الإصحَاحُ
الرَّابعُ

 

عظة (5)

 

أوضح أنه عندما يوجه الله حديثًا يختص
بالتوبة والرجوع لا يضيف كلمة إسرائيل، وإنما يبدأ بها في الحال، فقد قيل بعد ذلك:
"إن رجعتِ يا إسرائيل يقول الرب إن رجعت إليّ وإن نزعت مكرهاتك من
امامي فلا تتيه. وان حلفت حي هو الرب بالحق والعدل والبر فتتبرك الشعوب به وبه
يفتخرون
" (إر 4: 1-2). إذًا كانت موجهة الفترة الأولي إلي أبناء الأمم
والشعوب، ثم بعد ذلك إلي إسرائيل، لأن القساوة قد حصلت جزئيًا لإسرائيل إلي أن
يدخل ملوك الأمم. وهكذا سيخلص جميع إسرائيل
؛ حسبما قال الرسول في رسالته إلي
أهل رومية.(رو 11: 25-26).

أنظر كيف أن الله يدعونا -إذا رجعنا- أن
نرجع بالكامل، حينما يعدنا أنه إذا رجعنا إليه بالتوبة فإنه يشفي جراحاتنا
(عصياننا) بالمسيح يسوع، ونحن أيضًا بلا انتظار ولا تأخير نجيب مثل إسرائيل ونقول:
"ها قد أتينا إليك لأنك انت الرب إلهنا" (أر 3: 22). لقد قال
الرب: "ارجعوا أيها البنون العصاة فأشفي عصيانكم"، وأبناء الأمم
يجيبون: "سوف نكون خدامك أنت"، نحن الذين كن قبلاً خدامًا
للشيطان ولقوات الشر، ولكن علي الرغم من ذلك، فإننا الآن بعدما دعوتنا للتوبة نجيب
قائلين: "ها قد أتينا إليك"، لأننا لم نكن ننتظر سوي شيئًا واحد:
دعوتك. وعلي عكس الذين تم دعوتهم، فقدموا أعذارًا كثيرة، نحن عندما دُعينا لم نقدم
أعذارًا. ونجد هذا بالفعل في أمثال الانجيل، أن الذين دعوا اولاً قبل الأخرىن
كانوا يقولون واحدًا بعد الآخر: "إني اشتريت حقلاً وانا مضطر ان أخرج
وانظره. أسالك أن تعفيني. وقال آخر اني اشتريت خمسة أزواج بقر وأنا ماض لأمتحنها.
أسألك أن تعفيني. وقال آخر ان تزوجت بإمرأة فلذلك لا أفدر أن أجيء".
إذًا
فإن هذا ليس هو أسلوبنا، نحن أبناء الأمم، ان يتم دعوتنا وان نعتذر. فلماذا نعتذر؟
وما هو ذلك الحقل الذي سوف يشغلنا؟ وأي زوجة تشغلنا؟ حقيقةً، ما هو هذا الشيء الذي
من شأنه أن يشغلنا؟

إذا فقد قال لنا الله: " ارجعوا
أيها البنون العصاة فأشفي عصيانكم
"، ونحن عندما ننظر إلي جراحاتنا وإلي
الوعد بالشفاء نجيب في الحال ونقول: "ها قد أتينا إليك لأنك أنت الرب
إلهنا"
ولنتذكر أننا بهذه الكلمات قد أقمنا عهدًا مع الله، واننا لن نكون
ملكًا لأحد لآخر، لن نكون ملكًا لأفكار الغضب ولا أفكار الكآبة ولا أفكار الشهوة،
لن نصبح ملكًا للشيطان وجنوده. بل بالعكس، بما أننا قد دُعينا وأننا أجبنا "ها
قد أتينا إليك
"، فلنثُبت إذًا بأفعالنا أننا ملكًا له هو وحده. ونضيف:
"لأنك أنت الرب إلهنا". لأننا لا نعرف لأنفسنا إلهًا آخر، ليست
البطن إلهًا لنا مثل الذين قيل عنهم: الذين آلهتهم بطونهم، ولا الفضة، ولا
الطمع؛ فيجب علينا ألا نقيم إلهًا ولا ان نؤله شيئًا من الذي تؤلهه الناس، ولكن
لنا إله الذي هو فوق كل شيء، الله الذي هو "إله وأب واحد للكل الذي علي
الكل وبالكل وفي كلكم"
(أف 4: 6). وبما ان شغلنا الشاغل هو حب الله، فسوف
نقول: "ها قد أتينا إليك لأنك الرب إلهنا".

3. ثم أننا في إدانتنا لأخطائنا السابقة
-حينما كنا نظن أن الأوثان كانت عظيمة ومرتفعة جدًا وكنا نعبدها معجبين بهذه الأشياء
التي نقدم لها العبادة، ولكن الآن قد حكمنا عليها بأنها كانت كاذبة- نقول في توبة
ورجوع: "حقًا باطلة هي الآكام". وربما، بشيء من البحث، سوف نتعرف
على الفرق بين الآكام وبين الجبال عند الأمم، الذين يتهمون هذه الآكام مثلها مثل
الجبال بالكذب حينما يقولون: "حقًا باطلة هي الآكام ثروة الجبال"
(إر 3: 23). نحن نشرح هذا حتى ندين أخطائنا السابقة.

أن المعبودات عند الأمم كانت تُعبَد إما
كآلهة أو كأبطال. وفي الواقع أن الوثنيين هم أنفسهم يَعْلَمون أن بعض هذه الكائنات
المعبودة كانت قبلاً بَشَرًا ثم تم تأليههم بعد ذلك.فهم يعبدون "هرقل"
ليس كإله بالولادة وإنما كإنسان تم تحويله إلى إله. كذلك يعبدون
Ascle`pios كإنسان تحول من
حالته الإنسانية إلى الحالة الإلهية بسبب تقواه وفضيلته. ولكنهم حينما يعبدون آباء
هؤلاء الأبطال فإنهم يعبدونهم كآلهة بالطبيعة وليس كبشر متحولين إلى آلهة.

إذًا فالذين يعتبرهم الأمم آلهة بالطبيعة
سوف يكونوا هنا الجبال، والذين يعتبرونهم بشر متحولين إلى آلهة سوف يكونوا الآكام.

ولكن الذين يتعبدون لهذه الآلهة بالفعل
لا يفترضون أنها آلهة كاذبة، فهم يعتقدون أن وحيهم هو وحي حقيقي وأن شفائهم هو
شفاء حقيقي، دون أن يروا الفرق بين عمل الشيطان بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة
وبكل خديعة الإثم في الهالكين
(2تس 2: 9). وبين قوات وعجائب الحق. إن
ما كان يفعله يسوع المسيح كان من عجائب الحق، وما كان موسي يفعله كان أيضًا
من قوات الحق، ولكن ما كان يفعله المصريون كان آيات وعجائب كاذبة. كان
سيمون الساحر يضع آيات حتى كان يدهش شعب السامرة الذين قالوا عنه "هذا
هو وقوة الله العظيمة
" (أع 8: 10)، علي الرغم من كونها قوات وآيات وعجائب
كاذبة.

4. إذًا، ربما أننا نعرف، نحن الذين جئنا
من نسل الأمم، أنه بسقوط إسرائيل صار لنا طريقًا إلي الخلاص، وأن اليهود قد طردوا
خارجًا حتى ندخل نحن إلي الملء، ومن جهة أخرى، بما أننا نعلم أن: القساوة قد
حصلت جزئيًا لإسرائيل إلي أن يدخل ملؤ الأمم. وهكذا سيخلص جميع إسرائيل
(رو
11: 25)، فسوف نقول قبل كل شيء: "حقًا باطلة هي الآكام ثروة الجبال
ثم بعد ذلك نقول بخصوص إسرائيل التي سوف تخلص بعد ملؤ الأمم: "حقًا بالرب
إلهنا خلاص إسرائيل
".

دعونا نشرح معني العبارة التي قالها
القديس بولس الرسول، فما المقصود بأن جميع إسرائيل سيخلص عندما يدخل ملؤ الأمم؟

كان يوجد إسرائيل للخلاص: فإن كان الجزء
الأكبر من إسرائيل قد سقط، لكن حصلت بقية حسب اختيار النعمة (رو 11: 5)،
بقية قيل عنها في إيليا: "أبقيت لنفسي سبعة آلاف رجل لم يحنوا ركبة لبعل".

وفي شرح المقصود بهذه البقية، يقول بولس
الرسول: "فكذلك في الزمان الحاضر أيضًا قد حصلت بقية حسب اختيار النعمة"
(رو 11: 5).

إذًا فقد كان يوجد في إسرائيل بقية
للخلاص حينما كانت إسرائيل مطرودة.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القمص تادرس يعقوب عهد قديم سفر المزامير ل ل

ولم يقل الرسول: "عندما يخلص جميع
الأمم فحينئذ سيخلص جميع إسرائيل"، وإنما: "إلي أن يدخل ملء الأمم.
وهكذا سيخلص جميع إسرائيل".

فإن إسرائيل سوف يخلص ولكن ليس بعد أن
يخلص كل الأمم وإنما بعد أن يخلص ملء الأمم[1].
فمن هو قادر أن يحسب لنا بعقله الوقت المتبقي، في رأيه، والذي فيه تعبد جميع
الشعوب الله
، وكما هو مكتوب في صفنيا: "من عبر أنهار كوش[2]
المتضرعون إلي متبددي يقدمون تقدمتي
" (صف 3: 10). وكما يقول المزمور 68
أيضًا: حينما تسرع كوش بيدها إلي الله (مز 68: 31)، وبعد كم من الوقت
والزمان سوف يعطي "كلمة الله" الأمر لجميع ممالك الأرض قائلاً: "يا
ممالك الأرض غنوا لله رنموا لإله يعقوب
" (مز68: 32).

5. ثم بعد ذلك، باعترافنا بالخطايا التي
عشنا فيها، نحن وآباؤنا، بعبادتنا للأوثان سوف نقول: "وقد أكل الخزي تعب
آبائنا منذ صبانا غنمهم وبقرهم بنيهم وبناتهم"
يجب ان يكون هناك خزي
حتى يأكل التعب الباطل والأعمال الكاذبة التي لآبائنا، فإنه بدون الخزي
لن تنتهي هذه الأعمال الباطلة والكاذبة.

وفي هذا الصدد دعونا نستعرض بعض أوجه
الاختلاف ما بين الخطاة:

يوجد خطاة ليس عندهم خزي ولا حياء من
خطاياهم، فهم لا يخجلون منها.

هؤلاء هم الذين فقدوا كل حس والذين
أسلموا لكل نجاسة.

وأنت تري بالفعل كيف أن الشعوب الأممية
يستعرضون في بعض الأحيان ويتفاخرون يقائمة فسقهم وزناهم كما لو كانت بطولات، دون
أن يخجلوا من قيامهم بهذه الأفعال ودون أن يطلقوا عليها خطايا. وطالما لا يوجد
عندهم خزي فإن خطاياهم لن تؤكل (لن تمحي). إن بداية الصلاح هي أن
نشعر بالخجل من الأشياء التي كنا لا نخجل منها قبل ذلك. لذلك فإنني لا أظن أن تكون
الكلمات التالية التي كان يقولها الأنبياء يقصد بها لعنة: "فاليخز وليرتد
إلي الوراء كل الذين يبغضون صهيون"
(مز 128).

6. إن التصرفات الغير عاقلة التي كان
يقوم بها الآباء هي التي يطلق عليها غنم وبقر، فإن الكائنات الغير عاقلة
ليسوا دائمًا ممدوحين، ولكن توجد كائنات غير عاقلة ملومة مثل غنم الآباء الذين
أخطأوا. أما الكائنات الغير عاقلة الممدوحة والمطوبة فهي التي يقال عنها: "خرافي
تسمع صوتي"
. فهذه كانت أيضًا أغنام، ويمكننا أن نكون مثلها إذا قبلنا
الرعي الصالح في قلوبنا. لأن المخلص حينما يقول: "أنا هو الراعي
الصالح"
، فإنني لا يجب أن أسمعه بطريقة عامة كما يفعل الجميع ويعتقدون
أنه راعي المؤمنين فقط دون الخطاة، وإنما يجب علي كخاطئ أن أقبل السيد المسيح ففي
داخل نفسي، أن أفيل الراعي الصالح في داخلي، الراعي الصالح الذي يستطيع بعصا
رعايته أن يسيطر علي تصرفاتي الغير عاقلة فلا يجعلها تخرج كيفما تشاء وحيثما تشاء،
ولكنها تحت قيادة الراعي تتحول إلي تصرفات سليمة "فلستم إذًا بعد غرباء بل
رعية مع القديسين وأهل بيت الله"
(أف 2: 19). فإنه لذلك، لو أن الراعي في
داخلي فإنه سوف يقود حواسي، ولن تخضع أبدًا لأي فكر غريب، لن تخضع لفرعون ولا
لنبوخدنصر، وإنما للراعي الصالح.

7. "بنيهم وبناتهم".
علي من تعود "هم" إلا علي الآباء الذين أكل أولادهم
بخزيهم (أولادهم وبناتهم)؟
لقد قلنا قبل ذلك في مواقف متعددة أن من ضمن أولاد
النفس: الأفكار التي هي البنين، والأفعال والتصرفات المادية التي هي
البنات
. وبما أنه توجد عند الأمم أفكار شريرة وكذلك أفعال فاسدة فلذلك ُوجِدَ بنين
وبنات
قد أكلوا بسبب خزي آباؤهم من خطاياهم.

أما بالنسبة لنا، فهل يمكننا ألا ننجب بنات
وبنين
ليأكلهم الخزي!

8. ثم بعد هذا يقول هؤلاء الناس
المعترفين بخطاياهم: "نضطجع في خزينا ويغطينا خجلنا(ببرقع)" (إر
3: 25). لقد اعتدنا أن نتحدث عن البرقع الموضوع علي وجه الذين لا يرجعون
إلي الرب. وبسبب هذا البرقع فحين يقرا موسي (2كو 3: 15). فإن الخطاة
لا يفهمون لأن البرقع موضوع علي قلبهم. وإذًا فنحن نقول بخصوص البرقع أن الخزي
هو هذا البرقع، فطالما توجد عندنا أفعال الخزي فإن مما لاشك فيه ان البرقع
يوجد أيضًا عندنا، بحسب ما قيل في المزمور44: "وخزي وجهي قد غطاني
(ببرقع)"
(مز 44: 15). إذًا فالذين لا يعملون أعمالاً مخزية لن يكون
عندهم برقع. وهذا ما قاله بولس الرسول: "ونحن جميعًا ناظرين مجد الرب بوجه
مكشوف كما في مرآة
" (2كو 3: 18). فإذا كنا نريد أن ننزع البرقع الناجم عن
الخزي فلنعمل الأعمال المجيدة، ولنجعل كلمة المخلص هذه في أذهاننا: "حتى
أن الجميع يمجدون الابن كما يمجدون الآب"
. وكذلك كلمة بولس الرسول:
"فإننا بتعدينا للشريعة نهين الله". إن نزع البرقع هو في مقدرتنا
نحن وليس في مقدرة أحد آخر: فعندما كان موسي يتوجه إلي الله كان بالفعل ينزع
البرقع
. فأنت تري كيف أن موسي كان أحيانًا يمثل الشعب: فطالما أنه لا يتجه إلي
الرب -ممثلاً شعبه الذي لا يتجه إلي الرب- كان يضع حينئذ برقعًا علي وجهه؛ ولكنه
عندما ينظر إلي الله، ممثلاً هؤلاء الذين ينظرون إلي الله من شعبه، فإنه كأن ينزع
البرقع. وإن الله لم يأمر موسي قائلاً له: "غط نفسك ببرقع"، وإنما عندما
رأي موسي أن الشعب لا يقدر ان ينظر إلي مجده، وضع برقعًا علي وجهه؛ كما أنه لم
ينتظر أيضًا أن يقول الله: "انزع البرقع" في كل مرة يكلمه فيها.

9. لقد كُتِبَ ذلك إذًا، حتى انك أنت
أيضًا الذي وضعت البرقع علي وجهك بأعمالك المخزية، تعمل أنت بدورك علي نزع هذا
البرقع؛ إذا اتجهت بنظرك إلي الرب وعندئذ تنزع البرقع ولا تعود تقول: "يغطينا
خجلنا (ببرقع)".

فعلي سبيل المثال، الغضب حينما يستقر في
نفوسنا، يكون مثل البرقع علي الوجه؛ ولهذا فعندما نريد أن نقوا في صلاتنا: "قد
أضاء علينا نور وجهك يا رب
" (مز 4)، فلنرفع البرقع ولننقذ ما قاله
الرسول: "فأريد أن يصلي الرجال في كل مكان رافعين أيادي طاهرة بدون غضب
ولا جدال
" (1تي 2: 8). فإذا نزعنا الغضب نكون قد نزعنا البرقع، وهكذا
أيضًا بالنسبة لجميع الخطايا. ولكن طالما الخطايا موجودة في فكرنا فإن البرقع سوف
يظل موجودًا علي وجوهنا الداخلية بصورة تحجب عنا رؤية مجد الله المضيء. إن الله لا
يخفي عنا مجده، ولكننا نحن بوضعنا برقع الخطية علي نفوسنا نعمل علي عدم رؤية مجد
الله.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ر راكال ل

10. "لأننا إلي الرب إلهنا
أخطأنا نحن وآباؤنا
". هل نستطيع نحن أيضًا أن نقول مثل هؤلاء الناس: أننا
أخطأنا
. إنه ليس نفس الشيء أن نقول: لقد أخطأنا، و"إننا نخطئ".
فإن الذي ما يزال في خطيته عليه أن لا يقول: لقد أخطأنا.

وإنما الذي يقول ذلك، هو الإنسان الذي
أخطأ من قبل ثم تاب توبة حقيقية بعد ذلك. وهناك أمثلة في الكتاب المقدس لأشخاص لم
يعودوا يخطئوا ومع ذلك يقولون: "لقد أخطأنا، لقد تعدينا الشريعة"
كما سفر دانيال. كذلك أيضًا يقول داود النبي: "خطايا شبابي وجهلي لا تذكر".
فلنعترف إذًا بخطايانا، ليس خطايا أمس ولا أول أمس، و،إنما هل نستطيع أن نعترف
بخطايانا التي مر عليها 15سنة دون أن نكون قد ارتكبنا أية أخطاء خلال هذه الـ15سنة
التي تلت هذا الاعتراف.

فإذا ذهبنا لنعترف بخطايا أمس، فإننا
نكون غير صادقين في توبتنا.

"لأننا إلي الرب إلهنا أخطأنا
نحن وآباؤنا منذ صبانا إلي هذا اليوم
"

إن بداية الآية كما سبق أن شرحنا تعلمنا
أفضل وسيلة للاعتراف بالخطايا[3]،
ثم تعلن لنا تكملة الاية عن مرور وقت طويل علي ارتكاب الخطايا والاستمرار فيها:
"منذ صبانا إلي هذا اليوم" "ولم نسمع لصوت الرب إلهنا
إننا أخطأنا ولم نسمع حتى الآن؛ فبعد ذلك حينما رجعوا وكانت لهم بداية
للتوبة، قالوا: إننا أخطانا ولم نسمع. فإن رغبتنا في السماع، والسماع حقيقة بطريقة
فعلية، لا يتم بالنسبة لنا في آن واحد. وكما أن في حالة الجروح تستلزم وقتًا قبل
أن تُشفي، كذلك الحال بالنسبة للرجوع، فإن الرجوع الكامل والنقي إلي الله يستلزم
أيضًا بعض الوقت.

11. ثم يقول الرب بخصوص إسرائيل:
"إن رجعت يا إسرائيل يقول الرب إن رجعت إلي وإن نزعت مكرهاتك من أمامي (من
فمك) فلا تتيه. وإن حلفت حي هو الرب بالحق والعدل والبر (فإن الشعوب سوف تبارك
الله فيك)
". ما هي الأشياء التي يجب علي إسرائيل القيام بها حتى تبارك
الشعوب الله فيه؟ "إن نزع مكرهاته من فمه"، ولكن ماذا يعني هذا؟
إن كل ما نقوله من شر هو ومكرهات في فمنا، فلننزعها إذًا بنزع الشتائم، الكلمات
الفارغة، والكلمات العقيمة التي من شأنها إدانتنا، لأنه "بكلامك تتبرر
وبكلامك تدان
". فإذا أردنا أن تحقق بشأننا الآية "فإن الشعوب سوف
تبارك الله فيك، وبه يفتخرون
"، فلننفذ ما قيل في البداية.

12. فلننظر إلي أنفسنا، نحن الذين نحلف،
ولنَر كيف أننا لا نحلف بالعدل وإنما نحلف بدون عدل، لدرجة أن أقسامنا
أصبحت أكثر علي سبيل العادة وليس علي سبيل الحق. إن المشكلة هي أننا نترك أنفسنا
لتساق من الخطية وبالتالي نعتاد علي تلك الخطية، وهذا ما ينتقده الرب بقوله: "إن
حلفت حي هو الرب بالحق والعدل والبر".
ونحن نعلم أن الرب قال لتلاميذه في
الإنجيل: "وأما أنا فأقول لكم لا تحلفوا البتة". فلندرس أيضًا
هذه الآية، وسوف تتضح الآيتين معًا عن شاء الرب. ربما يجب أن نبدأ بالقول: احلفوا
بالحق وبالعدل والبر
، حتى إذا ما تقدمنا ونمونا في النعمة بعد ذلك، نكون
مستعدين ألا نحلف البتة، بل أن تكون لنا ال"نعم" التي لا
تحتاج إلي شهادة لإثبات أن هذه الأمور هكذا هي؛ وأن تكون لنا ال "لا"
التي لا تحتاج إلي شهادة لإثبات أن هذه الأشياء ليست هكذا.

"وإن حلفت حي هو الرب بالحق والعدل
والبر":

فبالنسبة لمن يحلف، لابد أولاً ألا يكون
كاذبًا بل صادقًا حتى يحلف بالحق -وأما نحن البائسين فإننا كثيرًا ما نقسم
أقسامًا كاذبة وباطلة- ولكن علي افتراض أننا نحلف بالحق، فإن هذا القسم أيضًا ضد
الشريعة، فإنه يجب أن يكون إلي جانب الحق "العدل"، لأنه فلنفترض
أنني أحلف كعادة، ففي هذه الحالة لن يكون هناك عدل. وإذا كنا بالنسبة لقسم من هذا
النوع، نأخذ رب هذا الكون ومسيحه كشاهد علي أمر معين؛ فما هي أهمية هذا الأمر حتى
أنحني علي ركبتي وأقسم؟!. يمكنني أن أحلف كأمر طارئ لكي أتلافي في عدم تصديق البعض
لكلامي، أما إذا كانت أقسامي بلا تبصر فإنها في هذه الحالة تكون خطية.

13. "فإن الشعوب سوف تبارك الله
فيك".

لقد جمع بين النسلين: بني الشعوب (الأمم)
وبني إسرائيل. ثم يضيف: "لأنه هكذا قال الرب لرجال يهوذا ولأورشليم".
لقد تحدث إلي أبناء الأمم، وتحدث إلي أبناء إسرائيل، وإلي أبناء يهوذا. وأنني
أتذكر ما قيل حديثًا حول المعني الرمزي ليهوذا وسكان أورشليم: فإننا نحن أيضًا،
إذا لأعطانا الرب هذه النعمة، نكون سكان أورشليم. بما أنه "حيث يكون كنزك
هناك يكون قلبك أيضًا
"، فإن كان كنزنا في السماء يكون قلبنا أيضًا في
أورشليم السمائية، التي يقول عنها الرسول: "وأما أورشليم العليا التي هي
أمنا جميعًا فهي حرة
" (غل 4: 26).

"احرثوا لأنفسكم حرثًا ولا تزرعوا
في الأشواك
"
(إر 4: 3).

هذا الكلام قيل بالأخص للمعلمين
والمبشرين حتى لا يقولوا كلمات الإنجيل للسامعين قبل ان يهيئوا حقول جديدة
(حرثًا)
في نفوسهم (السامعين). لنهم متي هَيَئوا حقولاً جديدة في النفوس، ومتي
أصبح الناس مُعَدّيِن لاستقبال التعاليم كما في الأرض الجيدة والصالحة،
فإنهم حينما يزرعون، عندئذ لن يزرعوا في الأشواك.

فإذا علي العكس، وقيل أن نعد حقولاً
جديدة
في عقول الناس، قمنا بزرع البذور المقدسة التي هي عقيدة الآب والابن
والروح القدس، وعقيدة القيامة، والعقاب والراحة الأبدية والشريعة والأنبياء وغيرها
من كل تعاليم الكتاب المقدس، فإننا بذلك نخالف الوصية التي تقول أولاً: "احرثوا
لأنفسكم حرثًا (أعدوا لأنفسكم حقولاً جديدة)"،
وثانيًا: "ولا
تزرعوا في الأشواك
".

ولكن قد يقول أحد السامعين: إنني لا
أُعَلِم وبالتالي فإن هذه الوصية ليست لي. وليكن! كن أنت أيضًا زارعًا (معلمًا)
لنفسك ولا تزرع في الأشواك وإنما أَعِد حقلاً جديدًا من قطعة الأرض
التي سلمها لك الرب. اهتم بهذه الأرض، ابحث أين توجد الأشواك، أين توجد الهموم
والاهتمامات المادية وإغراءات الغني وحب الشهوة، وبمجرد ان تنزع تلك الأشواك
الموجودة في نفسك فأنحث عن المحراث الروحي الذي قال عنه يسوع: "ليس أحد
يضع يده علي المحراث وينظر إلي الوراء يصلح لملكوت الله
" (لو 9: 62).
وبهذا تكون قد أعددت حقلاً جديدًا. ثم بعد إعداد هذا الحقل، اذهب وخذ
بذارًا من المعلمين ومن الشريعة ومن الأنبياء ومن الكتابات الإنجيلية ومن كلمات
الرسل، وازرعها في نفسك بتذكرها وبتنفيذها. وسوف يبدو لك أن هذه البذار تنمو من
تلقاء نفسها، ولكن الحقيقة أنها لا تنمو من مجرد تذكرك لها، وإنما الرب هو الذي
ينميها: "أنا غرست وأبلُّوس سقي لكن الله كان ينمي" (1كو 3: 6).
وكما قال لنا الله من قبل، أن هذه البذار لا تصبح قمحًا في الحال وإنما تكون أولاً
نباتًا ثم سنبلاً ثم قمحًا
مُعَدًا للحصاد. (مز 4: 28).

هل تبحث عن  هوت طقسى علم اللاهوت الطقسى 33

14. ثم يقول: "اختتنوا للررب
وانزعوا غرل قلوبكم
" (إر 4: 4)

كان لابد أن يقول "اختتنوا
للرب".

فإن الختان من الجانب الجسدي لم يقتصر
علي أهل الختان بحسب شريعة موسي وحدهم، وإنما علي أناس آخرين كثيرين. فكهنة
الأوثان المصريين كانوا يختتنون لها (للأوثان)، فكان هذا الختان من أجل الأوثان
وليس للرب، بينما ختان اليهود ربما كان للرب. فإذا كنا قد فهمنا معني اختتنوا
للرب
بالمعني الحرفي، فلننتقل إلي معناها الرمزي حتى نعرف كيف يوجد بين
المختونين بعضًا منهم مختتن للرب، والبعض الآخر مختتن، ولكن ليس للرب.

توجد عقائد أخرى بخلاف عقيدة الحق أي
العقيدة الكنسية: فإن الذين يعتمدون علي الفلسفة، قد اختتنوا: أخلاقهم وقلوبهم
ويمارسون ما يمكن أن نطلق عليه الاعتدال (
بمفهومه الخاطيء)؛ فإن الهراطقة يمارسون الاعتدال وهم في
الوقت نغسه مختتين جسديًا، ولكن في هذه الحالة فإن ختانهم ليس للرب، لأن
الختان عندهم يُنَفَّذ بموجب عقيدة كاذبة. ولكن حينما تذهب إلي الكنيسة وتتبع
تعاليمها الحقة، فإنك لن تكون فقط مختتن، وإنما مختتن للرب.

"اختتنوا للرب وانزعوا غرل
قلوبكم
".

إذًا فهناك غرلة في القلب يجب نزعها. إن
الغرلة هي خليقة منذ الولادة، ثم يأتي الختان بعد ذلك؛ فإذًا، الذي جاء بالولادة
هو الذي نُزِع بالختان.

فإذا كانت الوصية تقول غرل قلوبكم،
فإنه لابد أن يكون هناك في القلب شيء منذ الولادة يسمى غرلة، يجب علينا نزعه حتى
نكون مختتنين من غرلة قلوبنا.

وإذا دققنا النظر في الآيات الآتية:
"لقد كنا بالطبيعة أولادًا في الغضب" وأيضًا "جسد هذا
الموت
" الذي ولدنا فيه، إذا تأملنا في أنه "ليس أحد طاهرًا من
دنس ولو كانت حياته يومًا واحدًا علي الأرض
"، فسوف نستخلص كيف أننا ولدنا
بخطايا وبغرلة في قلوبنا.

لأنه إذا كان القلب الذي فينا هو الذي
يحمل العقل، حيث توجد الأفكار، ومن حيث تخرج الأفكار الشريرة، فإن الإنسان الذي
ينزع الأفكار الشريرة ينزع أيضًا غرلة القلب. أما الإنسان الذي لا ينزع غرلة
قلبه
، فلننظر ما يتوعده به الله: "لئلا يخرج كنار غيظي فيحرق وليس من
يطفئ
". إذًا فإن غضب الله يشتعل مثل النار للذين لم يختتنوا له، للذين لم
ينزعوا عنهم غرل قلوبهم، "وليس من يطفئ بسبب شر أعمالكم". إن
طعام هذه النار هو الأعمال الشريرة التي نفعلها، وحيث لا توجد أعمال شريرة فإن
النار لن تجد مأكلاً لها.

"إخبروا في يهوذا وسمِّعوا في
أورشليم وقولوا اضربوا بالبوق في الأرض. نادوا بصوت عالٍ
".

إن كلمة الله التي توقظ السامع، والتي
تعده للحرب ضد الشهوات، وللحرب ضد القوات الشريرة، والتي تهيئه أيضًا للاحتفالات السماوية،
هي هنا بمثابة البوق. "نادوا بصوت عال وقولوا اجتمعوا فلندخل المدن
الحصينة"
.

إن الله لا يريدنا أن ندخل إلي مدينة غير
محصنة وإنما إلي مدينة حصينة. فإن كنيسة الله قد حصنت بالحق الذي في المسيح
يسوع، فهو نفسه حصنها، كما يقول داود النبي في المزمور 18: 2: "الرب صخرتي
وحصني ومنقذي"
.

وانتم جميعًا الذين كنتم خارج صهيون "ارفعوا
الراية نحو صهيون (اهربوا إلي صهيون) احتموا. لا تقفوا
": انتم الذين كنتم
في تقدم ونموّ اختموا في صهيون "لأني آتي بشر من الشمال وكسر عظيم".
وعند مجيء هذا الشر، فإن كا من لم يحتمِ ولم يدخل إلي المدن الحصينة أي إلي كنائس
الله، وبقي خارجًا، فسوف يؤخذ من الأعداء ويقتل. ومن هو هذا العدو؟ لننظر إلي
تكملة الآيات:

"قد صعد الأسد من غابته وزحف مهلك
الأمم

هذا هو العدو الذي يجب أن نهرب منه. فمن هو هذا الأسد الذي يتتبعنا؟ ينبهنا القديس
بطرس ويقول لنا: "إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمسًا من يبتلعه هو.
فقاوموه راسخين في الإيمان"
(1بطرس 5: 8-9).

إذًا فإن هناك أسدًا قد صعد من غابته:
فأين هي هذه الغابة؟

انه سقط إلي أسفل. لقد نزل إلي أسافل
الأرض، إلي أعماقها.

أنت إنسان، أنت أعلي من الشيطان، لأنك
أفضل منه علي آي حال من الأحوال. أما هو فبسبب فساده قد هبط إلي أسفل.

فإذا ما خرج هذا الأسد من غابيه أي من
مكان عقابه فإنه سوف يقال:

"قد صعد الأسد من غابته وزحف
مهلك الأمم. خرج من مكانه ليجعل أرضك خرابًا
". إنه يريد أن يدخل إلي أرضك
أنت، ويريد أن يفترس كل منا.

"تخرب مدنك فلا ساكن. من أجل ذلك
تنطَّقوا بمسو
ح".

إذًا، بما أن الأسد قد صعد إليك ليهددك
وليبيد أرضك، البس المسوح وابكِ وتنهد وتضرع إلي الله بالصلوات أن يفني ويهلك هذا
الأسد حتى تتخلص منه ولا تقع بين أنيابه. لأن هذا الأسد يحاول أن يصطادك عن طريق
آذانك حينما يلقي إليك بكلمات كاذبة محببة إلي نفسك، حتى يجعلك تحيد عن طريق الحق،
وهو يريد أيضًا أن يفترس قدميك وينزعهما من فوق أرض الحق. وليكن! تمنطق بمسوح
واقرع صدرك، ابك، واصرخ صرخات الحرب حينما تري العدو يهددك، حتى يرتد حمو غضب
الرب
عنك، لأنك سوف تكون قد دخلت إلي المدينة الحصينة. فلنشكر الله
الذي ينقذنا في المسيح يسوع الذي له المجد والقدرة إلي أبد الآبدين آمين.



[1]
يقصد بتعبير "ملؤ الأمم" الجزء الذي من الأمم والذي
وصل إلي درجة "الامتلاء" أي إلي درجة الكمال.

[2]
يقصد يشعب كوش (الاثيوبيين) النفوس التي سيطر عليها الشيطان،
وذلك لأن لون بشرتهم أسود. ويقول أوريجانوس انه في يوم ما سوف يُنقَذ ويَخلُص طريق
الشيطان، بل وربما الشيطان نفسه.

[3]
وهي آن نقول "لقد أخطأنا" في الماضي.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي