الإصحَاحُ
الثَّامِنُ

الكبش والتيس

فى السنة الأخيرة من ملك بيلشاصر حيث صارت نهاية مملكة بابل على
الأبواب، قدم الله له رؤيا جديدة عن دمار ممالك قادمة، لكى لا يندهش عندما يرى
بابل العظيمة تنهار أمامه.

فى
هذه الرؤيا تم إبراز جوانب جديدة خاصة بدور الشر العنيف الممثل فى أنطوخيوس
أبيفانس (فى العهد القديم) وضد المسيح (فى أواخر الدهور).

هذه
الرؤيا بتفاصيلها هى " لبنيان المؤمنين ".

 

(1) مقدمة عن الرؤيا

تمت هذه الرؤيا قبل سقوط يابل بفترة قصيرة، إذ رأى دانيال النبى نفسه
كمن هو فى شوشان، عاصمة ولاية عيلام، غرب فارس وشرق بابل وجنوب مادى.

" في السنة الثالثة من ملك بيلشاصر الملك ظهرت لي انا دانيال
رؤيا بعد التي ظهرت لي في الابتداء "
[1].

وهب دانيال من قبل الرب أن يقف كما فى برج مراقبة عال، ليرى الأمور
البعيدة التى لا يراها غيره، والتى قد يظنها البعض أنها غير منطقية، بل وأحيانا
مستحيلة. هذه العطية تقدم للنفس الأمينة التى ترتمى فى حضن الله، فيرفها كما
بجناحى حمامة، لترى حتى ما هو وراء الزمن.

وهبت له هذه الرؤيا بعد عامين من الرؤيا السابقة، وذلك قبل سقوط بابل
(دا 5) بقليل، لهذا تجاهلت الرؤيا الإمبراطورية البابلية وكشفت عن مملكة مادى
وفارس (الكبش) التى تهاجمها مملكة المقدونيين (التيس).

" فرأيت في الرؤيا وكان في رؤياي وانا في شوشن القصر الذي في
ولاية عيلام.ورأيت في الرؤيا وانا عند نهر أولاي "
[2].

مدينة شوشان: كانت عاصمة فارس، كان دانيال فى القصر فى بابل، لكنه إذ كان فى الرؤيا
شاهد نفسه كأنه عند نهر أولاى.

لعل الله سمح له بذلك ليطمئن أنه كما خدم شعبه خلال الحكم البابلى
سيخدمه أيضا خلال الحكم الفارسى. غالبا لم يكن شوشان القصر قد بنى بعد لأنه لم تكن
إمبراطورية فارس قد ازدهرت بعد.

(2) رؤيا الكبش

فى الرؤيا السابقة رأى دانيال أربعة حيوانات، أما هنا فينظر حيوانين،
الأول كبش له قرنان. إذ اقترب وقت انهيار بابل أمام فارس ومادى رأى دانيال هذه
الرؤيا.

" فرفعت عينيّ ورأيت،

واذا بكبش واقف عند النهر،

 وله قرنان والقرنان عاليان،

 والواحد اعلى من الآخر والاعلى طالع اخيرا.

 رأيت الكبش ينطح غربا وشمالا وجنوبا،

 فلم يقف حيوان قدامه، ولا منقذ من يده،

 وفعل كمرضاته وعظم " [3 – 4].

فى دقة عجيبة شبهت مملكة فارس بالكبش ذى القرنين، واحد أعلى من
الآخر. لأن فارس صارت أعظم من مادى.

إذ شبه فارس بالكبش، شبه الملوك الآخرون بالحيوانات، التى لم تستطع
الوقوف أمامه، ولا أن تفلت من يديه.

 

(3) رؤيا التيس

" وبينما كنت متأملا،

 اذا بتيس من المعز جاء من المغرب على وجه كل الارض،

 ولم يمسّ الارض،

 وللتيس قرن معتبر بين عينيه.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس الكتاب الشريف عهد جديد سفر رؤيا يوحنا اللاهوتى 17

 وجاء الى الكبش صاحب القرنين الذي رايته واقفا عند النهر،

 وركض اليه بشدة قوته " [5 – 6].

إذ ظهر الكبش بقوة وسلطان ينطح كل حيوان يلتقى به ظهر له عدو هو تيس
ذو قرن معتبر بين عينيه. رآه النبى قادما من الغرب، حيث تقع اليونان غرب فارس. كان
التيس سريعا جدا حتى أن أقدامه لم تكن تمس الأرض [5]. كان بجيشه أشبه بطائر يطير
فى الهواء، أكثر منه قادما على البر أو خلال الأسطول البحرى. لقد شبه فارس بالكبش
بالمقارنة بالمملكة اليونانية التى شبهت بالتيس. فإن التيس أكثر رشاقة وسرعة حركة
من الكبش. هكذا كان الأسكندر الأكبر أكثر سرعة فى تحركاته.

ضرب الكبش وكسر قرنيه وطرحه على الأرض وداسه، ولم يكن للكبش منقذ من
يده (ع 7).

" رأيته قد وصل الى جانب الكبش،

 فاستشاط عليه وضرب الكبش وكسر قرنيه،

 فلم تكن للكبش قوة على الوقوف امامه،

 وطرحه على الارض وداسه ولم يكن للكبش منقذ من يده " [7].

إنها رؤيا صادقة تحققت بعد أكثر من 200 عاما. هنا يظهر الله لنبيه
نصرة الأسكندر الذى أخضع الشرق كله، حيث دخل فى معارك كثيرة، لكنه يركز على فارس
التى كانت مسيطرة على دول كثيرة، والتى سبق فشبهت بالكبش الذى ينطح فى كل جهات
المسكونة

" فتعظم تيس المعز جدا،

 ولما اعتزّ انكسر القرن العظيم،

 وطلع عوضا عنه اربعة قرون معتبرة نحو رياح السماء الاربع
"
[8].

يقول القديس هيبوليتس الرومانى: [يقصد بالتيس من الماعز القادم من
المغرب الإسكندر المقدونى القادم من اليونان.. لقد أثار الإسكندر حربا ضد داريوس
وغلبه، وأقام نفسه سيدا على كل المملكة بعد أن هزمه هزيمة منكرة وحطم معسكره. بعد
أن تمجد التيس انكسر قرنه العظيم، وطلع أربعة قرون تحته نحو رياح السماء الأربع.
فإنه عندما أقام الإسكندر نفسه سيدا على كل أرض الفرس وأخضع شعبها مات وانقسمت
مملكته على أربعة رؤساء].

الأربعة ممالك التى ولدت هى: مقدونية، وتراقيا، وسوريا، ومصر. ولم
يكن أحد منهم فى قوته.

 

(4) القرن الصغير:

" ومن واحد منها خرج قرن صغير وعظم جدا،

 نحو الجنوب ونحو الشرق ونحو فخر الاراضي.

 وتعظم حتى الى جند السموات،

 وطرح بعضا من الجند والنجوم الى الارض وداسهم.

 وحتى الى رئيس الجند تعظم،

 وبه ابطلت المحرقة الدائمة وهدم مسكن مقدسه.

 وجعل جند على المحرقة الدائمة بالمعصية،

 فطرح الحق على الارض وفعل ونجح.

 فسمعت قدوسا واحدا يتكلم فقال قدوس واحدا لفلان المتكلم:

 الى متى الرؤيا من جهة المحرقة الدائمة ومعصية الخراب لبذل
القدس والجند مدوسين. فقال لي الى الفين وثلاث مئة صباح ومساء فيتبرأ القدس "
[9 – 14].

ما هو هذا القرن الصغير إلا دجال العهد القديم أنطيخوس أبيفانس،
والذى يرمز أيضا إلى ضد المسيح فى أواخر الدهور. دعى بالقرن الصغير ليس بمقارنته
ببقية الملوك فى عهده، وإنما لأنه لم يكن أحد يتوقع أنه يتولى الحكم بعد والده،
لكنه استولى على الحكم بخبثه ودهائه.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ج جليل ل

ملك أبيفانس على سوريا (مملكة الشمال) وكان ذلك حوالى سنة 175 ق. م.
تحدث عنه دانيال النبى بأكثر تفصيل فى دا 11: 21 – 35. دعى أدنس إنسان فى العهد
القديم، اضطهد اليهود، التقى بعد وفاة أخيه بالشعب، وتظاهر باللطف الشديد وخدعهم،
فاقاموه ملكا، وذبح خنزيرا ورش دمه على المذبح والأوانى المقدسة، ومنع تقديم
الذبائح اليومية
[11]، وإلا تعرضوا للقتل.

قام انطيخوس المدعو أبيفانس من خط الإسكندر.. وإذ ملك على سوريا،
وأخضع مصر تحت سلطانه صعد إلى أورشليم، ودخل الهيكل، واستولى على كل كنوز بيت
الرب، والمنارة الذهبية والمائدة والمذبح وصنع مذبحة عظيمة على الأرض.

لقد حدث أن المقدس بقى خرابا. عندئذ ظهر يهوذا المكابى بعد موت والده
متياس وقاومه وحطم معسكر أنطوخيوس، وخلص المدينة وطهر المقدس وأصلحه بدقة حسبما
ورد فى الشريعة.

لقد وصف هذا بوضوح فى سفرى المكابيين.

يتعظم انطيخوس (أو ضد المسيح) حتى على جند السماء، ويطرح بعضا من
الجند والنجوم على الأرض
[10]. هكذا يعلن الله لنبيه دانيال عن كنيسته أنها
سماء، وأن المؤمنين هم جند المسيح وكواكبها.

لم يقف الأمر على اضطهاد شعب الله بل وإلى رئيس الكهنة اليهودى – ويرى
القديس جيروم أنه يقصد برئيس الجند الله نفسه رب الجنود!

لم يترك انطيوخس جزءا من الهيكل مقدسا لعبادة الله الحى، بل دنس كل
الهيكل وملحقاته، يقول القديس جيروم أن انطيوخس فعل هذا ليس بسبب شجاعته وإنما
بسبب خطايا الشعب.

هذا كله يحمل رمزا لما سيفعله ضد المسيح الذى يقيم نفسه إلها.

ولا يقف الأمر عند مقاومة عبادة الله، وإنما يمتد إلى إفساد التعاليم
الإلهية، إذ يقول عنه أنه " طرح الحق على الأرض " [12].

إذ ارتفع قلب دانيال إلى السماء رأى ملاكا (قدوسا) يسأل ملاكا آخر،
وإن كان البعض يرون أنه يسأل كلمة الله: " إلى متى الرؤيا من جهة المحرقة..؟
فالملائكة لا يعرفون كل الأسرار (أف 3: 10)، لكن فى حبهم للبشرية واشتياقهم إلى
كمال مجدهم يتساءلون عما يخص الكنيسة، ولعلهم خشوا أن تطول مدة الضيقة فيفقد
المؤمنون إيمانهم وأكاليلهم.

 

(5) تفسير الرؤيا

" وكان لما رأيت انا دانيال الرؤيا وطلبت المعنى،

 اذا بشبه انسان واقف قبالتي.

 وسمعت صوت انسان بين أولاي فنادى وقال

 يا جبرائيل فهّم هذا الرجل الرؤيا " [15 – 16].

اشتهى دانيال النبى تفسير الرؤيا بصورة أكمل، فقد عرف القليل، لكن
لنفعه ولنفع الكنيسة ككل اشتهى أن يبحث عن المعنى، وقبل أن يسأل رأى " شبه
إنسان "
[15]، غالبا ما يكون كلمة الله قبل التجسد الذى له سلطان أن يأمر
رئيس الملائكة جبرائيل لكى يفسر له الرؤيا [16]. وكأن الله الذى يعرف خفايا القلب،
إذ يرى الداخل مشتاقا نحو الحق يقدمه له بفيض، ويطلب من خدامه السمائيين أن يكشفوا
له بعض الأسرار الخفية.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ك كَرَك ك

" فجاء الى حيث وقفت،

 ولما جاء خفت وخررت على وجهي.

فقال لي افهم يا ابن آدم ان الرؤيا لوقت المنتهى.

 واذ كان يتكلم معي كنت مسبخا (فى نوم عميق) على وجهي الى
الارض،

 فلمسني واوقفني على مقامي.

 وقال هانذا اعرّفك ما يكون في آخر السخط.

لان لميعاد الانتهاء " [17 – 19].

إذ اقترب رئيس الملائكة من دانيال سقط النبى فى رعب. ولعل دانيال
اكتشف خطورة الرؤيا، واهتمام الله بكشف أسرارها له عن طريق رئيس الملائكة، فاستقبل
هذا التفسير فى خوف ومهابة.

أوضح الملاك له أن هذه الرؤيا " لوقت المنتهى " [ع 17]، أى تخص
المستقبل. هنا ربما يقصد إتمامها فى أيام أنتيخوس وبالأكثر قبيل مجىء المسيح
الأخير. إنه يؤكد أن الرؤيا ستتحقق حتما وبالتمام، ولكن فى الوقت المناسب والمحدد
لها.

" اما الكبش الذي رأيته ذا القرنين فهو ملوك مادي وفارس.

 والتيس العافي ملك اليونان والقرن العظيم الذي بين عينيه هو الملك
الاول.

 واذا انكسر وقام اربعة عوضا عنه،

 فستقوم اربع ممالك من الامة ولكن ليس في قوته.

 وفي آخر مملكتهم عند تمام المعاصي يقوم ملك جافي الوجه وفاهم
الحيل.

 وتعظم قوته ولكن ليس بقوته،

.يهلك عجبا وينجح ويفعل ويبيد العظماء وشعب القديسين.

 وبحذاقته ينجح ايضا المكر في يده،

 ويتعظم بقلبه وفي الاطمئنان يهلك كثيرين،

ويقوم على رئيس الرؤساء وبلا يد ينكسر " [22 – 25].

هنا يؤكد رئيس الملائكة لدانيال معنى الكبش والتيس، نازعا أدنى شك من
جهة تفسيرهما

" فرؤيا المساء والصباح التي قيلت هي حق.

اما انت فاكتم الرؤيا لانها الى ايام كثيرة.

 وانا دانيال ضعفت ونحلت اياما ثم قمت وباشرت اعمال الملك،

 وكنت متحيّرا من الرؤيا ولا فاهم " [26 – 27].

يعلن الله أن الرؤيا هى حق بوجهها المظلم حيث الضيقة الشديدة، ووجهها
المشرق حيث يعلن الله عن نصرة شعبه.

على أى الأحوال لم يدرك دانيال كل أسرار الرؤيا، ومستقبل ختومها مع
الأزمنة إذ يقول:
" كنت متحيرا من الرؤيا ولا فاهم " [27].

 

الإمبراطوريات الأربع فى سفر دانيال

 

دانيال 2

دانيال 7

دانيال 8

 

 

الرأس الذهبى

أسد مجنح

البابلية

626 ق. م.

صدر وأذرع

من الفضة

دب

كبش

مادى وفارس

539 ق. م.

البطن

والفخذان

من النحاس

نمر

تيس

اليونانية تضم

البطالسة والسلوقيون

[المكابيون]

330 ق. م.

 

167 ق. م.

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي