الإصحَاحُ
الثَّانِي عَشَرَ

 

لا
ينبغي أن يكون أدنى تردُّد عند الإنسان المسيحي من جهة افتتاح كنعان، ولا مسألة هل
كان ذلك من الأمور الجائزة أم لا، طالما تعب البعض من علماءِ اليهود والنصارى لكي
يلطفوهُ، ولم تظهر من كلامهم نتائج حميدة موافقة لكلمة الله؛ لأن افتتاح كنعان لم
يكن مثل الافتتاحات الناشئة من طمع الملوك، بل كان رأْساً بأمر الله الذي شاء أن
يجري انتقامهُ العادل في الأرض، وإذ ذاك فلم يكن من مقصدهِ أن يظهر نعمة الإنجيل
التي تملك بالبر للحياة الأبدية، ولا يليق مطلقاً بأن نقول كالبعض أن يشوع لم يكن
قاصداً الحرب بل عرض الصلح عَلَى سكان كنعان أولاً وإنما بادر إلى الحرب بعد رفضهم
إياهُ، ولا يوجد أساس للظن أنهُ لو خضعوا لهُ لكان قد استحياهم؛ لأن الله كان قد
حرمهم للهلاك مطلقاً، وإذ ذاك لا نحسب إبادتهم من قساوة إسرائيل، بل نقمة عادلة من
الله الذي شاءَ أن يستخدم شعبهُ لإجراءِ قضائِه. قال موسى: «حين قسم العليُّ للأمم
حين فرَّق بني آدم نصب تخوماً لشعوب حسب عدد بني إسرائيل» (تثنية 8:32) كان لهُ
تعالى حق لو شاءَ أن يتخذ العالم كلهُ، ولكنهُ لم يرضَ إلاَّ تخصيص أرض كنعان لنسل
إبراهيم. وليس هذا من الأوهام اليهودية، بل مؤسساً عَلَى كلمة الله الصريحة، انهُ
كان من الأمور المحققة من وقت دعوة إبراهيم أن الله مزمع أن يعطيهُ ونسلهُ أرضاً،
وبعد مدة أظهر أنهُ اختار لهم كنعان، ولكن الشعب المختار التزم أن يصطبر زماناً
طويلاً قبل امتلاكها. أنظر(تكوين 15)

 

فالكتاب
ليس بصامت عن قصد الله من الأول أن يعطي تلك الأرض لإسرائيل، مع أنهُ كان من
مقاصدهِ وطرقهِ أن يبقي آباءَهم مدة طويلة في الغربة والعبودية بينما كان الكنعاني
في الأرض، وإذ ذاك كان ينبغي إجراءُ القضاء عَلَى سكانها الأولين قبل امتلاكها بيد
إسرائيل، فلا نقول أن نسل إبراهيم امتلكها بموجب الحقوق الطبيعية، بل بأمر الله
الذي شاءَ أن يعطيهم إياها هبةً. وليس من الحكمة أن نستغرب أعمال الله في كل ذلك
لاختلافها عما أبداهُ في العهد الجديد، ولا يليق بأن نسعى لنطبق هذا مع ذاك زعماً
أنها جميعها عَلَى مبدأ واحد؛ لأن الفرق بينهما عظيماً جداً كالفرق بين إجراءِ
العدل الأرضي وإظهار النعمة السماوية، وإن قلنا أن الفرق بين النظام القديم
والنظام الجديد ليس جوهرياً بل عرضيّاً فقط نقع في ضلال مبين يقدّم فرصة مناسبة
لاعتراضات الكفرة التي لا نقدر أن ندحضها بطريقة صوابية، عَلَى انهُ ينبغي أن نحفظ
في بالنا أن ذلك كان جيداً في حينهِ لإظهار عدل الله مؤقتاً في الأرض، وأما هذا
فكامل لإعلان نعمتهِ الأبدية في السماء.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس تشكيل فاندايك وسميث عهد قديم سفر أخبار الأيام الثانى 01

 

إن
دخول الخطية إلى العالم اقتضى أن الله يفعل كقاضٍ ومنتقم، وكان انقلاب سدوم وعمورة
ومدنها قد برهن ذلك في أرض كنعان نفسها قبل أن افتتحها إسرائيل تحت قيادة يشوع،
كما أن معاملات الله معهم في مسير البرّية أظهرت لهم أن الله لا يتغاضى عن فعلة
الإثم، نعم وأعمال أخرى أجراها من وقت إلى آخر حتى أنهُ أخرب أورشليم أخيراً بيد
الرومانيين، ولكنهُ من ابتداء الإيمان المسيحي أخذ يعلن مبدأً آخر كما لا يخفى غير
أنهُ لم يزل يفعل حسب المبدأ الأول في بعض الظروف؛ لأنهُ بدّد اليهود، وأخرب
مدينتهم بعد رفضهم نعمة الإنجيل، وحتى الآن لهُ عناية محيطة بكل شيء وسلطان مطلق
لسياسة العالم، وإن شاءَ وقتاً ما يجري قضائهُ في الأرض، ولكن مع ذلك كلهِ
معاملاتهُ الحاضرة للبشر ليست ممتازة بإظهار النقمة، وإن صار شيء من هذا القبيل لا
نخلطهُ مع مبدأ نعمتهِ المجانية، نراه الآن يتأنَّى عَلَى الفجار، ولكنهُ قد عين
يوماً فيهِ يدين سرائر قلوب جميع الناس ويعاقب الأثمة في بحيرة النار المؤَبدة.
هذا من جهة الفرق بين النظامين، وأما من جهة إبادة الكنعانيين فلا شك عندي أن كل
مؤْمن يعتقد أن الله عمل ذلك بالصواب، وكل من يتفوه بكلام ضدهُ إنما يفعل ذلك من
سوءِ أفكاره الباطلة زعماً أنهُ قادر أن يدين الله وينكت عَلَى أعمالهِ.

 

قد
سبق قولي في هذا الشرح أن دعوة إسرائيل تختلف عن دعوتنا المسيحية كل الاختلاف؛ لأن
الله دعاهم لإجراءِ غضبهِ عَلَى سكان كنعان ولامتلاك خيرات زمنية، ولكنهُ قد دعانا
نحن لكي نتمثل بالمسيح. أنظر (بطرس الأولى 20:2-24) فالفرق بينهم عظيم جداً ولا
يجوز لنا أن ننكت عَلَى الأول الذي كان مرتباً من الله في وقتهِ الخاص، ولا نمزجهُ
مع الثاني، «هوذا الآن وقت مقبول، هوذا الآن يوم خلاص» (كورنثوس الثانية 2:6) فلا
بدَّ من انتهاءِ الوقت هذا الممتاز بإعلان النعمة، ويعقبهُ إجراءِ الدينونة عَلَى
الأحياء عند مجيء المسيح ثانيةً. كل مدة غياب المسيح موصوف في الإنجيل كوقت إظهار
النعمة المطلقة لنحو العالم، وزمان ضيق واضطهاد للمؤْمنين، ولا يجوز لهم أن
ينتظروا الفرج قبل رجوع سيدهم ليرجعهم إليهِ كما يُجمع القمح إلى المخزن فيطهر
حينئذٍ الأرض بسيف القضاءِ كما تطهرت أرض كنعان بسيف يشوع، فلا ينجو حينئذٍ
أخصامهُ إن كانوا وثنيين أو يهوداً أو مسيحيين لهم صورة التقوى وهم منكرون قوتها.
«حتى أننا نحن أنفسنا نفتخر بكم في كنائس الله من أجل صبركم وإيمانكم في جميع
اضطهاداتكم والضيقات التي تحتملونها بينةً عَلَى قضاءِ الله العادل أنكم تؤهلون
لملكوت الله الذي لأجله تتألمون أيضاً، إذ هو عادل عند الله أن الذين يضايقونكم
يجازيهم ضيقاً، وإياكم الذين تتضايقون راحةً معنا عند استعلان الرب يسوع من
السماءِ مع ملائكة قوتهِ في نار لهيب، معطياً نقمة للذين لا يعرفون الله والذين لا
يطيعون إنجيل ربنا يسوع المسيح الذين سيعاقبون بهلاك أبدي من وجه الرب ومن مجد
قوتهِ متى جاءَ ليتمجد في قديسيهِ ويُتعجب منهُ في جميع المُؤمنين» (تسالونيكي
الثانية 4:1-10) لا شك أن مزج مبدأ النظام القديم مع النظام الجديد قد سبب أضراراً
بليغة جدًّا؛ لأنهُ سهّل الطريق للمسيحيين أن يعيشوا عيشة يهودية وهي بالحقيقة
عالمية وملأَ أفواه الكفرة اعتراضات، وأما الذب يتمسك بمبدأي النظامين بدون خلط
فهو وحده قادر أن يفصل الحق باستقامة معطياً ما لليهودي لليهودي وما للمسيحي
للمسيحي، وهكذا يستد فم الكافر ويصبح المسيحي العالمي بلا عذر. أنهُ ستجرى ضربات
عَلَى العالم في المستقبل، ولكن ليس بواسطة الكنيسة، فإن السيف لن يوضع في يدها
وهي عَلَى الأرض، نعم سيكون لله أتقياء عَلَى الأرض في ذلك الوقت يستعملهم لإجراءِ
بعض ضرباتهِ، ولكنهم ليسوا مسيحيين بل يهوداً. أنظر(مزمور 5:149-9) وأما نحن فنكون
حينئذٍ في المجد فإذاً كل من يحوّل الضربات المتنبأُ عنها إلى هيئة روحية زعماً
أنها تتم روحياً في انتشار الإنجيل عن يد الكنيسة لا يعرف ما هي الكنيسة ولا ينتبه
إلى أقوال الله الصريحة؛ لأنهُ قد أوضح حالة كنيستهِ ودعوتها مصرحاً أيضاً أنهُ
مزمع بعد اختطافها إلى المجد أن يسكب ضرباتهِ عَلَى العالم استعداداً لإقامة ملك
المسيح ألف سنة، والفرق بين هذا وذلك كالفرق بين حوادث هذا العالم الوقتية والحالة
الأبدية.

هل تبحث عن  م الأباء أثنياغوروس قيامة الأموات 00

 

إن
علماء اليهود في أيامنا قد حادوا عن كتبهم وأخذوا يفسرون النبوات مثل تفاسير بعض
علماء النصارى، وجميعهم ينكرون إجراء النقمة الإلهية عَلَى العالم، زاعمين أن
أمراً كهذا لا يناسب روح عصرنا هذا، تراهم من الفريقين يطمّنون أفكار الناس بكلام
ملق فحواهُ أن العالم متقدم في التمدن والتهذيب، وأنهُ مزمع أن يترك الظلم رويداً
رويداً بواسطة انتشار الحق، وإذ ذاك لا يقتضي سكب ضربات الله عليه، وقد وقع في هذا
الضلال ليسوا الكفرة فقط بل جانب عظيم من المسيحيين المقرين بالوحي؛ والسبب لذلك
فتورهم وجهالتهم في الأمور الروحية، إذ لم يعرفوا المقام المسيحي ولا ما هي
الكنيسة من جهة كونها شاهدة للمسيح وهو مرفوض من العالم ومرتفع إلى المجد، فنراهم
مشتهين الحصول عَلَى الأشياء العالمية غير مبالين بما يليق بالعذراء العفيفة
المخطوبة للمسيح، التي ليس لها نصيب في العالم سوى البغض والإهانة، بينما تنتظر
قدوم سيدها ليأخذها من هنا إلى مجدهِ فبل ما يضرب الأرض بسيف فمهِ.

 

«وهؤلاء
هم ملوك الأرض الذين ضربهم بنو إسرائيل وامتلكوا أرضهم الخ» (يشوع 12) يتضمن هذا
الإصحاح أسماءَ الملوك الذين سقطوا بيد لإسرائيل، ففي العدد 1-6 تذكر أسماءُ
الملوك في عبر الأردن نحو شروق الشمس الذين ضربهم بنو إسرائيل وأخذوا أرضهم في
زمان موسى. وفي العدد 7-24 أسماءُ الملوك الذين ضربهم يشوع في أرض كنعان بحصر
اللفظ، ولكن مع أنهُ ضرب الملوك المذكورين وامتلك أراضيهم بقي جانب كبير من الشعب
كما يبان فيما بعد. ولا نعود نسمع الآن فصاعداً أخباراً عن حروب شديدة مثلما صار
عقيب دخولهم إلى الأرض، غير أن الكنعانيين الباقين استعملوا وسائط ليجلبوا متاعب
عَلَى إسرائيل ويمنعوهم من امتلاك الأرض كلها.

هل تبحث عن  هوت طقسى الشموع فى الكنيسة 2

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي