الأصحاح الخامس

ياسون يثير الفتنة ويجلب الشر على الأمة

 

بينما كان
أنطيوخس الرابع يشن حملته الثانية على مصر، ترامت إلى اليهودية شائعات تفيد موته،
مما حدا بياسون رئيس الكهنة المعزول القيام بتمرد مسلح استولى فيه على أورشليم
آملاً فى استعادة منصبه، وعاد الملك الذى بلغته أخبار التمرد إلى البلاد لينتقم من
اليهود ويسئ إلى الهيكل، حيث كان ذلك إيذائاً ببدء اضطهاد عنيف لليهود، تحت
ّم معه قيام
الثورة المكابية.

 

حملة
انطوخيوس الثانية على مصر

1 فى ذلك الزمان، كان أنطيوخس يستعد لغزو
مصر ثانية. 2 فحدث أنه تراءى فى المدينة كلها مدة أربعين يوماً فرسان
يعدون فى الجو وعليهم ملابس ذهبية، وجيوش مسلحة مصفوفة على شكل كتائب، 3وسرايا
من الخيالة مصطفة للقتال، وهجوم وكر بين الفريقين، وتروس تهز، وغابات من الحراب،
وسيوف مسلولة، ورشق نبال، ولمعان أسلحة ذهبية ودروع من كل صنف. 4فكان
الجميع يصلون لكى يكون مَآلُ هذه الرؤيا خيراً.

 

الرؤيا
:
لعل
هذا المشهد الذى رآه سكان المدينة المقدسة، كان يؤكد أن الأمر هو من الله، وليس
لأحد سلطان أن يقوم من تلقاء ذاته بشن الحرب ضدهم أو اضطهادهم، ما لم يسمح له الله
بذلك من أجل خيرهم هم أيضاً، وهو سينتصر لهم فى النهاية أيضاً، حتى وإن وقع بعض
القتلى وحدثت بعض الخسائر، وكأن
ّ هذه الحرب التي على السحاب هى قتال بين
قوات الظلمة وأجناد النور.. إن الحرب هى للرب ولمسيحه، وقد حدث بعد ذلك بقليل أن
استعاد المكابيون لأمتهم كرامتها ولعقيدتهم قدسيتها وسلطانها. ومات أنطيوخس وكذلك
مات خلفاؤه من بعده، ودالت دولة السلوقيين بينما بقى شعب الله. وتسلّم السيد
المسيح هذه الأمة ليؤسس ملكوته.

وقد
حدثت رؤيا مشابهة لهذه الرؤيا قبل خراب أورشليم سنة 70م. حيث كانت نذير نهاية ظلّ
الأمور العتيدة وقيام مملكة المسيح إسرائيل الجديدة، يقول يوسيفوس المؤرخ اليهودى:
أنه وقبل خراب الهيكل بوقت قصير ظهرت خيول من نار فى السماء وعليها ركاب من نار
أيضاً، وكانوا يطيرون بالقرب من الأرض وكان جميع سكان أورشليم ويهوذا يرونها.
هذا وقد
أوحت النبوة الواردة في (يوئيل 3: 3-8) إلى اليهود أن يتوقّعوا أن تبشر الظهورات
بأمور مدهشة وعظيمة.

 

أمّا
الكاتب الإنجليزى الشهير وليم شكسبير فقد أوحت هذه الرؤيا إليه، بمشهد من مسرحيته
الشهيرة يوليوس قيصر إذ يرد فى المشهد الثاني من الفصل الثانى:

محاربون قساة أشداء يحاربون فوق السُحب فى صفوف وفرق وحرب حقيقية وتعلو ضوضاء المعركة فى الهواء وتصهل الخيل ويئن الرجال المحتضرون.

 

الحملة
الثانية على مصر:

وكانت
هذه الرؤيا نبوءة عن قيام أنطيوخس أبيفانيوس باضطهاد اليهود عقب فشل حملته الثانية
على مصر، وتبدأ الخلافات بين البطالمة فى مصر والسلوقيين فى سوريا عندما أعطى
أنطيوخس الثالث الكبير إقليم "جوف سوريا" قهراً لكليوباترا الأولى ابنة
بطليموس الأول عند زواجه منها، وبعد موتها اختلف ورثتها مع السلوقيين حول تفسير
تلك الهبة، هل كان جوف سوريا أحقية دائمة للبطالمة، أم أن خراجه يعطى لكليوباترا
ما دامت على قيد الحياة؟ ولكن أنطيوخس حسم الأمر لصالح السلوقيين واحتفظ بجوف
سوريا، وتحرّش البطالمة بالسلوقيين أكثر من مرة لاستعادته أو الحصول على خراجه،
فقد شرع بطليموس السادس (180 145 ق.م.) فى شن حرب عليهم لاسيّما وقد كانت روما
تكره أنطيوخس، إذ فكر فى استرداد ما فقده أبوه فى حربه مع الرومان، غير أنهم
غيرّوا موقفهم من جهته.

من ثم أرسل
كل من الطرفين وفداً إلى روما حيث كانت الأخيرة تعاني من هزيمتها على يد برسيوس فى
171 / 168 ق.م. ولكن القنصل أميليوس ليبيدوس حذّر البطالمة من رفع شكواهم إلى
الرومان، بينما راسلوا أنطيوخس بأن "مارسيوس فيلبس" الخبير بالشرق سوف
يكتب لبطليموس السادس، واعتبر أنطيوخس ذلك موافقة ضمنية منهم للتدخل فى مصر، فزحف
عليها فى ربيع سنة 170 ق.م. بعد أن أرسل إلى روما أبولونيوس مبعوثه الشخصى يطلعهم
على نيته فى احتياج مصر معتمداً فى ذلك على سابق صداقته معهم حين كان أسيراً هناك.

والتقى
بطليموس الخامس بجيشه مع جيش أنطيوخس الرابع عند بلوز (نواحى بور سعيد) ومع
قوة وبأس الجيش السلوقى فإن أنطيوخس لم يمل إلى قتل الجنود المصريين بل أسرهم مما
أكسبه تقديرهم، واحتلّ أنطيوخس بلوز وقبض على بطليموس السادس، ثم عقد صلحاً
مع الأخوين واللذان كانا متخاصمين حيث استأثر الخامس بالسلطة مستبعداً شقيقه،
وتفاوض مع بطليموس السادس وهو ابن اخته أيضاً، مولماً له وليمة، ومن ثم جعله يوقع
على وثيقة معاهدة، وقعت بها مصر تحت وصاية أنطيوخس والذى توجه حالاً إلى
"منف" حيث توج هناك كملك! فى وجود بطليموس ذاته، ثم استولى على الكثير
من كنوز مصر(1).

ومن
بين العملات التى تم اكتشافها البعض الذى يحمل صورة أنطيوخس أبيفانيوس حيث سكت تلك
العملات فى مصر وقبرص مما يؤكد ما حدث، غير أن أهالي الإسكندرية ثاروا على بطليموس
السادس لقبول ذلك، وعندئذ خلعوه وثبتوا مكانه بطليموس يورجيتيس الثانى، وبينما كان
أنطيوخس فى طريقه إلى اليهودية لقمع الانتفاضة التى سمع بقيامها هناك، قرر
الانتقام من أهالى الإسكندرية لقيامهم بخلع بطليموس السادس، وفى الطريق من
"بلوز" إلى الإسكندرية، تقابل مع وفود مصرية وأجنبية ورغم موافقته على
التفاوض فقد حاصر الإسكندرية، وعندئذ أرسل البطالمة مندوبين عنهم إلى روما حيث
قابلهم مجلس الشيوخ الرومانى فى 15/3/167 ق.م. فى تلك الأثناء رفع هو الحصار عن
الإسكندرية بينما ترك حامية عسكرية فى بلوز عائداً إلى أنطاكية وهو يأمل أن تتسبب
المنازعات بين الأخوين فى إضعاف مصر، غير أن الأخوان وبسعاية كليوباترا اتفقا على
حكم البلاد سوياً وذلك فى 169 / 168 ق.م.

وضاق أنطيوخس بذلك فقرر
غزو قبرص على يد "بطليموس ماكرون" فى حين أرسل جيشه إلى مصر فى خريف عام
168 ق.م. وفى الطريق وعلى حدود مصر تقابل معه وفد مصرى طالبين إليه الكفّ عن
مهاجمة البلاد مقابل أية عطايا، فاشترط أخذ قبرص وبلوز والمدن التى حولها، بل أنه
حددّ موعداً لقبول الشرط. ووصل وفد روما وكان مكوناً من ثلاثة شخصيات كبيرة لحل
النزاع بين الطرفين، حيث أمروه بمغادرة مصر! وهنا شمت فيه اليهود
(على حدّ
زعم البعض)
وكان
ذلك من دواعى الانتقام منهم. (1)

 

ياسون يفشل
فى استرداد وظيفته

5 وشاع خبر كاذب بأن أنطيوخس قد فارق
الحياة، فأتخذ ياسون جيشاً ليس بأقل من ألف نفس، وهجم على المدينة بغتة، ودَحَرَ
الذين على الأسوار وأخذ المدينة فى آخر الأمر، فهرب منلاوس إلى القلعة. 6
فأخذ ياسون يذبح أهل وطنه بغير رحمة، ولم يفطن أن الظفر بالإخوة هو الفشل عينة،
ظناً منه أنه يأخذ مغانم من أعداء، لا من بنى أمته. 7 ولكنه لم
يَستَولِ على الرئاسة، ولم ينل أخيراً من كيده سوى الخزى، فهرب ثانية إلى أرض بنى
عمون. 8 فكان لتصرفه السيئ خاتمة، وذلك بأنه وُشِىَ به إلى الحارث،
زعيم العرب، فجعل يفر من مدينة إلى مدينة، والجميع يطاردونه ويبغضونه بغضهم
لمنأرتد عن الشريعة، ويمقتونه مقتهم لمن هو قتال لأهل وطنه، حتى أطيح إلى مصر. 9
فكان أن الذى غرب كثيرين، هلك فى الغربة، فى أرض لكديمون، وقد ذهب إليها راجياً أن
يجد فيها ملجأ نظراً لوحدة الأصل. 10 والذى طرح كثيرين بغير دفن لم يبك
عليه ولم يحصل على مأتم ولا دفن مع آبائه.

 

كان من شأن
وفاة أنطيوخس الرابع أن تترك الامبراطورية السلوقية في وضع صعب، فقد كان انه
أنطيوخس الخامس ما يزال طفلاً صغيرا، بينما كان ديمتريوس ابن سلوقس الرابع والبالغ
من العمر 17 سنة رهينة في روما في ذلك الوقت. وكانت شخصية الملك عاملاً هاماً في
الملكية السلوقية المطلقة، وحتى لو استطاع ديمتريوس الهرب من روما واستلام الحكم،
لكان من المؤكد حدوث صراع ما بين مناصري اسرة أنطيوخس الرابع، ومشايعي اسرة سلوقس
الرابع.

وفي ظل
شائعات موت الملك يمكن لياسون الشعور بالحرية لكي يتمرّد، لا سيّما إذا توقّع
تحقيق نبوة دانيال (2: 37-45) بخصوص اضمحلال مملكتي السلوقيين والبطالمة، ولم يكن
تمرد ياسون موجها إلى الامبراطورية السلوقية، بل إلى خلع منلاوس من رئاسة الكهنوت.

كان ياسون
قد لجأ إلى أرض بنى عمون (أرض طوب) عقب طرده من رئاسة الكهنوت وتعيين منلاوس مكانه
(4: 26) فما أن ترددت أصداء الشائعة التى تفيد بمقتل أنطيوخس فى مصر، حتى هاجم
ياسون أورشليم بغتة فى محاولة منه لاسترداد رتبته، وربما يكون قد جمع رجاله من
"عرق الامير" (قلعة هركانوس الطوبي) حيث استطاع بالفعل الاستيلاد على
المدينة رغم قلة العدد الذى معه، وإن كان ما يزال هناك مناصرون له، ما لم يكن
الجنود الألف هم من المرتزقة(1). ومن الواضح أن هركانوس نفسه لم يشترك
في هذا الهجوم، إذ أنه أغلب الظن قد انتحر قبل قبل ذلك الوقت بسبب يأسه (كما مرّ
بنا).

وقد
قهر ياسون السكان هناك، مما اضطرّ منلاوس نفسه إلى اللجوء إلى القوات السلوقية فى
قلعة عكرة حيث احتمى فيها، وربما يكون قد تسرّب هو ورجاله لاحقاً من القلعة، وربما
انسلّ أحد رجاله فقط للحصول على المعونة بينما بقى منلاوس نفسه تحت الحصار، بينما استنجد
رجال أورشليم ب" الحارث الثاني" (أرتاس الثاني
AretaV) ملك النبطيين (راجع التعليق على 1مكا 5: 25) والذى راح يطارد
ياسون من بلد إلى آخر، فبدأ بمصر – إذ كانت مصر ملاذا طبيعياً لياسون المتمرد على
المملكة السلوقية- ليغادرها بعد قليل متوجهاً إلى لكديمون (اسبرطة) حيث كان
يظن أن هناك صلة قرابة تجمع ما بين اليهود والاسبرطيين (راجع التعليق على الرسالة
الواردة
في
مكابيين أول 12: 6-21).

ويتضح
لنا من الكتاب أن ياسون قد قضى أياماً سيئة فى نهاية حياته، وإذ لم يكن له من
أصدقاء فقد عدم من يهتم به، فدارت عليه الدوائر، وعوض المجد الذى باع كل شئ من
أجله، والكرامة التى سعى إليها بالسيف والغش، فقد كل شيء ومات مأسوفاً عليه بل أنه
لم يجد من يكفنه ويدفنه يقول الكتاب عن يهورام ".. فمات بأمراض رديّة ولم
يعمل له شعبه حريقة كحريقة آبائه. من وذهب غير مأسوف عليه ودفنوه فى مدينة داود
ولكن ليس فى قبور الملوك" (أخ 21: 20) راجع أيضاً (1مل 13: 22 و إرميا 8: 2).

 

انطيوخس
ينتقم من اليهود لتذمرهم

11فلما بلغت الملك هذه الأحداث، استنتج أن
اليهود انتفضت عليه. فغادر مصر ثائراً كالنمر وأخذ المدينة عنوة. 12وأمر
الجنود أن يقتلوا بغير رحمة كل من صادفوه ويذبحوا الذين يصعدون إلى بيوتهم. 13فكانت
مجزرة الشبان والشيوخ، وإبادة النساء والأولاد، وذبح الفتيات والأطفال. 14فهلك
ثمانون ألف نفس فى ثلاثة أيام، منهم أربعون ألفاً سقطوا فى المعركة، وبيع منهم عدد
ليس بأقل من القتلى.

 

كان
إدخال ياسون رئيس الكهنة للمؤسسات اليونانية (الأغرقة) على نحو هادئ مسالم، قد
لاقى ترحيباً حذراً من اليهود لاسيّما وقد سرّهم أن يصبحوا أنطاكيين (لهم
الامتيازات الأنطاكية) ولم يهاجم اليهود هذه المؤسسات فى البداية خاصةً وأنها كانت
مراسيم الملك ذاته، ورغم أن التوراة نفسها قد أمرت بمحو شر عبادة الأوثان من الوسط
(تثنية 13: 2 – 6 و 17: 2 – 7 ألخ) إلاّ أن الأنطاكيين لم يبدُ أنهم من عبدة
الأوثان، وبالتالى فقد امتنع اليهود عن مهاجمة الأنطاكيين لئلا يكون فى ذلك تمرّد
على الملك، الأمر الذى نهى الله عنه.

ولكن
الأنطاكيين والذين نشأوا على الرشوة والمكائد (4: 7 – 9) انقسم اتباعهم المتهللنون
إلى فريقين حول ياسون ومنلاوس، وقد اتهم ياسون بعبادة الأوثان (4: 18 – 20) مثلما
أتهم منلاوس بالرشوة (4: 24،45) وبسرقة أموال الهيكل (4: 32) والتحريض على القتل
(4: 33 – 34) ومحاولة القتل الجماعى التى قادها شقيقه ليسيماخوس (4: 39 – 42).
ولابد أن الاعتداءات الوحشية التى قام بها الأنطاكيين قد جعلت اليهود المتدينين
يكرهون كلا الفريقين، حتى إذا ما ترامت أنباء عن وفاة الملك بلا وريث ُكفء للعرش،
يكون اليهود المتدينون أكثر ميلا للتصرف وفقاً لمعتقداتهم اللاهوتية والآخرواتية،
ومن هنا فمن الجائز أن يكون اليهود المتدينون هم الذين طردوا قوات ياسون وحاصروا
منلاوس ومؤيديه بالقلعة.

كان
منلاوس قد شغل منصبه بمقتضى مرسوم صادر عن أنطيوخس الرابع، ومن هنا فربما يكون
منلاوس قد احتج لدى الملك بأن هجوم المتدينين عليه يعتبر تمرد على الملك شخصياً،
وفى الوقت ذاته ربما يكون الطوبيين وغيرهم من الأنطاكيين قد تقدموا باعتراض مماثل
بشأن هجوم المتدينين عليهم.

هكذا
حاول كِلا الفريقان استمالة الملك جهته، وربما يكون أنطيوخس قد اعترته الدهشة
عندما رأى المتدينين اليهود يفتحون له الأبواب، ولكن الملك فى النهاية رأى أن
معتقدات اليهود الدينية هى التى أحالتهم إلى متمردين، ومن ثم شرع فى معاقبة
المدينة.

ولكن
هل كان انقلاب ياسون هو السبب الرئيسي فى انسحاب أنطيوخس من مصر سنة 169 ق.م. ؟ أو
أرجأت استكمال استيلائه على مصر؟. على الرغم من أن قوة ياسون لم تتجاوز الألف رجل،
فقد كان أنطيوخس على وشك الاستيلاء على كامل المملكة البطلمية، وكانت مصر فى ذلك
الوقت أضعف من أن تقوم بطرد أنطيوخس نظراً لظروفها السياسية، والتى سبق شرحها فى
مدخل هذا الاصحاح، وكذلك فى تفسيرنا لسفر المكابيين الأول.

ولكن
أنطيوخس كان لديه فى مصر المهزومة الكثير من المخاوف إذا ما أخفق فى كبح ثورةً فى
بلاده، ولم يترك هذه المهمة لأحد رجاله، وعلى الرغم من أن روما تدخلت فى العام
التالى 168 ق.م. لإنهاء الحرب فى مصر وإرغام أنطيوخس على العودة، إلا أنها فى هذا
العام 169 ق.م. كانت منشغلة بالحرب المقدونية، ولكن روما مع ذلك كانت تستغل مثل
ثورة ياسون، للتدخل فى كبح جماح أنطيوخس وذلك من خلال اطلاق سراح ديمتريوس وريث
العرش والمسجون هناك آنذاك. وفيما بعد فى عام 165 ق.م. قبل أنطيوخس مخاطرة القيام
بحملة بعيدة تاركاً خلفه أحد نوابه لإخماد ثورة فى اليهودية (1مكا 3: 27 – 37)
إلاّ أن حملته فى ذلك الوقت لم تمثل تهديداً للمصالح الرومانية، وضعفت
الإمبراطورية البطلمية ذاتها بفعل الصراع على السلطة.(1)

من
هنا يتضح أن
انقلاب ياسون ربما كان السبب المباشر الوحيد
لانسحاب أنطيوخس من مصر عام 169 ق.م.

وقد
اعتبر أنطيوخس ثورة ياسون على منلاوس عصيان عليه هو وعلى سلطته، كما نظر إلى ما
حدث أثناء وجوده فى مصر بمثابة تمرد وعصيان، وبعد إذلاله فى مصر على يد الوفد
الرومانى كما سبق القول لم يكن فى حالة تسمح له بتحمّل مثل هذا التمرد، وهكذا كان لهذا
العامل السياسي دوراً إضافياً وراء اضطهاده لليهود بهذه الوحشية، وإن كان كل من
الواقع العقيدي والسياسي وثيقي الصلة أحدهما بالآخر، حيث شعر بأن هؤلاء القوم لا ُيؤمن
جانبهم، فبينما هتفوا بحياته فى أورشليم فى الأصحاح السابق (آية 22) ها هم قد
شمتوا به عند عودته من مصر مهيض الجناح.

وراح
يبطش بسكان المدينة، وقد يبدو للوهلة الأولى أن عدد الذين قتلهم وكذلك الذين
سباهم، كبيراً جداً، وكان سكان أورشليم فى ذلك الوقت يقارب عددهم مئتين وخمسون
ألفاً، ولم يكن الذين ُقتلوا هم من الجنود المدرّبون وإنما أكثرهم من عامة الشعب،
حيث لم يفرق رجال أنطيوخس بين رجل وامرأة وطفل وشيخ. وكان من شأن ذلك إيقاع الرعب
فى قلوب سكان المدينة أجمع، وبينما قتل أربعون ألفاً فقد سبى عدد مماثل لهم(1).

ولقد
كان ذلك عتاباً من الله لشعبه إلى حين بسبب خطاياهم (آية 17) ولكنه سريعاً ما يصفح
عنهم إن هم تذللوا قدامه ورجعوا عن طرقهم الرديئة. أمّا عن عدم ذكر الأسرى في (1مكا 20-28) فالسبب فيه يرجع إلى التركيز على
الحادث المروّع وهو سلب مقتنيات الهيكل، ويؤكد ما ورد في كتاب "وصية موسى 6:
8" شهادة شهود معاصرون.

وقد
تعامل أنطيوخس مع اليهود الذين أحبطوا محاولة ياسون، باعتبارهم متمرّدين (دانيال
7: 21، 25) وهكذا يبدو لنا وكأنّ الله يستخدم سلوك أنطيوخس كقضيب غضب على اسرائيل
العاصية، انظر (4: 15-17 و5: 11، 17-20) وطبقاً لما رآه دانيال فقد كانت أفعال
أنطيوخس جزءا من سلسلة طويلة من المجازاة الإلهية لاسرائيل، بسبب خطايا اقُترفت
على مدار قرون سابقة. ولكن دانيال مع ذلك يشير إلى ضحايا أنطيوخس باعتبارهم "
قديسين"، ويضيف في (11: 28)أن هدف أنطيوخس كان "العهد المقدس" أي
الموضع المقدس(1).

 

نهب الهيكل

15 ولم يكتف بذلك، بل أجترأ على دخول
المقدس الذى هو أقدس مكان فى الأرض كلها، وكان دليله منلاوس الخائن للشريعة
والوطن. 16 وأخذ الآنية المقدسة بيديه القذرتين، وقبض بيديه الدنستين
على ما أهداه ملوك آخرون لتحسين المكان المقدس ولمجده وكرامته. 17فتشامخ
أنطيوخس فى نفسه، ولم يفطن إلى أن السيد غضب إلى حين بسبب خطايا سكان المدينة.
ولذلك أهمل هذا المكان المقدس. 18ولولا أنهم أنهمكوا بخطايا كثيرة،
لجلد هو أيضاً حال دخوله وردع عن جسارته، كما جرى لهليودورس الذى بعثه سلوقس الملك
لافتقاد الخزانة. 19ولكن الرب لم يختر الأمة لأجل المكان المقدس، بل
المكان المقدس لأجل الأمة. 20 ولذلك، فبعد أن اشترك المكان المقدس فى
مصائب الأمة، عاد فاشترك فى النعم، وبعدما خُذِلَ عند غضب القدير، أعيد إلى كامل
مجده، عند تصالحه مع السيد العظيم. 21وحمل أنطيوخس من الهيكل ألفاً
وثمانى مئة قنطار وبادر إلى العودة إلى أنطاكية، وقد خيلت إليه كبرياؤه وتشامخ
نفسه أنه يُسَيَّرُ السفن فى البر ويقطع البحر بالقدم. 22وترك مشرفين
يسيئون إلى الأمة، منهم فيلبس فى أورشليم، وهو فريجى الأصل، وكان أشرس أخلاقاً من
الذى ولاه، 23 وأندرونكس فى جرزيم، وأيضاً منلاوس الذى كان يفوق كليهما
شراً لأبناء وطنه. وكان الملك يضمر لليهود أبناء وطنه عداء متأصلاً.

 

كان
محظوراً على الوثنيين دخول الفناء الداخلي للهيكل، ومع ذلك فقد تنكّر رئيس الكهنة
نفسه للشريعة ومكّن أنطيوخس من ذلك، وكان ما يزال يتحرّق شوقاً إلى الاستيلاء على
كنوز الهيكل والتى سمع عنها (3: 7 و 4: 8 وما يليها، 27) فقد فشل هليودورس رئيس
وزراء سلوقس الرابع الملك السابق من قبل فى نقل تلك الكنوز إلى خزينة المملكة،
وانتهزها أنطيوخس فرصة إذ لم يمسّه سوء بقتله مثل هذا العدد الضخم من اليهود،
وهكذا واصل الانتقام فى اتجاه آخر، ليحمل المزيد من خزائن الهيكل والتى كان ياسون
ومنلاوس قد سرقا منها الكثير.

وحمل
الأوانى المقدسة وهى أوانى الخدمة فى الهيكل مثل الكئووس والأطباق والطاسات والمجامر
وجميعها مصنوع من الذهب، مثلما فعل من قبل نبوخذ نصر ملك بابل ".. وأخرج من
هناك جميع آنية هكيل الرب وخزائن بيت الملك وكسر كلّ آنية الذهب التي عملها سليمان
ملك اسرائيل في هيكل الرب كما تكلم الرب" (2مل 42 : 13). وكانت ضيقة عظيمة فى
البلاد.

ويعلّل
الكتاب ذلك بأن الله لم ينصر أنطيوخس على اليهود، وإنما هُزم بسبب خطاياهم، وأن
ذلك سيكون إلى حين، وكان يتوجّب على أنطيوخس إدراك ذلك، فإنه لن ينجح على مدار
الزمن فى إذلالهم بل سريعاً ما يعودون إلى الرب مقدمين التوبة، وحينئذ يقتصّ لهم
منه معيداً إليهم مجدهم.

فإنه
هكذا سلك الله مع شعبه منذ القديم، فقد كانوا يُسلمون إلى أيدي الأمم لتأديبهم،
فما أن ينسحقوا قدامه حتى يرثي لهم ويدحر عنهم الأعداء، وأما السبب فى أن أنطيوخس
لم يتلقّ نفس عقاب هليودورس، فهو أن اليهود كانوا قد طلبوا جميعاً من الله وبروح
واحد مع الصلاة والصوم والاتشاح بالمسوح، لكى يفتقدهم وينقذهم من هليودورس، ففعل،
غير أنه لا أثر لمثل ذلك المسلك فى حالة أنطيوخس، ومع كل ذلك فلا مانع من أن يؤدّب
الله الأبرار، إذ أن التجارب لا تأتى بالضرورة نتيجة شرور الإنسان.

 
المكان
المقدس لأجل الأمة وليس الأمة لأجل المكان:

من أروع
التعبيرات التى وردت فى السفرين، حيث تؤكد تكريس الله للطبيعة والخليقة بل والخدمة
والمسكن المقدس لأجل الإنسان، بل الله ذاته نزل من أجل الإنسان ومات أيضاً لأجله،
هكذا استخدم الله ما جرى للموضع المقدس لخير الأمة، وكان نهب الهيكل من أجل ضعفهم،
ثم تمجّد من جديد عندما رجعوا إلى الله، فجاء تطهير الهيكل والاحتفال بتدشينه، إن
الله يعنيه الشعب أكثر من المكان الذى يعبدونه فيه، لقد عبدوه من قبل فى العراء..
ثم فى الخيمة ثم فى الهيكل فى عهد سليمان، كذلك عبدوه فى المخادع وشقوق الجبال وفى
المجامع حيث تشتتوا فى شتى البلاد. ُانظر: (أخبار الأيام ثان 7: 12-22 وإرميا 7:
3-15 وزكريا 1: 12-17 و2: 14-16 ودانيال 9: 16-19).

وفى السنين
التى تلت ذلك صرّح الربيين بأن السبت إنّما ُجعل لأجل الإنسان، لا الإنسان لأجل
السبت، وهو ما ورد على فم الرب ذاته ليؤكد هذه الحقيقة: " ثم قال لهم السبت
إنما ُجعل لأجل الإنسان لا الإنسان لأجل السبت إذ أن ابن الإنسان هو رب السبت
أيضاً " (مرقس 2: 27،28) وهكذا جاء هذا التأكيد على تفضيل وأولوية الشعب على
المؤسسة تمهيداً للإنجيل والعهد الجديد حيث علاقة شخصية بال،له وفى اللاهوت القبطى
يأتى التعريف الحقيقى للكنيسة: " الكنيسة هى جماعة المؤمنين، المجتمعة فى بيت
الله المُدشّن، برعاية الإكليروس، حول الجسد والدم). راجع أيضاً (1أخ 17 : 9 و
إرميا 7 : 14 ).

وهذا ويبلغ
مقدار ما حمله أنطيوخس معه من الهيكل، ما يقارب 59 مليون جنيه (1800 قنطار فضة ×
26.25 كجم × 1.25 جنيه) ويوحي هذا المبلغ الكبير بأن أنطيوخس قد استولى أيضا على
الودائع الشخصية، وكذلك أواني الهيكل وكنوزه، انظر: (1مكا 1: 21-24). هذا وقد
اعترض الموالون للهيكل الثاني باعتباره موضع الله الُمختار، على أن عملية السلب
ُتؤكّد بحسب رأيهم أن الله ما يزال رافضاً إياه.

كان لدى
أنطيوخس مبرر قوي للاسرع بالعودة إلى أنطاكية " بادر بالعودة.. آية 21 "
وذلك لمواجهة أية تحرّكات
محتملة يقوم بها مناصرو
عائلة سلوقس الرابع، وقد رأى البعض في ذلك تحقيقاً لنبوة إشعياء عن ملك أشور الذي
يأتي مثل طوفان على اليهودية ثمّ يفيض ويمضي.

 
بداية
الاضطهاد السلوقى لليهود

أعادت هذه
الهجمة الشرسة لأنطيوخس على اليهود، بعض الثقة التى فقدها عند حدود مصر عندما
أجبره الرومان على التخلى عن مصر، لاسيما وأنه لم يلق من اليهود مقاومة تذكر، ومن
ثم فقد فكر فى توحيد أجزاء مملكته لغةً وعقيدةً، وذلك من خلال فرض الحضارة
الهيلينية.

ورغم
ما فى (الآية 21) من بلاغة فى التعبير المجازي والذي يعكس تشامخ وكبرياء قلب
أنطيوخس، إلاّ أن ذلك قد حدث مراراً، فقد قام الإسكندر الأكبر بإقامة جسر يربط ما
بين اليابسة وصور والتى كانت جزيرة فى ذلك الوقت، ذلك عن طريق ردم هذا الممر فى
البحر، حيث استطاع محاصرتها وفتحها فى النهاية، كما حدث فى حروب أخرى أن اضطر
الفاتحين إلى تسيير السفن على اليابسة، من خلال قضبان ُتوضع على الأرض ثم ُتسكب
فوقها الشحوم لتنزلق السفن من فوقها، وذلك عندما ُيراد نقل السفن من مجرى مائي إلى
آخر مباشرة دون الحاجة إلى الدوران طويلاً عن طريق البحار والأنهار وقد حدث مثل
ذلك أيام الفراعنة، ثم نقرأ عن مثل ذلك فى أحداث فتح القسطنطينية من قِبل الأتراك
فى القرن الرابع عشر.

أما
فيلبس المذكور هنا فهو الذى حلّ محلّ سَتستراتس قريتس (4: 29 ) كحاكم
لأورشليم. وهو فريجى الأصل، وعلى الرغم من أن " فريجية " لم تكن خاضعة
فى ذلك الوقت للملكة السلوقية، إلاّ أن القادة كانوا يجلبون منها الجنود المرتزقة،
وربما كان فيلبس هذا محارباً من عهد أنطيوخس الثالث. وهو الذي اضطهد اليهود بوحشية
(6: 11) وهو بالتالي ليس "فيلبس صديق الملك" المذكور فى (9: 29 و 1مكا
6: 4) وكان يمكن لقواته أن تقوم بغزوات في القرى أثناء عمليات الاضطهاد. وقد قام
فيلبس هذا بمهاجمة أولئك الذين احتموا بالمغائر فى الجبال حيث قام بإحراقهم وربما
بسبب فعلته هذه وصف فى (الآية 22) بأنه أكثر شراسة من أنطيوخس ذاته.

وأماّ
أندرونيكس: فهو شخص آخر خلاف الوارد فى (4 : 31 وما بعدها) وكان يقيم فى
جرزيم التابعة للسامرة، حيث كان السامريون مضطهدون ومظلومون، راجع (يوحنا4: 20)
وقد تم فى وقت لاحق تحويل الهيكل السامري فى جرزيم إلى معبد للإله "زيوس
المضياف". وُيلاحظ هنا أن اليهود يغضون الطرف عن لخلافات العقائدية فيما
بينهم وبين السامريين، وكذلك بشأن هيكل جرزيم غير القانوني، طالما أن لكلٍ من
الشعبين عدو واحد.

وكان
كل من فيلبس وأندرونيكس برتبة ممثل للملك، وقد تركهما فى اليهودية لضمان خضوع
اليهود، ولمراقبة تحركاتهم، حيث كان دليلهم فى ذلك منلاوس، والذى يتحمّل الوزر
الأكبر فى تلك المؤامرة.

وفى
(الآية 23) دُعى اليهود أبناء وطن أبيفانيوس، بمعنى أنهم من ضمن رعاياه ومسئولون
منه، شأنهم فى ذلك شأن جميع الأجناس وأصحاب المعتقدات الأخرى الواقعة فى دائرة
مملكته، غير أنه خصّهم بكراهية شديدة واضطهاد، وهذا بعكس ما قيل من أنه أضطهد
الذين فى أورشليم فقط دون يهود الشتات.

فى
جرزيم :
ذكر
اسم جرزيم للدلالة على السامرة، والمقصود ضمنا هو هيكل السامرة، ولم يذكر الوحي
المقدس هنا كلمة هيكل لأسباب دينية، إذ لا يعتبر هذا البناء هيكل في نظر
الله أو في نظر مؤمنيه، وطبقا ليوسيفوس: تنكر السامريون لدينهم وقرروا أنهم لا صلة
لهم باليهود، وقد فعلوا ذلك ليتخلصوا من العقوبات المقررة من قبل أنطيوخس.

 

أبولونيوس
يهاجم أورشليم

24 فأرسل أبلونيوس، قائد المرتزقة، فى
اثنين وعشرين ألف جندى، وأمره أن يذبح كل بالغ منهم، ويبيع النساء والأولاد. 25فلما
وصل إلى أورشليم، أظهر السلام وانتظر إلى يوم السبت المقدس، حتى إذا استراح
اليهود، أمر مرؤوسيه بعرض تحية. 26وذبح جميع الذين خرجوا لمشاهدة
العرض، ثم اقتحم المدينة بالسلاح وأهلك خلقاً كثيراً. 27 وكان يهوذا
المكابى قد أنصرف إلى البرية مع عشرة رجال آخرين، وكان يعيش مع أصحابه فى الجبال
عيشة الوحوش ولا يأكلون إلا العشب، لئلا يصابوا بنجاسة.


أبولونيوس قائد المرتزقة (آية 24):

 أبولونيوس
هذا هو المذكور فى (1مكا 1: 29-37) وفى ترجمات أخرى مثل الفولجاتا جاء اسمه
مقروناً بلقب الرئيس أو " الميسي
Musaschen
" حيث يقصد به قائد الجنود الميسيين نسبة إلى "ميسية". وفي
الترجمة المعتمدة الكاثوليكية الحرفية: (الرئيس البغيض) وجاءت في اليونانية: (
musarchV)
وهي كلمة لا يوجد لها مثيل، والكلمة في النص العبري الأصلي (موسيم) ويقول البعض
أنها من الفعل (نِسّيه) وقد أقر هذا الرأي علماء كثيرين(1).
وهذه الكلمة
العبرية تعني (المكروهين = البغضاء )، وجاءت في نسخ السفر الآرامية ( روش دِه
كولهون طِمآ = رئيس الكارهين، رئيس الحاقدين)، والكلمة اليونانية (
musia)
= ( بغضة )، ويقول البعض أن الكلمة العبرية موسيم ما هي إلا عبرنة للكلمة
اليونانية ميسيا وهي المدينة التي كانت موطنه الأصلي. كما أن نفس الكلمة
العبرية (موسيم) تعني (جزية) وهنا يمكننا القول أنه كان رئيس الجزية أو الشخص
المكلف بجمع الجزية للملك.

هذا
وتقع ميسية في منطقة الأناضول بجوار بحر مرمرة فى شمال غرب آسية الصغرى، ويذكر
"بوليبيوس المؤرخ" أنه كانت هناك فرقة من الميسيين فى الجيش السلوقى،
ويصف موكباً فى أنطاكية بعد تلك الأحداث بسنوات قليلة، اشترك فيه خمسة آلاف جندي
من الميسيين. وكانت ميسية في ذلك الوقت تابعة لمملكة برغامس، وهي التي كانت ما
تزال مفتوحة أمام التجنيد السلوقي.

 

أرسل
أنطيوخس أبولونيوس هذا بعد سنتين ليتابع استمرار سياساته فى اليهودية، وربما كانت
تعليمات الملك له: اخضاع أى تمرّد هناك، حيث مال هو إلى الخداع عندما أظهر
المسالمة للبلاد والسكّان إلى أن جاء يوم السبت.

 

عرض
تحية:
والمقصود
بها العرض العسكرى
dress parade فما أن بدأ ذلك العرض، حتى خرج الكثير من اليهود فى ذلك اليوم وهو
الإجازة الأسبوعية لمشاهدته، ومع أن ذلك اليوم كان سبتاً إلاً أن وهي ألفي ذراع من
المدينة، ولذلك فقد خرجوا لمشاهدة التشكيلات العرض العسكري كان يقع في حدود
المسافة التي يمكن التحرّك فيها في السبت العسكرية، وربما تخلّل العرض أيضاً بعض
الألعاب المثيرة والمباريات، وعند ذلك غدر بهم جنود أبولونيوس ثم اقتحموا المدينة
المقدسة. وبعد ذلك أقام أبولونيوس القلعة السلوقية فى أورشليم، قلعة عكره (أكرا)
والتى ظلت تمثل شوكة فى ظهر اليهود، وكان وجودها بداية الاحتلال الرسمى لأورشليم
إلى أن اقتحمها سمعان المكابى منهياً بذلك الوجود السلوقى فى البلاد (1مكا13: 49-52).

 

الهروب
إلى البرية وبداية الثورة المكابية:

يجمع
الكتاب هنا (في الآية 27) الأحداث التى وردت في (1مكا 1: 53 و 2 : 28) حيث يرد أن
تلك الاضطهادات هى التى دفعت بالغيورين إلى هجر المدن والالتجاء إلى الجبال، بدءا
ب"متتيا وأولاده" وهم يهوذا والرجال التسعة الذين بصحبته، كالنواة
الأولى للثورة المكابية، أولئك الذين آمنوا بالقضية وحتمية البحث عن مخرج، فحملوا النير
بشجاعة ورجولة نادرة، وهكذا كانت البداية روحية وقوية، إذ يعبر امتناعهم عن كل
نجس، رغبتهم فى العمل بالناموس (14: 7 و لاويين 11). وربما كان المقصود بالنجاسة هنا
هو انتشار الجثث التي خلّفها الثمضطهد، راجع (لاويين 21:1-3) أو تنجيس المقدس
بحلول أولئك الأعداء فيه، حسبما ورد في نبوة دانيال (11:31) عن الأزرع التي ستقوم
من خلال ملك الشمال وتنجّس المقدس.

أمّا
المقصود بحياة الوحوش فهو الحياة وسط الأخطار في عدم وجود مأوى أو طعام ثابت
وثياب، وهو الأمر الذى أشار إليه القديس بولس فى مدحه للمكابيين فى رسالته إلى
العبرانيين: ".. وهم لم يكن العالم مستحقاً لهم. تائهين فى برارى وجبال
ومغاير وشقوق الأرض.. فهؤلاء كلهم مشهوداً لهم بالإيمان لم ينالوا الموعد إذ سبق
الله فنظر لنا شيئاً أفضل لكلى لا يكملوا بدوننا " (عبرانيين 11: 28،29)
.



(1) لمزيد من
التفاصيل
عن غزو أنطيوخس لمصر، راجع:

ANTIOCHUS IV AND THE CONQUEST OF EGYPT
Bevan, Edwyn Robert, 1902. THE HOUSE OF SELEUCUS, Vol II, Edward Arnold,
London.
ANTIOCHUS IV AND
EGYPT CHAPTER XXIII Pages 126-147.

(1)
موسوعة
مصر القديمة / سليم حسن / ج 16 ص 214 243.

(1) يقول يوسيفوس أن أكثر
اليهود الذين في المدينة قد تعاونوا مع ياسون، ويذلك تكون قوته الصغيرة قد حصلت
على عون من داخل المدينة، انظر:
Jonthan A.Goldsten, II
Macc.

(1)
ظن بورفيرى Porphyry أن المقصود فى نبوة دانيال 11: 44 أن أنطيوخس
سمع بأخبار حروب قد شنت عليه من الشمال والشرق، وأنه سوف يعود ويستولى على
"أرادوس" ويخرب الإقليم كله بمحاذاة ساحل فينيقية، ولكن ق. جيروم ينفى
ذلك فى تفسيره لسفر دانيال، وربما حشد أنطيوخس قواته عبر فينيقية تحسباً لأى
تمرد،وربما فسرّ بورفيرى هذا الاستعراض العسكرى المخيف على ضوء (دانيال 11 : 44)
أنظر:
Jonthan A.Goldsten, II Macc.

(1)
في
حوالي سنة 300ق.م. كان هيكتايوس من أبديرا
Hectaeus of
Abdera
قد قدّر عدد سكان أورشليم يحوالي 120 ألف نسمة، غير أن ذلك
لم يكن سوى تقدير جزافي، إذ أن اليهود بطبيعتهم يخشون التعداد لئلاّ يجلبوا غضب
الله (صموئيل ثان 24: -21 و أخبار الأيام أول 21: 1-22).

(1) يرد في سفر اليوبيلات
(كتاب أبوكريفي) إلى أن الأتقياء في أورشليم قد دخلوا في مقاومة مسلحة ضد الأشرار،
كما يشير الكتاب إلى كيفية نهب أنطيوخس لأورشليم وانزال العقاب بالأتقياء (يوبيلات
23: 19-23).

(1) انظر: kritik d. beiden Makk 29

هل تبحث عن  كتب أبوكريفا عهد قديم وصايا الآباء وصية نفتالى 08

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي