الباكورة

 

العظة
الحادية عشر

 

    1
 تأمر الشريعة بأن يقدم للكهنة باكورة كل الثمار وكل الحيوانات: كل من يملك حقلاً
أو كرمًا أو بستان زيتون، أو حديقة وكل من يشتغل في الأرض، كل من يربي أي ماشية،
يقدم لله كل الإنتاج الأول (الباكورة) بأكمله إلى الكهنة. حيث يقول الكتاب المقدس
إن ما قد أعطى للكهنة قد قدم لله. وبذلك نتعلم من الشريعة أنه لا يكون هناك انتفاع
شرعي من ثمار الأرض، أو "من الحيوانات" الأليفة الصغيرة إن لم تقدم
باكورة الكل لله أي للكهنة، وفي رأيي يجب أن نتمم هذا الناموس مثل كثير من
النواميس الأخرى حتى بالمعنى الحرفي[1].

 

التفاسير الثلاثة
للكتاب المقدس

    يوجد
حقًا وصايا من الناموس تلزم تلاميذ العهد الجديد أيضًا بإتمامها. وإذا أردتم
فلنتكلم أولاً عن وصايا الناموس التي ألزمتنا بها الأناجيل، وبعد توضيح هذه النقطة
نبحث عن ما هي المعاني الروحية التي يجب أن نراها فيها. البعض يقول: إذا وجد أي شئ
لإتمامه حسب الحرف فلماذا لا نحفظ الكل؟ وبالعكس فالبعض الآخر يقول يجب أن نُخْضِع
محتوى الناموس للمعنى الروحي، وأنه لا يجب أن نفسر شيئًا حسب الحرف لكن الكل حسب
الروح.

    لكن
نحن بعد تخفيف المبالغة لهذين الوضعين المتباعدين سنحاول أن نعرف بعض القواعد التي
يجب أن نتبعها بالنسبة لنصوص الشريعة هذه معتمدين على نصوص الكتاب المقدس في
المزمور 19، قد كتب: " وناموس الرب  بلا عيب يرد النفوس، شهادة أمينة تعطي
الحكمة للصغار، "وصايا الرب مستقيمة تفرح القلب، أمر الرب طاهر ينير
العينيين، خوف الرب نقي ثابت إلى الأبد، أحكام الرب حق عادلة كلها فيما بينها أشهى
من الذهب والإبريز الكثير وأحلى من العسل وقطر الشهادة
"
(مز19: 8
10)
،
فلو لم تكن هذه الأشياء متمايزة لما أعطى الكتاب المقدس لكل واحدة فضائل خاصة، ولا
نسب خصائص مختلفة لناموس الرب، لتعاليمه، لعدله لأحكامه، إنها إذًا أشياء مختلفة
مثلما أظهرناها وهي الشريعة، التعاليم، الشهادة، البر والدينونة، يظهر الفرق بين
التعبيرات كما نرى بدقة في النص الآتي "الشهادات، الفرائض والأحكام"
(تث4: 44،
45)

التي كلم بها الرب موسى. والناموس نفسه أعطى الحكم للشريعة نفسها أنها هكذا تكون،
أن تميز بذلك الواحدة عن الأخرى. نحن يجب أن نعطي انتباهًا أكثر لقراءات الشريعة،
لأنه حيث يقرأ مثلاً "هذه هي الوصايا".

    كلمة
"الوصية" لا يجب أن تفهم بمعنى كلمة "الشريعة". عندما نقرأ
"هذه الشهادات" فلا يجب أن نعتبر الشهادات مثل "الشريعة"، أو
"الوصية"، كذلك عندما نقرأ "الشهادة" أو "الحكم" لا
يجب أن نخلط هذه العبارة مع الأخرى لكن يجب أن نميز كل واحدة منها.

 

الناموس ظل الخيرات
العتيدة

    فإذا
قرأنا أن " الناموس إذ له الخيرات العتيدة"
(عب10: 1)، فلا يجب
أن نعتقد بذلك أن "الوصية" أو "الشهادات" تكون ظل الخيرات
العتيدة، أخيرًا لكي نأخذ مثالاً من ضمن أمثلة كثيرة فإنه لم يكتب "هذه هي
وصية الفصح". ولكن "هذا ناموس الفصح". وكما أن الناموس هو ظل
الخيرات العتيدة، أي أن ناموس الفصح له أيضًا هذا الظل بدون أي شك. عندما أصل للنص
الذي يتناول موضوع الفصح يجب عليَّ إذًا أن انظر في الحمل الجسدي، ظل الخيرات
الآتية وأفهم بأن " فصحنا المسيح قد ذُبح لأجلنا"
(1كو5: 7). ستجد نفس
التعبير في الفطير وحفظ القوانين الأخرى لأيام العيد، بما أن كل هذه قد رتبت تحت
عنوان "الناموس" في فروض "الناموس" وبما أن الناموس يشير إلى
الخيرات الآتية خلال ظل الحاضر، يجب أن أبحث عن ما هو فطير الخيرات الآتية. وأجد
أن الرسول يقول لنا " إن نعيد ليس بخميرة عتيقة ولا بخميرة الشر والخبث بل
بفطير الإخلاص والحق
"
(1كو5: 8). وعن الختان أيضًا
يقول "هو ناموس الختان" حيث إن الختان قد رتب تحت طقس الناموس، وإن
"الناموس هو ظل"، أبحث إذًا أي ظل للخيرات الآتية يستطيع أن يحتويه
الختان حتى أن بولس الرسول يقول لنا إننا إذا مكثنا في ظل الختان: " إنه
إن أختتنتم لا ينفعكم المسيح شيئًا
"
(غل5: 2)، وأيضًا
" الختان الذي في الظاهر في اللحم لا يعتبر ختانًا"
(رو2: 28
29)
،
اليهودي ليس الذي ختانه في الظاهر في اللحم لكن " اليهودي هو الذي في
الخفاء
"، الختان هو ختان القلب حسب الروح وليس بحسب الحرف، "ومدحه
لا يأتي من الإنسان لكن من الله
". تقريبًا كل ما أعلنه الرسول لا يصلح أن
تتممه بحسب الحرف ولكن سنجده قد رتب عند موسى تحت عنوان "الناموس".

 

وصايا تفهم حرفيًا

    لكن
عندما يقول موسى " لا تقتل، لا تزن، لا تسرق… الخ" سنجد بأنه
لم يعطها عنوان "الناموس". لكن بالأحرى "الوصايا". إذًا هذا
الجزء من الكتاب المقدس لم "ينقض" لكن بالأحرى قد تمم بواسطة تلاميذ
الإنجيل، ولأني قلت أنه ليس "الوصية" لكن "الناموس" هو الذي
ليس إلا "ظل الخيرات الآتية"، بالتالي يجب علينا أن نتمم هذه التعاليم
حسب الحرف، وفي موضع آخر يقول: " لأن هذا صالح ومقبول أمام الله"
(1تي5:
4)

أي يوجد احتياج هنا أن أبحث عن رمز في الرسالة التي هي مجرد قدوة.

    إذًا
نحن قد بينا أنه توجد تعاليم للناموس لا يجب أن تتمم بحسب الحرف، كما أن الرمز لا
يجب أن يحول كلية، لكن يجب أن يتمم مثلما كتب في الكتب المقدسة. أبحث الآن هل يوجد
شخص يستطيع أن يتمم الناموس بالمعنى الحرفي وفي نفس الوقت يجب أن نبحث فيه عن
الرمز، فلننظر إذًا إن كنا نستطيع أن ندعم أقوالنا بكتابات الرسول أو الإنجيل.

 

وصايا تفهم حرفيًا
ورمزيًا

    كتب
في الشريعة " لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسدًا
واحدًا
"
(تك2: 24)، توجد هنا أسرار رمزية. بولس الرسول يعلنها
عندما يقول في رسالته بعدما ذكر هذا النص " هذا السر عظيم ولكنني أنا أقول
من نحو المسيح والكنيسة
"
(1تي5: 32).

    يجب
أن يتمم هذا التعليم أيضًا بالمعنى الحرفي. فالسيد الرب والمخلص علمه بنفسه "
وقال كتب من أجل هذا أن يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان الاثنان
جسدًا واحدًا إذًا ليس بعد اثنين بل جسد واحد فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان
"
(مت19:
5 6)
.
هذا يبين جيدًا أنه تعليم يجب أن يتمم بالمعنى الحرفي. لذلك يضيف " ما
جمعه الله لا يفرقه إنسان
"، لكن في نص آخر عندما يقول الرسول    " كان
لإبراهيم ابنان واحد من الجارية والآخر من الحرة
"
(غل4: 22)، من يجعلنا
نشك أن ذلك يجب أن يفهم حرفيًا، فبكل تأكيد إبراهيم كان له أسحق من سارة وإسماعيل
من هاجر، ولكن الرسول يضيف "وكل ذلك رمز" وأنه يربطهما بالعهدين داعيًا
نسل سارة الزوجة التي وضعت لأجل الحرية، أولاد العهد الجديد، ونسل هاجر الجارية
التي وضعت لأجل العبودية أولاد أورشليم الأرضية.

    اعتقد
أننا بينا بواسطة الكتاب المقدس أن من ضمن تعاليم الشريعة ما لا يجب على تلاميذ
الإنجيل أن يعملوها حسب الحرف، وأن يستبعدوها وألا يهتموا بذلك بالمرة، وتعاليم
أخرى يجب أن تنفذ بتدقيق كما كتبت. وأخرى لها حقائق بحسب الحرف لكن من المفيد
والضروري بأن ينسب لها أيضًا المعنى الرمزي.

    سيكون
إذًا كاتب متعلم في ملكوت السموات ذلك الذي يخرج من كنزه جددًا وعتقاء، إذا عرف في
نص الكتاب المقدس، كيف تارة يطرح كلية "الحرف الذي يقتل" باحثًا في كل
الكتاب عن "الروح الذي يحيي"، وتارة بتأييد معرفة الحرف وتأكيد معناها
النافع والإجباري، وتارة بالاحتفاظ بالمعنى التاريخي وإضافة المعنى السري إليه في
حينه.

 

الباكورة يجب أن يقدمها
المسيحيون لكهنتهم

    هذا
ما يجب أن يعمل يبدو لي في النص الذي بين أيدينا أنه عادل ونافع أن تقدم الباكورة
لكهنة الإنجيل حيث إن الرب أمر " أن الذين ينادون بالإنجيل من الإنجيل
يعيشون، والذين يلازمون المذبح يشاركون المذبح
"
(1كو9: 13 14) بقدر ما
يكون هذا مستحقًا ومناسبًا. وبالعكس فإني أحكم أنه مخالف وغير مستحق وخاطئ ذلك
الرجل الذي يعبد الله وينضم إلى الكنيسة والذي يعلم أن الكهنة والشمامسة يقفون في
الهيكل ويكملون واجباتهم في خدمة كلام الله وفي خدمة الكنيسة، ولا يقدم للكهنة
باكورة ثمار الأرض الذي أعطاه إياها الله "فإنه يشرق شمسه ويمطر أمطاره"
(مت5:
45)
.
إنه يبدو لي بأن روح هذا الرجل في نسيان لله، وهو لا يفكر ولا يعتقد أن الله هو
الذي أعطاه الثمار التي حصدها وأنه يعمل كما لو أن الله ليس له شئ في هذا المحصول،
فلو كان يعتقد أن الله هو الذي أعطاه هذا المحصول لعلم إنه عندما يقدم للكهنة أنه
يكرم الله من عطاياه وتقدماته.

    ولكي
نتبين أيضًا جيدًا من كلام الله أنه يجب أن نتمم تعاليمه بحسب الحرف أيضًا، سنعطي
لذلك أدلة أخرى فيقول السيد الرب في الأناجيل " ويل لكم أيها الكتبة
والفريسيون المراؤون لأنكم تعشرون النعنع
(بمعنى الذي يعطي عشور النعناع)،
والشبت والكمون وتركتم أثقل الناموس الحق والرحمة والإيمان. يا مراؤون كان ينبغي
أن تعملوا هذه ولا تتركوا تلك
"
(مت23:23). تأمل
جيدًا كلام الرب الذي يريد بأن نكمل النقط الأكثر أهمية في الناموس بدون أن نترك
ما أوصى به بالحرف.

    لعلك
تقول أن هذا موجه للفريسيين وليس للتلاميذ؟ أنصت له وهو يخاطب تلاميذه " إن
لم يزد بركم على الكتبة والفريسيين لن تدخلوا ملكوت السموات
"
(مت5: 2). فإنه يريد
أن ما يعمله الفريسيون يتممه التلاميذ أيضًا وبأكثر سعة، فما لا يريد لتلاميذه أن
يعملوه لا يفرضه أيضًا على الفريسيين. لكن كيف يريد أن تلاميذه يعملون أكثر من عمل
الفريسيين؟ أنه يبين ذلك عندما يقول " قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تقتل"
(مت5:
21)
،
والفريسيون يتممون هذا التعليم لكنه يقول للتلاميذ " وأما أنا فأقول لكم
إن كل من يغضب على أخيه باطلاً يكون مستوجب الحكم
"
(مت5: 22)، أيضًا قد
سمعتم إنه قيل لا تزن ولكنه يريد أن بر تلاميذه يتعدى بر الفريسيين لدرجة " أنهم
لا ينظرون إلى امرأة ليشتهوها
"
(مت5: 28). من هذه
الأفكار التي سبق أن ذكرناها نجد الأشخاص ذوو الغيرة في دراسة الكتاب المقدس
يستطيعون بسهولة أن يجدوا أمثلة أخرى لهذه الميزات، حيث يسمعها الحكيم فيزداد
علمًا غير مكتف بأن يمجدها. ماذا سيزداد؟ إنه سيميز في كل إصحاح من الناموس متى
يجب أن يبتعد عن الحرف ومتى يجب أن يتعلق به ومتى سيكون النص القصصي مطابقًا للشرح
السري حيث   " المسيح افتدانا من لعنة الناموس"
(غل3: 13)، أنه لم
يفتدينا من لعنة الوصية ولا من لعنة الشهادة ولا من لعنة الأحكام لكن فقط من لعنة
الناموس. نحن لم نخضع للختان الذي في اللحم وحفظ السبت ولا للفروض الأخرى من هذا
النوع حيث يجب أن نقول أنها تتعلق بالناموس وليس بالوصايا. إذًا كيف يزيد برنا
على  الكتبة والفريسيين. فبينما هم لا يجرؤون أن يذوقوا ثمار أرضهم قبل أن يقدموا
البكور للكهنة ويعطوا ما يخص العشور للاويين، أما بدون أن أعمل ذلك فإني أتمتع
بثمار الأرض بينما الكاهن لا يراها ويجهلها اللاوى، ومذبح الله لا علم له بها!

هل تبحث عن  م الأباء كيرلس الأورشليمى مقالات 16

 

معنيان لكلمة ”الناموس”:

    مع
أنه يجب أن نحدد أن كلمة الناموس قابلة لمعنى مزدوج. فما يدعي "الناموس"
هو كل هذه "التعاليم" كل هذه "الوصايا" "أفعال
البر" "الشهادات" "الأحكام". لكن يوجد جزء من تعاليم
"الناموس" التي تدعى بالأخص "النواميس" وهي التي سبق أن
درسناها أما الناموس بوجه عام فهو ما قال عنه المخلص " أنه لم يأتي لينقض
الناموس بل ليكمله
"
(مت5: 17)، وأيضًا في موضع آخر
"فالمحبة هي تكميل الناموس"
(رو13: 10). الكاتب يسمى الناموس
مجموعة الكتابات المكتوبة في الناموس، قد قلنا ذلك لنشرح أن الوصية بتقديم
الباكورة من المحاصيل ومن القطيع يجب أن تطبق أيضًا بحسب الحرف.

 

المعنى الرمزي ماذا
تبين البكورية

    3
 فلننظر الآن كيف يحمل أيضًا معنى رمزي بمعنى آخر روحي. فلنبحث إذًا النصوص من
الكتاب المقدس بخلاف ما سبق أن تحدثنا عنه حيث نتحدث عن الباكورة " كل دسم
الزيت وكل دسم المسطار والحنطة أبكارهن التي يعطونها للرب لك أعطيتها
"
(عد18: 12). أتبحث
الآن أين تتحدث النصوص عن الأبكار خارج هذا النص لأنه إذا كانت الأبكار تخص الكاهن
الأعظم فيجب علينا أن نبحث عن كاهن أعظم تخصه الأبكار الواردة في النصوص الأخرى من
الكتاب المقدس.

 

يسوع وشخصيات أخرى

    قبل
كل شئ نقرأ عن الرب يسوع المسيح نفسه الذي هو بكر من الأموات. إذًا هو بكر من نوع
معين، نجد أيضًا أن الرسول عند ذكره بعض الأشخاص يسميهم "باكورة آسيا"
وآخرين "أبكار أخائية" حيث يظهر أن في كل كنيسة يوجد بعض المؤمنين الذي
اختبرتهم روح الرسول، يدعون أبكارًا. أضع بينهم كرنيليوس الذي نستطيع أن نسميه بكر
كنيسة قيصرية مع الذين استحقوا معه نوال الروح القدس، ولا يجب أن ندعو كرنيليوس
بكر لهذه الكنيسة فقط، بل أيضًا لكل الأمم، لأنه هو الأول الذي آمن من الأمم
والأول الذي امتلأ من الروح القدس من الأمم إذًا نستطيع أن نسميه بكر الأمم.

 

من الذي يقدم الأبكار

أ  الملائكة

    ربما
نتساءل من الذي يقدم هذه الأبكار لله؟ ومن هو الكاهن الأعظم الذي نعود إليه. على
حسب كلام الرب يبدو أن هذا العالم هو "حقل". هذا الحقل لا يحوي الأرض
فقط، لكن أيضًا قلب كل إنسان يزرعه ملائكة الله. إنهم يحفظون ثمار عملهم بمعنى
الذين يخضعون "لأوصياء ووكلاء" ولم يصلوا بعد إلى الكمال لكن كل الذين
كانت قلوبهم موضع عنايتهم الحريصة، واقتادوهم إلى الكمال، هذه النخبة وهذا
الاختيار من ضمن الآخرين هم الأبكار الذين يقدمون للكاهن الأعظم حيث نقرأ بأن
كرنيليوس قبل أن يأخذ من بطرس تعاليم كلام الله ونعمة المعمودية، علم من ملاك أن
"صلواته وصدقاته صعدت تذكارًا أمام الله"
(أع10: 4)، إذًا
الملاك قد قدم كرنيليوس لله كبكر. 

 

ب  الرسل

    نستطيع
أن نقول أيضًا إن بطرس وبولس والرسل الآخرين يقدمون الأبكار من بين الذين يقبلون
الإيمان بواسطتهم مثلما يوضحه الرسول عندما يقول "من أورشليم وما حولها
إلى الليريكون قد أكملت التبشير بإنجيل المسيح ولكن كنت محترصًا أن أبشر هكذا، ليس
حيث سمى المسيح لئلا أبني على أساس لآخر
"
(رو15: 1920). لاحظ إذًا
أن بولس يقدم ثمارًا من كل الذين تعلموا منه، الذين بشرهم، الذين بدأوا معه في
النمو في الإيمان، وكان يبحث كل الأيام عن حقول جديدة ليحرثها، أرض بور جديدة
ليزرعها. ولهذا السبب قال للبعض " قصدت أن آتي إليكم ليكون لي ثمر فيكم
أيضًا كما في سائر الأمم
"
(رو1: 13)، أقول ملاحظًا ومميزًا
نخبة من ضمن هذه الثمار ومعلنًا كما قلت إن البعض "هم باكورة آسيا"
وآخرين "هم باكورة أخائية"
(رو16: 5)، ملاحظًا وهو يختار
أبكارًا لكل كنيسة ويقدم لله هذه الباكورة. وله ربما أيضًا باكورات، لكن اعتقد
أيضًا أنه يوجد معهم من هم أقل منهم الذين لا يستطيع أن يقدمهم كأبكار ولا كباكورة
لكن كعشور فقط.

 

ج  كل حكيم

    أقول
أيضًا بأن كل حكيم عند تعليمه، عند تبشيره سامعيه، يشبه حارثًا في الكنيسة التي
يعلم فيها بمعنى حارث قلوب المؤمنين، وهذا أيضًا له ثماره، وفي مجموع ثماره يجد
بكل تأكيد رجلاً مختارًا ليقدمه كبكر. يوجد إذًا منهم من يقدم كباكورات وآخرون
كالعشور، وإن لم يكن من التهور التقدم في مثل هذا الموضوع، لكننا نستطيع بلا شك أن
ندعو الباكورات أنهم الذين كتب عنهم " الذين لم يتنجسوا مع النساء لأنهم
أبكار وظلوا بتولين
"
(رؤ14: 4). ونستطيع أيضًا أن ندعو
كذلك الشهداء أبكارًا. وتحت اسم الباكورة أيضًا نستطيع أن ندخل عذارى الكنيسة. أما
بالنسبة للعشور فهم الذين بعد الزواج عاشوا في الزهد والطهارة.

 

عودة للملائكة: دينونة
الملائكة

    لقد
سبق أن بدأنا بالتحدث عن الباكورة التي قدمت بواسطة الملائكة خدام الجنس البشري،
ثم تحولنا للتلاميذ وللحكماء عمومًا، فلنرجع لنقطة البداية. كل ملاك عند نهاية
الأزمنة سيقدم للدينونة آخذًا معه الذين قد وجههم وساعدهم وعلمهم بسبب أنهم "
كل حين ينظرون وجه أبي الذي في السموات
"
(مت18: 10). هنا أظن
أنه سيطالب عما إذا كان الملاك اهتم بتعليم الإنسان أو إذا كان الكسل البشري لم
يستجب لعمل الملاك، كما أنه سوف توجد أيضًا دينونة لأرواح " الذين قد
أرسلوا للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص
"
(عب 1: 14).

    وإذا
كان بسبب جبن في حياتهم تحصل سقطات عديدة في الحياة البشرية. إذا كان الأمر كذلك
فأنه سوف توجد أيضًا دينونة من الله بين الملائكة والإنسان. ربما بعض الملائكة
سيدانون مع حراثهم. بولس يقارن حراثهم مع حراثه، ويقارن حصادهم مع حصاده الذي حصده
من جماعة المؤمنين، لهذا سمح له أن يقول " ألستم تعلمون أننا سندين ملائكة"
(1كو6:
3)
.
ليس بولس نفسه هو الذي يدين الملائكة، لكن الأعمال التي تممها بولس في البشارة
بالإنجيل، وبخصوص نفوس المؤمنين. هنا سيدين الملائكة ليس كلهم لكن البعض منهم.
وربما أيضًا لأجل ذلك قال بطرس " التي تشتهي الملائكة أن تطلع عليها"
(1بط1:
12)
.
ولكن الرسل أيضًا يأخذون المساعدة من الملائكة لأداء رسالتهم في التبشير والقيام
بأعمال الإنجيل بنجاح. بهذا المعنى قيل في أعمال الرسل إنه "كان ملاك بطرس
يقرع على الباب". بنفس الطريقة فبما أنه يوجد ملاك لبطرس، فيلزم أن يكون ملاك
لبولس أيضًا، وللآخرين بقدر عدد الرسل، وهكذا كل واحد على حسب رتبته أو بحسب
استحقاقاته. هؤلاء الملائكة عليهم أن يلعبوا دورًا في أعمال الرسل وتعليمهم أو
تعاليم الحكماء الآخرين الذين يأتون بعدهم مع معاونيهم الذين يحضرون أمام الرب
حصاد النفوس التي عمل هؤلاء الآخرين على نموها، عندما يجمع الحصاد، أي عندما يتم
الاختيار بين المؤمنين المؤمن الأفضل من أي كنيسة سيقدم بواسطة الملاك كعشور والذي
يكون أفضل منه سيقدم كبكر.

 

ملائكة الأمم

    أيضًا
كل ما قد رسم في الناموس كظل، مادام " الناموس له ظل الخيرات العتيدة"
(عب10:
1)،

يتمم بطريقة ما في حقيقة " الخيرات العتيدة" بواسطة خدمة
الملائكة. هذا ما قد كان من قبل في إسرائيل. المدعو إسرائيلي بحسب الجسد، سيتمم
بالنسبة للإسرائيليين الحقيقيين السماويين حيث إن اسم إسرائيل قد رفع إلى رتبة
الملائكة، أو بالأحرى إنهم هم الذين لهم أكثر صفة لحمل اسم إسرائيل لأنهم حقيقة
أكثر أرواح تعاين الله. هذه هي ترجمة لكلمة إسرائيل. أيضًا في رأيي بعض أسماء
الشعوب أو الملوك التي نقرأها في الكتب المقدسة تنتمي بدون أي شك لملائكة أشرار أو
للسلاطين المضادة مثل فرعون ملك مصر ونبوخذنصر ملك بابل وآشور. كذلك يجب أن ننسب
للملائكة القديسين وللسلاطين الصالحين ما كتب عن القديسين وعن الشعب المقدس. ولكي
أقنعك بأن الكتاب المقدس يجعل علاقة بين ملك لآمة منافقة وبين سلطان شرير. اسمع ما
يقوله إشعياء عن نبوخذنصر " إني أعاقب ثمر عظمة قلب ملك أشور وفخر رفعة
عينيه لأنه قال بقدرة يدي صنعت وبحكمتي لأني فهيم ونقلت تخوم شعب ونهبت ذخائرهم
وحطمت الملوك كبطل
"
(إش10: 1213). أيضًا في موضع آخر
بخصوص ملك لأمة ما قال إشعياء النبي " كيف سقطت من السماء يا زهرة الصبح
كيف قطعت إلى الأرض يا قاهر الأمم
"
(إش14: 12). فإذا كانت
الحقيقة تلزم بأن ينسب كل هذا للملائكة ذوي السلطان الماكر، أفلا يجب لنفس السبب
أن ننسب للملائكة وللخدام المزينين بسلطة حسنة كما قلت ما كتب عن الملوك أو الشعوب
المناضلة؟ وأظن أن سفر التكوين يتحدث عن الملائكة عندما يقول "هلم ننزل
ونبلبل ألسنتهم
"
(تك11: 7).

    ألاَّ
يجب أن نفكر بأنهم ملائكة مختلفون هم الذين أنشأوا عند الناس ألسنة ولهجات مختلفة؟
فمثلاً إن ملاكًا هو الذي علم الإنسان اللغة البابلية، وملاكًا آخر هو الذي علم
اللغة المصرية، وملاكًا آخر هو الذي علم الإنسان اللغة اليونانية (بلا شك أن كاشفي
اللغات واللهجات اصبحوا ملوكًا لشعوب مختلفة). أما اللغة التي أعطيت في الأصل
بواسطة آدم وهي العبرية حسب ما نعرف، قد ظلت في هذا الجزء من البشرية ولم تكن
نصيبًا لأي ملاك ولا لأي ملك ولكن ظلت "نصيب الله".

هل تبحث عن  هوت روحى الصليب في المسيحية 05

 

ملائكة الكنائس

    مع
ذلك نحن قد بدأنا بالقول أن كل من الملائكة يقدم أبكارًا من شعبه واعتقد أيضًا أن
كل واحد منهم يقدم أبكار كنيسته.

    لهؤلاء
الملائكة يكتب يوحنا في سفر الرؤيا عندما كتب مثلاً إلى ملاك الكنيسة التي في
أفسس، إلى ملاك الكنيسة التي في سميرنا إلى ملاك الكنيسة التي في اللادوكية، وإلى
ملائكة الكنائس الأخرى. إذًا كل ملاك يقدم أبكار الكنيسة أو الشعوب التي أؤتمن
عليها.

    ربما
يوجد أيضًا ملائكة آخرون يجمعون المؤمنين من كل الأمم ففي مدينة حيث لم يولد بعد
مسيحيين إذا حضر إنسان وبدأ في التعليم وعمل وقاد الناس إلى الإيمان أنه يصبح فيما
بعد أسقف على الذين علمهم[2].
فلنعتبر أيضًا أن الملائكة القديسين سيصبحون في الدهر الآتي ملوكًا على الذين
جمعوهم من ضمن الشعوب المختلفة، والذين قد جعلوهم يتقدمون بأعمالهم ووظيفتهم. لهذا
السبب بالأحرى فإن الملك المسيح قد دعى "ملك الملوك"
(رؤ19: 16).

وبالأحرى
إن الرب دُعِىَ "رب الأرباب"
(رؤ19: 16)، لأنه إن كان الملائكة
ملوكًا على الذين يرعونهم ويجعلوهم يتقدمون، فهم يقدمون بعضًا منهم للكاهن الأعظم،
والبعض الآخر لأبنائه أي للسلاطين العليا ولرؤساء الملائكة، والبعض أيضًا للاويين
أي للملائكة الأقل رتبة. ولقد كان من المنطق أذًا أن نميز بين الملائكة، نفس الرتب
الموجودة عند الإسرائيليين حسب المبدأ بأن الإسرائيليين كما يقال هم
"ظل" السماء الحقيقية وصورتها.

 

توزيع الحصاد الروحي

    إذًا
نستطيع أن نقول إنه عندما يجمع كل الحصاد، على السطوح. فالبعض سيكون من نصيب
الكاهن الأعظم، الكاهن الأعظم الحقيقي، المسيح. وآخرون، سيكون لهم نصيب اللاويين،
كما قلنا، ويخصصون للملائكة أو للسلاطين السماوية الأخرى. وسيكونون أيضًا من
ضمنهم، وأعتقد أنهم سيكونون نصيب الأشخاص الذين كانوا في هذه الحياة من الحكماء،
وعملوا على نشر كلام الله. وهذا على ما اعتقد ما قد عناه السيد الرب عندما قال
للذي قد وكل له الوزنة وربح عشرة " ليكن لك سلطان على عشر مدن"
(لو19: 17)، وللذي قد
وكل له وزنة أخرى ربح خمسة " ليكن لك سلطان على خمس مدن"
(لو19:19). ماذا يجب
أن نفهم من السلطان على المدن. أليس هو قيادة الأرواح؟ كذلك لم يكن بلا معنى كما
يبدو لي بأن من ضمن الملائكة أنفسهم البعض لهم سلطان وسيادة على الآخرين، والآخرون
يكونون مرؤوسين وخاضعين لسلطانهم. كذلك الذي قد أخذ سلطان على "عشر مدن"
أو على "خمس مدن" لم يحصل على هذا إلا باستحقاق ما قد ربحه بتضاعف الفضة
التي وكلت لعنايته، لأن عند الله كل شئ يعمل لسبب وبحساب وليس اعتباطًا، لكن بحسب
الاستحقاق أن الواحد يملك على شعوب عديدة والآخر يكون خاضعًا لسلطة.

    ربما
نلاحظ أننا استطردنا في حديث طويل، لكن لشرح الأبكار كان يجب الدخول في هذه
التفاصيل لأن هذه الكلمة لها مجد في الكتاب المقدس هذا مقداره. إن المسيح نفسه قد
دعى "باكورة" "وباكورة للذين رقدوا". ومثلما هو "ملك
الملوك ورب الأرباب" "راعي الرعاة" "رئيس رؤساء الكهنة"،
نستطيع إذًا أن نسميه باكورة الأبكار باكورة لم تقدم للكاهن الأعظم ولكن لله، حيث
أنه "أسلم نفسه لأجلنا قربانًا وذبيحة لله"
(أف5: 2). وبعد
قيامته من الأموات " جلس عن يمين الله". لكن قد سُمِىَ " باكورة
وبكر لكل الخليقة
"، هل يجب أن نعطي لهذه التسمية أي "بالنسبة لكل
الخليقة" نفس المعنى الذي نعطيه بالنسبة للإنسان في التسمية "باكورة
الراقدين". ألا يجب أن نرى فيها معنى أكثر علوًا إلهيًا؟ ليس هذا هو مقام بحث
هذا الموضوع.

    5
 فلنرجع إذًا للباكورة: فإنها تقدم كما قلنا بواسطة الملائكة وأنها تحصد من حقل
هذا العالم. أما حقل الملائكة فهو قلوبنا. كل واحد منهم إذًا يقدم لله باكورة
الحقل الذي يزرعه. إذا كنت استحق أن أعبر عن فكرة كبيرة لائقة بالكاهن الأعظم. إذا
لوحظ في كلامنا وتعاليمنا فكرة لائقة ترضى الله، فسوف يختار الملاك الموكل على
الكنيسة واحدة من كلماتنا ويقدمها للسيد الرب بصفة الباكورة لحقل قلبي، لكني أعرف
أنني لا أستحق ذلك، وأنا متيقن أن الملاك في أعماله حولنا سوف لا يجد فيَّ فكرة
مستحقة لتقدم للسيد الرب كباكورة الثمار.

    أتمنى
أن يكون كلامنا وتعاليمنا غير مستحقة أن يحكم عليها. هذه النعمة ستكفينا. إذًا
الملائكة تقدم الباكورة المحصودة من حقلنا، كل ملاك يزرع الذين بغيرته وبأعماله
يبعدهم عن أخطاء الوثنيين ويهديهم إلى الله. كل إنسان ينتسب لملاك يكون موكلاً
لعنايته. وفي بدء هذا الجيل "حين فرق الله بني آدم نصب تخومًا لشعوب حسب
عدد ملائكة الله وكل أمة قد خضعت لملاكها. الأمة الإسرائيلية فقط قد اختيرت وأصبحت
نصيب السيد الرب
"
(تث32: 9)، "وقسمة
لوارثيه" واعتقد أيضًا أنه في نهاية هذا العالم وفي بداية الجيل الجديد،
سيعمل العلى على تقسيم جديد بأبناء آدم.

    والذين
لا يستطيعون أن يكون لهم "قلب نقي" "لكي يروا الله" ويكونوا
من نصيبه، سيرون على الأقل الملائكة القديسين وسيوزعون "بحسب عدد ملائكة
الله". لكن طوبى لمن يكون مستحقًا في الحياة المقبلة أن يكون "نصيب
السيد الرب"، أن يكون "يعقوب" شعبه "وإسرائيل" قسمة
لورثته.

    فلنترجَ
إذًا كما قلنا إن كل واحد ينمي ما لديه من وزنات لكي يكون مختارًا من ضمن الأبكار
أو من ضمن الباكورة، أي أن يُقَّدم لله وأن يكون نصيب السيد الرب، وإلا فليستحق
على الأقل أن يكون من نصيب الملائكة القديسين. لكن لا يكون في عداد الذين كتب عنهم
    " فيدخلون في أسافل الأرض يدفعون إلى يدي السيف يكونون نصيبًا للثعالب"
(مز63:
111)
.
أنك ترى أن في وقت القيامة عندما العلي "سيفرق الأمم ويقسم لبني آدم"
(تث32:
8)
،
بحسب استحقاقاتهم، سيوجد منهم الذين يدخلون في أسافل الأرض، والذي سيصبح نصيبًا
للثعالب أي للشياطين، حيث إن الثعالب هي التي تفسد الكروم. وهيرودس هو أيضًا منهم
عندما قال عنه المسيح " اذهبوا وقولوا لهذا الثعلب". فلنطرح إذًا
تصرفاتنا الأرضية وأفكارنا الجسدية خوفًا من أن نُثّقل بأفكار الأرض. وندخل في
أسافل الأرض ونكون نصيبًا للثعالب حيث إن الذين يدخلون في أسافل الأرض هم الذين
يعطون لناموس الله ووعوده معنى أرضيًا بدلاً من أن يحثوا نفوس السامعين على انتظار
الخيرات السمائية وعلى التأمل في الحقائق التي من فوق.

    يقول
الرسول حقًا " فإن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس
عن يمين الله اهتموا بما فوق لا بما على الأرض
"
(كو3: 12). أنه قال
هذا للذين هم مربوطين بنواميس أرضية ويقولون " لا تأخذ لا تمس ولا تذق ولا
تجس
"
(كو2:
21، 22).
وقد
أضاف الرسول " التي هي جميعها للفناء في الاستعمال حسب وصايا وتعاليم
الناس
".

حراسة الباكورة

    6
 الكتاب المقدس يكمل "وكلم الرب هارون قائلاً وهأنذا قد أعطيتك حراسة
رفائعي
" (بعض نسخ اللاتينية كتب "ليتمموها")، لكن
"لحراستها" هي أكثر دقة. يجب أن نبحث ماذا يعني حراسة الباكورة في
الناموس حيث إن الكهنة لا يحصلون عليها لكي يحفظوها لكن لكي يستهلكوها. يقول
الكتاب المقدس إذًا "اعطيتك حراسة الباكورة" أنه بكل تأكيد يقصد أن هذا
التعليم لا يمكن أن يكون مخصصًا للناموس الحرفي لكن للناموس الروحي حيث إن
الباكورة الروحية التي سبق أن تكلمنا عنها يمكن أن تكون محروسة، وليست الأخرى.
وإذا كان المسيح كما يقول الرسول هو "باكورة" إذًا هذه الباكورة قد أعطيت
لنا لكي نحرسها، أي مسرة حقًا تضاهي مسرة النفس التي أخذت المسيح وتحتفظ به دائمًا
وتمتلكه دائمًا ساكنًا فيها؟ مثل هذه النفس قد حصلت حقيقة على الباكورة
"لتحرسها" حيث إن الباكورة والتي كانت تقدم في الناموس كانت تستهلك
كطعام، وبعد أن "يمضي إلى الجوف" مثل ما جاء في الإنجيل "يندفع إلى
المخرج" (مت 15: 17).

ماذا
أقول؟ بل يزداد دائمًا أنه إذًا كما يقول الرسول "طعامًا روحيًا" كلما
نأخذ منه كلما يزداد، فكلما نأخذ من كلمة الله أي كلمة نأكل أكثر من هذا الطعام
كلما نجده بوفرة. هذا بالنسبة لما كُتِبَ أعطيتك الباكورة لحراستها.

 

القداسة الضرورية
لتقديم الباكورة

    هذه
هي التكملة " مع جميع أقداس بني إسرائيل"
(عد18: 9)، هذه
الكلمات تحوي سرًا. الله لا يريد أن يأخذ الباكورة إلا من أقداس بني إسرائيل. يمكن
أن يحدث أن نجد عند الوثنيين أعمالاً تليق بالله، فالبعض منهم قد زرعوا فضائل
الروح والفلسفة قد أعطت نتائج عند البعض منهم، لكن الله لا يريد أن تقدم هذه
الباكورة. الله لا يريد أن يأخذ تقدمات إلا من الذين يرونه بالروح، والذين تقدسوا
لله بالإيمان. حتى وإن كان يبدو أن الوثني لديه بعض الشئ من الشرف وحسن العادات
ولكنه لا ينسب فضائله لله لكن ينسبها لكبريائه، فإن هذا لم يتقدس ولم يؤخذ مع
الباكورة.

    ومن
وجهة نظر الحرف يظهر أن الناموس أيضًا يبعد الدخلاء من هذا النوع من التقدمات
فالناموس يريد فقط المقدسين من بين بني إسرائيل أن يقدموا الباكورة. اعتقد أننا
نستطيع أن نتعرف على إسرائيلي من أنه سمح له أن يدخل في جماعة (كنيسة) الله حيث قد
كتب " لا تكره أدوميًا لأنه أخوك لا تكر مصريًا لأنك كنت نزيلاً في أرضه
الأولاد. الذين يولدون لهم في الجيل الثالث يدخلون منهم في جماعة الرب
"
(تث23: 7
8).

    مادام
المصري أو الأدومي لا يحمل ثمارًا ولم يولد منه جيل واحد، وجيليين وثلاثة أجيال من
الأبناء، فإنه لا يستطيع أن يدخل في جماعة الرب، لكن ولادة أولاده تجعله يدخل إلى
هذه الجماعة. على قارئ الكتب المقدسة أن يكرس كل انتباهه وأن لا يفهم كلمات الكتب
المقدسة بحسب مزاجه فعليه أن يفحص كل كلمة، فإنه يقال "إنه إذا ولد من أبناء
أو بنات" "لكن إذا ولد له من أبناء في الجيل الثالث سيدخلون إلى جماعة
الرب". وأسأل نفسك إن استطعت لأي سبب بالمعنى الرمزي الأبناء فقط وليس البنات
سيدخلهم الآباء في جماعة الرب، ستجد أن القديسين الذين يعطي الله عنهم الشهادة
بوضوح نادرًا ما ينجبون بنات لكن بالأحرى أبناء فإبراهيم لم يكن له بنات. كذلك
إسحق أيضًا، يعقوب فقط قد أنجب أبنه واحدة لكن كانت عبءً لأخوتها وأسرتها، ودنست
بواسطة شكيم ابن حمور وسببت العار لأسرتها وجلبت لأخوتها غضب الانتقام وفي موضع
آخر "جميع الذكور" يجب " أن يتقدموا للرب ثلاثة مرات في السنة"
(خر23:
17)
،
لكن المرأة لم تدع لتتقدم أمام الرب.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس أ إيمان وحكمة ة

    وأي
شخص يدرس الكتب المقدسة بانتباه سيكتشف أنها ليس بدون سبب تضيف البنات للأبناء.
ولم يذكر هناك في النص الذي ندرسه، فالباكورة يجب أن تقدم بواسطة "أبناء بني
إسرائيل المقدسين" وليست في نفس الوقت بواسطة البنات. يجب أن يطبق ذلك
بالمعنى الروحي وليس للتمييز بين الجنسين، لكن للتمييز بين النفوس.

 

الباكورة الأبدية

    حيث
قد أعطيتك هنا لك ولأبنائك امتيازًا شرعيًا أبديًا "لك" لمن؟ ستجيب
لهرون أليس كذلك؟ لكن الكلمات التالية لها تدعوك أن تفهم بالحرى "للكاهن
الأعظم الحقيقي المسيح وأبنائه الرسل معلمي الكنيسة"، حيث يحملون "شرعية
أبدية". كيف يمكن أن تكون الأشياء المرئية أبدية؟ ألم يقل الرسول " الأشياء
التي ترى وقتية وأما الأشياء التي لا ترى فأبدية
". إذا كانت الباكورة
التي قدمت لهرون مرئية، وهي فعلاً مرئية، فلا يمكن أن تأخذ صفة أبدية. بنفس
الطريقة، الختان المرئي، الفطير المرئي، الفصح المرئي، كلها لا يمكن أن تكون أبدية
لكن وقتية "حيث الأشياء التي ترى وقتية". وبالعكس كل   "
الأشياء التي لا ترى فأبدية
". الختان غير المرئي وفي الخفاء
(رو2: 29)، هو أبدي.
" فطير الإخلاص والحق" هو أيضًا كذلك. مادمت قد تحدثت عن الأشياء
التي لا ترى فهي أبدية بنفس الطريقة فهذه الحسنات موضوعنا هذا، هي حق وأبدية، ليس
لليهودي بحسب الظاهر لكن لليهودي حسب الحقيقة الخفية. والتي تتم " بالروح
وليس بالحرف. بحسب الإنسان الباطن
"
(رو7: 22).

 

قداسة مكتسبة وقداسة
طبيعية :

    8
 " هذا يكون من كل شئ ما هو قدس مقدس"
(عد18: 9). بالنسبة
للتقدمات، أني تساءلت أحيانًا عندما مررت على هذا النص عن معنى "قدس
ومقدس؟" إنه يبدو لي أن الكتاب المقدس هنا يميز ما هو قدس مقدس على ما هو قدس
بدون أن يكون مقدسًا. اعتقد حقًا أن الروح القدس هو قدوس بدون أن يكون قد تقدس.
فالروح القدس لا تتأتى له القداسة من الخارج من آخر. ليتقدس شئ ما معناه أن
القداسة لم تكن موجودة فيه من قبل، والروح القدس كان دائمًا قدوسًا وقداسته ليس
لها بداية، ويجب أيضًا أن نفكر بنفس الطريقة عن الآب والابن حيث إن جوهر الثالوث
هو الوحيد الذي لم يتقدس بأخذ القداسة من الخارج، بل قدوس بطبيعته ذاتها. وبالعكس
كل الخليقة ستكون "قدس مقدس" بنعمة الروح القدس أو بسبب استحقاقاتها.
كذلك نقرأ " تكونون لي قديسين لأني قدوس أنا الرب"
(لا 20: 26). هذا لا
يعني أن قداسة الله يمكن مقارنتها بقداسة الإنسان. إنه يقال عن الله أنه قدوس أما
الإنسان الذي لم يكن دائمًا قديسًا يجب أن يصبح قديسًا، حيث إن باليونانية بدل
"كونوا قديسين" نقرأ الكلمة التي تعني بالأحرى "صيروا
قديسين"، لكن مترجمينا استعملوا بدون تمييز "كونوا" ل "صيروا"
في اليوم الذي فيه خضع كل واحد منا لمخافة الله وحصل فيه على التعاليم الإلهية، في
اليوم الذي فيه سلم إرادته بين يدي الله أي سلمها فعلاً له بكل إخلاص، في هذا
اليوم يصبح قديسًا، لكن نستطيع أن نقول عنه فقط أنه "قدس مقدس". الله
فقط هو حقيقة دائمًا قدوس بالحقيقة.

    أتريد
أن أبيّن بواسطة الكتب المقدسة تاريخيًا هذا الاختلاف الصغير، أنصت لبولس الذي
يكتب للعبرانيين: " لأن المقدس والمقدسين جميعهم من واحد"
(عب2: 11)، من هو
الذي يقدس؟ المسيح بدون أي شك. ومن هم الذين يتقدسون؟ هم الذين يؤمنون بالمسيح.

    بكل
تأكيد قداسة الذي يقدس لابد بأن تكون دائمًا قدوسة لكن الذين تقدسوا لا يجب أن
نسميهم "قدس" باختصار، لكن "قدس مقدس" على أنه لا يجب أن
نعتقد أن هذا البحث يكون مناقضًا لما نقرأه عن المسيح " فالذي قدسه الآب
وأرسله إلى العالم
"
(يو10: 36)، في هذا النص الأخير
الذي قد قدسه الآب هو المسيح بحسب الجسد، ليس المسيح بحسب الروح. أنه في نفس الوقت
قدوس بحسب الجسد وبحسب الروح ثم أن المسيح قد قال " لأجلهم أنا أقدس ذاتي"
(يو17:
19)
.
عندما يعطي (القداسة) يكون المسيح بحسب الروح وعندما يتقدس المسيح لأجل تلاميذه
يكون المسيح بحسب الجسد مع أنه لا يوجد إلا مسيح واحد، الذي تارة يعطي التقديس
بالروح وتارة يتقدس بحسب الجسد.

 

ثمار الروح وباكوراتهم

    من
كل الثمار يجب إذًا تقديم باكورة طاهرة ومقدسة، لكن يجب أن تقدم هذه الثمار للكاهن
الأعظم الروحي. من أي ثمار ستقدم إذا الباكورة الروحية؟ من كل الثمار التي ذكرها
بولس الرسول " وأما ثمر الروح فهو محبة، فرح، سلام، طول أناة…الخ"
(غل5:
22)

أي باكورة المحبة التي هي أول ثمار الروح يجب تقديمها للكاهن الأعظم. باكورة
المحبة هي كما اعتقد أن " أحب الرب إلهي من كل قلبي ومن كل نفسي ومن كل
أفكاري
"، هذه هي الباكورة وأي جزاء آخر من هذه الثمار كمحبة القريب يجب أن
تتراجع إلى المكان الثاني أن "أحب قريبي كنفسي". باكورة المحبة تقدم لله
بواسطة الكاهن الأعظم الأعمال الثانية متروكة لي لاستعمالي الخاص.

    من
هذه الثمار يوجد أيضًا عمل يبدو لي أنه يجب أن يوضع في الصف الثالث "أحب
أعدائي". حاول أن تجد بنفس الطريقة باكورة من الثمر الروحي الآخر. من ثمار
الروح الثانية التي ذكرت في الكتاب المقدس، الفرح فإذًا "في الرب تبتهج
نفسي"، إذا ابتهجت نفسي بالرجاء، إذا ابتهجت نفسي باحتمال الظلم لأجل اسم
الرب، في كل المناسبات من هذا النوع، أكون قد قدمت للرب باكورة الفرح بواسطة الكاهن
الأعظم الحقيقي إذا احتملت " سلب أموالي بفرح"
(عب10: 34). إذا
ابتهجت نفسي بأن تعاني الضيقات، الفقر، وكل أنواع الإهانات، هذه هي الدرجة الثانية
من ثمار الروح. فهذا فرح للروح وإذا استخلصت فرحًا من حسنات هذا العالم شرف أو
غنى، هذا ثمر مزيف والذي ليس أصله إلا "باطل الأباطيل"، إذا ابتهجت نفسي
بالشر وإذا سررت ببؤس الآخرين هذا ليس فقط فرح باطل، لكن فرح شيطاني ماذا أقول؟
أنه لا يجب أيضًا أن نتحدث هنا عن الفرح " ليس سلام قال إلهي للأشرار"
(إش57:
21)
،
لكن أريد أيضًا أن أبحث عن ثمر آخر من الفرح. أو بالأحرى يكون باكورات أخرى عن الفرح
إذا وجدت فرحي في كلام الرب، إذا ابتهجت بمعرفة أسرار الله، إذا ابتهجت بأن أكون
محسوبًا ومستحقًا بأن أعرف أسرار حكمة الله.

    إذا
ابتهجت بأني بعد أن أترك كل حسنات العالم، النافعة منها والغير نافعة، الضرورية
والباطلة. أن أكون قد جعلت نفسي فقط خادمًا لكلمة الله وحكمته، هذه هي باكورة
الفرح التي اعتقد أنها ستعطي فرحًا وسرورًا لله له عندما تقدم له لكن فلنترك كل
واحد يكتشف بتأني ما نجده بالنسبة للثمار الأخرى من الروح، حتى لا نطيل بإفراط في
هذه العظة.

 

باكورة التقدمات
المقدمة لله

    9
"مع كل تقدماتهم"  يقول الكتاب المقدس فمن قدم تقدمه لله، يجب أنه من
هذه التقدمة يقدم مرة أخرى، للكاهن الأعظم. في رأيي يمكن شرح هذا رمزيًا بالكيفية
الآتية: إذا أعطيت للمعوزين إذا تممت بعض الأعمال الحسنة تكون قد قدمت لله تقدمة
بحسب الوصية، لكن تقدم الباكورة من هذه التقدمة مثلاً، علاوة على الطعام أو النقود
التي تعطي وتختبر في هذا شعور الرحمة والحنان. هذا ما ينتظره الله من الإنسان حقًا
أن الله هو بنفسه يدرك من امتلئوا إحساسًا بشعور الرحمة والحنان.

 

باكورة الذبائح

”… وكل الذبائح”

    الذبائح
الروحية وهي الذبائح التي نقرأ عنها " أذبح لله حمدًا وأوفي العلي نذورك"
(مز50:
14)
،
إذًا من يقدم الذبائح يجب أن يحمد الله ويقدم له نذور الصلاة، لكن باكورة هذه
الذبائح ستقدم بواسطة الكاهن الأعظم. إذًا نحن لا نصلي فقط بالكلام لكن أيضًا
بالذهن والقلب بحسب نصيحة الرسول " أرتل بالروح وأرتل بالذهن أيضًا"
(1كو14:
15)
،
حيث إن ملائكة الله زراع وحراث قلوبنا، حاضرون بيننا ويبحثون بيننا عن من له ذهن
منشغل ومنتبه بحيث أنه يحصل على كلام الله باشتياق مثل حصاد إلهي، هؤلاء الملائكة
يبحثون إذا كان كلام الله قد نتجت عنه ثمار بمجرد أن قمنا للصلاة بمعنى إذا كنا
نصلي لله بتجميع وتركيز أفكارنا.

    إن
لم يشرد ذهننا وإن لم تتشتت تأملاتنا، فبينما يكون جسدنا منحنيًا للصلاة لا تتشتت
أفكارنا في اتجاهات مضادة، بمعنى أن الواحد يشعر بأن تضرعاته هي تحت أنظار الله
وفي حضرة الله وفي حضرة نوره الذي لا يطمس، وإذا أكثر من " صلاته وتضرعاته
وطلباته وتشكراته
"
(1تي2: 1)، بدون أن يكون قلقًا
بأي تخيلات خارجية فليعلم أنه بواسطة الملاك الموجود في الهيكل، يكون قد قدم
باكورات ذبائحه للكاهن الأعظم الحقيقي المسيح يسوع سيدنا الرب الذي له المجد إلى
أبد الآبدين آمين.



[1] يبدأ هنا
أوريجينوس في عرض منهجه التفسيري ونلاحظ أن التفسيرين الرمزي والتاريخي أي الحرفي
يتداخلان ويتكاملان.

[2] هارناك
المؤرخ يلاحظ أهمية هذا النص لدراسة تاريخ رتبة الأسقفية فأسقف الكنيسة هو مؤسسها
وهذا كان الحال مع غريغوريوس الصانع العجائب تلميذ أوريجينوس.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي