن اختبر الملايين سلام الله العجيب الذي أنبأ عنه إرميا: هذا
هو العهد الذي أقطعه مع بيت إسرائيل بعد تلك الأيام يقول الرب: أجعل شريعتي في
داخلهم، وأكتبها على قلوبهم (إرميا 33:31).

هذا
العهد الجديد هو عمل الروح القدس الذي يسكن فيك ويجعلك تبارك لاعنيك وتصلي لأجل
الذين يسيئون إليك (لوقا 28:6).

إعلان
عن المسيح: بصفته الشخص الذي يصفح عن الإثم (إرميا 34:31). ولكن لكي تعلموا أن
لابن الإنسان سلطانا على الأرض أن يغفر الخطايا، حينئذ قال للمفلوج: قم احمل فراشك
واذهب إلى بيتك (متى 6:9؛ قارن مع 10:8-11).

 

 إرميا 32 – 33

كان
إرميا قد أنبأ عدة مرات بأن شر بني إسرائيل سيؤدي إلى دمار بلدهم بواسطة
الإمبراطورية البابلية. واستمر يحذر بأن الشعب سيُطرد ويؤخذ إلى السبي. وبسبب
أقواله، كان إرميا النبي محبوسا في دار السجن (إرميا 2:32). ومع ذلك ففي وسط هذه
الظروف الصعبة، كان الرب قد قال له: اشتر لنفسك الحقل بفضة وأشهد شهودا، وقد دفعت
المدينة ليد الكلدانيين [أي على الرغم من ذلك] (إرميا 25:32). وبدون تردد دفع
إرميا ثمن الأرض، وأخذ الإيصالات، وسجل العقد، واستخرج النسخ، وسلم المستندات أمام
شهود كثيرين (إرميا 6:32-12).

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد جديد رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس القس أنطونيوس فهمى ى

فبالنسبة
للذين سمعوا تحذيراته من جهة قرب حدوث السبي، فإن هذا التصرف كان يبدو بلا شك غير
منطقي ومتعارض مع كلامه. ولكن إرميا كان قد أعلن أيضا جهارا بأن الشعب سيعود إلى
أرضه، وأن هذه الصفقة هي دليل على إيمانه بأن الله هو المتحكم في مصيرهم. لقد كان
إيمان إرميا يمتد إلى ما هو أبعد من الصلاة والوعظ. فلقد كان واضحا في البيع
والشراء وبصفة خاصة في هذه الصفقة التجارية.

ومع
أنه لم يكن يعرف كيف سيحدث هذا، إلا أن قراره كان مبنيا على كلمة الله. فلقد
استعاد في ذاكرته تاريخ إسرائيل – وكيف أن الله قد أنقذ شعبه من مصر، ووفر لهم
الحماية والإعالة حتى أدخلهم أرض الوعد (إرميا 21:32-22).

بعد
ذلك تحول بأفكاره إلى الواقع المحير – أي الدينونة الفعلية التي سيجلبها الرب على
الأمة بسبب شرها. كيف في ظل هذا كله يمكن لوعد الرب بالإنقاذ أن يتحقق بعد 70 سنة؟
(إرميا 36:32-44). لم يكن في استطاعته أن يفهم جميع طرق الله؛ وكذلك نحن أيضا: لأن
أفكاري ليست أفكاركم، ولا طرقكم طرقي يقول الرب (إشعياء 8:55). بعد ذلك أعطى الرب
لإرميا تأكيدا جديدا من جهة كلمته: هأنذا الرب إله كل ذي جسد، هل يعسر عليّ أمر
ما؟ (إرميا 27:32).

كم
هو رائع أن نعرف أننا في أشد الظروف المحيرة يمكننا أن نهدأ ونطمئن ونثق أن الله
يقدر أن يخرج الخير من الشر.

ولا
تزال كلمته صادقة اليوم: ادعني فأجيبك وأخبرك بعظائم وعوائص لم تعرفها (إرميا
3:33).

إن
إيماننا بكلمة الله يمكن أيضا أن يقاس بمدى تأثيرها على سلوكنا وتصرفاتنا. فيجب
علينا كلنا أن نسأل أنفسنا: "إلى أي مدى يساهم إيماني في تشكيل قراراتي
اليومية؟ وإلى أي مدى ستختلف حياتي بدون إيماني بالكتاب المقدس؟ هل هو اختلاف بسيط
أم أنه اختلاف جوهري؟" إن الإجابة على هذه الأسئلة هي التي تحدد ما إذا كان
إيماننا صحيحاً وحقيقياً أم أنه مجرد تقليد "ديني".

إن
أي تضارب بين اعترافاتنا الإيمانية وبين سلوكنا اليومي يدل على أن "إيماننا"
كاذب، وذلك لأن الإيمان الحقيقي يظل كما هو في كل أوقات الحياة. فلا يمكن للإيمان
أن يكون مقتصرا على أوقات العبادة في الاجتماع. وإذا كان إيماننا إيمانا حقيقيا
فإنه سيكون المبدأ الرئيسي الذي يؤثر على ما نفعله.

فإذا
كنتم تأكلون أو تشربون أو تفعلون شيئا فافعلوا كل شيء لمجد الله (1 كورنثوس
31:10).

إعلان
عن المسيح: بصفته غصن داود (إرميا 5:23؛ 15:33). يسوع هو المسيا، الذي صار من نسل
داود من جهة الجسد [أي طبيعته الإنسانية] (رومية 3:1).

 

 إرميا 34 – 36

بعد
أربع سنوات من تعيين فرعون مصر ليهوياقيم ملكا على يهوذا، هزم نبوخذنصر المصريين،
واستولى على أورشليم، وجعل يهوياقيم ملكا خاضعا له. وعلى عكس أبيه التقي يوشيا،
كان يهوياقيم حاكما قاسيا وشريرا. وأخذ نبوخذنصر بعض الإٍسرائيليين البارزين، بما
فيهم دانيال ورفقائه الثلاثة، كما أخذ من الهيكل بعض آنية بيت الله (دانيال 2:1).

في
ذلك الوقت، تكلم الرب إلى إرميا، والذي بدوره أمر سكرتيره باروخ أن يسجل في درج
[وهو لفافة من ورق البردي أو الجلود تكتب عليها الوثائق] كل أحكام الرب التي كلمه
بها على إسرائيل وعلى يهوذا وعلى كل الشعوب من اليوم الذي كلمتك فيه من أيام يوشيا
إلى هذا اليوم (إرميا 2:36). لقد كان هدفه هو أن يقود شعب يهوذا إلى التوبة (إرميا
3:36).

وطلب
منه أن يقرأ هذا الدرج في ثلاث مناسبات. اقرأ في الدرج الذي كتبت عن فمي كل كلام
الرب في آذان الشعب في بيت الرب في يوم الصوم… واقرأه أيضا في آذان كل يهوذا
القادمين من مدنهم… لعلهم يرجعوا كل واحد عن طريقه الرديء (إرميا 6:36-10). ولا
يقال شيء عن رد فعل الشعب باستثناء أن ميخا تقابل مع جميع الرؤساء وأخبرهم بكل
الكلام الذي سمعه عندما قرأ باروخ السفر في آذان الشعب… فأرسلوا إلى باروخ
وطلبوا منهم أن يقرأه مرة أخرى على مسامعهم، فقرأ باروخ في آذانهم (إرميا
13:36-15). ويبدو أنهم ارتعبوا من كلمات النبي، فألح هؤلاء الرؤساء على باروخ
قائلين: اذهب واختبئ أنت وإرميا (إرميا 19:36)، وفي نفس الوقت أرسلوا وفدا لإخبار
الملك.

بعد
ذلك أرسل الملك رجلا اسمه يهودي ليحضر الدرج (إرميا 20:36-21). كان هذا في شهر
كسلو الذي يوافق شهري نوفمبر وديسمبر عندنا – وكان الجو بارداً وماطرا، والكانون
[أي المدفأة] قدامه متقد (إرميا 22:36). وللمرة الثالثة بدأ يهودي في القراءة،
ولكن الملك لم يدعه يكمل القراءة. فبعد أن قرأ يهودي ثلاثة شطور [أي عواميد] أو
أربعة، استشاط الملك يهوياقيم غضبا وانتزع الدرج من يده، وشقه بمبراة [أي مطواة]
(إرميا 23:36)، وكلمة شقه تحمل معنى التقطيع عدة مرات، ثم بعد ذلك ألقاه في النار.
كان هذا هو كل ما استطاع أن يفعله كملك – أما أن يفند محتوياته فلقد كان ذلك فوق
حدود استطاعته. وعلى الرغم من أن الدرج قد احترق إلا أن الحق الموجود بداخله لا
يمكن تدميره أو إخماده. ولكن رد فعل يهوياقيم كان يشير إلى رفضه وكراهيته للحق.

إن
الحق أبدي – لأن كلمة الله تبقى إلى الأبد (1 بطرس 25:1). وكما قال الرب يسوع:
كلامي لا يزول (لوقا 33:21).

ومثل
يهوياقيم، فإن الكثيرين اليوم يختمون مصائرهم ويقطعون على أنفسهم كل رجاء في
الحياة الأبدية برفضهم قراءة كل الحق الذي أعطاه لنا الرب لنعد به أنفسنا لعمل ما
يرضيه. إن التاريخ يسجل مناسبات عديدة فيها أحرق الكتاب المقدس؛ ولكن ما الفرق بين
الذي يحرق الكتاب وبين الذي يتجاهله في حياته؟ لقد كانت دائما كلمة الله موضع هجوم
وموضع تقطيع بالألسنة المتمردة وبالقلوب المتحجرة. إن يهوياقيم لم يكن رافضا
للكتاب في حد ذاته وإنما كان يرفض إله الكتاب. إن أوراق الواعظ يمكن تمزيقها
بسهولة، ولكن الحق الذي تحتويه العظة لا يمكن أبدا أن يزول.

فدعونا
لا ننسى أبدا كلمات المسيح الذي قال: لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد… بل خافوا
بالحري من الذي يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم (متى 28:10).

إعلان
عن المسيح: بصفته الشخص الذي يريد الحرية للمأسورين (إرميا 13:34-16؛ قارن مع
إشعياء 1:61). قال يسوع: روح الرب عليّ… لأنادي للمأسورين بالإطلاق (لوقا
18:4-19؛ قارن مع 2 كورنثوس 17:3).

 

 إرميا 37 – 40

خلال
السنة العاشرة أو الحادية عشرة من ملك صدقيا، كانت جيوش نبوخذنصر قد أحاطت
بأورشليم. وعندما اقترب جيش ملك بابل لأول مرة من أورشليم، كان صدقيا قد سبق وطلب
نبوة إرميا قائلا: لعل الرب يصنع معنا حسب كل عجائبه (إرميا 2:21). ولكن إجابة
الرب كانت حازمة: قد جعلت وجهي على هذه المدينة للشر (إرميا 10:21).

ولم
يتب صدقيا عن خطاياه ولم يرجع إلى الرب… ولم يسمع هو ولا عبيده ولا شعب الأرض
لكلام الرب (إرميا 2:37).

وأثناء
هذه المحنة جاء جيش مصر وحارب الجيش الكلداني ومنع مؤقتا دخول نبوخذنصر إلى
أورشليم (إرميا 5:37). وكان صدقيا قد أرسل رؤساءه (أي الأشخاص المسئولين) إلى مصر
للدخول في تحالف عسكري معها، ظنا منه بأن مصر ستضمن له النجاة من الكلدانيين.
وأرسل أيضا صدقيا رسلا إلى إرميا، لأنه في مثل هذه الأوضاع الحرجة يبدو من الحكمة
إظهار "النوايا الحسنة" لنبي الرب، فطلب منه قائلا: صل لأجلنا إلى الرب
إلهنا (إرميا 3:37). ولكن إرميا رفض أن يصلي، وإنما قال: هكذا قال الرب: لا تخدعوا
أنفسكم قائلين إن الكلدانيين سيذهبون عنا لأنهم لا يذهبون… فإنهم يقومون…
ويحرقون هذه المدينة بالنار (إرميا 9:37-10).

وعلى
الرغم من ذلك فإن صدقيا ومستشاريه كانوا مقتنعين بأن مصر أقوى من بابل وعندما
ينتقل الصراع إلى هاتين القوتين العظميين فمن المتوقع أن ينالوا استقلالهم. لذلك
عندما انسحب الجيش الكلداني من أورشليم أمام جيش فرعون، ظن الرؤساء أن تمردهم على
نبوخذنصر وتحالفهم مع مصر كان موفقا بدون حاجة إلى صلوات إرميا النبي بالرغم من
تحذيراته.

ولكن
صدقيا لم يكن مستريح النفس، فأرسل وأحضر إرميا سرا من السجن وسأله: هل توجد كلمة
من قبل الرب؟ فقال إرميا: توجد!.. إنك تُدفع ليد ملك بابل (إرميا 17:37).

ولأن
صدقيا وقواده لم يتوبوا ولم يرجعوا إلى الرب، فلقد أصبح سقوطهم حتميا. وهكذا ظلت
مدينة أورشليم الحصينة محاصرة لما يقرب من سنة ونصف، ذاق خلالها الشعب أهوال الجوع
والأوبئة. وعندما رأى صدقيا أن الهزيمة مؤكدة حاول الهرب. ولكن للأسف فإن آخر ملوك
إسرائيل، ابن الملك التقي يوشيا، وقع في أيدي الأعداء بالقرب من أريحا (إرميا
5:39).

إن
الذين يتخذون قراراتهم بناء على رأي الأصدقاء، بدلا من رأي الرب، هم في الواقع مثل
صدقيا أسرى للخطية. فإن هذا الملك الأعمى الأسير (إرميا 7:39) هو مثال للنتائج
الروحية التي تنتظر أولئك الذين يرفضون بعناد أن يتوبوا عن خطاياهم – لأن إله هذا
الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين (2 كورنثوس 4:4). كم من السهل أن نخدع أنفسنا
عندما نرفض أن نقرأ كلمة الله. فإننا لا نستطيع أن نعيش شيئا لا نعرفه. وإنه لمن
الحماقة أن نقرأ فقط ما نريد أن نصدقه – وكأن الله قد وضع شيئا عديم الأهمية في
كتابه الوحيد المرشد إلى الحياة.

لقد
وصف صدقيا دقة شهادة النبي إرميا عندما قال: عرفت يارب أنه ليس للإنسان طريقه: ليس
لإنسان يمشي أن يهدي خطواته (إرميا 23:10).

إعلان
عن المسيح: كالخالق (إرميا 1:1).

 

 إرميا 41 – 44

بعد
أن انهزم صدقيا أمام نبوخذنصر، قام نبوخذنصر بتعيين جدليا حاكما على فقراء الأرض
الذين لم يسبوا إلى بابل (إرميا 7:40). وكان جدليا، وهو صديق لإرميا، من أسرة
مرموقة وذات نفوذ. وكان جده هو شافان الذي عمل كسكرتير للدولة في أيام الملك يوشيا
والذي أعلن للملك عن اكتشاف سفر الشريعة (2 ملوك 10:22). وكان والد جدليا، أي
أخيقام، هو الذي أنقذ إرميا من القتل على يد إحدى العصابات بعد الاتهام الشائن له
في الهيكل (إرميا 24:26).

وأقام
جدليا حكومته في مدينة المصفاة، والتي تبعد حوالي خمسة أميال شمال أورشليم. وعندما
هاجم نبوخذنصر اليهود، كان إسماعيل وهو قائد أحد الأحزاب الوطنية المعادية لبابل،
وهو أيضا من العائلة المالكة ومن بيت داود، قد هرب مع كثيرين غيره عبر الأردن
والتجأوا إلى ملك عمون. ولكنه عندما سمع أن جدليا قد تعين حاكما من قبل البابليين
رجع إلى يهوذا.

فاستقبله
جدليا بحفاوة وأقام له وليمة تكريما له مع بعض الجنود البابليين المقيمين
بالمصفاة. وفي هذه المناسبة بالتحديد، قام إسماعيل ورفقاؤه العشرة بقتل جدليا
والجنود البابليين (2 ملوك 25:25؛ إرميا 7:40 – 18:41).

وتوقع
الإسرائيليون أن نبوخذنصر لابد أن ينتقم، لذلك طلبوا من إرميا أن يصلي لأجلهم
قائلين: فيخبرنا الرب إلهك عن الطريق الذي نسير فيه والأمر الذي نفعله (إرميا
3:42). فأعلن لهم الرب أنهم يجب أن يمكثوا في يهوذا وألا يخافوا من ملك بابل
(إرميا 10:42-11). ولكنهم في الواقع لم يسألوا هل ينبغي أن يمكثوا في أرض الموعد،
لأنهم كانوا قد اتخذوا قرارهم بالفعل بالهروب إلى مصر (إرميا 19:42-21). فطلبوا من
إرميا أن يصلي من أجلهم لأنهم كانوا يريدون أن يعرفوا إلى أين يتجهون وأي طريق
يسلكون لتنفيذ خطتهم المسبقة. فتجاهلوا تحذير الرب وهربوا إلى مصر وأجبروا إرميا
على الذهاب معهم.

كانت
مصر – التي ترمز إلى العالم – تبدو مكانا آمنا. وقد كانت واحدة من أعظم البلاد
المنتجة للقمح في العالم القديم، لذلك شعر اللاجئون أنه لن يعوزهم الطعام. والأكثر
من ذلك فإنهم كانوا يعتبرون مصر من البلاد الصديقة. ولشدة العجب فلقد تركوا الصديق
الحقيقي الوحيد والتجأوا إلى مستعبديهم السابقين.

ولم
يكن هناك أشق على نفس إرميا من أن يُجبر على الذهاب إلى مصر كرهينة. وهناك شاهد
الناس وهم ينحدرون أكثر في الخطية وفي الوثنية، رافضين الله الحقيقي وعابدين آلهة
مصر التي تعرف باسم ملكة السموات (إرميا 15:44-19).

قد
يقول البعض أن إرميا النبي العظيم كان بلا شك يستحق معاملة أفضل من ذلك نظرا
لولائه وإخلاصه للرب بدلا من أن يجبر على الذهاب إلى مصر. ولكن إرميا لم يكن يتوقع
حياة سهلة. وعلى الرغم من ضيقه بسبب عدم إيمان الشعب إلا أنه لم يكن لديه ما يخاف
منه. لقد كان خادما لله العلي وكان يعتبر ذلك امتيازا له أن يخدمه.

ومثل
إرميا فإننا لن نختبر السلام الحقيقي – سلام الله الذي يفوق كل عقل (فيلبي 7:4) –
إلا بعد أن نتخلى بإرادتنا عن اهتماماتنا لنكون له شهودا، بغض النظر عن النتائج.

من
أجله خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح (فيلبي 8:3).

إعلان
عن المسيح: من خلال "عبيدي الأنبياء" (إرميا 4:44؛ قارن مع أعمال
20:3-21).

 

 إرميا 45 – 48

وسط
كل النبوات التي تنبأ بها إرميا على الدول العظمى في العالم، قاده الروح القدس
لتخصيص أصحاح لباروخ مساعده. وقد كان حسيا، جد باروخ، حاكما على أورشليم أثناء حكم
الملك يوشيا (إرميا 12:32؛ 2 أخبار 8:34). وربما ظن باروخ أن المؤهلات التي لديه
تجعله يستحق أن يصبح أكثر من مجرد كاتب. فهل كان يتوقع نصيبا من الامتيازات التي
سيعطيها نبوخذنصر لإرميا عندما يعلم كيف أنه حرض الشعب على الخضوع لبابل؟ لقد كان باروخ
يطلب لنفسه أمورا عظيمة – ربما كان يريد منصبا مرموقا بعد أن تغيرت السلطة وجلس
الملك الجديد على العرش. ولكن إرميا على عكس ذلك لم يكن ليقبل مكافأة من نبوخذنصر.
فالإنجاز الأعظم في حياة باروخ كان ينبغي أن يكون امتياز مساعدة إرميا – وأنه جعل
شعب الرب والعالم كله يعرف كل كلام الرب الذي كلمه به (إرميا 4:36).

ولكن
بدلا من ذلك كان باروخ يريد أن يحقق ذاته من خلال مصالح شخصية. فعندما كان يعمل مع
إرميا لم يبد باروخ أي حزن على المآسي الرهيبة التي علم أنها ستقع على مملكة يهوذا
أو على معاناة شعب أورشليم. وإنما نقرأ فقط أنه كان ساخطا على وضعه: ويل لي لأن
الرب قد زاد حزنا على ألمي. قد غشي علي في تنهدي ولم أجد راحة (إرميا 3:45)، بمعنى
"أني لست أجد تحقيقا لذاتي". ربما وجد أن العمر يتقدم به – وأن طموحاته
الشخصية لم تتحقق – وأنه لم يجد راحة. ومما لا شك فيه أن خدمته ككاتب كانت وسيلة
أراد من خلالها أن يحقق أهدافه الذاتية. وربما توقع كلمات الشفقة والرثاء، ولكنه
بدلا من ذلك نال توبيخا شديدا من الرب: وأنت فهل تطلب لنفسك أمورا عظيمة؟ لا تطلب.
لأني هأنذا جالب شرا على كل ذي جسد، وأعطيك نفسك غنيمة [أي أن نجاتك من الموت هي
مكافأتك الوحيدة] في كل المواضع التي تسير إليها (إرميا 5:45).

على
الرغم من أن باروخ كان يسجل كلمة الله المقدسة الموحى بها، فإنه لم تكن له البصيرة
الروحية مثل إرميا الذي كان يعلم كم مهم أن يكون الشخص خادما للرب. لقد كان الفكر
الوحيد لدى إرميا هو أن يعيش ليرى الرب ممجدا في أورشليم وفي مملكة يهوذا. يا له
من امتياز ثمين كان متاحا لباروخ أن يكون في نفس المركز الذي كان يشغله أليشع
بالنسبة لإيليا. ولكن للأسف فإن باروخ، كان مثل جيحزي، منشغلا جدا بنفسه.

إن
باروخ مثال لكثيرين ممن يشعرون بعدم الرضى والإحباط بسبب شغلهم للمركز الثاني أو
بسبب وجودهم في مكانة أقل في نظرهم مما يستحقون – غير عالمين أن الرفعة تأتي لا من
المشرق ولا من المغرب ولا من برية الجبال، ولكن الله هو القاضي! هذا يضعه وهذا
يرفعه (مزمور 6:75-7).

من
المستبعد أن يكون باروخ هو الرجل الوحيد المؤهل للقيام بعمل الكاتب. وكذلك فنحن
جميعا معرضون للاستبدال. ولكن قليلون هم الذين لديهم القدرة أن يطلبوا أولا ملكوت
الله وبره، ويثقوا بأن الرب يسدد جميع الاحتياجات (متى 33:6). إن وقتنا كنز ثمين،
وهو مُلك للرب، وكذلك جميع مواهبنا وقدراتنا ومؤهلاتنا يجب أن تُستخدم لعمل قصده
من نحونا. فالكل ملك للرب، ولا يمكننا أن نحقق أنفسنا بطريقة باقية وحقيقية إلا
عندما نقدم الكل لخدمة الرب في حياتنا.

فإن
من أراد أن يخلص نفسه [أي يضمن حياته الزمنية ويبحث عن الراحة] يهلكها، ومن يهلك
نفسه من أجلي يجدها (متى 25:16).

إعلان
عن المسيح: بصفته الشخص الذي يؤدب شعبه بالحق (إرميا 28:46). لأن الذي يحبه الرب
يؤدبه (عبرانيين 6:12).

 

 إرميا 49 – 50

ربما
بدا لمملكة يهوذا أن بابل هي المسئولة عن شئون العالم تماما مثلما كانت أشور في
فترة سابقة من التاريخ. ومن بعدها جاءت مادي وفارس واليونان والرومان. ولكن أثناء
قراءتنا للكتاب المقدس، نجد أن الله خالق الكون، هو صاحب السلطة العليا على كل
شعوب الأرض، وأيضا على جميع الأفراد.

إن
النبوة الأولى في قراءة اليوم مختصة بالعمونيين، وهم نسل لوط وابنته، والذين كانوا
على مر التاريخ معادين لشعب الرب (2 أخبار 1:20-3؛ 2 ملوك 1:24-2؛ إرميا 3:27).
وبسبب شرهم ضد إسرائيل أنبأ الرب بأنهم سيصيرون تلا خربا (إرميا 2:49). بعد ذلك
تحول الرب جنوبا من عمون إلى موآب، قائلا: تطردون كل واحد إلى ما أمامه (إرميا
5:49). ثم حول انتباهنا إلى أدوم، وهم نسل عيسو توأم يعقوب. وقد كانوا دائما من
الأعداء اللدودين وانضموا إلى نبوخذنصر في نهب مدينة أورشليم. وقد تنبأ إرميا بدقة
عن مصيرهم: جردت عيسو.. هلك نسله.. فلا يوجد (إرميا 10:49).

ثم
تحول القضاء إلى دمشق (إرميا 23:49-27)، عاصمة سوريا، مع حماة وأرفاد التي كانت
ممالك أصغر تحت سيادة دمشق – وجميعهم أعداء ليهوذا. قال: وأشعل نارا في سور دمشق
فتأكل قصور بنهدد [لقب للعديد من ملوك سوريا] (إرميا 27:49) – ثم نطق بالحكم على
قيدار، وحاصور، وعيلام (إرميا 28:49-39).

وفي
النهاية أنبأ عن دينونة بابل التي بدت أنها لا تقهر. كان عرض الأسوار المحيطة بها
80 قدم وبارتفاع 300 قدم. ولكن بهاؤها العظيم لم يقف عقبة أمام إرميا النبي الجريء
الذي قال: أخبروا في الشعوب… طلعت عليها أمة [يقصد مادي] من الشمال هي تجعل
أرضها خربة فلا يكون فيها ساكن (إرميا 2:50-3). وحتى اليوم، بعد أكثر من 2500 سنة،
لا تزال أنقاض بابل تشهد على دقة الكتاب المقدس. والمساحة المخصصة في الكتاب
المقدس للكلام عن دينونة بابل تعادل تلك المخصصة لجميع الشعوب الأخرى مجتمعة؛ ربما
لأن بابل كانت مسئولة عن دمار هيكل الإله الواحد القدوس الحقيقي.

وعقب
التنبؤ بهلاك بابل وبإطلاق بني إسرائيل من السبي، تنبأ إرميا عن تحول قلوب الشعب
إلى الرب.

في
تلك الأيام وفي ذلك الزمان، يقول الرب، يأتي بنو إسرائيل هم وبنو يهوذا معا يسيرون
سيرا ويبكون ويطلبون الرب إلههم. يسألون عن طريق صهيون ووجوههم إلى هناك قائلين
هلم فنلصق بالرب بعهد أبدي لا ينسى (إرميا 4:50-5). ولاحظ أنهم أبدوا توبة ورجوعا
حقيقيين – يبكون ويطلبون الرب إلههم. لقد كانوا يبحثون عن صهيون – أي بيت الرب.
وكانت ظهورهم إلى بابل.

البعض
لديهم القدرة على البكاء وفي نفس الوقت يظلوا في "بابل" – التي تشير إلى
العالم. لذلك يجب أن نسأل أنفسنا: "ماذا نحن طالبون؟" و"ما هو سبب
بكائنا؟" فإن هذا يكشف لنا إلى أين وجوهنا متجهة فعلا.

قريب
هو الرب من المنكسري القلوب ويخلص المنسحقي الروح (مزمور 18:34).

إعلان
عن المسيح: بصفته الفادي (إرميا 34:50). مبارك الرب إله إسرائيل، لأنه افتقد وصنع
فداء لشعبه! (لوقا 68:1).

 

 إرميا 51 – 52

كانت
إمبراطورية بابل العالمية العملاقة تفوق كل شيء آخر عرفه العالم. فإن بابل تحت حكم
نبوخذنصر كانت تبدو أنها لا تقهر. وكانت الإمبراطورية تتمتع بالسيادة المطلقة على
جميع شعوب العالم في الوقت الذي أعلن فيه إرميا قائلا: سقطت بابل بغتة… أتت
آخرتك… وتكون بابل كوما… لا يكون فيه ساكن من الناس إلى البهائم بل يكون خربا
أبدية (إرميا 8:51،13،37،62). وفي تمام نهاية سبي يهوذا أي بعد 70 سنة، سقطت
إمبراطورية بابل الشهيرة – في الليلة التي رأى فيها بيلشاصر اليد الكاتبة على
الحائط (دانيال 5).

وعقب
سقوط بابل، حذر الرب بني إسرائيل قائلا: اهربوا من وسط بابل!… لا تهلكوا بذنبها
(إرميا 6:51). ولكن معظم الجيل القديم الذي كان قد ذهب إلى السبي في بابل كان قد
مات، والجيل الجديد كان قد حقق نجاحا وشعر بأنه لا داعي للهرب. فالأوثان المألوفة
من حولهم لم تكن تبدو مؤذية، وفي نفس الوقت لم يشعروا بالخسارة من جهة العبادة في
الهيكل لأنهم لم يختبروا هذا الأمر من قبل. فالأغلبية كانوا قد تأقلموا روحيا
وأخلاقيا مع النظام العالمي لدى معتقليهم.

إن
عدم استعداد الأغلبية العظمى من اليهود أن يتركوا الرفاهية في بابل مقابل الفقر في
أورشليم يشبه ما يحدث في أيامنا الحالية.

فإن
إمبراطورية بابل المرفهة تشير إلى الكنيسة الاسمية المزيفة، التي هي نظام عالمي
كنسي ديني وتجاري عظيم له دوافع سياسية… جالسة على وحش قرمزي مملوء أسماء تجديف
(رؤيا 3:17-5). فالكنيسة الاسمية تعتمد على الوحش – أي النظام العالمي – في الدعم
والأمان والنفوذ. أليس هذا وصفا دقيقا للناس المتدينين الذي يثقون في السلطة
والنفوذ والثروة بدلا من أن يثقوا في الرب؟ لقد كتب يوحنا في جزيرة بطمس قائلا:
سقطت سقطت بابل العظيمة!وصارت مسكنا لشياطين… جميع الأمم وملوك الأرض زنوا معها
وتجار الأرض استغنوا [أي حققوا ثروة] من وفرة نعيمها… اخرجوا منها يا شعبي لئلا
تشتركوا في خطاياها ولئلا تأخذوا من ضرباتها (رؤيا 2:18-4). إن هذا النظام الديني
سيسقط عندما يرجع الرب ليملك.

إن
كثيرين اليوم يعترفون بأنهم مسيحيون، ولكنهم يخصصون وقتهم وعشورهم ومواهبهم لمباهج
وضمانات وأهداف نظام العالم على الرغم من تحذير الرب القائل لنا: لا تحبوا العالم
(1 يوحنا 15:2-17).

هؤلاء
المسيحيون المزيفون يمكن تمييزهم من علاقاتهم – إذ نجدهم يحبون تقدير العالم بدلا
من تأنيبه، ويسعون لإرضاء العالم لكي يتجنبوا الألم، ويعيشون من أجل إشباع الذات
بدلا من تقديم الذات.

إن
الكنيسة المزيفة وأعضاءها تكتسب قيمتها من ثروتها وتفتخر بقبول العالم لها. هذا
على النقيض تماما مع المسيحية الحقيقية ومؤسسها الذي ولد في مذود بقر، والذي قال:
إن كانوا قد اضطهدوني فسيضطهدونكم (يوحنا 20:15).

إن
المؤمنين الحقيقيين يعرفون أهمية ألا يشتركوا في أعمال الظلمة غير المثمرة…
ويعلمون أن محبة العالم عداوة لله (أفسس 11:5؛ يعقوب 4:4).

إعلان
عن المسيح: بصفته الخالق (إرميا 15:51). فإنه فيه خُلق الكل (كولوسي 16:1).

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي