الإصحَاحُ
الْعَاشِرُ

العودة
إلى الله

إن كان فى الإصحاح السابع يتحدث عن تقديس البيت الداخلى، وفى الثامن
عن عدم الإتكال على حفظ الشريعة حرفيا، وفى التاسع يقيم مرثاة على ما وصلوا إليه،
ففى العاشر يتحدث عن العودة إلى الله.

 

(1) ترك الوثنية الباطلة

أول وسيلة للعودة إلى الله هو ترك الوثنية الباطلة (ع 1، 2)، رفض ما
هو باطل وقبول الإله الحق (ع 10).

أبرز أن الله فريد، وعظيم، ومهوب، سيد الطبيعة، ورب التاريخ، بينما
عبادة الأوثان مجرد وهم، حيث يرتعب عابدوها من ظواهر الكواكب السماوية كما من قطعة
خشب من عمل أيديهم، يقيمونها تمثالا يتعبدون له، فى حقيقتها أشبه باللعين (خيال
المقاتة) التى يحركها الفلاح أينما أراد ليخيف الطيور، وهى فى حقيقتها ليست إلا
عصا جامدة، يضع عليها الفلاح ملابس بشرية.

" هكذا قال الرب: لا تتعلموا طريق الامم،

 ومن آيات السموات لا ترتعبوا،

لان الامم ترتعب منها..

 اما الرب الاله فحق،

هو اله حيّ وملك ابدي.

من سخطه ترتعد الارض ولا تطيق الامم غضبه " ع 1، 10.

جاءت كلمة " تتعلموا " فى العبرية بمعنى " تصيرون
تلاميذا "، وكأن العبادة فى الحقيقة هى تلمذة، حيث يحمل التلميذ روح معلمه،
فمن يتتلمذ للباطل يحمل روح البطلان، ومن يتتلمذ للسيد المسيح الحق، يحمل روحه
وحقه فيه.

عبادة الإنسان للأوثان تتمثل الآن فى التعبد للمال أو السلطة أو محبة
المجد الباطل أو العلم أو حب الظهور، متجاهلا احتياجات نفسه إلى التعرف على الله
والألتصاق به، يبحث بطريق أو آخر أن تشبع نفسه، فيقيم فى هيكل الرب الداخلى آلهة
غريبة عاجزة عن أن تشبع حياته وتنطلق بها إلى السموات.

لا وجه للمقارنة بين الله وبين الآلهة الأخرى، إذ يقول: " ليس
مثلك! "
ع 6

أ – " أما الرب الإله فحق " ع 10 ؛ من يلتصق به يصير
حقا ولا يدخل إليه الباطل.

ب – " إله حى " ع 10 ؛ كائن نتعامل معه فى علاقة شخصية، نجد فى
الله الآب أبينا الذى يحملنا فى أحضانه، ويتعامل معنا كبنين له..

ج – " ملك أبدى " ع 10، علاقتنا بالله ليست
على مستوى زمنى مؤقت بل علاقة دائمة إلى الأبد. يملك فينا لا ليسيطر علينا وإنما
ليقيمنا ملوكا، يهبنا شركة سماته فنصير خالدين ونعيش معه فى مجده الملوكى إلى
الأبد.

هل تبحث عن  شبهات الكتاب المقدس عهد جديد سفر رؤيا يوحنا اللاهوتى خروف له سبعة أعين وسبعة قرون ن

د – " اذا اعطى قولا تكون كثرة مياه في السموات،

 ويصعد السحاب من اقاصي الارض " ع 13.

قوته ليست استعراضا لسلطانه، وغنما لخير خليقته، يهب النفس (السماء)
والجسد (الأرض) كثرة مياة، أى فيض روحه القدوس (يو 7: 37 – 39)، ليحولنا فى مياة
المعمودية من القفر إلى فردوس مثمر!

ه – " صنع بروقا للمطر واخرج الريح من خزائنه " ع 13.

أى قدم للإنسان كل احتياجاته المنظورة (البروق والمطر) وغير المنظورة
(الريح وخزائنه)!

يبرق فينا فيهبنا روح الأستنارة، ونكتشف أسرار حب الله وإمكانياته.
ويهبنا عطية روحه القدوس كريح تهب حيث تشاء، ولا نعرف من أين تبدأ ولا إلى أين
تنتهى (يو 3: 18).

يحدثنا مار يعقوب السروجى عن بروق الإستنارة قائلا:

[المعمودية هى إبنة النهار، فتحت أبوابها فهرب الليل الذى دخلت إليه
الخليقة كلها!

المعمودية هى الطريق العظيم إلى بيت الملكوت، يدخل الذى يسير فيه إلى
بلد النور!].

و – " من لا يخافك يا ملك الشعوب؟! لأنه بك يليق " ع 7.

إن كانت الشعوب قد قاومته وقبلت الأوثان آلهة عوضا عنه، لكنه يبقى فى
حقيقة الأمر
" ملك الشعوب ".

هو " ملك العالم كله "، أرادوا أو لم يريدوا، نصرخ إليه
كملك مفرح، قائلين:
" ليأت ملكوتك! "، أما المقاومون فيخشون
ملكوته ويرتعبون من سلطانه!.

ز – " من سخطه ترتعد الأرض ولا تطيق الأمم غضبه " ع 10.

 إن كان الله بالنسبة لمؤمنيه كله عذوبة، يدخل معهم فى عهد
أبوى، ويقدم إمكانياته لخلاصهم وبنيانهم، ففى عدله أيضا لا تستطيع الأرض أن تقف
أمامه، ولا تطيق الأمم غضبه!

لا يحتمل الأشرار الألتقاء معه، لأنه كيف يمكن للظلمة أن تطيق
النور؟! أو للباطل أن يشترك مع الحق؟!

ح – الله هو المدافع عن شعبه بكونه " رب الجنود اسمه
"
ع 17.

 لذا يليق بشعبه كجنود تحت قيادته ألا يخافوا الآلهة الأخرى،
هذه التى
" فى وقت عقابها تبيد " ع 15.

ط – الله واهب القوة والحكمة والفهم لأولاده المقدسين فيه. للعلامة
أوريجينوس تعليق جميل على العبارة:
" صانع الأرض بقوته، مؤسس المسكونة
بحكمته، وبفهمه بسط السموات "
ع 12.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس أخبار سارة عربية مشتركة عهد قديم سفر المزامير 43

يرى أن من بين سمات الله ثلاث: القوة والحكمة والفهم.

يهب القوة لجسدنا الترابى (الأرض).

والحكمة لنفوسنا (المسكونة التى يقطنها الثالوث القدوس).

والفهم لإنساننا الداخلى الذى على صورة آدم الثانى (السموات).

ى – يهب الله نفوسنا أيضا من مياة الروح القدس، إذ قيل " إذا أعطى
قولا تكون كثرة مياة فى السموات "
ع 13،

 كأنه إذ يقيم ملكوته فى داخلنا يجعلنا سمواته التى تفيض بثمر
الروح حتى على الآخرين

 

إن معرفة الله تقدم للنفس حكمة سماوية، أما عدم التعرف عليه فيجعلها
فى بلادة أو غباوة، لذا يقول:

" بلد كل إنسان معرفته " ع 14. يكاد كل الأنبياء
يشيرون إلى هذه الخطية وهى عدم معرفة الشعب لله (إش 1: 3، هو 4: 1، 6، ميخا 5: 12،
عا 3: 12). يقصد بالمعرفة هنا العلاقة الشخصية القوية والعميقة مع الله عقلانيا،
وعاطفيا، وسلوكيا.

فى ختام مقارنته بين عبادة الله الحى وعبادة الأوثان يؤكد أن الله لا
يغير على مجده كمن هو فى حاجة إلى من يتعبد له أو يمجده، وإنما لأجلهم هم. فإن
كانوا قد خانوه إنما خانوا أنفسهم، لأنهم يحرمون أنفسهم من الله نصيبهم وأن يكونوا
نصيبه! إنهم فقدوا معرفة الله العملية فى حياتهم ففقدوا معرفتهم لأنفسهم كميراث
الرب وجنوده. لهذا يوبخهم:

 " ليس كهذه نصيب يعقوب، لانه مصور الجميع واسرائيل قضيب
ميراثه، رب الجنود اسمه "
ع 16.

 

(2) الخروج عن الأرضيات

يصور هذا القسم الهزيمة بواسطة العدو القادم بجيشه من الشمال كما لو
حدث زلزال (اضطراب ع 22) اهتزت له الأرض، ويوضح تأثيره على الشعب، والمفهوم
اللاهوتى لهذه الهزيمة.

الرجوع إلى الله لا يكفى ترك الوثنية، وإنما يتطلب انتزاع محبة
الأرضيات من قلوبهم. الأرتباط بالأرض يحول الإنسان بكليته إلى أرض وتراب.

" اجمعى من الأرض حزمك أيتها الساكنة فى الحصار " ع 17.

الإنسان الذى قبل بإرادته أن يكون أسيرا لمحبة العالم، يخرج كما من
العالم فى مذلة، لا يحمل من كل ما اقتناه وتعبد له إلا القلة القليلة أو العدم
ليخرج من العالم كأسير فى مذلة وعار!

" لانه هكذا قال الرب: هانذا رام من مقلاع سكان الارض هذه
المرة (فى هذا الوقت عينه)،

هل تبحث عن  م المسيح المسيح حياتة إعلان جديد عن الصليب ب

 واضيق عليهم لكي يشعروا " ع 18.

لقد انتهى وقت الإنذارات المتكررة، وجاء وقت التأديب، لهذا يلقى الله
بشعبه فى السبى كمن يلقى بحجر من مقلاع، كأنه بلا قيمة، ويذهب بلا رجعة!

هذا هو حال كل نفس ترتبط بالأرض لا بخالقها، يحملها الخالق كما
بمقلاع ليلقى بها خارج الأرض التى أوجدها لأجلها! من يتعبد للأرضيات عوض تقديم
الشكر لواهبها يفقد حتى هذه الأرضيات!

تعاتب مملكة يهوذا المنهارة بنيها الذين حطموها وهربوا، ورعاتها
الذين صاروا فى بلادة، قائلة:

" خيمتي خربت وكل اطنابي قطعت،

بنيّ خرجوا عني وليسوا،

ليس من يبسط بعد خيمتي ويقيم شققي " ع 20.

أخشى أن ينطبق علينا قول إرميا النبى (ع 20)، بعدما نصير فى الرب
خيمة مقدسة نعود فنخربها، ونقطع ربطها، فيتحول البنون العاملون لحساب الخيمة إلى
طاقات للهدم.

 

(3) قبول تأديبات الرب

" عرفت يا رب انه ليس للانسان طريقه،

ليس لانسان يمشي ان يهدي خطواته،

 ادبني يا رب، ولكن بالحق لا بغضبك لئلا تفنيني " ع 23، 24.

كان إرميا النبى مقتنعا بأن الشعب كان يمكنه – إن أراد – أن يصحح
خطأه، لكنه لم يرد ذلك، فصار خطأه بلا علاج.

يليق بنا أن نؤمن أن ذاك الذى خلق العالم لأجلنا من حقه أن يوجهنا،
ويملك علينا، لا ليتسلط علينا، وإنما لكى يشكلنا، فنحمل صورته، ونصير على مثاله،
ونتأهل أن نكون أولادا له، نرث ملكوته ونشترك فى أمجاده الأبدية.

إنه يحزن على الإنسان الذى يرفض أن يقبل الله ميراثا له، ويقدم حياته
نصيبا للرب، إنما يطلب غير الله نصيبا. إنه يعاتبه، قائلا:
" ليس كهذه
نصيب يعقوب، لأنه مصور الجميع، وإسرائيل قضيب ميراثه، رب الجنود اسمه "
ع 16.

كأن الله يؤكد أنه حتى فى تأديباته لا يطلب ما لنفسه بل ما لبنيان
شعبه ومجده.

هذا وتستحق كل الأمم غير المؤمنة العقوبة كما تستحق مملكة يهوذا أيضا
ذات العقوبة لأنها:

 

أ – لا تعرف الرب.. عرفت مملكة يهوذا الرب بفكرها لا بحياتها.

ب – لم تدع باسمه.. صارت مملكة يهوذا أيضا تدعو الحجارة والخشب آلهة
لها.

ج – تأكل أولاده ويفنوهم ويخربوهم، إذ ثارت مملكة يهوذا على رجال
الله واضطهدتهم

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي