الأصحاح
السابع

مكائد
ألكيمس ونكانور وبكيديس

 

يمثل هذا الاصحاح حلقة جديدة فى صراع المكابيين مع الحكام السلوقيين
من جهة، واليهود المرتدين عن الشريعة إلى المدنية الهيلينية من جهة أخرى، ولاسيما
رئيس الكهنة والذى كان خليق به أن يضطلع بدور إيجابى وسط هذه الأحداث التى حوّلت
تاريخ الأمة، فإذا به يعمل ضدّها ولصالح الأعداء، ولكن وكما هو معروف فإن المتاعب
الداخلية أصعب بكثير من الخارجية، فإنه من الصعب على العدو اختراق الصفوف متى كانت
الأمة متماسكة لها فكر وهدف واحد.

ديمتريوس
يسترد العرش

مكابيين ثان
14: 1-10

1وفى السنة
المئة والحادية والخمسين، خرج ديمتريوس بن سلوقس من روما، وصعد فى نفر يسير إلى
مدينة بالساحل وملك هناك. 2ولما دخل دار
ُملك
آبائه، قبضت الجيوش على أنطيوخس وليسياس لتأتيه بهما. 3فلما علم بذلك،
قال: " لا ُتروني وجهيهما".
4
فقتلتهما الجيوش، وجلس ديمتريوس على عرش ملكه.

 

لم يكد ليسياس وأنطيوخس الخامس يهدءان بعد التخلّص من فيلبس، حتى وصل
وفد من روما بقيادة جنايوس أوكتافيوس، لفرض الالتزام التام للصلح الذي تم بعد
معركة أباميا سنة 189/188 ق.م. لاسيما تدمير السفن الحربية والتخلّص من الأفيال،
وقد شعر الرعايا السلوقيون بالاهانة من منظر التدمير، مما حدا بشخص ُيدعى "
لبتين
Leptines "إلى قتل
أكتافيوس، ومن ثم صدرت نداءات تدعو إلى إعدام بقية الوفد الروماني. فلما وصلت
الأنباء إلى روما وجد ديمتريوس الأول – المأسور هناك منذ 176/175 ق.م.- الفرصة
ملائمة له للتخلّص منهما والفوز بالعرش، والذي كان يرى أنه أحق به منهما.

ديمتريوس: من الاسم اليونانى "ديميتير" ولعله إله الزراعة لدى اليونانيين، ويوجد كثيرين
بهذا الاسم، ولكن المقصود هنا هو ديمتريوس الأول بن سلوقس الرابع الملقب
"سوتير" (161 – 155 ق.م) وكان قد حلّ كرهينة فى روما مكان أخيه أنطيوخس
الرابع أبيفانيوس سنة 176ق.م. وقد حاول الهرب مرتين من هناك ولكنه فشل، كما حاول
اقناع مجلس الشيوخ الرومانى بتأييده ملكاً على أنطاكية، غير أنهم لم يوافقوه على
ذلك مفض
ّلين
عليه أنطيوخس الصغير لكونه قاصراً،
والحكم
الضعيف لوصيّه ليسياس، بدلاً من أن تكون في يد ديمتريوس القوي.
غير أنه استطاع الهرب أخيراً، حيث أشاع لاحقاً بأنه تعيّن
ملكاً من قبل روما، وقد ساعده بوليبيوس المؤرخ فى الهرب وكان ذلك عام 161 ق.م.
(1) ويلقّبه
يوسيفوس بـ
" ديمتريوس بن
سلفانوس".

وصل ديمتريوس أولاً إلى طرابلس بلبنان، وهى المدينة
الُمشار إليها هنا بأنها ساحلية (2مكا14: 1) وحسبما يورد بوليبيوس المؤرخ
، فإنه كان
بصحبة ديمتريوس ستة عشر رجلاً فقط، ولكن يوسيفوس يورد فى تاريخه أنه خرج بجيش عظيم
ليلاقى أنطيوخس أوباطور والذى كان قد وصل إلى مكدونية بجيشه(1) وربما
تكو
ّن جيش
ديمتريوس من المتعاطفين مع قضيته (فهو صاحب العرش أساسًا) وكذلك المستاءين من حكم
أوباطور ووصيّه ليسياس، ثم الذين صدّقوا ادعاءه بتعيين روما له ملكاً، والتى اضطرت
للاعتراف به لاحقاً، ويؤيد أيضا قيامه على رأس جيش عظيم، ماورد فى (2مكا14: 1)
وهكذا
قطع مسافة 283 كيلومترا من طرابلس حتى وصل أنطاكية،
حيث
استطاع القيام بانقلاب وقتل أكبر رأسين فى
المملكة (أوباطور وليسياس) ثم استرداد العرش.

ومن خلال التاريخ الوارد في (الآية 1) وكذلك وثيقة بابلية بالكتابة
المسمارية بتاريخ 17 اكتوبر 162 ق.م. ويظهر فيها أنطيوخس الخامس على أنه ما يزال
ملكاً
. نستنتج أن ديمتريوس تولّى الحكم مبكرا جدا،
وبالتأكيد في الشهر الأول من سنة 151 سلوقية (29 سبتمبر-28 اكتوبر 162 ق.م.). وقد
استطاع في البداية سحق الثائر تيماركوس والذي كان مسيطرا على المنطقة.

قبضت
الجيوش

: جاءت في العبرية " أبناء القوة " أي قوات، وفي اليونانية
ai dunameij ،
وباللاتينية
principes copiarum، وبالسريانية "ربي حيلا " (ذوو القوة).

لا ترونى وجهيهما: يحمل هذا التعبير من
العاطفة ما يحمله من الحنق والكره، إذ ربما خشى ديمتريوس إن هو رآهما أن يرق قلبه
لهما، لاسيما الصبى
– وهو ابن أخيه فيتبكّت
من ضميره ويعفى عنهما، أو ربما ليعفى ذاته من توبيخ محتمل منهما، بالرغم من أن
مثول الأسرى من الملوك أو الشرفاء
ُيعد مهانة كبرى
لهم ولذة وتشف
ّي لدى آسريهم. ويصف يوسيفوس ليسياس بأنه ابن عم أنطيوخس الصغير،
وأن ثمّة معركة نشبت بين الجيشين انتصر فيها ديمتريوس.

 

دسائس
ألكيمس

5فأتاه جميع
رجال الإثم والكفر من إسرائيل، وفى مقدمتهم ألكيمس، وهو يطمع أن يصير عظيم كهنة. 6ووشوا
على الشعب عند الملك قائلين: "إن يهوذا وإخوته قد أهلكوا أصدقاءك وطردونا عن
أرضنا. 7فأرسل الآن رجلا تثق به يذهب ويفحص عن كل ما أنزله يهوذا بنا
وببلاد الملك من الدمار ويعاقبهم مع جميع أعوانهم
".

 

ألكيمس
Alciemus: وباليونانية " Alkimoj" ومعناها "الله أرعد" أو
"الله يقوم" أو "الشجاع الباسل"
وهي من الأصل العبري:
إلياقيم. وأورد يوسيفوس اسمه بصيغة مختصرة " ياقيم –
Iakemoj" (1). وهو من نسل هرون وإن
لم يكن من عشيرة رؤساء الكهنة. كان ُدعى أيضًا
: ألياقيم أو
يواقيم. عيّنه أنطيوخس الخامس وليسياس رئيساً للكهنة بعد مقتل منلاوس (6: 36) حيث
استمر فى منصبه ثلاث سنوات (163 – 161 ق.م) وقد زكاّه لهذه الرتبة لدى الحاكم
السلوقي، ميله المعروف إلى الحضارة الهيلينية مقابل مناهضته للمكابيين (2مكا14:
3).

وهو إبن أخت رابي يوسي بن يوعزر، ولقد سبب متاعباً جمة لأمته، وأبسط دليل على ذلك،
أنه قتل ستة كتبة كبار السن، منهم عمه الرابي يوسي !.

ويبدو أن الحشمونيين لم يعترفوا بتعيينه مما جعله يسعى للحصول على
تأكيد لتعيينه من الملك الجديد،
وقد استطاع ألكيمس
استعداء ديمتريوس على اليهود، وبحسب ما يروي يوسيفوس فإن ألكيمس استخدم المداهنة
والخداع والمبالغة فى اظهار عداء اليهود له، مما أوغر صدرالملك من جهتهم، فأعاده
إلى أورشليم
بصحبه جيش قوى.
ويقول يويسفوس أن الشعب لم يعترف به كرئيس كهنة، بعد أن سجد
لتماثيل الآلهة !(1).

وقد تعاطف الحسّيديون معه أولاً لكونه من نسل هارون ظانين أنه يعمل
على خيرهم، غير أنه خذلهم وأعان بكيديس
القائد السلوقي فى
الاستيلاء على أورشليم، ولكن يهوذا المكابى انتقم منه ومن أتباعه الذين شجعوه على
استعادة رئاسته للكهنوت، حيث تفيد (الآية 5) رغبته فى استعادة هذه الرتبة وكيف عاث
فسادا فى أورشليم. وعاد ألكيمس من جديد فى إثارة حفيظة ديمتريوس ضد شعبه بقيادة
يهوذا، فأرسل إليهم نكانور والذى توصّل إلى معاهدة صلح مع يهوذا، مما أوقع ألكيمس
فى ارتباك حمله على إشعال نار العداوة بين المكابى ونكانور (2 مكا 14 : 26 – 30).

وعاد ديمتريوس فأرسل بكيديس وألكيمس على رأس جيش جرار فاستوليا على
أورشليم وُقتل يهوذا فى بئروت سنة 160
ق.م.
وانتهز ألكيمس ذلك فعزز الانتقام من اليهود، ثم شرع فى هدم حائط الفناء الداخلى
للمقدس الذى يفصل بين اليهود والأمم. وقد قام سمعان
المكابى بطرده من أورشليم، فعاد الملك وأرسل جيشاً آخر بقيادة نكانور وألكيمس حيث
ُهزم الجيش وُقتل نكانور وبقى ألكيمس مع قوة كبيرة فى أورشليم.

فلما واصل أعمال التدمير عاقبه الله بأن أصيب بالشلل وعقد لسانه ومات شر ميتة، مما شكك بكيديس فى الأمر فرجع عن
اليهودية
والتى عاشت فى هدوء لمدة سنتين فى عصر يوناتان المكابى (1مكا 9:1– 57).

 

وهكذا
عانت الأمة من رؤساء الكهنة فى ذلك الوقت
أكثر مما
عانت من الحكام السلوقيين، فلم يقتصر الأمر على استقطاب الحكام لهم وتعيينهم
بالرشو
ة، بل سعى
رؤساء الكهنة فى نشر الهيلينية وتقديم اخوتهم ضحايا على مذبحها، ولقد لعب ثلاثة من
رؤساء الكهنة الاشرار دوراً خطيراً ورديئاً فى هذه الحقبة وهم: ياسون ومنلاوس
وألكيمس(1).

 

حملة بكيديس
على أورشليم

8فاختار
الملك بكيد
يس، أحد
أصدقاء الملك وأمير شرق الفرات، وكان عظيما فى المملكة وأمينا للملك، 9وأرسله
هو وألكيمس الكافر، وقد ثبته فى الكهنوت، وأمره
أن
يتنتقم من بنى إسرائيل.
10فسارا
وقدما أرض يهوذا فى جيش جرار، وأنفذا رسلا إلى يهوذا وإخوته يخاطبونهم بالسلام
مكرا.11فلم يلتفتوا إلى كلامهما، لأنهم رأوهما قادمين فى جيش جرار.12واجتمعت
إلى ألكيمس وبكيديس جماعة من الكتبة يبحثون عن حل عادل. 13وكان
الحسيديون فى بنى إسرائيل أول من سألوهما السلم، لأنهم قالوا: "

إن مع الجيوش كاهنا من نسل هارون، فلا يظلمنا".15فخاطبهم
خطاب سلام وحلف لهم قائلا: "إننا لا نريد بكم ولا بأصدقائكم سوءا". 16فصدقوه،
فقبض على ستين رجلا منهم وقتلهم فى يوم واحد، كما ورد فى الآية:17"

فرشوا لحوم أصفيائك وأراقوا دماءهم حول أورشليم، ولم يكن لهم من
دافن". 18فوقع خوفهم ورعبهم على كل الشعب، لأنهم قالوا: "

ليس فيهم شىء من الحق والعدل، إذ نكثوا عهدهم والحلف الذى
حلفوه". 19ورحل بكيديس عن أورشليم وعسكر فى بيت زيت، وأرسل فقبض
على كثيرين من الذين كانوا قد التحقوا به وعلى بعض من الشعب، وذبحهم وطرحهم فى
الجب الكبير. 20ثم سلم البلاد إلى ألكيمس وأبقى معه جيشا يؤازره،
وانصرف بكيديس إلى الملك. 21وجاهد ألكيمس لتولى الكهنوت الأعظم. 22واجتمع
إليه جميع المفسدين فى الشعب واستولوا على أرض يهوذا وضربوا إسرائيل ضربة شديدة.23ورأى
يهوذا كل الشر الذى صنعه ألكيمس ومن معه فى
بنى إسرائيل، وقد فاق ما صنعت الأمم، 24فخرج الى جميع بلاد اليهودية
مما حولها وانتقم من القوم الذين
تخلفوا وكفهم عن الجولان فى البلاد.

 

بكيديس مرة اخرى:

كان بكيديس مسئولاً عن الإقليم الضخم المسمّى: "عبر النهر أو
عبر الفرات" وهو الاسم ذاته الذي كان ُيطلق عليه في عهد الامبراطورية
الفارسية (عزرا 4: 10 و 5: 3). أما البطالمة فقد أسموه: "سوريا
وفينيقية" كما أطلق عليه السلوقيون "سوريا الجوفاء وفينيقية
Coele-Syria" ويوحي الاسم بأن فينيقية كانت ما تزال
مرتبطة بسوريا الجوفاء في ذلك الوقت (انظر التعليق على 1: 4 و3: 13 و11: 59-62).

وكان هذا الاقليم يشمل النصف الغربى من المملكة
السلوقية
، أي كل المنطقة الواقعة بين الفرات والبحر المتوسط، من جبال طوروس
إلى حدود مصر.
والتى كان ليسياس قد ُاقيم عليها من قبل بتكليف من أنطيوخس
أبيفانيوس.
وكانت كراهية السوريين للفينيقيين شديدة، وربما كان هذا هو السبب في
الاسم المزدوج "سوريا وفينيقية" و"سوريا الجوفاء وفينيقية"
والذي كان مستخدما قبل انفصال فينيقية عن الاقليم بوقت طويل.

وبينما انشغل ديمتريوس باخضاع الوالي المتمرد
في بابل في شتاء 161/160 ق
.م. عهد إلى بكيديس وهو أحد
المخلصين له، بتهدئة اليهودية الثائرة والتي تمثل مشكلة صعبة للمملكة، لا سيما
بسبب قربها من البطالمة الأعداء، وهو ذو منصب رفيع وصلاحيات واسعة. وكان بكيديس في
الواقع كفئا للقيام بمثل هذه المهمة، فقد عاقب الذين كانوا يثيرون المتاعب من
الكتل المتصارعة بين اليهود (آية 16،19 وأصحاح 9) كما عقد صلحاً مع يوناتان دون
استشارة ديمتريوس (9: 70-72)

وقد حمل لقب "صديق الملك " حسبما قال يوسيفوس
وهي رتبة جليلة فى الامبراطورية، تماماً مثل تعبير "محب للقيصر" فى
النظام الرومانى، وأما
اللقب
"أمين الملك" فإنه يعنى: أمين سرّه أو مستشاره
(1).

ألكيمس الكافر: ُينعت هنا ألكيمس بالكافر بسبب
اتجاهاته الهيلينية، فى حين كان عليه المحافظة على الهوي
ّة
اليهودية لاسيما وأنه رئيس الكهنة، كما ُوصف بهذا النعت بالنظر إلى ما صدر عنه بعد
ذلك. لقد مث
ّل ألكيمس عقبة كبيرة فى سبيل طموحات الحشمونيين، وان كان الحسيديين
قد تعاطفوا معه فى البداية لكونه من بنى هرون. والعجيب أن يطلب منه ديمتريوس الملك
الانتقام من اليهود على أن تكون " فاتورة " ذلك تأكيد رئاسته للكهنوت!!.
وبما له من الخبرة بحكم كونه يهودياً فقد أنفذ رسلاً إلى الداخل رغبة فى خداع
اليهود
، ولكنهم كانوا يعرفونه جيداً ويمقتونه جداً، وقد كشفوا خبثه فأعرضوا
عنه.

الكتبة والحسيديين يتعاطفون مع ألكيمس:

        غير أن ألكيمس لم يعدم بعض الأتباع
ممن تعاطفوا معه، وذلك فى
"إطار
كهنوتى" مثل الحسيديين وبعض الكتبة من الكهنة واللاويين.

الكتبة: الكاتب هنا لا يعنى مجرد "ناسخ" وانما أصبحت كلمة أو مصطلح كاتب
تعنى (من ذلك الوقت فصاعداً): "اللاهوتى"
. وقد بدأ عمل الكتبة منذ عصر عزرا (عزرا 7: 6
وما يليه
و
أخبار الأيام الأول 2: 55 و أخبار الأيام الثاني 34: 13) حيث قاموا بعد ذلك بدور
الكهنة بعد خراب الهيكل. وقد ُاطلق عليهم: الحاخامات أى الحكماء
]حاخام = حاكام
= حكيم
[. وبعد العودة من السبى أصبح الكتبة فئة معروفة ومتميّزة من المعلمين من
الكهنة واللاويين، تقوم بحفظ الناموس وتفسيره. وقد اضطرّوا فى عصر المكابيين وبسبب
الاضطهاد إلى تكوين ما يشبه الحزب، كما يرجع إليهم الفضل فى تأسيس نظام المجامع،
قاموا
كذلك بتدوين التلمود بعد خراب الهيكل سنة 70م.

وقد تعرض الكتبة للتوبيخ والتبكيت من السيد
المسيح
، بسبب امعانهم فى البحث عن الكرامة (متى 23 و مرقس 12: 38،39 و لوقا
20: 46) بسبب تفسيرهم للوصايا بما يتفق مع مطالبهم الشخصية،
وفى
المقابل هاجموا هم
السيد المسيح بسبب السبت وغسل
الأيدى حيث وبخ
السيد المسيح شكلية ممارستها. غير
أن السبب الحقيقى كان فى ازدياد سلطانه وشعبيته بين الناس، مما يهدد مكانتهم (متى
21: 15 و مرقس 11: 18).

وأما الحسيديين فقد انضموا فى البداية إلى يهوذا المكابى
(راجع التعليق على 1مكا2:
42) غير أنهم بدأوا فى الابتعاد عنه حين تحو
ّلت
الحرب من دينية مقدسة لاستعادة الهيكل واستئناف العبادة (1مكا6: 59) إلى رغبة فى
الاتساع وتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية، مما نتج عنه تدمير موارد البلاد وسفك الدماء
والدخول إلى حلبة صراع لا ينتهى مع السلوقيين والأمم المحيطة بهم. من هنا رأى
الكتبة وهم قادة فى الشعب وكذلك الحسيديين – وكانوا قد رجعوا إلى الخلف قليلا – أن
يعودوا للظهور الآن فى مبادرة للبحث عن حلّ لحقن الدماء، وقد شجعهم على ذلك وجود
ألكيمس مع القائد السلوقى، حيث كان من المنطقى أنه إنما قد جاء ليقوم بدور الوسيط
بين الطرفين. وأما يهوذا المكابى والذى لم يكن مطمئنّا إلى تلك المفاوضات فلم
يشترك فيها، مع أن الملك السلوقى لم يكن قد عزل المكابى
بعد
ليعين مكانه نكانور (آية 26 و 2مكا14: 12).

وقد اعتبر هؤلاء أن يوم الغضب قد حلّ بما فيه من اضطهادات، وذلك
طبقاً للنبوة الواردة في: (صفنيا 1: 1-2: 3) ولذا فعليهم أن يسعوا للعدل والاتضاع
من أجل الحماية في يوم الغضب(1)، ولعلهم في ذلك اعتمدوا أيضا على
الآية: "حد عن الشر و اصنع الخير اطلب السلامة واسع وراءها" (مزمور 34:
14) ولكن الخطأ الذي وقعوا فيه بالرغم من دراستهم للتوراه، أنهم وثقوا في الحكام
السلوقيين، ولم ينضموا إلى الحشمونيين لخير الأمة، واعتبروا أن الخضوغ للسلوقيين
وقبول رئيس الكهنة الذي عيّنه لهم الملك (أي ألكيمس) يضمن لهم النجاة من "
الغضب الآتي". لاسيما وقد رأوا فيه كاهنا شرعياً مقابل منلاوس الذي أنكروا
عليه ذلك والذي أذاقهم ألوانا من الذل والهوان (2مكا4: 25-50). وهكذا أساءوا فهم
النبوة فكانت النتيجة سفك دمائهم (آية 17).

كان هناك في الحقيقة خلافاً ناشبا ما بين الحشمونيين وجماعة التقاة،
سببه أن الحشمونيين اعتبروا انتصاراتهم دليل على أن الله قد رفع غضبه عنهم،
وبالتالي فعليهم ألاّ يخضعوا للملوك الوثنيين، في حين رأى التقاة أنه ما دامت
النبوات لم تتحقق، فإن أي ملك شرعي هو مسلّط عليهم من الله، وبالتالي عليهم أن
يخضعوا له ومن ثم يقبلون أي رئيس كهنة يعيّنه.

خيانة ألكيمس: ولكن ألكيمس انقلب عليهم فقبض على
ستين من وجهائهم وقام بقتلهم فى يوم واحد، ربما لإيقاع الرعب بالآخرين، ويعيد كاتب
السفر إلى الأذهان هنا ما حدث فى سبى بابل مقتبساً الآيتين 2، 3 من مزمور(79)
والذى يتحدث عن المآسى الناتجة عن السبى، وهو المزمور الذى كتبه "آساف"
كشاهد عيان لسقوط أورشليم(1)، وكما حدث إبان سقوط أورشليم أن تناثرت
الجثث حول الهيكل دون دفن هكذا حدث مع هؤلاء الضحايا الستين.

ولقد كان ترك الجثة دون دفن إهانة كبيرة، بينما
كان دفن العظام بإكرام يعبر عن احترام الميت. وُاعتبر ترك الجثة لتنهش فيها
الكواسر والجوارح: مساواه بينها وبين جثث الحيوان، حتى لقد قيل عن يهوياقيم أنه
" ُيدفن دفن حمار مسحوباً مطروحاً بعيداً عن أبواب أورشليم" (إرميا 22:
18، 19) وفى المقابل نجد أن داود النبى قد أكرم "رصفة" لأنها حامت عن
إبنيها
وأبعدت عن جثتيهما طيور السماء
ووحوش الأرض (صموئيل ثان 21: 10– 14).
هنا أدرك الذين وثقوا فى ألكيمس خيانته وضعف
نفسه، كما ُروِّع الشعب فترك هذا الحدث رعباً بين الناس وزاد من هوة الشقاق فيما
بينه وبينهم.

ألكيمس يعتلى رئاسة الكهنوت فوق جثث القتلى ودماءهم (19 – 24):

          يتضح من الآيات المذكورة أن بكيديس
قد ألحق الهزيمة باليهود، ثم أتبع ذلك باستدراج بعض اليهود الذين كانوا قد اشتركوا
فى التمرد وان كانوا قد انضموا إليه فى نهاية الأمر، ثم قام بذبحهم والقاءهم فى
جب، ومن جهته كان بكيديس خائناً، وأما من جهتهم هم فقد استحقوا ذلك لعدم ثباتهم
على المبدأ وبسبب تخليهم عن قضيتهم، وهو درس لكل صاحب حق وقضية، إذ يتوقف على
أمانة كل فرد: خلاص الأمة واستقلالها أو دمارها واستعمارها..
..
هكذا استعاد ألكيمس سلطته الكهنوتية.

الجب
الكبير فى بيت زيت:
بيت زيت كلمة عبرية معناها (بيت الزيت) وفي
اليونانية
Bhzeq، وطبقا ليوسيفوس فهي قرية كومي kwmh والتي تدعى Bhqxhqw "بيت زيتا" (1). وهى قرية تقع على مسافة
ستة كيلومترات شمال بيت صور على الطريق إلى
أورشليم، وثمانية كيلومترات جنوب غرب بيت لحم، والأرجح أنها هى نفسها
"بئروت" والتى ُقتل عندها يهوذا المكابى لاحقاً، وهى الآن "خربة
بيت زيتا"
. إلى بيت زيت هرب أولئك اليهود ليسهل لهم الهروب إلى أدوم أو بيت
صور (6: 50 و 10: 14) متى تعرضوا للضغط من الأتقياء الذين قبلوا حكم بكيديس والذين
ُاعتبروا خونة (آية 24 و9: 24). وهكذا حارب اليهود بعضهم بعضاً. ومن ثم قام بكيديس
بقتل المناهضين لألكيمس.

هناك فى "الجب الكبير" ألقى بكيديس جثث القتلى،
وكان يوجد مثل ذلك البئر كثيرا فى منطقة اليهودية، راجع: (إرميا 41:
7) كما ُوجد فى اليهودية مغارات عملاقة وآبار عميقة، مثل مغارة عدلام والتى اختبأ
فيها داود ورجاله من وجه شاول، وكذلك الكهف الذى اختبأ فيه الملوك الكنعانيون
الخمسة من وجه يشوع
.. وهكذا كان هذا الجب بمثابة
مقبرة جماعية. ومع ذلك فإن خيانة بكيديس وجرائم القتل لم تحقق له أية فوائد
عسكرية.

ويلاحظ فى (الآية 19) أن الصيغة: ورحل بكيديس "عن أورشليم"
هى فى الواقع: ورحل بكيديس "إلى أورشليم" وعسكر فى بيت زيت، حيث يذكر
العالم "
كرامبون Crampon" ذلك، ويرى أن الكلمة العبرية “min “ المستخدمة هنا (مثلما وردت أيضا فى تكوين 11:
12 و 13: 11 و إشعياء 22: 3) للتعبير عن
" الحركة
فى اتجاه "… قد ُترجمت خطأ هنا بمعنى
" بعيداً
عن
".. وسوف يفيدنا ذلك فى معرفة أن
"بيت زيت" كانت ضاحية فى أورشليم وهو ما يؤكده يوسيفوس(1)
.

ويتضح لنا من (الآيتين20،21) أن بكيديس قد سلّم
البلاد إلى ألكيمس حيث لا يظهر فى الصورة يهوذا المكابى
، والذى يبدو أنه توارى قليلاً حتى تهدأ هذه
العاصفة، وأما ألكيمس فقد عاد فى ذلك إلى ما كان عليه رؤساء الكهنة قبل ظهور المكابيين،
حين كان رئيس الكهنة يقوم بتولّي السلطتين الدينية والمدنية، كما يشير ذلك إلى عدم
اعتراف المملكة السلوقية بيهوذا كقائد لليهود واليهودية، وذلك بسبب موالاة ألكيمس
للم
ملكة
بعكس يهوذا، ومع أن تعيين ألكيمس والياً كان بأمر من السلوقيين، إلاّ أنه بذل
جهداً كبيراً فى سبيل تأكيد رئاسته للكهنوت وهي للرتبة التي ُيعبّر عنها دائماً بـ
"الكهنوت الأعظم".

وتمادى فى شره واجتمع إليه كثيرين من اليهود المتأغرقين مع آخرين
ممالئين ونفعيين، وراح ألكيمس يقوم بحملات ضد شعبه بغرض اخضاعهم واذلالهم له كحاكم
عسكرى، مما نتج عنه نكسة شديدة للأمة "ضربة شديدة" خلّفت آثاراً سياسية
ونفسية
، تفوق تلك التى سببها الوثنيون سواء من السلوقيين أو الأمم المجاورة
لهم.

وخشى يهوذا من الفتنة وتبدد الجيش الذى معه، فأوقع "عقاباً
تحذيريا" على أولئك الذين كانوا يترددون ما بين البقاء معه فى جيشه أو الانضمام
إلى ألكيمس، فلم
ّ شملهم وأعاد تنظيم صفوفه من
جديد.
كما خشيه الخونة من اليهود، فهو وان كان خارج أورشليم ولكنه كان
معضداً أيضًا المخلصين، ولذلك فقد التزموا أولئك أورشليم لم يغادروها.

 

معركة
كفر سلامة وهزيمة نكانور

2
مكا 14: 12-34 و 8: 9، 34-36و15: 3 و1مكا 3: 38

 

25فلما رأى
ألكيمس أن يهوذا قد تقوى هو ومن معه، وعلم أنه لا يستطيع الثبات أمامهم، رجع إلى
الملك ووشى عليهم بالمساوىء.26فأرسل الملك نكانور، أحد أشهر قواده،
وكان مبغضًا ومعاديًا لإسرائيل، وأمره بإبادة الشعب.27فوفد نكانور على
أورشليم فى جيش كثير، وأرسل إلى يهوذا وإخوته يخاطبهم بالسلام مكرا قائلا: 28"لا
يكن قتال بينى وبينكم، فإنى قادم فى نفر قليل لأواجهكم بسلام".29وجاء
إلى يهوذا وحي
ّا بعضهما
بعضا تحية السلم، وكان الأعداء مستعدين لاختطاف يهوذا. 30وعلم يهوذا
أنه جاء إليه مكرا، فخافه وأبى أن يعود إلى رؤية وجهه. 31فلما رأى
نكانور أن قصده قد ُكشف، خرج لملاقاة يهوذا بالقتال عند كفر

سلامة. 32فسقط من جيش نكانور نحو خمسة آلاف رجل، وفرّ
الباقون إلى مدينة داود.

 

عاد
ألكيمس إلى الوشاية من جديد، ذلك عندما اكتشف أن كرسيه ُمهتزّ وغير مستقر، ومن ثمّ
اتجه من جديد إلى ديمتريوس الملك في أنطاكية يستعديه على " اخوته". ففي
محاولة يائسة طلب إلى الملك تعزيز موقفه، فغامر الملك بإرسال أشهر قوّاده المدعو
نيكانور، ويرى بعض الشرّاح أن نكانور هذا غير نكانور المذكور في (1مكا3: 38) حيث
أن نكانور المذكور هنا كان في روما حين كان الآخر يخوض حرباً في اليهودية (1).

ولقد
كان نكانور في البداية ودودًا مع يهوذا المكابي فجرت بينهما لقاءات وديّة متعددة، ولم يلجأ إلى العنف إلاّ بعد ذلك
وبضغط من الملك نتيجة وشاية ألكيمس، ويتعجب بعض الشراح من تراخي نقانور في تنفيذ
مهمته، ولكنه وحسبما يرد في سفر المكابيين الثاني، فإن نقانور احتفظ بعلاقات ودية
مع يهوذا وأن الملك قد أرسله برسائل سلام إليه هو ورجاله، راجع للدرجة التي حدت
بيهوذا إلى الاهتمام بالبعد الاجتماعي له (2مكا13: 18- 23) مما أثار ألكيمس
فاستعدى ديمتريوس الملك من جديد على اليهود، ومن ثم أرسل الملك متشددا في الاسراع
بالقبض على يهوذا وارساله إلى أنطاكية.

ومن هنا اشتمّ اليهود رائحة الخيانة، لا سيّما عندما شعر
يهوذا بتغيّر قلب نكانورمن جهته (2مكا30:14) وعندئذ توارى قليلاَ ريثما ينظم
صفوفه، فقد بدأ نكانور يكشف عن الوجه الحقيقي له، معلناً القتال. والتحم الجيشان
عند كفر سلامة، فُهزم نكانور وفرّ بقية جيشه إلى "القلعة" التي في
أورشليم
.

 

كفر
سلامة
Kapharsalama : وفي اليونانية:  xafarsalama، وبالسريانية : كفر شلما، وفي التلمود الأورشليمي يرد " كفر
شلاّم احدى قرى منطقة قيسارية " (2). و
تفيد المعلومات
المتوفرة عنها بأنها تقع بالقرب من جبعون وبجوار يافا، وتبعد مسافة أربعة
كيلومترات من "دسّاو" (أداسة / آية 40) راجع أيضا: (2مكا14: 16) وُتسمّى
الآن " كفر سلوان" أو "سلمى" أو "خربة سلمى" وُيقال
أيضاً أنها "خربة دير سلام" الواقعة شمال غرب أورشليم على ُبعد خمسة
كيلومترات

(2).

 

نكانور
ُ
يجدّف
على ال
هيكل

2مكا 14:
31-36

 33وبعد
هذه الأحداث، صعد نكانور إلى جبل صهيون، فخرج بعض الكهنة من الأقداس
وبعض شيوخ الشعب يحي
ّونه تحية
السلم ويرونه المحرقة المقربة عن الملك. 34فاستهزأ بهم وسخر منهم
ونجسهم وكلمهم بتكبر. 35وأقسم بغضب قائلا: "إن لم يسلم يهوذا
وجيشه إلى يدى اليوم، فسيكون
أنى،
متى عدت بسلام، أحرق هذا البيت"، وخرج بحنق شديد. 36فدخل الكهنة
ووقفوا أمام المذبح والهيكل، وبكوا وقالوا: 37"أنت من اختار هذا
البيت ليدعى باسمك ويكون بيت صلاة وتضرع لشعبك. 38فانتقم من هذا الرجل
وجيشه، وليسقطوا بالسيف. واذكر تجاديفهم ولا
ُتبق
عليهم".

 

عاد ألكيمس ليشعل نار العداوة
بين ديمتريوس الملك ونكانور من جهة، ويهوذا المكابى من جهة أخرى، مما جعل الملك
يرسل خطابا شديد اللهجة إلى نكانور يأمره بالقبض على يهوذا وإرساله إليه مقيداً فى
أنطاكية، فتظاهر يهوذا المكابي بالخروج لاخضاع بعض المقاومين له، فى حين كان فى
الواقع قد بي
ّت النيّة على الاختباء فى سبسطية
حسبما ُيورد يوسيفوس فى تاريخه، وأمّا نكانور فقد بحث عنه كثيراً ولم يجده، ولمّا
قيل له أنه مختبىء فى الهيكل، اقتحم الموضع بعجرفة.

ولعلّ سلوك نكانور هنا على وجه الخصوص، هو الذى جعل هزيمته نصرًا
هاماً، كما كان التمثيل بجثته مفزعاً كما سيأتى، وجعل من موته عيداً قومياً لليهود
على مدى عدة قرون، فقد أحسّ اليهود أنه تحدّى الله نفسه، وهكذا كان
ت
هزيمته نصراً من الله لهم، أو هدية منهم إلى الله.

فعندما صعد(1) إلى الهيكل حانقاً بسبب الهزيمة
واختباء يهوذا منه، خرج إليه الكهنة
– إذ لا يمكنه كوثني الدخول
إلى ساحة الهيكل –
يؤكدون ولاءهم للملك،
وكان سلوكهم مزيج من الخوف والقلق،
وفي عصر الامبراطورية
الفارسية القديمة كانت الذبائح ُتقدم في الهيكل في أورشليم من أجل الملك الحاكم
كعلامة على ولاء اليهود (عزرا 6: 10)
وبعد حصولهم على الاستقلال
الدينى
لم يجدوا غضاضة فى الصلاة لأجل ملك علمانى، كما كان الكهنة يفصلون بين
الصراعات السياسية والعسكرية والعبادة باعتبارها عملاً روحياً خالصاً. ولكن نكانور
لم يقنع بما عرضوه عليه
، ولم يكتف بالمظاهر الدينية
للولاء،
فغادر الموضع وهو يتوعدهم ويتهددهم. وأماّ احتقاره وتنجيسهم لهم (آية 34) فقد كان من خلال البصق فى اتجاه الهيكل(2).

          ويذكرنا قوله "متى ُعدت بسلام" (آية 36) بقول أخاب لميخا أنه
سُيوضع فى السجن ويُعطى ماء الضيق وخبز الضيق
"حتى آتى بسلام". ولكن رد ميخا جاءه حاسماً:
"
إن رجعت بسلام فلم يتكلم الرب بى. وقال اسمعوا أيها الشعب
أجمعون" (ملوك أول 22: 25– 28) ولم يرجع الملك، ففى المكان الذى لحست فيه
الكلاب دم نابوت اليزرعيلى لحست دم أخاب
(انظر ايضا: قضاة 8: 9).

 

      وهكذا كان نكانور يكتب شهادة قتله وهزيمة جيشه.
وأما صلاة اليهود فى الهيكل فتعكس شعورهم أن الحرب خاصة بالله نفسه
،
لأن نكانور جدّف عليه وتكلم بكبرياء وأهان المقدسات.
(انظر
صلوات مشابهة في: ملوك أول 8: 29،30،43 و 9: 3).
ويروى سفر
المكابيين الثانى ذلك بأكثر تفصيل (2مكا 14).

 

يوم
نكانور – معركة أداسة

 2 مكا 15:
22-54

39ثم خرج
نكانور من أورشليم وعسكر فى بيت حورون، فانضم إليه جيش سورية.40وعسكر
يهوذا بأداسة فى ثلاثة آلاف رجل، وصلى يهوذا فقال:41"

لما جدف الذين كانوا مع ملك أشور، خرج ملاكك وضرب مئة
ألف وخمسة وثمانين ألفاً منهم. 42هكذا فحطم هذا الجيش
أمامنا اليوم، فيعلم الباقون أنهم تكلموا على أقداسك سوءا، واقض عليه بحسب
خبثه".
43ثم
ألحم الجيشان القتال فى اليوم الثالث عشر من شهر آذار، فانكسر جيش نكانور، وكان هو

أول من سقط فى القتال. 44فلما رأى
جيش نكانور أنه قد سقط،
القوا سلاحهم وهربوا،45فتعقبهم
اليهود مسيرة يوم من أداسة إلى مدخل جازر، ونفخوا وراءهم في أبواق
الهتاف. 46فخرج الناس من جميع قرى اليهودية من كل جانب، وطوق
وهم،
فانقلب بعضهم على بعض، فسقطوا جميعا بالسيف، ولم يبق منهم أحد. 47فأخذوا
الغنائم والأسلاب وقطعوا رأس نكانور ويمينه التى مدها بتكبر، وأتوا بهما وعلقوهما
قبالة أورشليم. 48ففرح الشعب فرحا
عظيما واحتفلوا بذلك اليوم احتفالهم بيوم ابتهاج عظيم.
49ورسموا



أن يعيد ذلك اليوم الثالث عشر من آذار كل سنة. 50وهدأت
أرض يهوذا أياما يسيرة
.

 

كان نكانور قويا بدرجة كافية حتى قبل أن تصل إليه التعزيزات، لكي
يتحرك على الطريق من أورشليم واحتلال نقطة بيت حورون الاستراتيجية، بحيث لا يأمل
اليهود في احتلالها وإعاقة القوات السلوقية الآتية من سوريا، ويقدر يوسيفوس عدد
جنود نكانور بتسعة آلاف (انظر التعليق على
بيت صور
3: 16).

أداسة Adasa :
صيغة عبرية لـ"حداشة" ومعناها "حديثة" أى المدينة الحديثة،
وهى القرية الوارد ذكرها فى (يشوع 15: 37) وجاءت القرية أيضا فى صيغة
"دساو" (2مكا14: 15) وتقع أداسة فى جبل يهوذا
على الطريق
بين بيت حورون وأورشليم، على مسافة ثلاثين غلوة من بيت حورون
(ستة كيلو مترات)(1)
ومسافة
أربعة كيلومترات من خربة سلمى (كفر سلامة) وبالقرب من جبعون.

          يقول يوسيفوس أن يهوذا المكابى أرسل
لنكانور يقول له لا تطلبنى فى المدينة فإنى لست فيها فإن أردت لقائى فاخرج إلىّ،
وكان المكابى قد وصلته أخبار مضايقة نكانور لشعبه وتجديفه على المقدسات. وجمع
جنوده ووعظهم كثيراً وروى لهم الحلم الذى رآه عن أونيا الكاهن مما شجع جنوده وبث
فيهم الطمأنينة (2مكا14: 11– 24) وفى هذا الاصحاح يشار فقط إلى صلاة يهوذا وتذكره
ما حدث لجيش سنحارب الملك الأشورى (ملوك ثان 18: 17 و19: 37 و اشعياء 36: 37) وذلك
لما في ذلك من تشابه بين قوة الجيش المعادى فى الحالتين قياساً بجيش اليهود
الصغير.

عسكر جيش اليهود فى المسافة الواقعة بين أداسة وكفر سلامة، بينما
عسكر نكانور عند بيت حورون
، حيث كانت
المسافة بينهم لا تتعدى عدة كيلومترات يقدرّها يوسيفوس
بسبعة (أربعة
أميال) ورغم أن القوى لم تكن متكافئة، حيث انضم أيضا إلى جيش نكانور حشوداً سلوقية،
مقابل جيش المكابى الذى لم يتجاوز الثلاثة آلاف جندى، إلاّ أنه وبينما كان الله
يؤازر اليهود وقتها، كان نكانور فى المقابل متطاولاً على الهيكل ومستهزئا ومجدفاً
على الله.

كانت أداسة تقع على تل منعزل شمال الطريق وتطل عليه، ومن هنا نفهم
كيف انتصر يهوذا، فإن ميزات الموقع وعامل المفاجأة يفسر لنا كيف استطاع التفوق على
قوة تفوقه بكثير.

وسقوط نكانور فى أول القتال (آية 43) يفسر لنا سبب الهرج والمرج الذي
دب بين جنوده، وأن
كان يوسيفوس يرى أنه سقط أخيراً،
ولكن المعركة
على أية حال قد ُحسمت بمقتله، إذ أعقب ذلك هروب
جيشه، وتعقب يهوذا ورجاله لجيش نكانور مسافة عشرات الكيلومترات، فإن كانوا قد
طاردوهم حتى "جازر" (4 : 15) فإن
ذلك يعنى أنهم طاردوهم لمسافة عشرين ميلاً. كما يعني ذلك أن الطريق إلى أورشليم –
وهي أقرب للجنود الهاربين – كان مغلقاً وربما أراد يهوذا بذلك منع نكانور من الزحف
على الهيكل وتنفيذ وعيده. ولضمان إبعاد الأعداء عن اليهودية بقدر كاف، حتى لا
يعيدوا الكَرّة سريعاً. إذ بات من الواضح أن الصراع مع المملكة السلوقية لم ينته
بعد
.

ويعنى النفخ فى الأبواق الإعلان عن النصر من جهة وبث الخوف فى قلوب
الأعداء من جهة أخرى (1مكا4: 40 و سفرالعدد 31: 6) فما أن سمع سكان المدن اليهودية
والقرى المحيطة أصوات أبواق الهتاف، حتى هبّوا من كل اتجاه نحو ال
أعداء
مما أوقع هؤلاء فى ارتباك شديد، نتج عنه بالطبع قتل بعضهم للبعض الآخر، وهو أمر
كثير الحدوث فى الحروب، ويسمى اصطلاحاً الآن
:
(نيران صديقة) غير أن تعبير أنهم سقطوا جميعاً ولم يبق منهم أحد،
هو
أن الجيش قد انحّل، ولم يعد يمثل قوة عسكرية ُيخشى منها بل انعدمت
منه القوة والمقاومة معاً!!.

نتائج المعركة (47 – 50):

استولى اليهود على غنائم الجنود، سواء أولئك الذين ُقتلوا
أو الآخرين الذين لازوا بالفرار تاركين خلفهم جميع ما يملكون من أسلحة وعتاد ومؤن.
وأما نكانور فقد حملوا جثته حيث قطعوا رأسه ويده اليمنى (يديه الاثنتين بحسب
يوسيفوس) التى أشار بها مجدفاً، ث
م علقوهما
على الحائط مقابل باب الهيكل، بينما ألقوا بجثته لوحوش الأرض وطيور السماء.

ثم جعلوا ذلك اليوم عيداً يحتفلون به من عام إلى عام، حيث ُعرف فى
التقليد والتقويم اليهودى بـ"يوم نكانور" وكان الاحتفال به مستمرا لعدة
قرون (2مكا15: 36) وذلك فى يوم 13 مارس/آذار، وان كان اليوم الذى حققوا فيه النصر
يوازى فى الواقع 28 أذار من سنة 161ق.م. ولكنه ُعرف مع الوقت (13 أذار
/
يوم نكانور) يحتفلون به قبل يوم مردخاى (عيد استير) بيوم واحد، وبينما ت
َراجع
الاحتفال بيوم نكانور مع الوقت، استمر الاحتفال بيوم مردخاى وتأكد بقوة مع الوقت.

وعاشت اليهودية فترة من السلام تقرب من العام، أرسل اليهود خلالها
سفارتهم إلى روما، بينما كان السلوقيون يجهزون جيوشهم للانتقام منهم بقيادة بكيديس
كما سيجيء، وهي المعركة التي ُقتل فيها يهوذا.



(1)
يصف
بوليبيوس المؤرخ التفاصيل المثيرة لهروب ديمتريوس، راجع:
Polybius XXX1 2, 11-15) ) راجع
أيضا:قائمة الحكام السلوقيون خلفاء الإسكندر في كتاب: مدخل إلى سفري المكابيين
لمؤلف/ص 206.

(1) يقول بولوبيوس في ( Polybius XXX1, 22 ) :أنه كان
بصحبة ديمتريوس"اثنا عشر رجلا وثلاث فتيان
"، راجع أيضاً: تاريخ يوسيفوس – الخواجة سليم نقولا / ص81.

(1)
الآثار
اليهودية 12 فصل 8 : 7.

(1) الآثار اليهودية (12
فصل 8 : 7)

(1) راجع كتاب أورشليم فى ظل
رؤساء الكهنة.

(1)
يوسيفوس ( الآثار 12: الفصل العاشر : 2).

(1) كان الكتبة والحسيديون
يرون أن في ذلك تحقيق لنبوة عن عصرهم، والعجيب أن تلك النبوة تتحدث عن "الأمة الجاهلة" -التي ستبحث عن العدل في ذلك الزمان- وهو
التعبير الذي ُقصد به جماعة الكتبة والحسيديين (آية 12).

(1)
هناك
محاولات متعددة من علماء كثيرين لاثبات أن المزمور (73) وكذلك المزامير: (74 و82
و83) هي من وضع ألكيمس رئيس الكهنة، في حين تنسب ترجمات متعددة للكتاب المقدس
وعلماء آخرين هذه المزامير إلى اساف. ولا مجال لايراد تلك المناقشات هنا، ولمن
يرغب في ذلك الرجوع إلى تفسير سفر المكابيين الأول لجوناثان جولدشتاين/ص334-336.

(1) الآثار: ( 12 فصل 10 :
2 ).

 (1) راجع
تعليق الكاتب
Corbishley S. J.
على
السفر.

 (1) المرجع السابق /ص 749.

(2) باب عفوداه زارا 44 ص
4.

(2) ولكن ذلك المكان في
السهول المنبسطة، مما كان يسهل مهمة نكانور، ولذلك فإن العالم " أبل
Abel " يقترح
موقعاً آخر لـ كفر سلامة على مسافة حوالي عشرة كيلومترات شمال غرب أورشليم، على
الطريق إلى بيت حورون، حيث يذكر يوسابيوس قرية باسم "سالم" وموقعاً
خرباً باسم "خربة سالمة". وان كان مكانا خطرا كونه قريبا من الطريق
الرئيسي لأورشليم. أو موقع آخر هو "خربة إرها" أو الدير الخرب الملاصق
لها وهو "خربة بيت سلام" شمال – شمال شرق أورشليم، وان كان يبعد ذات
المسافة عن أورشليم، إلاّ أنه ليس بخطورة المكان السابق لبعده عن الطريق الرئيسي.

(1) يستخدم السفر تعبير
"صعد" عند الاقتراب من الهيكل (انظر 4: 37 وملوك أول 8: 1) وهو الأمر
الشائع منذ القديم بين الرهبان الأقباط، إذ يصفون اتجاههم إلى الدير بأنه
"صعود " والعكس بالعكس، عند اتجاههم إلى المدن، بغض النظر عن الطبيعة
الطبوغرافية للأرض.

(2) تاريخ يوسيفوس –
الخواجة سليم نقولا / ص82.

(1)
الغلوة
أو الاستاديوم تساوي في المقياس اليوناني 220 مترا وفي المقياس الروماني 200 مترا،
وكان تقدير يوسيفوس للمسافة أنها 30 غلوة (6 كم) بينما يرى جغرافيو الكتاب المقدس
أنها 12 كم.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ط طفق ق

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي