الإصحَاحُ
السَّابعُ – الإصحَاحُ الْعَاشِرُ

الضربات
العشر

تتحدث هذه الأصحاحات الأربعة (7 – 10) عن التسع ضربات الأولى بينما
تحدث الأصحاحان (11، 12) عن الضربة الأخيرة التى إرتبطت بخروف الفصح

 (1) مقدمة للضربات:

 قبل أن يبدأ الله بالضربات أكد لموسى عدة حقائق:

أ – أنا جعلتك إلها لفرعون (ع 1)، أى جعلتك سيدا عليه،
فلا تخافه ولا ترهب قسوة قلبه، وكما يقول القديس باسيليوس:
[يقدم هذا اللقب
برهانا على نوع من السلطان فى التدبير أو فى العمل]
. فالمؤمن يحذر من إبليس
لكنه يؤمن بسلطان عليه كقول الرب:

" ها أنا اعطيكم سلطانا لتدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو
ولا يضركم شىء "
لو 10: 19. وكما يؤكد القديس يوحنا الذهبى الفم فى أكثر من مقال أنه
ليس للشيطان سلطان علينا، إنما يقدم إغراءاته غير الملزمة وحيله وخداعاته لكى نسقط
فى فخاخه.

ب – " أخوك يكون نبيك " ع 1، أى المتكلم عنك. إذ
التحمت الوصية (موسى) بالعمل الكهنوتى التعبدى (هرون)، صارت العبادة معلنة للوصية
وكاشفة عنها. هذا هو إيماننا أن عبادتنا الليتورجية ليست منفصلة عن إنجيلنا، بل
عاملة به وكارزة، يستطيع الأمى والطفل أن يدركا الأسرار الأنجيلية خلال بساطة
الطقس وروحانيته ويقدر المتعلم والناضج أن يجد أعماق المفاهيم اللاهوتية الأنجيلية
فيه.

ج – غاية الضربات: " يعرف المصريون إنى
أنا الرب "
ع 5، أى يبدد ظلمة الجهل التى طمست عينى الإنسان فى شره. بمعنى آخر،
لم يهدف الله بها إلى إلقاء الرعب فى قلوب الحاضرين، إنما أراد أن تكون سندا للخلاص.

د – إستدعى فرعون ساحرين: ذكر القديس بولس الرسول إسميهما
" مينيس ويمبريس " 2 تيموثاوس 3: 8، عن التقليد اليهودى. قام هذان
الساحران بمقاومة موسى وهرون ليس بإلقاء الرعب والتهديد كما فعل فرعون وإنما خلال
حرب خطيرة هى حرب التمويه بين الحق والباطل، عمل الله وعمل إبليس، فحاولا أن يفعلا
ما يفعلانه موسى وهرون لكنهما فشلا، إذ يقول الكتاب:

" عصا هرون ابتلعت عصيهم " ع 12

" فعل كذلك العرافون بسحرهم ليخرجوا البعوض فلم يستطيعوا..
فقال العرافون لفرعون هذا أصبع الله "
8: 18، 19.

لم يستطع العرافون أن يقفوا أمام موسى من أجل الدمامل، لأن الدمامل
كانت فى العرافين وفى كل المصريين "
9: 12.

بمعنى آخر، إن كان السحرة حاولوا الخداع بإبراز بعض أعمال تحمل صورة
ما فعله موسى وهرون، وذلك بفعل السحر، لكنهم كانوا فى ضعف، وسقط الساحران تحت
الضربات كغيرهما، ولم يكونا قادرين على إبطال الضربات أو إنقاذ فرعون وجنوده..
واضطرا أن يعترفا بقوة
" أصبع الله ".

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ف فَراصيم م

فى دراستنا لسفر الرؤيا رأينا حربا مشابهة، فكما يعلن الثالوث القدوس
أعماله مع الإنسان يحاول الثالوث الدنس " الدجال والوحش البرى والوحش البحرى
" أن يخدعوا البشر، بل وأحيانا يقدمون أعمالا تبدو كما لو كانت تشبه أعمال
الثالوث القدوس، مثل عمل المعجزات بفعل شيطانى.

ه – العصا التى كانت فى يد موسى النبى دعيت " غصا الله
"
4: 20، " عصا هرون " 7: 22، " عصا موسى
"
10: 13. هى عصا الخلاص التى تعمل فى حياتنا تشير إلى الإيمان
بالصليب الخشبة المحيية، لذا دعيت عصا الله، كما تشير للوصية الإلهية أو كلمة الله
الكارزة بالصليب (عصا موسى)، وأيضا تشير للحياة التعبدية التىخلالها ندخل فى حياة
الشركة مع المصلوب (عصا هرون). وكأن الإيمان يلتحم بالكتاب المقدس والعبادة بفير
انفصال.

و – العصا بين الناموس والصليب: العصا التى جاء بها موسى إلى
مصر هى الناموس الذى يضرب به الضربات العشر، أى يدين الخطية ويفضحها. وهى أيضا
الصليب الذى جرد إبليس من سلطانه وقهر قوته معطيا للمؤمنين قوة الغلبة والخلاص.

 (2) تحويل الماء دما:

 يلاحظ فى الضربات العشر أن الله كان يوجهها ضد آلهة المصريين
نفسها ليكشف ضعفها، إذ يقول
" وأصنع أحكاما بكل آلهة المصريين أنا الرب " 12: 12. فتحويل
مياة النيل إلى دم دنس أوقع المصريين فى حيرة إذ رأوا معبودهم قد صار دنسا! ومن
جهة أخرى كشف لهم أن فكرهم كله جسدانى، يرون كل شىء حسب اللحم والدم وليس بمنظار
روحى.

لقد طلب الرب من موسى أن يذهب إلى فرعون فى الصباح (ع 15)، لأن حربنا
مع عدو الخير تبدأ مع صباح حياتنا الروحية وبدء إنطلاقها. كما طلب منه أن يلتقى به
على حافة النهر، يخرج إليه عند المياة (ع 15)، وكأن ذلك إعلان للمؤمن أن يلتقى مع
صاحب الفلسفات بذات فلسفاتهم، فلا تخاف الكنيسة من دراسة العلوم الفلسفية، واشترط
أن يأخذ العصا التى تحولت إلى حية فى يده، فلا إمكانية للغلبة على الشر بدون
الصليب واهب النصرة.

أما النتيجة فهى: " يكون دم فى كل أرض مصر فى الأخشاب وفى
الأحجار "
ع 19. فإن كان الأرض قد صار " أرض مصر " أى محبا للعالم،
فإن الدم يدخل إليه ليقدسه، والحجارة الجامدة تتحول إلى حياة " أولاد
لإبراهيم "، كقول السيد المسيح نفسه
" إن سكت هؤلاء
فالحجارة تصرخ "!.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس قاموس الكنيسة زنار ر

ويلاحظ أن الماء لم يصر دما للعبرانيين، وكأنهم وهم كغرباء لا
يتأثرون بشرور المصريين.

 (3) ضربة الضفادع:

كانت الضفادع مفرزة للإله أوزوريس، ومن مزامعهم أن إنتفاخها علامة
وحى إلهى، فسمح الله أن تفيض عليهم وتصير ضربة كبرى بالنسبة لهم.

إن كان فرعون قد ألزم الشعب بالعمل فى الطين فقد ناله تأديب قاسى أن
تقفز الضفادع من الطين بشكلها القبيح ورائحتها غير المقبولة وصوتها المزعج لتدخل
إلى بيته وتقتحم مائدته وسريره ومخازنه السرية، فتتحول حياته طينا ووحلا! بالكيل
الذى كال به كيل له وازداد.

(4) ضربة البعوض:

كان الكهنة يهتمون جدا بالنظافة ويحترسون من التدنس بالبعوض والقمل،
فضربوا بالبعوض، الأمر الذى فشل السحرة أن يخرجوه فاعترفوا أمام فرعون قائلين:
" هذا أصبع
الله "
ع 19.

نقرأ أن الناموس قد كتب بأصبع الله، وأعطى خلال موسى خادمه الطوباوى،
هنا يفهم الكثيرون أصبع الله أنه الروح القدس.

بسبب كبريائنا يسمح الله للمخلوقات الصغيرة جدا والمزدرى بها أن
تعذبنا ما دام الإنسان متكبرا على الله ومتعجرفا..

 (5) ضربة الذباب:

كان المصريون يعبدون آلهة تقوم بطرد الذباب.. فأراد الله أن يكشف عن
عجز آلهتهم.

 (6) ضربة الوباء الذى أصاب المواشى:

كان المصريون يعتقدون بالقداسة فى بعض الحيوانات ولا سيما العجل أبيس
الذى يحسبون أن فيه روح إلههم أوزوريس. فبضربة الحيوانات يدرك المصريون خطأ
معتقدهم.

 (7) ضربة البثور:

كان للمصريين آلهة كثيرة يقدمون لها أناسا أحياء، قيل أنهم كانوا
يحرقون بعض العبرانيين على مذبح عال ويدرون رمادهم فى الهواء لكى تنزل مع كل ذرة
بركة، لذلك أخذ موسى رمادا من التنور وذراه فنشرته الرياح ونزل على الكهنة والشعب
والحيوانات بالقروح والدمامل، حتى لم يستطع السحرة أن يقفوا أمام موسى من أجل
الدمامل (ع 11). كأن الله أراد أن يعلن أنه إن كان قد طال أناته عليهم لكنه يستطيع
أن يخلص هؤلاء الذين يحرقونهم بلا ذنب.

 (8) ضربة الرعد والبرد والنار:

كانت هذه الضربة شديدة إذ لم يعتد المصريون على البرد القارص وهذا
الجو العنيف. وقد رأينا أن أصوات الرعد كانت تشير إلى إعلانات الله وإنذاراته،
والبرد يشير إلى قتل الزرع الرخيص (العشب) الذى أقامه العدو فى القلب، والنار تحرق
الأشواك الخانقة للنفس ليلتهب القلب بمحبة الله.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس كتاب الحياة عهد جديد إنجيل لوقا 03

 (9) ضربة الجراد:

الجراد مفسد للزرع ومجلب للقحط، إذ يبيد كل نبات أخضر، فكانت الضربة
تشير إلى عجز آلهتهم عن إعالتهم حتى جسديا.

 (10) ضربة الظلام:

كان المصريون يعبدون الإله رع أى الشمس، كأن هذه الضربة قد وجهت ضد
هذا الإله. وفى نفس الوقت كشفت لهم عن عمى بصيرتهم الداخلية، وأعلنت عن حاجتهم
لمجىء شمس البر الذى يشرق على الجالسين فى الظلمة. وقد بقى الظلام ثلاثة أيام، لعل
ذلك إشارة إلى انتظار النفس للدخول فى نور قيامة السيد المسيح.

 موقف فرعون من الضربات:

حاول فرعون أمام هذه الضربات أن يدخل فى مفاوضات مع موسى وهرون مقدما
أنصاف حلول غير مجدية، وإذ أصر موسى وهرون على موقفهما قال
" أطلقكم
لتذبحوا للرب إلهكم فى البرية، ولكن لا تذهبوا بعيدا. صليا لأجلى "
(8: 28). تظاهر
بالورع والحاجة إلى صلاتهما، لكنه لا يريدهما أن يسيرا الثلاثة أيام كاملة، أى لا
يتمتع الشعب بقوة القيامة مع السيد المسيح المخلص.

– إذ اشتدت الضيقة سمح لهم بالخروج كما يريدون (أى يسيرون ثلاثة
أيام)، لكنه قال
" إذهبوا أنتم الرجال واعبدوا الرب لأنكم هكذا طالبون " (10: 10).
مشترطا أن يتركوا نساءهم وأولادهم ومواشيهم. يسمح لنا العدو أن نتعبد لله لكن بدون
نسائنا أى أجسادنا، لأن الزوجة إنما تشير للجسد، كقول الرسول للرجال أن يحبوا
نساءهم كأجسادهم،.. ولا يكون لهم أولاد أى ثمار الروح، وبدون المواشى أى تقديس
الحواس والعواطف. أنه يريد العبادة منفصلة عن كل حياة الإنسان العملية حتى عن
تقديس جسده وعواطفه.

– وأخيرا، سمح لهم أن يخرجوا بنسائهم وأولادهم " غير أن
غنمكم وبقركم تبقى "
10: 24. وكانت إجابة موسى النبى ؛ عبارته الخالدة:

 " لا يبقى ظلف "

 نخرج جميعنا بنسائنا وأولادنا ومواشينا، مقدمين كل شىء للرب،
ولا نترك لأبليس موضع فى حياتنا.. لن نترك له ظلف فى حياتنا، حتى لا يكون له مجال
للعمل الرير فى داخلنا.

موسى النبى الذى رأيناه يحاول أن يستعفى من الخدمة فى حواره مع الرب
على جبل سيناء، خوفا من فرعون، وقد إمتلأ الآن بقوة روحية يعلن فى شجاعة تامة أمام
فرعون

: لا يبقى ظلف!!

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي