الإصحَاحُ
التَّاسِعُ

السبعون أسبوعا

إذ كان دانيال يحمل فى قلبه حبه لشعبه، بل ولكل البشرية، وهبه الله
نعمة الحكمة والفهم مع النبوة. كشف للملوك أحلامهم وفسرها لهم، كما أعلن له عن رؤى
تخص الأحداث المستقبلية الخاصة بالعالم كله. الآن فى شيخوخته، إذ لاحظ أن الله سبق
فوعد بالعودة من السبى بعد سبعين عاما كما جاء فى سفر إرميا، بدأ يسأل بروح
الأتضاع عن هذا الوعد الإلهى، يطلب من الله الصفح عن خطايا شعبه، وتحقيق وعده
معهم، فوهبه الله رؤيا السبعين أسبوعا، يعلن له فيها ليس فقط عن عودة الشعب إلى
أورشليم، بل وعودة البشرية إلى الأحضان الإلهية، بتحديد موعد التجسد الإلهى وتقديم
ذبيحة المسيح الفريدة.

جاءت هذه النبوة المسيحانية تصحح مفاهيم اليهود، فإنهم إذ كانوا
ينتظرون العودة من السبى لإقامة مملكة يهودية مجيدة، أكد لهم أن كلمة الله المتجسد
آت ليقيم مملكته بذبيحة نفسه، فيهب المؤمنين مجدا داخليا، لا مملكة زمنية.

 

(1) دانيال دارس النبوات

" في السنة الاولى لداريوس بن احشويروش من نسل الماديين الذي
ملك على مملكة الكلدانيين " [1].

تمت أحداث هذا الإصحاح بعد سقوط بابل، فى السنة الأولى من حكم داريوس
بن أحشويرش.

بالقول " الذى ملك " يعنى أن داريوس لم يصر ملكا
ببسالته، إنما وهب له الملك من آخر، أى من كورش ابن أخته وروج ابنته.

" في السنة الاولى من ملكه،

 انا دانيال فهمت من الكتب عدد السنين التي كانت عنها كلمة
الرب الى ارميا النبي لكمالة سبعين سنة على خراب اورشليم "
[2].

يظهر دانيال ليس كنبى فحسب، لكنه أيضا كدارس للنبوات (إر 25: 9 – 11،
29: 10، 31: 38، أى 36: 21)، يدرس كلمة الله والنبوات، ويمزج دراسته بالصلاة،
مقدما ثلاث صلوات كل يوم. الهدف من دراسته هو التمتع بوعود الله.

كان دانيال قد كبر فى السن، أما قلبه فلم يشخ قط، ولا اعتزل العمل
الألهى كرجل الله، بل مع الزمن كانت نفسه تمتلىء قوة ورجاء فى مواعيد الله
الصادقة، لهذا التجأ دانيال إلى الكتاب المقدس، يجد فيه كنز هذه المواعيد التى
يتمسك بها. هذا وقد مزج دراسته للكتاب بحياة النسك والصلاة بروح الإنسحاق أمام
الله.

 

(2) دانيال رجل الصلاة

إذ فتح دانيال الكتاب المقدس واكتشف كنوز المواعيد السمائية أدرك أن
التمتع بهذه الكنوز يحتاج إلى الصلاة الممتزجة بالصوم مع الإتضاع والإنسحاق. لقد
كشف هذا السفر فى أكثر من موضع عن شخصية دانيال كرجل صلاة. يلاحظ فى صلاته هنا
الآتى:

أ – الصلاة كلقاء حى مع الله:

إذ
يعلم أنه لم يكن هو أو شعبه مستعدا روحيا لتحقيق ما وعد به الله، إلتجأ إلى الله
يعترف بخطاياه كما يعترف ببر الله [3 – 14]. بهذا يعترف دانيال أنه ينتظر العمل
الإلهى ليس عن استحقاق خاص به أو بالشعب، أى ليس عن بر بشرى [18].

" فوجهت وجهي الى الله السيد،

 طالبا بالصلاة والتضرعات بالصوم والمسح والرماد " [3].

 

ب – لم ينقص دانيال الإيمان أن الله يحقق مواعيده.

+ سأل دانيال الله بمسح ورماد لكى يحقق وعده، ليس لأن دانيال كان
ينقصه الإيمان بخصوص ما سيحدث فى المستقبل، بل بالأحرى أراد أن يتجنب خطر الشعور
بالأمان الذى يولد لا مبالاة، واللامبالاة تولد عصيانا لله.

 

ج – الشعور بالعلاقة الشخصية مع الله، فيدعو: " الرب
الهي "
[ع 4، 20].

فإن كان يعترف بخطاياه هو وشعبه، لكنه يتقدم لله لا فى رعب، بل فى
ثقة ويقين بالله صديقه الشخصى والمنتسب إليه، واهب الوعود الصادقة.

" وصلّيت الى الرب الهي واعترفت وقلت:

 ايها الرب الاله العظيم المهوب،

 حافظ العهد والرحمة لمحبيه وحافظي وصاياه " [4].

 

د – الشعور بمشاركته شعبه خطاياه، فلا يلقى باللوم عليهم
وحدهم، بل وعلى نفسه معهم. يقدم لنا دانيال النبى مادة صلاته واعترافه، وهو يمزج
بينهما، إذ يعترف فى إتضاع بعظمة الله المهوب ومراحمه كما يعترف بخطاياه هو وشعبه.
يبدأ صلاته بالأعتراف بمجد الله وعنايته الفائقة بشعبه.

" اخطأنا واثمنا وعملنا الشر،

 وتمردنا وحدنا عن وصاياك وعن احكامك " [5].

إذ نقترب إلى الله بالصلاة مع الأعتراف لا نظن أننا ننال شيئا
بصلواتنا، لكننا كمجرمين فى حقه نسترضيه بإيماننا بحبه ومراحمه وبره.

التمرد أشر من الخطية، لأن فيه تحدى لوصية الله وأحكامه. ففى التمرد
رفض للنور الإلهى المقدم لنا، كقول المرتل:
" سراج لرجلى كلامك
ونور لسبيلى "
مز 119: 105، وقبول للظلمة عن معرفة وبإرادة، وليس عن ضعف أو جهل.

" وما سمعنا من عبيدك الانبياء،

 الذين باسمك كلموا ملوكنا ورؤساءنا وآباءنا وكل شعب الارض
"
[6].

لم يقدم النبى تبريرا للخطأ، بل على العكس يبرر تأديب الله الذى
حذرهم عن طريق أنبيائه. هذا وقد اشترك الكل فى الخطأ، سواء على مستوى القيادات
المدنية أو الدينية أو على المستوى الشعبى، فقد اندفع الكل نحو الشر بصورة جماعية.

" لك يا سيد البر.

اما لنا فخزي الوجوه كما هو اليوم.

 لرجال يهوذا ولسكان اورشليم ولكل اسرائيل القريبين والبعيدين
في كل الاراضي التي طردتهم اليها من اجل خيانتهم التي خانوك اياها "
[7].

إن كانوا قد سقطوا تحت الغضب الإلهى، ففى غضبه هو بار، أما هم فيليق
بهم خزى الوجوه، أى السقوط بوجوههم أمامه معترفين بخطأهم.

يقصد بالقريبين والبعيدين يهوذا وإسرائيل.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد قديم سفر العدد أوريجانوس 24

" يا سيد لنا خزي الوجوه لملوكنا لرؤسائنا ولآبائنا،

 لاننا اخطأنا اليك.

 للرب الهنا المراحم والمغفرة لاننا تمردنا عليه " [8 – 9].

يعود فيكمل النبى اعترافه أمام الله عن نفسه وعن الشعب بقياداته. حقا
استحق الكل خاصة الملوك والعظماء والآباء خزى الوجوه.

" وما سمعنا صوت الرب الهنا لنسلك في شرائعه.

 التي جعلها امامنا عن يد عبيده الانبياء.

 وكل اسرائيل قد تعدى على شريعتك،

 وحادوا لئلا يسمعوا صوتك،

 فسكبت علينا اللعنة والحلف المكتوب في شريعة موسى عبد الله،

لأننا اخطأنا اليه " [10 – 11].

ارتكب إسرائيل خطأين خطيرين:

أ – عدم الطاعة لشريعة الله التى أعلنت لهم.

ب – لم ينصتوا لصوت الأنبياء الذين حذروهم [6].

لم يحاول دانيال أن يبرر خطأ الشعب، بل أكد أمانة الله فى مواعيده
وعدم تقصيره من جهة شعبه. مرة أخرى يؤكد أن التعدى كان جماعيا.

" وقد اقام كلماته التي تكلم بها علينا،

 وعلى قضاتنا الذين قضوا لنا،

 ليجلب علينا شرا عظيما،

 ما لم يجر تحت السموات كلها كما أجري على اورشليم " [12].

كأن ما حل بالشعب من تأديبات إنما هو تثبيت لما سبق أن أنبأ به على
لسان موسى النبى منذ زمن بعيد. لقد سبق فحذر ليس فقط عامة الشعب، ولكن حتى الذين
وهبهم حق القضاء، فإنه ليس أحد فوق القانون الإلهى. ليس لجسد أن يفتخر أمام الله،
ولا يعفيه مركزه المدنى أو الدينى من التأديب الإلهى.

لقد اختار الرب أورشليم مدينة مقدسة له، لكنها إذ أخطأت وعصت وأصرت
على عدم التوبة، صار تأديبها عظيما، لم يسمع عنه من قبل فى كل المسكونة [12].

" كما كتب فى شريعة موسى قد جاء علينا كل هذا الشر،

ولم نتضرع إلى وجه الرب إلهنا،

لنرجع من آثامنا، ونفطن بحقك " [13].

يعترف دانيال النبى أن تأديب الرب حل بهم، ومع هذا لم ينتفعوا من هذا
التأديب، لم يتضرعوا إلى وجه الرب، حقا لقد مارسوا صلوات كثيرة سواء الذين بقوا فى
مدن إسرائيل ويهوذا أو الذين سبوا، مارسوا الشكليات الظاهرة فى رياء، أما قلوبهم
فلم ترتفع نحو السماء، ولا دخلت فى حوار حى مع الله. لم تصدر صلواتهم عن إيمان حى،
ولا عن حياة توبة صادقة.

لم يرجعوا عن آثامهم، ولم يفطنوا بحق الله.

" فسهر الرب على الشر وجلبه علينا،

 لان الرب الهنا بار في كل اعماله التي عملها،

 اذ لم نسمع صوته " [14].

" سهر الرب " يستخدم هذا الفعل ليعلن أن
ما حدث من كوارث لم يأت مصادفة، لكن الله الحارس للنفس والمهتم بخلاصها يسمح
بحكمته أن تحل الضيقة أو ما نظنه شرا. لقد أطال أناته إلى أجيال طويلة، وفى الوقت
المناسب سمح بالسبى لبنيان شعبه بالتأديب، حتى وإن بدى قاسيا.

" والآن ايها السيد الهنا،

 الذي اخرجت شعبك من ارض مصر بيد قوية،

 وجعلت لنفسك اسما كما هو هذا اليوم،

 قد اخطأنا عملنا شرا " [15].

إذ اعترف دانيال النبى عن خطاياه وخطايا شعبه، كما اعترف أنه بعدل
سقطوا تحت التأديب، يعلن عن ثقته فى الله مخلص شعبه، إذ حمل خبرة الخلاص حين أخرج
الشعب من أرض مصر بيد قوية، الآن يستطيع أن يخرج بهم من بابل، لكى يتمجد اسمه
القدوس. آمن دانيال النبى أن الله الذى عمل فى القديم لا يزال يعمل الآن.

" يا سيد حسب كل رحمتك،

 اصرف سخطك وغضبك عن مدينتك اورشليم جبل قدسك،

 اذ لخطايانا ولآثام آبائنا صارت اورشليم وشعبك،

 عارا عند جميع الذين حولنا " [16].

إن كانت خطايانا عظيمة وشرورنا كثيرة ونستحق الموت مئات المرات، لكن
مراحمك أيضا غير محصاة، لذا نطلب " كل " رحمتك.

إذ ندخل بجرأة أمام عرش رحمتك، تصرف غضبك عن مدينتك التى نعتز بها،
وعن جبل قدسك الذى اخترته لنتقدس نحن فيه، إذ عليه نقدم لك الذبائح المرضية أمامك.

" فاسمع الآن يا الهنا صلاة عبدك وتضرعاته،

 واضئ بوجهك على مقدسك الخرب من اجل السيد " [17].

كأنه يقول له: قدم لنا الدليل على مصالحتك لنا بإشراق نور وجهك علينا،
فنضىء بك. لم يطلب من الله أن يسمح لهم ببناء الهيكل الذى خرب، وإنما أن يشرق
بنوره على الهيكل، فإنه ليس بالحجارة يبنى بيت الرب، بل بسكناه فيه ورضاه على
شعبه.

 

يختم الصلاة بطلب تدخل الله السريع ليس عن شعور بالأستحقاق وإنما من
أجل نعمة الله:

· "
كل رحمة الله "
[16].. فمراحم الله عظيمة [18]، ومتسعة وتغفر كل
خطايانا وعصياننا.

· "
من أجل مدينة الله جبل قدسه "
[16]، فقد صارت فى عار بسبب
خطايانا، لكنها هى مدينة الله وجبل قدسه.

· "
من أجل السيد "
[17]، أى من أجل الله نفسه.

· "
من أجل اسمه "
الذى دعى على الشعب وعلى المدينة.

 

" أمل اذنك يا الهي واسمع،

 افتح عينيك وانظر خربنا والمدينة التي دعي اسمك عليها،

 لانه لا لاجل برنا نطرح تضرعاتنا امام وجهك،

 بل لاجل مراحمك العظيمة.

 يا سيد اسمع يا سيد اغفر يا سيد اصغ واصنع.

لا تؤخر من اجل نفسك يا الهي،

 لان اسمك دعي على مدينتك وعلى شعبك " [18 – 19].

لا يطلب من الله أن يستمع إليه وينظر إلى الخراب الذى حل بالمدينة،
إنما يطلب أن يميل الله بأذنه إليه. وأن يفتح عينيه ليرى. فإننا إذ نخطىء نشعر كأن
الله يتجاهلنا تماما، يبتعد بأذنيه كى لا يسمع، ويغمض عينيه لكى لا يرى.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ع عَيدر ر

الآن يطلب دانيال باسم الشعب أن يغفر دون تأجيل، فإنهم يطلبون التمتع
بصلاحه ومراحمه.

لم يذكر الكتاب شيئا عن خطايا شخصية ارتكبها دانيال، لكن هذا لا
يمنعه من التوبة مع الشعب بشكل جماعى، إذ يقول:
" اعترف بخطيتى وخطية
شعبى "
ع 20.

 

(3) استجابة الصلاة:

" وبينما انا اتكلم واصلّي واعترف بخطيتي وخطية شعبي اسرائيل،

 واطرح تضرعي امام الرب الهي عن جبل قدس الهي " [20].

+ يقول القديس جيروم: [كما سبق وعرفنا أن دانيال لم يفكر فى خطايا
الشعب فقط بل وفى خطاياه بكونه واحدا من الشعب، أو فعل هذا بطريق الأتضاع، فإنه
وإن لم يكن قد ارتكب خطايا شخصية، لكن هدفه هو نوال العفو بإتضاعه].

 

" وانا متكلم بعد بالصلاة،

 اذا بالرجل جبرائيل الذي رأيته في الرؤيا في الابتداء مطارا
واغفا لمسني عند وقت تقدمة المساء.

وفهمني وتكلم معي وقال:

 يا دانيال اني خرجت الآن لاعلمك الفهم.

 في ابتداء تضرعاتك خرج الامر،

 وانا جئت لاخبرك لانك انت محبوب.

فتأمل الكلام وافهم الرؤيا " [21 – 23].

يكشف دانيال النبى عن حب الله الفائق الذى يستمع إلى صلاته، ويقبل
اعترافه عن خطاياه وخطايا شعبه، وينصت إلى تضرعه من أجل جبل قدس الرب، أى من أجل
مدينة أورشليم والهيكل وكل المقدسات الإلهية.

يسر الله بالمؤمنين المتضعين الذين يعترفون بضعفاتهم، والذين فى غيرة
متقدة، لا يطلبون لأجل أنفسهم، بل لأجل الغير، كما لأجل المقدسات الإلهية.

– العجيب أن رئيس الملائكة جبرائيل يقول له: " فى
ابتداء تضرعاتك خرج الأمر "
[23]، أى فى بدء الصلاة، لأن الله استجاب لقلب
دانيال قبل أن يعبر عما فيه بشفتيه.

– أرسل الله إليه رئيس ملائكة طائرا بسرعة! اهتمام الهي عجيب.
هنا لأول مرة نسمع عن أجنحة الملائكة أو أنها كائنات طائرة.

" عند وقت تقدمة المساء " أى فى وقت الساعة الثالثة
بعد الظهر. كان دانيال مسبيا منذ قرابة سبعين عاما، لم ير ذبيحة المساء، التى كان
الكهنة يقدمونها فى هيكل الرب. لكن السنوات الطويلة لم تسحب قلبه عن الذبيحة، ولم
تحرمه عن التمتع ببركة بيت الرب الذى تهدمت حجارته!.

– كشف رئيس الملائكة جبرائيل لدانيال عن مركزه لدى الله إذ يقول:

" لأنك أنت محبوب جدا " [23]، وبالمعنى الحرفى
للكلمة العبرية " الرجل الذى يرغب فيه الله "، أى موضع سرور الله.

– قدم له وصية إلهية: " فتأمل الكلام وافهم الرؤيا " [23].

 

(4) رؤيا السبعين أسبوعا

مقدمة:

لهذه الرؤيا أهميتها الخاصة عند اليهود كما عند المسيحيين، وقد اتفق
الفريقان على أن اليوم هنا يشير إلى سنة، والأسبوع إلى سبع سنوات، وكما جاء فى سفر
اللاويين:
" تعد لك سبعة سبوت سنين، سبع سنين سبع مرات.. " لا 25: 8.

أولا: غاية الرؤيا

 الكل يتفق أن مركز الرؤيا كله هو شخص السيد المسيح.

" سبعون اسبوعا قضيت على شعبك،

 وعلى مدينتك المقدسة،

 لتكميل المعصية وتتميم الخطايا ولكفارة الاثم،

 وليؤتى بالبر الابدي ولختم الرؤيا والنبوة ولمسح قدوس
القدوسين "
[24].

حددت هذه المدة (سبعون أسبوعا) لتحقيق غرض خاص له ست نتائج، ثلاثة
منها سلبية، والثلاثة الأخرى إيجابية، وقد تحققت هذه كلها فعلا بمجىء السيد
المسيح:

أ – تكميل المعصية: أى إزالتها من أمام عينى الله، وذلك بالكرازة
بإنجيل الخلاص والتمتع بعطية الروح القدس التى وهبها الله لكنيسته فى استحقاقات
الدم الثمين، إذ صارت معصيتنا كأنها غير موجودة أمام الله.

ب – تتميم الخطايا: وتترجم " إنهاء ". إذ قدم السيد
المسيح نفسه ذبيحة خطية مرة واحدة عن العالم كله، هذا الذى لا يوجد عيب فى نفسه أو
فى جسده..

ج – لكفارة الإثم: وتعنى ضمنا أن الضرورة تقتضى تقديم ذبيحة
للمصالحة أو الكفارة.

 

الآن يحدثنا عن النتائج الإيجابية:

د – جلب البر الأبدى، الذى يجلب سلاما دائما، حيث يأتى به المسيا
ويقدمه هبة إلهية، يقدم نفسه برا فنتبرر به.

ه – الختم على الرؤيا والنبوة: حيث تتحقق نبوات العهد
القديم والرؤى الواردة فيه بمجىء المسيا، والإعلان عن شخصه وعمله الفدائى ومجده
الأبدى.

و – مسح قدوس القديسين، إذ قدس ذاته لأجلنا، مقدما
نفسه رئيس كهنة وذبيحة فريدة وشفيعا عنا. وكما يقول السيد المسيح فى صلاته
الوداعية:
" لأجلهم أقدس أنا ذاتى ليكونوا هم مقدسين فى الحق " يو 17: 19.

لاحظ القديس جيروم أن الله يقول لدانيال النبى: " شعبك،
مدينتك المقدسة " ولم يقل: " شعبى، مدينتى المقدسة "
، ذلك لأن
الله قد طلق شعبه، ورفض مدينتهم بسبب معاصيهم. أصبح شعبا مرفوضا ومدينة تحت
التأديب!

ثانيا: مراحل السبعين أسبوعا الثلاث:

" فاعلم وافهم انه من خروج الامر لتجديد اورشليم وبنائها الى
المسيح الرئيس سبعة اسابيع،

 واثنان وستون اسبوعا يعود ويبنى سوق وخليج في ضيق الأزمنة.

 وبعد اثنين وستين اسبوعا يقطع المسيح وليس له وشعب رئيس آت يخرب
المدينة والقدس وانتهاؤه بغمارة والى النهاية حرب وخرب قضي بها.

 ويثبت عهدا مع كثيرين في اسبوع واحد،

 وفي وسط الاسبوع يبطل الذبيحة والتقدمة،

 وعلى جناح الارجاس مخرب حتى يتم ويصبّ المقضي على المخرب
"
[24 – 27].

هل تبحث عن  ئلة مسيحية السحر فى المسيحية ة

لقد حدد الله وقتا معينا لمجىء كلمة الله المتجسد إلى العالم، وبحكمة
فائقة حدد الساعة التى يولد فيها المسيا، واللحظة التى فيها يقدم حياته كفارة عن
خطايا العالم، فإن مجىء السيد وعمله الخلاصى هما فى عينى الله مركز التاريخ، وعصب
العناية الإلهية، وإكليل النعمة.

جاءت هذه النبوة أشبه بكوكب مضىء فى وسط أحزان المسبيين الذين يعانون
من ظلمة الحزن القاتل.

لقد فهم كثيرون النبوة، حتى أنه عندما جاء المسيح كان هناك توقعا
عاما بين اليهود عن مجىء المسيا.

سمعان الشيخ،..

وحنة النبية،..

بل والسامريون كانوا يتوقعون قرب مجيئه كما يظهر من حديث المرأة
السامرية:
" أنا أعلم أن مسيا الذى يقال له المسيح يأتى " يو 4: 25.

حتى بين الأمم كان يترقب البعض مجيئه كما حدث مع المجوس الذين رأوا
نجمه.

ثالثا: ما هو معنى الأسبوع؟

جاءت كلمة أسبوع فى العبرية، لا بمعنى سبعة أيام، بل وحدة من سبعة..

وقد أجمع علماء ومفسرو اليهود والمسيحيون فى تفسيرهم لهذه النبوة، مع
اختلاف اتجاهاتهم، على أن عبارة " سبعون أسبوعا " تعنى سبعين وحدة من
سبعات، وهى بهذا تعنى سبعين أسبوعا من السنين. رأى غالبية المفسرين أن هذه الفترة
تبدأ فيما بين 457، 445 ق. م. وتنتهى فيما بين 26، 70 م.

 

رابعا: المراسيم الخاصة بالعودة إلى أورشليم وإعادة بناء الهيكل
وأورشليم:

صدرت ثلاثة مراسيم أو أوامر ملكية خاصة بالعودة إلى أورشليم وإعادة
بناء الهيكل وأورشليم:

المرسوم الأول: أصدره كورش عام 538 ق. م.. بعد استيلائه على
بابل (إش 44: 8، 45: 1 ؛ عز 1: 1 – 2 ؛ 2 أى 36: 22، 23).

يليق بنا أن نلاحظ أن كورش أصدر أمرا ببناء الهيكل فقط لكنه لم يصدر
أمرا بتجديد مدينة أورشليم وبنائها.

يوجد بين الأمرين فرق عظيم، فبناء الهيكل يعتبر نهاية مدة السبى وهى
70 سنة.

المرسوم الثانى: أصدره الملك أرتحشستا الأول عام 457 ق. م. وحمله عزرا الكاهن
والكاتب (عز 8) بعد حوالى 80 عاما من العودة الأولى.

سمح المرسوم للراغبين من اليهود أن يعودوا إلى أورشليم (عز 7: 13)،
وتنظيم القضاء وتطبيق شريعة موسى (عز 7: 7)، وترتيب الأمور المالية الخاصة بالهيكل
(عز 7: 15، 20).

كان اهتمام عزرا هو إعادة بناء الشعب نفسه أخلاقيا وروحيا (7: 9).

للأسف لم يقدم التاريخ لنا شيئا عما حدث من إصلاحات خاصة بالبناء،..
هذا ما يظهر مما قاله فيما بعد حنانى لنحميا:
" هناك فى البلاد هم
فى شر عظيم وعار، وسور أورشليم منهدم، وأبوابها محروقة بالنار "
نح 1: 3.

المرسوم الثالث: أصدره ارتحشستا الأول فى 445 ق. م.، حمله نحميا، ساقى الملك (نح 1:
11)، وقام نحميا ببناء سور أورشليم وبناء المدينة إذ يقول للملك: " إذا سر
الملك، وإذا أحسن عبدك أمامك ترسلنى إلى يهوذا، إلى مدينة قبور آبائى فأبنيها
" نح 2: 5.

خامسا: حسابات المراحل
الثلاث

طالب دانيال النبى – بإيمان – أن يحقق الله مواعيده، وهى عودة الشعب
بعد سبعين عاما من السبى، فإذا بالله يقدم له ما هو أعظم، يتحقق لا بعد 70 سنة بل
بعد سبوتها (70 × 7 = 490 سنة)، فيتمتع هو وكل البشرية بسبت جديد، وراحة فائقة وبر
الله، وهيأها لها عبر الأجيال، واشتهاها الآباء والأنبياء وهى رجوع البشرية إلى
الله خلال عمل الله الخلاصى. وذلك بتجسد الكلمة وتقديم ذاته كفارة عن خطايا
العالم.

لقد حدد موعد مجىء هذا المخلص وصلبه كما كشف عن أحداث مجيئه الأخير.

وقد قسمت المدة هكذا:

أولا: 7 أسابيع، أى 7 × 7 = 49 عاما، وهى الفترة ما بين صدور الأمر
بإصلاح الهيكل وبناء السور بواسطة منشور أرتحشستا الأول سنة 445 ق. م.

ثانيا: 62 أسبوعا (62 × 7 = 434 عاما). هذه الفترة التى تبلغ أربعة قرون
تمثل أظلم فترات الشعب روحيا، إذ لم يوجد فيها أنبياء إلى ظهور القديس يوحنا
المعمدان، فحسبوا بحق جالسين فى الظلمة حتى يشرق عليهم شمس البر بصليبه.

[من هنا نفهم معنى قول السيدة العذراء للسيد المسيح فى عرس قانا
الجليل:
" ليس لهم خمر..!! "]..

إذ جاء فى ع 27 أن إبطال الذبيحة الحيوانية فى وسط الأسبوع، أى فى
وسط الأسبوع الأخير من ال 69 أسبوعا فيعنى هذا أن الصلب يتم فى الأسبوع 68 ونصف،
أى بعد (68 ونصف ×7) 479 عاما ونصف، من صدور المنشور بالعمل بتجديد الهيكل بواسطة
نحميا (عام 455 ق. م.)، بهذا يكون الصلب بعد 33 سنة ونصف من الميلاد وهذا تحقق، إذ
صلب السيد المسيح وهو فى هذا السن. أما نهاية الأسبوع الأخير فيكون بعد الصلب
بحوالى 35 عاما (3 ونصف عاما)، أى حوالى سنة 70 م حيث نقض الهيكل تماما على يد
تيطس الرومانى.

ثالثا: الأسبوع السبعون، أو الأسبوع الأخير " ويثبت عهدا مع
كثيرين فى أسبوع واحد وفى وسط الأسبوع يبطل الذبيحة والتقدمة.. "
[ع 27].

يوجد رأى أو تأمل فى تفسير هذه الآية بأن هذا الأسبوع يشير إلى اسبوع
الآلام بأيامه السبعة حيث دخل السيد المسيح إلى الهيكل يوم الأحد كحمل وأخرج
الخراف (التى كانت ترمز إليه)، وظل يبيت فى بيت عنيا كأنه تحت الحفظ إلى اليوم
الرابع عشر (الخميس) حيث عمل الفصح الأخير مع تلاميذه وأبطله.

وكان العشاء حيث قدم لتلاميذه ذبيحة العهد الجديد بجسده ودمه
المتحولان من الخبز والخمر كطقس ملكى صادق.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي