الإصحَاحُ
السَّابعُ

 

«فبكر
يربعل أي جدعون وكل الشعب الذي معه ونزلوا عَلَى عين حرود، وكان جيش المديانيين
شماليهم عند تل مورة في الوادي. وقال الرب لجدعون: إن الشعب الذي معك كثير عليَّ
لأدفع المديانيين بيدهم، لئلا يفتخر علىَّ إسرائيل قائلاً يدي خلصتني…الخ» (قضاة
1:7-8) اجتمع بعض أسباط إسرائيل وراء جدعون، ولكن الرب لم يشأ أن يستعملهم جميعهم
بل صفَّاهم بالوسائط التي استنسبها، أولاً أمر جدعون بأن ينادي في آذان الشعب
قائلاً من كان خائفاً ومرتعداً فليرجع وينصرف، فرجع جانب كبير منهم لأنهم كانوا
بلا إيمان، وبقي عندهُ عشرة آلاف، ثم نزل بهم إلى الماء فظهر أن الأكثرين كانوا
فاترين وبلا غيرة، إذ جثوا عَلَى ركبهم لشرب الماء، فالواضح أن هؤلاء لا يصلحون
للحرب المتعلقة بالإيمان الحارّ. فأرجعهم جدعون حسب أمر الرب ولم يبقَ معهُ سوى
ثلاث مائة مناسبين لهذه الخدمة، إذ ظهر فيهم نفس الروح الذي كان في قائدهم. لاحظ
جيداً أن جميع الذين اجتمعوا إلى جدعون في الأول حسبوا أنفسهم أهلاً للخدمة
المطلوبة، ولم يكن عندهم علم بأن الرب يمتحنهم، لأنهم لو عرفوا ذلك لكان يمكنهم أن
يتظاهروا بغيرة ليست فيهم. وهكذا الآن يمتحنا الرب بوسائط بسيطة حسب الظاهر لا
نعرف في وقتهِ أنها لامتحاننا، ولكننا نُظهر بها هل فينا إيمان حارّ أم لا؟ كان
أصل ارتداد إسرائيل قلة اعتبارهم للأرض التي أعطاهم الله إياها، وإذ ذاك لم يريدوا
أن يجاهدوا لامتلاكها كما قد رأَينا، ثم لما تراخوا وتعودوا الفتور والكسل تورطوا
في شرور الكنعانيين، وعندما امتحن الرب جيش جدعون استعمل الوسائط التي أظهرت من هم
الذين قد انتبهوا مثل جدعون إلى سوء حالة شعب الله، اقتضى أن يكون فيهم إيمان لا
حب الوطن فقط أو شيء آخر من الأغراض البشرية. إن كنا مجاهدين في حروب الرب لا يليق
أن نطلب كثرة العدد بل الذين فيهم الإيمان الحار الذي يحملهم إلى الطاعة وإن كانوا
قليلين، كلما كثر الناس معنا إنما يعيقوننا ويضعفوننا إن كانوا بلا إيمان، وليس
ذلك فقط بل نصبح في تجربة أن ننظر إلى قوتنا الظاهرة لا إلى الرب وحدهُ، إن كان هو
معنا فليست المسألة بعد من جهة ما عندنا من أسماء البشر ولوازم الحرب؛ لأن الرب لا
يجنّد الذين يطلبون راحتهم وشرفهم وصوالحهم، بل الذين يعلقون قلوبهم بخير شعبهِ
ومجد اسمهِ فقط. فقال الرب لجدعون: بالثلاث مائة رجل الذين ولغوا الماء أخلصكم
وأدفع المديانيين ليدك، وأما سائر الشعب فليذهبوا كل واحد إلى مكانهِ، فكل من يتوانى
مفتكراً في راحتهِ لا يناسب لخدمة الرب، وعَلَى ذلك قد وردت شواهد كثيرة في العهد
الجديد.

هل تبحث عن  كتب أبوكريفا عهد قديم أخنوخ الثانى 07

 

«وكان
في تلك الليلة أن الرب قال لهُ: قم انزل إلى المحلة لأني قد دفعتها إلى يدك. وإن
كنت خائفاً من النزول فانزل أنت وفورة غلامك إلى المحلة وتسمع ما يتكلمون بهِ وبعد
تتشدد يداك وتنزل إلى المحلة. فنزل هو وفورة غلامهُ إلى آخر المتجهزين الذين في
المحلة، وكان المديانيين والعمالقة وكل بني المشرق حالّين في الوادي كالجراد في
الكثرة، وجمالهم لا عدد لها كالرمل الذي عَلَى شاطئ البحر في الكثرة. وجاء جدعون
فإذا رجل يخبر صاحبهُ بحلمٍ ويقول: هوذا قد حلمت حلماً وإذا رغيف خبز شعير يتدحرج
في محلة المديانيين، وجاءَ إلى الخيمة وضربها فسقطت وقلبها إلى فوق فسقطت الخيمة.
فأجاب صاحبهُ وقال: ليس ذلك إلاَّ سيف جدعون بن يوآش رجل إسرائيل قد دفع الله إلى
يدهِ المديانيين وكل الجيش» (قضاة 9:7-14)

 

لا
يوجد كتاب في العالم مثل الكتاب المقدس بحيث أن الله يذكر خوف عبدهِ بكل وضوح كما
يذكر شجاعتهُ أيضاً، لا يستر الأول ولا يبالغ في الثاني، فإنهُ قادر أن يزيل الأول
كما أنهُ المصدر الحقيقي للثاني. كان قد قاد عبدهُ الأمين في ظروف من شأنها أن
تملأَه خوفاً؛ لأن ماذا جدعون والثلاث مائة رجل بالنسبة إلى هذا الجيش الغفير
المقتدر؟ وما أجمل حكمة الله الظاهرة فيما أمره بعملهِ! من كان يظن أنهُ يتقوى من
سماع حلم نفر واحد من هذا الجيش وتفسيرهُ من واحد آخر؟ ولكن هكذا رتَّب الرب
ومكَّن ليس إيمان جدعون فقط بل إيماننا أيضاً إذ نرى أن كل الأمور في يدهِ
ليستخدمها لإجراءِ مقاصدهِ، نعم لم يكن جدعون حسب هذا الحلم سوى رغيف خبز شعير،
وهو من أحقر الأشياء المفيدة للإنسان، فليكن كذلك إن كان الرب يستعملهُ لكسر
الأعداء.

هل تبحث عن  م التاريخ كنيسة الأقباط الأرثوذكس بطاركة الأقباط الأرثوذكس أندرونيقوس س

 

«وكان
لما سمع جدعون خبر الحلم وتفسيره أنهُ سجد ورجع إلى محلة إسرائيل وقال قوموا لأن
الرب قد دفع إلى يدكم جيش المديانيين…الخ» (قضاة 15:7-18) فكما أنهم كانوا بذواتهم
ليسوا سوى رغيف خبز شعير كذلك كانت أسلحتهم أيضاً حقيرة لأنهم أخذوا جراراً فارغة
ومصابيح، فإن الله يخلص لا بقوة الإنسان أو حكمتهِ بل بروحهِ العامل في آلات
ضعيفة.

 

«فجاءَ
جدعون والمائة رجل الذين معهُ إلى طرف المحلة في أول الهزيع الأوسط، وكانوا إذ ذاك
قد أقاموا الحرّاس فضربوا بالأبواق وكسروا الجرار وأمسكوا المصابيح بأيديهم اليسرى
والأبواق بأيديهم اليمنى ليضربوا بها، وصرخوا: سيف للرب ولجدعون، ووقفوا كل واحد
في مكانهِ حول المحلة، فركض كل الجيش وصرخوا وهربوا، وضرب الثلاث المئين بالأبواق
وجعل الرب سيف كل واحد بصاحبهِ وبكل الجيش» (قضاة 19:7-23) كان جدعون من الذين
«بالإيمان قهروا ممالك صنعوا برّاً نالوا مواعيد سدوا أفواه أسود أطفئوا قوة النار
نجوا من حد السيف تقوُّوا من ضعفٍ صاروا أشدّاء في الحرب هزموا جيوش غرباء»
(عبرانيين 33:11و34) قال الرسول عن محاربتنا المسيحية: «لأننا وإن كنا نسلك في
الجسد لسنا حسب الجسد نحارب؛ إذ أسلحة محاربتنا ليست جسدية بل قادرة بالله عَلَى
هدم حصون، هادمين كل ظنوناً وكل علو يرتفع ضد معرفة الله، ومستأسرين كل فكر إلى
طاعة المسيح» (كورنثوس الثانية 3:10-5) إننا آنية خزفية مثل تلك الجرار التي حملها
جدعون وجيشهُ الصغير، ويجب أن يكون النور فينا أولاً ثم يضيء للآخرين عَلَى قدر ما
نحن آنية ضعيفة حسب الظاهر ومكسورة أيضاً. راجع كلام الرسول عَلَى ذلك (كورنثوس
الثانية 1:4) الخ. ما دمنا نودّ أن نحسب شيئاً في العالم لا يستطيع الرب أن يظهر
قوَّتهُ بنا كقولهِ لجدعون: أن الشعب الذي معك كثير عليَّ لأدفع المديانيين بيدهم
لئلا يفتخر عليَّ إسرائيل قائلاً يدي خلصتني. لكي يكون فضل القوة لله لا منا فإننا
طبعاً نودّ أن نرى أتباعاً كثيرين ووسائط مادّية ظاهرة، و‘ذ ذاك نستند عَلَى قوتنا
لا عَلَى الله. نعم نقول لا نقصد هذه الأشياء لكي نتكل عليها، ولكننا بالجهد نعرف
قلوبنا. إن كان الرب يقلل عدد أتباعنا ويحرمنا كل الوسائط التي كانت عندنا، فكيف
تكون أفكارنا واحساساتنا إذ ذاك؟ هل نبادر إلى الحرب مثل جدعون واثقين بالرب وحدهُ
أم لا؟ كسروا الجرار فأضاءَ النور وصرخوا سيفٌ للرب ولجدعون، فانهزم جيوش
المديانيين وبني المشرق، ولم تنفعهم كثرتهم بل بالعكس جعل الرب سيف كل واحد عَلَى
صاحبهِ ثم اجتمع كثيرون من أسباط إسرائيل متشجعين مما صار ولحقوا أعدائَهم الهاربين،
وتم انكسارهم.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس م مَجْمَع ع

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي