الإصحَاحُ
الْعِشْرُونَ

 

عظة (19)

 

تفسير الآيات من:

"وسمع فشحور بن إمير الكاهن"
(إر 20: 1)

إلى:

"لأني لك كشفت دعواي"
(إر 20: 12).

المسيح يُضرب فينا

11. كان إرميا يتنبأ، وكان فشحور بن
إمير الكاهن يسمع
كلمات النبوة.

وبالرغم من أن الذين كانوا يسمعون إرميا
كانوا كثيرين، إلا أن الكتاب لم يذكر منهم أحدًا غير فشحور، لقد اهتم الكتاب أن
يعرفنا بأنه ابن إمير الكاهن، وبالمكانة التي كان يشغلها وهي أنه كان ناظر أول
في بيت الرب، وذلك حينما كان إرميا يتنبأ بهذه الكلمات.

يقول الكتاب أيضًا أنه حينما سمع فشحور
كلمات هذه النبوة ضرب إرميا، بل ولم يكتفِ بضربه وإنما جعله أيضًا
في المقطرة، لقد اهتم الكتاب بالإشارة إلى أن هذه المقطرة كانت في باب
بنيامين
، وأنها كانت موجودة في الدور الأعلى الذي عند بيت الرب. ثم
يكمل: "وكان في الغد أن فشحور أخرج إرميا من المقطرة
فلما خرج إرميا قال لفشحور: لم يدع الرب اسمك فشحور، وإنما أعطاك اسمًا
آخر؛ فكما أعطى ليعقوب اسم إسرائيل، وأعطى لابرام اسم إبراهيم، أعطاك أنت أيضًا
اسم مسابيب أو مسبي، وإذا كان قد دعاك "مسبي"
فلأنه قال: "هانذا أسلمك للسبي مع كل محبيك": لم يقل مع زوجتك
وأولادك وبناتك، بل مع كل محبيك.

"فيسقطون بسيف أعدائهم وعيناك
تنظران. وأدفع كل يهوذا ليد ملك بابل فيسبيهم ويضربهم بالسيف
". ثم يقول:
"وأدفع كل ثروة المدينة وكل تعبها وكل مثمناتها وكل خزائن ملوك يهوذا
أدفعها ليد أعدائهم فيغنمونها ويأخذونها ويحضرونها إلى بابل. وأنت يا فشحور وكل
سكان بيتك تذهبون في السبي وتأتي إلى بابل وهناك تموت وهناك تدفن أنت وكل محبيك
اللذين تنبأت لهم بالكذب
". ماذا تعني إذًا هذه القصة؟

الصعوبة في الوقت الحاضر تكمن في معرفة
هدف القصة واكتشاف معناها الروحى؛ وإنني أعرف إنني لن أستطيع أن أفسرها بأساليبي
الخاصة، لكنني أحتاج إلى ظهور قوة السيد المسيح وحكمته فيّ حتى ينير بوجهه عليّ.

12. "فضرب فشحور إرميا النبي".
يبدو أن فشحور كان ممسكًا بعصا في يده لأنه كان ساحرًا. وإذا رجعنا إلى سفر الخروج
سوف نجد أن سحرة مصر كان عندهم أيضًا عصيّ، وأرادوا بها أن يُظهروا أن عصا موسى
ليست من الله؛ ولكن عصا الرب غلبت عصيّ السحرة و أكلتها.

لقد "ضرب فشحور إرميا النبي
وأكد الكتاب صفة إرميا ورُتْبَته: "النبي"، إذًا الذي ضرب إرميا
ضرب النبي. ويذكر سفر أعمال الرسل أيضًا أن واحدًا قد ضرب بولس الرسول،
بأمر من حنانيا رئيس الكهنة، لهذا قال له بولس الرسول: "سيضربك الله أيها
الحائط المبيض
"، فهو من الخارج له صورة رئيس كهنة عظيم، ولكنه من
الداخل حائط مبيض، مملوء عظام أموات وكل نجاسة
.

لماذا نتكلم عن بولس وعن إرميا؟ فإن ربي
يسوع المسيح هو نفسه يقول: "أسلمت ظهري للسياط وخديَّ أهملتهما للّطم ولم
أرد وجهي عن خزي البصاق
".

يظن بعض البسطاء أن ما حدث للسيد المسيح
كان في أيام بيلاطس فقط، حينما أسلمه ليجلد وحينما اشتكى اليهود عليه، أما أنا
فأرى يسوع المسيح يُسلم ليُجلد في كل يوم: أدخل إلى معابد اليهود اليوم
وأنظر كيف أن السيد المسيح يجلد منهم من خلال التجاديف؛ كذلك أنظر إلى أبناء الأمم
الذين يجتمعون ليشتكوا على المسيحيين، وكيف أنهم يقبضون على يسوع المسيح الموجود
في كل مسيحي ويقومون بجلده؛ تأمل يسوع المسيح الابن الكلمة كيف أنه مُهان ومرذول
ومحكوم عليه من غير المؤمنين. أنظر كيف أنه بعدما علمنا وأوصانا قائلاً: "من
لطمك على خدك الأيمن فحول له الأخر أيضًا
" قام هو نفسه بتنفيذ هذه الوصية
فأهمل خديه للطم. يوجد أناس كثيرون يجلدونه ويلطمونه أما هو لم
يفتح فاه
. وحتى يومنا هذا، فإن يسوع المسيح لا يرد وجهه عن خزي
البصاق
: لأن الذي يحتقر تعاليمه يكون كمن ينفض البصاق في وجهه.

نستقبل الأنبياء في العلية:

13. أمر منطقي أن يُضرب إرميا كما ضُرب
بولس وكما ضُرب السيد المسيح. "فضرب فشحور إرميا النبي وجعله في المقطرة
التي في باب بنيامين الأعلى
". إن المقطرة كانت في باب بنيامين وفي
الدور الأعلى (العلوى). إن نصيب سبط بنيامين من الميراث كان
"أورشليم" حيث يوجد هيكل الرب، ذلك كما هو موضح في تقسيم الميراث
الموجود في سفر يشوع. بما أن الهيكل كان في سبط بنيامين، لذلك فإن النبي قد جُعل
في المقطرة، أو بحسب الترجمة من النص الفرنسي: قد أُلقي في الجب
الذي في باب بنيامين.
واسم بنيامين معناه "ابن اليمين". وهذا الباب
موجود بالقرب من الدور العلوي عند بيت الرب. وبالرغم من وجود دور
علوي في بيت الرب، إلا أن فشحور لم يلقِ إرميا إلا في الجب السفلي. أما نحن فإننا
نريد أن نأخذ إرميا الآن ونصعده إلى الدور العلوي من بيت الرب؛ هذا الدور العلوي
أقصد به المعنى الروحي المرتفع[1]،
وذلك كما سأوضح من خلال نصوص عديدة من الكتاب المقدس، تؤكد أن الأبرار يستقبلون
الأنبياء في الأدوار العليا. يذكر سفر الملوك أن أرملة صرفة صيدا التي جعلها الرب
لإعالة إيليا استضافته عندها في العلية الموجودة في منزلها (1مل 17: 19)

كذلك المرأة الشونمية التي كانت تستضيف
أليشع النبي كلما مرّ عليها، عملت له علية صغيرة لكي يستريح فيها كلما يجيء. (2مل
4: 8-10). وعلى العكس من ذلك فإن
Ochozias الخاطئ سقط من الطابق العلوي. يوصيك يسوع المسيح أنت أيضًا ألا
تنزل من السطح، فيقول: "والذي على السطح فلا ينزل ليأخذ من بيته
شيئًا".

إذًا الوجود في الأدوار المرتفعة وعلى
الأسطح هو أفضل شيء. جاء عن الرسل الأطهار في سفر الأعمال، أنهم كانوا موجودين في
العلية حينما كانوا مجتمعين للصلاة والتأمل في كلمة الرب، وحينما حل الروح القدس
عليهم في شكل ألسنة من نار. كذلك الحال بالنسبة للقديس بطرس عندما أراد أن يصلي
"صعد بطرس على السطح ليصلي نحو الساعة السادسة" (أع 10: 9)، إذا
لم يكن قد صعد على السطح، لما استطاع أن يرى "السماء مفتوحة وإناء نازلاً
عليه مثل ملاءة عظيمة مربوطة بأربعة أطراف ومدلاة على الأرض
". نفس الشيء
يقال عن المرأة التي كانت ممتلئة أعمالاً صالحة والتي كان اسمها طابيثا،
فهي لم تكن في الطابق الأرضي بل كانت في علية (أع 9: 37) حيث صعد
إليها بطرس ليقيمها من الأموات. كذلك السيد المسيح حينما كان يستعد ليأكل الفصح مع
تلاميذه، وعندما سأله تلاميذه: "أين تريد أن نعد لك لتأكل الفصح"
أجاب: "إذا دخلتما المدينة يستقببلكما إنسان حامل جرة ماء. اتبعاه إلى
البيت حيث يدخل وقولا لرب البيت يقول لك المعلم أين المنزل حيث أكل الفصح مع
تلاميذي، فذاك يريكما علية كبيرة مفروشة، هناك أعدَّا"
(لو 22: 9-12).
إذًا مَن يريد أن يحتفل بالفصح مثل يسوع المسيح لا يختار أبدًا الطابق الأرضي.
إنما كل من يحتفل بالعيد مع السيد المسيح لابد أن يكون مرتفعًا وجالسًا في العلية
الكبيرة، في العلية المفروشة، في العلية المزينة والمعدة.
إذا صعدت معه لتحتفل بالفصح، يقدم لك كأس العهد الجديد، وخبز النعمة؛ يهديك جسده
ودمه.

لهذا فإننا ننصحكم بالصعود إلى
المرتفعات: ارفعوا عيونكم إلى الجبال.

كل ذلك، لأن فشحور لم يُصعد النبي إلى
الطابق العلوي بل ألقاه في الجب السفلي.

14. "وكان في الغد أن فشحور أخرج
إرميا من المقطرة (من الجب)".

يا ربي يسوع تعالَ من جديد ووضح لي هذا
الأمر: لماذا أخرج فشحور إرميا النبي من الجب "في الغد
طالما أن هذا اليوم مستمر، يشير ذلك إلى استمرار الخاطئ في خطيته وفي إلقائه
لإرميا، لكن عندما يأتي الغد أي عندما يتوب، يخرجه من الجب. بعد ذلك يخبر إرميا
فشحور بالمصير الذي ينتظره. ماذا يقول له؟ "لم يدع الرب اسمك فشحور بل
مجور مسابيب (مسبي). لأنه هكذا قال الرب
":

فشحور هذا، يُدفع للسبي إلى بابل عقابًا
على خطاياه، ليس وحده، هو وكل محبيه (أصدقائه). وبالفعل أُسلم إلى نبوخذنصر، وأخذ
جزاء خطاياه لأنه ألقى إرميا في الجب.

من هم أصدقاء فشحور؟ إن اسم
"فشحور" يشير إلى "سواد الفم". لذا فإن أصدقاءه هم جميع
الذين قبلوا كلامه وتلوثوا به فغطاهم السواد الخارج من فمه الأسود، وهم الذين
قبلوا عقائد سوداوية.

"فيسقطون بسيف أعدائهم":
حاملوا السيف هم أولئك المخصصين لتنفيذ عقاب الرب لهؤلاء الخطاة. يقول: "وعيناك
تنظران
" أي تنظران تحقيق كلام هذه النبوة، "وأدفع كل يهوذا ليد
ملك بابل
"، وجدت كل مملكة يهوذا خاطئة تستحق أن تُسلم ليد ملك بابل. بهذا
ملك بابل يختص بالخطاة: ملك بابل بحسب التاريخ هو نبوخذنصر، وبحسب المفهوم الروحي،
هو الشيطان؛ فإن الخاطئ يسلم إليه، لأن إبليس هو عدو و منتقم في آنٍ
واحد. يقول بولس الرسول في هذا الشأن: "الذين منهم هيمينايس والإسكندر
اللذان أسلمتهما للشيطان لكي يؤدبا حتى لا يجدفا
" (1تي 1: 20)، وكذلك
بالنسبة للإنسان الذي زنى مع امرأة أبيه: "إذ أنتم وروحي مجتمعون مع قوة
ربنا يسوع المسيح أن يسلم مثل هذا للشيطان لهلاك الجسد لكي تخلص الروح في يوم الرب
يسوع
" (1كو 5: 4-5).

"وأدفع كل ثروة (قوة) هذه
المدينة". من السهل أن نقول أن هذه النبوة تخص أورشليم؛ لأن كل قوتها وثروتها
وكل شيء فيها أُسلم إلى البابلين؛ كما أنها أُسلمت أيضًا ليد أعدائها بعد مجئ
المخلص فأهلكوها وهدموها. لكن إذا جئنا إلى الحقيقة، ووضعنا الناس بدلاً من حجارة
المدينة، تدرك أن أورشليم هذه، أي شعبها، قد أسلموا ليد ملك بابل بسبب الخطية التي
ارتكبوها تجاه السيد المسيح، وأنك أنت الآن "أورشليم" الأخرى. وإذا كانت
الآية تهدد الآن أورشليم الحالية، فيجب عليك أن تحذر، لئلا إذا أخطأت أنت أيضًا،
تصبح مثل أورشليم الخاطئة، فتسلم إلى بابل فتكون تحت سيطرة ملكها.

كما أنه يسلم أيضاً "كل تعب"
أورشليم. كيف يكون هذا؟

لو حدث أنك سقطت في الخطية بعد صراعات
ومعارك عنيفة ضدها، يذهب كل جهادك وتعبك في يدي نبوخذنصر، ويقال لك:
"قد تعبت كل هذا باطلاً"
(P237K). أما الذين يدركون
تمامًا مقدار الأتعاب التي قاسوها وتحملوها من أجل الفضيلة، فإنهم هم الذين يخشون
السقوط، ويحذرون لئلا بعد كل هذا التعب تسوقهم الخطية تحت سلطان نبوخذنصر ملك
بابل. حتى تفهم بأكثر وضوحٍ كيف أن نبوخذنصر يمتلك أتعاب أورشليم الخاطئة،
أستعين بجزء من سفر حزقيال، يقول: "وإذا رجع البار عن بره وعمل إثمًا…
فإن كل بره الذي عمله لا يذكر
" (حز 18: 24)، لماذا؟ لأن ملك بابل يأخذ كل
هذه الأتعاب والبر ويمحوها. و يأخذ أيضاً "كل مثمناتها"
أو "كل مجدها".

إذا حدث أن الإنسان بعدما أعطاه الله
مجدًا[2]،
ورغم إدراكه لهذا المجد، تجاهله ثم أخطأ، بهذا يهين نفسه بخطاياه، ويصبح إنسانًا
مهانًا بعد أن كان إنسانًا ممجدًا، بذلك يكون ملك بابل قد أخذ كل مجد
أورشليم.

"وكل خزائن ملوك يهوذا".
أورشليم غنية، لكنها إذا أخطأت يأخذ ملك بابل كل خزائنها.

"أدفعها ليد أعدائها فيغنمونها
ويحصرونها إلى بابل. وأنت يا فشحور وكل سكان بيتك تذهبون في السبي وتأتي إلى بابل
وهناك تموت وهناك تدفن
".

الإنسان المسجون في هذا العالم، يموت
في بابل. الذي يرفض أن يدفن مع السيد المسيح، يدفن في بابل؛ لأنه يمكننا أن
ندفن مع السيد المسيح دفنًا مجيدًا من خلال المعمودية، كما قال الكتاب: "مدفونين
معه في المعمودية التي فيها أُقمتم أيضاً معه
" (كو2: 12).

تذهب في السبي أنت وكل محبيك الذين
تنبأت لهم بالكذب
.

الذي يفسر كلمات الله خطأ، ويلقي كلام
الأنبياء في الجب، مثل هذا الإنسان يتنبأ، ولكن بالكذب، لأنه
لا يقول الحقائق كما هي، وإنما يحرفها.

الله يخدعنا لأننا أطفال!

15. ننتقل الآن إلى المجموعة الثانية من
الآيات. تبدأ هذه المجموعة بآية غاية في الصعوبة؛ لذلك ندعو السيد المسيح من جديد
لكي يأتي إلينا هذه المرة بصورة أكثر قوة ووضوح، ويعرفنا ما المقصود بهذه النبوة.
قال إرميا للرب: "قد خادعتني يا رب فانخدعت وألححت عليّ فغلبت. صرت للضحك
كل النهار. كل واحد استهزأ بي. لأني كلما تكلمت صرخت. ناديت ظلم واغتصاب. لأن كلمة
الرب صارت لي للعار وللسخرة كل النهار. فقلت لا أذكره ولا أنطق بعد باسمه. فكان في
قلبي كنار محرقة محصورة في عظامي فمللت من الإمساك ولم أستطع. لأني سمعت مذمة من
كثيرين. خوف من كل جانب. يقولون اشتكوا فنشتكي عليه. كل أصحابي يراقبون ظلعي
(خطتي) قائلين لعله يطغى (يتعثر أو يخدع) فنقدر عليه وننتقم منه
".

حينما قالوا هذه الكلمات، أجاب النبي
وقال: "ولكن الرب معي كجبار قدير. من أجل ذلك يعثر مضطهديّ ولا يقدرون. خزوا
جدًا لأنهم لم ينجحوا خزيًا أبديًا لا ينسى
". تلك هي المجموعة الثانية من
الآيات (إرميا 20: 7-12).

كيف يقول النبي: "قد خادعتني يا
رب فانخدعت
"؟ ها الله يخدع؟

كيف إذًا أُظهر أن هذه العبارة توافق
الرب، لا أدري! إذا استطعت بفضل الله أن أدرك شيئًا خاصَا بها أحتاج، في الواقع،
إلى جرعة كبيرة من التفسيرات التي تجعل هذه العبارة ملائمة مع الرب.

بعدما توقف النبي عن أن يُخدَع، قال:
"قد خادعتني يا رب فانخدعت"، بمعنى أن المبادئ الأولى للعبادة قد
أعطيت له في الخداع، وذلك لأن تعريفه للعبادة لم يكن ممكنًا أن يتم إلا إذا خُدِعَ
أولاً. يكفي أن نقدم مثلاً واحدًا يفيد في هذا الأمر: عندما نربي أطفالاً ونعلمهم
نتحدث إلى أطفال ولا نخاطبهم كما نخاطب الكبار، بل كأطفال محتاجين إلى تعليم. نقوم
أيضًا بخداع الأطفال الصغار وتخويفهم لكي يكفوا عن سلوكهم الخاطئ ويبطلوا العادات
السيئة الموجودة عندهم. إذا كنا نخيفهم بكلام خادع، فإن هذا هو أسلوب التعامل مع
الطفولة في مراحلها الأولى، وذلك حتى نقودهم إلى السلوك الصحيح من خلال الخداع.
إننا جميعًا بالنسبة للرب أطفال صغار محتاجون أن نتعامل على هذا الأساس. لكي
يرعانا ويوجهنا يقوم بخداعنا، حتى ولو لم ندرك هذا الخداع في وقته؛ وذلك حتى لا
يعاملنا مثل أناسٍ قد تخطوا مرحلة الطفولة؛ أي لأنه يشفق علينا في البداية، لأن
معاملة الكبار عند الرب لا تكون من خلال الكلمات الخادعة، لكنه يؤدبهم ويعلمهم
بطريقة عملية. فتوجد طريقة لبث الخوف بالنسبة لطفلٍ صغيرٍ، وتوجد طريقة أخرى
بالنسبة لمن تخطى مرحلة الطفولة.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد قديم سفر أخبار الأيام الثانى خادم المسيح ح

أذكر حقائق من الكتاب المقدس توضح أن
الله حينما يخدع يهدف إلى تحقيق الخلاص، وتبين كيف أنه يقول بعض الكلمات لكي يتوقف
الخاطئ عن التمادي في خطيته. حينما قال: "بعد أربعين يومًا تنقلب نينوى"
ألم يكن هذا الخداع خداعًا يقود إلى التوبة؟ ولكن إذ لم تكن التوبة قد تحققت، لما
اعتبرنا هذا التهديد خداعًا، لأن الله كان سينفذه في حالة عدم توبة أهل نينوى في
المهلة المحددة.

الأمر متوقف على السامعين: إما أن
ينخدعوا فيصدقون الكلام الذي قيل كما لو كان حقيقة، وبالتالي يستفيدون منه فلا
يهلكوا؛ أو لا ينخدعوا ويحتقرون كلام الله، فيكون مصيرهم الهلاك. نفترض أن أهل
نينوى لم يتوبوا عن خطاياهم؛ عندئذ تحققت الكلمات: "بعد أربعين يومًا
تنقلب المدينة
". نفترض أيضًا أن هذه الكلمات لم تتحقق رغم عدم توبتهم،
فإنهم بالتأكيد كانوا سيواجهون مصيرًا أشر وهو النار الأبدية.

لذلك فإن العقوبات الموجودة في الشريعة
تختلف بالنسبة للذين يُعاملون كأطفال صغار عن العقوبات المخصصة لهؤلاء الذين من
أجلهم جاء ملء الأزمنة. لو قارنت بين عقوبات الخطاة في الناموس، وبين
عقوبات الخطاة في الإنجيل، ترى أن الخطاة في العهد القديم كانوا يُعاقَبون كأطفال
صغار، بينما نحن، فإن الله ينذرنا بعقوبات شديدة ويتعامل معنا كبالغين. عقوبة خطية
الزنا في العهد القديم لم تكن جهنم، ولم تكن النار الأبدية، بل الرجم. من أجل هذا،
فإن الرجل أو المرأة الذين يزنون في وقتنا الحاضر، يقولون عند خروجهم من هذا العالم:
ياليت تلك الكلمات نُفِّذت فيّ أنا أيضًا، ياليت الشعب رجمني بدلاً من أن أذهب إلى
النار الأبدية!

ليس الإنسان الزاني فقط هو المستوجب
نار جهنم
، وإنما أيضًا كل من قال لأخيه يا أحمق. فإذا كان
الإنسان الذي يقول لأخيه يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم، فماذا يكون إذًا بالنسبة
للذي يزني؟ لابد أنه يذهب إلى مكان أشد قسوة من جهنم.

سوف أستعين ببعض كلمات بولس الرسول التي تتلاءم
مع هذا الموضوع. إذ يقول: "من خالف ناموس موسى فعلى شاهدين أو ثلثة شهود
يموت بدون رأفة، فكم عقابًا أشر تظنون أنه يحسب مستحقًا من داس ابن الله
؟"
(عب 10: 28-29).

ما هو هذا العقاب يا بولس؟ قل لنا عليه!
يجيب بولس: لقد قلته لكم دون أن أوضحه، لأن العقاب المخصص للأشرار في الإنجيل يفوق
المكتوب، فكما أن ما أعده الله للذين يحبونه، يفوق العقل، كذلك أيضًا ما أعده من
عذابات للأشرار، يفوق العقل. من أجل هذا كان يلزم أن يتعلم إرميا النبي مبادئ
العبادة كطفلٍ صغيرٍ: لقد استمع إلى التعاليم، فدخلت إليه مخافة الرب، وتعلم؛ ثم إذ صار
إنسانًا بالغًا، قال: "قد خادعتني يا رب فانخدعت". وأنت
أيضًا، طالما أنك طفل، عليك أن تخشى تهديدات الرب، حتى لا تلقى مصيرًا يفوق هذه
التهديدات، ولا تقاسي العذاب الأبدي والنار التي لا تُطفأ، أو ربما ما هو أسوأ من
ذلك.

ياليتنا لا نتعرض لعذاب من تلك العذابات،
لكن إذا صرنا بالغين في المسيح يسوع نُحسب مستحقين للاحتفالات السماوية وللفصح
الروحي حيث نحتفل به مع السيد المسيح الذي له المجد والقدرة إلى دهر الدهور آمين.

 

عظة (20)

تفسير الآيات من:

"قد خادعتني يا رب، فانخدعت".
(إر 20: 7).

إلى:

"فيا رب الجنود مختبر الصديق
ناظر الكلى والقلوب
" (إر 20: 12).

غضب الله وغضب الناس

1. كل ما يقوله الكتاب المقدس عن الله،
حتى ولو بدا أنه غير محتمل الوقوع بالنسبة لله، إلا أننا يجب أن ندرك أنه يتلائم
تمامًا معه، بكونه إله صالح. لأنه في الواقع، مَنْ مِنَّا يجده أمرًا عاديًا حينما
نفترض أن الله يغضب، وأنه يسخط وأنه يندم بل وأنه ينام أيضًا؟ أليست هذه الأشياء
غير محتملة الوقوع بالنسبة لله؟ لكن إذا استطعنا أن ندرك ما هو الهدف من ورائها
نجدها توافق الله. لأن غضب الله ليس بلا ثمر. فكما أن كلماته تعلم وتؤدب كذلك
أيضًا غضبه: فإن الذين لم يتأدبوا بكلماته، يؤدبهم بغضبه.

في الواقع أن كلمة الله ليست مثل كلام
جميع الناس؛ فإنه لا يوجد أحد بين الناس كلمته "صار جسدًا
ولا يوجد أحد كلمته "الله" (وكان الكلمة الله) (يو1: 1).

نفس الشيء يقال عن "غضب الله"،
فإن غضبه لا يشبه غضب أي إنسان. بل وسخطه شيء فريد: فإن سخطه ذو قصد أو هدف معين،
فإن سخط الله من خلال توبيخاته العنيفة، يُعَبِّر عن رغبته في تتويب وإرجاع النفوس
التي تُوَجَّه إليها هذه التوبيخات.

يمكن للكلام أن يوبخ أيضًا بالإضافة إلى
التعليم، لكنه لن يوبخ بنفس الطريقة التي يوبخ بها السخط. فإن هذا السخط يستخدم في
الواقع مع الذين لم تنفع معهم كلمات التوبيخ. وسوف أقول أيضاً أن هناك "ندم"
عند الله، بما أنه مكتوب: "ندمت على أني قد جعلت شاول ملكًا"
(1صم 15: 11). إذًا يجب عليك أن تبحث عن معنى للندم يليق بالرب؛ ولا تظن أنه يوجد
أي وجه للشبه بين ندم الله وندم الناس. وكما أن كلمته شيء فريد، وغضبه شيء فريد
وسخطه شيء غير عادي، وأن كل من هذه الكلمات لا تتشابه في شيء مع مثيلاتها عند
البشر، كذلك أيضًا ندمه يمثل تجانسًا مع ندمنا؛ و"التجانس" ما هو إلا
كلمتان لهما نفس الحروف ونفس النطق لكنهما مختلفتان في المعنى.

فإن الاسم فقط (النطق) هو الذي يتشابه في
غضب الله وغضب أي إنسان و كذلك أيضًا بالنسبة للسخط.

هلموا لنرَ ماذا فعل الله حينما ندم؟ لقد
عزل شاول لأنه لم يطع الشريعة في أثناء ملكه، وأقام للشعب ملكًا جديدًا كان قلبه
مثل قلب الله.

إن كان ما سبق كان تمهيدًا لتوضيح
العبارة التي قالها إرميا في البداية، وهي:

"قد خادعتني يا رب فانخدعت
فبحسب ما سبق شرحه، ندرك أن خداع الله يختلف تمامًا عن خداع الناس. ما هو إذًا
خداع الله، الذي بعدما فهمه إرميا قال له "قد خدعتني يا رب فانخدعت"؟

أستعين أولاً بمقالة عبرية جاءت إلينا عن
طريق إنسان هرب إلينا بسبب إيمانه بالسيد المسيح، يمكننا أن نعتبرها وسيلة لتوضيح
الآية السابقة للسامعين.

ماذا جاء في هذه المقالة؟ تقول: إن الله
ليس طاغية، لكنه ملك، يملك دون استخدام العنف، بل يلجأ إلى الإقناع، حتى يكون
الخير الذي يقدمه الإنسان بحريته واختياره وليس عن الزامٍ واضطرار. هذا ما قاله
بولس الرسول لفليمون بخصوص أنسيمس: "لكي لا يكون خيرك كأنه على سبيل
الاضطرار بل على سبيل الاختيار
" (فليمون 14). كان يمكن لرب هذا الكون أن
يدفعنا إلى عمل الخير[3]،
بحيث نعطي الصدقة على سبيل الاضطرار، ونصنع الرحمة أيضًا على
سبيل الاضطرار، لكنه لم يشأ ذلك. لهذا يوصينا بولس الرسول بأن أي شيء
نفعله، لا نفعله "عن حزن أو اضطرار" (2كو 9: 7)، بل على
سبيل الاختيار. إذًا فإن الله يبحث -إذا صح هذا التعبير- عن طريقة تجعلنا نفعل ما
يريده منا، بكامل اختيارنا ورضانا. هذه المقالة تقول بالتقريب مما يلي:

إن الرب كان يريد أن يرسل إرميا ليتنبأ
إلى جميع الأمم، وقبل جميع الأمم كان يريده أن يذهب أولاً إلى شعب إسرائيل. لكن
بما أن النبوات كانت تحتوي على شيء من الكآبة والوعيد -لأنها تعلن عن العقوبات
التي سيعاقب بها كل واحد بحسب استحقاقه- بما أن الرب كان يعلم أن النبي لا يريد أن
يتنبأ بالويلات لشعب إسرائيل، فقد وجد حلاً وسطًا في هذا الموضوع، فقال لإرميا:
"خذ كأس خمر هذا السخط من يدي واسق جميع الشعوب الذين أرسلك أنا إليهم
إياها
" (إر 25: 15). لقد أمر الرب إرميا أن يأخذ كأس خمر السخط، ولكي
يدفعه لأخذها، قال له: "واسقِ جميع الشعوب". وإذ سمع إرميا أنه
مُرسل إلى جميع الشعوب وأنه سوف يقدم لهم كأس خمر سخط الله وعقوباته، لم
يشك لحظة ولم يخطر بباله أن إسرائيل أيضًا عليها أن تشرب من كأس هذا السخط، وهو
بهذا قد انخدع وأخذ الكأس ليسقي بها جميع الشعوب. وهو لم يسمع هذه العبارة من
الله: "وسوف تسقى أولاً أورشليم ومدن يهوذا" (إر 25: 18) إلا
بعدما أخذ الكأس من يد الرب. إذًا، في حين أنه كان يتوقع إرسالية معينة، جاءت إليه
إرسالية أخرى لم تكن في الحسبان؛ لهذا السبب قال: "قد خادعتني يا رب
فانخدعت"
.

تقدم المقالة أيضًا تفسيرًا مشابهًا
بالنسبة لإشعياء: فهو أيضًا لم يكن يعلم ما سوف يأمره الله ليقوله للشعب؛ وكما
يذكر الكتاب المقدس أن إشعياء سمع الله يقول:

"من أرسل ومن يذهب إلى هذا
الشعب؟"
(إش 6: 8) فأجاب إشعياء: "هأنذا ارسلني"، فقال
له الرب عندئذ: "اذهب وقل لهذا الشعب اسمعوا سمعًا ولا تفهموا وابصروا
إبصارًا ولا تعرفوا، غلظ قلب هذا الشعب"
. لأنه لم يكن يعلم ما سوف يتنبأ
به، وكان يجهل أنه سيقول كل هذه التهديدات للشعب، لهذا أجاب: "هأنذا
ارسلني"
. كذلك نقرأ فيما بعد: "صوت قائل: ناد" (إش 40:
6) وكانت إجابة النبي، ليست إجابة إنسان شغوف بتنفيذ الأمر، بل على العكس من ذلك،
فقد سأل الرب: "بماذا أنادي؟"، لأنه كان يخشى أن يسمع من الرب
نفس كلمات التهديد السابقة التي أمره أن يتنبأ بها في المرة الأولى، فقال للرب بماذا
أنادي
إذًا؟، فأجابه: "كل جسد عشب وكل جماله كزهر الحقل الخ."،
وبهذا فهو لم يسمع أي شيء ضد إسرائيل.

3. هذا هو ما قالته المقالة لتفسير
الآية: "قد خادعتني يا رب فانخدعت"، أما بالنسبة لي فإنني أتمنى
عدم الوقوف عند مجرد تلقي التفسيرات من الغير دون أن أعمل على إثمارها، وأتمنى عدم
دفن أو إخفاء الوزنة في الأرض (مت 25: 25)، كذلك عدم وضع الأمناء التي
أتلقاها من الذين يفسرون أمورًا مفيدة، في منديل (لو 19: 20). بل
أرجو أن أعمل على إثمار هذه التعاليم التي أتلقاها. بعدما قرأت التفسير السابق
جلست لأتأمل بنفسي في معنى "قد خادعتني يا رب فانخدعت": ربما
يتشابه هذا الوضع مع أب يعمل على خداع ابنه الصغير وذلك حرصًا على مصلحة الابن،
حيث لن يتمكن الأب أن يعمل ما فيه خير لابنه إلا من خلال خداعه. أو مثل طبيب يلجأ
إلى خداع المريض، حينما يكون السبيل الوحيد لعلاج هذا المريض هو أن تقال له
تفسيرات مخادعة عن حالته. فربما يتعامل الله معنا بنفس هذه الطريقة لأنه يريد خير
ومصلحة الجنس البشري كله. فلو قال الطبيب للمريض: يجب أن أقطع أحد أعضائك، أو يجب
أن تُكوَى، أو يجب أن تتحمل أشياء أخرى أشد ألمًا، قد لا يستجيب المريض ولن يوافق
على قبول مثل هذا العلاج. لذلك فإن الطبيب أحيانًا يتحدث مع المريض في أمور أخرى
لا تخص مرضه أو طريقة علاجه، في حين أنه يخفي عن المريض المشرط الذي سيستخدمه في
فتح جسده، ويخبئه تحت أي شيء بعيدًا عن عينيّ المريض. أو أحيانًا أيضًا يقدم
للمريض بعض العسل لكنه يضع فيه الدواء المرّ، في كل ذلك لا يهدف الطبيب إلى مضايقة
المريض بل إلى شفائه.

الكتاب المقدس ملئ بطرق علاج كثيرة من
هذا النوع: فأحيانًا يكون العلاج بإخفاء الجانب المرّ، وأحيانًا يكون بإخفاء
الجانب اللطيف الطيب. فقد ترى أب يهدد إبنه ويتوعده كما لو كان يكرهه، ولا يظهر له
أي حنان، بل على العكس يخفي حبه لابنه، وهو حينما يفعل ذلك، يريد أن يخدع الابن،
لأنه ليس في مصلحة ابنه أن يعرف حنانه وأن يدرك مقدار مشاعر الحب التي يكنها له
أبوه؛ حتى لا يتمادى الابن في الفساد بدلاً من أن يتعلم ويتربى تربية صحيحة. هذا
هو سبب إخفاء الأب للحنان واللطف وإظهاره التهديد والوعيد.

توجد أدوية مُرّة يحتاج إليها حتى
الأبرار والحكماء حينما يخطئون، لأن كل إنسان يخطئ يجب أن يعاقب على خطاياه مهما
كان هذا الإنسان: "لا تضلوا. الله لا يشمخ عليه" (غلا 6: 7).
وأيضًا: "لا تضلوا. لا زناة ولا عبدة أوثان ولا فاسقون ولا مأبونون ولا
مضاجعوا ذكور ولا سارقون ولا طماعون ولا سكيرون ولا شتامون ولا خاطفون يرثون ملكوت
الله"
(1كو 6: 9-10). فإذا قيلت هذه الكلمات كما هي وبنفس هذا الأسلوب
إلى الذين لا يحتملون مجرد فكرة استخدام المشرط لعلاجهم، أو إلى الذين لا يتقبلون
فكرة الدواء المُرّ الموجود أسفل العسل؛ يُصاب كثيرون باليأس والإحباط بسبب
الكلمات السابقة. مَن منا لا يتذكر أنه شرب بلا تمييز حتى الثمالة؟ مَن منَّا
معصوم من الخطأ؟ مع هذا أنظر ما يقوله الكتاب: لا تضلوا جميع هؤلاء لن
يرثوا ملكوت الله.
يجب إخفاء السر أو الحكمة الموجودة في تلك الآية حتى لا
يسقط الناس في اليأس، لئلا إذا عرفوا هذه الحقيقة، ينتظرون الموت ليس كراحة لهم بل
كعقابٍ ينتظرهم. إذا حدث هذا، ألعلنا نستطيع أن نجد إنسانًا آخر مثل بولس الرسول
يمكنه أن يقول: "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح" (في 1:
23)؟ من جهتي أنا، لن أستطيع أن أقول مثل بولس، لأنني أعرف إنني إذا انطلقت كل ما
هو خشب وعشب وقش (1كو 3: 12) فيّ يجب أن يُحرق، هذا الخشب الموجود فيّ هو
النميمة، والإفراط في الشرب والسرقات وغيرها من الأخشاب التي تراكمت على الأساس
الموجود في بيتي. كل ذلك يغيب عن كثير من المؤمنين، كل واحد منا يظن أنه طالما لم
يزنِ ولم يرتكب الفحشاء يخلص؛ ولا ندرك أنه "لابد أننا جميعًا نظهر أمام
كرسي المسيح لينال كل واحد ما كان بالجسد بحسب ما صنع خيرًا كان أم شرًا"

(2كو 5: 10). ولا نضع أمامنا الذي قال: "إياكم فقط عرفت من جميع قبائل
الأرض. لذلك أعاقبكم على جميع ذنوبكم"
(عاموس 3: 2)، ليس على بعض ذنوبكم
والبعض الآخر لا أعاقبكم عليه.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ى يعقوب الرهاوي ي

إذًا كما أن الطبيب يخبئ أحيانًا المشرط
الذي يشفي ويخفيه مثلاً تحت إسفنجة ناعمة ولينة، وكما أن أب العائلة يخفي أيضًا
حنانه ورقته تحت مظاهر العنف والتهديد، وبما أن خداعات الطبيب تنزع الأورام وتزيل
جميع الأشياء التي تؤذي الجسد، وكذلك خداعات الأب تنزع السلوك السيء والفساد من
الأبناء، فإن إرميا النبي أدرك بحكمته أن الله فعل معه شيئًا مماثلاً. لذلك عندما
أدرك أنه قد انخدع من الله لأجل خيره ولأجل مصلحته، قال: "قد خادعتني يا
رب فانخدعت"
. إن الخداع الذي ذهب ضحيته النبي هو الذي قاده إلى نعمة
النبوة، وبالتالي جعله يتمني هذا الخداع، حتى أنه يقول للرب: اخدعني يا رب إذا كان
هذا لمصلحتى. إن هناك اختلاف كبير بين الخداع الذي يأتي من الله وبين الخداع الذي
يأتي من الحية. تأمل ماذا قالت حواء للرب: "الحية غرتني (خدعتني)
فأكلت"
(تك 3: 13)، فإن الخداع الأتي من الحية طرد آدم وامرأته من فردوس
الله، بينما خداع الله لإرميا قاده إلى نعمة عظيمة جدًا هي نعمة النبوة، وجعله
قويًا قادرًا على خدمة كلمة الرب دون أن يخاف أو يخشى إنسانًا.

إذ فهمنا ذلك، علينا أن نشتاق نحن أيضًا
أن نُخدع من الله حاليًا وفي المستقبل، وعلينا أيضًا أن نحترس لئلا يخدعنا الشيطان
(الحية).

4. أجازف وأقدم مثالاً لخديعة نافعة
ومفيدة:

يوجد أناس يمارسون حياة البتولية
والطهارة، ويوجد آخرون لا يتزوجون مرة أخرى لأنهم يعتقدون أن الذي يتزوج ثانيةً
يكون مصيره الهلاك. هلموا نبحث بأنفسنا عن ما هو الأفضل بالنسبة للمرأة التي لا
تتزوج مرة أخرى: هل من الأفضل لها أن تُخدَع وأن تظن أن المرأة التي تتزوج مرة
ثانية، سوف تُعاقَب وتسلم إلى النار الأبدية[4]،
وبالتالي لا تتزوج مرة أخرى فتظل طاهرة؟ أم من الأفضل لها أن تعرف الحقيقة وأن
تتزوج مرة أخرى؟ أعتقد أن أي واحد منكم، بما أنه يعرف عواقب الزواج الثاني، سوف
يقول: أنه من الأفضل لها بكل تأكيد أن تظل طاهرة وأن تمتنع عن الزواج الثاني، دون
أن تُخدَع، عليها أن تعرف أنه حتى المرأة المتزوجة مرة ثانية تحصل على بعض الخلاص
لكن دون أن تتمتع بجميع البركات والتطويبات والنعم التي تُمنح للمرأة التي منعت
نفسها من إعادة الزواج –رغم أنه كان في مقدورها أن تتزوج مرة ثانية- لكن في حالة
إذا كان إقناعها بهذا الكلام غير ممكن، من الأفضل لها أن يتم خداعها بحيث تظن أن
التي تتزوج مرة أخرى تهلك[5].
بهذا فإن هذه الخديعة تجعلها تظل طاهرة، أفضل مما لو قلنا لها الحقيقة وبالتالي
يكون مصيرها أن تجلس في الصفوف المنخفضة (الأقل درجة) المعدة للمتزوجين أكثر من
مرة. تلاحظ أن كثيرين يمارسون حياة الطهارة والعفة الكاملة على أساس الخديعة، كما
أن أشياء أخرى كثيرة نفعلها تحت تأثير الخداع لكنها كلها لصالحنا وخيرنا. كم من
الناس الذين ادعوا أنهم حكماء وأنهم اكتشفوا حقيقة العقاب[6]
وأنهم اكتشفوا الخديعة المدبرة لهم، سقطوا في حياة أكثر شرًا وسوءً. كان من الأفضل
لهؤلاء الناس لو أنهم ظلوا يفكرون كما كانوا يعتقدون قبلاً أن "دودهم لا
يموت
وأن نارهم لا تطفأ وأنهم يكونون رذالة لكل ذي جسد" (إش
66: 24)، وأن التبن سيحرق بنار لا تطفأ (مت 3: 12)، أما الآن وقد تركوا
معتقداتهم الأولى، يستهينون بغنى لطف الله وإمهاله وطول أناته (رو 2: 4) من
أجل أنهم لم يحسبوا أن خداع الله لهم هو لمصلحتهم، فقد أعدوا بذلك لأنفسهم
غضبًا في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة
(رو 2: 5).

كان هذا بالنسبة للخداع الذي يأتي من
قِبَل الله، والذي قال إرميا بخصوصه: "قد خادعتني يا رب فانخدعت". لكن
دعونا نتأمل كلمة: "فانخدعت"، فلماذا لم يكتف النبي بأن يقول:
"قد خادعتني يا رب" فقط؟ لماذا أضاف كلمة: "فانخدعت"؟
لأنه يمكن إذا قام إنسان بخداع آخر، يأخذ الآخر حذره فلا يسقط في الخديعة،
وبالتالي لا ينخدع؛ أما إذا خدع أحد إنسانًا آخر ثم سقط هذا الآخر في الخديعة
المدبرة له، يقول: "قد خادعتني فانخدعت".

أضيف أيضًا شيئًا آخر: مهما يقول لي
الشيطان (الحية) سواء كان كلامه حقيقة أو خداعًا، يجب أن أرتاب دائمًا من كلماته
وأشك فيها، عالمًا أنه سواء كان يخدعني أو يقول لي الصدق ففي كلتي الحالتين يضرني،
حتى صدقه يضرني. لا يأتي من الشيطان شيء نافع بما أنه لا تقدر شجرة ردية أن
تصنع أثمارًا جيدة
(مت 7: 18). لكن مهما يقول لي –إذا كنت واثقًا من أن هذا هو
كلام الله- فإني مستعدٌ أن أسلم نفسي إليه. فلو كان يقول الصدق فإنني أتقبله منه،
ولو كان يخدعني، فإنني أستسلم لخداعه عن طيب خاطر وبكل رضى قلب؛ بشرط أن يكون الله
وحده هو الذي يخدعني؛ وبالتالي أقول له: "قد خادعتني يا رب فانخدعت".

ماذا يترتب على أن الله هو الذي يَخدَع و
أن الإنسان هو الذي ينخدع؟ يترتب على ذلك "ألححت عليّ فغَلبتَ" أو
" لقد كنت أنت الأقوى وكانت لك القدرة".

إنه هو الأقوى بما أنه خدعني في
البداية حينما كنت لا أزال طفلاً صغيرًا في المسيح، وبما أنه هو الأقوى
إذًا فإن له كل القدرة.

5. يقول: "صرت للضحك كل النهار،
كل واحد استهزأ بي
".

كان إرميا يعيش في عصر ملآنِ بخطاة من
أشر الأنواع –لهذا حدث السبي في عصره- وكان من عِظَم خطيتهم أنهم كانوا يستهزئون
ويضحكون ويسخرون خاصة حينما كان إرميا يقول لهم العبارة المعتادة التي يبدأ بها
نبواته، وهي: "هكذا قال الرب". بما أنهم كانوا يضحكون ويسخرون من
الكلمات التي كان يقولها، فقد تجنب إرميا استخدام العبارة: "هكذا قال الرب
لأنه قد انخدع قبل ذلك واستفاد من تلك الخديعة؛ فقد أراد هو بدوره أن يخدع الشعب
من أجل الصالح العام، فكان يقول: إن ما أقوله لكم هو كلامي، بما أنكم ترفضون سماع
كلمات الرب. بذلك فقد كانوا يستمعون إلى كلام الرب على أنه كلام إرميا.

إن هذا هو ما قاله لي الإنسان الذي سلمني
التفسير الخاص بهذا الجزء والمنقول عن العبرية، بعد دراسة بدايات النبوات. في
الواقع، لو نظرنا إلى بداية نبوة إرميا بحسب ما جاء في الترجمة السبعينية، فإنني
لا أدري لماذا كُتِبَ: "كلام الرب الذي جاء إلى إرميا بن حلقيا أحد
الكهنة…
"، بينما مكتوب في الترجمة العبرية وجميع الطبعات الأخرى:
"كلام إرميا بن حلقيا من الكهنة…"؛ فإن الجميع إذًااتفقوا على
عبارة: "كلام إرميا بن حلقيا من الكهنة"، ولكن لماذا "كلام
إرميا

ذلك لأن إرميا حينما كان يكلم الناس
الذين كانوا لا يريدون أن يسمعوا كلام الله، كان يبدأ كلامه بقوله: "استمعوا
إلى كلامي". نحن أيضًا، أحيانًا نتصرف بنفس الطريقة حينما يبدو ذلك نافعًا.
أحيانًا نوجه كلماتنا إلى الوثنيين راغبين في جذبهم إلى المسيحية، وأنهم ينفرون من
مجرد سماعهم لكلمة "المسيحية"، يرفضون سماع أي كلام له علاقة بديانة
المسيحيين؛ فإننا نتظاهر بأننا ندعو إلى عقيدة أخرى غير المسيحية، حتى إذا تمكنا
من نشر هذه الديانة واستطعنا أن نجذب السامعين إليها وإلى تعاليمها، نعلن لهم
حينئذ أن هذه الديانة التي أحبوها هي "المسيحية".

بهذا فقد فعلنا مثل النبي الذي بدلاً من
أن يقول: "هكذا قال الرب"، قال: "استمعوا إلى كلامي أنا،
إرميا".

هذا بالنسبة للعبارة القائلة: "صرت
للضحك كل النهار"
. في حين أنه إذا استهزأ أحد بكلامنا وسخر به نعتبر ذلك
إهانة لكرامتنا؛ فما بالكم برجل مثل إرميا النبي يقول: "صرت للضحك كل
النهار، كل واحد استهزأ بي
"!. ولماذا نتحدث عن إرميا؟ فإن مسيحنا أيضًا
استهزأوا به: "وكان الفريسيون أيضًا يسمعون هذا كله وهم محبون للمال
فاستهزأوا به
" (لو 16: 14). لكن الرب يستهزىء بكل الذين يستهزأون بكلامه:
"الساكن في السموات يضحك. الرب يستهزئ بهم" (مز 2: 4).

"صرت للضحك كل النهار": أنظر أية حياة كان يعيشها
الأنبياء، يتعرضون أحيانًا للسخرية، وأحيانًا للمخاطر، وأحيانًا يعتدي الشعب عليهم
ويرجمونهم، وأحيانًا يُقتَلون، ويُكرَهون ويُضَطَهًدون. احتملوا كل شيء لأنهم
كانوا يطلبون المجد الذي من الإله الواحد (يو 5: 44)، وكانوا في إعلانهم
لكلمات الله بين الشعوب، بالرغم من كل ما تعرضوا له من آلام، ينظرون إلى النهاية
السعيدة التي أعدها الرب لهم.

"صرت للضحك كل النهار"، إن هذه العبارة تدين جميع
الناس في هذا الجيل؛ لأن النبي لا يتعرض للضحك عليه خلال أيام قليلة فقط، بل كل
يومٍ وكل نهارٍ.

المرارة التي تجلب ضحكًا!

6. "لأني كلما تكلمت صرخت" أو
"من أجل كلامي المُر أضحك".

يوجد وعد في الكتاب المقدس هو عبارة عن
"ضحك"، وهذا الوعد يتمثل في أحد آباء العهد القديم وهو اسحق، لأن اسمه
يعني "ضحك". ويوجد وعد آخر بالضحك، كما تقول الآية: "طوباكم
أيها الباكون الآن"
والوعد هو "لأنكم ستضحكون" (لو 6:
21). كما توجد وعود متعددة مثل: "لأنهم أبناء الله يدعون" و"لأنهم
يعاينون الله"
و"لأنهم يرثون الأرض" و"لأن لهم
ملكوت السموات"،
كذلك يوجد وعد بالضحك، يقابله بكاء قيل عنه "طوبى".
هذا البكاء يختلف تماماً عن بكاء آخر قال عنه السيد المسيح "ويل"، وهو
مُعَدٌّ للذين يعيشون حياة مضادة: "ويل لكم أيها الضاحكون الآن لأنكم
ستحزنون وتبكون".
دعونا نستمع إلى بولس الرسول في هذا الموضوع. حينما كان
بولس الرسول يُعَلِم، كان يبذل كل ما في وسعه لكي يُحزِن السامعين (على خطاياهم)،
وهو يعلن أنه يفرح بالأخص حينما يَحزَن أحد من كلامه: "فمن هو الذي يفرحني
إلا الذي أحزنته؟"
(2كو 2: 2).

لو استطاع المتكلم أن يُحزن نفوس
السامعين، وبالأخص الخطاة منهم، ويؤثر فيهم بكلامه إلى أن يقودهم إلى البكاء من
فرط الحزن على خطاياهم، يفرح هذا المتكلم جدًا من أجل أن السامعين امتلأوا بكلامه
وتأثروا به. أحيانًا يقود المتكلم السامع كما من خلال الباب والطريق الضيق
الذي رغم كونه كربًا ومحزنًا إلا أنه يؤدي إلى الحياة (مت 7: 14)،
وأيضًا من خلال البكاء الذي يقود إلى الضحك المُطَوَّب. إذًا لنحذر لئلا يقال لنا
"ويل لكم أيها الضاحكون الآن لأنكم ستحزنون وتبكون".(لو 6: 25).

ذكرت كل ذلك للإشارة إلى العبارة التي
قالها إرميا: "من أجل كلامي المر سأضحك"، ولكي أوضح أن هناك
ضحكًا سببه البكاء، وأن هناك بكاء آخر سيبكيه هؤلاء الذين يضحكون الآن على الأرض،
قال الرب عنه: "هناك يكون البكاء وصرير الأسنان" (مت 8: 12). آه!
ياليت كل واحد منا يقول بعد كل خطية يرتكبها: "أعوم كل ليلة سريري بدموعي
أذوْب فراشي"
(مز 6: 6)، ياليت الرب يعطي كل واحدٍ فينا أن يقول على
خطاياه: "صارت لي دموعي خبزًا نهارًا وليلاً" (مز
42: 3).

فإذا كان كلامي هنا على الأرض في
هذه الحياة مرًا بعض الشيء بسبب الاضطهادات التي أتعرض لها من السامعين،
فإنني أعلم أنه من أجل كلامي المر سأضحك في النهاية، الضحك الذي قال عنه
السيد المسيح "طوبى". فإن هذا بلا شك هو ما كان يقصده إرميا النبي حينما
قال: "من أجل كلامي المر سأضحك".

لنخالف عهدنا مع الشر ونقبل الشقاء!

7. "ناديت: ظلم واغتصاب" أو"سأدعو
لمخالفة العهد وللشقاء".

الإنسان البار هو الذي يدعو الرب، كما
يذكر سفر الأمثال أيضًا أن الإنسان الشرير يدعو الرب: "حينئذ يدعونني فلا
أستجيب"
(أم 1: 28). ويقول الكتاب: "ويكون أن كل من يدعو باسم
الرب ينجو"
(يوئيل 2: 32). غير أن النبي يقول هنا: "سأدعو لمخالفة
العهد وللشقاء"؛ يدعو لمخالفة العهد حينما يدعو الله، وللشقاء حينما
يدعو السيد الرب: هل أنت يا إرميا تدعو إلى شيء صالح حينما تقول ذلك؟ بالطبع لا،
لأن كلمات هذه العبارة في حد ذاتها لا تدعو إلى شيء صالح. إنما يجب أن نفهم أن
المقصود هنا "بالعهد" هي العهود الشريرة التي نقطعها مع هذا العالم
والتي يجب علينا أن نتخلص منها وأن نخالفها. نفس الشيء بالنسبة لكلمة
"الشقاء": فإنني إن اعتقدت أنني إذا مشيت في الطريق الواسع الرحب الذي
يؤدي إلى الهلاك لست شقيًا، وإن تركت هذا الطريق الواسع الرحب لكي أدخل في الطريق
الضيق الكرب، أقول في تلك الحالة: "سأدعو للشقاء". فإذا تركت
العهود والأمور المتعلقة بهذا العالم وخالفتها من أجل أن أحصل على العهود
السماوية، فإنني بذلك أدعو لمخالفة العهد، وكذلك إذا تركت
حياة الطريق الواسع الرحب وسلكت الطريق الضيق الكرب وأصبحت إنسانًا شقيًا في هذا
العالم مثل بولس الرسول أقول: "سأدعو للشقاء".

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القمص تادرس يعقوب عهد قديم سفر الخروج 06

لا يستطيع كل إنسانٍ أن يقول: "ويحي
أنا الإنسان الشقي، من ينقذني من جسد هذا الموت؟!"
(رو 7: 24). لأن الذي
يحب جسده والذي لا يؤمن بالدهر الآتي لا يقول: "ويحي أنا الإنسان الشقي
بل يعلن أنه سعيد لكونه في الجسد "جسد هذا الموت". إذًا لو استطعت أن
أفهم كيف قال بولس الرسول: "ويحي أنا الإنسان الشقي"، حتى إذا لم أكن قد
دعوت للشقاء حتى الآن يمكنني أن أدعو للشقاء وذلك بعدما أخالف العهود المرتبطة
بالشر، وبالتالي أقول مع إرميا: سأدعو لمخالفة العهد وللشقاء. إنه
لم يقل: سأدعو لمخالفة العهد مع الله!

أريد أن أقدم مثالاً من الكتاب المقدس،
لإنسانٍ بار خالف العهد، لكي أوضح كيف أن هذا البار دعا عمليًا لمخالفة
العهد. لقد أقامت يهوديت عهدًا مع أليفانا، يتضمن هذا العهد أن يسمح لها
أليفانا بأن تخرج خلال عدة أيام لتصلي وتتضرع إلى الرب بمفردها، ثم بعد هذه الأيام
تسلم نفسها إلى أليفانا لتكون زوجته (يهوديت 12: 6-7). فقبل أليفانا هذا العهد
وترك يهوديت تخرج لتصلي خارج الخيمة. ماذا ياترى تفعل يهوديت؟ هل تحافظ على العهد
أم تخالف؟ كان ينبغي عليها في هذا الموقف أن تخالف عهدها، لأنها علمت أن هذه
المخالفة تكون مرضية أمام الله، وأنها (يهوديت) تكون عزيزة في عيني الرب إذا خالفت
عهدها مع أليفانا. لذلك قررت قائلة في نفسها: "سأدعو لمخالفة العهد".

ينبغي لي أنا أيضًا أن أقول: سأدعو
لمخالفة
العهد مع الحية، مع الشيطان. لقد أقامت الحية قديمًا عهدًا مع
حواء، فكانت هناك صداقة متبادلة بين حواء والحية. لكن الله في صلاحه عمل على تحطيم
هذه الصداقة الشريرة السيئة والقضاء عليها، فقال الرب: "وأضع عداوة بينكِ
وبين المرأة وبين نسلكِ ونسلها
" (تك 3: 15). هل نستطيع أن ندرك بقلبٍ
متسعٍ كيف أن الله قد وضع عداوة مع الحية لكي يقيم صداقة مع المسيح؛ لأننا لا
يمكننا أن نصادق متناقضين في وقت واحد. وكما أنه لا يستطيع أحد أن يخدم سيدين،
كذلك لا يستطيع أحد أن يصادق السيد المسيح والحية في آنٍ واحدٍ؛ بل أن الصداقة مع
المسيح يترتب عليها بالضرورة عداوة تجاه الحية، والعكس صحيح، الصداقة مع الحية
تسبب عداوة للسيد المسيح.

"سأدعو لمخالفة العهد وللشقاء" لكي
أوضح لك أكثر معنى كلمات: "سأدعو للشقاء" أصف شيئًا يحدث مع
النساك. حينما تأتي إليهم الفرص للزواج كثيرًا وللتخلص من أتعاب الجسد الذي يشتهي
ضد الروح
، لا يستخدمون هذه الفرصة بل يفضلون الشقاء والتعب والألم وإماتة
الجسد من خلال الأصوام والقمع والاستعباد (1كو 9: 27). فهم بالروح يميتون أعمال
الجسد
(رو 8: 13). أليس هؤلاء الناس يطلبون أو يدعون للشقاء؟ ذلك
بالرغم من أنه كان في إمكانهم أن يتزوجوا ويتمتعوا بكل شيء؟

لذلك لو أراد أحد أن يفعل مثل إرميا
النبي، يجب عليه أن يدعو لمخالفة العهد الذي أقامه مع هذا العالم،
كما أوضحنا سابقًا، هذا من جهة، ومن جهة أخرى عليه أن يدعو للشقاء من خلال
الممارسات النسكية. لقد تحقق ذلك بالنسبة لإرميا، لأنه كان يعيش في حياة العفة.
فقد قال الرب: "لا تتخذ لنفسك امرأة ولا يكن لك بنون" (إر 16:
1).

هكذا عاش إرميا النبي حياة البتولية لأنه
كان قد دعا إلى مخالفة العهد وللشقاء.

النار الداخلية!

8. "لأن كلمة الرب صارت لي
للعار"
(إر 20: 8).

يالسعادة إرميا الذي لم يكن عاره إلا
بسبب كلمة الرب! ويالشقائنا نحن الذين يأتي عارنا ليس لأجل كلمة الرب وإنما لأجل
خطايانا ولأجل سقوطنا المتكرر في الخطية.

لا يريد الرب أن يكون عارنا من هذا النوع
المخزي حينما يقول لنا: "طوبى لكم إذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل
كلمة شريرة من أجلي
" (مت 5: 11)، "افرحوا في ذلك اليوم
وتهللوا"
(لو 6: 23).

يقول النبي: "لأن كلمة الرب صارت
لي للعار وللسخرة كل النهار
".

حول هذا الموضوع دعونا نتأمل كيف كان
الأنبياء رجالاً ذوي قلبٍ متسعٍ، لا يخفون خطاياهم مثلما نفعل نحن، ولا يكتفون
بقولها أمام الناس المعاصرين لهم فقط، بل يذكرون خطاياهم أمام جميع الأجيال. بينما
نحن نتردد في الاعتراف بأخطائنا أمام مجموعة صغيرة من الناس خوفًا من اتهامهم لنا!
لم يخف إرميا خطيته ولكنه اعترف بها فقال: "فقلت لا أذكره ولا أنطق بعد
باسمه
"! تعودت يا إرميا أن تفعل كل شيء باسم الرب (كو 3: 17) وألا
تتصرف إلا باسمه، فكيف تقول: "لا أذكره ولا أنطق بعد باسمه"؟ وما
هو إذًا الاسم الذي ستنطق به؟ "ولا تذكروا اسم آلهة أخرى ولا يُسمَع من
فمك"
(خر 23: 12).

كيف تقول ذلك؟ قال إرميا ذلك الكلام لأنه
إنسان وقد تعرض لشعور إنساني كثيرًا ما نتعرض له نحن أيضًا. خاصة إذا شعر أحد أنه
بسبب تبشيره بكلمة الرب، أصبح إنسانًا شقيًا، متألمًا، مكروهًا، فكثيرًا ما يقول
في نفسه: أنسحب بعيدًا، لماذا أتحمل كل هذا القلق والهم؟ لقد شعر النبي أيضًا بنفس
هذا الشعور حينما قال: "فقلت لا أذكره ولا أنطق بعد باسمه".

لكن صالح هو الرب الذي يمنع شخصيات عظيمة
مثل هؤلاء الأنبياء من أن يرتكبوا مثل هذه الخطايا. فأنه لم يدع إرميا ينفذ العهد
الذي أخذه على نفسه، بل جعله يدعو لمخالفة العهد ولمخالفة الكلام
السابق الذي قاله. أضاف إرميا إلى كلماته السابقة: "فكان في قلبي كنارٍ
محرقةٍ محصورةٍ في عظامي فمللت من الإمساك ولم أستطع".

جاءت كلمة الرب إليه لتشعل قلبه، فجعلته
يرجع عن خطيته التي قالها قبلاً حينما قال: "فقلت لا أذكره ولا أنطق بعد
باسمه".
رجع إرميا عن خطيته في نفس اللحظة التي كان يتكلم فيها. يا ليتني
أنا أيضًا، أشعر في نفس الوقت الذي أرتكب فيه الخطية، بنار تحترق في داخلي
للدرجة التي لا أستطيع فيها أن أحتملها!

ذكر الكتاب أن هناك نوع من النار يصيب
الإنسان المعاقب بآلام لا تُحتمل. قال: "فكان في قلبي كنارٍ محرقةٍ"،
هذه النار لا تحرق قلبي فقط بل أيضًا "عظامي. فمللت من
الإمساك ولم أستطع".
إنني أخشى أن تكون النار المعدة لنا في اليوم الأخير
مثل تلك النار التي أصابت إرميا في قلبه، لأنني أعتقد أننا لو كنا جربنا تلك
النار، وجربنا أيضًا النار الخارجية التي تصيب الجسد من الخارج فقط، لاخترنا النار
الخارجية، فهي تحرق الجسد من الخارج، أما النار الثانية فتحرق القلب، وبعد إحراق
القلب تنشر لتحرق العظام وبعد العظام تذهب إلى كل جزء في الإنسان وتحرقه، فلا يعد
يحتمل هذا الإنسان المحترق تلك النار أبدًا. من يمكنه أن يقول على النار الأرضية:
"لم استطع" فإنني أعرف أشخاصًا استطاعوا أن يحتملوا آلام هذه
النار الأرضية، أما النار الأخرى التي وضعها إرميا فإن آلامها لا تُحتمل، ذلك لأن
الرب هو الذي يُشعلها، وهو الذي قال: "جئت لألقي نارًا على الأرض"
(لو 49:12). حينما يُشعل الرب هذه النار، يبدأ أولاً بإلقائها في القلب، وذلك كما
اعترف تلمذيْ عمواس، فقالا عن كلامه: "ألم يكن قلبنا ملتهبًا فينا إذ كان
يكلمنا في الطريق ويوضح لنا الكتب؟"
(لو 32:24).

9. من هو مستحق أن يُحرق الآن بهذه النار
في قلبه، لكي لا يُحرق بها في اليوم الأخير؟ أصف لكم مَن هو الإنسان الذي له هذه
النار في داخل قلبه: تخيل معي أن رجلين ارتكب كلا منهما خطية من نفس النوع، وهى
مثلاً أبشع أنواع الزنا. وأن واحدًا منهما لم يشعر بعد ارتكابه بخطيته بأي نوع من
الندم ولا الحزن ولا التأثر، لكنه كما قيل في سفر الأمثال عن الزانية: "أكلت
ومسحت فمها، وقالت ما عملت إثمًا"
(أم20:30). أنظر أيضًا إلى الخاطئ
الثاني؛ فإنه بعد ارتكابه لخطيته لم يحتملها وكان ضميره هو الذي يعاقبه ويبكته،
وكان معذبًا في قلبه، لا يستطيع أن يأكل ولا أن يشرب، صائمًا لا عن اختيار بل بسبب
آلام التوبة وعذابها. تخيل معي هذا الإنسان الذي "انحني إلى الغاية وذهب
اليوم كله حزينًا، وامتلأ قلبه احتراقًا، وليست في جسده صحة"
(مز
6:38-7)، ولا تَكُفّ خطيته عن تبكيته وتأنيبه. قارن بين هذا الإنسان والإنسان
الأول الذي لا يبالي بخطيته ولا يشعر بها: أيهما تفضل؟ من منهما في رأيك يمكن أن يكون
له رجاء في الرب؟ الإنسان الذي ندم على خطيته هو بالطبع الذي يكون له رجاء: فإنه
كلما احترق بنار العقاب أصبح مستحقًا للرحمة. تكفيه فترة للعقاب مثل التي قررها
بولس الرسول للرجل الذي ارتكب الزنا ثم ندم وحزن على خطيته، لأن العقاب كان مفيدًا
له، فقد قام بولس الرسول بتوقيع العقاب عليه، وإذ رأى أن حزنه كان عظيمًا وكافيًا،
قال: "لئلا يُبتلع مثل هذا من الحزن المفرط. لذلك أطلب أن تمكّنوا له
المحبة"
(2 كو 7:2-8).

ليفحص كل واحدٍ منا ضميره، ولينظر ما هي
الخطايا التي ارتكبها، حتى إذا عرف أنه ينبغي أن يُعاقب، يطلب حينئذ من الله أن
تأتي إليه النار التي أتت إلى إرميا، وأيضًا في تلمذيْ عمواس، لكي لا
يُسلّم في اليوم الأخير إلى النار الأبدية، لأنه إذا أخطأ هنا على الأرض ولم يبالِ
بخطيته ولم تعمل فيه النار الإلهية، يكون مصيره في النهاية النار الأبدية.

"لأني سمعت مذمة من كثيرين، خوف من
كل جانب"
.
حتى إرميا النبي الطوباى سمع مذمة من كثيرين، ولكن هذه المذمة كانت سببًا لتطوبيه
من الله.

كان هؤلاء المشتكون عليه يقولون: "اشتكوا
فنشتكي عليه، كل أصحابي يراقبون ظلعي (خطتي) قائلين: لعله يطغي (يتعثر)"
.
كانوا يريدون أن يوقعوا بإرميا ويخدعوه خداعًا مميتًا، مختلفًا عن خداع الله له.
كان هؤلاء المجتمعون عليه يقولون: "لعله يطغي فنقدر عليه وننتقم منه".
كانوا يعتبرون أنفسهم ضحايا للتوبيخ الذي أصابهم بسبب خطاياهم، لذلك طلبوا
الانتقام من إرميا الذي وبخهم. لقد فعل هؤلاء الناس نفس الشيء مع أشعياء النبي
عندما نشروه وقتلوه لأنه كان يوبخهم على خطاياهم.

يقول إرميا عن هؤلاء المجتمعين ضده: "ولكن
الرب معي كجبارٍ قديرٍ"
. إذا تقبلنا النار الآتية على خطايانا كما
تقبلها إرميا، يكون الرب معنًا كجبارٍ قديرٍ". "من أجل ذلك
يعثر مضطهديَّ ولا يقدرون"
لأن الرب يقف مع الإنسان المضطهد حتى لا يسقط
في أيدي مضطهديه.

كما طبقنا كثيرًا من كلمات إرميا على
مخلصنا يسوع المسيح، يمكنَّا أن نفعل نفس شيء مع هذه العبارة أيضًا، فقد قيل عن
السيد المسيح: "اشتكوا فنشتكي عليه" "ولكن الرب كان معه كجبارٍ
قديرٍ
فإنه من أجل ذلك عثر مضطهديه ومضطهدوه ولم يقدروا"، وكانوا
اليهود الذين صلبوه.

خزوا جدًا لأنهم لم ينجحوا، خزيًا أبديًا
لا يُنسي"
:
يظنون أن عصيانهم يُنسي بمرور الوقت، لكننا نري حتى الآن أن عصيانهم وخطاياهم لم
تُنسَ.

"فيا رب الجنود مختبر الصديق ناظر
الكُلي والقلب"
.
يختبر الرب أعمال الصديق ويرفض أعمال الإنسان الشرير، وهو أيضًا ناظر الكُلي
والقلب. لكن دعونا نرى الفرق بين "ناظر الكُلي والقلب" وبين "فاحص
الكُلي والقلب" (مز 10:7).

فإن الرب لا يفحص إلا قلوب الخطاة
وكلاهم. وفى المحاكم نلاحظ أن المتهمين يتعرضون للفحص والتفتيش الجسدي، أما
بالنسبة للرب فإن الفحص الذي يقوم به هو من نوعٍ آخرٍ: إنه يفحص القلوب، ولا يمكن
لآي إنسانٍ أن يقوم بهذا النوع من الفحص، بل الله وحده.

أن الشيء المؤكد في رأيي أن جميع
العذابات والأتعاب والآلامات الشديدة تأتي للخطاة حينما يقوم الرب بفحص قلوبهم
وكلاهم. لذلك يجب علينا أن نبذل كل جهدنا لكي لا نُسلم إلى مثل هذا الفحص الشديد
القسوة. على أي حال، فإن الذي ينتظرنا في يوم الدينونة، إذا لم نرجع عن خطايانا،
هم العذاب (مت 18: 34) ثم بعد ذلك نُسلم إلى فاحص القلب والكُلي،
إذا لم نترك خطايانا بأسرع ما يمكن نقع بين أيديهم.

لنقم إذًا ولتطلب معونة الرب لكي نكون
مطوَّبين في المسيح يسوع الذي له المجد والقدرة والسلطان إلى دهر الدهور أمين.



[1]
أي أن الذين لا يأخذون من نبوات إرميا سوى الجانب الحرفي، يفعلون
مثل فشحور الذي ألقى النبي في الجب السفلي.

[2]
أي من خلال المعمودية.

[3]
وفي هذه الحالة سوف يكون خير كاذب وليس خير حقيقي، بما أنه لم
يُعمل بحرية الإرادة.

[4]
بعض العلماء المسيحيين يرفضون ويستنكرون الزواج الثاني
ويعتبروننه مثل خطية التزوج بامرأتين ومنهم "أثيناغورس" الذي يقول:
نه زنا متأدب (محتشم)"؛
كذلك "ترتليان". وأيض
ًا كانت هذه الأفكار منتشرة
بين بعض البسطاء المخلصين.

[5]
يعترف أوريجينوس بشرعية الزواج الثاني؛ ولكنه يعتبر أن المرأة
التي تتزوج مرة أخرى تتمتع ببعض الخلاص ولكن دون أن تأخذ كل التطويبات والبركات
التي يمكن أن تنالها إذا امتنعت بإرادتها عن الزواج الثاني، وسوف يكون مكانها في
"الصف الأق
2ل درجة" أو "الدرجة
الثانية". كما يقول أوريجينوس في
Hom. Lc.xvii,11: "إنني أعتقد في الواقع أن الذي يتزوج مرة واحدة، وأن الفتاة
العذراء، وأن الإنسان الذي يحافظ على عفته وطهارته، يمثلون جزءً من كنيسة الله؛ أ
ما الذي يتزوج ثانية، فبالرغم من حسن
سلوكه وفضائله الأخرى، لا يعتبر جزء من الكنيسة ولا يكون عضواً ضمن الجماعة التي
هي "بلا عيب ولا غضن" وإنما يكون مكانه في "الدرجة الثانية"
من ضمن "الذين يدعون باسم الرب" والذين خلصوا باسم يسوع المسيح، ولكن
دون أن يضع السيد المسيح الإكليل على رأسه"

[6]
"اكتشفوا حقيقة العقاب" أي فهموا أن
العقاب لن
يكون بطريقة حسية ملموسة وإنما سيكون بطريقة روحية.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي