الإصحَاحُ الثَّامِنُ

 
ينقسم هذا الأصحاح إلى أربعة أقسام هي:

1- إعلان الشفاء والرجوع 
1-3)

2-
سلام أورشليم 
(ع 4، 5)

3-
الرجوع إلى الأرض 
(ع 6-8)

4- بركة الأرض والشعب
(ع 9-23)

***

أولاً:
إعلان الشفاء والرجوع (ع 1-3)


«وكان كلام رب الجنود قائلاً:
هكذا قال رب الجنود: غِرْت على صهيون غيرة عظيمة، وبسخط عظيم غِرْت عليها. هكذا
قال الرب: قد رجعت إلى صهيون وأسكن في وسط أورشليم، فتُدعى أورشليم مدينة الحق،
وجبل رب الجنود الجبل المقدس
» (ع 1-3).

 موضوع هذا
الأصحاح بالمباينة مع الأصحاح السابع يكشف عن الحق الكامل الخاص بطرق الله نحو
أورشليم وبيت يهوذا، بل ومع الإنسان بصفة عامة. لقد رأينا في ختام الأصحاح السابع
فشل الشعب وهم تحت المسئولية وما أصابهم من قضاء. أما في هذا الأصحاح فنجد إعلان
أغراض الله الثابتة للبركة طبقاً لمقاصد نعمته. وعلى هذا القياس امتحن الله آدم في
الجنة ووضعه تحت مسئولية الطاعة كشرط للبركة. وإذ تعدَّى خَسِر كل شيء. وعلى أثر
ما تجلَّى من خيبة الأمل أدخل الله رجل مشوراته، نسل المرأة، بوصفه الشخص الذي
يُتمِّم الله به كل مقاصد قلبه الأزلية. وهكذا كانت الحال مع إسرائيل، لقد قبلوا
مسئولية حفظ الناموس وكانت بركتهم مُعلَّقة على ذلك. غير أن تاريخهم ليس إلا سجلاً
لتعدياتهم. وفي الأصحاح السابق يُرينا النبي تصرفات الآباء وكيف أنهم أضاعوا
حقوقهم في الأرض بسبب عصيانهم. لكن هبات الله ودعوته هي بلا ندامة، ولذلك تنتصر
نعمته على خطية شعبه بفضل ذاك الذي كان عتيداً أن يموت عن الأمة (يو 51:11)
فيستطيع أن يُعْلِن محبته التي لا تتغيَّر لصهيون وأغراضه التي ينفذها لاستردادها
ورجوعها. ومن الضروري أن يُدرك القارئ مبادئ طرق الله هذه مع شعبه إذا شاء أن يقرأ
الأنبياء بفطنة.

يتميَّز هذا الأصحاح
بتكرار عبارة «هكذا قال رب الجنود» وقد يبدو
تكرار هذه العبارة مُملاًّ، ولكن ذو الأذن المختونة يجد في التكرار تأكيداً للحق
الذي تشتمل عليه الرسالة النبوية. والواقع أن ما من تغيير في الأسلوب أو التعبير
إلا وينطوي على تعليم للذهن الروحي.

وعبارة «هكذا قال» تعني أنه ما دام الرب هو الذي قال فقوله حق.
ومهما بدا الوعد بعيد المنال أو يفوق الخيال فيجب أن نصدق الله لأنه مُنَزَّه عن
الكذب وقادر على كل شيء، وهو يعني ما يقول تماماً، كما قال الرسول في رسالة رومية
عن إيمان إبراهيم: «.. أمام الله الذي آمن به، الذي
يُحيي الموتى، ويدعو الأشياء غير الموجودة كأنها موجودة .. ولا بعدم إيمان ارتاب
في وعد الله، بل تقوَّى بالإيمان مُعْطِياً مجداً لله. وتيقن أن ما وعد به هو
قادرٌ أن يفعله أيضاً
» (رو 17:4-21).

أما عبارة «رب الجنود» فتعني أنه رب القدرة، رب القوات، الذي كل جند
السماء والأرض تحت سلطانه، وإذا قال فعل ولا توجد قوة تقف أمام تنفيذ مقاصده
الصالحة نحو مختاريه، وتكرار هذا التعبير يدل على زيادة التأكيد. 

يُفْتَتَح الأصحاح
ببشارة مُفرحة، ليست هي بشارة إنجيل نعمة الله، بل بشارة البركة لصهيون، بشارة
الملكوت، لأن بشارة الإنجيل ليست موضوع نبوات العهد القديم، وذلك لأن الكنيسة التي
بدأ تكوينها من اليهود والأمم في يوم الخمسين كانت سراً كما يُشير إلى ذلك الرسول
بولس قائلاً: «إنه بإعلان عرفني بالسر .. الذي في أجيال
أُخَر لم يُعَرَّف به بنو البشر، كما قد أُعلن الآن لرسله القديسين وأنبيائه
بالروح: أن الأمم شركاء في الميراث والجسد ونوال موعده في المسيح بالإنجيل
»
(أف 3:3-6) والكنيسة هي عروس المسيح السماوية، وباكتمالها يتم اختطافها للسماء.
وعندئذ تنتهي فترة البشارة بإنجيل نعمة الله وتبدأ بشارة الملكوت (مت 7:10،23)
والمُشار إليها هنا.

ÿ«غِرْت
على صهيون ..
». لنا في هذه الأقوال إعلان الأساس الذي يقوم عليه تدخل
الله لحساب شعبه، وهو محبته لصهيون محبة لا تتغير.

وعبارة «غِرْت على صهيون» يجب أن نقرأها: أنا أغار على صهيون.
أي أن الحالة المُحْزِنة التي وصلت إليها قد حرَّكت عواطف قلب الرب وأثارت
غَيْرَته وجعلته يتقدم لردها. ونستطيع أن نلمس عمق مشاعر الرب من نحو هذه المدينة
المحبوبة من فصول كتابية كثيرة نذكر البعض منها: «وقالت
صهيون: قد تركني الرب، وسيدي نسيني. هل تنسى المرأة رضيعها فلا ترحم ابن بطنها؟
حتى هؤلاء ينسين، وأنا لا أنساك. هوذا على كفيَّ نقشتك. أسوارك أمامي دائماً
»
(إش 14:49-16). لقد مضت قرون طويلة وهي تنتظر تتميم المواعيد وذلك بسبب خطيتها
العظمى في صلب المسيح، لكن عيني الرب وقلبه عليها باستمرار ولا بد أن يتمم القول
الذي خرج من فمه ويجعلها مرة أخرى وفي صورة أتم «أهذه هي
المدينة التي يقولون إنها كمال الجمال، بهجة كل الأرض؟
» (مرا 15:2).

ÿ«وبسخط
عظيم غِرْت عليها ..
» أي سخط مسكوب على الأعداء، وغَيْرَة صالحة
لتنفيذ مقاصد نعمته من نحوها.

ÿ«قد
رَجَعْت إلى صهيون وأسكن في وسط أورشليم
». كان الرب
قد غادر مسكنه في أورشليم وذلك بسبب خطايا شعبه (حز 23:9) وسلَّم الأرض لتكون
خراباً ودهشاً لسبعين سنة (إر 11:25) أما وقد تمت هذه الفترة فقد عاد وافتقد شعبه
وأتم كلامه الصالح عنهم، بحيث جعلهم يرجعون (إر 10:29) ومن هنا جاء قوله بفم النبي
«قد رجعت (أو أنا راجع) إلى صهيون» إذ الواقع كما
تكلَّم بفم حجي أنه كان مع شعبه وأن روحه بقي في وسطهم (حج 2).

صحيح أنهم لم يكونوا
سوى نفر قليل ولكن عليهم عيني الرب وقلبه، وبهذه الصورة رجع إلى أورشليم. هذا هو
التتميم الجزئي لكن الإتمام الكلي لرجوعه إليهم سيكون في المستقبل. ومع أن الشعب
كانوا يقيمون هيكلاً لاسمه بحسب فكره، وقد سُرَّ بعملهم، غير أنه لم يشأ أن يسكن
في صهيون يومئذ. ولكن كما سبق ورأينا في الأجزاء السابقة من هذا السفر كان العمل
الذي يؤديه بنو السبي في ذلك الوقت ينطوي في ذاته على الوعد والضمان بإتمام كل ما تكلَّم
به الله عن مستقبل مجد أورشليم. إذاً فلا بد أن تمر حقبة من الزمن بين القول: «قد رجعت إلى أورشليم» والقول: «وأسكن في وسط أورشليم» هذه الفترة هي التي أعقبت رفض المسيّا والتي
يتم فيها تكوين الكنيسة. وبعد ذلك يعود الله لإتمام وعده أي أن هذا الوعد قد تم
جزئياً في رجوعهم من السبي، أما الإتمام الكلي الكامل فسيكون بعد رجوعه للمُلك
عليهم.

***

ونلاحظ أن العبارات «بسخط عظيم»، «غِرْت»،
«رجعت» سبق ذكرها في الأصحاح الأول:

É«وأنا مُغْضِبٌ بغضب عظيم على الأمم»
(15:1)

É«غِرْت على أورشليم وعلى صهيون غَيْرَةً
عظيمة
» (14:1)

É«قد رَجَعْتُ إلى أورشليم بالمَرَاحِم»
(16:1)

أما عبارة «وأسكن في وسط أورشليم» فذُكِرَت في الأصحاح الثاني:

É«لأني هأنذا آتي وأسكن في وسطك، يقول الرب .. ويكونون لي شعباً فأسكن في وسطك» (زك 10:2،11).

ÿ«فتُدعى
أورشليم مدينة الحق، وجبل رب الجنود الجبل المقدس
» لقد قيل عنها في عهد
سليمان: «القرية الأمينة ملآنة حقاً كان العدل يبيت فيها»
وعندما انتهى هذا العهد امتلأت المدينة إثماً وقتلاً «كيف
صارت القرية الآمنة زانية! ملآنة حقاً. كان العدل يبيت فيها، وأما الآن فالقاتلون
.. رؤساؤك مُتمرِّدون ولُغَفَاء اللصوص. كل واحد منهم يُحب الرشوة ويتبع العطايا.
لا يقضون لليتيم، ودعوى الأرملة لا تصل إليهم
» (إش 21:1-23).

وقال الرب عنها يوم كان
هنا بالجسد: «يا أورشليم، يا أورشليم! يا قاتلة الأنبياء
وراجمة المرسلين إليها
» (مت 37:23).

ويُقال عنها بعد اختطاف
الكنيسة: «وأما الدار التي هي خارج الهيكل، فاطرحها ولا
تقسها، لأنها قد أُعطيت للأمم، وسيدسون المدينة المقدسة اثنين وأربعين شهراً
»
(رؤ 2:11)، وأيضاً «وتكون جثتاهما على شارع المدينة
المقدسة التي تُدعى روحياً سدوم ومصر، حيث صُلب ربنا أيضاً
» (رؤ 8:11).

فيُنْظَر إلى أورشليم
في الأصحاح الحادي عشر من سفر الرؤيا في منظرين مختلفين جداً. منظر بحسب مركزها في
مشورات الله، ومنظر بحسب حالتها الواقعة. ففي الكلام عن مقاصد الله وإثم الأمم في
كونهم داسوها تسمَّى: «المدينة المقدسة» (ع 2)،
ولكن في العدد الثامن حينما يُنْظَر إليها في حالتها الروحية تحت سلطان الوحش
الصاعد من الهاوية يُتَكلَّم عنها في شرها الأدبي ممتلئة بفساد سدوم وواقعة تحت
دينونة مصر، فتسمى «سدوم» بالنسبة للشر والانحطاط
الخُلقي (انظر تك 18،19؛ 2بط 6:2-8؛ يه 7).

وهكذا يسميها إشعياء
النبي: «سدوم» إذ يقول: «اسمعوا كلام الرب يا قضاة سدوم! أصغوا إلى شريعة إلهنا يا شعب عمورة»
(إش 10:1). وتُسمَّى:«مصر» فبالنسبة
لوثنيتها وظلمها ووجودها مستعبدة تحت سلطان الوحش ومَدَوسة من الأمم. لقد كان فيها
الحق ومضى، وكان فيها المجد وخرج كما نقرأ ذلك في سفر حزقيال، وأصبح اسمهم «إيخابود» أي زال المجد.

لكن الحق والمجد
سيرجعان مرة ثانية وذلك عندما يملك الرب، وعند ذلك تُدعى مدينة العدل والمدينة
الأمينة، وهاك بعض شواهد كتابية توضح ذلك:

«لأن الرب قد اختار صهيون. اشتهاها مسكناً له: هذه هي راحتي إلى
الأبد. ههنا أسكن لأني اشتهيها
» (مز 13:132،14)، وأيضاً «ويكون في آخر الأيام أن جبل بيت الرب يكون ثابتاً في رأس
الجبال، ويرتفع فوق التلال، ويجري إليه كل الأمم
» (إش 2:2)، وأيضاً «لا يُسْمَع بعد ظلم في أرضك، ولا خراب أو سحق تخومك، بل
تُسَمِّين أسوارك: خلاصاً وأبوابك تسبيحاً
» (إش 18:60)، وأيضاً «فترى الأمم برَّك، وكل الملوك مجدك، وتُسَمَّين باسم جديد
يُعَيَّنه فم الرب. وتكونين إكليل جمال بيد الرب، وتاجاً ملكياً بكف إلهك
»
(إش 2:62،3)، وأيضاً «هأنذا خالق أورشليم بهجة وشعبها
فرحاً فابتهج بأورشليم وأفرح بشعبي
» (إش 18:65،19).

ثانياً:
سلام أورشليم (ع 4،5)

هل تبحث عن  مريم العذراء ألقاب مريم العذراء أم القدوس س


«هكذا قال رب الجنود
قائلاً: سيجلس بعد الشيوخ والشيخات في أسواق أُورشليم، كل
إنسان منهم عصاه بيده من كثرة الأيام. وتمتلئ أسواق المدينة من الصبيان والبنات
لاعبين في أسواقها
» (ع 4،5).

سيكون إتمام هذا الوعد تحت
حُكم المسيح الشامل في الألف السنة حيث لا يكون طفل أيام؛ بمعنى أنه لا توجد وفيات
بين الأطفال؛ أي لا يوجد طفل يعيش أياماً قليلة ولا شيخ لم يكمل أيامه لأن كل
رعايا المسيح الملك يتمتعون بامتلاك الصحة والقوة.

وحتى تحت الناموس كان
هذا ممكناً لو أطاع الشعب فكان يمكن أن ينجوا من أمراض مصر وتطول أيامهم في الأرض
(انظر خر 26:15؛ تث 10:4، 6:5، 6:33،2، 9:11) لكنهم أضاعوا الكل بعصيانهم وخطيتهم
ولكن في المستقل سيجعل الله شعبه يمتلكون كل البركات التي وعد بها قديماً تحت شرط
حفظ الناموس، بل وأكثر من تلك البركات لكن ليس على أساس الناموس بل على أساس العهد
الجديد المذكور في نبوة إرميا 3:31. ومن هنا جاءت الصورة الجميلة للرخاء الأرضي
حيث نرى الشيوخ والشيخات يتمتعون بشيخوخة هانئة في مقدورهم أن يوجدوا في الشوارع
ولو في انحناء تحت ثقل الأيام يتوكأن على عصي، بينما تكون الشوارع حافلة بهتافات
الصبيان والبنات وهم في مرح يلعبون، وهذا منظر السعادة الطبيعية الكاملة منظر يدل
على اهتمام الله وسروره في رخاء شعبه الزمني.  وستتم هذه المواعيد الثمينة
تحت حكم وسيادة المسيح. وها بعض الشواهد الكتابية التي توضح هذه المواعيد
المباركة:

É«لا يكون هناك طفل أيام، ولا شيخ لم
يُكْمِل أيامه. لأن الصبي يموت ابن مئة سنة، والخاطئ يُلْعَن ابن مئة سنة
»
(إش 20:65).

É«لكن يكون بنونا مثل الغروس النامية في
شبيبتها بناتنا كأعمدة الزوايا منحوتات حسب بناء هيكل ..
طوبى للشعب الذي له كهذا طوبى للشعب الذي الرب إلهه
» (مز 12:144-15).

وقوله الشيوخ والشيخات
والصبيان والبنات يفيد أن كل الشعب من كبيرهم إلى صغيرهم سيكونون موضوع عناية الرب
ولهم جميعاً نصيب التمتع في هذا الوقت السعيد.

وهناك ملحوظة جديرة بالانتباه
وهي المقارنة بين صورة ما فعلته الخطية في نفس شوارع أورشليم وبين الحالة التي
رأيناها والتي ستكون في شوارع أورشليم مستقبلاً. ففي مراثي إرميا نقرأ عن الصورة
المُحْزِنة التي كانت في شوارع المدينة: «عَذَارَاى
وشُبَّانِي ذهبوا إلى السبي .. كهنتي وشُيوخي في المدينة ماتوا، إذ طلبوا لذواتهم
طعاماً ليَرُدُّوا أنفسهم .. في الخارج يَثكُل السيف، وفي البيت مثل الموت
»
(مرا 18:1-20)، وأيضاً «شيوخ بنت صهيون يجلسون على الأرض
ساكتين. يرفعون التراب على رؤوسهم. يتنطَّقون بالمُسُوح. تَحْنِي عَذَارَى أورشليم
رؤوسهن إلى الأرض. كَلَّت من الدموع عيناي. غَلَت أحشائي. انسكَبَت على الأرض كبدي
على سحق بنت شعبي، لأجل غَشَيان الأطفال والرضع في ساحات القرية. يقولون لأمهاتهم:
أين الحنطة والخمر؟ إذ يُغْشَى عليهم كجريح في ساحات المدينة، إذ تُسْكَب نفسهم في
أحضان أُمهاتهم
» (مرا 10:2-12). ما أبعد الفرق بين هذه الصورة الحزينة وبين
الصورة البهجة المستقبلة!


«هكذا قال رب الجنود:
هأنذا إن يكن ذلك عجيباَ في أعين بقية هذا الشعب في هذه الأيام، أ فيكون أيضاَ
عجيباً في عينيَّ؟ يقول رب الجنود
» (ع 6).

سيكون إتمام هذا الوعد مبعث
دهشة لمن يشاهدونه. وإذا كان هذا عجيبًا عندهم لأنه صعب المنال لكنه ليس عجيبًا في
عيني الرب لأنه ليس عند الرب مستحيل، وهذا يذكرنا بكلام الرب لسارة عندما قالت: «أبعد فنائي يكون لي تنعّم، وسيدي قد شاخ؟ فقال الرب لإبراهيم:
لماذا ضحكت سارة .. هل يستحيل على الرب شيء؟
» (تك 12:18-14).

وعندما قال موسى: «ست مئة ألف ماشٍ .. أيُذْبَح لهم غنم وبقر ليكفيهم؟ أم يُجْمَع
لهم كل سمك البحر ليكفيهم؟
» قال الرب لموسى: «هل
تقصر يد الرب؟ الآن ترى أيوافيك كلامي أم لا
» (عد 21:11-23).

وعلى ذلك إن كانت هذه
المواعيد العظمى التي وعد بها الرب على فم زكريا مبعث دهشة وتعجب لدى بقية الشعب
الراجع من السبي فإنها ليست كذلك في نظر الرب الذي كان يعني ما يقول. كذلك أيضاً
عندما تخرج البقية المختارة في آخر المطاف من بين لفائف حالتهم المَدوسة والمَيؤس
منها إلى النور الكامل في ولادتها الجديدة وبركتها العتيدة في المُلك الألفي
ستأخذهم الدهشة من مبلغ ما استُعلن لأجلهم من قوة الله ومجده ونعمته لأجل خلاصهم،
ومن وضعهم الممتاز الذي سيضعهم الله فيه حسب مسرة مشيئة. حينئذ يبتهج فرحا ويسكت
ويسترح في محبته يبتهج بهم بترنم (صف 17:3).


«هكذا قال رب الجنود
قائلاً: سيجلس بعد الشيوخ والشيخات في أسواق أُورشليم، كل
إنسان منهم عصاه بيده من كثرة الأيام. وتمتلئ أسواق المدينة من الصبيان والبنات
لاعبين في أسواقها
» (ع 7،8).

هذان العددان يشرحان
إتمام أغراض الرب تجاه شعبه فبهذه الطريقة سيتمم الرب بركة شعبه.

إننا لا نقرأ هنا عن
التفاصيل التي بها سيُخلِّص شعبه من الشرق والغرب غير أنه من فصول كتابية أخرى نرى
أنه سيتم جمع الشعب من شتاتهم بين الأمم بعد ظهور ابن الإنسان «وحينئذ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء. وحينئذ تنوح جميع
قبائل الأرض، ويُبصرون ابن الإنسان آتياً على سحاب السماء بقوة ومجد كثير.
فيُرْسِل ملائكته ببوق عظيم الصوت، فيجمعون مُختاريه من الأربع الرياح، من أقصاء
السماوات إلى أقصائها
» (مت 30:24،31) وحينئذ سوف يسكنون في مدينة الملك
العظيم.

وهذا الرجوع لا يُقْصَد
به رجوعهم من سبي بابل، لأن هذا كان رجوعاً من الشمال فقط، أي من مملكة بابل التي
تقع شمال إسرائيل، ولم يصيروا لله شعباً بالحق والبر، بل كانت حالتهم يوم جاء الرب
بالجسد حالة الرياء أي صورة التقوى الخارجية، وقال لهم الرب: «يا مُراؤون! حسناً تنبأ عنكم إشعياء قائلاً: يقترب إليَّ هذا
الشعب بفمه، ويُكرمُني بشفتيه، وأما قلبه فمُبتعد عني بعيداً
» (مت 7:15،8).
وانتهى بهم الحال برفض المسيح. أما هذا الرجوع المُتَنَبأ عنه من الشرق والغرب
فسيكون عند ظهور الرب بالمجد والقوة كما نقرأ في إنجيل متى. كما أن الذين رجعوا
أيام السبي هم بقية من سبطي يهوذا وبنيامين فقط، أما الرجوع هنا فسيكون لكل
الأسباط وليس لسبطي يهوذا وبنيامين فقط، وها هي بعض الشواهد الكتابية التي تتكلَّم
عن ذلك:

É«ويكون في ذلك اليوم أنه يُضْرَب ببوق
عظيم،
فيأتي التائهون في أرض أشور
(حسب سبي الأسباط العشرة)، والمنفيون في أرض
مصر، ويسجدون للرب في الجبل المُقدَّس في أورشليم
» (إش
13:27).

É«ويجمع منفيِّي إسرائيل، ويضم مُشتَّتي
يهوذا من أربعة أطراف الأرض
» (إش
12:11).

É«هؤلاء من بعيد يأتون، وهؤلاء من الشمال
ومن المغرب، وهؤلاء من أرض سِينيم
» (إش
12:49).

ÿ«فيسكنون
في وسط أورشليم
». في العدد الثالث يقول الرب: «قد رَجَعْتُ إلى صهيون وأسكن في وسط أورشليم» وهنا في
العدد السابع يقول الرب: «فيسكنون في وسط أورشليم».
أي أن الرب سيكون في الوسط، وهم يسكنون في وسط أورشليم، ويكونون له شعباً، وهو
يكون لهم إلهاً.

ÿ«ويكونون
لي شعباً، وأنا أكون لهم إلهاً بالحق والبر
». سيدخل الله في علاقة
معهم كإله، فيكون لهم إلهاً بالحق والبر وهم يكونون له شعباً. والبر أو العدل هو
صفة الحكومة التي سيكونون رعاياها والتي يكون الرب رئيسها. وهذه بعض الشواهد على
ذلك:

É«فيسكن في البرية الحق، والعدل في البستان
يقيم. ويكون صُنع العدل سلاماً، وعَمَل العدل سكُوناً وطمأنينة إلى الأبد. ويسكن
شعبي في مسكن السلام، وفي مساكن مطمئنة في محلات أمينة
» (إش 16:32-18).

É«لأنكم بفرح تخرجون وبسلام تُحْضَرُون»
(إش
12:55).

É«فيقضي بين شعوب كثيرين. يُنْصِف لأُمم
قوية بعيدة
» (مي 3:4).

رابعاً:
بركة الأرض والشعب (ع 9-23)


«هكذا قال رب الجنود:
لتَتَشدَّدْ أيديكم أيها السامعون في هذه الأيام هذا الكلام من أفواه الأنبياء
الذي كان يوم أُسِّس بيت رب الجنود لبناء الهيكل. لأنه قبل هذه الأيام لم تكن
للإنسان أُجرة ولا للبهيمة أُجرة، ولا سلام لمن خرج أو دخل من قبل الضيق. وأطلقت
كل إنسان، الرجل على قريبه
» (ع 9، 10).

يُوجِّه الرب كلامه هنا
إلى جمهور السامعين في وقت النبي «في هذه الأيام»،
وأما القول: «من أفواه الأنبياء الذي كان يوم أُسِّسَ ..
الخ
» فهو ذو صلة بالرسالة الخاصة المُعْطَاة من الرب في الوقت الذي وُضِع
فيه أساس بناء الهيكل لتشجيع البنائين في عملهم. هذا هو الذي قصد زكريا أن يُذكِّر
به الشعب تدعيماً لأقواله ومن هذه التشجيعات ما شجعهم به حجي النبي في نفس هذه
المناسبة بقوله لهم: «فالآن تشدَّد يا زربابل، بقول
الرب. وتشدَّد يا يهوشع .. وتشدَّدُوا يا جميع شعب الأرض، يقول الرب. واعملوا فإني
معكم، يقول رب الجنود .. فاجعلوا قلبكم من هذا اليوم فصاعداً .. من اليوم الذي فيه
تأسَّسَ هيكل الرب، اجعلوا قلبكم .. فَمِنْ هذا اليوم أُبارك
» (حج
4:2،18،19). إلى هذه الأقوال كان زكريا يُشير يومئذ، وهو أيضاً يعود إلى حالة
الشعب المُحزنة قبل أن يبدأوا عمل البيت فيقول: «لأنه
قبل هذه الأيام لم تكن للإنسان أجرة
». لقد كان الشعب، كما نعلم من نبوة
حجي، مشغولين كل منهم في شئونه الخاصة، كانوا يبنون بيوتهم في الوقت الذي كانوا
يقولون فيه إنه ليس وقت لبناء بيت الرب، لذلك لم يسمح الرب لهم أن ينجحوا بينما هم
ينسونه وينسون مطاليبه. فأهاج عليهم الضيق من كل ناحية، وعرَّضهم لعداء جيرانهم
وخرَّب زراعاتهم باللفح واليرقان وأزال البركة من محصولهم. وهذا ما نجده في نبوة
حجي «مذ تلك الأيام كان أحدكم يأتي إلى عرمة عشرين فكانت
عشرة. أتى إلى حوض المِعصرة ليغرف خمسين فُورة فكانت عشرين. قد ضربتكم باللفح
وباليرقان وبالبرد في كل عمل أيديكم، وما رجعتم إليَّ، يقول الرب
» (حج
16:2،17). كان يحسن بشعب الرب أن يضعوا في بالهم دائماً هذا المبدأ، فكم من المرات
يعطي الشعب المكان الأول لأمورهم الخاصة ويضعونها في مركز أعلى مما تشغله أمور
الرب. وإذا ما استسلمنا لهذه التجربة فلا شيء ينتج عن ذلك سوى الحزن، ليس من
المحتم أن ينجح المؤمن في الأمور العالمية، لكن الشيء المُحَقَّق هو التجارب
والضيقات من نوع أو آخر لكل مؤمن يُفكِّر في الأرضيات. إن سبيل البركة سواء في
الماضي أو الحاضر هو في التكريس لخدمة الرب، فإذا سلكنا في خطوات الرب ووجدنا
طعامنا في أن نفعل مشيئته فلا بد أن يُمتِّعنا برضاه وبركته.

هل تبحث عن  شبهات الكتاب المقدس عهد جديد سفر أعمال الرسل الذين دفنوا المسيح ح


«أما الآن فلا أكون أنا
لبقية هذا الشعب كما في الأيام الأولى، يقول رب الجنود. بل زرع السلام، الكرم
يُعطي ثمره، والأرض تُعطي غلتها، والسماوات تُعطي نداها، وأُملِّك بقية هذا الشعب
هذه كلها
» (ع 11، 12).

البقية في أعداد 6، 11،
12 تُشير إلى البقية الراجعة من سبي بابل والتي كان زكريا نبياً في وسطها، وفي كل
تاريخ هذا الشعب يمكن أن نجد بقية مقتناة، ففي أيام إيليا كان هناك سبعة آلاف ركبة
لم تجث لبعل (1مل 18:19) وفي أيام إشعياء كانت البقية صغيرة «لولا أن رب الجنود أبقى لنا بقية صغيرة لصرنا مثل سدوم وشابهنا
عمورة
» (إش 9:1). وأثناء السبي البابلي كانت البقية ممثلة في حزقيال
ودانيال وشدرخ وميشخ وعبد نغو ومردخاي وأستير وغيرهم. وفي نهاية السبعين سنة بعد
رجوع جزء منهم إلى الأرض نجد البقية الراجعة من أمثال عزرا ونحميا وزربابل ويهوشع
وزكريا وحجي وملاخي. وعند مجيء ربنا يسوع بالجسد كانت توجد بقية مثل سمعان البار
الذي أخذ الرب على ذراعيه وقال: «الآن تُطْلِق عبدك يا
سيد حسب قولك بسلام لأن عيني قد أبصرتا خلاصك
» (لو 28:2). وحَنَّة
النَبيَّة «التي وقفت تسبِّح الرب وتكلَّمت عنه مع جميع
المُنتظرين فداء في أورشليم
» (لو 38:2) ويوحنا المعمدان الذي أعدَّ الطريق
قدام الرب. وفي بدء تأسيس الكنيسة كانت بقية من اليهود قد آمنت بالمسيح كما هو
مكتوب «فكذلك في الزمان الحاضر قد حصلت بقية حسب اختيار
النعمة
» (رو 5:11). لكن الشيء المنتظر مستقبلاً هو البقية التي توجد في
الأسبوع الأخير من نبوة دانيال، أسبوع الضيقة بعد اختطاف الكنيسة، تلك البقية
الأمينة التي سترجع إلى المسيح وستكون الشاهدة له في ذلك الوقت (رؤ 3:7-8) وبعض من
هؤلاء الأمناء سيتحملون الموت من أجل الشهادة (رؤ 9:6-11) وبعضهم سيقتلهم الوحش
لرفضهم السجود له، ويظل الباقون أحياء لكي يدخلوا المُلك الألفي (زك 6:12، 9:13)
وكثير من المزامير يُعبِّر نبوياً عن حزن البقية بسبب الضيق والاضطهاد الواقع
عليها من الوحش والنبي الكذَّاب، كما يُعبِّر عن أفراحها في المُلك الألفي تحت
سيادة المسيح. وبعد أن استخدم الرب الضيق لعلاج حالة الذين انشغلوا في شئونهم
الخاصة في أيام زكريا وحجي فكانوا يبنون بيوتهم في الوقت الذي كانوا يقولون فيه
إنه ليس الوقت لبناء بيت الرب، بعد ذلك انتبهوا إلى الغرض من رجوعهم من السبي
وبدأوا في بناء الهيكل، وحينئذ بدأ الله يباركهم في كل عمل أيديهم. لقد طلبوا
أولاً ملكوت الله وبره وبعد ذلك زيدت لهم البركات الأرضية التي يذكر الرب بعضاً
منها هنا وهي أن الكرم يعطي ثمره والأرض تعطي غلتها والسماوات تعطي ندَاها. ولكن
ما هذه إلا عينة وعربون للبركات الأرضية العتيدة أن تتم على نطاق واسع عندما يملك
عليهم المسيح تلك البركات التي تفيض بها نبوات العهد القديم.


«ويكون كما أنكم كنتم
لعنة بين الأمم يا بيت يهوذا ويا بيت إسرائيل، كذلك أُخلصكم فتكونون بركة فلا
تخافوا. لتتشدد أيديكم
» (ع 13).

لقد تشتُّتوا بين جميع
الأمم بسبب غضب الرب عليهم كما رأينا في الأصحاح السابق (14:7)، وكانوا هم وحدهم
الذين يعرفون اسم الرب بين جميع الأمم الذين تشتُّتوا بينهم لكنهم لم يكونوا
شهوداً أُمناء مثل الذين قيل عنهم في سفر الأعمال: «وحدث
في ذلك اليوم اضطهاد عظيم على الكنيسة التي في أورشليم، فتشتَّت الجميع في كُوَر
اليهودية والسامرة، ما عدا الرسل .. فالذين تشتَّتوا جالوا مُبَشِّرِين بالكلمة
»
(أع 1:8-4). وبدلاً من أن يكونوا سبب بركة كانوا لعنة بسبب ممارستهم الوثنية وحياتهم
الرديئة كما تكلم الله بفم حزقيال «فتحننت على اسمي
القدوس الذي نجَّسَه(أي أهانه) بيت إسرائيل في الأمم حيث جاءوا
» (حز
21:36).

ولكن على أساس الاسم
الحسن، كما نقرأ «لأجل اسمي» (حز 22:36)، سيعمل
الله ويُخلِّص شعبه طبقاً لكلامه بفم زكريا. ولنلاحظ أن هذا الوعد هو الوعد الشامل
المستقبل وليس الوعد الجزئي الذي حدث أيام زكريا. فالرب يُكلِّم هؤلاء في ضوء
البركة الألفية المستقبل؛ والدليل على ذلك قوله: «يا بيت
يهوذا وبيت إسرائيل
»، فإن الذي رجع من السبي هم بقية من سبطي يهوذا
وبنيامين فقط، أما بيت إسرائيل فكان قد تشتَّت لا في السبي البابلي لكن قبل ذلك عن
طريق السبي الأشوري. وبيت إسرائيل هذا لم يرجع كما حدث في بيت يهوذا، لكن عندما
يٌستَعْلَن الرب في مجده سيجمع جميع الأسباط وسيتمتعون بهذه البركات التي يقول
عنها الرب بفم زكريا فلأجل اسمه سيعمل الله ويخلِّص شعبه ويُتمم له ما قيل بفم
ميخا: «وتكون بقية يعقوب (ولاحظ كلمة يعقوب هنا أي جميع
الأسباط باعتباره أباً للأسباط وليس بقية يهوذا) في وسط شعوب كثيرين كالنَّدى من
عند الرب، كالوابل على العُشب الذي لا ينتظر إنساناً ولا يصبر لبني البشر
»
(مي 7:5) ولأجل إتمام هذا الوعد سيرش عليهم الرب ماء طاهراً فيتطَّهرون من كل
نجاساتهم ومن كل أصنامهم، يُطِّهرهم ويعطيهم قلب لحم، ويجعل روحه في داخلهم
ويجعلهم يسلكون في فرائضه ويحفظون أحكامه ويعملون بها (حز 25:36-27)، وحينئذ فقط
سوف يُزهِر إسرائيل ويفرح ويملأ وجه الأرض ثمراً وهكذا يكونون بركة.

إلى جانب هذا التشجيع
الإلهي المجيد جاء تحريض للشعب بالقول: «لا تخافوا
لتتشدَّد أيديكم
» وعبارة «لتتشدَّد أيديكم»
نجدها في العدد التاسع، فالآن صار لهم الله، من أجل ذلك كان يجب ألا يخافوا وأن
تتشدَّد أيديهم للعمل الذي كانوا مشغولين به.


«لأنه هكذا قال رب
الجنود: كما أني فكّرت في أن أُسيء إليكم حين أغضبني آباؤكم، قال رب الجنود، ولم
أندم. هكذا عُدت وفكرت في هذه الأيام في أن أُحسن إلى أورشليم وبيت يهوذا. لا
تخافوا
» (ع 14، 15).

كما غضب الرب عليهم
سيُحْسِن إليهم إحساناً أبدياً ونهائياً. وهذا ما يقوله الرب بفم إشعياء «لحيظة تركتك، وبمراحم عظيمة سأجمعك. بفيضان الغضب حجبت وجهي
عنك لحظة، وبإحسان أبدي أرحمك، قال وَلِيُّك الرب
» (إش 7:54،8) وكما قال
بفم إرميا: «هأنذا أجمعهم من كل الأراضي التي طردتهم
إليها بغضبي وغيظي وبسخط عظيم، وأردُّهم إلى هذا الموضع، وأُسكنهم آمنين. ويكونون
لي شعباً وأنا أكون لهم إلهاً. وأُعطيهم قلباً واحداً وطريقاً واحداً ليخافوني كل
الأيام، لخيرهم وخير أولادهم بعدهم .. لأنه هكذا قال الرب: كما جَلَبت على هذا
الشعب كل هذا الشر العظيم، هكذا أجلب أنا عليهم كل الخير الذي تكلَّمت به إليهم
»
(إر 37:32-42).

والرب هنا يُشجِّع بيت
يهوذا الراجعين من السبي. فكما أن تأديبات الرب لم يكن لها مَرَد، هكذا بركاته لا
رجوع فيها. لذلك وجب على شعبه أن يستريحوا على كفاية شخصه وأن يعتمدوا على ما هو
تعالى بالنسبة لهم فلا يخافوا. ونحن إذا تحققنا أن الله لنا يتبدَّد كل خوف كما
يقول الرسول بولس: «حتى إننا نقول واثقين: الرب مُعِينٌ
لي فلا أخاف. ماذا يصنع بي إنسانٌ
» (عب 6:13)، وكما يقول داود: «الرب نوري وخلاصي، ممن أخاف؟ الرب حصن حياتي، ممن أرتعب؟ .. إن
نزل عليَّ جيشٌ لا يخاف قلبي. إن قامت عليُّ حَرْبٌ ففي ذلك أنا مُطمئنٌّ
»
(مز 1:27-3).

وليس هكذا فقط، بل
يقدِّم النبي من كلمة الرب برهاناً على ذلك وهو أن غرض الرب الآن هو أن «يُحْسِن إلى أورشليم وإلى بيت يهوذا» لذلك عليهم ألا
يخافوا وأن يعتمدوا بكل ثقة ويقين على رضاه وبركته.


«هذه هي الأمور التي تفعلونها.
ليكلِّم كل إنسان قريبه بالحق. اقضوا بالحق وقضاء السلام في أبوابكم. ولا
يُفكِّرَن أحدٌ في السوء على قريبه في قلوبكم. ولا تحبوا يمين الزور. لأن هذه
جميعها أكرهها، يقول الرب
» (ع 16، 17).

يجب أن نعلم أن هذه
الصفات هي صفات المُبَارَكِين الراجعين إلى الأرض، وليست شروطاً، لأنه لو كانت
هناك شروط فستتبعها اللعنة مرة أخرى، إنما هذه هي ثمار نعمة الله وصدى محبته
وإحسانه لهم. فالأمة كانت قد أضاعت كل شيء وهي تحت المسئولية. لكن الله على أساس
موت المسيح بالبر سينفذ بالبر كل الخير الذي تكلَّم به نحو شعبه. غير أن النبي
يُذكِّر البقية في الأرض أن تمتعهم بالوعد المُعْطَى في الأعداد من 11-13 وتحقيق
رضى الله المرتبط بتنفيذ مقاصده من نحوهم، كل ذلك مُطابق لقداسته ومحبته ونعمته.

صحيح أن كل ما
سيُحَصَّل عليه هو بالنعمة، غير أن التمتع العملي بالبركات المكفولة في المسيح
يتوقف على الناحية العملية. وكأن النبي يريد أن يقول لهم: إن الله يريد أن
يُبارككم ويجب عليكم أن تتحلُّوا بصفات الذين يُبارِكهم الله. وهذه التحريضات
العملية تؤثر على علاقاتهم المُتبادلة، فعليهم أن يتكلموا بالحق كل واحد مع الآخر
كما يقول الرسول: «لذلك اطرحوا عنكم الكذب، وتكلَّموا
بالصدق كل واحد مع قريبه
» (أف 25:4) وعليهم أن يقضوا قضاء الحق والسلام في
أبوابهم لأن صنع العدل والحق هو أبداً سلام «ويكون
صُنْعُ العدل سلاماً، وعَمَلُ العدل سُكوناً وطُمأنينة إلى الأبد
» (إش
17:32) وعليهم ألا يفكروا بالسوء كل واحد مع أخيه. والواقع أنهم لن يفعلوا هكذا
إلا إذا كانوا يُحبُّون إخوتهم كما يحبون أنفسهم كما يقول الرسول بولس: «المحبَّة لا تصنع شراً للقريب» (رو 10:13). وعليهم أن
يمتنعوا عن الأقسام الباطلة، وقد سبق النبي وأعلن أن اللعنة تدخل بيت الحالف باسم
الرب زوراً وتبيت في وسط بيته وتفنيه مع خشبه وحجارته (زك 4:5).

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ع عكر ر

وخُلاصة القول يجب على
الذين يُريدون التمتع بالبركة أن يكونوا في شركة مع فكر الرب تجاه هذه الأمور وأن
يُبغضوا الشرور لأنها مكروهة من الرب كما يتضح من قول المُرَنِّم: «يا رب مَنْ ينزل في مسكنك؟ مَنْ يسكن في جبل قدسك؟ السالك
بالكمال، والعامل الحق، والمُتكلِّم بالصدق في قلبه. الذي لا يشي بلسانه، ولا يصنع
شراً بصاحبه، ولا يحمل تَعييراً على قريبه. والرَّذِيل مُحتَقَرٌ في عينيه،
ويُكْرِم خائفي الرب. يَحْلِف للضرر ولا يُغَيِّر .. الذي يصنع هذا لا يتزعزع إلى
الدهر
» (مز 15).


«وكان إليَّ كلام رب
الجنود قائلاً: هكذا قال رب الجنود: إن صوم الشهر الرابع وصوم الخامس وصوم السابع
وصوم العاشر يكون لبيت يهوذا ابتهاجاً وفرحاً وأعياداً طيبة. فأحِبُّوا الحق
والسلام
» (ع 18، 19). 

من هنا يبدأ القسم
الثاني من الأصحاح، ويبدأ بهذه العبارة: «وكان إليَّ
كلام رب الجنود قائلاً
» وهي نفس العبارة التي بدأ بها القسم الأول من
الأصحاح. وهنا يعود الرب فيُعطِي النبي رسالة أخرى يبدأها بما يتعلَّق بالأصوام.
لقد أجاب الرب في الأصحاح السابع عن الأصوام، وكان رد الرب رداً سلبياً، حيث أوضح
لهم أن صومهم لم يكن صوماً للرب بل كان في حالة المظاهر الشكلية. أما هنا فيُعطي
الرب الجواب الإيجابي المُطابق لفكره من نحو البركة، وهو تحويل هذه الأصوام إلى
أعياد وأفراح وابتهاج. وهذه الأصوام جميعها كان لها صلة بحصار أورشليم وخرابها كما
نرى على النحو التالي:

1-
صوم الشهر الرابع:

 يُشير إلى حصار أورشليم الثاني بواسطة نبوخذنصر، وفتح أبوابها له، أي أنه في
هذا الشهر أُخِذَت المدينة «وفي السنة الحادية عشرة
لصدقيا، في الشهر الرابع، في تاسع الشهر فُتِحَت المدينة. ودخل كل رؤساء ملك بابل
..
» (إر 2:39،3).

2-
صوم الشهر الخامس:

 يُشير إلى حرق المدينة والهيكل كما نرى في سفر الملوك الثاني «وفي الشهر الخامس، في سابع الشهر، وهي السنة التاسعة عشرة
للملك نبوخذنصر ملك بابل، جاء نَبُوزَرَادَان رئيس الشرط عَبْد مَلِك بابل إلى
أورشليم، وأحرق بيت الرب وبيت المَلِك، وكل بيوت أورشليم، وكل بيوت العظماء
وأحرقها بالنار
» (2مل 8:25-10).

3-
صوم الشهر السابع:
يُشير إلى
قتل جدليا بن أخيقام بن شافان حاكم الأرض كما هو مذكور في سفر الملوك الثاني «وفي الشهر السابع جاء إسماعيل بن نثنيا بن أليشمع من النسل
الملكي، وعشرة رجال معه وضربوا جدليا فمات ..
» (2مل 25:25).

4-
صوم الشهر العاشر:

 يُشير إلى الحصار الأول الذي حُوصرت فيه أورشليم كما نرى في سفر إرميا «وفي السنة التاسعة لملكه، في الشهر العاشر، في عاشر الشهر، جاء
نبوخذنصر ملك بابل هو وكل جيشه على أورشليم ونزلوا عليها وبنوا أبراجاً حواليها. فدخلت
المدينة في الحصار إلى السنة الحادية عشرة للملك صدقيا
» (إر 4:52،5).

فكل هذه الأيام كانت
تحمل لليهودي تذكارات حزينة تُعِيد إلى ذهنه، ليس فقط النكبات القومية، بل أيضاً
غضب الرب. فمُمارستهم لهذه الأصوام كانت دليلاً على الحزن والألم، كما يعترفون على
أن كثيرين منهم كان قد أعياهم الصوم وطلبوا جَوَاباً من الرب. ورأينا إجابة الرب
لهم في الأصحاح السابق، تلك الإجابة التي كشفت لهم عن التأديبات المُرعبة التي
أصابت الأمة، وفي الوقت ذاته وضع الرب قدامهم شرط البركة. أما هنا في هذا الأصحاح
فنرى الرب له المجد يبعث إليهم بزكريا ليقول لهم إنه سيأتي الوقت الذي ستصير فيه
كل الأصوام فرحاً وبهجة وأعياداً طيبة. صحيح أن هذا الوقت لم يكن قد جاء بعد، لكنه
آتٍ بكل يقين، وإلى أن يأتي، يجب أن يكون الصوم تعبيراً صحيحاً عن حالتهم. لكن في
ذلك الوقت سوف يُعطيهم الرب «جَمَالاً عِوضاً عن الرماد،
ودُهن فرح عِوضاً عن النوح، ورداء تسبيح عِوضاً عن الروح اليائسة
» (إش
3:61). كان الفريسيون في أيام الرب له المجد قد اشتكوا من أن تلاميذه لا يصومون
فأجابهم الرب بأنهم لا يقدرون أن يصوموا والعريس معهم ولكن متى رُفِع عنهم العريس
فحينئذ يصومون في تلك الأيام (مت 14:9،15). هكذا مع اليهود، فقد كان الصوم تعبيراً
صادقاً لحالتهم ما دام الرب لم يرجع في مجده ليسكن مرة أخرى في أورشليم، غير أن
ذلك الوقت سيأتي وعند ذلك، وليس قبل ذلك، سوف تتحوَّل أصوامهم إلى أعياد وبهجة
وتسبيح.

ÿ  «فأحبُّوا
الحق والسلام
». يلاحظ أن الأولوية في هذا التحريض ليست للسلام، بل للحق.
نعم في اتباع الحق ومحبة الحق ضمان لكل بركة حقيقية دائمة لجميع التدابير.

وهذا الترتيب الإلهي
جميل لأنه ليس في سبيل السلام أضحى بالحق، لكن الحق أولاً ثم نتبع السلام في طريق
الحق. صحيح أن أولئك اليهود لم يعيشوا حتى يروا أصوامهم وقد تحوَّلت أعياداً غير
أن سبيل البركة في رضى الله هو دائماً في محبة الحق والسلام.


«هكذا قال رب الجنود:
سيأتي شعوب بعد، وسكان مدن كثيرة.  وسكان واحدة يسيرون إلى أُخرى قائلين:
لنذهب ذهاباً لنترضَّى وجه الرب ونطلب رب الجنود. أنا أيضاً أذهب. فتأتي
شعوب كثيرة وأمم قوية ليطلبوا رب الجنود في أورشليم، وليَترَضَّوا وجه الرب
» (ع 20-22).

نرى هنا البركة الشاملة
التي ستصاحب رجوع الرب إلى شعبه، فسيتمتعون بالبركة تحت حكم مسيحهم. وفي هذه
الحالة لا بد أن يصيروا واسطة بركة لكل سكان الأرض. والهيكل الذي سيعود الرب
ويبنيه سيصبح مركز جاذبية لكل الشعوب فيذهبون مُسرعين وباستمرار ليطلبوا وجه الرب
ويُصلُّوا قدام الرب.

كانت بيت إيل القرية
الصغيرة قد أرسلت رجالاً ليُصلُّوا قدام الرب (زك 2:7) وقد اتخذ النبي هذا الحادث
ظلاً للوقت الذي سوف يكون فيه بيت الله بيت الصلاة لكل شعوب الأرض كما نرى في
الشواهد الآتية:

É«يا سامع الصلاة، إليك يأتي كل بشر»
(مز 2:65).

É«آتي بهم إلى جبل قدسي، وأُفرِّحُهم في
بيت صلاتي، وتكون مُحْرَقَاتهم وذبائحهم مقبولة على مذبحي، لأن بيتي بيت الصلاة
يدعى لكل الشعوب
» (إش
7:56).

É«ويكون أن كل الباقي من جميع الأمم الذين
جاءوا على أورشليم، يصعدون من سنة إلى سنة ليسجدوا للملك رب الجنود وليُعيِّدوا
عيد المَظَال
» (زك
16:14).

ففي ذلك الوقت سوف تذهب
بعثات مثل التي أرسلتها بيت إيل وتتقدَّم من مدن كثيرة إلى بيت الرب في أورشليم
لأن جميع الأمم في ذلك اليوم ستعترف بالمسيح مَلِكَاً عليهم، وبأنفسهم عبيداً له.
والذهاب إلى أورشليم سيكون من أهم مظاهر العصر الألفي ويُعتبر ذهاباً مباركاً
ومفرحاً ليتمتَّعوا بعبادة الرب المَلك ويتحدوا في التسبيح لاسمه كما هو مكتوب «ويكون في آخر الأيام أن جبل بيت الرب يكون ثابتاً في رأس
الجبال، ويرتفع فوق التلال، وتَجري إليه كل الأمم. وتسير شعوب كثيرة، ويقولون
هلُمَّ نصعد إلى جبل الرب، إلى بيت إله يعقوب، فيعلِّمنا من طرقه ونسلك في سبله
»
(إش 2:2؛ مي 1:4،2).


«هكذا قال رب الجنود:
في تلك الأيام يُمسك عشرة رجال من جميع ألسنة الأمم يتمسكون بذيل رجل يهودي
قائلين: نذهب معكم لأننا سمعنا أن الله معكم
» (ع 23).

في وقت السبي كان
اليهود مُحتَقرِين ومكروهِين ومُضطهدِين، ولذلك نرى هنا تشجيع الرب للراجعين من
السبي بالرجاء المستقبل حين يَرَدّ الرب البقية إلى شخصه وعبادته، عندئذ يتم
القول: «وبنو الذين قهروك يسيرون إليك خاضعين، وكل الذين
أهانوك يسجدون لدى باطن قدميك، ويدعونك: مدينة الرب
» (إش 14:60). وهكذا نرى
هنا أن الشعب عندما يباركه الرب يصبح موضوع إعجاب الأمم الذين يَودُّون أن يساهموا
في البركة التي سمعوا عنها كما نراهم مُمَثَّلين في العشرة الرجال الذين
يتمسَّكُون بذيل (أو قميص) اليهودي؛ وهم بذلك يأخذون مركز الخضوع «نذهب معكم لأننا سمعنا أن الله معكم». فالأخبار أو
الشهادة التي خرجت لتقول إن الرب قد ظهر لشعبه فإنه ساكن معهم تصبح ذات أثر فعَّال
في جذب الآخرين إلى مركز حضوره تبارك اسمه. والشيء نفسه كثيراً ما نراه الآن في
الكنيسة بطريقة أو بأخرى فحينما يوجد عمل حقيقي للروح القدس في المُجتمعين باسم
الرب ويتجلَّى حضوره الإلهي في وسطهم نرى الآخرين وقد اجتذبتهم الرغبة في قلوبهم
ليشاركوا في البركة (انظر 1كو 25:14). فإنه لا توجد في الواقع شهادة أقوى من تلك
التي تُعْلِن بأدلة واضحة لا تُخطئ أن الرب مع شعبه.

 

كلمة
رجعت تفيد المضارع المستمر؛ أي أنا راجع.

كلمة
أسكن تفيد المستقبل.

أو
شوارع حسب الترجمة الإنجليزية.

يجب عدم الخلط بين
التدابير بمعنى نقل هذا الوعد المُعطى للشعب الأرضي إلى المسيحية. ويجب أن ندرك
الفرق بين إسرائيل (الشعب الأرضي) والكنيسة (الشعب السماوي) حتى ينسجم التفسير.
ومن الخطأ أن نظن أن المرض دليل على انحطاط الحالة الروحية، فيوحنا يروم أن يكون
غايس ناجحاً وصحيحاً كما أن نفسه ناجحة (3يو 2) والرسول بولس يقول: «تروفيمس تركته في ميليتس مريضاً» (2تي 20:4) كما نراه
يوصي تيموثاوس أن يستعمل خمراً قليلاً من أجل معدته وأسقامه الكثيرة (1تي 23:5) وهو
نفسه كانت له شوكة في جسده للحيلولة بينه وبين الارتفاع بفرط الإعلانات (2كو
7:12).

أو
شوارع حسب الترجمة الإنجليزية.

يجب أن نفرِّق بين
البوق المذكور في إشعياء 13:27، متى 31:24 والبوق المذكور في كورنثوس الأولى
52:15، تسالونيكي الأولى 16:4. فالبوق المذكور في رسالتي كورنثوس وتسالونيكي بوق
خاص باختطاف الكنيسة وملاقاتها الرب في الهواء، أما البوق المذكور في نبوة إشعياء
وإنجيل متى فيختص برجوع الشعب عند ظهور الرب للمُلك. والمدة بين البوقين سبع سنين
وهي مدة الضيقة العظيمة التي تقع في أسبوع دانيال السبعين.

وجدير بالاعتبار أن
نلاحظ بهذه المناسبة لغة الرسول بطرس في رسالته الثانية (وهي مكتوبة أساساً
للمؤمنين من اليهود) حيث يقول: «إلى الذين نالوا معنا
إيماناً ثميناً مساوياً لنا، ببر إلهنا والمُخلِّص يسوع المسيح
» (2بط 1:1).

  أو لنذهب
مُسرعين أو لنذهب باستمرار.

أو لطلب وجه الرب أو
لنصلِ قدام الرب.

 

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي