الإصحَاحُ
الرَّابعُ

زينة
العروس

أكثر
عبارات هذا الإصحاح والأصحاحين التاليين، منظومة فى العبرية شعرا، لذلك يرجح أن
تكون مجموعة خطب أو أقوال ألقاها النبى منظومة مقفاة، ليدفع الشعب إلى التوبة،
ويحفظهم من الخطر المصلت على رقابهم.

إذ
يطلب الله من شعبه الرجوع إليه، كاشفا عن غيرته عليهم، وحبه الشديد نحوهم، يطلب
إليهم ألا يرجعوا إليه بفسادهم ورجاساتهم، وإنما أن يتزينوا بجمال داخلى كعروس
سماوية مقدسة.

 

(1) التوبة وسيلة التزين

إنه
يلح فى طلب رجوعها إليه، لكنه يطلبها ترجع مقدسة له، إذ يقول:

" إن رجعت يا إسرائيل يقول الرب، إن رجعت إلى، وإن نزعت
مكرهاتك من (فمك) من أمامى فلا تتيه "
ع 1.

يطلب
من عروسه أن تتخلى عن العبادة الوثنية، وعن جحودها له. هذه هى المكروهات.. يبغضها
الله لأنها تحتل قلب الإنسان، وتغتصب ملكوت الله، وتفسد الحياة الداخلية، فتجعل
النفس فى حالة تيه، لا تعرف رسالتها ولا حتى تقدير الله لها.

يطالبها
ألا تحلف بالآلهة الوثنية بل به، تحلف بالحق والعدل
والبر
(ع 2).

يعلق
العلامة أوريجينوس على القول الإلهى:

" وإن حلفت حى هو الرب بالحق والعدل والبر فتتبرك الشعوب به،
وبه يفتخرون "

ع 2، قائلا: إننا نعلم أن الرب قال لتلاميذه فى الإنجيل:

" وأما أنا فأقول لكم: لا تحلفوا البتة " مت 5: 34.

لندرس
هذه الآية، ونضع الآيتين معا. ربما يلزمنا أن نبدأ بالقول: " احلفوا بالحق
والعدل والبر " حتى إذا ما تقدمنا ونمونا فى النعمة بعد ذلك نستعد ألا نحلف
البتة، بل يكون لنا ال " نعم " الذى لا يحتاج إلى تأكيد الأمور بالقسم،
ويكون لنا ال " لا " الذى لا يحتاج إلى شهادة إثبات أن الأمر ليس هكذا.

 

(2) ختان القلب

إذ
كانت يهوذا يعتزون بكونهم أهل الختان.. بينما قلوبهم غير مختتنة، لهذا جاءت الوصية
إليهم تلزمهم بالدخول إلى الأعماق، ليمارسوا ختان القلب الخفى، ويهتموا بالمجد
الداخلى:

 " لانه هكذا قال الرب لرجال يهوذا ولاورشليم:

 احرثوا لانفسكم حرثا ولا تزرعوا في الاشواك.

 اختتنوا للرب وانزعوا غرل قلوبكم يا رجال يهوذا وسكان اورشليم.

 لئلا يخرج كنار غيظي فيحرق وليس من يطفئ بسبب شر اعمالكم
"
ع 3، 4.

جاءت
الدعوة هنا إلى رجال يهوذا وأورشليم، يستحيل أن يرجى ثمر روحى الهي ممن يزرعون فى
أرض قفر مملوءة بالأشواك الخانقة، إنما يجب أن تشق بشفرة المحراث لتبكيت تربة
القلب القاسية.. ففى مثل الزارع يقول السيد المسيح: "
وسقط آخر على الشوك فطلع الشوك وخنقه "
مت 13: 7.

إن
كانت تربة قلوبنا مملوءة أشواكا فبصليب ربنا يسوع المسيح تحرث فتصير صالحة، ينزع
عنها الشوك بكونه الغرلة. هذا هو ختان القلب الذى يرتبط بالصليب، ولا يختنق بأشواك
هموم الحياة وملذاتها الباطلة.

من لا
يقبل عمل الروح النارى فيه يسقط فى نار الغضب الإلهى، أى يسقط فى مرارة تجلبها
أعماله الشريرة عليه، كما جلبت خطايا يهوذا السبى بكل مذلته، هذا الذى يصفه إرميا
النبى بصورة قاسية حتى لم يعد يقدر أن يحتمل المنظر (ع 10)..

كان
صوت التحذير مستمرا حتى لحظات السبى، إذ يقول:

 " اخبروا في يهوذا وسمّعوا في اورشليم وقولوا،

 اضربوا بالبوق في الارض.

نادوا بصوت عال وقولوا:

اجتمعوا فلندخل المدن الحصينة.

ارفعوا الراية نحو صهيون.

هل تبحث عن  هوت مقارن تبسيط الإيمان 83

احتموا.لا تقفوا.لاني آتي بشر من الشمال وكسر عظيم.

قد صعد الاسد من غابته وزحف مهلك الامم.

خرج من مكانه ليجعل ارضك خرابا.

تخرب مدنك فلا ساكن.

 من اجل ذلك تنطقوا بمسوح

 الطموا وولولوا،

 لانه لم يرتد حمو غضب الرب عنا.

 ويكون في ذلك اليوم يقول الرب،

 ان قلب الملك يعدم وقلوب الرؤساء،

 وتتحير
الكهنة وتتعجب الانبياء " ع 5 – 9.

الله القدوس الذى يطلب عروسه مزينة بالقداسة، إذ يراها تمارس الشر
الذى يدفعها إلى السبى ينذرها، ويبقى ينذرها حتى اللحظات الأخيرة، فإنه يشتاق ألا
تسقط فى مرارة السبى.. لقد أرسل من يخبرها، ويضربوا بأبواق كلمته، وينادوا بصوت
عال، لعلهم يتركون القرى الغير الحصينة ويدخلون إلى المدن الحصينة ويرفعون راية
صهيون، أى يدخلون بالتوبة إلى حصن إلهى ويحملون راية الكنيسة، راية الحب الإلهى،
فيحتمون من الخطر.

الله يريدنا أن ندخل إلى مدينة حصينة، فقد تحصنت كنيسة الله بالحق
الذى فى المسيح يسوع، هو نفسه حصنها، كما يقول داود النبى فى المزمور:

"
الرب صخرتى وحصنى ومنقذى " مز 18: 2.

انتم
الذين كنتم فى تقدم ونمو احتموا فى صهيون، " قد
صعد الأسد من غابته وزحف مهلك الأمم "
ع 7.. هذا الأسد هو الذى ينبهنا
عنه القديس بطرس، قائلا:

" إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمسا من يبتلعه هو، فقاوموه
راسخين فى الإيمان "

1 بط 5: 8 – 9.

بما
أن الأسد قد صعد إليك ليهددك ويخرب أرضك، ألبس المسوح وإبك وتنهد وتضرع إلى الله
بالصلوات، فيهلك هذا الأسد، وتتخلص أنت منه، ولا تقع بين أنيابه.

 

(3) ترك الأنبياء الكذبة

كان
قلب إرميا الرقيق يعتصر وهو يرى: " قد بلغ السيف
النفس "
ع 10.

لقد
ظنوا أن الله خدعهم وخدع مدينته المقدسة أورشليم، ظنوه يتحدث على فم الأنبياء
الكذبة، القائلين: " يكون لكم سلام "
ع 10. إنها كلمات الأنبياء الكذبة المعسولة التى تعطى طمأنينة كاذبة ومؤقتة.

لترفض
الكنيسة هذه الكلمات، ولتتقبل كلمات الله النارية، حتى وإن بدت قاسية ومرة، لكنها
هى نار إلهية قادرة أن تهيئها كعروس مزينة لرجلها (رؤ 21: 2).

إلى
يومنا هذا لا تزال النفس تنخدع لا بكلمات الأنبياء الكذبة بل بالذين هم فى داخلها،
الأفكار الخطيرة المخادعة، لتستكين للخطية وتضرب بالشركة الإلهية والوصية عرض
الحائط. مثل هذه النفس يبكى عليها السيد المسيح كما على أورشليم، قائلا:

" إنك لو علمت أنت أيضا حتى فى يومك هذا ما هو لسلامك، ولكن
الآن قد أخفى عن عينيك، فإنه ستأتى أيام ويحيط بك اعداؤك بمترسة ويحدقون بك
ويحاصرونك من كل جهة، ويهدمونك وبنيك فيك ولا يتركون فيك حجرا على حجر لأنك لا
تعرفين زمن افتقادك "

لو 19: 42 – 44.

بعدما
يقدم الله تأديبه يحذر من العقوبة الأبدية.. فقد سمح لهم بالسبى، لكن إن لم يرجعوا
يسقطون فى دينونة أبدية، إذ يقول: " في ذلك
الزمان يقال لهذا الشعب ولاورشليم ريح لافحة من الهضاب في البرية نحو بنت شعبي لا
للتذرية ولا للتنقية. ريح اشد تأتي لي من هذه.الآن انا ايضا احاكمهم "

ع 11، 12.

إنه
يتحدث مع شعبه كإبنته " بنت شعبى "، مؤكدا مدى اهتمامه بالشعب المنتسب
إليه كإبنة له، وإن كانت تقابل حبه واهتمامه بالعصيان.

 

(4) إدراك خطة الله وقبول التأديب

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ذ ذوات النفخ خ

شبه
السبى القادم بصعود أسد من غابته وزحف مهلك الأمم لتخريب الأرض (ع 7). مرة أخرى
يشبهه بهبوب ريح عاصفة سريعة التدمير:

 " هوذا كسحاب يصعد،

 وكزوبعة مركباته.

اسرع من النسور خيله،

ويل لنا لاننا قد أخربنا " ع 13

إنها
صورة مؤلمة لهجوم عنيف يثيره العدو.. يظهر كسحاب من يقدر أن يصعد إليه ليحاربه أو
يمسك به؟! وكزوبعة عاصفة قادمة من الصحراء من يقدر أن يصدها؟! وكخيل له سرعة
النسور من يقف أمامها؟!.

ما
يحل بنا من تأديبات إلهية هو بسماح إلهى، إذ يسمح لنا أن نذوق عربون ثمر الخطية
لعلنا نرجع عنها ونلتجىء إليه. لهذا يكمل حديثه، مقدما علاجا شافيا للنفس:

" اغسلي من الشر قلبك يا اورشليم لكي تخلّصي.

الى متى تبيت في وسطك افكارك الباطلة " ع 14

بالتأديب
أفلهى تدرك النفس حاجتها للغسل لكى تخلص، أى لتنعم بشركة المجد.. فتحمل جمال
عريسها وبهاءه عليها.

يعود
فيذكرنا بأن التأديب قد أوشك حلوله قريبا جدا، إذ بلغ صوت القادمين جبل دان وانتقل
بسرعة البرق إلى جبل افرايم (ع 15) ليبلغ أورشليم ذاتها. فلا مجال للتأخير بعد!

لا
يليق بها أن تلوم الرب المؤدب أو تلوم أداة التأديب، بل تلوم نفسها، إذ يقول:

" لانها تمردت عليّ يقول الرب.

 طريقك واعمالك صنعت هذه لك،

هذا شرّك، فإنه مر، قد بلغ قلبك " ع 17، 18.

بإرادتك
اخترت الشر والعصيان، فاحتلت المرارة قلبك عوض ملكوت الله المفرح!

 

(5) قبول الأنبياء الحقيقيين

إن
كان يليق بالعروس أن ترفض كلمات الأنبياء الكذبة المعسولة لتدرك خطة الله لخلاصها
من خلال التأديب، فتغتسل لا بالمياة بل بدموع التوبة، فإن النبى لا يقف ناقلا لكلمات
الله فحسب وإنما كعضو فى العروس يئن ويتوجع لآلامها.

لا
يمكننا أن نظن فى الأنبياء أو المعلمين أنهم ناقلون لكلمة الله فحسب، ومعلنون عن
مشيئته الإلهية، ومصلون لأجل الشعب، وإنما هم رجال الله المملؤون حبا.. أعضاء فى
الجسد، يئنون ويذوبون مع كل ألم! لهذا يقول إرميا النبى:

" احشائي.احشائي!

توجعني جدران قلبي!

يئن فيّ قلبي.

لا استطيع السكوت! ع 19.

هنا
يكشف النبى عن حبه الشديد لشعبه، يتحدث لا كمعلم قاس، ولا كمنذر فحسب، وإنما يتكلم
من خلال أحشائه الداخلية، إنها تتمزق، وجدران قلبه تتوجع.. أنينه الداخلى لا
ينقطع، وهو يرسم أمامه صورة بلوى تلحق بأخرى هذه التى ستحل بهم! كم كان يود ألا
يحمل إليهم هذا النبأ المر.

إذ
حمل السيد خطايانا قال على لسان النبى: " كالماء انسكبت، انفصلت كل عظامى،
صار قلبى كالشمع. قد ذاب فى وسط أمعائى " (مز 22: 14)، يا لبشاعة الخطية!

" سمعت يا نفسي صوت البوق وهتاف الحرب.

 بكسر على كسر نودي

لانه قد خربت كل الارض.

بغتة خربت خيامي وشققي في لحظة.

حتى متى ارى الراية واسمع صوت البوق " ع 19، 20.

سمع
النبى بنفسه لا بأذنيه، بروح النبوة، ووقف على أحداث الحرب القادمة كأنه حاضر،
يسمع ويرى أمورا لا تحتمل. إنه لم يطق أن يتطلع إلى ذلك اليوم الرهيب.

فى
مرارة نفسه صرخ نحو الله: متى تنتزع هذه الكارثة؟ إلى متى يرى الحرب ويسمع صوت
البوق؟ يجيبه الله قائلا بأن الأمر فى أيديهم هم، فإن شرهم وغباوتهم وجهلهم للحق
وإصرارهم على الفساد هو السبب، ولا علاج إلا التوبة والرجوع إلى، إذ يجيب النبى،
قائلا له:

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس قاموس الكنيسة سَّحَر – سحريت ت

" لان شعبي احمق.

اياي لم يعرفوا.

هم بنون جاهلون وهم غير فاهمين.

هم حكماء في عمل الشر ولعمل الصالح ما يفهمون " ع 20.

 

(6) الشبع والأستنارة

يجيب
إرميا النبى مؤكدا أن الجهل هو سبب الخراب الذى يحل بالشعب:

" نظرت الى الارض واذا هي خربة وخالية،

 والى السموات فلا نور لها.

 نظرت الى الجبال واذا هي ترتجف.

 وكل الاكام تقلقلت.

 نظرت واذا لا انسان،

 وكل طيور السماء هربت.

 نظرت واذا البستان برية،

 وكل مدنها نقضت من وجه الرب من وجه حمو غضبه " ع 23 – 26.

 التصوير
الذى يقدمه لنا إرميا النبى هنا يذكرنا بما ورد فى الإصحاح الأول من سفر التكوين
حين كانت الأرض خربة وخالية، وكان الظلام سائدا، ولم تكن هناك حياة!

يكرر
النبى كلمة " نظرت " أربع مرات، وكأنه تطلع إلى العالم بجهاته الأربع
(الشمال والجنوب والشرق والغرب)، فماذا رأى؟ رأى شبه عودة إلى ما قبل الخلقة كما
وردت فى سفر التكوين. عالم قفر لا يسكنه إنسان وبلا نباتات!

ما هى
الأرض إلا جمهور الشعب الذى كرس طاقاته للعبادة الوثنية ورجاساتها، فصاروا كأرض
خربة.

وما
هى السموات إلا القيادات الدينية والمدنية التى كان يجب أن تنير الطريق للعامة، لكنها
صارت كسموات بلا نور، تبعث حالة من الضيق والكآبة.

وما
هى الجبال إلا النفوس التى كان لها دورها القيادى الشعبى، يظن الكل أنهم راسخون
كالجبال، فإذا بهم يرتجفون..

اختفاء
كل إنسان إشارة إلى اختفاء كل تعقل حكيم، وهروب طيور السماء إشارة إلى فقدان
الأمان، وتحول البستان إلى برية علامة الخراب الكامل..

الله
الذى يطلب شبعنا واستنارتنا حين يؤدب يعطينا فرصة للرجوع إليه، إذ يقول:

" خرابا تكون الأرض، ولكننى لا أفنيها " ع 27.

إنه
يترك بقية يقدسها وينميها.. إنه لا يود أن يفنى، بل أن يقدس ويبنى!

لئلا
بقوله: " لا أفنيها " يتهاون الشعب ويستغل مراحم الله، عاد ليؤكد
التأديب القاسى: " من اجل ذلك تنوح الارض وتظلم
السموات من فوق من اجل اني قد تكلمت قصدت ولا اندم ولا ارجع عنه "
ع
28،

 إنه
لا يرجع عن تأديبه لهم ماداموا لا يرجعون إليه..

 

(7) ترك البر الذاتى

إن
كان الله يطلب شبع العروس واستنارتها، فإنه يؤكد عجزها عن تحقيق ذلك بنفسها، فهى
فى حاجة إليه بكونه مصدر جمالها وشبعها واستنارتها:

" وانت ايتها الخربة ماذا تعملين؟

اذا
لبست قرمزا اذا تزينت بزينة من ذهب اذا كحلت بالاثمد عينيك فباطلا تحسّنين ذاتك
فقد رذلك العاشقون " ع 30.

إن ظنت نفسها غنية تلبس القرمز، وإن خزائنها مملوءة بالجواهر
الذهبية، وجميلة تكحل عينيها بالإثمد.. تبقى مرذولة ليس من الله فقط بل حتى من
عاشقيها..

مسكين الإنسان الذى فى جهاده الروحى يتكىء على بره الذاتى، يفقد كل
جمال داخلى بل ويصير قاتلا لنفسه، ويسمع التوبيخ الإلهى:

 "
لأنك تقول إنى أنا غنى وقد استغنيت ولا حاجة لى إلى شىء، ولست تعلم أنك أنت الشقى
والبائس وفقير وأعمى وعريان، أشير عليك أن تشترى منى ذهبا مصفى بالنار لكى تستغنى،
وثيابا بيضا لكى تلبس فلا يظهر خزى عريتك، وكحل عينيك بكحل لكى تبصر " رؤ 3: 17 – 18.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي