الإصحَاحُ
الثَّامِنُ

 

«وقال
لهُ رجال أفرايم: ما هذا الأمر الذي فعلت بنا إذ لم تدعنا عند ذهابك لمحاربة
المديانيين؟ وخاصموهُ بشدَّة. فقال لهم ماذا فعلت الآن نظيركم؟ أليس خصاصة أفرايم
أحسن من قطاف أبيعزر؟ ليدكم دفع الله أميرَي المديانيين غراباً وذئباً، وماذا قدرت
أن أعمل نظيركم؟ حينئذٍ ارتخت روحهم عنهُ عندما تكلم بهذا الكلام» (قضاة 1:8-3)
فكسر بجوابه اللين غضب اخوتهِ، كان أولاً قد ضرب البوق لأجل جميع إسرائيل لو شاءوا
أن يسمعوا، ولكن أكثرهم خافوا أن يجتمعوا وراء جدعون ما دام المديانيون موجودين
بكثرة كرمل البحر، ثم كان سهلاً عليهم أن يبادروا لمطاردة المديانيين بعدما هزمهم
جدعون والثلاث مائة رجل الذين تجرئوا أن يرافقوه للحرب بينما كانت قوة أعدائهم
عظيمة جداً حسب الظاهر، فلم يذكر جدعون ذلك بل سكن هيجان اخوته ذاكراً ما كانوا قد
عملوه مادحاً إياهم المدح اللازم ساكتاً عما كان قد عملهُ هو. كانوا قد ساعدوا في
كسر أعداء الله ولم يشأ جدعون أن يكدر خاطرهم، بل جاوبهم بلطافةٍ واستمرَّ يطارد
الأعداء ولم يصرف الوقت في مخاصمة اخوته. وعلينا نحن أن نستفيد من قدوتهِ الجميلة
هذه ولا نضيع وقتنا بمذمة اخوتنا ولو تجبروا علينا ناسبين لنا ما ليس فينا من جهة
خدمة الرب. يكفينا أنهم خدموا عَلَى قدر الإمكان، يعرف الرب من خدم أكثرهم أو نحن
والأحسن أن نسكت عن خدمتنا، وإذا لزم نمدح الآخرين لا أنفسنا.

 

«وجاء
جدعون إلى الأردن وعبر هو والثلاث مائة الرجل الذين معهُ معيين ومطاردين» (قضاة
4:8) فيظهر هنا الفرق بين جدعون وأهل أفرايم، مع أنهم مع كل غيرتهم نسوا
المديانيين بكل سرعة، والأرجح أنهم رجعوا للنهب، وأما جدعون والذين معهُ فكان فيهم
الإيمان الحار الذي حملهم إلى أن يعبروا الأردن لكي يلاشوا ما بقي من قوة العدوّ،
كانوا معيين ولكنهم لم يبالوا بالتعب بل استمروا عَلَى مطاردة المديانيين إلى أن
أبادوهم كما يبان من (عدد 10-13) وكان لنا قدوة في كل ذلك لكي نسعى إلى ما هو قدام
في سعينا المسيحي غير مبالين بالتعب. أنظر قول الرب من جهة مواظبة الصلاة (لوقا
1:18-8) وكلام الرسول عن الاجتهاد في سيرتنا المسيحية (فيلبي 7:3-21) وما أجمل
قوله! خصوصاً في عدد 13و14 إذ قال: ولكني أفعل شيئاً واحداً، إذ أنسى ما هو وراء
وأمتدُ إلى ما هو قدام، أسعى نحو الغرض لأجل جعالة دعوة الله العليا في المسيح
يسوع، نراهُ هنا معيياً ومع ذلك مطارداً، كان الرب قد دعاهُ إلى المجد، وكانت
أعداءٌ وموانع كثيرة تقاومهُ، ولكنهُ استمرّ يجاهد بعزمٍ ثابت بينما كان قلبهُ
ونظره متعلقين بما فوق.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس أ أندراوس س

 

«فقال
لأهل سكوت: أعطوا أرغفة خبز للقوم الذين معي لأنهم معيون وأنا ساعٍ وراء زبح
وصلمناع ملكي مديان، فقال رؤساءُ سكوت: هل أيدي زبح وصلمناع بيدك الآن حتى نعطي
جندك خبزاً؟ فقال جدعون: لذلك عندما يدفع الرب زبح وصلمناع بيدي أدرس لحمكم مع
أشواك البرية بالنوارج، وصعد من هناك إلى فنوئيل وكلمهم هكذا. فأجابهُ أهل فنوئيل
كما أجاب أهل سكوت، فكلم أيضاً أهل فنوئيل قائلاً: عند رجوعي بسلام أهدم هذا
البرج» (قضاة 5:8-9). كان هؤلاء إسرائيليين وكان يجب عليهم أن يقدموا مساعدة
لجدعون، وإن لم يكن فيهم إيمان ليتركوا معهُ في الحرب ولكنهم كانوا خائنين وغير
مصدقين أنهُ يمكن لجدعون أن يكسر ما بقي لمديان من القوة. وتهددهم جدعون أنهُ
يقاصّهم عند رجوعهِ بسلام، وعمل كذلك كما نرى في عدد 13-18. فإنهم كانوا مستحقين
هذا القصاص. كان الفرق عظيم بين أهل أفرايم والمذكورين هنا، فإنهُ كان لأولئك قلب
لمحاربة أعدائهم فقاموا للمساعدة مدعين بأكثر مما كان لهم من الشجاعة والغيرة،
وأما هؤلاءِ فلم يكن فيهم لا قلب للحرب ولا غيرة ولا حب الوطن، بل كانوا بالحقيقة
مع الأعداءِ، إذ صدق عليهم القول "من ليس معي فهو عليَّ" ويصدق علينا
هذا المبدأَ أيضاً في محاربتنا المسيحية. فلا نحسب الذي يلتصق بأعداء المسيح
مسيحياً البتة، لأن كل من ينحاز إلى الذين ينكرون لاهوتهُ أو عمل الفداء أو الوحي
الكامل فهو مثلهم، ومع أننا لا نقدر ولا نريد أن نقاصهُ قصاصاً جسدياً لا يجوز لنا
أن نعاشرهُ أو نعاملهُ كأنهُ من قوم المسيح، أنظر خصوصاً (يوحنا الثانية 8-11)
توجد عداوة بين الله وبين العالم، وإن كنا نجد وراء المجد الأبدي فالعالم لا
يساعدنا بذلك بل يعيرنا حاسباً إيانا جُهالاً لكوننا منتظرين الغلبة عَلَى العدو
وامتلاك النصيب الجيد الأبدي.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ح حبابا حبايا ا

 

«وقال
رجال إسرائيل لجدعون: تسلط علينا أنت وابنك وابن ابنك؛ لأنك قد خلصتنا من يد
مديان، فقال لهم جدعون: لا أتسلط عليكم ولا يتسلط ابني عليكم، الرب يتسلط عليكم»
(قضاة 22:8و23) فنسى إسرائيل الله سريعاً حسب عادتهم، وطلبوا من جدعون أن يملك
عليهم، فأبى قائلاً: الرب يتسلط عليكم، وأصاب بقوله هذا، ويا ليت خدمتهُ الشهيرة
كانت قد انتهت هنا، ولكنهُ حسب دأب البشر سقط وجعل فخاً لشعب الله كما سنرى.

 

«ثم
قال لهم جدعون: أطلب منكم طلبة أن تعطوني أقراط كل واحدٍ أقراط غنيمتهِ، لأنهُ كان
لهم أقراط ذهب لأنهم اسماعيليون فقالوا: إننا نعطي، وفرشوا رداءاً وطرحوا عليهِ كل
واحد أقراط غنيمتهِ، فصنع جدعون منها افوداً وجعلهُ في مدينتهِ في عفرة، وزنى كل
إسرائيل وراءهُ هناك، فكان ذلك لجدعون وبيتهِ فخاً» (قضاة 24:8-28) لا شك أنهُ صنع
الأفود تذكاراً للغلبة العظيمة التي كان مقرّاً ومتأكداً أنها من الرب، ولكنهُ
استعمل حكمتهُ وأسقطهُ الشيطان في غلطٍ أنتج ثمراً ردياً لهُ ولبيتهِ ولكل إسرائيل
أيضاً. ومثلهُ مثلنا بحيث نطلب دائماً أن نصنع تذكاراً للبركة التي يكون الله
نفسهُ قد صنعها في الكنيسة، ظانين أننا نديمها بوسائط نرتبها حسب حكمتنا، ولكننا
إنما نظهر بذلك التواءِ قلوبنا وعدم اتكالنا عَلَى الله وحدهُ القادر أن يبارك في
كل حين، ولكن حسب إرادتهِ وكلمتهِ لا حسب ترتيباتنا البشرية. إذا صار انتباه لكلمة
الله بين الناس وقتاً ما وبارك الله نفوساً كثيرة بواسطة خدمتنا، لا يلبث أن يُسمع
هذا السؤال من كثيرين، نعم قد صارت بركة، ولكن ماذا يتكفَّل بدوامها؟ وعَلَى أي
شيءٍ تستندون ليديمها لكم؟ فنجيب: ليس عندنا كفالة ولا شيء مطلقاً يؤَكد لنا ذلك
سوى حضور الروح القدس معنا، وإن حدنا عن كلمة الله نحزنهُ ولا يصادق حينئذٍ عَلَى
ترتيباتنا، لا بل هي نفسها تصير فخاً لنا إذ ننسى الله بعد قليل وننهمك بما
رتبناهُ من حكمتنا. ماذا ينفعنا إن وضعنا قوانين ومبادئ ولو كانت حسنة بذاتها
وحافظنا عليها غاية المحافظة بدون الروح القدس؟ ألا تكون صورة فارغة أو جثة بلا
حياة؟ كم مرة حصلت انتباهات في كنيسة الله من فعل الروح القدس وامتلأَ خدام المسيح
غيرة ومحبة للبشر، وقالوا: قد صارت بركة عظيمة، ويجب أن نبذل جهدنا لكي نثبتها
ونديمها للأجيال الأخرى، ونظموا نظامات مختلفة وعديدة ولم ينتج منها إلا الشرّ؛
لأننا لا نقدر أن نحفظ الحق ونديم بركة الله بواسطة ترتيباتنا، وربما نصنعها من
احساسات تقوية مثلما فعل جدعون، ولكن ذلك يحاكي قلة الاتكال عَلَى الله. كان الروح
القدس قد عمل في جدعون وصار خلاصاً عظيماً لإسرائيل عن يدهِ، ولكنهُ هو نفسهُ
أيضاً هيأ الطريق لارتداد إسرائيل.

هل تبحث عن  كتب أبوكريفا عهد قديم أخنوخ الثانى 24

 

«ومات
جدعون بن يوآش بشيبة صالحة ودفن في قبر يوآش أبيهِ في عفرة أبيعزر. وكان بعد موت
جدعون أن بني إسرائيل رجعوا وزنوا وراء البعليم، وجعلوا لهم بعل بريث إلهاً، ولم
يذكر بني إسرائيل الرب إلههم الذي أنقذهم من يد جميع أعدائهم من حولهم، ولم يعملوا
معروفاً مع بيت يربعل جدعون نظير كل الخير الذي عمل مع إسرائيل» (قضاة 32:8-35)
ماذا نفعهم افود جدعون الآن؟ لم ينفعهم شيئاً بل ربما كان من الأسباب التي أسرعت
بهم إلى عبادة الأصنام. كذلك نحن لا يوجد شيء يحفظنا في طريق الحق إلاَّ حضور
الروح القدس معنا وعدم وجود الأشياء التي تحزنهُ؛ لأنهُ دائماً يقاوم الجسد فينا
ويقهرهُ ويجعلنا ننظر إلى الرب ومجدهِ كغرضنا الوحيد. إن صنعنا افوداً فيصير ذلك
غرضنا بعد تبريد المحبة الأولى، ونذهب روائَهُ لا وراء الرب. انحطَّت الكنيسة قبل
موت الرسل، فكتب بولس المغبوط قبل موته ما يأتي: «إذ الجميع يطلبون ما هو لأنفسهم
لا ما هو ليسوع المسيح» (فيلبي 21:2) مهما قصدنا دون مجد المسيح سواءٌ كان
الافتخار العالمي أو افوداً دينيّاً فلا ينفعنا ذلك ولا يحفظنا من فخاخ إبليس.
«أيها الأولاد احفظوا أنفسكم من الأصنام. آمين» (يوحنا الأولى 21:5).

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي