سِفْرُ اَلْخُرُوجُ

 

الفَصلُ
الثَّانِي عَشَر ينتَهي التَّكوينُ، ويبدَأُ الخُرُوج

خلالَ
دِراسَتِنا للكتابِ المُقدَّس، ولا سِيَّما لِلعَهدِ القَديم، نُريدُ أن نتأمَّلَ
بتَطَوُّرِ هذا الشَّعبِ الخاص ليُصبِحَ أُمَّةً. في سفرِ التَّكوين، نقرَأُ أنَّ
هذا الشَّعب وُلِدَ من ذُرِّيَّةِ إبراهيم. وأعطاهُم يعقُوبُ إسمَهُم، إسرائيل،
وأنقَذَهُم يُوسُفُ منَ المَوتِ جُوعاً. عندَ نِهايَةِ سفرِ التَّكوين، نَجِدُ
أنَّ هذه الأُمَّة لم تَكُن سِوى إثنَتَي عشرَةَ عائِلَةً هارِبَةً منَ الجُوعِ
إلى مِصر.

 

وعندَ
بِدايَةِ سفرِ الخُرُوج، هذه المَجمُوعَةُ منَ النَّاس التي لم تَكُنْ قد أصبَحَت
أُمَّةً بَعدُ، تكاثَرَت من إثنَتَي عشرَةَ عَشيرَةً إلى جُمهُورٍ كَبيرٍ منَ
النَّاس. وقبلَ أن يتمكَّنُوا من أن يُصبِحُوا أُمَّةً، إحتاجُوا إلى قائد. سِفرُ
الخرُوج سوفَ يُخبِرُنا عن واحدٍ من أعظَمِ القادَةِ عبرَ تاريخِ شعبِ اللهِ، ألا
وهُوَ مُوسى.

 

إحدى
أكبَرِ المشاكِل التي عانَى منها مُوسَى في قِيادَةِ هذا الجُمهُورِ الكَبير منَ
الشَّعبِ المُستَعبَدِ، هي أنَّهُ لم يَكُن عندَهُم قانُونٌ أو نامُوس. لم تَكُنْ
تُوجَدُ قواعِد. ولم يَكُنْ لدَيهِ نِظامٌ يستطيعُ على أساسِهِ أن يَحكُمَ هذا
الشَّعب. فَفِي هذا الكِتاب نرى أوَّلَ مَجمُوعَةٍ منَ القواعِدِ تُعطَى للإنسانِ
من الله، إذ تتلخَّصُ مِئاتُ الوصايا في الوصايا العَشر.

 

ولقد
واجَهَ مُوسَى مُشكِلَةً أُخرى: كانَ لَدَيهِ الشَّعب الصحيح، ولكن في المكانِ
الخَطأ. لقد كانُوا في مِصر، في العُبُودِيَّة، وأرادَهُم اللهُ أن يُصبِحُوا
أحراراً. تعني كلمة خُرُوج بالحقيقة: "المَخرَج" أو
"المَنفَذ." ومُعظَمُ هذا السِّفر يتكلَّمُ عن شعبِ إسرائيل وكيفَ
وجدُوا طريقَهُم للخُرُوجِ منَ العُبُودِيَّة.

 

إنَّ
سِفرَ الخُرُوج، بالإضافَةِ إلى كَونِهِ تاريخاً، هُوَ أيضاً مجازٌ. فلقد كانَ
الإسرائيليُّونَ يرزَحُونَ حَرفِيَّاً تحتَ نيرِ العُبُودِيَّة؛ وبِدُونِ المسيح،
نحنُ نرزَحُ مجازِيَّاً تحتَ نيرِ الخَطيَّة. يُعالِجُ سِفرُ التَّكوينِ مُشكِلَةَ
إخراجِ الإسرائِيليِّين من عُبُوِديَّتِهم الجسديَّة؛ ويُعالِجُ الكتابُ
المُقدَّسُ بكامِلِهِ مُشكِلَةَ تحريرِ العالَم من عُبُودِيَّتِهِم الرُّوحِيَّة
لِلخَطِيَّة.

 

فهل
تحَرَّرتَ من عُبُودِيَّةِ الخَطيَّة، التي وفَّرَها لكَ اللهُ؟ في الفَصلِ
التَّالِي، سوفَ نُتابِعُ دِراسَتَنا لِسفرِ الخُرُوج. إبدأْ بِقِراءَتِهِ الآن،
طارِحاً على نفسِكَ هذه الأسئلة الثَّلاث الهامَّة: "ماذا يَقُولُ النَّصُّ؟
وماذا يعني؟ وكيفَ يُمكِنُني أن أُطَبِّقَهُ على حَياتِي الشَّخصيَّة؟"

 

الفَصلُ
الرَّابِع عشَر صِناعَةُ شَخصِيَّةٍ هامَّةٍ منَ المُزدَرى

لِكَي
تفهَمَ سفرَ الخُرُوج، تحتاجُ أن تفهَمَ الشَّعبَ، المُشكِلَة، والنَّبِيّ. إنَّ
سِفرَ الخُروجِ هُوَ قِصَّةُ شَعبِ اللهِ، وكيفَ هربُوا منَ العُبُودِيَّةِ تحتَ
قِيادَةِ مُوسى.

 

ثلاث
رَسائِل أساسِيَّة

كما
رأينا مُسبَقاً، تعني كلمة خُرُوج، "المَنفَذ." إنَّ رِسالَةَ سفرِ
الخُرُوج هي بالحقيقَةِ التَّالِيَة: ما هوَ المنفَذُ أمامَ بَني إسرائيل
للخُرُوجِ منَ العُبُوديَّة؟ لقد كانت هذه العُبُودِيَّةُ أوَّلاً عبُودِيَّةً
بالمعنى الحرفي للكَلمة، وقِصَّةُ تحريرهم من هذه العُبُوديَّة هي إحدى أعظَم
مُعجِزاتِ الكتابِ المُقدَّس. إنَّها قِصَّةٌ حَقيقيَّةٌ. إنَّها تاريخٌ.
فَرِسالَةُ سفرِ الخُروج الأساسيَّة تتكلَّمُ عن كيفيَّةِ حُدُوثِ هذا التَّحرير،
وماذا تضمَّنَ من وقائِع. هذا هُوَ التَّركيزُ الأوَّلُ لِسفرِ الخُروج.

 

بالإضافَةِ
إلى كونِ السِّفر تاريخيَّاً، ولكن منَ النَّاحِيَةِ التَّطبيقيَّة يحمِلُ سفرُ
الخُروجِ حقيقَةً مجازِيَّةً جميلةً يُمكِنُنا أن نُطَبِّقَها على حياتِنا
التَّعَبُّدِيَّة. التَّطبيقُ هُوَ التَّالِي: نحنُ أيضاً عبيدٌ. ونحنُ لا نعمَلُ
ما نُريدُ أن نعمَلَ؛ بل نعمَلُ ما يُفرَضُ علينا عملُهُ. وإن كُنَّا نعمَلُ ما
يتوجَّبُ علينا عمَلُهُ وليسَ ما نَرغَبُ بِعَمَلِهِ، فنحنُ إذاً لسناً أحراراً.
وإن لم نَكُنْ أحراراً، نَكُونُ عَبيداً، ونَكُونُ بأمسِّ الحاجَةِ إلى حَلٍّ
لِمُشكِلَةِ عُبُودِيَّتِنا. نحتاجُ أن نتحرَّرَ منَ عُبُودِيَّةِ الخَطيَّة. إنَّ
كَلِمَة "خلاص،" المألُوفَةُ عندنا جميعاً، تعني تماماً ما تعنيهِ كلمة
تحرير، ولا سِيَّما في العهدِ القَديم. فالخلاصُ يعني التَّحرير منَ الخَطيَّة.
ليسَ فقط من عِقابِ الخَطيَّة، حاضِراً ومُستَقبَلاً، بل وأيضاً من سُلطَتِها.

 

ينبَغي
أن نُرَكِّزَ دراستَنا لِسفرِ الخُرُوجِ أيضاً على دراسَةِ شَخصِيَّةِ مُوسى النَّبِيّ.
عندما تتأمَّلُ بِرجالاتِ اللهِ في الكتابِ المُقدَّس، تَجِدُ أنَّ هذا الرَّجُل
مُوسى يتقدَّمُهُم جَميعاً. وأنا أعتَقِدُ بِدُونِ تَحَفُّظٍ ولا تَرَدُّد أنَّ
مُوسى هُوَ أعظَمُ رِجالاتِ اللهِ قاطِبَةً في الكتابِ المقدَّس. وبإمكانِكَ أن
تقدُرَ عَظَمَةَ هذا الإنسان مُوسى، إذا فَكَّرتَ بمُساهَمَتِهِ في عملِ اللهِ.
لقد كانَ إبراهيمُ أباً لِشعبِ الله، وكما قُلنا سابِقاً، أعطاهُم يعقُوبُ إسماً،
ويُوسُفُ أنقَذَهم. ولكن فَكِّرْ بما فعلَ مُوسى لِشَعبِ اللهِ! إنَّ سِفرَ
الخُرُوج هُوَ السِّجِلُّ الكِتابِيُّ لما ساهَم بهِ مُوسى لعَمَلِ الله.

 

مُساهَمَةُ
مُوسى في عمَلِ الله

قبلَ
كُلِّ شَيءٍ، أعطَى مُوسى الحُرِّيَّةَ لِهذا الشَّعبِ المُستَعبَد. مُعظَمُنا لا
يَعرِفُ ماذا يعني أن تَكُونَ عبداً. عندما يكُونُ النَّاسُ في السِّجن، الأمرُ
الوَحيدُ الذي يُسيطِرُ على عقُولِهِم ويتملَّكُهم هُوَ رَغبَتُهُم بأن يُصبِحُوا
أحراراً. ولقد أعطى مُوسى هؤُلاء العَبيد ما كانُوا يرغَبُونَ بهِ أكثَرَ من أيِّ
شَيءٍ آخر، عندما منحَهُم الحُرِّيَّة. ثُمَّ أعطاهُم مُوسى ما يحتاجُهُ الشَّعبُ
المُحَرَّرُ أكثَرَ من أيِّ شَيءٍ آخر في العالم، ألا وهُوَ الحُكُومةُ أوِ
النَّامُوس.

 

في
المجالِ الرُّوحِيِّ، أعطى مُوسى لِشعبِ اللهِ أمرينِ لا يُقَدَّرانِ بِثَمَن:
أعطاهُم كَلِمَةَ اللهِ، وأعطاهُم الِعبادَة.

 

عندما
يقرَأُ النَّاسُ الكتابَ المُقدَّسَ، يتمتَّعُونَ بهِ عندما يقرَأُونَ سفرَ
التَّكوين، خاصَّةً دِراسَةَ الشَّخصِيَّاتِ المَوجُودَةِ فيهِ. ثُمَّ تأتي دراما
الخُرُوج، أي التَّحرير من مِصر. إلى هذا الحَدّ يتمتَّعُ القارِئُ كَثيراً
بِقِراءَةِ الكتابِ. ولكن عندما يَصِلُ إلى الثُّلثِ الأخير من سفرِ الخُرُوج،
وإلى سفرِ اللاوِيِّين، يُبطِئُ سُرعَتَهُ في القِراءَة، وتُصبِحُ القِراءَةُ
أكثَرَ صُعُوبَةً عليه، وعندها يتوقَّفُ الكَثيرُونَ عن قِراءَةِ الكتابِ
المُقدَّس. فعِندها يبدُو الكتابُ المُقدَّسُ وكَأنَّهُ رَسمٌ هندَسِيٌّ أو دَليلٌ
مُفصَّلٌ. وهُوَ يُصبِحُ عندها بالحقيقَةِ كذلكَ. وعندما تَفهَمُونَ القَصدَ من
هذا الدَّليل، تبدَأُونَ بالإستِمتاعِ بهِ إذ يُصبِحُ أكثَر تَشويقاً. هذا الجزءُ
من سفرِ الخُروج، وسفرُ اللاوِيِّينَ بكامِلِه، يُشكِّلانِ دَليلاً لِلعِبادَةِ.

 

إذا
تُرِكنا على هَوانا، لن نعرِفَ كيفَ نَعبُدُ الله. وتماماً كما طلَبَ التَّلاميذُ
من يسُوعَ أن يُعَلِّمَهُم كيفَ يُصَلُّون، إحتاجَ الإسرائِيليُّونَ أن يتعلَّمُوا
كَيفَ يَعبُدُون – وهكذا نحنُ أيضاً. في الكنائِسِ التي نُسمِّيها
"طقسيَّةً," يُديرُ الكاهِنُ ظهرَهُ للشَّعبِ ووجهَهُ للهَيكَلِ مُعظَمَ
وقتِ العِبادَة. هذه الكنائِسُ المسيحيَّة والمجامِعُ اليَهُوديَّة تَجِدُ
جُذُورَها في شَكلِ العِبادَةِ في خيمَةِ الإجتِماع التي علَّمَ اللهُ مُوسى
كيفيَّةَ بِنائِها.

 

أوَدُّ
أن أَنظُرَ إلى حَياةِ مُوسى بالطريقَةِ التَّالِيَة. المُشكِلَة الكُبرى في سفرِ
الخُرُوج هي مُشكِلة العُبوديَّة. والحَلُّ هُوَ التَّحرير. لقد دَعا اللهُ مُوسى
ليَكُونَ المُحَرِّرَ الذي إحتاجَهُ بنُو إسرائيل في ذلكَ الزَّمان. تطبيقيَّاً،
تماماً كما كانَ سِفرُ الخُروجِ إيضاحاً عَنِ التَّحرير، أو الخَلاص، ستَكُونُ
حياةُ مُوسى إيضاحاً عنِ المُحَرِّر.

 

قِصَّةُ
مُوسَى

أن
تَتَحَرَّرَ أنتَ شَخصِيَّاً من سُلطةِ الخَطِيَّةِ هُوَ أعظَمُ إختِبارٍ يُمكِنُ
أن تجتازَهُ في حياتِكَ. الإختِبارُ العظيمُ الثَّانِي في الحياة هُوَ أن تُصبِحَ
أداةً يتمُّ من خِلالُها تحريرُ الآخرين.

 

تأمَّلُوا
بِحَياةِ مُوسى التي تَنقَسِمُ إلى ثلاثَةِ مراحِل، كُلُّ واحِدَةٍ منها تمتَدُّ
أربَعين عاماً. الدَّرسُ الأساسيُّ الذي تعلَّمَهُ مُوسى في الأربَعين سنة الأُولى
هُوَ: "يا مُوسى، أنتَ لا شَيء."

 

ومن
خِلالِ ظُرُوفٍ غير إعتِيادِيَّة، ترَبَّى مُوسى في قَصرِ فِرعون. (أنظُرْ خُرُوج
1- 2: 10). لَرُبَّما لهذا السَّبَب كانَ مُوسى يَظُنُّ أنَّهُ شَخصٌ ذُو
أهَمِّيَّة. ولكن عندما أصبَحَ تَقريباً في الأربَعين من عُمرِهِ، يَبدُو أنَّ
اللهَ نجحَ في إقناعِهِ بأنَّهُ بالحقيقةِ ليسَ ذا أهَمِّيَّةٍ تُذكَرُ. (خُرُوج
2: 11- 15).

 

الدَّرسُ
الثَّانِي الذي علَّمَهُ اللهُ لمُوسى تحقَّقَ في الأربَعين سنة الثَّانِيَة من
حياتِهِ. هذه المرَّة، كانت رِسالَةُ اللهِ، "يا مُوسى، أنتَ شَخصٌ ذُو
أهَمِّيَّة، لأنِّي أنا إختَرتُكَ وأنا معكَ." في نِهايَةِ الأربَعين سنة
الأُولى، خرجَ مُوسى ذاتَ يَومٍ ليتفقَّدَ آلامَ العبيدِ العِبرانيِّين، بعدَ أن
كانَ قد أدركَ عندها أنَّهُ هُوَ بِدَورِهِ عبدٌ عِبرانِيٌّ. نقرَأُ في خُروج 2:
11، "وحَدَثَ في تِلكَ الأيَّامِ لمَّا كَبُر مُوسى أنَّهُ خَرَجَ إلى
إخوَتِهِ لِيَنظُرَ في أثقالِهم. فرأى رَجُلاً مِصريَّاً يَضرِبُ رَجُلاً
عِبرانِيَّاً من إخوَتِهِ." الفِكرَةُ التي يُوحِي بها النَّصُّ هي أنَّ
مُوسى حَنَّ على شَعبِهِ، وأنَّهُ شَعرَ بعطفٍ عميقٍ تجاهَ كُلِّ ما كانُوا
يُعانُونَ منهُ من آلامٍ.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس أخبار سارة عربية مشتركة عهد قديم سفر أستير 12

 

في
تلكَ المرحلة، كانَ اللهُ يَقولُ لمُوسى ما معناهُ، "ليسَت هذه هي الطريقة
التي بِها أُريدُكَ أن تَكُونَ مُحَرِّراً يا مُوسى. أُريدُ أن أُرسِلَكَ إلى مَدرَسَةِ
اللاهُوتِ لمُدَّةِ أربَعينَ سنَةً، لتُفَكِّرَ كيفَ تُحرِّرُ هذا الشَّعب منَ
العُبُودِيَّة. بعدَ أربَعينَ سنَةً، كانَ مُوسى خارِجاً في البَرِّيَّةِ، فرأى
عُلَّيقَةَ مُتَوقِّدَةً بالنَّار. بسببِ الحرارَةِ المُرتَفِعَة في الصَّحراء، لم
تَكُنْ هذه الظَّاهِرَة غَريبَة هُناك. وعادَةً ما تشتَعِلُ هكذا عُلَّيقة
نهائيَّاً في غُضُونِ ثَوانٍ معدُودة. ولكن هذه المرَّة، العُلَّيقَةُ لم تَكُن
تحتَرِق ولم تتَحوَّلْ إلى رماد، بل كانت مُتوقِّدَةً فقط بالنَّار. فإقتَرَبَ
منها مُوسى ليَكتَشِفَ ماذا يجري (خُرُوج 3: 1- 3). لاحِظُوا ماذا حدَثَ بعدَ هذا.
"فَلَّما رأى الرَّبُّ أنَّهُ مالَ لِيَنظُرَ نادَاهُ اللهُ من وَسَطِ
العُلَّيقَةِ وقالَ مُوسى مُوسى. فقالَ هأنذا. فقالَ لا تقتَرِبْ إلى هَهُنا.
إخلَعْ حِذاءَكَ من رِجلَيكَ. لأنَّ المَوضِعَ الذي أنتَ واقِفٌ عليهِ أرضٌ مُقدَّسَةٌ.
ثُمَّ قالَ أنا إلهُ أبيكَ إلهُ إبراهيمَ وإلهُ إسحَقَ وإلهُ يعقُوب. فغَطَّى
مُوسَى وجهَهُ لأنَّهُ خافَ أن ينظُرَ إلى الله." (خروج 3: 4- 6).

 

في
هذا المَقطَع، تابَعَ اللهُ بالقَولِ لمُوسى أنَّ المُهِمَّ هُوَ ليسَ أنَّ مُوسى
رأى مُشكِلَة العُبُوديَّة الرديئة التي كانَ شعبُ اللهِ يُعاني منها. وليسَ
المُهِمُّ عطَفُ مُوسى أو رَغبَتُهُ بأن يعمَلَ شَيئاً حيالَ تلكَ العُبُودِيَّة.
لقد أخبَرَ اللهُ مُوسى أمامَ تلكَ العُلَّيقَةِ المُتَوَقِّدَةِ بالنَّار أنَّ ما
يَهُمُّ بالحقيقَةِ هُوَ أنَّ إلهَ مُوسى هُوَ الذي رأى مُشكِلَةَ العُبُودِيَّةِ،
وقد جاءَ الآن لِيَعمَلَ شَيئاً حيالَها. لِهذا، أخبرَ اللهُ مُوسى أنَّهُ
سيُرسِلُهُ إلى فرعَون ليَطلُبَ حُرِّيَّةَ شَعبِ إسرائيل القديم.

 

هل
بإمكانِكَ أن تتخايَلَ الصَّدمة التي سبَبَها هذا اللِّقاءُ لمُوسى؟ فعندما فَشِلَ
مُوسى في تحريرِ هذا الشَّعب عندما قتلَ الرَّجُلَ المِصري، أظهَرَ اللهُ لهُ
بذلكَ أنَّ مُوسَى هُوَ لا أحد ذُو أهمِّيَّة. أمَّا أمامَ العُلَّيقَةِ
المُتَوَقِّدَةِ بالنَّار، فكانَ اللهُ يُقنِعُ مُوسى أنَّهُ أصبَحَ شخصاً ذا
أهمِّيَّةٍ. هذانِ الدَّرسانِ الأساسِيَّان: أنَّ مُوسى هُوَ لا أحَد ذُو أهمِّية،
وأنَّهُ أصبَحَ شخصاً ذا أهمِيَّةٍ عندما صارَ اللهُ معَهُ، هذان الدَّرسانِ
عَزَّزا مفهُومَ الوداعَةِ والتَّواضُع عندَ مُوسى. لقد علَّمَ اللهُ مُوسى هذينِ
الدَّرسَين، لِكَي يجعَلَ من مُوسى الوسيلَةَ البَشَريَّةَ لتحريرِ شعبهِ من مِصر.

 

مُعظَمُ
النَّاسِ الذين هُم في مَوقِعِ سُلطَةٍ، يبذُلُونَ كُلَّ جُهدٍ لكَي يختارُوا
الأشخاصَ المُؤهَّلِينَ أكثَرَ من غَيرِهِم ليَقُومُوا بأعمالٍ مُهِمَّة. في
الكتابِ المُقدَّس، يبدُو تقريباً وكأنَّ اللهَ يُحاوِلُ أن يختارَ الأشخاص
الأقلَّ أهلِيَّةً. فإن كانَ اللهُ سيستَخدِمُنا لنُحَرِّرَ النَّاسَ اليوم، وإذا
كُنَّا نُحِبُّ أن نرى صَديقاً أو شخصاً محبُوباً، أن نراهُ يتحرَّرُ من قُيُودِ
الخَطيَّة، نحتاجُ أن نتذكَّرَ التَّالِي: لسنا نحنُ المُنقِذينَ والمُحَرِّرين،
بل اللهُ هُوَ المُنقِذُ والمُحَرِّر.

 

دَرسٌ
نتعلَّمُهُ

الشَّخصُ
المُتواضِعُ يفهَمُ من هُوَ الذي يعمَلُ العملَ بالحقيقة. يَقُولُ الشَّخصُ
المُتواضِعُ: "إنَّها خُطَّةُ اللهِ بأن نستَخدِمَ سُلطةَ اللهِ في حياةِ
شَعبِ اللهِ لإتمامِ مقاصِدِ اللهِ بحَسَبِ خُطَّتِهِ."

 

في
سِفرِ الخُرُوج، يُشبِهُ اللهُ كَرمَةً، وهُوَ يبحَثُ عن أغصانٍ لِتَكُونَ جُزءاً
منَ الكرمة. اللهُ لن يعمَلَ من دُونِ أدواتٍ. لذلكَ يبحَثُ اللهُ لنَفسِهِ عن
مُوسى. ولكن سُرعانَ ما يجِدُ مُوسى ويدعُوهُ، حتَّى يتوجَّبَ عليهِ أن يُقنِعَهُ،
وأن يَقُولَ لهُ، "يا مُوسى، أنتَ لا أحد ذو أهَمِّيَّة. لستَ أنتَ الشخص
الذي سيعمَلُ العَمَل. عندما تَفهَمُ هذا يا مُوسى، عندها تُصبِحُ الشَّخصَ الذي
أستَطيعُ أن أستَخدِمَهُ، وتُصبِحُ الشَّخصَ الذي من خلالِهِ بإمكانِي أن أعمَلَ
عملِي، وسيكُونُ بِوُسعِكَ أن تكتَشِفَ المُعجِزَةَ العَظيمَةَ لما سأستطيعُ
القِيامَ بهِ من خلالِ شخصٍ تعلَّمَ أنَّهُ لا أحَد."

 

الفَصلُ
الرَّابِع عشَر إعتِراضاتٌ بَشَريَّة وأسرارٌ رُوحِيَّة

لقد
رأينا كيفَ أَعَدَّ اللهُ مُوسى لِخِدمَةِ إنقاذِ بني إسرائيل وتحريرِهم. في هذا
الفَصل، سوفَ ننظُرُ إلى الأسرار التي شارَكَها اللهُ معَ مُوسى، والتي ستجعَلُ
منهُ وَسيلةَ التَّحرير الإلهيَّة؛ وسوفَ نرى كيفَ تجاوَبَ موسى معَ دَعوَة ِاللهِ
لهُ ليَكُونَ مُنقِذاً ومُحَرِّراً.

 

إنَّ
أسرارَ اللهِ لِصَيرُورَةِ الإنسانِ أداةً للتَّحريرِ والإنقاذ، يُمكِنُ أن
تُلَخَّصَ بِجُملَةٍ واحِدَةٍ: "لستَ أنتَ المُنقِذ، بل أنا هُوَ المُنقِذ.
أنتَ بِنَفسِكَ لا يُمكِنُكَ أن تُنقِذَ أحداً. ولكنَّني أنا أستطيعُ أن أنُقذَ،
وأنا معَكَ يا مُوسى. أنتَ لا تُريدُ حتَّى أن تُنقِذَ هذا الشَّعب، ولكنَّني أنا
أُريدُ. لقد كانت هذه الأسرارُ حقيقَةً بالنِّسبَةِ لِمُوسى، وهي حقيقَةٌ
بالنِّسبَةِ لنا كذلكَ. لقد علَّمَ اللهُ مُوسى هذه الدُّرُوس أمامَ العُلَّيقَةِ
المُتَوقِّدَة.

 

كانَ
مُوسى مُرتَبِكاً من ناحِيَةِ عدَم قُدرَتِهِ على النُّطقِ بِطلاقَة. قد يعني هذا
أنَّهُ كان يلدَغُ أو يُسيءُ لَفظَ بعضِ الأصوات. ولكن مهما كانَ الأمرُ، كانَ
اللهُ يعرِفُ تماماً عن مُشكِلَةِ مُوسى في النُّطقِ عندما دَعاهُ، ورغمَ ذلكَ
أرادَهُ أن يذهَبَ إلى فرعون ليَطلُبَ تحريرَ شعبِ إسرائيلَ القَديم. بالحقيقة،
لَرُبَّما أرادَهُ اللهُ أن يقُومَ بهذا العمل بسببِ ضعفِهِ في النُّطق. لقد أرادَ
اللهُ أن يكُونَ واضِحاً أنَّ هذا الإنقاذ، عندَما حدَثَ، كانَ نتيجَةً لِقُوَّةِ
اللهِ وليسَ لمَوهِبَةِ الإنسان. لهذا أرادَ اللهُ راعيَ غنم عبرانِيّ (الذي كانَ
المِصريُّونَ يَكُنُّونَ لهُ كُرهاً أكثَر من كُرهِهِم للعِبرانِيِّ العادِيّ)،
ولَرُبَّما رَجُلاً كانَ يلدَغُ بِلفظٍ ثَقيل، أرادَهُ اللهُ أن يذهَبَ إلى حضرَةِ
فِرعَون ليَطلُبَ إنقاذَ شعبِهِ وتحريرَهُ. وعندما أُنقِذَ شَعبُ اللهِ، لم يُرِدِ
اللهُ أن يَقُولَ أحَدٌ، "مُوسَى هُوَ الذي أنقذَنا. لقد كانَ فَصيحاً
جدَّاً. لقد كُنتُ حاضِراً عندما طَلَبَ إطلاقَ سراحِ شَعبِ الله. ولقد طَلبَ ذلكَ
بِفصاحَةٍ وبلاغَةٍ وديناميكيَّة!" ليسَ هذا ما أرادَهُ اللهُ أن يُقالَ عن
تحريرِ الشعب. لهذا إختارَ الرَّجُلَ الذي إختارَهُ. تأمَّلُوا بالكلماتِ التي
نَجِدُها في العدد 11: "من صَنعَ للإنسانِ فَماً أو مَن يَصنَعُ أخرَسَ أو
أصَمَّ أَو بَصِيراً أو أعمَى. أمَا أنا هُوَ الرَّبُّ."

 

هذه
أسئِلَةٌ صَعبَةٌ على البَعض. أعتَقِدُ أنَّ ما كانَ اللهُ يَقُولُهُ مُجدَّداً،
كانَ الدَّرسَ نفسَهُ الذي رأيناهُ في حياةِ يُوسُف: فدوافِعُ حياتِكَ
الديناميكيَّة مُخَطَّطٌ لها من قِبَلِ الله. قد لا تَعرِفُ بتاتاً لماذا، ولكنَّ
اللهَ خلقَنا بالطريقَةِ التي خلقَنا بها. وكانَ اللهُ يَقُولُ لِمُوسى آنذاك،
"لو أنَّني كُنتُ أُريدُ رَجُلاً فَصيحاً، لأعطَيتُكَ فصاحَةً."

 

في
تلكَ المَرحَلَة، أَعطاهُ اللهُ درساً إيضاحِيَّاً صَغيراً. سألَهُ اللهُ،
"ما هذا الذي في يَدِكَ؟" فأجابَ مُوسى، "عَصا الرَّاعِي."
فقالَ لهُ اللهُ، "إطرَحْها أرضاً." فعندما طَرَحَها مُوسى أرضاً،
أصبَحَت شَيئاً إستَخدَمَهُ اللهُ بِقُوَّةٍ في خدمَةِ مُوسى. تعني كلمة
"تكريس" أن تضعَ شَيئاً ما أرضاً. ثُمَّ قالَ لهُ اللهُ أن يضعَ يَدَهُ في
عُبِّهِ وأن يُخرِجَها بعدَ ذلكَ. فعندما أخرَجَ مُوسى يَدَهُ، أصبَحَت برصاءَ.
ثُمَّ قالَ لهُ اللهُ أن يُدخِلَها ويُخرِجَها مُجَدَّداً، فشُفِيَت. (خُروج 4: 2-
7).

 

لقد
كانَ اللهُ في غايَةِ الصَّبرِ وطُولِ الأناةِ رُغمَ إعتِراضاتِ مُوسى جميعِها.
ولكن عندما قالَ مُوسى للهِ في النِّهايةِ، "أرسِلْ شخصاً آخرَ غَيري،"
(تكوين 4: 13)، جعلَ غضبَ اللهِ يَثُورُ ضِدَّهُ. أتساءَلُ هُنا عندما يُرسِلُكَ
اللهُ لِتَكُونَ مُنقِذاً، هل تُقَدِّمُ هذه الإعتِراضات نفسِها؟ وهل ينتَهي بكَ
الأمرُ بالقَول، "أرسِلْ شَخصاً آخَرَ غيري؟" أشخاصٌ كَثيرُونَ قالُوا
للهِ بِصدقٍ في الكتابِ المُقدَّس، "يا اللهُ، لا أُريدُ أن أذهَبَ في هذه
المُهِمَّة." هذا ما كانَ يَقُولُهُ مُوسَى. بمعنىً ما، هذا صِحِّيٌ لأنَّ
دوافِعَ الشَّخصِ الذي يَرغَبُ عادَةً بالقِيامِ بالمُهِمَّة، غالِباً ما تَكُونُ
مَشكُوكاً بأمرِها.

 

بالطبعِ،
مُوسى إنتَهى بهِ الأمرُ أن يذهَبَ لإتمامِ المُهِمَّة. ولقد نجحَ في ذلكَ تماماً.
ولكنَّ النَّجاحَ لم يَكُنْ مَرَدُّهُ لمُوسى، بل للهِ.

 

بَعضُ
النَّاسِ لديهم الكَثيرُ منَ الأهلِيَّةُ والقَليلُ منَ التَّوفُّر. آخرُونَ هُم
قَليلُو الأهلِيَّةِ وكَثيرُو التَّوفُّر. تُخبِرُنا كَلِمَةُ اللهِ أنَّهُ ليسَ
المُهِمُّ ما إذا كُنتَ كَثيرَ أو قَليلَ الأهلِيَّةِ أو المُؤهِّلات. الأمرُ
المُهِمُّ هُوَ أن تجعلَ نفسَكَ مُتَوفِّراً بينَ يدي الله. في عَمَلِ الله،
أعظَمُ أهلِيَّةٍ هي التَّوفُّر. فهُوَ لا يستخدِمُنا بِسببِ ما ومن نحنُ عليهِ،
ولا بِسَببِ ما نُريدُهُ، بل رُغمَ من وما نحنُ عليهِ ورُغمَ ما نُريدُهُ.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ح حروشة ة

 

الحقائِقُ
الأكثَرُ أهَمِّيَّةً التي علَّمَها اللهُ لِمُوسى يُمكِنُ تلخيصُها بالتَّالِي:

 

أنا
لَستُ المُهِمّ، لَكِنَّهُ هُوَ المُهِمُّ، وهُوَ مَعي.

 

أنا
لا أستطيعُ، لكنَّهُ هُوَ يَستَطيعُ، وهُوَ مَعي.

 

أنا
لا أُريدُ، لَكِنَّهُ هُوَ يُريدُ، وهُوَ مَعي.

 

أنا
لم أفعَلْ ذلكَ، لكنَّهُ هُوَ فعلَهُ، لأنَّهُ كانَ مَعي.

 

أُسمَّى
هذه التصريحاتِ الأربعة "الأسرار الرُّوحيَّة الأربَعة."

 

لم
أستَطِعْ أن أعمَلَ ككائِنٍ بَشَرِيٍّ أو كخادِمٍ للإنجيل بِدُونِ أن أُطَبِّقَ
هذه الأسرار الرُّوحيَّة الأربَعة على حياتِي وخدمَتي. أنا أثِقُ أنَّكَ
سَتَتَعلَّمُ أنتَ أيضاً كَيفَ تُطَبِّقُ هذه الأسرارَ الرُّوحيَّة الأربَعة التي
تعلَّمَها مُوسَى أمامَ عُلَّيقَةٍ تتوقَّدُ بالنَّار، ولكنَّها لم تَكُن تحتَرِق.

 

الفَصلُ
السَّادِس عشَر الضَّرباتُ، المُعجِزات، ومَبادِئُ الإنقاذ

سَوفَ
نُرَكِّزُ الآنَ على قِصَّةِ الإِنقاذِ والتَّحرير التي نَجِدُها في سفرِ
الخُرُوج. وكما أشرنا سابِقاً، كَلِمَةُ إنقاذ أو تحرير هي مُرادِفٌ لِكَلِمَةِ
خلاص. فعندما ننظرُ في سفرِ الخُرُوجِ إلى مَوضُوعِ الإنقاذ، وإلى الخلاصِ الذي
إختَبَرَهُ شعبُ اللهِ آنذاك، نَرى قُوَّةَ الله. هذا لأنَّهُ لا يُوجَدُ ما
يُسمَّى خلاصاً، لا ماضِياً ولا حاضِراً، بِدُونِ قُوَّةِ اللهِ. في سفرِ
الخُرُوج، سوفَ ترَونَ قُوَّةَ اللهِ مُستَعلَنَةً بطريقَةٍ فَريدَةٍ، بدءاً معَ
الضَّرباتِ العَشر.

 

الضَّرَبَاتِ

إنَّ
رِسالَةَ الضَّرَباتِ العَشر هي صُورَةٌ عن حقيقَةٍ شامِلَةٍ يُعلِّمُها الكتابُ
المُقدَّسُ من سفرِ التَّكوين إلى سفرِ الرُّؤيا. يُعَبَّرُ عن هذه الحقيقة في
إنجيل يُوحنَّا 4: 4 كالتَّالِي: "لأنَّ الذي فيكُم أعظَمُ منَ الذي في
العالم." هذا هُوَ التَّطبيقُ التَّعبُّدِيُّ لرِسالَةِ الضَّرَباتِ العَشر.

 

في
خُرُوج 5: 1، قدَّمَ مُوسى وهارون طلَبَهُم الأوَّل أمامَ فرعون بإطلاقِ سراحِ
شعبِ إسرائيل القَديم. ولكنَّ فرعون إكتَفَى بأن يسخَرَ بهما. لقد كانَ هذا
الطَّلَبُ مُضحِكاً بالنِّسبَةِ لفِرعون. فأَيُّ دافِعٍ كانَ يُمكِنُ أن يجعَلَهُ
يُطلِقُ سراحَ الشَّعب؟ السببُ الذي أعطياهُ لم يعنِ بِصراحَةٍ أيَّ شَيءٍ
لِفِرعَون: "إلهُ العِبرانِيِّين إلتَقانا؛ لهذا، دَعنا نَذهَبُ، لأنَّ هذا
ما قالَ لنا اللهُ أن نَقُولَهُ لكَ." (1)

 

في
هذه القِصَّة، نرى أيضاً ما يُمكِنُ تَسمِيَتُهُ "مبادِئ الإنقاذ" من
سُلطَةِ الخَطِيَّةِ أو الشَّرّ. فكما طَلَبَ مُوسَى إنقاذَ شَعبِ اللهِ، ورفضَ
فرعون أن يُطلِقَ سراحَهُم، إبتدأت الضَّرباتُ تَحِلُّ بِفرعون وبِشعبِهِ ولم
تَكِفّ. بالنَّهايَةِ، كانَت هذه الضَّرباتُ مُقنِعَةً جدَّاً. وهكذا إبتدَأَ
فرعون يخضَعُ تدريجيَّاً لسُلطَةِ الله. ولكن بينما كانَ يعمَلُ هذا، لاحِظُوا
الحِوار بينَ مُوسى وفِرعون. يعتَقِدُ الكَثيرُونَ أنَّ مُوسى هُوَ صُورَةٌ عن
مُنقِذِنا، يسُوع المسيح، وأنَّ فرعون هُوَ صُورَةٌ عنِ الشِّيطان، الذي يُجَسِّدُ
الشَّرّ. إذا فَهِمنا التَّجاذُباتِ التي كانت تحدُثُ بينَ مُوسى وفرعون،
بإمكانِنا أن نفهَمَ التَّجاذُباتِ التي تحدُثُ بينَ المسيح والشَّيطانِ اليوم،
خلالَ عمليَّةِ إنقاذِنا أو خلاصِنا.

 

مَثَلاً،
لاحِظُوا ما يَقُولُهُ فرعون في خُرُوج 8: 25 بعدَ أن طلبَ مُوسى منهُ أن يسمَحَ
لبَني إسرائيل بأن يخرُجُوا ليُقدِّمُوا ذَبيحَةً للرَّبِّ إلهِهِم.
"بإمكانِكُم أن تذبَحُوا للرَّبِّ إلهِكُم في مِصر فقط. إيَّاكُم أن تترُكُوا
مِصر."

 

بعدَ
بِضعِ ضَرباتٍ، وافَقَ فرعون مُجَدَّداً أن يدعَ الشَّعبَ يذهَبُ ليُقَدِّمُوا
ذبائحهم، ولكنَّهُ أصَرَّ على أن يُقدِّمُوا تنازُلاً: "أنا أُطلِقُكُم لتَذبَحُوا
للرَّبِّ إلهِكُم في البَرِّيَّةِ. ولكن لا تَذهَبُوا بَعيداً." (تكوين 8:
28). هذه أيضاً صُورَةٌ عن الطريقة التي تأتي بها الضُّغُوطاتُ على المُؤمنِ
الجَديد. "حسناً، إذا أردتَ أن تَكُونَ مُؤمِناً بالمَسيح، بإمكانِكَ أن
تعمَلَ ذلكَ، ولكن أرجُو أن لا تُصبِحَ واحِداً من هؤُلاء المُؤمنينَ
المُتَعصِّبِين. أقصُدُ، أرجُو أن لا تذهَبَ بَعيداً في طريقِكَ في حياةِ الإيمان،
وأرجُو أن لا تأخُذَ الإيمانَ على محمَلِ الجَدِّ كثيراً."

 

في
خُرُوج 10: 8- 10، وبعدَ المَزيد منَ الضَّرباتِ، تنازَلَ فرعونُ بالمزيد.
"حسناً، بإمكانِكُم أن تَذهَبُوا، ولكن لا يُمكِنُكُم أن تأخُذُوا أولادَكُم.
أُترُكُوا أولادَكُم في مِصر." عندما يَجِدُ الشَّيطانُ أنَّهُ لا يستطيعُ أن
يجعلَنا نُساوِم على إيمانِنا، سيُحاوِلُ أن يحصَلَ على أولادِنا. يُدهِشُنا أن
نرى كم منَ النَّاسِ أقبَلُوا إلى الإيمان "وتركُوا أولادَهُم وراءَهُم في
مِصر."

 

وبعدَ
المَزيدِ منَ الضَّرَبَاتِ، قالَ فرعون، "بإمكانِكُم أن تَذهَبُوا، ولكن
أترُكُوا قُطعانَكُم وغَنَمَكُم وبَقَرَكُم وراءَكُم." خُروج 10: 24).
يُشبِهُ هذا قيامَ الشَّيطانِ بالهَمسِ في آذانِنا أنَّهُ يمكِنُنا أن نُؤمِنَ
بالمسيح، ولكن يُمكِنُنا أن نترُكَ مالَنا بَعيداً عنِ سُلطَةِ المسيح.

 

أعتَقِدُ
أنَّ هذه هي ستراتيجيَّةُ الشَّيطان، التي ترونَها مُجسَّدَةً هُنا في شَخصِ
فرعون. فمبدَأُ الإنقاذِ الأوَّل هُوَ: إيَّاكُم ثُمَّ إياكُم أن تُقدِّمُوا أيّ
تنازُلٍ للشَّيطان. ولا تَدعُو الشِّرِّيرَ يُجَرِّبُكُم بالبَقاءِ في مِصر (أي في
العالم)، وأن تَكُونُوا خامِلينَ في إيمانِكُم، تارِكينَ أولادَكُم وراءَكُم في
مِصر، أو تاركِينَ ثَروَتَكُم في مِصر.

 

المُعجِزاتُ

ولكن
إن كُنتُم مُتَوَرِّطِينَ أصلاً في الخَطيَّة، فما هُوَ الطريقُ للخُرُوجِ منها؟
يُخبِرُنا سفرُ الخُرُوج بأنَّنا لكَي نستطيعَ التحرُّرَ من قُيُودِ وطُغيانِ
الخَطيَّة، نحتاجُ إلى مُعجِزَة. نرى صُورَةً عن نَوعِ المُعجِزاتِ التي نحتاجُ أن
نراها مُصَوَّرَةً في الفِصح، وفي عُبُورِ البَحرِ الأحمَر. هذه المُعجِزاتُ
تُمَثِّلُ إنقاذَ بني إسرائيل النِّهائِيّ من فرعون.

 

الضَّربَةُ
الأخيرةُ كانت غَضَب اللهِ الذي أدَّى إلى مَوتِ كُلِّ بِكرٍ في مصر. وبينما كانَ
شَعبُ اللهِ المُختار يُلاحِظُونَ حَدَثَ العُبُورِ أو الفِصح، عبرَ عنهُم غَضَبُ
اللهِ ولم يُصِبْهُم بِشَيء. يُظهِرُ يسُوعُ العلاقَةَ بينَ هذا العُبُور، أو
الفِصح، وبينَ خلاصِنا، عندما يَقُولُ لرُسُلِهِ أنَّ مَوتَهُ على الصَّليبِ كانَ
تحقيقاً لِكُلِّ ما كانَ مُصَوَّراً في الفِصحِ أو العُبُور (لُوقا 22: 16).

 

خلالَ
الحِوارِ بَينَ مُوسى وفرعَون، تَعلَمُونَ أنَّ فِرعَون لم يَكُنْ يَرغَبُ بأن
يدعَ بني إسرائيلَ يرحَلُون. وهكذا إستَمَرَّ فرعونُ بِتَغييرِ رأيِهِ. فكانَ
يَقُولُ، "يُمكِنُكُم أن تَذهَبُوا،" ولكن عندما كانت تُرفَعُ عنهُ
الضَّربَةُ، كانَ يُغَيِّرُ رأيَهُ ويقُولُ، "لا يُمكِنُكُم أن
ترحَلُوا." حتَّى بعدَ أن أطلَقَ سراحَهُم، غَيَّرَ فرعونُ رأيَهُ مرَّةً
أُخرى. وعندما وقفَ شعبُ اللهِ أمامَ البَحرِ الأحمَر، جمعَ فرعَون جيشَهُ، وبدا
وكأنَّهُ كانَ مُصَمِّماً على ذَبحِ شعبِ اللهِ. وهكذا إحتاجُ شَعبُ اللهِ آنذاكَ
إلى مُعجِزَةٍ أُخرى.

 

فقامَ
مُوسى بِعَمَلِ ما طلَبَهُ منهُ اللهُ، وجميعُنا يعرِفُ بَقِيَّةَ القِصَّة. وهكذا
إنشَقَّت مياهُ البَحرِ الأحمَر إلى نَدَّين، ومشَى بَنُو إسرائيلَ بينَ شِقَّي
المياه على أرضٍ يابِسَة. وعندما حاوَلَ المِصريُّونَ اللحاقَ بِبَني إسرائيل،
إنهارَت عليهِم جُدرانُ المِياهِ وغرِقَ جَيشُ فرعون. (خروج 14: 21- 28).

 

عندما
تنظُرُونَ إلى مُعجِزاتِ العهدِ القَديم، عليكُم أن تُقَرِّرُوا ما إذا كُنتُم
تُؤمِنُونَ بما هُوَ خارِق لِلطَّبيعَةِ أم لا. أنا أُؤمِنُ بهذهِ المُعجزِة
تماماً كما هِيَ مَوصُوفَةٌ حَرفِيَّاً في نَصِّ الكتابِ المُقدَّس. وأنا أُؤمِنُ
أنَّها حدَثَت بِكُلِّ حذافِيرِها. وأعتَقِدُ أنَّ هذه القِصَّة تُمَثِّلُ خلاصنا.
يتطلَّبُ خلاصُنا مُعجِزَةً منَ الله. هذا ما تُصَوِّرُهُ لنا مُعجِزَةُ عُبُورِ
البَحرِ الأحمَر.

 

وسُرعانَ
ما عبرَ بنُو إسرائيل البَحرَ الأحمَر وأصبَحُوا في وسطِ البَرِّيَّة، حتَّى
واجَهُوا مُشكِلَةً كَبيرة. ماذا كانَ سيأكُلُ هذا الشَّعبُ وسيشرَبُ في وسطِ
بَرِّيَّةٍ قاحِلَة؟ لقد كانَ عَددُ الشَّعبِ يتراوَحُ ما بينَ مَليُونَي إلى
ثلاثَة ملايين نسمَة، وكانُوا يحتاجُونَ إلى الطَّعامِ والشَّرَاب. لم تَكُن لدَى
مُوسى أيَّة فكرة عمَّا يُمكِنُهُ أن يعمَلَ بهذا الخُصُوص، أمَّا اللهُ فكانَ
يعلَمُ ماذا سيفعَلُ.

 

وهكذا
جاءَ اللهُ ولَبَّى إحتِياجاتِ الشَّعبِ بمُعجِزَةٍ أُخرى. فذاتَ صَباحٍ، عندما
إستَفاقَ الشَّعبُ من نَومِهِ، كانت تُوجَدُ طبقَةٌ بيضاء تُغَطِّي المَحَلَّة.
فقالُوا، "ما هذا؟" والذي يعني بالعِبريَّة، "مَنَّا؟" ومنذُ
ذلكَ الحين، أصبحَ المَنُّ ينزِلُ كُلَّ يَومٍ ليُغَطِّي المَحَلَّة.

 

ومنَ
الواضِحِ أنَّ هذا الغِذاء الذي وفَّرَهُ اللهُ لِبَني إسرائيل، قد سَدَّ كُلَّ
إحتياجاتِهم الغِذائِيَّة، لأنَّهُم عاشُوا على هذا المَنّ لمُدَّةِ أربَعِينَ
سنَةً. هذا التَّدبيرُ بالنِّعمَةِ الإلهيَّة يُشيرُ إلى مُعجِزَةٍ أُخرى نحتاجُها
أنا وأنت، ألا وَهِيَ الدَّعم والتَّغذِيَة الرُّوحيَّة. فمن هُوَ أو ما هُوَ
مَصدَرُ دَعمِكَ وتَغذِيَتِكَ؟ وهل تَضَعُ ثِقَتَكَ بإقتِصادِ وطنِكَ، أم
بقُدُراتِكَ الشَّخصِيَّة على الحُصُولِ على إحتِياجاتِكَ؟ إنَّ المصدرَ الحقيقيَّ
لما نحتاجُهُ هُوَ اللهُ. فعندما ننظُرُ إليهِ، يُعطينا ما نحتاجُهُ في الوقتِ
المُناسِب. كانَ على الشَّعبِ أن يجمَعُوا هذا المَنّ كُلَّ يَومٍ، الأمرُ الذي
يَرمُزُ إلى تعليمِ يسُوع أنَّنا عندَما نُصَلِّي، علينا أن نطلُبَ من أبينا
السَّماوِيّ، "أعطِنا خُبزَنا كفافَنا اليوم." فقبلَ كُلِّ وجبَةِ
طَعامٍ نتناوَلُها، عندما نشكُرُ اللهَ على طعامِنا، نعتَرِفُ بِذلكَ أنَّ اللهَ
هُوَ مَصدَرُ غِذائِنا ومَصدَرُ كُلّ ما نحتاجهُ. إنَّ تَوفيرَ اللهِ لِبَني
إسرائيل خلالَ الأربَعين سنَةً منَ التَّيَهانِ في البَرِّيَّة يُذَكِّرُنا
بحَقِيقَةِ تدبِيرِ اللهِ.

هل تبحث عن  كتب أبوكريفا عهد قديم سفر ياشر 35

 

إنقاذُنا

في
سِفرِ الخُرُوج، نكتَشِفُ أيضاً أساسَ خلاصِنا وأهمَّ شَكلٍ من أشكالِ عبادَتِنا.
إنَّ السِّرَّ الكامِنَ في قَلبِ إنقاذِ بني إسرائيل أصبَحَ السِّرَّ الكامِنَ في
قَلبِ خلاصِنا. فشَعبُ اللهِ أُوصِيَ بتقديمِ حملٍ وبِرَشِّ دَمَهُ على أعلى
وجانِبَي عتَبَةِ بابِ بُيُوتِهم. وهذه صُورَةٌ عن صَليبِ المسيح، الذي يجعَلُ
غضَبَ اللهِ يعبُرُ عنا ويتجاوَزُنا. فيَسُوعُ، حمَلُ الله، قد ضُحِّيَ بهِ من
أجلِنا، ودَمُهُ هُوَ الذي يُخَلِّصُنا. كانَ يسُوعُ المسيحُ حملَ اللهِ
المُصَوَّر في حملِ الفِصح.

 

صَلاتي
هي أنَّكَ بينَما تقرأُ سفرَ الخُرُوج، أن ترى أنَّ المُعجِزاتِ التي أنقَذَتِ بني
إسرائيلَ هي صُورَةٌ عن المُعجِزاتِ نفسِها التي تُخَلِّصُني وتُخَلِّصُكَ أنتَ
اليوم.

 

الفَصلُ
السَّادِس عشَر رُوحُ الوَصَايا العَشر

أوَدُّ
الآنَ أن أنتَقِلَ إلى دراسَةِ الوَصايا العَشر، كما نراها في خُرُوج 20: 1- 17.
هذه الوَصايا العَشر تُلَخِّصُ رُوحَ المئاتِ منَ الوصايا التَّفصِيلِيَّة
الأُخرى.

 

كُتِبَتِ
الوصايا العشرُ على لَوحَين. على واحِدٍ من هذينِ اللَّوحَين، كانت تُوجَدُ أربَعُ
وصايا، جميعُها تُعنَى بِعلاقَتِنا معَ الله:

 

1-لا
يَكُنْ لكَ آلِهَة أُخرى أمامي.

2-لا
تَعبُد الأوثان.

3-لا
تَحلِفْ بإسمِي باطِلاً.

4-أُذكُرْ
يَومَ السَّبت لِتُقَدِّسَهُ.

 

هذه
الوصايا الأربَعُ ترتَبِطُ بعلاقَتِنا معَ الله.

اللَّوحُ
الثَّانِي كانَ يَحمِلُ سِتَّ وصايا كانت تُعنَى بِعلاقَتِنا معَ النَّاس.

 

5-أكرِمْ
أباكَ وأُمَّك.

6-لا
تَقتُلْ.

7-لا
تَزنِ.

8-لا
تَسرِقْ.

9-لا
تَكذِبْ.

10-لا
تَشتَهِ.

 

دَعُونا
ننظُرُ عن كَثَبٍ إلى هذه الوَصايا العَشر لِنَرى ماذا تَعني بالفِعل.

 

تَقُولُ
الوَصِيَّةُ الأُولى، "لا يَكُنْ لكَ آلِهَة أُخرى أمامِي." قِيلَ
أنَّهُ يُمكِنُ تَصفِيَةُ الكتابِ المُقدَّسِ إلى كَلِمَتَينِ فقط: "اللهُ
أوَّلاً." هذا هُوَ رُوحُ الوَصِيَّةِ الأُولى.

 

الوَصِيَّةُ
الثَّانِيَة تَمنَعُنا من صُنعِ أيَّةِ صُورَةٍ منحُوتَةٍ أو شَبَهِ لأَيِّ شَيءٍ
ممَّا في السَّماءِ أو على الأرض، وأن نُسمِّيَها اللهَ. حَرفِيَّاً، تمنَعُنا هذه
الوَصِيَّةُ منَ الوَثَنِيَّة، أو من عبادَةِ الأوثانِ والأصنام. إنَّ رُوحَ هذا
النَّامُوس، على أيَّةِ حالٍ، هُوَ شَيءٌ كالتَّالِي: اللهُ رُوحٌ. وعلينا أن
نقتَرِبَ منهُ بالإيمان. وبما أنَّ اللهَ رُوحٌ، فإنَّ مَوضُوعَ إيمانِنا
سَيَكُونُ دائماً غَيرَ مَنظُورٍ. هذه هي الطريقة التي نظَّمَ بها اللهُ طريقَةَ
إقتِرابِنا منهُ وعلاقَتِنا معَهُ. إنَّهُ يُريدُنا أن نأتِيَ إليهِ بالإيمان.
فإذا حاوَلنا أن نصنعَ شَيئاً مادِّياً أو مَلمُوسا، وقُلنا أنَّ هذا الشَّيء
يُمَثِّلُ اللهَ، نُطِيحُ بِذلكَ الحاجَةَ إلى الإيمان.

 

الوَصِيَّةُ
الثَّالِثَة كانت أن لا نحلِفَ بإسمِ اللهِ باطِلاً. رُغمَ أنَّ مُعظَمَ النَّاسِ
يَعتَبِرونَ أنَّ هذا يُشيرُ إلى الحِلفانِ فقط، ولكنَّ المقصُودَ هُو أكثَر من
ذلكَ. إنَّهُ يعني التَّالِي: في أيِّ وقتٍ تذكُرُونَ إسمَ الله، حتَّى في
العِبادَة، عليكُم أن تتَذَكَّرُوا من هُوَ اللهُ، وأن لا تستَخدِمُوا إسمَهُ
باطِلاً، أو خارِجَ إطارِ المقاصِد التي يُمَثِّلُها إسمُ الله. فلا يُمكِنُنا أن
نستَخدِمَ إسمَ اللهِ بإستِهتارٍ أو بإهمالٍ أو بعَدَمِ إحترامٍ أو بإزدراء، حتَّى
خلالَ عبادَتنا لهُ.

 

الوَصِيَّةُ
الرَّابِعَة تُعَلِّمُنا أن نَذكُرَ السَّبتَ لِنُقَدِّسَهُ. وكانَ لهذه الوصيَّة
حرفِيَّاً الكثير من التَّطبيقاتِ في مِئاتِ الوصايا في أسفارِ النَّامُوس.
الكَثيرُ منَ النَّوامِيسِ اليَهُوديَّةِ إنبَثَقَت من هذه الوَصِيَّة، ولكنَّ
المبدَأَ مُشابِهٌ لِمَبدَأِ الوَصِيَّةِ الأُولى: أن تَضَعَ اللهَ أوَّلاً في
حياتِكَ. خَصِّصْ وقتاً لَهُ فقط. تطبيقٌ آخر لمبدَأ السَّبت هُوَ الرَّاحَةُ
الكامِلَة. تُوجَدُ عدوَى منَ الإنهياراتِ العاطِفِيَّةِ والجَسَدِيَّةِ والإرهاقِ
الكامِل، بسببِ إنتِهاكِ شَعبِ اللهِ لِروحِ الوصِيَّةِ الرَّابِعة.

 

عندما
تَصِلُون إلى اللَّوحِ الثَّانِي، ستَجِدُون الوصايا التي تُعالِجُ علاقَتَكُم معَ
النَّاس في حياتِكُم. الوَصِيَّةُ الأُولى، تنطَبِقُ بالطَّبعِ على والِديكم. ففي
الحالاتِ الطَّبيعيَّةِ للأُمُور، الوالِدَانِ هُما أوَّلُ النَّاسِ الذين
ستَتعاطُون معهم. فالوَصِيَّةُ الخامِسَة تأمُرُنا بأن نُكرِمَ أبانَا وأُمَّنا.
وتُعتَبَرُ هذه الوَصِيَّة أوَّلُ وَصِيَّةٍ بِوَعد: إذا أكرَمتُم أباكُم
وأُمَّكُم، ستَطُولُ أيَّامُكُم على الأرضِ (خُروج 20: 12). ولكن لاحِظُوا أنَّ
الوَصِيَّةَ هي أن تُكرِمُوا والِديكم. الوَصِيَّةُ ليسَت بالضَّرُورَةِ أن
تُطيعُوهم. يُعَلِّمُ الكتابُ المُقدَّسُ بان يُطيعَ الأولادُ والِديهم. فعندما
تَكُونُونَ أطفالاً، عليكُم بِطاعَةِ والدِيكُم. ولكنَّ هذه الوصيَّة مُوجَّهَةٌ
للبالِغِين، وهي تأمُرُنا بأن نُكرِمَ آباءَنا وأُمَّهاتِنا. أحدُ أسبابِ
أهَمِّيَّةِ هذه الوَصِيَّة، هو أنَّها تُظهِرُ لأولادِكُم كيفَ ينبَغي أن
يُكرِمُوكُم.

 

الوَصِيَّةُ
التَّالِيَة تأمُرُنا بأن لا نَقتُلَ. لا تَقُولُ الوَصِيَّةُ حَصرِيَّاً، "لا
تَقتُلْ"، لأنَّهُ تُوجَدُ مقاطِع أُخرى في الكتابِ المُقدَّس حيثُ أمرَ الله
شَعبَهُ بأن يَقتُلُوا (أُنظُرُوا تَكوين 9، ورُومية 13، وغيرها منَ المراجِع.)
إنَّ رُوحَ هذه الوَصِيَّة هُوَ أنَّ الحياةَ في يَدَي الله؛ فاللهُ يُعطِي
الحياةَ وينبَغي أن يَكُونَ الخيارُ للهِ فقط بإنهاءِ الحَياة التي يُعطيها.

 

الوَصِيَّةُ
السَّابِعة تأمُرُنا بأن لا نقتَرِفَ خَطِيَّةَ الزِّنى. أعتَقِدُ أنَّ رُوحَ هذه
الوَصِيَّة هي ما يُمكِنُ أن نُسَمِّيَهُ "حُقُوق الأطفال." إنَّها
خُطَّةُ اللهِ، كما نقرأُ في تكوين 2، أن يأخُذَ أشخاصاً ويعمَلَ منهُم شُركاءَ،
ليُصبِحُوا والِدين ويُنجِبُوا أشخاصاً يُصبِحُونَ بِدَورهِم شُركاءَ ووالِدين.
فالزَّواجُ هُوَ الإطارُ الأمين الذي فيهِ يُريدُ اللهُ أن يتربَّى الأولادُ
ويُعَدُّوا لمُواجَهَةِ الحياة. فأمانُ الأطفالِ يَعتَمِدُ على الإلتِزامِ أو أمانَةِ
الشَّريكَينِ الزَّوجِيَّين. أعتَقِدُ أنَّ هذه هي الحقيقَةُ التي تَكمُنُ في
قَلبِ هذه الوَصِيَّة. فاللهُ يُفَكِّرُ بالعائِلاتِ والأطفالِ عندما يأمُرُ
بالقَول: "لا تَزنِ."

 

الوَصِيَّةُ
الثَّامِنَة هي، "لا تَسرِقْ." إنَّ رُوحَ هذه الوَصِيَّة هي أنَّ اللهَ
هُوَ إلهُ ترتيب. فبِناءً على نِعمَتِهِ وعلى زَرعِنا وحِصادِنا، نكنُزُ لأنفُسنا
بعضَ المُدَّخَراتِ في الحياة. فعِندَما تَسرُقُ، تنتَهِكُ التَّرتيب الذي وضعَهُ
اللهُ. هذا النِّظامُ الذي وضعَهُ اللهُ هُوَ رُوحُ الوصِيَّة.

 

الوَصِيَّةُ
التَّاسِعَةُ هي، "لا تَشهَدْ بالزُّور." هذه وَصِيَّةٌ أعتَقِدُ أنَّ
مُعظَمَ النَّاسِ لم ينظُرُوا إليها عن كَثَب بِشكلٍ كافٍ. لدينا مَيلٌ للإعتِقادِ
بما يُسمَّى الكَذِباتُ الكَبيرة والكذبات الصَّغيرة، أو السَّوداء والبَيضاء.
إحدى أذكَى الطُّرُق للكَذِب هي بِقَولِ الحَقيقَةِ ولكن خارِجَ إطارِها، أو
بِقَولِ جُزءٍ فقط منَ الحقيقة. يُصبِحُ النَّاسُ خُبَراءَ في هذا المَجال عندما
ينوُونَ أن يُدَمِّرُوا شَخصِيَّةً ما. ولكنَّ الوَصِيَّةَ تقطَعُ الطَّريقَ على
هكذا سُلوكِ، بِقَولِها بِبساطَةٍ، "لا تَشهَدْ بالزُّور." فلا يَهُمُّ
كم تستطيعُ أن تتحاذَقَ بِقِيامِكَ بذلكَ. فإذا أعطَيتَ إنطِباعاً خاطِئاً،
كَبيراً أم صَغيراً، بالإقترافِ أو الإمتِناع، تَكُونُ قدِ إنتَهَكتَ الوَصِيَّةَ
التَّاسِعة. إنَّ رُوحَ الوَصِيَّةِ التَّاسِعة هي أن تُوصِلَ الحقيقَةَ بالكلامِ
والحَركاتِ وغَيرِها.

 

الوَصِيَّةُ
الأخيرة تَأمُرُنا بأن لا نَشتَهِي. إنَّ رُوحَ هذه الوَصيَّة مُشابِهٌ لِرُوحِ
الوصيَّةِ الثَّامِنَة، "لا تَسرِقْ." فاللهُ لدَيهِ إرادَةٌ تجاهَ ما
نملِكُهُ، سواءٌ أكانَ زوجَةً، أم عائِلَةً، أم منزِلاً، أم وظيفَةً، أم مكانَةً
في الحياة. اللهُ لدَيهِ مَشيئَةٌ تجاهَ كُلِّ هذه الأُمُور. بِحَسَبِ الكتابِ
المُقدَّس، لا يُفتَرَضُ بنا أن نُقارِنَ أنفُسَنا بالآخرين. فنَحنُ جَميعاً
أشخاصٌ فَريدُون. وعندما صنعكَ اللهُ وصنَعني، صنعنا وكَسَرَ القالِبَ الذي صنعنا
بهِ، أي خلَقَنا فَريدين. وهُوَ لا يُريدُنا أن نَكُونَ مثلَ أيِّ شَخصٍ آخر. ولا
يُريدُ لأيِّ شخصٍ آخر أن يَكُونَ مِثلنا تماماً. إن كانَ هذا صَحيحاً، فعلَينا أن
لا نُقارِنَ أنفُسَنا بالآخرين، وعلينا أن لا نَحسُدَ ولا نَشتَهِيَ ما يَملِكُهُ
الآخرون. فالحَسَدُ والشَّهوَةُ يُظهِرانِ أنَّنا غير مُكتَفِينَ بمَشيئَةِ اللهِ لِحياتِنا.
أعتَقِدُ أنَّ هذه هي رُوحُ الوَصِيَّةِ العاشِرَة.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي