الإصحَاحُ التَّاسِعُ

 
ينقسم هذا الأصحاح إلى ثلاثة أقسام هي:

1- الوحي على أرض حدراخ 
1-8)

2-
ملك السلام في صهيون
(ع 9-12)

3-
حوادث الغزو القريبة من أنطويوخوس أبيفانس، والبعيدة من ملك الشمال المستقبلي

13-17)

***

أولاً:
الوحي على أرض حدراخ
(ع 1-8)


«وحيُ كلمة الرب في أرض
حدراخ ودمشق مَحَلُّه. لأن للرب عين الإنسان وكل أسباط إسرائيل
» (ع 1).

بدأ الأصحاح الثامن
بعبارة «وكان كلام رب الجنود قائلاً»، أما هذا
الأصحاح فيبدأ بالقول: «وحيُ كلمة الرب» وسبب هذا
التغيير في التعبير هو أن الأصحاح السابق يتكلَّم عن الرجاء الأرضي والبركات
الأرضية، فيُريد الرب أن يؤكِّد أن هذا الرجاء يقيني. لكن هنا يقول: «وحي كلمة الرب» لأن كلمة «وحي»
تعني شيئاً ثقيلٌ وتَرِد في الغالب عندما يكون الكلام عن الدينونات. وكأن هذا
الكلام شيء ثقيلاً ينطق به الرب على بعض جهات معينة، وهذا نراه كثيراً في بقية
الأنبياء عندما نقرأ القول: «وحي من جهة موآب .. وحي من
جهة سعير
» وهكذا. أي أنه وحي عن دينونة قادمة.

ÿ«في أرض حدراخ ودمشق مَحَلُّه». يجب أن
تُقرأ هذه العبارة هكذا: "وحيٌ على أرض حدراخ ودمشق أو كلاهما".

وأرض حدراخ لا تَرِد
إلا في هذا الأصحاح، وكثير من المُفسرِّين احتاروا فيها، لكن وُجِد حديثاً في
الاكتشافات الأثرية في سوريا ألواح مكتوب عليها أسماء بعض البلاد التي كانت تحت
الجزية في أيام الأشوريين وأيام الكلدانيين ومن ضمن هذه البلاد أرض حدراخ وهي بلدة
تقع بجوار دمشق ما بين دمشق وحماة.

ÿ«لأن للرب عين الإنسان وكل أسباط
إسرائيل
».
يجب أن تُقرأ هذه العبارة هكذا: "لأن نحو الرب عين الإنسان وعين كل أسباط
".

وهي توضِّح لنا أن
إتمام هذه الأقوال إتماماً كاملاً سيكون في المستقبل عند استعلان الرب بالقوة.
لأنه في زمن الاسكندر الأكبر لم تكن كل أسباط إسرائيل موجودة بل السبطان يهوذا
وبنيامين فقط اللذان رجعا من بابل بأمر كورش الفارسي. أما الأسباط العشرة فهي للآن
لا تزال مُشتتة بين الأمم دون أن يصير اتجاه عيونهم نحو الرب لأن الوثنية لا تزال
مسيطرة تمام السيطرة على الأذهان. ثم أن هذه الأقوال لن تتم قبل إتمام الأحداث
التي سبق أن أشير إليها في الأصحاح الثامن (أعداد 20-23) التي ترينا أن سكان مدن
كثيرة سيذهبون مسرعين ليطلبوا وجه رب الجنود. وعلى أساس هذه العبارة نفهم أن عين
الإنسان في سوريا وفي فينيقية وفي فلسطين ستتجه إلى الرب، وكذلك عيون أسباط
إسرائيل جميعاً تتجه للرب.


«وحماة أيضاً
تُتاخمُِها، وصور وصيدون إن تكن حكيمةً جداً. وقد بَنَت صور حِصناً لنفسها،
وكَوَّمَت الفضة كالتراب والذهب كطين الأسواق. هوذا السيد يمتلكها ويضرب في البحر
قوتها، وهي تُؤكَل بالنار. تَرَى أشقلون فتخاف، وغزة فتَتَوَجع جداً، وعقرون. لأنه
يُخزيها انتظارها، والمَلِك يبيد من غزة، وأشقلون لا تُسْكَن. ويسكُن في أشدود
زَنيمٌ، وأقطع كبرياء الفلسطينيين. وأنزع دماءه من فمه، ورِجْسَه من بين أسنانه،
فيبقى هو أيضاً لإلهنا، ويكون كأميرٍ في يهوذا، وعقرون كيبوسيٍّ. وأحُلُّ حول بيتي
بسبب الجيش الذاهب والآئِب، فلا يعبر عليهم بعد جابي الجزية. فإني الآن رأيت
بعينيَّ
» (ع 2- 8).

يجب أن نعلم أن للنُبوة
في الغالب، إتماماً جزئياً وإتماماً كلياً نهائياً. وهناك أمثلة كثيرة على ذلك
نذكر منها:

(1)
في المزمور الثاني يتكلَّم الوحي عن ثورة الشعوب
والمُلوك والرؤساء على الرب وعلى مسيحه، وهذا تمَّ مبدئياً وجزئياً عندما اتفق
اليهود والأمم على صلب المسيح (أع 23:4-31). أما الإتمام الكلي فسيكون في النهاية
حين ينتصر الرب على جميع الأعداء بإهلاكهم والقضاء عليهم كما نجد ذلك في سفر
الرؤيا 26:2،27، 5:12، 14:17، 11:19-16.

(2)
 نبوة يوئيل الأصحاح الثاني التي تتكلم عن انسكاب
الروح القدس على كل بشر بعد تنقية الملكوت من المَعَاثِر وفَعَلَة الإثم. هذه
النبوة أيضاً تمت جزئياً في حلول الروح القدس على كل مؤمن، وليس على كل بشر، وبدون
توقيع القضاء على الأشرار، وذلك في يوم الخمسين (أع 16:2-21) ولكن إتمامها النهائي
حسب منطوق النبوة سيكون قبل المُلك الألفي.

وهكذا هذه الأعداد التي
أمامنا كان لها إتمام جزئي في أيام حملة الإسكندر حيث تم القضاء على دمشق، ثم على
يديه تَفَتَّتَت الإمبراطورية الفارسية بعد معركة إسوس، ثم سلمت بعد ذلك صيدون،
أما صور فقد أبادها بالتمام بعد حصار دام سبعة أشهر، أما غزة فقد هلكت بعد أن
قاومت في إصرار وعناد. أما الإتمام الكلِّي فسيكون مستقبلاً عندما يرجع الرب
ويُقيم مَلكوته على الأرض. والدليل على ذلك ثلاثة شواهد رئيسية في هذه الأعداد:

1-
الشاهد الأول في العدد الأول وهي عبارة «لأن نحو الرب عين الإنسان وكل أسباط إسرائيل» وسبق أن
تأملنا في هذه العبارة.

2-
الشاهد الثاني في العدد الثامن «وأحل حول بيتي .. » ولا يمكن أن تنصرف هذه العبارة إلى
أي معنى آخر غير حضور الرب فعلياً وتدخله شخصياً لحماية بيته ومسكنه من هجوم
العدو. صحيح أن أورشليم حصلت على نجاة عجيبة غير منتظرة من يد الإسكندر الأكبر غير
أنه وإن كانت أورشليم قد نجت بطريق العناية المعجزية لكن نجاتها لا تتمشى مع أقوال
هذه النبوة التي تتطلع إلى فترة لا تزال مستقبل، إلى الوقت الذي تنفذ فيه مطالب وحقوق
المسيح ابن داود وابن الإنسان على الأرض.

3-
الشاهد الثالث في العدد الثامن أيضاً في عبارة «فلا يعبر عليها جابي الجزية» وهذا لم يتم بعد أن رجعوا
من السبي، إنما يعلِّمنا الكتاب أنهم بعد أن رجعوا من السبي كانوا يدفعون الجزية
للإمبراطوريات التي استعبدتهم كما سألوا الرب يسوع هذا السؤال: «أيجوز أن تُعْطَى جزيةٌ لقيصر أم لا؟» (مت 17:22). فمتى
إذاً لا يَعبْر عليهم جابي الجزية؟ الجواب هو: يوم يملك عليهم الرب بالعدل والبر.

وفي هذه الأعداد نرى
ثلاث مجموعات وهي:

(1)
المجموعة الأولى:
تشمل حدراخ ودمشق وحماة، وهي في سوريا.

(2)
المجموعة الثانية:
تشمل صور وصيدون، في فينيقية جنوب لبنان.

(3)
المجموعة الثالثة:
 تشمل أشدود وغزة وأشقلون وعقرون، ولم تذكر
جت هنا لأنها كانت قد أُبيدت قبلاً، وهذه المدن في فلسطين.

وعلى هذه المجموعات الثلاث
جاء وحي الرب بالقضاء. وقد أتت على هذه المجموعات الثلاث نبوات كثيرة، كما وقعت
عليها ثلاث دينونات أوقعها كل من الأشوريين، والبابليين، واليونانيين، وبصفة خاصة
الإسكندر الأكبر، أما الدينونة الرابعة فستكون مستقبلة عند استعلان الرب بالمجد
والقوة.

أولاً:
الدينونة التي أوقعها الأشوريون على:

(‌أ)    
دمشق وحماة: دينونة
دمشق مذكورة في الملوك الثاني 9:16، إشعياء 5:7-7، 4:8، 9:10، 1:17-3. أما دينونة
حماة فنجدها في الملوك الثاني 34:18، 13:19، إشعياء 9:10، 19:36، 13:37.

(‌ب)   
 صور
وصيدون:

يذكر التاريخ أن شلمناصر الذي في عهده سُبي العشرة أسباط (أي مملكة إسرائيل التي
عاصمتها السامرة) قد أخضع في أثناء حكمه دمشق والشام وصور وفلسطين وفرض عليها
الجزية. وقد كتب على أحد الألواح بزهو وافتخار: "أنا هو المَلك الذي هزم جميع
أعدائه من المشرق إلى المغرب". ولقد جَرَّد هذا الملك ثلاث حملات حربية على
جيرانه الأشداء وكسر شوكتهم.

(‌ج)   
غزة وأشدود وأشقلون وعقرون: نجد
القضاء الأشوري عليها في إشعياء 1:20،6، عاموس 9:3، 2:6. 

ثانياً:
الدينونة التي أوقعها البابليون على:

(‌أ)    
دمشق وحماة: دينونة
دمشق نجدها في إرميا 23:49-27، أما دينونة حماة فنجدها في إرميا 5:39، 23:49،
9:52،27 بالإضافة إلى ما نجده في إرميا 15:25-25 عن اكتساح نبوخذنصر لكل هذه الدول
المجاورة.

(‌ب)   
 صور وصيدون: نجد القضاء
البابلي عليها في إشعياء 15:23-18، إرميا 22:25، 2:27-6، 4:47، حزقيال 7:26.

(‌ج)         
غزة وأشدود وأشقلون وعقرون: نجد القضاء
البابلي عليها مذكور في إرميا 20:25، 1:47-4.

ثالثاً:
الدينونة التي أوقعها اليونان:
وهي موضوع تأملنا في هذا الأصحاح.

رابعاً:
الدينونة المستقبلة التي سيُوقِعُها الرب نفسه:
لأن الأحداث الموصوفة
هنا لها صلة بالمستقبل حيث يكون الرب نفسه قد رجع إلى الأرض لكي يُقيم ملكوته.

والآن سنتكلَّم عن هذه
الأعداد بشيء من التفصيل.

ÿ«وحماة أيضاً تتاخمها». أي أن
حماة كان نصيبها القضاء يوم حملة الإسكندر على هذه البلاد وسيكون نصيبها القضاء
الإلهي هي ودمشق مستقبلاً.

ÿ  «صور
وصيدون وإن تكن حكيمة جداً. وقد بنت صور حصناً لنفسها
». إن صور
مثال للحكمة كما تقرأ في نبوة حزقيال «بحكمتك وبفهمك
حصلت لنفسك ثروة، وحصَّلت الذهب والفضة في خزائنك
» (حز 4:28). وقد بَنَت
صور لنفسها حصناً وهذا الحصن كان منيعاً جداً. قد وقع القضاء على صور على يد
نبوخذنصر كما هو واضح في نبوة إشعياء وحزقيال «لأنه هكذا
قال الرب: هأنذا أجلب على صُور نبوخذراصر ملك بابل من الشمال .. فيقتل بناتك في
الحقل بالسيف، ويبني عليك معاقل، ويبني عليك برجاً، ويقيم عليك مَترسة، ويرفع عليك
ترساً، ويجعل مَجانق على أسوارك، ويهدم أبراجك بأدوات حربه .. بحوافر خيله يَدُوس
كل شوارعك
» (حز 7:26-14). إلا أن الرب سمح وأعاد بناء صور مرة ثانية كما
نجد في نبوة إشعياء «ويكون من بعد سبعين سنة أن الرب
يتعهَّد صُور فتعود إلى أجرتها، وتزني مع كل ممالك البلاد على وجه الأرض
»
(إش 17:23). ولكن قضاء الرب على صُور بواسطة الإسكندر الأكبر لم تقم لها قائمة من
بعده. لقد ظنت أنها أبعد منالاً من كل يد، ولم تحسب حساباً ليد الرب، لذلك حاصرها
الإسكندر حصاراً منيعاً دام سبعة شهور، وبعد ذلك سقطت سقوطاً عظيماً سنة 332 ق.م.
وقد تم القول: «ويضرب البحر في قوتها» لأن
الإسكندر هدم حصنها الذي كان حصناً بحرياً منيعاً كما قضي على كل سفنها الحربية،
وبعد ذلك أحرقها بالنار كما هو مذكور هنا «وهي تؤكل
بالنار
».

وبعد ذلك سلَّمت صيدون،
وأقام الإسكندر عليها حاكماً عسكرياً.

ÿ«ترى أشقلون فتخاف، وغزة تتوجع جداً
..
».
أشقلون، وغزة، وعقرون، وأشدود، وجت، هي عواصم الفلسطينيين الخمس كما نقرأ في
صموئيل الأول 16:6،17 ولكن جت لم تُذْكَر هنا، ويبدو أن السبب هو أنها بعد أن سقطت
على يد عُزَّيا المَلك (2أخ 6:26) زال سلطانها ولم تقم لها قائمة. والقول: «تَرَى أشقلون فتخاف، وغزة فتتوجَّع جداً» قد تم، فحين
رأتا صور قد سقطت وهي معقل بري وبحري فريد في قوته وحكمته وثروته تأكدتا أنهما لا
بد أن تنهارا فخافتا جداً. ولكن ما هذا بالنسبة لما سيحدث بعد اختطاف الكنيسة كما
قال الرب يسوع: «على الأرض كَرْبُ أُمم بحَيْرَةٍ ..
والناس يُغْشَى عليهم من خوفٍ وانتظار ما يأتي على المسكونة
» (لو 25:21،26)؟
وفي ذكر مدن الساحل هنا بالتتابع إشارة إلى أن الإسكندر لازم الساحل في زحفه. وقد
تولى تأديب السامرة بعد رجوعه من مصر.

ولماذا يقول: «غزة تتوجَّع جداً»؟ لأنها قاومت خمسة شهور وقد أُبيد
فيها الملك، ثم نقرأ «ويسكن في أشدود زنيم».
وكلمة «زنيم» تُذكر هنا، وتذكر مرة أخرى في سفر
التثنية حيث نقرأ «لا يحلُّ لك أن تجعل عليك رجلاً
أجنبياً ليس هو أخاك
» (تث 15:17)، وأيضاً «لا
يدخل ابن زنى في جماعة الرب. حتى الجيل العاشر لا يدخل منه أحدٌ في جماعة الرب
»
(تث 2:23). فإن الزاني، أو الأجنبي لا يتسلَّط في البلاد. وقد حدث أن الإسكندر
الأكبر أقام في أشدود حاكماً أجنبياً لقمعها وإذلالها.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس أ أعمال 1

ÿ«وأقطع كبرياء الفسلطينيين». عن طريق
الإذلال بالحكم الأجنبي.

ÿ«وأنزع دماءه من فمه، ورجسه من بين
أسنانه، فيبقى هو أيضاً لإلهنا، ويكون كأميرٍ في يهوذا، وعقرون كيبوسيَّ
». والذي
يوضح لنا إتمام هذه النبوة مستقبلاً هذا العدد: «أنزع
دماءه من فمه، ورجسه (أي عبادة الأوثان) من بين أسنانه
». وعبارتا: «من فمه»، «ومن بين أسنانه»
ترجعان على الفلسطيني وليس على الزنيم، فيبقى هو أيضاً لإلهنا؛ أي أن بقية من
الفلسطينيين سترجع إلى الرب ويكون لها نصيب في مُلك الرب. وليس هذا فقط، بل يكون
الفلسطيني كأمير في يهوذا، أما العقروني فيكون كيبوسي. وأمير معناها: قائد ألف، أي
أن الفلسطيني التقي أو الأممي التقي الذي سيكون له نصيب في ملكوت المسيح الألفي
سيجعله الرب كرئيس من رؤساء يهوذا. «وعقرون كيبوسي»
أي أن التَقِي من عقرون سيسكن في أورشليم مع يهوذا كما سكن اليبوسيون قديماً مع
يهوذا في أورشليم، مع هذا الفارق أن اليبوسي قديماً غَلَب بسيفه «وأما اليبوسيون الساكنون في أورشليم فلم يقدر بنو يهوذا على
طردهم، فسكن اليبوسيون مع بني يهوذا في أورشليم إلى هذا اليوم
» (يش 63:15).
وبعضٌ من أولئك اليبوسيين آمنوا وعبدوا الرب مثل أرنان اليبوسي (2صم 16:24،25؛ 1أخ
20:21-26). وهذه البركة ليست من نصيب الفلسطيني فقط، بل من نصيب كل الأمم إذا
سيؤمنون ببشارة الملكوت بعد اختطاف الكنيسة، ما عدا المسيحيين بالاسم الذين رفضوا
بشارة النعمة في التدبير الحاضر. والمؤمنون من الأمم هم المُكْنَي عنهم بالخراف في
دينونة الأحياء المذكورة في متى 31:25-40 كما نقرأ أيضاً عن البركة لهذه الشعوب في
نبوة إشعياء «ويكون في ذلك اليوم أن السيد يُعِيد يده
ثانية ليقتني بقية شعبه، التي بقيت، من أشور، ومن مصر، ومن فتروس، ومن كوش، ومن
عيلام، ومن شنعار، ومن حماة، ومن جزائر البحر .. وتكون سِكَّة لبقية شعبه التي
بقيت من أشور، كما كان لإسرائيل يوم صعوده من أرض مصر
» (إش 11:11،16)،
وأيضاً «في ذلك اليوم تكون سِكَّة من مصر إلى أشور،
فيجيء الأشوريون إلى مصر والمصريون إلى أشور، ويعبد المصريون مع الأشوريين. في ذلك
اليوم يكون إسرائيل ثُلثا لمصر ولأشور، بركة في الأرض، بها يُبارِك رب الجنود
قائلاً: مباركٌ شعبي مصر، وعمل يدي أشور، وميراثي إسرائيل
» (إش 23:19-25).

ÿ«وأحلُّ حَوْل بيتي بسبب الجيش الذاهب
والآئب
».
التطبيق الجزئي القريب لهذه النبوة خاص بالإسكندر الأكبر، حيث أن أورشليم نجت
بطريق العناية المعجزية، كما يذكر يوسيفوس المؤرخ المشهور، وهذه هي روايته: "
جاء إلى الشام
(أي الإسكندر الأكبر) ففتح مُدن الساحل، وجاء قاصداً أورشليم ليحارب اليهود من أجل
طاعتهم لداريوس، فلما سار في بعض الطرق رأى رجلاً مهيباً لابساً ثياباً بيضاء
وبيده سيف مثل البرق الساطع وهو يشير به إليه كأنه يريد قتله، ففزع الإسكندر وعلم
أن ذلك الشخص ملاك مُرسل من الله. فسقط على وجهه وسجد وقال: يا سيدي لماذا تقتل
عبدك؟ فقال له: لأنك تريد أن تمضي إلى القدس لتُهلِك كهنة الله، وأنا هو الملاك الذي
أرسلني الله لنُصرتك على الملوك والأمم فيكفيك الآن .. وإذا وصلت إلى أورشليم
ورأيت رجلاً مهيباً لابساً ثياباً بيضاء يشبه منظري فانزل عن فرسك وخِرَّ له
ساجداً واقبل جميع ما يأمرك به ولا تخالفه لأنك إن خالفته هلكت ..
".
[تاريخ يوسيفوس 26،27].

هذا هو التطبيق القريب
الجزئي الذي حدث أيام الإسكندر الأكبر.

أما التطبيق الكُلِّي
فسيكون مستقبلاً؛ والدليل على ذلك أن أنطيوخوس أبيفانوس اليوناني دنَّس هذا الهيكل
الذي بُني في أيام زكريا، إذ أصعد على مذبحه خنزيرة وذلك قبل الميلاد، ثم بعد ذلك
جاء تيطس الروماني في سنة 70 م وأخربه وأحرقه إتماماً لقول الرب: «هوذا بيتكم يُتْرَك لكم خراباً» (مت 28:23). والهيكل
الذي سيُبنى بعد اختطاف الكنيسة سيُخرَّب بواسطة ملك الشمال بسبب قيام رجسة الخراب
فيه؛ التي هي العبادة الوثنية، وقد سبق وأوضحنا ذلك. لكن متى يحل الرب حول بيته؟
الجواب: يوم يكون البيت بيته بالمعنى الصحيح، يوم يبنيه هو بنفسه، كما سبق وأوضحنا
ذلك في الأصحاح السادس، يوم يكون هو «وحده واسمه وحده»،
والعبادة له وحده (زك 14)، عند ذلك لن يقوى عليه أحد. ولتوضيح ذلك نقول إن الأشوري
أو ملك الشمال سوف يهجم على أورشليم ويُخرِّب الهيكل وينزل إلى مصر وسيكون ذلك
الغزو الأول قبل ظهور الرب ومعه القديسون، ولكن بعد رجوعه من مصر يكون الرب قد ظهر
بالمجد وقبض على الوحش والنبي الكذاب. فيحاول ملك الشمال أن يأسر المدينة المقدسة
لكن الرب -يكون في هذا الوقت هناك كما سنرى عندما نصل إلى الأصحاحات من 12-14-
سيقبض عليه ويقضي على حلفائه كما يصف المُرَنِّم ذلك «لما
رأوا بُهِتُوا، وارتاعوا، فروا. أخذتهم الرِّعدة هناك، والمَخَاض كوالدة
»
(مز 5:48،6).

ونلاحظ أنه ليس ملاك
الرب، بل الرب نفسه هو الذي سوف يحل حول بيته وشعبه ويخلصهم إلى الأبد من
مُضايقيهم.

ÿ«فلا يعبر عليهم جابي الجزية». متى يكون
هذا؟ لقد دفعوا الجزية للإمبراطوريات التي استعبدتهم (مت 17:22)، لكن عندما يملك
عليهم الرب بالعدل والبر حينئذ يُصبحون أحراراً بالحقيقة وليس كما ادعوا قديماً
وهم تحت النير الروماني حين قالوا للرب: «إننا ذرية
إبراهيم، ولم نُستعبَد لأحد قط!
» (يو 33:8).

ÿ  «فإني
الآن رأيت بعينيَّ
». ونفهم منه كما لو أن الرب نزل ليشاهد حالة
شعبه، كما نقرأ في سفر التكوين أنه نزل لينظر المدينة والبرج اللذين كان بنو آدم
يبنونهما (تك 5:11)، فإذ يرى الرب كيف أزعجهم العدو الشمالي، يُشفق عليهم ومن
ثَمَّ يتدخل بنفسه ويتولى الدفاع عنهم ويتكفل بخلاصهم «عَجَّت
الأمم. تزعزعت الممالك. أعطى صوته، ذابت الأرض. رب الجنود معنا. ملجأنا إله يعقوب
»
(مز 6:46،7).

ثانياً:
مَلك السلام (ع 9-12)


«ابتهجي جداً يا ابنة
صهيون، اهتفي يا بنت أورشليم. هوذا ملكك يأتي إليك. هو عادل ومنصورٌ
وديعٌ. وراكب على حمارٍ وعلى جحش ابن أتان
» (ع 9).

«صهيون» معناها الصخرة، وكانت حصناً في أورشليم
لليبوسيين سكان الأرض، وقد أخذ داود منهم هذا الحصن وأسماه: «مدينة داود» (2صم 6:5-9).

وجبل صهيون في الكتاب يُشير
إلى أمرين:

1-
جبل النعمة بالمقابلة مع جبل سيناء الذي يُشير إلى
الناموس؛ وهذا ما يذكره الرسول بولس في رسالة العبرانيين (18:12-22).

2-
جبل المُلك كما هو مذكور في المزمور الثاني «أما أنا فقد مَسَحُت مَلَكِي على صهيون جبل قُدْسِي»
(مز 6:2).

وأورشليم معناها مدينة
السلام وهي المدينة التي بها حصن صهيون أو مدينة داود وتسمَّى أورشليم أيضاً «مدينة المَلِك العظيم» (مز 2:48).

والمقصود «بابنة صهيون» و«بنت أورشليم»
هنا هو ذلك الشعب.

وهذه النبوة أيضاً لها
تفسير قريب، وتفسير بعيد. فالتفسير القريب تم يوم دخل المسيح أورشليم. أما التفسير
البعيد فسيتم عندما يُسْتَعْلَن الرب كالمَلك ويحمل لها الخلاص من كل أعدائها.

وحادثة دخول الرب
أورشليم مذكورة في الأناجيل الأربعة ولكن على النحو التالي:

 
   
إنجيل
متى وإنجيل يوحنا يذكران الحادثة، ويذكران أن الاقتباس من نبوة زكريا، لكنهما
يذكران بعض كلمات دون الأخرى، وذلك بحكمة الروح القدس.

    
       
أما
إنجيل مرقس وإنجيل لوقا يذكران الحادثة دون ذكر الاقتباس من النبوة.

والنص كما يذكره إنجيل
متى هكذا: «قولوا لابنة صهيون: هوذا مَلِكُك يأتيك
وديعاً، راكباً على أتان وجحش ابن أتان
» (مت 5:21). وبذلك لا يذكر
العبارات: «ابتهجي جداً»، «اهتفي»، «عادل ومنصور».

أما عدم ذكر الابتهاج
والهتاف فيرجع إلى أن أورشليم لم تكن مُهيأة في ذلك اليوم للترحيب به قلبياً، لذلك
لم تهتف لقدومه في مجيئه الأول. صحيح أن الجميع أخذوا سُعُوف النخيل وخرجوا للقائه
وكانوا يصرخون: «أُوصَنَّا! مُبارَك الآتي باسم الرب!»
(يو 13:12). إلا أن حماسهم الوقتي هذا سرعان ما تبدَّد، إذ صاحوا في يومٍ لاحق
وقالوا: «اصلبه! اصلبه! .. فكانوا يَلجُّون بأصواتٍ
عظيمة طالبين أن يُصْلَب
» (لو 22:23،23)، وأيضاً «ولكن
اليهود كانوا يصرخون قائلين: إن أطلقت هذا فلست مُحِبَاً لقيصر
» (يو
12:19). لكن الهتاف والابتهاج سيكونان عند مجيء المسيح ليملك عليهم كما قال لهم: «لأني أقول لكم: إنكم لا ترونني من الآن حتى تقولوا: مُبارَكٌ
الآتي باسم الرب!
» (مت 39:23) وهذا ما نجده في القول: «هذا هو اليوم الذي صنعه الرب، نبتهج ونفرح فيه. آه يا رب
خلِّص! آه يا رب أنقذ! مُباركٌ الآتي باسم الرب
» (مز24:118-26). فكلمة
هوشعنا أو أُوصنَّا معناها: يا رب خلِّص؛ وذلك عندما يأتي كالمَلك الذي يُخلِّصهم،
وهذا سيتم عند استعلانه بالمجد والقوة، وعندئذ يفرحون ويبتهجون ويقولون: «مُبارَكٌ الآتي باسم الرب». أما إغفال كلمتي «عادل ومنصور» فيرجع إلى أن المسيح لم يدخل أورشليم في
ذلك اليوم كمَنْ يحكم بالعدل بل بالنعمة، لأنه لو كان دخلها كالعادل لقضى على
الأعداء، لكنه لم يفعل ذلك. ولم يدخلها بصفته المنصور أي الذي يحمل لها الخلاص من
أعدائها لأنه لم يفعل ذلك حينئذ، ولكنه سيفعله مستقبلاً. فعندما دخل المدينة حينئذ
لم يدخلها لكي يملك، والدليل على ذلك أنه بَكَى على المدينة «وفيما هو يقترب نظر إلى المدينة وبَكَى عليها قائلاً: إنك لو
علمت أنت أيضاً، حتى في يومك هذا، ما هو لسلامك! ولكن الآن قد أُخفي عن عينيك.
فإنه ستأتي أيام ويُحيط بك أعداؤك بمترسة، ويُحْدِقُون بك ويُحاصرونك من كل جهة،
ويهدمونك وبنيك فيك، ولا يتركون فيك حجراً على حجر، لأنك لم تعرفي زمان افتقادك
»
(لو 41:19-44).  فقد بَكَى الرب لأنه رأى سيف القضاء أمامها ورأى جيوش تيطس
الروماني وهي تُحاصرها للخراب، وقد خَرِبَتْ فعلاً، وخَرُِبَ هيكلها وتَشَتَّت
الشعب. فهل هذا هو وقت المُلك؟!

ولكن عندما يأتي الرب
للمُلك سيظهر ويُخلِّص أورشليم من كل الأعداء وسيكون عادلاً لأنه سيُقيم ملكوت
البر والعدل، ومنصوراً لأنه سيحمل الخلاص لشعبه وهذا ما تتكلَّم عنه الأصحاحات من
12 إلى 14 من هذا السفر.

أما إنجيل يوحنا فيذكر
النص هكذا: «لا تخافي يا ابنة صهيون. هوذا مَلِكُك يأتي
جالساً على جحشٍ أتانٍ
» (يو 15:12) فلا يذكر صفة الرب كالوديع ولا صفته
كالعادل والمنصور، وسبب ذلك أن إنجيل يوحنا لا يتكلم عن المسيح كابن الإنسان، إنما
يتكلم عنه كالله والابن الأزلي، والمسيح كان في مجيئه الأول وديعاً، وعندما يأتي
ثانية كالعادل والمنصور سيأتي كالإنسان الذي يُسْتعْلَن بمجده ويضع قدميه على جبل
الزيتون فيَّنْشَق، وعندما يجلس على كرسي مجده لكي يدين الشعوب فسيجلس كابن
الإنسان أيضاً.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ص صاحب القضاء 1

وإلى هذا المجيء بالمجد
والقوة يتجه النبي بسرور وابتهاج ويطلب من ابنة صهيون وبنت أورشليم أن تفرح وتبتهج
لأنه سيأتي لها بالخلاص وحينئذ تتهيأ للخضوع له كمَلِك المجد قائلة: «ارفعن أيتها الأرتاج رؤوسكن، وارتفعن أيتها الأبواب
الدَّهْريَّات، فيدخل ملك المجد. مَنْ هو هذا ملك المجد؟ الرب القدير الجبَّار،
الرب الجبَّار في القتال ..
» (مز 7:24-10).

ولنلاحظ القول: «مَلككِ» فهو لا يقول "هوذا ملك"، بل «هوذا مَلكك» أنت بالذات، المَلك الموعود به منذ القديم
الذي طالما انتظروه فهو الذي قيل عنه: «أما أنا فقد مسحت
ملكي على صهيون جبل قدسي
» (مز 6:2)، وسيأتي ليجلس على كرسي داود أبيه ويملك
على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لمُلكه نهاية (لو 32:1؛ إش 6:9،7).

وبعد ذلك يتحدث النبي
عمَنْ هو المسيح في ذاته وعن كيفية مجيئه. وهذا يذهب ببصرنا إلى ربنا عندما جاء
بالجسد، فالوداعة التي كانت في سيدنا حقيقة يعرفها الجميع. غير أننا عُرْضَة أن
ننسى أن الوداعة صفة ثابتة في الرب كالإنسان وليست انطباعة مؤقتة أملتها ظروف
أحزانه عندما كان هنا بالجسد على الأرض ليفعل مشيئة الله. نعم، فإن الوداعة في
سيدنا هي كمال من كماله الإنساني، سواء كإنسان عاش في الأرض، أو كالإنسان
المُمَجَّد عن يمين الله، أو في ظهوره لإسرائيل كمسيحهم، ولذلك لن يخافوا منه أو
يهربوا من محضره. إنه بهذه الصورة الحلوة يتقدم لشعبه المسكين يوم يأتي لخلاصهم.

ولنلاحظ القول هنا: «وراكبٌ على حمار وعلى جحش ابن أتان» صحيح كما نفهم من
سفر القضاة أن أبناء القضاة كانوا يركبون على الحمير (قض 4:10)، لكن لسنا نجد
حادثاً واحداً لمَلِك يركب على أتان سوى ذلك الذي مملكته ليست من هذا العالم. يا
له من تواضع!! لكن في مجيئه الثاني بالمجد والقوة سوف لا يكون كذلك، بل سوف يقتحم
الأعداء بفرس جلاله «وبجلالك اقتحم. اركب. من أجل الحق
والدعة والبر، فتُريك يمينك مخاوف. نبلك المسنونة في قلب أعداء الملك. شعوب تحتك
يسقطون
» (مز 4:45،5). وكما يذكر عنه سفر الرؤيا «ثم
رأيت السماء مفتوحة، وإذا فرسٌ أبيض والجالس عليه يُدعَى أميناً وصادقاً، وبالعدل
يحكم ويحارب
» (رؤ 11:19).

ÿ  «على
حمار وعلى جحش ابن أتان
». تذكر لنا أناجيل مرقس ولوقا ويوحنا أن المسيح
لم يجلس إلا على الجحش فقط (مر 7:11؛ لو 35:19؛ يو 14:12) ذلك الجحش الذي لم يجلس
عليه أحد قبله، لأنه تبارك اسمه، لا بد أن يكون متقدماً في كل شيء لذلك ركب على
جحش لم يركبه أحد قبله (مر 2:11). ودُفِنَ في قبر لم يُدْفَن فيه أحد قبله (يو
14:19). وقام قيامة لم يسبقه فيها أحد لأنه «باكورة
الراقدين
» (أع 23:26؛ 1كو 20:15). ودخل إلى ما داخل الحجاب حيث لم يدخل أحد
قبله (عب 19:6،20).

أما إنجيل متى فيذكر «وأتيا (التلميذان) بالأتان والجحش، ووضعا عليهما ثيابهما فجلس
عليها
» (مت 7:21). وهذا من باب إطلاق الكل على الجزء كعادة العبرانيين في
مناسبات كثيرة، أي يستعمل المُثنَّى في مكان المفرد. أما لماذا أمر المسيح
باستحضار الأتان مع ابنها؟ فهذا دليل على أن الجحش صغير وراء أمه ولم يركب عليه
أحد، ومن عطف الرب أمر أن تكون الأتان بجانبه لكي يهدأ ويُتمِّم هذه الخدمة.


«وأقطع المركبة من
أفرايم والفرس من أورشليم وتُقطع قوس الحرب. ويتكلم بالسلام للأمم، وسلطانه من
البحر إلى البحر، ومن النهر إلى أقاصي الأرض
» (ع 10).

سبق وأن أوضحنا في العدد
التاسع أن هذه النبوة لها إتمام جزئي قريب وإتمام كلي مستقبلي، وهذا العدد مرتبط
كنتيجة العدد السابق، فقطْعُ المركبة والتكلمُ بالسلام سيتم عند ظهور الرب بالمجد
والقوة.

ونرى في هذا العدد ثلاث
حقائق هامة هي:

1-
دخول أفرايم مع يهوذا في هذا الأصحاح. أفرايم كناية عن
الأسباط العشرة التي سُبيت إلى أشور ولم ترجع، ولن ترجع إلا مستقبلاً عندما
يُرْسِل الرب ملائكته لكي يجمع مُخْتَارِيه من أربع أقاصي الأرض (مت 31:24). أما
أورشليم فهي كناية عن سبطي يهوذا وبنيامين، وتُعْرَف بمملكة يهوذا التي سُبيت إلى
بابل ورجع بعض منهم عندما أطلق كورش النداء. إذاً فهذه النبوة تنصرف إلى المستقبل
إلى ما بعد اختطاف الكنيسة. عند نهاية أسبوع الضيق، وقُبَيْل المُلك حين يرجع
الأسباط العشرة مع السبطين ويكونون مملكة واحدة للرب في الأرض (حز 15:37-24).

2-
نزع الثقة الزائفة من شعبه. فالشعب في ذلك اليوم سوف
يتعلَّم أن الله هو كل شيء لهم وأنهم في ذواتهم ليسوا شيئاً على الإطلاق فهو
ملجأهم وقوتهم وفي هذا المعنى يقول ميخا: «ويكون في ذلك
اليوم، يقول الرب، أني أقطع خيلك من وسطك، وأُبيد مركباتك
» (مي 10:5)، وكما
يقول هوشع: «وأُخلِّصهم بالرب إلههم، ولا أُخلِّصهم
بقوسٍ وبسيفٍ وبحربٍ وبخيلٍ وفرسانٍ
» (هو 7:1). وإذ يتعلمون الثقة في الرب
يقولون: «هؤلاء بالمركبات وهؤلاء بالخيل، أما نحن فاسم
الرب إلهنا نذكر. هم جثوا وسقطوا، أما نحن فقمنا وانتصبنا
» (مز 7:20،8)،
وأيضاً«مُسِّكِن الحروب إلى أقصى الأرض. يَكسر القوس
ويقطع الرمح. المركبات يُحرقها بالنار
» (مز 9:46).

3-
نتيجة لخلاص شعب الرب، عن طريق تداخله وحده دون تدخل
الإنسان أو مجهود منه، يتكلم الرب بالسلام للأمم ويمتد سلطانه «من البحر إلى البحر، ومن النهر إلى أقاصي الأرض»، وهذه
صورة لسلطان المسيح الشامل في ملكوته كما يقول المرنم: «يُشْرِق
في أيامه الصدِّيق، وكثرة السلام إلى أن يضمحل القمر. ويملك من البحر إلى البحر،
ومن النهر إلى أقاصي الأرض .. ويسجد له كل الملوك. كل الأمم تتعبد له .. يكون اسمه
إلى الدهر. قدام الشمس يمتد اسمه، ويتبارَكُون به. كل أمم الأرض يُطوِّبُونَه .. ومبارَك
اسم مجده إلى الدهر، ولتمتلئ الأرض كلها من مجده. آمين ثم آمين
» (مز
7:72-19).


«وأنت أيضاً فإني بدم
عهدك قد أطلقت أسراك من الجب الذي ليس فيه ماءٌ
» (ع 11).

ÿ«وأنت أيضاً». أي إذا
كان فرح وعز وسلامٌ وبركة للأمم فبالأولى أنت أيضاً لأن البركة هي لها أصلاً والأمم
سيتبارَكُون معها (انظر رو 11:11-31).

ÿ  «فإني
بدم عهدك
». نجد هنا أساس المُلك وأساس المجد، وهو دم العهد، فالشعب
سيأخذ العهد الجديد على أساس الدم الذي سُفك.

لقد كان لهذا الشعب عهد
سابق، كما نقرأ في سفر الخروج «فأخذ موسى نصف الدم ووضعه
في الطسوس. ونصف الدم رشه على المذبح. وأخذ كتاب العهد وقرأ في مسامع الشعب،
فقالوا: كل ما تكلم به الرب نفعل ونسمع له. وأخذ موسى الدم ورش على الشعب وقال:
هذا هو دم العهد الذي قطعه الرب معكم على جميع هذه الأقوال
» (خر 6:24-8).
هذا هو دم العهد الأول الذي كانت نتيجة الموت لأنهم لم يحفظوا الناموس. أما العهد
الجديد فهو ليس على أساس الناموس لكن الرب يتدخل لخلاص شعبه على أساس دمه الكريم.
وفي هذا يقول ربنا نفسه وهو يعطي الكأس لتلاميذه: «لأن
هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يُسْفَك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا
»
(مت 28:26)، وهذا العهد الجديد هو المذكور في نبوة إرميا وهو الذي سيتعامل به الرب
معهم مستقبلاً (إر 31:31-34). 

وهنا يتبادر إلينا
سؤال: هل هذا العهد الجديد خاص بنا نحن مؤمني الوقت الحاضر؟ وللإجابة على هذا
السؤال: إننا كنا أُمماً ولم يكن لنا عهد قديم لكي يكون لنا عهد جديد. فالذين كان
لهم العهد القديم هم شعبه القديم وهم أيضاً الذين يعطى لهم العهد الجديد. ولكن نحن
المؤمنين الآن لنا بركات العهد الجديد لنتمتع بها الآن قبل أن يتمتعوا هم بها.

ÿ«قد أطلقت أسراك من الجب الذي ليس فيه
ماء
».
قد جرت العادة في البلاد التي تُروَى بمياه الأمطار والمُعَرَّضَة لفترات طويلة من
الجفاف أن تنحت في الصخر جباباً؛ آباراً فسيحةً وعميقةً، لتخزين احتياطي من الماء
في وقت هطول الأمطار (2مل 16:3،17؛ إش 14:30)، وعندما تكون هذه الآبار خالية من
الماء كانت تُسْتَخْدَم كمخابئ (إر 6:38). وهكذا صار الشعب في كل أزمنة سبيه
سجيناً كما قال لهم الرب: «كن مُراضياً لخصمك سريعاً»،
وخصمهم هو الرب المُعْتَدَى عليه والراغب في الصلح معهم «فإن
للرب خصومة مع شعبه
» (مي 2:6). ما دمت معه في الطريق «لئلا (في حالة عدم تصالحك معه) يُسَلِّمك الخصم إلى القاضي،
ويُسَلِّمك القاضي إلى الشرطي، فتُلقى في السجن. الحق أقول لك: لا تخرج من هناك
حتى توفي الفلس الأخير!
» (مت 25:5،26). لكن الجب ليس فيه ماء وهذه هي
حالتهم الآن مُغْلَق عليهم من كل جانب ومحرومون من جميع موارد الحياة، ولكنهم سوف
يُطْلَقُون لأن الرب سوف يُحَرِّرهم، ذلك الذي قيل عنه: «روح
السيد الرب عليَّ، لأن الرب مَسَحَنِي لأبشِّر المساكين، أرسلني لأعصب مُنكسري
القلب، لأنُادي للمَسْبِيِّين بالعِتْق، وللمَأسُورِين بالإطلاق
» (إش
1:61). سوف يُحرِّر الرب المسبيين ويُطلِق سراح المأسورين من الأسر الروحي أولاً،
ثم بعد ذلك يباركهم لأنه لا يمكن أن يباركهم إلا بعد توبتهم.

قد قيل قديماً: «اجعلوا هذا الوادي جباباً جباباً. لأنه هكذا قال الرب: .. وهذا
الوادي يمتلئ ماء، فتشربون أنتم وماشيتكم وبهائمكم. وذلك يَسيرٌ في عيني الرب،
فيدفع موآب إلى أيديكم .. وتطُمُّون جميع عيون الماء (التي تخصهم)
» (2مل
16:3-19). وهذا ما سيفعله الرب بعد أن يُخلِّصهم من أعدائهم، وبعد أن يتوبوا
سيُرسِل إليهم المطر المتأخر.

وبعد أن كانوا في جب
ليس فيه ماء سيفيض عليهم الماء غزيراً عند انسكاب الروح القدس. وهذا ما نراه في
الأصحاحين العاشر والثاني عشر.


«ارجعوا إلى الحصن يا
أسرى الرجاء. اليوم أيضاً أُصَرِّح أني أردُّ عليك ضعفين
» (ع 12).

الحصن هنا هو صهيون،
وهو حصن لأن الله سيكون وسطها (مز 46). فإلى صهيون يرجع الأسرى، لأنه من هناك يخرج
المُنقِذ، كما هو مكتوب «ويأتي الفادي إلى صهيون وإلى
التائبين عن المعصية في يعقوب
» (إش 20:59). ويقتبس الرسول بولس ذلك في
رسالة رومية بالقول: «وهكذا سيَخْلُص جميع إسرائيل. كما
هو مكتوب: سَيَخْرُج من صهيون المُنقِذ ويَرُدُّ الفجور عن يعقوب
» (رو
26:11).

ÿ  «يا
أسرى الرجاء
». فإن كانوا قد أُسِرُوا وهم الآن في الأسر ولكن هذا على
رجاء إطلاقهم منه بعد تأديبهم. فقد أُسِرُوا على الرجاء في إلههم لأن لهم في إلههم
العهد والمواعيد والبركات، وهبات الله ودعوته لهم هي بلا ندامة. لكن يجب أن نعلم
أن الرجاء هنا هو الرجاء الأرضي، وهو بخلاف الرجاء السماوي الخاص بالكنيسة، لذلك
سُمْيَ زكريا نبي الرجاء، وسُميت نُبوته "نُبوة الرجاء" لأنه في جميع
أصحاحاتها يتكلم عن هذا الرجاء الأرضي ويقينية تحقيقه بكل بركاته الأرضية لهذا
الشعب. لكن وقت تحقيق هذا الرجاء الأرضي سيكون بعد تحقيق الرجاء السماوي، أي بعد
اختطاف الكنيسة، وبعد أن يجتاز هذا الشعب في الضيقة لكي يقبلوا من يد الرب ضعفين
كما سنرى. وإلى هذا الوقت نجد هذا الوعد في المزمور «أنت
تقوم وترحم صهيون، لأنه وقت الرأفة، لأنه جاء الميعاد. لأن عبيدك (المُبعدين عنها
في أسرهم) قد سُرُّوا بحجارتها، وحَنُّوا إلى ترابها
» (مز 13:102،14).

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد جديد سفر أعمال الرسل يوسف عبد النور 21

ÿ«اليوم أُصَرِّح أني أرد عليك ضعفين». فالرب
هنا يُصَرِّح بأنه يرد عليها ضعفين من البركات كالضعفين اللذين قبلتهما من
التأديبات إذ يكون قد مضى يوم التأديب وأتى يوم البركة. والرب يُصَرِّح في نبوة
إشعياء: «عَزُّوا، عَزُّوا (مرتين) شعبي، يقول إلهكم.
طَيِّبوا قلب أورشليم ونادوها بأن جهادها قد كَمُل، أن إثمها قد عُفَيَ عنه، أنها
قد قبلت من يد الرب ضعفين عن كل خطاياها
» (إش 1:40،2).

ثالثاُ:
الغزو الأخير ممثَّلٌ في الشمالي (ع 13-17)


«لأني أَوْتَرْتُ يهوذا
لنفسي، وملأت القوس أفرايم، وأنهضت أبناءك يا صهيون على بنيك يا ياوان،
وجعلتك كسيف جبار
» (ع 13).

يُشَبَّه يهوذا بقوس،
وأفرايم بسهام؛ لأنه الأمة سيستخدمها الرب في محاربة ياوان، الذين هم اليونان (دا
21:8). لأن اليوناني الأخير سيكون ضمن مَنْ يسيرون في ركاب ملك الشمال. وكانت هذه النبوة
قبل فتوحات الإسكندر الأكبر بنحو 150 سنة، ومع أن الإسكندر الأكبر أحسن معاملتهم
كما سبق ورأينا إلا أن أنطيوخوس أبيفانس أحد خلفاء الإسكندر المتأخرين هجم عليهم
وحاربهم وحاربوه وانتصروا عليه على يد المكابيين الذين هم من سبط يهوذا. وكان هو
في ذلك رمزاً لملك الشمال الأخير في هجومه بكل جحافله على إسرائيل (دا 21:8-25،
40:11-45). لأن ملك الشمال هذا سوف يهجم على أورشليم ويحاصرها للمرة الأولى أثناء
مجيئه من الشمال ثم يتركها ويذهب إلى مصر ويستولي عليها وأثناء وجوده في مصر سيسمع
بأخبار تُفزعه من الشرق ومن الشمال فيرجع من مصر لكي يحاصر أورشليم للمرة الثانية.
لكن في هذه المرة يكون الرب قد ظهر لخلاص شعبه ويقضي أولاً على جيوش الوحش والنبي
الكذَّاب كما سيقبض عليهما ويطرحهما حيين في بحيرة النار والكبريت (رؤ 19:19-21)،
وبعد ذلك سيقضي على الشمالي وعلى جيوشه وسنرى ذلك تفصيلاً في هذه النبوة أصحاحي
12، 14. ولكن كما انتصر رجال يهوذا على الرجل القديم (أنطويوخوس أبيفانس) سينتصرون
هم هذه المرة على هذا الشمالي الذي سيكسره الرب وهم في إثره مُسْتَخْدَمِين كآلاته
كما يقول لهم الرب: «أنت لي فأسٌ وأدوات حرب، فأسحق بك
الأمم، وأُهلِك بك الممالك، وأُكسُّر بك الفرس وراكبه، وأسحق بك المركبة وراكبها
»
(إر 20:51،21). ولكن القضاء عليه وعلى جيوشه، وعلى الوحش والنبي الكذَّاب
وجيوشهما، ودينونة الجداء الذين على اليسار في إنجيل متى 25 الذين رفضوا إخوة
المَلك الأصاغر هذه كلها يُجْرِيها الرب نفسه وبها ينتهي من عملية تنقية ملكوته من
المَعَاثِر وفَعَلَة الإثم «ويَخرج سكان مدن إسرائيل
ويُشعلون ويُحرقون السلاح والمَجَان .. ويُوقدون بها النار سبع سنين .. وينهبون
الذين نهبوهم، ويسلبون الذين سلبوهم، يقول الرب
» (حز 9:39،10).


«ويُرى الرب فوقهم،
وسهمه يخرج كالبرق، والسيد الرب ينفخ في البوق ويسير في زوابع الجنوب
» (ع 14).

نرى هنا الوصف الرائع
للقوة الإلهية الجبَّارة حينما يتولى الرب بنفسه قيادتهم في المعركة وسوف يُرَى
الرب فوقهم، علامة على حضوره معهم، كما كان الحال حين قادهم في البرية وكان فوقهم
في عمود النار ليلاً وفي عمود السحاب نهاراً كمظلة واقية «ليس مثل الله يا يشورون. يركب السماء في معونتك، والغَمَام في عظمته»
(تث 26:33) وسهمه يخرج كالبرق ليصيب قلب أعدائه «نَبْلُك
المَسنونة في قلب أعداء المَلِك
» (مز 5:45) وأيضاً «أرسل سهامه فشتَّتهم، وبُرُوقاً كثيرة فأزعجهم» (مز
14:18) وهو سيُحَامي عنهم كما فعل قديماً حين رمى أعداءه بحجارة البَرَد «فأزعجهم الرب أمام إسرائيل .. وبينما هم هاربون من أمام
إسرائيل .. رماهم الرب بحجارة عظيمة من السماء إلى عزيقة فماتوا. والذين ماتوا
بحجارة البَرَد هم أكثر من الذين قتلهم بنو إسرائيل بالسيف
» (يش 11:10).
فهو هنا يستخدم البرق سلاحاً كما يقول حبقوق: «لنور
سهامك الطائرة، للمعان بَرْق مَجدك
» (حب 11:3).

ÿ«السيد الرب ينفخ في البوق». هذا مما
يبعث الفزع والرعب في قلب الأعداء، فقد كان الأمر للكهنة قديماً في الحروب أن
يهتفوا بالأبواق «فَتُذْكَرون أمام الرب إلهكم،
وتُخَلَّصُون من أعداءكم
» (عد 9:10). أما هنا فالرب نفسه في جلاله وسلطانه
هو الذي ينفخ في البوق، فكم سيكون رعب الأعداء وهلاكهم! والرب نفسه هو الذي سيسير
في زوابع الجنوب وهذه الزوابع ستكون شديدة الوطأة جداً كما يذكر إشعياء «كزوابع في الجنوب عاصفة، يأتي من البرية من أرض مَخُوفة»
(إش 1:21)، وأيضاً «ركب على كروبٍ وطار، وهَفَّ على
أجنحة الرياح .. فظهرت أعماق المياه، وانكشفت أُسس المسكونة من زجرك يا رب، من
نسمة ريح أنفك
» (مز 10:18، 15)، «صوت رعدك في
الزوبعة
» (مز 18:77)،«هكذا اطردهم بعاصفتك،
وبزوبعتك روعهم
» (مز 15:83).


«ربُّ الجنود يُحامي
عنهم فيأكلون ويدوسون حجارة المقلاع، ويشربون ويضجون كما من الخمر، ويمتلئون
كالمنضح وكزوايا المذبح
» (ع 15).

في عدد 14 رأينا ما
فعله الرب ضد العدو، أما هنا في عدد 15 فنرى نتائج ظهور الرب فوقهم وحضوره معهم، وهذه
النتائج هي:

1- 

«رب الجنود يحامي عنهم». أي أن الرب يحميهم فلا يصل إليهم أذى العدو.

2-
«
فيأكلون». كما قيل عنهم: «هوذا شعب
يقوم كلبوة ويرتفع كأسد لا ينام حتى يأكل فريسة
» (عد 24:23) كما حدث مع
الشعب قديماً عندما خرج لمقاتلة المديانيين رجعوا دون أن يفقدوا رجلاً واحداً (عد
31).

3-
«
يدوسون حجارة المقلاع». أي أنها تسقط أمامهم فيدوسونها فلا تصيبهم بأي أذى
وفي دوسها معنى الانتصار والاحتقار أي كأن هذه الأمم عندما تحاول ضربهم بالحجارة
فهذه الحجارة لا تصيبهم بأذى فتقع الحجارة على الأرض فيدوسون عليها. نجد هنا أن حجارة
المقلاع تُدَاس وهذا بالنسبة للأعداء أما حجارة التاج بالنسبة للبقية فهي إكليل
جمال «فتَرَى الأمم بِرَّكِ، وكل المُلوك مجدك،
وتُسَمَّين باسم جديد يُعَيِّنُه فم الرب. وتكونين إكليل جمال بيد الرب، وتاجاً
ملكياً
» (إش 2:62،3).

4- 

«ويشربون ويضجون كما من الخمر». وهذا كناية عن نشوة الظفر وفرح القلب بالرب الذي
نصرهم.

5-
«
ويمتلئون كالمَنضح وكزوايا المذبح». المَنْضَح هو الإناء الذي يكون فيه دم الذبائح
(لا14:16؛ 1مل 40:7). أما زوايا المذبح فبعد النضح عليها من دم الذبائح تقطر دماً
(لا 18:16،19)؛ أي سيكون انتصارهم ساحقاً على الأعداء. وهذا الدم يُكنَى به عن
كثرة القتلى، كما يذكر في سفر الرؤيا «ودِيست المَعْصَرة
خارج المدينة، فخرج دمٌ من المَعصرة حتى إلى لُجم الخيل، مسافة ألفٍ وستمئة
غَلْوَة
». والألف وستمئة غَلْوَة هي عرض أرض فلسطين كلها، أي أن الهلاك
سيكون شاملاً.


«ويُخلِّصهم الرب إلههم
في ذلك اليوم. كقطيع شعبه، بل كحجارة التاج مرفوعة على أرضه
» (ع 16).

أي بعد أن يرجعوا إليه
يعود فيصير إلهاً لهم، ويكونوا هم بالحق والبر شعبه وغنم مرعاه «فيعلمون أني أنا الرب إلههم معهم، وهم شعبي .. وأنتم يا غنمي،
غنم مرعاي
» (حز 30:34، 31). وحينئذ يستجيب لهم هذه الطلبة القديمة «خلص شعبك، وبارك ميراثك وارعهم واحملهم إلى الأبد» (مز
9:28) وهكذا يخلصهم كالرب إلههم وهم كقطيع شعبه ويبسط عليهم ترسه الواقي ويخلصهم كغنيمة
من الأسود التي تحيط هم لأن كل آلة صورت ضدهم لا تنجح. وإلى جانب مظاهر غضب الرب
على أعدائه وبالمباينة مع هلاك الأعداء يكون شعبه «كحجارة
التاج
» حجارة مختارة لجمالها وقيمتها تليق بأن توضع زينة في تاج ملكهم وذلك
لأنهم تجملوا بجماله ولأن كرامته قد التصقت لهم.

وبهذا الوصف سوف يرجعون
كعلامة على أرضه. فأولاً يكونون فأسه، وبعد إخضاع أعدائه سوف يرفع شعبه كعلامة على
أرضه لكي يرى الجميع الكرامة والرفعة اللتين يعطيهما لهم بفضل نعمته كملكهم حيث
يستعلنهم كرايته الملكية وكرمز سلطانه «هناك أُنبِت
قرناً لداود. رتَّبت سراجاً لمسيحي. أعدائه أُلبس خزياً. وعليه يُزهر إكليله
»
(مز 17:132،18).

على صدر رئيس الكهنة
قديماً وعلى كتفيه كانت أسماء الأسباط منقوشة على حجارة كريمة مما يدل على أنهم
سيكونون مستقبلاً هذه الحجارة الكريمة التي تكون في تاج المسيح يوم مُلكه كملكي
صادق الحقيقي.

وإذا كان للتاج هنا
معنى النذير فذلك يعني أن هذا الشعب سيكون قدساً للرب حيث سيكون في كامل تكريس
القلب للرب القدوس ذاك الذي قال: «كونوا قديسين لأني أنا
قدوس
» (1بط 16:1).


«ما أجوده وما أجمله!
الحنطة تُنْمِي الفتيان، والِمسطَار العذارى
» (ع 17).

أي ما أكثر جوده وكرمه
وإنعامه على شعبه.

وما أجمله! في ذاته وفي
كل صفاته. فهو حلو يفيض لشعبه حلاوة، بركاته فائضة لكنه لهم أفضل من كل البركات
وهذا يذكرنا بكلام عروس النشيد «ها أنت جميل يا حبيبي
وحلو
» (نش 16:1) فهو ليس جميلاً فقط، بل وحلواً أيضاً وهذا ما تقوله كل نفس
ذاقت حلاوة الرب وطيبته وصلاحه:

ما
أحلى فاديَّ الكريم
وكل قلب مستقيم
 

 

نعم
وما أطيبه!
من خيره يشبعه
 

ÿ«الحنطة تُنْمِي الفتيان، والمِسطَار
العَذَارى
». سيكون هذا من الناحتين الروحية والطبيعية. فسيشبع الفتيان
والعذارى من يده خيراً ودسماً وتمتلئ شوارع المدينة من الفتيان والبنات لاعبين
فيها وهكذا سيقولون: «لكي يكون بنونا مثل الغُروس
النامية في شبيبتها. بناتنا كأعمدة الزوايا منحوتاتٍ حسب بناء هيكل
» (مز
12:144).

تلك هي صورة بهجة ملكوت
المسيح الألفي صادرة من قلبه الفائض صلاحاً ونعمة.   


عادل ومنصور جاءت في
بعض الترجمات : عادل ومعه الخلاص.

الأمم التي سيكون لها
دور في فلسطين في الأيام الأخيرة والتي سيقع عليها القضاء الإلهي لها ارتباط بنسل
أولاد نوح الثلاثة المذكورين في تكوين 10 على النحو التالي:

أولاً: في تكوين 2:10 نجد أولاد يافث
وهم: جومر، ماجوج، ماداي، ياوان .. وهنا نجد بعض الملاحظات:

1-     ماجوج
(روسيا) وسيكون لها الدور الأكبر في الأيام الأخيرة (حز 38،39).

2-     ماداي (مادي
وفارس) -إيران حالياً- (دا 1:6،4، 20:8) وستكون ضمن حلفاء ملك الشمال الذي تعضده
روسيا.

3-     ياوان
(اليونان) والقضاء عليه نجده في هذا الأصحاح موضوع تأملنا.

ثانياً: في تكوين 6:10 نجد أولاد حام
وهم: كوش، مصرايم، فوط ..

1-    كوش: وتنقسم سلالته
إلى قسمين، قسم سكن بالقرب من نهر الفرات في آسيا (تك 7:10-10)، والقسم الآخر سكن
بالقرب من نهر النيل في أفريقيا وغالباً ما تترجم كوش بأثيوبيا، وهي ضمن حلفاء ملك
الشمال في الأيام الأخيرة (حز 5:38؛ دا 43:11).

2-     فوط: أي
ليبيا وهي ضمن حلفاء ملك الشمال في الأيام الأخيرة (حز 5:38؛ دا 43:11).

3-     مصرايم: أي
مصر وتُعْرَف في دانيال باسم ملك الجنوب وتميل إلى عدم الانحياز.

ثالثاً: في تكوين 21:10 نجد أولاد سام
وهم: عيلام، أشور .. وواضح أن أشور كان العدو الرئيسي لمملكة إسرائيل «الأسباط العشرة»، وهذا الأشوري التاريخي القديم يُشير
إلى الأشوري النبوي الذي يُعْرَف في المستقبل باسم ملك الشمال.

جاءت كلمة التاج هنا
بمعنى النذير كما في سفر الخروج 6:29 وسفر العدد 2:6.

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي