الإصحَاحُ
الثَّامِنُ

شكلية فى حفظ الشريعة

إذ شاهد إرميا النبى الجموع المحتشدة فى أورشليم قادمة لتمارس
ليتورجيات التسبيح ولمساهمة فى تكاليف إصلاح الهيكل وتقديم الذبائح، قادمة فى
تشامخ وفرح من أجل الهيكل الذى أصلحوه حديثا، يلتمسون صلوات الأنبياء والكهنة حزن
للغاية، لأن عبادتهم حملت الشكل دون الروح.

هنا يركز على موضوع " كتاب الشريعة " الذى وجد أثناء اصلاح
الهيكل وقدم للملك. تهلل الكل بوجود السفر دون الأهتمام بالأستماع العملى لما ورد
فيه. ظنوا أن مجرد حفظ كتاب الشريعة فى الهيكل فيه كل الحماية، حتى وإن احتفظوا
بعبادتهم الوثنية ومارسوا رجاساتها.

 

(1) الخلط بين كلمة الله والعبادة الوثنية

تلامس إرميا بروح النبوة مع كلمات السيد المسيح: " دعوا
الأولاد يأتون إلى ولا تمنعوهم، لأن لمثل هؤلاء ملكوت السموات "
مت 19: 14.
بينما كان يشاهد الشعب قادما بأطفاله إلى الهيكل ليعودوا بهم إلى " أبن هوم
" يقدمون بعضهم للقتل أو الحرق باسم الوثن. لقد اختاروا لأنفسهم ولولادهم
المرارة عوض الفرح الحقيقى، والموت عوض الحياة.

انحرف الكل: الملوك والرؤساء والكهنة والأنبياء الكذبة والشعب وعبدوا الآلهة
التى بلا حياة واهبة الموت عوض الله الحى واهب الحياة. وها هو يقدم لهم الله سؤل
قلبهم، إذ يقول:

" في ذلك الزمان يقول الرب

 يخرجون عظام ملوك يهوذا وعظام رؤسائه وعظام الكهنة وعظام
الانبياء وعظام سكان اورشليم من قبورهم

 ويبسطونها للشمس وللقمر ولكل جنود السموات التي احبوها والتي
عبدوها والتي ساروا وراءها والتي استشاروها والتي سجدوا لها.

لا تجمع ولا تدفن بل تكون دمنة (روثا) على وجه الارض.

 ويختار الموت على الحياة

 عند كل البقية الباقية من هذه العشيرة الشريرة الباقية في كل
الاماكن التي طردتهم اليها يقول رب الجنود "
ع 1 – 3.

تهلل الكل بوجود سفر الشريعة التى يعتزون بها حرفيا بغير روح، ومع
هذا عبدوا الأوثان وساروا وراءها واستشاروها وسجدوا لها. شعروا أنها مشبعة ومفرحة
ومرشدة لهم تستحق كل عبادة وسجود!

ما هو ثمر ذلك؟

أ – الذين عبدوها وهم أحياء تخرج عظامهم بعد الموت لتبسط للشمس
والقمر وجند السماء التى تعبدوا لها، فيصيرون فى عار وخزى حتى بعد موتهم.

هم اختاروا الآلهة الميتة عوض الإله الحى، لذا يحل بهم الموت، ويحل
بهم العار حتى بعد موتهم.

ب – صارت عظام الكل ملقاة " كدمنة على وجه الأرض
أى كالروث أو بقايا الحيوانات، وهذا لا يحمل فقط معنى الإهانة،
وإنما تدنيس الأرض.

أما من تتقدس عظامه فتقيم أمواتا كما حدث مع أليشع (2 مل 13: 21)،
ويتقدس ظله ليشفى المرضى كما حدث مع بطرس الرسول (أع 5: 15) وتتقدس حتى المناديل
والخرق التى على جراحاته لتخرج الشياطين كما حدث مع بولس الرسول.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس يسوعية كاثوليكية عهد قديم سفر إرميا 33

ج – إخراج الموتى من القبور وبسطها أمام الكواكب إنما يعنى توبيخا من
الله الذى تركوه وهم أحياء، كأنه يسأل عظامهم إن كانت تقدر أن تتعبد لها؟! أما
مؤمنوه فستقوم عظامهم وتشارك أجسادهم نفوسهم العبادة السماوية الملائكية.

 

(2) حفظ الشريعة بدون التوبة

بعد أن تحدث عن خطورة الأهتمام بالكتاب المقدس (الشريعة) لحفظه فى
الهيكل دون الألتصاق بالله وحده يؤكد أيضا خطورة قبوله فى غير توبة أو الرجوع إلى
الله، إذ يقول:
" وتقول لهم هكذا قال الرب:

هل يسقطون ولا يقومون؟

 او يرتد احد ولا يرجع؟

 فلماذا ارتد هذا الشعب في اورشليم ارتدادا دائما؟!

تمسكوا بالمكر ابوا ان يرجعوا " ع 4، 5.

يؤكد إرميا النبى الألتزام بالتوبة كعمل رئيسى فى تمتعنا بالشريعة،
فإننا وإن سقطنا يترقب الله قيامنا، وإن عاد قبلنا إليه نجده ينتظرنا ليحملنا فيه.

فى رقة عجيبة يؤكد لنا النبى أن الله ينتظرنا دون أن يعاتب على
الماضى، إذ يقول:

 " فلماذا ارتد هذا الشعب فى أورشليم ارتدادا دائما؟! ع 5. فى دهشة
يعاتب: كيف احتمل هذا الشعب كسر الشريعة والتغرب عن الله مصدر حياته على الدوام؟
ألا يليق به أن يرجع إليه؟!

لقد فقد الشعب إتزانه ليمارس كل منهم هواه كفرس ثائر فى وسط المعركة
دون ضابط له

" صغيت وسمعت.بغير المستقيم يتكلمون.ليس احد يتوب عن شره قائلا
ماذا عملت.كل واحد رجع الى مسراه كفرس ثائر في الحرب "
(ع 6).

 بل صاروا يناقضون الطبيعة ذاتها.

أكد لهم النبى أنهم أكثر جهالة من الطيور:

" بل اللقلق في السموات يعرف ميعاده،

 واليمامة والسنونة المزقزقة حفظتا وقت مجيئهما.

اما شعبي فلم يعرف قضاء الرب.

 كيف تقولون نحن حكماء وشريعة الرب معنا؟!

 حقا انه الى الكذب حوّلها قلم الكتبة الكاذب " ع 7، 8.

تعرف الطيور والحيوانات مواعيدها بالغريزة وتحترمها، وأما شعب الله
الذى هو تاج الخليقة الأرضية كلها فلا يعى نداء خالقه، ولا يدرك " قضاء
" الرب، أى خطته الإلهية نحو شعبه، بهذا فقدوا روح الحكمة والمعرفة.

هنا أول إشارة للكتبة كفئة خاصة مسئولة عن تفسير الشريعة. يظهر من (1
أى 2: 55) أن الكتبة كانوا منظمين على أساس عشائر أو أسر معينة، وفى (2 أى 34: 13)
كان لهم دورهم الحيوى فى أيام يوشيا. على أى الأحوال كان لهم نشاطهم فى وقت مبكر
عن هذا، يقومون بكتابة السجلات الرسمية لملوك إسرائيل ويهوذا، ويمسكون حساباتهم،
كما كان بعضهم ينسخون التوراة، وكان لهم عملهم التعليمى.

خلال تعاليمهم الخاطئة يحولون الحق الكتابى إلى الكذب، يهتمون
بالتوراة ككتاب دون الأهتمام بالله نفسه.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد قديم سفر المزامير بروس أنيستى 54

استلموا الشريعة، ووجدت بين أيديهم، لكن طمعهم أعمى عيون قلوبهم،
فصاروا فى ظلمة الجهل التى حلت على كل الطبقات وكل الأعمار: الصغير والكبير،
الكاهن والنبى والشعب.

بجانب عبادتهم للأصنام وكسرهم للوصية يلجأون إلى خداع أنفسهم بنبوات
كاذبة.

فعوض التوبة يطلبون من الأنبياء والكهنة سلاما كاذبا وخداعا، لهذا
ظهر أنبياء يتنبأون ليس حسب أمر الله إنما حسبما يرضى أهواء الناس، وبادت الشريعة
عن الكاهن والمشورة عن الشيوخ. هؤلاء يقولون
" سلام سلام ولا سلام
"
ع 11.

كلمات الأنبياء الكذبة أعطتهم طمأنينة خادعة إلى حين، فحسبها الكل
دواء لجراحاتهم.
" ويشفون كسر بنت شعبي على عثم قائلين سلام سلام ولا سلام
"
ع 11.

ومن جانب آخر نزعت عنهم روح الحياء والخجل حتى إن إرتكبوا رجاسة.

" هل خزوا لانهم عملوا رجسا؟

بل لم يخزوا خزيا ولم يعرفوا الخجل.

لذلك يسقطون بين الساقطين في وقت معاقبتهم يعثرون قال الرب " ع 12.

فى اختصار قبلوا كلمة الله فى حرفها بدون التوبة فصاروا فى جهالة.

 

(3) حفظ الشريعة بدون ثمر الروح

إذ قبلوا الشريعة الإلهية بدون التمتع بالتوبة صارت كلمة الله
بالنسبة لهم عقيمة وبلا ثمر. صاروا أشبه بكرم بلا عنب وشجرة تين بلا ثمر، فاستحقوا
اللعنة واقتلاعهم من حقل الرب:

" نزعا انزعهم يقول الرب.

لا عنب في الجفنة،

 ولا تين في التينة،

 والورق ذبل،

 واعطيهم ما يزول عنهم " ع 13.

ينتزعها من انتسابها له بكونها كرمته وتينته. فالنفس التى لا تلتصق
بإخوتها حول خشبة الصليب كما تجتمع حبات العنب معا، والتى ترفض أن تلتقى معهم حول
غلاف الوحدة العذب كما يحدث لبذار التين الرفيع، تفقد انتسابها للكرمة أو التينة،
ولا تحسب عضوا فى كنيسة المسيح، ولا تتمتع بخلاصه.

يصف النبى كيف انتزع الله كرمه، أو كيف سلم شعبه للسبى هكذا:

أ – باطلا حاول شعب يهوذا أن يحمى نفسه من العدو، إذ يقولون:

" لماذا نحن جلوس؟

اجتمعوا فلندخل الى المدن الحصينة ونصمت هناك.

لان الرب الهنا قد اصمتنا " ع 14.

أدركوا أن الخطر قد حل بهم فقرروا الدخول إلى المدن الحصينة، لا
ليستعدوا للمقاومة، بل فى خيبة يصمتون أمام هذا الحدث الرهيب الذى سمح به الرب لهم
لتأديبهم، ينتظرون لحظات الموت وهم فى رعب. تتحول مدنهم الحصينة إلى مقابر جماعية!

ب – قدم الله لهم الكأس التى ملأوها لأنفسهم، كأس سم الخطية المر
والمميت:

" وأسقانا ماء العلقم لأننا قد أخطأنا إلى الرب " ع 14.

ولعله قصد بذلك الماء الذى يقدم للزوجة الخائنة لأمتحان أمانتها
لرجلها (عد 5: 11 – 31)، فإن ثبتت خيانتها تقتل.

ج – فقدوا السلام الذى وعدهم به الأنبياء الكذبة: " انتظرنا
السلام ولم يكن خير " ع 15. تأكدوا أن الرجاء الذى قدم لهم كان كالسراب
المخادع.

هل تبحث عن  م الأباء مكاريوس الكبير عظات مكاريوس الكبير 11

د – فقدوا تسكين الجراحات الذى قدمه الكذبة لهم كشفاء، وحل عوض راحة
الضمير رعب وخوف،
" وزمان الشفاء وإذا رعب " ع 15.

ه – جاء العدو بعنف شديد حتى سمعت حمحمة خيله فى أورشليم عندما دخل
العدو فى دان، وهى الحدود الشمالية للبلاد التى دخل منها العدو (حاليا منطقة
الجولان)، وعند صوت صهيله ارتجفت كل الأرض (ع 15)، [لأن العدو ضخم للغاية.

و – جاء عدوهم ليأكل ويلتهم مفترسا كل من يلتقى به: " فأتوا
وأكلوا الأرض وملأها، المدينة والساكنين فيها "
ع 16.

ز – ضربة لا علاج لها، كسم الحيات التى لا ترقى. " لأنى
هأنذا مرسل عليكم حيات أفاعى لا ترقى فتلدغكم يقول الرب "
ع 17.

فى القديم صنع موسى حية من النحاس حتى من لدغته الحية ونظر إلى الحية
النحاسية يشفى، أما وقد أصر الشعب على المقاومة ففى هذا التأديب أرسل حيات أفاعى
لا ترقى

 

(4) الحاجة إلى المسيح الكلمة

أدرك النبى إرميا ما وصل إليه الشعب فى علاقتهم بالشريعة، انهم
يحفظونها دون توقف عن العبادة الوثنية، فيخلطون الحق بالباطل [1 – 3]، يقرأونها
دون تقديم توبة واشتياق نحو الرجوع إلى الله [4 – 12]، يعتزون بها دون أن يحملوا
ثمر الروح [13 – 17] فامتلأ قلبه مرارة، وبدأ يتساءل: ما هو الحل؟ أما من دواء
لهذا الشعب؟ أما من طبيب يهتم بهم؟

عبر عن مرارة نفسه، قائلا:

" من مفرج عنى الحزن؟

قلبى فى سقيم " ع 18.

حياة الشركة عاشها أولاد الله فى العهدين القديم والجديد، فيقول
إرميا النبى وهو يرى شعبه منسحقا بسبب السبى رغم مقاومة الشعب له:

" من أجل سحق بنت شعبى انسحقت، حزنت، أخذتنى دهشة " ع 21.

سمع النبى بروح الحب صوت شعبه فى أرض السبى يستغيثون وليس من مجيب:

" ألعل الرب ليس في صهيون؟

 او ملكها ليس فيها.لماذا اغاظوني بمنحوتاتهم باباطيل غريبة.

 مضى الحصاد انتهى الصيف ونحن لم نخلص.

من اجل سحق بنت شعبي انسحقت.حزنت اخذتني دهشة.

 أليس بلسان في جلعاد؟

 أم ليس هناك طبيب؟

فلماذا لم تعصب بنت شعبي " ع 19 – 22.

لم يستطع رجال العهد القديم أن يتمتعوا بالإجابة على هذه الأسئلة إلا
قلة قليلة خلال الرموز والظلال، لذا كانوا يصرخون:
" مضى الحصاد، انتهى
الصيف، ونحن لم نخلص "
ع 20.

أى رجاء لهم؟ بعد انتهاء وقت الحصاد.

رجاؤنا نحن فى السيد المسيح القائل: أنا هو البلسان، أنا هو الطبيب!.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي