سِفْرُ يَشُوع

 

سِفرُ
يَشُوع الفَصلُ العاشِر إمتَلِكْ ما لَكَ

 سفرُ
يشوعُ هُوَ بِطَرِيقَةٍ ما نَقيضُ سفرِ العدد. فَسِفرُ العَدَد هُوَ قِصَّةٌ عن
عدَمِ الإيمان، حيثُ هَلكَ الشَّعبُ العِبريُّ نتيجَةً لإفتِقارِهِم للإيمان.
أمَّا سِفرُ يشُوع فهُوَ يتكلَّمُ بِجُملَتِهِ عنِ الإيمان، ذلكَ النَّوع منَ
الإيمان الذي يغلِبُ ويمتَلِكُ كُلَّ ما يُريدُهُ اللهُ لِشَعبِهِ.

 

 عندما
دَرَسنا معاً سِفرَ الخُروج، رأينا أنَّ كَلِمَة
Exodus أو خُرُوج تَعني "الطريقُ إلى خارِج، أو المَنفَذ من قَيدِ
العُبودِيَّةِ القاسِيَة في مِصر. وبالمُقابِل، يُمكِنُ تَسمِيَةُ سفر يَشُوع، هذا
السفر التَّاريخيّ الأوَّل:
Eisodus،
لأنَّهُ يتكلَّمُ عنِ الطَّريقِ للدُّخُولِ إلى أرضِ المَوعِد، كَنعان. من هُنا
وضعنا العُنوانَ التَّالي لِسفرِ يشُوع: "إمتَلِكْ مالَكَ."

 

 إن
إسمَ يشوع هو نفسُهُ إسم يسوع، ولكن يسوع هو طريقةُ لفظِ الإسم باليونانية، ويشوع
أو "يا شُو وَاع" هو طريقةُ لفظ الإسم بالعبريَّة. إسم يسوع يعني
مُخلِّص، أو يهوه يُخلِّص. كان هذا القائد العظيمُ، في إسمِهِ يشوع، صورةً للمسيح،
بِسَبَبِ قيادَتِهِ لِلشَّعبِ إلى أرضِ المَوعِد المَليئَة بالبَرَكاتِ
الرُّوحيَّة.

 

الكلمةُ
المفتاحية في إختبار الخلاص أو الإنقاذ من مصرنا الروحية، هي كلمة
"إيمان". والكلمةُ المفتاحيةُ لدخولِ أرض موعد بركات الله الروحية هي
كلمة "طاعة". وبطريقةٍ ما، نحنُ نتكلَّمُ عن الإيمان عندما نتكلَّمُ عن
الطاعة. فكلمة إيمان تعني إلتزام، ذلك النوع من الإلتزام الذي يُطيع.

 

كان
يشوع في الأربعين من عمره زمنَ الخروج. تذكَّرْ أن يشوعَ وكالب كانا الوحيدين
اللذين لم يموتا في التِّيهِ في البريَّة، لأنهما أَتَيَا بتقريرٍ أو بخبرٍ
مُشجِّع عندما أُرسِلا لتجسُّسِ كنعان. لقد إعتَبرَ اللهُ إيمانهما، كما إعتبرَ
إيمان إبراهيم، سبباً لإبقائهما عل قيدِ الحياة. ولكن يشوع كان في الثمانين من
عُمرِهِ عندما قبِلَ مُهمَّةَ قيادةِ الشعب إلى أرضِ كنعان، والإنتصار على الأُمَم
السبع التي كانت تُدافِعُ عن الأرض. لم يستلِم يَشُوعُ تكليفَه بالمُهمَّة من الله
مُباشرةً، ولكن إستلمهُ من مُوسى، أي من رَجُلٍ عرفَ اللهَ وعرفَ يشوع.

 

إنَّ
العلاقَةَ بينَ مُوسى ويَشُوع هي نَمُوذَجٌ رائِعٌ عنِ العلاقَة بينَ بُولُس
وتيمُوثاوُس، وهي علاقَةٌ نَمُوذَجِيَّةٌ بالِغَةُ الأهمِّيَّةِ في إعدادِ
القادَةِ لِشعبِ اللهِ ولخدمَةِ الله (2تيمُوثاوُس 2: 2). لقد كانَ يشُوعُ إبنَ
مائَةِ وعشر سنين عندما تُوُفِّيَ. ولقد إشتَهَرَ بالقُوَّةِ والوَلاءِ والإيمانِ
العظيم.

 

 بينما
نُلاحِظُ اللهَ يعمَلُ من خلالِ قائِدٍ نَبِيٍّ وكاهِنٍ في الوقتِ ذاتِهِ، نرى
تَغييراً هامَّاً عندما نَصِلُ إلى قيادَةِ يَشُوع. لقد قبلَ موسى كلمةَ الله على
جبل سيناء مُباشرةً من الله، تماماً كما قبِلَ مُهمَّتَهُ أمامَ العليقة
المتوقِّدَة، مُباشرةً من الله. ولكن الآن نُخبَر أن يشوع شُجِّعَ على قراءةِ
الكلمة المكتوبة والتأمُّلِ بها، تلك الكلمة التي أعطاها اللهُ لموسى. تماماً مثل
ملوك إسرائيل الذين كانوا سيتبعونَه، كان مُفتَرَضاً أن يتأمَّلَ يشوع بالكلمة،
وأن يُفكِّرَ بالكلمة نهاراً وليلاً، وأن يُطِيعَ وَصايا الله الوارِدَة في
كلمتِهِ.

 

فبينما
كان الشعبُ على وشكِ عبورِ نهرِ الأُردن واجتياح كنعان، قيلَ لهُم، "كُلُّ
موضِعٍ تدوسُهُ بُطونُ أقدامِكُم لكم أعطيتُه كما كلَّمتُ موسى." (يَشُوع 1:
3) فكما ترون أن الأرضَ بكامِلِها أُعطِيَت لهم، وكحقِّ مُلكِيَّة أصبحت بكامِلِها
لهم، ولكن ليسَ كمُلكيَّة مُحقَّقَة. إن قانونَ المُلكيَّة كان أن كل مترٍ
مُربَّعٍ من أرضِ كنعان تطأُهُ أقدامُهم، قد منحهُ اللهُ لهم مُلكاً، لا أكثر ولا
أقلّ.

 

 وهذا
ينطبقُ على طريقةِ حصولنا على البركات الروحية. تُوجَدُ عِدَّةُ بركات روحيةٍ
مُتَوَفِّرَة لنا اليَوم: مثل الصلاة، كلمة الله، الشركة، العِبادة – فاللهُ
يَمنَحُ هذه البَرَكاتِ كَافَّةً لِكُلِّ مُؤمِنٍ. ولكن بعضَ المؤمنين يمتلكون هذه
البركات الروحية، والبعضُ الآخر لا. والسببُ هو عمليٌّ جداً. فعليكَ أن تطأَ
بأقدامِكَ على مُلكِيَّتِك. فأنتَ تتملَّكُ الصلاة عندما تُصلِّي، وتتملَّكُ
العِبادة عندما تعبُد، تتملَّك كلمة الله عندما تقرأُها وتفهمها وتُطبِّقُها.
وهكذا، فأنتَ تتملَّكُ أملاكَكَ أو بركاتِكَ الروحية، واحدةً بعدَ الأُخرى.

 

دارِسونَ
كثيرون قالوا أن الرسالة إلى أهلِ أفسس هي للعهدِ الجديد ما كانَهُ سفرُ يشُوع
للعهدِ القديم. فالرسالةُ إلى أهل أفسس تُخبرنا عن البركات الروحية التي لنا في
المسيح. وتقولُ لنا أنهُ بإمكاننا أن نصيرَ في المسيح وأن نتملَّكَ هذه البركات
الروحية.

 

فيشوع
1: 3 هو العدد المفتاحي في سفرِ يشوع، وأفسس 1: 3 هو العدد المفتاحي في رسالةِ
أفسس. أفسس 1: 3 يقول، "مُبَاركٌ اللهُ أبو ربِّنا يسوع المسيح الذي بارَكَنا
بكلِّ بركةٍ روحيةٍ في السماويَّات في المسيح." فلقد خَوَّلَنا اللهُ حقَّ
إمتِلاكِ كُلِّ البَركاتِ الرُّوحِيَّةِ التي سبقَ ومنَحَنا إيَّاها، ولكن علينا
أن نذهَبَ إلى حيثُ تُوجَدُ هذه البَركات، وأن نمتَلِكَها.

 

في
سِفرِ يشُوع، هذه البَرَكات هي في أرضِ المَوعِد. في الرِّسالَةِ إلى أهلِ أفسُس،
هذه البَركاتُ هي في المسيح. فإذا أرَدنا أن نتَمَلَّكَ هذه البَركاتِ
الرُّوحيَّة، علينا أن نَجِدَها بواسِطَةِ الثَّباتِ في المَسيح. علينا أن
نقتَرِبَ منَ السَّماوِيَّاتِ، لأنَّ هذا هُوَ مكانُ وُجُودِ البَرَكاتِ
الرُّوحيَّة. يُعَلِّمُنا سِفرُ يشُوع أنَّهُ بإمكانِنا أن ندخُلَ أرضَ المَوعِد
التي تحتَوي على بَركاتِ اللهِ، بالإيمان. يُخبِرُنا بُولُس بالأمرِ نفسِهِ في
رِسالَتِهِ التي كتبَها للأفَسُسِيِّين.

 

 ولقد
تكلَّمَ آخرُونَ من كُتَّابِ العَهدِ الجَديد عن "أرضِ المَوعِد"
الرُّوحِيَّة. أصغُوا إلى بُطرسُ الرسول الذي يتكلَّمُ أيضاً عن كيفَ وأينَ
نستطيعُ تمَلُّكَ مُمتَلَكاتِنا الرُّوحيَّة: "كما أن قدرتَهُ الإلهية قد
وهبت لنا كُلَّ ما هو للحياة والتقوى بمعرفة الذي دعانا بالمجدِ والفَضيلَة."
(2بطرُس 1: 3).

 

لربمالم
يكُن بطرس يعرف القراءة والكتابة (2بُطرُس 5: 12؛ أعمال 4: 13). ولهذا شدَّدَ على
معرفة الله. فهو لم يَكُنْ رَجُلَ عِلمٍ، ولكنَّهُ كان عملاقاً روحيَّاً؛ لقد عرفَ
الله. يقولُ لنا أنَّ مَصدَرَ كُلِّ البَرَكاتِ الرُّوحيَّة التي أعطانا إيَّاها
اللهُ هُوَ العَلاقَة معَ الله (2بُطرُس 1: 3). فبالنِّسبَةِ لبُطرُس، أعطانا
اللهُ كل ما نحتاجُهُ لنحيا حياةً تقيَّة. ولكي نحصل على هذه المُمتَلكاتِ
الرُّوحيَّة، علينا أن نُطالِبَ بها من خلالِ عَلاقَةِ معرِفَةٍ بالله.

 

 يَتَّفِقُ
أعظَمُ قائِدَينِ في العهدِ الجَديد معَ يشُوع أنَّنا نملِكُ في حَوزَتِنا
الصِّفَةَ التي تَقُولُ أنَّنا نَملِكُ كُلَّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ نحتاجُها. ولكن
علينا أن نَملِكَ هذه البَركاتِ الرُّوحيَّة، واحِدَةً بعدَ الأُخرى، خلالَ
علاقَتِنا معَ اللهِ ومعَ المسيح.

 

 يَقُولُ
يشُوعُ أنَّ لدَينا كُلّ شَيء، وهكذا يَقولُ بُطرُس وبُولُس أيضاً. فلماذا لا
نملِكُ كُلَّ شَيءٍ إذاً؟ يتَّفِقُ رجالاتُ اللهِ العِظامُ هؤُلاء على أنَّ
السَّبَبَ هُوَ أنَّنا لا نَفهَمُ أنَّ جِسرَ الإيمانِ هذا يملأُ الهُوَّةَ بينَ
كُلّ ما أعطانا إيَّاهُ اللهُ وبينَ أهلِيَّتَنا لنمتَلِكَ ما أعطانا إيَّاهُ
الله. لهذا أعطانا اللهُ سِفرَ يَشُوع.

 

 في
سفرِ يشوع نجدُ حوالي ستةَ عشرَ إيضاحاً عن الإيمان. عندما أرادَنا اللهُ أن نعرفَ
عن الإيمان في سفرِ التكوين، أعطانا حوالي إثني عشرَ إصحاحاً تُخبِرنا عن إبراهيم.
الإيمان هامٌّ بالنِّسبَةِ للهِ، لأنَّ القَصدَ من كُلِّ سِفرِ يَشُوع هُوَ أن
يُظهِرَ لنا كيفَ نَعيشُ بالإيمان، وكيفَ نسلُكُ بالإيمانِ لنَصِلَ إلى كُلِّ
البَركاتِ الرُّوحِيَّةِ التي أعطانا إيَّاها.

 

 إنَّ
سِفرَ يَشُوع هُوَ عن أرضِ كَنعان. وأرضُ كَنعان هذهِ ينبَغي أن ندخُلَ إليها،
مدينَةً بعدَ الأُخرى، وأمَّةً بعدَ الأخرى. ولكنَّ الرِّسالَةَ التعبُّدِيَّة
والرُّوحيَّة لِسِفرِ يشُوع لَيسَت بالحقيقة عن كنعانِ كمَكانٍ جُغرافِيّ، بل عن
إمتِلاكِ المَواعيد الرُّوحيَّة بالإيمان.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد قديم سفر الجامعة حشمت كمال 09

 

تُصَوِّرُ
لنا أرضُ كَنعان قصدَ خلاص هذه الأُمَّة. فبِما أنَّ كلمة "خلاص" تعني
"إنقاذ،" فإنَّ إنقاذَهُم من مِصر هُوَ صُورَةٌ مجازِيَّةٌ عن خلاصِنا.
وخلاصُنا يأتي منَ الإيمانِ بأنَّ يسُوع المسيح هُوَ إبن اللهِ الوحيد وهُوَ
مُخَلِّصُنا الوَحيد. فعندما نَضُع إيمانَنا فيهِ، يُخَلِّصُنا من خطايانا، أو من
"مِصرِنا الرُّوحيَّة." إنَّ إجتِياحَهُم وإمتلاكَهُم لأرضِ كَنعان
يُصَوِّرُ نَوعِيَّةَ الحياة التي أرادَها اللهُ للشَّعبِ الذي إختَبَرَ الإنقاذَ
من "مِصر" بالمعنى الرُّوحيّ.

 

 يُخبِرُنا
الرَّسُولُ بُولُس أنَّ اللهَ يُخَلِّصُ بالنِّعمَة، بالإيمان. فبِحَسَبِ بُولُس،
خلاصُنا لا يَتَحَقَّقُ بإنجازٍ شَخصِيٍّ من قِبَلِنا. إنَّهُ هِبَةٌ منَ اللهِ،
وليسَ نتيجَةً لأعمالِنا الصَّالِحة. رُغمَ ذلكَ، يَكتُبُ لنا بُولُس بأنَّنا
نخلُصُ لأعمالٍ صالِحَةٍ قد سبقَ اللهُ فأعدَّها لِنَسلُكَ فيها. فهذه الأعمالُ
الصَّالِحَةُ هي القَصدُ من خلاصِنا في هذه الحياة، وهي جزءٌ من أرضِ موعِدِنا
الرُّوحيَّة، التي يُريدُنا إلهُنا المُحِبُّ أن نمتَلِكَها، قطعَةً بعدَ الأُخرى.

 

 فالخَلاصُ
هُوَ أكثَرُ من تَذكَرَةِ سَفرٍ بإتِّجاهٍ واحِدٍ نحوَ السَّماء. يُوجَدُ قصدٌ
حاضِرٌ من خلاصِنا: كنعانُنا الرُّوحيَّة على الأرض. فَسَبَبُ عدمِ إمتِلاكِنا
لأملاكِنا الرُّوحيَّة، يُمكِنُ أن يَكُونَ أنَّنا لا نعرِفُ كَيفَ نمتَلِكُها.
لِهذا أعطانا اللهُ سِفرَ يَشُوع. ولقد أعطانا اللهُ هذا السِّفرَ التَّاريخيَّ في
العهدِ القَديم، لِكَي يُظهِرَ لنا نَوعِيَّةَ الإيمانِ الذي من خلالِهِ بإمكانِنا
تملُّك مواعِيدَنا ومُمتَلَكاتِنا الرُّوحيَّة.

 

الفَصلُ
الحادِي عَشَر بانُوراما الإيمان

إنَّ
سفرَ يشوع هُوَ سِجلٌّ لتاريخِ دُخُولِ شَعبِ اللهِ القَديم أرضِ كنعان. وإذ ندرسُ
تاريخَ دخولهم إلى أرضِ كنعان، نجدُ إيضاحاً عظيماً أو بانُوراما عن الإيمان.
عندما نقرأُ سفرَ يشوع، نأخُذُ فكرةً واضِحَةً عن كيفيَّةِ إمتلاكِنا لبَرَكاتِنا
الروحية. يُعطينا سِفرُ يشُوع إصحاحاً بعدَ الآخر، نماذِجَ تُقتَدى وتحذيراتٍ
تُتَفَادَى، ويُظهِرُ لنا ما هُوَ الإيمان وما ليسَ هُوَ. هذه الإصحاحاتُ
مُزَيَّنَةٌ بتحذِيراتٍ حولَ مخاطِر "العالَم، الجَسد، والشَّيطان."

 

 أول
ما نراهُ في سفر يشوع هو ما يمكِنُنا تسميتُهُ "إنتِقالُ عدوَى
الإيمان." نرى شُعلَةَ القيادة تنتقلُ من موسى إلى يشوع عندما نقرَأُ:

 

"ويشوع
بن نون كان قد امتلأَ روحَ حِكمةٍ إذ وضعَ موسى عليه يديهِ فسمعَ لهُ بنو إسرائيل
وعمِلوا كما أوصى الربُّ موسى… وكان بعدَ موتِ موسى عبدِ الرب أن الرب كلَّمَ يشوع
بن نون خادم موسى قائلاً. موسى عبدي قد مات. فالآن قم اعبُرْ هذا الأُردن أنتَ
وكُلُّ هذا الشعب إلى الأرض التي أنا مُعطِيها لهم أي لبني إسرائيل… تشدَّد
وتشجَّعْ لأنكَ أنتَ تقسِمُ لهذا الشعب الأرضَ التي حلفتُ لآبائِهِم أن
أُعطِيَهُم. إنما كُن مُتشدِّداً وتشجَّعْ جداً لكي تتحفَّظَ للعمل حسب كل الشريعة
التي أمركَ بها موسى عبدي… لأنَّكَ حينئذٍ تُصلِح طريقَكَ وحينئذٍ تُفلِح. أما
أمرتُكَ. تشدَّد وتشجَّعْ. لا ترهبْ ولا ترتعبْ لأن الربَّ إلهكَ معكَ حيثُما
تذهب." (يَشُوع 1: 6- 8)

 

 نرى
في الإصحاحات الأولى من سفرِ يشوع ما يمكِنُنا تسميتُهُ "إرتباكُ
الإيمان،" أو "مشاكِل الإيمان المُربِكَة." فَخِلال نُمُوِّنا في
فَهمِنا للإيمان، علينا أن لا نَضطَّرِبَ عندَما نُواجِهُ مشاكِلَ تُثيرُ أسئِلَةً
تَتَحَدَّى إيمانَنا. إذا تمكنَّا من إِلغاءِ كل مشاكِل الإيمان، نكونُ قد ألغينا
الإيمان بحدِّ ذاتِه أيضاً.

 

إن
شخصيَّةَ راحاب في يشوع 2 تُثيرُ مُشكِلَةً للكثيرين. فقُبَيلَ دخولِ الشعب أرضَ
كنعان، أرسلَ يشوعُ جاسوسين عِبرانيَّين ليتحقَّقا من أريحا. فذهبا واختبأا في
بيتَ امرأةٍ زانيةٍ اسمُها راحابُ. وعندما جاءَ جُنودُ ملِكِ أريحا يطلُبانهما، خبَّأَتْهُما
وضَلَّلت الجنودَ قائلةً لهما أن الجاسوسين ذهبا في طريقٍ آخر، وهكذا أنقذَت
الرجُلين اليهوديِّين. فبارَكَها اللهُ بِسَببِ ذلكَ. ونقرَأُ في الإصحاحِ العظيم
عن الإيمان، في عبرانيين 11، أنَّ راحاب كانت بَطَلَةً في الإيمان لكَونِها كَذَبت
لتُخبِّئَ الجاسُوسَين.

 

 إذا
نظرتَ للقصَّةِ عن كثب، سوفَ ترى أن ما جعلَ من راحاب بطلةً في الإيمان لم يكُن
كذبُها. إذ يقولُ الإصحاح الحادي عشر من عبرانيين، "بالإيمان راحابُ الزانية
لم تهلك مع العُصاة [أي الذين لم يُؤمِنوا]". فكما ترى، عندما جاءَ هذان
الجاسوسان اليهوديَّان إلى منزلِ راحاب الزانية، قالت لهما شيئاً برهن إيمانَها.
قالت، "أنا أعلمُ أنكُم شعبٌ تعرفون اللهَ الحي والحقيقي. وكُلُّ الشعوب هُنا
مُرتعِبون منكُم. نحنُ نؤمنُ أن اللهَ معكم." (يشُوع 2: 9).

 

وهكذا
قطعَ الجاسُوسان معها عهداً، وأعطَياها وعداً بأن يُنَقِذاها منَ الموت. فلِماذا
خَلُصَت إذاًَ؟ إيمانُها خَلَّصَها. لأنَّها آمنت أن هذا الشعبَ العِبريّ كان شعب
الله، وأن الله الحي الحقيقي كان معهم. وهكذا أصبحَت راحابُ واحِدَةً من شَعبِ
اللهِ، إذ عبَّرَت عن إيمانِها بالإلهِ الحي الحقيقي.

 

 في
الإصحاح الثالث نجدُ "برهان الإيمان." فعندما يُحاولُ اللهُ أن
يُعطِيَنا الإيمان لندخُلَ "كنعانَنَا الروحيَّة" وأن نُطالِبَ بكلِّ
بركاتِنا الروحية، فاللهُ سوفَ يُؤكِّدُ ويُشدِّدُ على إيمانِنا ليُشجِّعَنا.
نَجدُ هذا في حَياةِ جدعَون، الذي وَضَعَ جَزَّةَ الصُّوفِ التي أكرَمَهُ اللهُ من
خلالِها. يقولُ داوُد في المزمور 37: 23 "من قِبَلِ الربِّ تتثبَّتُ
خَطَوَاتُ الإنسان." هذا يعني أنَّنا بينما نتَّخِذُ خُطواتِ إيمان،
يُبارِكُنا اللهُ ويُثَبِّتُ خُطُواتِ إيمانِنا.

 

في
هذا الإصحاح، بَرهَنَ اللهُ نفسَهُ لِيَشُوع، وأظهرَ للشعبِ أن بركَتَهُ هي على
قائِدِهِم يشوع كما كانت على موسى. ثم صنعَ أيضاً مُعجِزاتٍ لِتَقوِيَةِ إيمانِ
الشعب. كانَ القصدُ من هذه المُعجِزات أن يُظهِرَ للشعبِ أن اللهَ كانَ معهُم
وأنهم عندما سيُهاجِمُونَ مُدُنَ كنعان المُحَصَّنَة، مثل أريحا، سوفَ يُبارِكُهم
اللهُ ويكون معهم ويَمنَحُهُم النَّصر.

 

 في
الإصحاح الرابِع نجدُ بني إسرائيل يبنون "مَذبَحَ الإيمان." فعندما
عبروا نهر الأُردنّ، رُغمَ قُوَّةَ مياهِه الجاريَة، ولكنهُ وقفَ ندَّين وعبرَ
الشعبُ على اليابِسَة. وعندما عبَروا نهرَ الأُردن على اليابِسة، أُمِروا ببناءَ
عامودٍ من الحجارة، كنَصَبٍ تذكاري لهذه المُعجِزَة العظيمة، لكي لا ينسى أولادُهم
أبداً ما عمِلَهُ اللهُ لهم عندما تحَلُّوا بالإيمان لإجتيازِ نهرِ الأُردُنّ.

 

 في
الإصحاح الخامس نجدُ ما يُمكِن أن نُسمِّيَهُ "شروط الإيمان." فقبلَ
دُخُولِهِم كنعان أُمِروا بأن يختُنوا كُلَّ ذَكَر في الشعب. فالجيلُ الأول ماتَ
في البرية. وكان هذا الجيلُ الثاني من شعبِ الله، وجميعُ ذكُوره لم يكونوا
مختونين. وهُنا نجدُ إيضاحاً جميلاً عن شُروطِ الإيمانِ. فقبلَ أن تدخُلَ أرض موعد
بركات الله، إسأَلْ نفسَكَ هل هنالكَ خطيَّةٌ في حياتِك؟ هل هُنالكَ ما تحتاجُ أن
تبتعِدَ عنهُ وتتوب عنه؟

 

عندما
دَرَسنا معاً سفرَ التَّكوين، تعلَّمنا أنَّ الكثيرينَ منَ الذين يعتَرِفُونَ
بِكَونِهم مُؤمنين، يُحاولونَ تَجنُّبَ مذبح التوبةِ ذاك الذي بناهُ إبراهيم،
عندما كانت حياتُهُ تعريفاً حَيَّاً للإيمانِ بالنِّسبَةِ لنا. فهؤُلاء لم يسمحوا
أبداً لله أن يتعاملَ مع الخطية في حياتِهِم. يتوجَّبُ علينا بِبَساطَةٍ أن نتوبَ
عن الخطيَّة في حياتِنا، قبلَ أن نتوقَّعَ بركةَ الله على إيمانِنا. هذا كان السبب
الذي من أجلِهِ خُتِنَ كل ذكرٍ في الشعب. إن الخِتانَ هو علامةٌ خارجيَّة عن إلتزامٍ
داخِلي، مثل المعموديَّة في العهدِ الجديد.

 

 في
يشوع 5، نجدُ ما نُسمِّيهِ "تَوصِيَةُ الإيمان." وهذا ما نجدُهُ في
نهاية الإصحاح الخامِس. لقد سبقَ وأعطى يشوعُ الأمر بمنعِ أيٍّ من جُنُودِهِ من أن
يستلَّ سيفَه. لقد خيَّمَ جيشٌ شرقي نهرِ الأُردن تحتَ جناحِ الظُلمة الداكِن،
وكان يسهلُ على العدوِّ أن يُحيطَ بهم، فلذلكَ أصدروا الأمرَ بأن لا يستلَّ أحدٌ
سيفَه. فإذا رأوا سيفَ أحدٍ مسلولاً، عرفوا أنهُ من العدوّ، وكانَ بإمكانِهِم أن
يَرُدُّوا فَوراً على مَصدَرِ الخَطَر.

هل تبحث عن  ئلة مسيحية توزيع الشماس للقمة البركة ة

 

ثُمَّ
خرجَ يشوعُ ليمشيَ في مُنتَصَفِ الليل، في الليلةِ التي سبقت معركة أريحا. فرأى
رجلاً سيفُهُ مسلولٌ، فسارعَ وسألهُ، "هل أنتَ صديقٌ أم عدوّ؟" فكان
الجواب، "أنا رئيسُ جُندِ الرب." نقرأُ أن يشوعَ سقطَ على وجهه إلى
الأرضِ وسجدَ وقال، "بماذا يُكلِّم سيِّدي عبدَه؟" فقال رئيسُ جُندِ
الرب ليشوع، "إخلعْ نعلَكَ من رِجليك، لأن المكان الذي أنتَ واقفٌ عليهِ هو
مُقدَّس." ثمَّ نقرأ، "ففعلَ يشوعُ كذلك." (يشُوع 5: 14- 16).

 

 في
الإصحاح السادس من سفر يشوع نجدُ الخطَّة التي إستلمها يشوعُ من الرب في الليلة
التي سبقت المعركَة. فلقد أُمِرَ الشعبُ أن يخرجوا من مُخيَّمِهِم وأن يدوروا حول
أسوارِ أريحا. وكانَ عليهِم أن يفعَلُوا ذلكَ مرَّةً في اليوم، ولِسِتَّةِ أيَّامٍ
على التَّوالِي.

 

في
اليوم السابع، كان يُفتَرَضُ بهم أن يدوروا حول المدينة سبعَ مرَّات. لقد أُمِروا
أن يدوروا حولَ المدينة ثلاثَ عشرة مرَّة. لقد كانت هذه المَدينَةُ مُحصَّنةً
بأسوارٍ عريضةٍ يُمكِنُ أن تُبنَى منازلُ فوقَها. وكان الذين يُدافِعُون عن
مدينتهم، يضعُون النساءَ والأطفالَ والأشخاص الذين لا يُمكِنُهُم حمل السلاح،
يضعُونهم في تلكَ المنازِل المُرتفِعَة فوقَ السور ليرموا العدوَّ المُهاجِم
بالجمرِ وبالحصى، عندما يقتربُ العدوُّ من السور.

 

 أحدُ
القادة العِظام الذي يُدعَى أبيمالِك، تعرَّض للموت والعار بإقترابِه من سورِ
مدينةٍ كان يُهاجِمُها. فألقت إمرأةٌ عَجوزٌ بحجرِ رحَى على رأسِ أبيمالك،
فسحقتهُ. فما كان من أبيمالك إلا أن طلبَ من حامل سِلاحِه قائلاً، "إستلَّ
سيفي وأجهِزْ عليَّ لئلا يُقال قتَلتهُ امرأة." (قُضاة 9: 52- 54). فأصبحَ
هذا بمثابةِ تحذيرٍ إستراتيجيٍّ لبني أسرائيل: لا تقتربوا أبداً من سورِ المدينة،
لأن هكذا قُتِلَ أبيمالك.

 

 ولكن
هذا ما كان يقوله اللهُ ليشوع هُنا: خذْ كامِلَ شعبِكَ مُباشرةً إلى جانبِ سور
أريحا، ودوروا حول ذلك السور ثلاثَ عشرة مرَّة. لقد كانت هذه أوَّلُ حملَةٍ
عَسكَرِيَّةٍ يَقُودُها يشُوعُ، وكانَ مُتَشَوِّقاً ليُظهِرَ مواهِبَهُ كقائدٍ
عسكَريّ ستراتيجيّ. وهذا ما سيُظهِرُهُ يَشُوعُ لاحِقاً، بأنَّهُ كانَ يتمتَّعُ
بعبقَرِيَّةٍ عَسكَرِيَّةٍ ستراتيجيَّةٍ. ولكنَّ خُطَّةَ هذه المعرَكَة كانت
مهزَلَةً مُضحِكَة، وجعَلَت يشُوعَ يبدُو غَبِيَّاً جدَّاً. ولكنَّ يشُوعَ طَبَّقَ
هذه الخُطَّة بِحذافِيرِها، لأنَّهُ عرفَ شَيئاً واحِداً عن هذه الخُطَّة، وكانَ
هذا هُوَ كُلّ ما إحتاجَ معرِفَتَهُ، ألا وهُوَ أنَّها كانت خُطَّة الله.

 

وطِوالَ
الوقت الذي كانوا يدورون فيه حولَ السور، كان عليهم أن لا ينطِقُوا بكَلِمة. لا
بُدَّ أن شعبَ أريحا كانوا مُرتعبين برهبة لأنهم لم يرموا شيئاً من على السور على
الإسرائيليين. بعدَ الدوران حول أسوارِ أريحا لمدَّةِ سَبعَةِ أيَّام، في اليوم
السابِع إستدارَ يشوعُ نحو الشعبِ وقال لهم، "إهتفوا!"

 

الرسالةُ
إلى العبرانيين تحسُمُ لنا القضيَّة عندما تقولُ أن أسوارَ أريحا سقطت بالإيمان.
لقد كانَ يَشُوعُ يَقُودُ مَوكِبَ شَعبِ اللهِ حولَ أسوارِ أريحا. ولقد تطَلَّبَ
هذا الكَثيرَ منَ الإيمان. تطلَّبَ هذا إيماناً كبيراً من هذا القائد أن يُعرِّضَ
كُلَّ هذا الشعب لكلِّ مخاطِر السور، مَرَّةً في اليوم لِمُدَّةِ ستَّةِ أيَّامٍ،
ومن ثَمَّ سبعَ مرَّاتٍ في اليومِ السَّابِع.

 

 تُرينا
معرَكَةُ أريحا نوعَ الإيمان الذي يُمَكِّنُنا من الدُّخُولِ إلى "أرضِ
مَوعِدِنا،" وأن نحيا كَشَعبٍ تَقِيّ. هذا النَّوعُ منَ الإيمانِ هُوَ نَوعٌ
عَمَلِيٌّ. إنَّهُ الإيمانُ الذي يَسيرُ. فإيمانُ يشُوع الذي مشى حولَ أريحا ثلاثَ
عشرَةَ مرَّةً هُوَ ليسَ لُغزاً أو سِرَّاً. بل هذا النَّوع منَ الإيمان هُوَ
بِبَساطَةٍ طاعَةٌ. فالإيمانُ الذي يَسيرُ، هُوَ الإيمانُ الذي يعمَلُ. والإيمانُ
الذي سارَ وعمِلَ في ذلكَ اليوم، كانَ الإيمان الذي رَبِحَ معرَكَةَ اريحا
لِصالِحِ يشُوعُ وشعبَ إسرائيل القَديم. إنَّ هذا المُستَوى منَ الإيمان يُمكِنُهُ
أن يعمَلَ وأن يربَحَ معارِكَ في حياتِنا اليوم.

 

 هل
إيمانُكَ مثل هذا الإيمان؟ يعتَقِدُ البَعضُ أنَّ الإيمانَ ينبَغي ألا يعمَلَ إلى
أن يفهَمُوا كُلَّ شَيءٍ بِعُقُولِهم. ولكنَّ يسُوعَ علَّمَ الذين تَبِعُوهُ بأن
يُلزِمُوا أنفُسَهُم أوَّلاً بالعَمَل، ووعدَهُم بأنَّ التأكيدَ العقلِيَّ سوفَ
يتبَعُ الإلتِزامَ العمَلِيّ. قالَ، "إن كانَ أحدٌ سيعمَلُ، فسيَعلَمُ."
(يُوحَنَّا 7: 17)أوَّلاً، (بالمبدأ)، سِرْ حولَ أريحا ثلاثَ عشرَةَ مرَّةً،
وعندها سوفَ تكتَشِفُ إيماناً يعمَلُ وينتَصِر.

 

كتبَ
المَلِكُ داوُد يقولُ في المزمُور 27 ما معناهُ، "لكانت قُوايَ قد خارتَ لولا
أنني آمنتُ بأن أرى جُودَ الربِّ في أرضِ الأحياء." يقولُ العقلانيون،
"فقط عندما ترى تستطيعُ أن تُؤمِن." ولكن كَلِمَةَ اللهِ تُعَلِّمُنا،
"الإيمانُ يقودُ إلى رؤيةِ الأُمور." هذا ما نراهُ مُوضَّحاً عنِ
الإيمانِ في معركةِ أريحا.

 

فاللهُ
لا يزالُ يُكَلِّفُنا بطاعَةِ خُطَتِهِ لِحياتِنا. أحياناً، تمتَحِنُ وَصاياهُ
لِحياتِنا إيمانَنا، تماماً كما إمتَحَنَت خُطَّتُهُ لمعرَكَةِ أريحا إيمانَ
يشُوع. إن كُنتَ تَعرِفُ اللهَ بِشكلٍ كافٍ، ستعرِفُ أنَّ وَصِيَّتَهُ لن تأخُذَكَ
إلى حيثُ لا تَستطيعُ نعمَتُهُ حمايَتَكَ. فإن كُنتَ تَعرِفُ أنَّ اللهَ يَقُودُكَ
لتَعمَلَ شَيئاً مُعَيَّناً، إعمَلْهُ (يُوحَنَّا 2: 5). يُعَلِّمُنا سفرُ يشُوع
أنَّ الإيمانَ عمَلِيٌّ. وعندَما يسيرُ، يعمَلُ، وعندما يعمَلُ، يربَحُ معارِكَ
الحياة.

 

الفَصلُ
الثَّانِي عَشَر أعداءُ الإيمان

 عندما
حدثَت الهزيمةُ في عاي، نَقرَأُ أنَّ يشوعَ سقطَ على وجهِه مُتَضَرِّعاً
بالصَّلاةِ أمامَ الله. فتَجاوَبَ اللهُ معَ صَلاةِ يَشُوع بسُؤالِه، "لماذا
تبكِي أمامِي؟ لقد أخطَأَ إسرائيل!" عندما نرى براهِين عنِ الحقيقَةِ
المَجيدة أنَّ اللهَ معَنا، هذا البُرهانُ يُعطينا الشَّجاعَة بأن نستَمِرَّ
بالمُثابَرة، وبينما نفعَلُ هذا ينمُو إيمانُنا. ولكن عندما يتَّضِحُ أنَّ اللهَ
لَيسَ مَعَنا، يتوجَّبُ علينا عندها أن نسقُطَ على وُجُوهِنا إلى أن نكتَشِفَ سببَ
عدَمِ كَونِ المسيحِ معَنا. فلِماذا يتجاوَبُ اللهُ معَ صَلاةِ يَشُوع بهكذا
سُؤال؟

 

في
سِفرِ الخُرُوج، نقرَأُ أنَّ بَني إسرائيل وجدُوا أنفُسَهُم في موقِعٍ حَرِج،
عندما كانت جُيوشُ مصر مُنْقَضَّةً عليهم من خَلفهم، وأمامَهُم البحرُ الأَحمر.
عندَها سقطَ موسى على وجهِهِ أمامَ الرب للصلاة. فطرَحَ الربُّ على موسى السُّؤالَ
نفسَهُ الذي كانَ سيطرَحُهُ على يَشُوع لاحِقاً عندما سقطَ هُوَ بِدَورِهِ على
وجهِهِ للصلاةِ أمامَ الرَّبّ. لقد سألَ اللهُ مُوسى لماذا كانَ يُصَلِّي، في وقتٍ
كانَ منَ الواضِحِ فيهِ تماماً أنَّهُ كانَ يتوجَّبُ عليهِ أن يُخاطِبَ شعبَ اللهِ
ويطلُبَ منهُم أن يمضُوا قُدُمَاً بإتِّجاهِ البَحرِ!

 

 بما
أن أريحا كانت المدينة الأولى التي إحتَلَّها الشَّعبُ في أرضِ كنعان، تَطَلَّبَ
نامُوسُ تقديمِ العُشر أن تُقَدَّمَ كُلُّ الغنائم التي سيحصَلُ الشعبُ عليها من
هذه المدينة للرب. وكانَ ينبَغي أن لا يَحتَفِظَ أيُّ جُندِيٍ بأيَّةِ غنيمَةٍ من
هذه المدينة لِنفسِهِ. ويتَّضِحُ هُنا أنَّ واحِداً من جُنُودِ شَعبِ اللهِ أخذاً
لِنفسِهِ شَيئاً من أريحا. فطلبَ الرَّبُّ من يشُوع أن يستَعرِضَ أسباطَ إسرائيلَ
الإثنَي عَشَر. عندما أظهَرَ اللهُ لِيَشُوع السِّبطَ المُذنِبَ، أمرَهُ اللهُ بأن
يستَعرِضَ عشائِر هذا السِّبط. وهكذا أظهَر الرَّبُّ ليَشُوع العشيرة المُذنِبَة.
ومن ثَمَّ تمَّ إستِعراضُ كُلّ عائِلة في هذه العَشيرة، رَجُلاً بعدَ الآخر، إلى
أن تمَّ إكتِشافُ رَجُلٍ يُدعَى "عَخَان" وعُلِمَ أنَّهُ هُوَ المُذنِبُ
الذي خانَ وصِيَّةَ الرَّبّ. ولقد إعتَرَفَ عَخان بأنَّهُ أخذَ ذَهباً وفِضَّةً
ورِداءً شِنعارِيَّاً، وطَمَرَها كُلَّها في أرضِ خيمَتِهِ. وبالإختِصار تمَّ
أعدامُهُ.

 

هل تبحث عن  الكتاب المقدس بولسية عهد جديد رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين 06

 في
هذه الأسفارِ التَّاريخيَّة، نتعلَّمُ بأن ننظُرَ دائماً إلى الأمثِلة
والتَّحذِيرات (1كُورنثُوس 10: 11). تماماً كما أنَّ إيمان يشُوع هُوَ نَمُوذَجٌ
لنا لنَقتَدِيَ بهِ، فإنَّ عِصيانَ عخان هُوَ تحذِيرٌ واضِحٌ لنا لنتفاداهُ
ونتحاشاهُ. فعندما يَضَعُ اللهُ إصبَعَهُ على خَطِيَّةٍ في حياتِنا، علينا أن
نُمِيتَ تلكَ الخَطيَّة، لكي تَعُودَ بَركاتُ اللهِ إلى حياتِنا (كُولُوسي 3: 5،
6؛ رُومية 8: 13). نرى هذا التَّأدِيب الرُّوحي مُصَوَّراً لنا في تَحذيرِ حياةِ
عخان.

 

العالم،
الجَسَد، والشَّيطان

 بِما
أنَّنا تعلَّمنا أن لا نُحِبَّ العالم ولا الأشياءَ التي في العالم، رأتِ
النُّفُوسُ التَّقِيَّةُ عبرَ القُرُونِ صُورَةً مجازِيَّةً عنِ العالم في
إختِبارِ عَخَان في أريحا. فهزيمَةُ الشَّعبِ في عاي هِيَ صُورَةٌ مجازِيَّةٌ عنِ
الجَسَد. علَّمَ يسُوعُ قائِلاً: "أمَّا الرُّوح فَنَشِيط وأمَّا الجَسَد
فَضَعيف." (متَّى 26: 41). الجَسَدُ هُوَ الطَّبيعَةُ البَشَريَّةُ بدُونِ
مُساعَدَةِ اللهِ. وبما أنَّ الجَسَدَ يُسَبِّبُ لنا هزيمَتنا الرُّوحيَّة، فإنَّ
هذه الهزيمة في عاي يُمكِنُ النَّظَرُ إليها على أنَّها صُورَةٌ مَجازِيَّةٌ عنِ
الجَسَد. الإختِبارُ التَّالي الذي إجتازَهُ شَعبُ إسرائيل والمُسَجَّلُ في سفرِ
يشُوع، هُوَ صُورَةٌ مجازِيَّةٌ تُمَثِّلُ العدُوَّ الثَّالِثَ للإنسان، ألا وهُوَ
الشَّيطان.

 

 ومن
ثَمَّ يَلتَقي شَعبُ إسرائيل القَديم معَ شعبٍ يُدعَى "الجبعونيُّون."
مثل راحاب، لاحظَ الجبعونيون أن شعبَ إسرائيل كانوا يتحرَّكون عبر كنعان، وكانوا
يقضون على كُلِّ من فيها، وهكذا عرفوا أن بني إسرائيل سوف يفنونهم أيضاً،
فقَرَّرُوا خِداعَ بني إسرائيل. فأخذوا خُبزَهُم وجعلوه يتعفَّن، وأخذوا أحذيتهم
وثيابَهم وجرَّحوها بالصخورِ حتى تتهرَّأ وتبدو وكأنَّها أكلَ الدهرُ عليها
وشرِبَ. غيرَ أنهم في الحقيقة كانوا قد أتوا من التلَّةِ المُجاوِرَة، ولكنَّهم
عندما اقتربوا من بني إسرائيل أعطوهم الإنطِبَاع أنَّهُم قد جاؤوا من أرضٍ بعيدة
جداً.

 

فعقدَ
بنُو إسرائيل مُعاهدةً ودخلوا في عهدٍ مع هذا الشعب بِدُونِ أن يسأَلوا الرَّبَّ
أوَّلاً. ولقد توسَّلَ لهُم الجبعونيُّون قائِلين، "إقطَعوا لنا عهداً. فنحنُ
لسنا من أرضِ كنعان. بل جئنا من مكانٍ بعيدٍ جداً." فإتَّخذوا القرار ودخلوا
في عهدٍ مع الجبعُونِيِّين. بعدَ ذلكَ، إكتشفوا أن الجبعونيين لم يأتوا من أرضٍ
بعيدَة، بل جاؤوا من أرضِ كنعان. وحافظَ شعبُ إسرائيل على عهدهم أو مُعاهدتِهم مع
الجبعونيين، مُظهِرين بذلكَ درجةً عالية من التحضُّر. وبدلَ أن يَقضُوا على
الجبعُونِيِّين الذين خَدَعُوهُم، جعلوا منهم خُدَّاماً لهم.

 

 يُقدِّمُ
الجبعونيون في سفرِ يشوع نموذجاً مجازِيَّاً يُوضِّح لنا أعداءَ الإيمان في سِفرِ
يَشُوع. أوَّلُ عَدُوٍّ لإيمانِنا، العالَم، مثَّلتهُ أريحا. فقِصَّةُ عَخَان هِي صُورَةٌ
مجازيَّةٌ تُصَوِّرُ رَغبَتَنا بأُمُورِ هذا العالم. فبِالطريقة نفسِها التي بِها
إشتَهَى عَخانُ رِداءً شِنعارِيَّاً وذهباً وفِضَّةً، هكذا نشتَهي نحنُ أيضاً
أُمَورَ هذا العالم التي تُبعِدُنا عنِ الله.

 

 وهَزيمَةُ
عاي عاي ترمزُ للجسد. قال يسوع، "أما الروح فنشيط وأما الجسد فضعيف."
(متَّى 26: 40- 42) فعندما استخفَّ بنو إسرائيل بِعَاي، هزمَهُم شعبُ عاي. ولكن
عندما كوَّنَ بنوا إسرائيل نظرةً واقعيَّةً عن مُتطلِّبات إحتلال مدينة عاي وعن
مقدارِ جَدِّيَّةِ خَطَرِها عليهم، عندها إنتصروا على عَدُوِّهم. هكذا نحنُ أيضاً
غالِباً ما نستَخِفُّ بما يُسمِّيهِ الكتابُ المُقدَّس جَسَدَنا. وهكذا فالروح
يستطيعُ الإنتصارَ على الجسد، عندما نُدرِكُ أنَّ طَبيعَتَنا البَشَريَّة غير
المُسَاعَدَة من قِبَلِ اللهِ هي تَهديدٌ جَدِّيٌّ لإيمانِنا. إيَّاكَ أن تستخفَّ
بتأثيرِ جسدِكَ على مَسيرَةِ إيمانِكَ.

 

حصلَ
الجبعونيون على مُعاهدتِهم بواسِطَةِ خِداعِ بني إسرائيل. الشَّيطانُ يعملُ بهذه
الطريقة نَفسِها. كتبَ مارتن لُوثر قائِلاً في تَرنيمَةٍ جَميلَةٍ، "إنَّ
فُنُونَ الشيطان وسُلطَتَهُ خَطيرَةٌ جدَّاً." "فالشيطانُ يظهرُ كملاكِ
نور." (2كُورنثُوس 11: 14) والشيطانُ لا يغوينا بتجربتنا بأن نفعلَ شيئاً
شائِناً. بل عادةً يأتينا بشكل شيءٍ محبوبٍ وجميل جداً. فإذا كان اللهُ يدعوكَ
مثلاً لتكونَ طبيباً مُرسَلاً، فلن يُجرِّبك الشيطانُ بأن تذهب وتسرق المصارف. بل
سيُجرِّبُكَ بأن تكون طبيباً جيِّداً في بلدِك. وإن كان اللهُ يُريدُك أن تكون
طبيباً مُرسَلاً في بلدٍ آخر، فهذا هو الأحسن. فخدعةُ الشيطان هي بأن يجعلنا نعملُ
الحسن وليسَ الأحسن. لهذا يقولُ البعضُ أن أسوأَ عدوٍّ للأحسن هو الحسن. في يشوع
6، 7، 8، و9 لدينا صورةٌ عن العقبات الثلاث للإيمان: العالم، الجَسد، والشَّيطان.

 

في
بقيّةِ سفر يشوع، نجدُ مَزيداً منَ الصُّوَرِ المَجازِيَّة التي ستُوضِحُ لنا
الإيمان. تُعطينا حياةُ يشُوع، بالإضافَةِ إلى حياةِ شَخصٍ آخَر مذكُورٍ معَ يشُوع
"نظرَةً إيجابِيَّةً عنِ الإيمان." أحد أعظم رجالات الإيمان في الكتاب
المقدس هو كالب. كان كالب ذلك الجاسوس الآخر الذي أتى بتقريرٍ جيِّدٍ عن الأرض مع
يشوع. لم يخسر كالب أبداً نظرتَهُ الإيجابيَّة. فطوال الوقت بينما كان الشعبُ
يتيهُ في البريَّة ويتأمَّلُ بالنَّاسِ الذين كانُوا يتذمَّرُون ويموتون من العطش،
كان كالب يُفكِّر بِتلك العناقيد من العنب التي رآها عندما كان هُوَ ويشُوع
يتجسَّسانِ الأرضَ في حبرون، إلى جانِبِ باقي الجواسِيس.

 

كان
الجواسيسُ العَشر الآخرون خُبراء في "علم العمالقة،" أي أنَّهُم كانُوا
يُرَكِّزُونَ على الصُّعُوبات، أو العمالِقَة، كما سبقَ وقلنا عندما درسنا سفر
العدد. لقد رأى كالب العمالقة. ولكنَّهُ عَرفَ أنَّ إلهَهُ كان أكبر من هذه
العقبات. وعندما دخلَ الشعبُ كنعان، إحتلَّ كالب مدينة حبرون وامتلكها، كما وعدَهُ
بها موسى.

 

 ولكن
هناكَ أيضاً وجهة نظر الإيمان السلبية في سفر يشوع. فبالإضافَةِ إلى أُولئكَ
الجواسيس العَشر الذين إفتَقَرُوا فِعلاً إلى الإيمان، فإنَّ كَون بني إسرائيل قد
فشلوا في طردِ شعوبِ أرضِ كنعان كما أمرَهُم اللهُ أن يعمَلُوا، يُقدِّمُ لنا
مِثالاً سَلبِيَّاً عنِ الإيمان. فلو أطاعوا أمرَ اللهِ وخُطَّتَهُ، لما قَرأنا في
السِّفرِ التَّالي منَ الكتابِ المُقدَّس أنَّهُم تعرَّضوا فيما بعد للذُّلِّ
والإستعباد سبعَ مرَّاتٍ، مِن قِبَلِ الأُمَم التي فَشِلُوا في هزيمَتِها.

 

 الصُّورَةُ
الأخيرَةُ التي نَكتَشِفُها في سِفرِ يشُوع، يُمكِنُ تَسمِيَتُها "قَرارُ
الإيمان." فلقد قامَ يشوع قائدُ الشعب، بتحدِّي شعبَ الله بأن يأخُذُوا عهداً
أمامَ الله. ولِكَي يُقَدِّمَ لهُم مِثالاً، قالَ يشوع، " أما أنا وبيتي
فنعبدُ الله." (يشُوع 24: 15) لقد ختَمَ يَشُوعُ إيمانَهُ بِعَهدٍ. ولقد
إتَّخذَ موقِفاً عَلَنِيَّاً، بأنَّهُ هُوَ وبيتَهُ سوفَ يضَعُونَ اللهَ أوَّلاً
وسيخدُمُونَهُ. عندما تحدَّى يَشُوعُ شعبَهُ بأن ينضَمُّوا إليهِِ، بعقدِ هكذا
نَوع منَ العهد، إلتَزمُوا هُم بِدَورِهِم بهكذا عهدٍ قائِلين: "نختارُ أن
نخدُمَ اللهَ وأن نضعَهُ أوَّلاً." فقامَ يشوعُ بتصريحٍ علني قائلاً،
"اللهُ يشهدُ على هذا وأنتم تشهدُون أيضاً. لقد اتَّخذتُم موقِفاً أنكم ستضعُون
اللهَ أوَّلاً وأنكم إخترتم أن تخدموا الله." (يشُوع 24: 14- 16)

 

يُختَتَمُ
سِفرُ يشُوع إذ يَضعُ يشُوعُ أمامَ الشَّعبِ هذا التحدِّي، تماماً كما فعلَ موسى
في نهايةِ سفر تثنية ولاويين. فمُوسَى ويشُوع كِلاهُما يَضَعانِ أمامَنا هذا
التَّحَدِّي، بأن نَصِلَ بِقَضايا الإيمان إلى قرارٍ بأن نضعَ اللهَ أوَّلاً في
حياتِنا.

 

فهل
سبقَ ووَصَلتَ بِقضايا الإيمان إلى قَرارٍ، وإتَّخَذتَ إلتِزاماً جَدِّيَّاً
بالإيمانِ بالله؟ وهل عقدتَ العزمَ في قَلبِكَ، أنكَ أنتَ وعائلتكَ سوفَ تَضَعُ
اللهَ أوَّلاً، وسوفَ تخدم اللهَ الواحد، الحي والحقيقي؟ إجمَعْ نماذِجَ الإيمانِ
المَوجُودَة في هذا السِّفرِ التَّاريخيّ المُوحَى بهِ في العهدِ القَديم. ثُمَّ
دَعِ الرُّوحَ القُدُس يُحَرِّكُكَ لتتَّخِذَ إلتِزاماً وتعقُدَ عهداً بأن تَكُونَ
على مُستَوىً رَفيعٍ منَ الإيمان، كذلكَ النَّوع منَ الإيمانِ الذي رأيتَهُ في
سِفرِ يشُوع.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي