الإصحَاحُ
الْحَادِي عَشَرَ

 

«فلما
سمع يابين ملك حاصور أرسل، أرسل يوباب ملك مادون وإلى ملك شمرون، وإلى ملك أكشاف،
وإلى الملوك الذين إلى الشمال في الجبل وفي العربة جنوبي كنروت، وفي السهل وفي
مرتفعات دور غرباً، الكنعانيين في الشرق والغرب، والأموريين والحثيين والفرزيين
واليبوسيين في الجبل، والحويين تحت حرمون في أرض المصفاة، فخرجوا هم وكل جيوشهم
معهم شعباً غفيراً كالرمل الذي عَلَى شاطئِ البحر في الكثرة بخيل ومركبات كثيرة
جدّاً، فاجتمع جميع هؤلاءِ الملوك بميعاد وجاءُوا ونزلوا معاً عَلَى مياه ميروم؛
لكي يحاربوا إسرائيل، فقال الرب ليشوع: لا تخفهم لأني غداً في مثل هذا الوقت
أدفعهم جميعاً قتلى أمام إسرائيل، فتعرقب خيلهم وتحرق مركباتهم بالنار» (يشوع
1:11-6). فمن قوله لا تخفهم نرى لطف الرب ليشوع إذ يشجعهُ، فساعة تكلم يشوع مع
الرب عَلَى سبيل الطلب، وساعة تكلم الرب مع يشوع تشجيعاً له ففي كلا الأمرين لنا
فوائد أدبية لأننا نحتاج إلى ممارسة الصلاة التي بها نكلم إلهنا، وعندنا كلامهُ
أيضاً الذي بهِ يكلمنا، فكلاهما ضروريان لنا ولا يغنينا الواحد عن الآخر، وأما من
جهة كلمة الله فأريد أن أقدم بعض ملاحظات عليها في هذا الموضوع، لربما يخال
للقارئِ أن كلام الله المكتتب ليس ككلامهِ لو كلمنا شفاهاً وأسمعنا صوتهُ من
السماءِ كما كلم يشوع، فأقول: أنهُ إن تكلم شفاهاً أو كتابة فلا فرق في ذلك من جهة
أهمية كلامهِ، فإنهُ عَلَى الحالتين كلام الله وذو سلطان علينا، ولكن المكتتب
ينفعنا أكثر لكونهِ معنا في كل حين حتى نلهج بهِ نهاراً وليلاً، إن شئنا ذلك،
ونستعملهُ كسيف في محاربتنا الروحية.

 

قال
الرب مشيراً إلى كتب موسى «فإن كنتم لستم تصدقون كتب ذاك، فكيف تصدقون كلامي؟»
(يوحنا 47:5) فمن قولهِ هذا يبان أن كتب موسى ذات سلطان ككلام السيد الشافي،
وبالحقيقة المصدر واحد؛ «لأنهُ لم تأْت نبوة قط بمشيئة إنسان، بل تكلم أناس الله
القديسون مسوقين من الروح القدس» (بطرس الثانية 21:1). إني أذكر هذه الشواهد
تنبيهاً للقارئ المسيحي كي لا يظن أن كلام الرب ليشوع إذ قال لهُ: لأني غداً في
مثل هذا الوقت أدفعهم جميعاً قتلى أمام إسرائيل كان أكثر تأثيراً له من كلام الله
الموجود بين أيدينا الذي يمكننا أن ندرسهُ دائماً لتعليمنا وتعزيتنا، لأنهُ من
المحتمل أن نحول حلاوة هذه النعمة (أعني وجود كلام الله بين أيدينا هكذا) إلى خلّ
ونتهاون به أو نتذمر كأَن إلهنا ليس معنا ليرشدنا بكلامه ويعزينا في كل حين، أو
كأَن بعض القدماءِ فاز بنعمة منه تعالى من هذا القبيل أكثر منا فلا يجوز لنا ذلك.
قابل عَلَى هذا (عبرانيين 1:2-4) وأيضاً (تيموثاوس الثانية 16:3و17)

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القمص تادرس يعقوب عهد جديد سفر رؤيا يوحنا اللاهوتى 21

 

فتعرقب
خيلهم الخ ( يشوع 6:11-9) فمن المعلوم أن معترضين كثيرين استغربوا صرامة معاملة
يشوع طاعة لأمر الله، وعَلى زعمهم الفاسد بوجود حنو عندهم أكثر من الله تقشعر
أبدانهم من تصورهم عملاً قاسياً كهذا، ولكن هذا يخفى عليهم بإرادتهم؛ لأنهم لو
أرادوا لعرفوا أن هؤلاءِ الذين استحقوا هذه المعاملة كانوا أكبر أعداء الله،
وتجاسروا عَلَى حقوقه غاية المجاسرة، إذ توغلوا في جميع الفواحش بدون حياءٍ وبدون
خوف، وكل ذلك مقترن مع أفظع نوع من أنواع عبادة الأصنام خلاف غيرهم من الأمم،
وأنهم أبدوا الشرور المخالفة الطبيعة نفسها. أنظر ( لاويين الإصحاح 18و20) حيث
يذكر موسى شروراً لا تطيق الأمم سماعها، ثم يقول: «ولا تسلكوا في رسوم الشعوب
الذين أنا طاردهم من أمامكم؛ لأنهم قد فعلوا كل هذه فكرهتهم» (لاويين 23:20) فإن
كان الله قاصداً أن يسكن نسل إبراهيم في أرض كنعان لا يمكن إبقاء الكنعانيين فيها
أيضاً، وقد تقدم الكلام عَلَى هذا الموضوع إذ قلت أنه كان مسموحاً لهم بأن يهاجروا
الأرض عند إقبال إسرائيل لو شاءوا حيث أنهم عرفوا من زمان طويل أن إسرائيل مقبل،
فإذاً إبقاؤهم هناك ما كان إلاَّ من عدم إيمانهم ومن تمردهم أيضاً عَلَى إله
السماءِ والأرض، وليس ذلك فقط بل كان الله قد تأنَّى عليهم زماناً طويلاً كما يبان
من كلامه لإبراهيم « وأما أنت فتمضي إلى آبائك بسلام وتدفن بشيبة صالحة وفي الجيل
الرابع يرجعون إلى ههنا؛ لأن ذنب الأموريين ليس إلى الآن كاملاً» (تكوين 15:15و16)
«فلم ينتبهوا إلى طول أناتهِ التي من شأْنها أن تقودهم إلى التوبة» (رومية 4:2)
وفي كل مدة تلك الأجيال كان شعب الله بعبودية قاسية وأحزان شديدة، وكان ذلك
تأْديباً لهم، وأما أولئك فكانوا مرتاحين لا بل مستعدين للشيطان الذي كان يدرّبهم
في كل أنواع الشرور المحرمة، ولم يكمل ذنبهم حتى زمان يشوع فكان حينئذٍ لا بد من
إجراءِ القصاص الواجب؛ لأن الله لا يتغاضى عن الأثمة إلى الأبد، فالمعترضون عَلَى
إجراء القصاص عليهم بواسطة يشوع قد نسوا كل ذلك و بالحري لم يعرفوهُ وقد نسوا
أيضاً أن الله ديان الأرض كما وأنهُ قد دان العالم أوقاتاً خصوصاً وقت الطوفان حين
أهلك كل الأرض إلاَّ نوحاً ومن كان معهُ، وقلَب سدوم وعمورة والمدن التي كانت
حولهما، وإن كان جائزاً لهُ أن يفعل ذلك فلا محل للاعتراض عَلى إبادة أمم كنعان
السبع أمام إسرائيل، وكان في ذلك أيضاً تعليم مفيد لإسرائيل أنفسهم، إذ شاهدوا
شرور سكان الأرض ثم صرامة معاملة الله معهم كي يضعوا ذلك في قلوبهم كما قال لهم
موسى محذراً إياهم.«لكي تحفظون أنتم فرائضي وأحكامي ولا تعملون شيئاً من جميع هذه
الرجاسات، لا الوطني ولا الغريب النازل في وسطكم؛ لأن جميع هذه الرجاسات قد عملها
أهل الأرض قبلكم فتنجست الأرض، فلا تقذفكم الأرض بتنجيسكم إياها كما قذفت الشعوب
التي قبلكم» (لاويين 26:18-28) فإن كان الله لم يشفق عَلَى هؤلاء فلا يشفق عَلَى
إسرائيل أيضاً إذا حادوا عن شريعتهِ فكانت إبادة الكنعانيين عبرة لهم، وحين تنجست
الأرض برجاساتهم فيما بعد عاملهم الله معاملة صارمة كما نعرف من أسفار أخرى من
التوراة، وبالحقيقة الشيء الذي حملهم إلى التوغل في الشرور بعد سكناهم الأرض كان
معاشرتهم بعض الكنعانيين الذين أبقوهم بينهم خلافاً لأمر الرب لأنهم تركوا أناساً
منهم لأجل أسباب مختلفة من الكسل أو الجبانة أو اللطافة، ولم يجروا أمر الرب بإبادتهم
مطلقاً، فنسوا أمر الله وشفقوا عَلَى الأموريين الذين صاروا لهم فخاخاً ومناخس.
وفي ذلك فوائد كبرى لنا بحيث أنه يظهر لنا ضرورية الطاعة المطلقة لكلمة الله وعظم
أهميتها مهما تكلفنا من التعب. إن الله أحكم من شعبهِ ولا يأمرهم إلاَّ بما هو
لخيرهم، فأقول للقارئ: إن عرفت مشيئة الله بادر للعمل بموجبها حالاً تاركاً
العواقب لهُ ولا تتردد بذلك. ولربما يُشكى عليك بأنك قاسٍ وعديم المحبة، لكن لا
تبالِ بذلك بل تمم مشيئة الله وهو يبرئك في حينهِ، ولا بد من امتحان إيمانك لكي
يكون للصبر عمل تام.

هل تبحث عن  م الله علم اللاهوت النظامى 34

 

كما
أمر الرب موسى عبدهُ هكذا أمر موسى يشوع وهكذا فعل يشوع، لم يهمل شيئاً… الخ»
(يشوع 15:11-18) فأخرب جميع المدن الكبيرة وقتل ملوكها، وكيفما اتفقوا معاً لم
ينفعهم اتفاقهم بل إنما أوقعهم بأكثر سرعة في يد يشوع؛ لأن الرب قصد إهلاكهم. «لم
تكن مدينة صالحت بني إسرائيل إلاَّ الحويين سكان جبعون بل أخذوا الجميع بالحرب؛
لأنهُ كان من قبل الرب أن يشدّد قلوبهم حتى يلاقوا إسرائيل للمحاربة فيحرَّموا فلا
تكون عليهم رأفة بل يبادوا كما أمر الرب موسى» (يشوع 19:11و20) ليس أن الرب جعلهم
أشراراً أولاً ولذلك تركهم لعدم إيمانهم فلم يصدقوا أنهم محاربون الرب نفسهُ، وإذ
ذاك تجاسروا واقتحموا مهاجمة إسرائيل فأهلكتهم يد الرب، فإن الله لم يجعل إنساناً
خاطئاً قط ولكن إن كان أُناس متمردين سالكين حسب شهواتهم وأهوائهم يتركهم لحماقة
قلوبهم قصاصاً لهم، وإذ ذاك لا يدرون الأخطار التي قدامهم بل يكملون ذنبهم مثل
فرعون حتى يصير إهلاكهم ضرورياًّ، وأما الأمم الكنعانية هؤلاء فكانوا مستحقين
الهلاك قبل وصول إسرائيل إلى أرض كنعان، وإن كان ذلك كلهُ فلله تعالى حق أن يقاصهم
بكل الطرق التي استحسنها منها تركهم لعمى قلوبهم حتى أن الأمور نقسها التي كانت
لتليين قلوبهم كعبور الأردن وسقوط أريحا وعاي إنما قسّت قلوبهم فحملتهم عَلَى
مهاجمة إسرائيل، وعامل الله إسرائيل عَلَى نفس هذا المبدأ عينهِ حين أرسل لهم
المسيح بحالة الفقر والتواضع، وإذ ذاك أعثرهم منظرهُ بسبب كبرياءِهم وانتظارهم
مسيحاً جبار بأس ليأتيهم ببركات زمنية موافقة لشهواتهم، ولما كانوا هكذا حضور
المسيح إنما أوقعهم بأكثر سرعة في الحالة التي جلبت عليهم الغضب إلى النهاية. أنظر
قول بطرس: «وحجر صدمة وصخرة عثرة الذين يعثرون غير طائعين للكلمة الأمر الذي جعلوا
لهُ» (بطرس الأولى 8:2) الأمر أي ليس عدم طاعتهم بل عثرتهم، فإن الله لم يجعلهم
غير طائعين ولكن لمّا كانوا هكذا تركهم لحماقة قلوبهم وجعلهم للعثرة كما قلنا.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ق قادش على العاصي ي

 

«وجاء
يشوع في ذلك الوقت… الخ» ( يشوع 21:11و22) فبعدما أخذ يشوع الأراضي المذكورة هنا
استراحت الأرض من الحرب. ما أجمل هذا الكلام! وعندما نقرأه نتمنى لإسرائيل لو بقوا
أمناءَ متنشطين طائعين لله؟ لأنهم كانوا إذ ذاك قد تمتعوا ببركة دائمة وراحة تامة،
ولم نكن قد سمعنا عن أحزانهم المرّة فيما بعد، «فلم يسمع شعبي لصوتي، وإسرائيل لم
يرضَ بي فسلمتهم إلى قساوة قلوبهم؛ ليسلكوا في مؤامرات أنفسهم. لو سمع لي شعبي
وسلك إسرائيل في طرقي، سريعاً كنت أُخضع أعدائهم، وعَلَى مضايقيهم كنت أرض يدي،
مبغضو الرب يتذللون لهُ، ويكون وقتهم إلى الدهر، وكان أطعمهُ من شحم الحنطة، ومن
الصخرة كنت أشبعك عسلاً» (مزمور 11:81-16) «ليتك أصغيت لوصاياي فكان كنهر سلامك
وبرك كلجج البحر، وكان كالرمل نسلك وذرية أحشائك كأحشائهِ، لا ينقطع ولا يباد
اسمهُ من أمامي» (أشعياء 18:48و19).

 

لا شك
أنهم سيفوزون في الأيام الآتية براحة تامة في أرضهم الخاصة الجيدة، ليس كالراحة
التي تمتع بها آباؤهم مؤقتاً تحت قيادة يشوع بن نون، بل تحت ملك المسيح الذي هو
أعظم من يشوع وأمجده. وأما نحن فإن كنا قد حصلنا عَلَى الراحة في المسيح فإنما هي
راحة مقترنة مع الحرب، وكلما جاهدنا ساهرين في الجهاد الحسن ارتحنا وسلمنا من
مهاجمات العدو ومكايدهِ، ولنا أمل وطيد بالحصول عَلَى الراحة عن قريب، تكون تامة
ودائمة إلى الأبد، بحيث لا نعود نسمع عن حروب ولا يوجد مزعج ولا مكدّر.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي