سِفْرُ رَاعُوث

 

سِفرُ
راعُوث الفَصلُ الرَّابِع قِصَّةُ الفِداء الرُّومانسِيَّة

 إذ
نُتابِعُ جولتنا في أسفار العهدِ القديم التاريخية، واحداً بعدَ الآخر، وبعدَ أن
درسنا سفري يشوع وقُضاة لتوِّنا، نأتي الآن إلى سفر راعوث. إن سفرَ راعوث هو قصةُ
حُبٍّ جميلة وصغيرة في الكتاب المقدس، دارت أحداثُها في زمن حُكمِ القُضاة.

 

 إنَّ
قِصَّةَ الحُبِّ هذهِ تُصوِّرُ خلاصَنا وعلاقتَنا مع الرب يسوع المسيح. تُخبِرُنا
أسفارُ العهدَين القَديم والجَديد أنَّنا مخطُوبُونَ للرَّب. فهو العريس ونحنُ،
الكنيسة، عروسُه. نبدأُ برؤيةِ هذا الرمز عندما نصلُ إلى سفر راعوث، الذي هو
"قصَّةُ الفداء." وهكذا يُقدِّمُ لنا الكتابُ المُقدَّس قصَّةَ الحُبِّ
الجميلة هذهِ:

 

 "حدثَ
في أيَّامِ حُكمِ القُضاة أنَّهُ صارَ جُوعٌ في الأرض. فذهبَ رَجُلٌ من بَيت لحم
يهوذا ليتغرَّبَ في بِلادِ موآب هو وامرأتُهُ وإبناهُ. واسمُ الرجُل أليمالك واسمُ
امرأتِهِ نُعمِي واسما إبنيهِ مَحلُون وكِليُون. أفراتيُّون من بيتِ لحم يهوذا.
فأتوا إلى بلادِ موآب وكانوا هُناك. وماتَ أليمالك رجل نُعمي وبقيت هي وإبناها.
فأخذا لهما امرأتين موآبيَّتين، اسمُ إحداهُما عُرفَة واسمُ الأُخرى راعوث، وأقاما
هُناكَ نحو عشرِ سنين. ثُمَّ ماتا كِلاهما محلون وكليون فتُرِكتِ المرأةُ من
إبنيها ومن رجُلِها." (راعُوث 1: 1- 5)

 

 كانَ
قد نزلَ أليمالِك، نُعمِي، وإبناهُما إلى أرضِ مُوآب، وهُناكَ عانُوا الأمَرَّين.
وأرضُ موآب لها معنى سَلبِي بالنِّسبَةِ لليَهُودِ الأتقِياء، الذي يجعَلُ منها
مثل الكُورة البَعيدة التي ذهبَ إليها الإبنُ الضَّالُّ. وقصَّةُ هذه العائلة هي
على مثالِ قصة الإبن الضال. فعندما كانت العائلة الضالة في موآب، ماتَ الإبنانِ،
وكذلكَ والدُهما. كانت نُعمي الفرد الوحيد الذي نجا من هذه العائلة التي هاجَرت
إلى مُوآب هرباً منَ الجُوعِ في بيت لحم يهُوَّذا.

 

ومع
التشديد على نُعمي، نرى مِثالاً واضِحاً عن المبادئ التي نراها في قصص الضالِّين.
فعندما كانت نُعمي في موآب ساءتَ الظروف إلى أسوأ حال. فقبلَ أن يموتَ هذين
الإبنين، تزوَّجا بإمرأتين موآبيَّتين، الأمرُ الذي كان ممنوعاً. فلقد ذهبت نُعمِي
إلى موآب مع زوجِها وإبنيها، ورجعت بدونِهم، ولكن معها كنتين موآبيَّتين.

 

 وتُتابِعُ
القصةُ بالقولِ: "فقامت هي وكنَّتاها ورجعت من بلادِ موآب لأنَّها سمِعَت في
بلادِ موآب أن الربَّ قدِ افتقدَ شعبَهُ ليُعطِيَهُم خُبزاً." (راعُوث 1: 6)
وهذا ما يحدثُ عادةً للضالِّين. فعندما يكونون في حظيرةِ الخنازير أو بالأحرى في
الكورةِ البعيدة في هذا العالم، يسمعون كم هي الأحوال جيِّدَة في بيتَ الآب.

 

 "وخرجت
من المكان الذي كانت فيهِ وكنَّتاها معها وسِرنَ في الطريقِ للرجوعِ إلى أرضِ
يهوذا." (راعُوث 1: 7) وهُنا نرى عودة الإبنة الضالَّة. وقبلَ أن ترجِعَ
نعمي، إلتَفَتَت إلىكَنتَيها وقالَت لهُما: " اذهبا ارجعا كُلُّ واحدةٍ إلى
بيتِ أُمِّها. وليصنع الربُّ معكما إحساناً كما صنعتُما بالموتى وبي. وليُعطِكُما
الربُّ أن تجدا راحةً كُلُّ واحدةٍ في بيتِ رجُلِها. فقبَّلتهما ورفعنَ أصواتهنَّ
وبكينَ."

 

 وتُتابِعُ
القِصَّةُ بالقَول،"فقالتا لها إننا نرجعُ معكِ إلى شعبِك. فقالت نُعمي ارجعا
يا بِنتيَّ. لماذا تذهبانِ معي. هل في أحشائي بنونَ بعد حتى يكونا لكُما رِجالاً.
إرجعا يا بنتيَّ واذهبا لأني قد شِختُ عن أن أكونَ لرجُلٍ." (راعُوث 1: 11-
12) ونقرأُ أن عُرفَة قبَّلت حماتَها وذهبت بعدَ ذلك. أما راعوث فلَصِقَت
بحماتِها.

 

 فقالت
نُعمِي لراعوث، "هوذا قد رَجَعَتْ سِلفتُكِ إلى شعبِها وآلهتِها. ارجعي أنتِ
وَرَاءَ سِلفَتِكِ." وهُنا تبدأُ القصَّةُ بالتركيزِ على راعوث التي نلتقي
فيها الشخصيَّةَ الرئيسيَّة في هذه القصة الجميلة. قالت راعوث، "لا تُلحِّي
عليَّ أن أترُكَكِ وأرجِعَ عنكِ لأنَّهُ حيثُما ذهبتِ أذهبُ وحيثُما بِتِّ أَبيت.
شعبُكِ شعبِي وإلهُكِ إلهي. حيثُما مُتِّ أموتُ وهُناكَ أندفِن." (راعُوث 1:
16- 18).

 

 لقد
أَعطَتنا راعوث مثالاً جميلاً عن الوَلاء، عندما إتَّخَّذت علَناً عهدَ الإلتِزامِ
بِنُعمي. يُقدِّمُ هذانِ العَدَدانِ لنا نصَّاً نمُوذَجِيَّاً عن عُهُودِ
الزَّواج، لأنَّهُما يُمَثِّلانِ ذلكَ النَّوع منَ الإلتزامِ الذي ينبَغي أن
يَسُودَ بينَ الرَّجُلِ وزوجَتِه. فعندما تتزوَّج بشخصٍ ما، فأنتَ تلتزمُ بأن
تذهبَ حيثُ يذهبُ الشريكُ الآخر وأن تعيشَ حيثُ يعيشُ الشريكُ الآخر. قد تقولُ في
البداية أنكَ لا تتزوَّج عائلة الشريك الآخر، ولكن بعدَ سنوات سوفَ تكتشف أنهُ كان
من الأفضل لك أن تقول "شعبُكِ شعبي،" وإلا لعانَيتَ الكثير منَ
الصُّعوباتِ في علاقَتِكَ معَ زَوجَتِك.

 

وأهمُّ
ما في الإلتزام هو "إلهُكِ إلهي." فإن لم يكُن لكما النظرة الروحية
ذاتها، فلن يكون لكما أساسٌ موحَّدٌ للقيَم. وهذه واحدةٌ من المشاكِل التي
تُحطِّمُ الزواج. فعندما لا يكونُ للزَّوجَين طريقة التفكير نفسها، ونظام القِيَم
نفسه، وأُسلوب الحياة نفسه، عادةً ينتهون بالطلاق. فعندما يُفكِّران كيفَ يقضيان
وقتهما، مالهما، طاقتَهُما، يبدُوَان وكأنَّهُما لا يتَّفِقان على شيء. والأساسُ
الذي يُعطيكما فِكراً مُوحَّداً ونظامَ قِيَمٍ مُوحَّداً وأُسلوبَ حياةٍ مُوحَّد
هو القول، "إلهُكِ إلهي." فعندما تَحصَلانِ على قِيَمِكُما من
علاقَتِكما معَ الله، سوف يكُونُ لديكُما نظامَ قِيَمٍ مُوحَّد.

 

 يَقُولُ
العددُ الأخيرُ منَ الإصحاحِ الأوَّل، "فرجَعَت نُعمي وكَنَّتُها راعُوث
المُوآبِيَّة معَها، وخَرَجَتَا من أرضِ مُوآب. فذهبتا كِلتَاهُما حتى دخلتا بيتَ
لحمٍ في أوَّلِ أيَّامِ حصادِ الشَّعير." وكونَ زَمانِ رُجُوعِهما إلى بيتَ
لحم في بدايَةِ مَوسِمِ حصادِ الشَّعير هو أمرٌ بالِغُ الأهمِّيَّة. وعند دُخُولِ
هاتَينِ المرأَتَينِ إلى بيتَ لحم، كانت نُعمِي صُورَةً عن إبنةِ اللهِ التي
ترجِعُ إلى بيتِ الآب. وكانت نِعمَةُ اللهِ بإنتِظارِها لإستِقبالِها، تماماً كما
ركضَ الوالِدُ ليستَقبِلَ ويغمُرَ إبنَهُ الضَّالّ الذي رجعَ إلى بيتِ أبيهِ.
(لُوقا 15: 20)

هل تبحث عن  الكتاب المقدس الكتاب الشريف عهد قديم سفر المزامير 21

 

 في
هذه القصَّة، تُمَثِّلُ راعُوث صورةً عن أولئكَ الأشخاص الذين ليسوا جزءاً من
عائلة الله. فراعوث لم تكُنْ عِبرانيَّة، بل كانت أُمَمِيَّة. فهل يوجدُ عندَ الله
أيةُ نعمةٍ لشخصٍ لا ينتمي إلى عائلةِ الله؟ بالطبعِ يوجد. فنعمةُ الله
المُخَلِّصَة، التي أدرَكَتنا ونحنُ بعدُ خُطاةٌ، هي التي جعَلت منَّا جميعاً
جزءاً من عائِلَةِ الله. وكما سنرى لاحِقاً، نعمَةُ اللهِ لنُعمي وراعُوث سوفَ
تُوجَدُ في نامُوسِهِ.

 

 فالناموسُ
الأول الذي وفَّرَ النعمةَ لراعوث ونُعمي نجدُهُ في لاويين 19: 9-10. هذا الناموس
المُتعلِّقُ بالإلتقاطِ أو بتعفيرِ الحقولِ بعد حصادِها، يقولُ، "وعندما
تحصدون حصيدَ أرضِكُم لا تُكمِّلْ زوايا حقلِكَ في الحصاد. ولُقاطَ حصيدِكَ لا
تلتقِط. وكرمُكَ لا تُعلِّلهُ ونُثارَ كرمِكَ لا تلتقِط. للمسكينِ والغريب
تترُكُه. أنا الربُّ إلهُكُم." فقرَّرت راعوثُ من اليوم الأول في بيتَ لحم أن
تخرجَ لتلتقِطَ وتُعفِّرَ في الحقول. ونقرأُ أنهُ كان لنُعمي ذو قرابةٍ من ناحيةِ
زوجِها، رجُلٌ جبَّارُ بأسٍ ثري، من عائلةِ أليمالِك، إسمُهُ بوعَز. فقالت راعوث
الموآبيَّة لنُعمي، "دعيني أذهبُ إلى الحقلِ وألتقط سنابِل وراءَ من أجدُ
نعمةً في عينيه. فقالت لها إذهبي يا بنتي. فَذَهَبَتْ وجاءَتْ والتقطَتْ في الحقلِ
وراءَ الحصَّادين. فاتَّفَقَ نصيبُها في قِطعةِ حقلٍ لبُوعَز الذي من عشيرةِ
أليمالِك." (راعُوث 2: 2- 4)

 

 هناك
ناموسٌ آخر مُهمّ من نواميس موسى، الذي يُساعِدُنا على فهمِ قصَّةِ الحُبِّ هذه
التي نَجِدُها في الكتابِ المُقدَّس. فلقد كان هُناكَ ناموسٌ في تثنية 25 يُسمَّى
"ناموسُ الوليّ الفادي." يقولُ هذا الناموس، "إذا سكنَ إخوةٌ معاً
وماتَ واحدٌ منهم وليسَ لهُ ابنٌ فلا تصِر امرأةُ الميتِ إلى خارِج لرجُلٍ أجنبي.
أخو زوجِها يدخُلُ عليها ويتَّخذُها لنفسِهِ زوجةً ويقومُ لها بواجبِ أخي الزوج.
والبكرُ الذي تلدُهُ يقومُ باسمِ أخيهِ الميت لئلا يُمحَى إسمُهُ من إسرائيل. وإن
لم يرضَ الرجلُ أن يأخذَ امرأةَ أخيهِ تصعدُ امرأةُ أخيهِ إلى البابِ إلى الشيوخ
وتقولُ قد أبى أخو زوجي أن يُقيمَ لأخيهِ اسماً في إسرائيل. لم يشأ أن يقومَ لي
بواجبِ أخي الزوج. فيدعوهُ شيوخُ مدينتِه ويتكلَّمون معهُ فإن أصرَّ وقال لا أرضى أن
أتَّخِذَها تتقدَّمُ امرأةُ أخيهِ إليهِ أمامَ أعيُنِ الشيوخ وتخلعُ نعلَهُ من
رِجلِهِ وتبصُقُ في وجهِهِ وتُصرِّحُ وتقولُ هكذا يُفعَلُ بالرجُلِ الذي لا يبني
بيتَ أخي. فيُدعَى اسمُهُ في إسرائيل بيتَ مخلوع النعل". وكانَ هذا الأمرُ
عاراً في حضارَةِ إسرائيل القديمة.

 

 فبما
أن راعوث كانت مُتزوِّجةً من رجُلٍ عبراني، كنتيجةٍ لهذا الزواج، دخلت إلى عائلةِ
الله، الأُمَّة العِبرانيَّة. والآن فإذ ماتَ زوجُها وليسَ لهما ولد، لم تعُدْ
راعوث تنتمي إلى عائلة الله، ولا إلى الشعب المُختار. يَقولُ الناموس أنهُ
بإمكانها الذهابُ إلى ذو القرابةِ للزوج المُتوفِّي، وأن تختارَ الأجملَ والأغنى،
وتقولُ لهُ، "أريدُكَ أن تتزوَّجَني." وإذا رَفضَها، فعندها تستطيعُ
مُقاضاتَهُ في المحكمة. وإن لم يتزوَّجها، يقومُ الشيوخُ بِالإجراءاتِ التي تمَّ
وَصفُها في نامُوسِ الفادِي الوَلِيّ.

 

 أما
الرجُل الذي كان يُوافق على الزواج من هكذا إمرأة، فكان عليهِ أن يعملَ لها أمرين.
أوّلاً، كان عليهِ أن يفيَ كُلَّ دُيونِها، إن كان عليها دُيون. وثانِياً، كانَ
على الوَلِيِّ الفادِي أن يتزوَّجَ هذه المرأة. وبإقامتِهِ هذه العلاقة معها، فهو
بذلكَ يُرجِعُها إلى عائلة الله. هذا كان رجاءُ راعوث عندما رجعت إلى بيتَ لحم
يهوذا. ولهذا يبدأُ الإصحاحُ الثاني بأنَّهُ كان لِحَمِي راعوث المُتوفِّي رجُلٌ
ذو قرابةٍ جبَّار بأسٍ ثريٌّ إسمُهُ بوعَز.

 

 وإذ
تستمرُّ قصةُ الحُبِّ هذه، سوفَ نرى صُورةً عن نعمةِ الله للإبنِ الضال الذي كان
راجعاً إلى بيتِ أبيهِ، ونعمةَ الله للشخصِ الذي يأتي إلى الله طلباً للفداء.

 

الفَصلُ
الخامِس الحُبُّ من أَوَّلِ نَظرَة

دارت
أحداثُ قصة راعُوث في زمن حُكمِ القضاة، تلكَ الحقبة الروحيَّة المُظلِمة من
التاريخ العِبري. وسفرُ راعوث يُسمَّى أيضاً "قصةُ الفداء" لأن القصةَ
الموصوفةَ في سفر راعوث هي مثالٌ جميلٌ عن خلاصِنا وفدائِنا. نجدُ في راعوث، هذه
الكنَّة الموآبية، صورةً عن شخصٍ لا ينتمي إلى عائلة الله. نرى الطريقة التي
يُعبِّرُ بها الله عن محبَّتِه ونعمة لها بالفداء، الذي نجدُ وصفاً لهُ في نامُوسِ
الله.

 

لقد
خرجَت راعوث لتَلتَقِطَ في حقلٍ يخصُّ بوعَز. وعندما جاءَ بُوعَز إلى الحقل في
ذلكَ اليوم، رأى راعُوث، ويبدُو أنَّهُ أُسِرَ بِجَمالِها. فقالَ بوعزُ لغُلامِهِ
المُوكَّل على الحصَّادين لمن هذه الفتاةُ؟ هذا يعني أن بوعز وقعَ في حُبِّ راعوث.
إن إسمَ راعوث يعني "جمال"، أو "بُرعُم الوَرد." وهكذا
استعلمَ من الموكَّلِ على حصَّاديهِ عن هذه الفتاة، فأخبرَهُ ما يعرفُهُ عن هذه
المرأة، أنها كانت مُتزوِّجةً لرجُلٍ عبراني تُوفِّيَ في موآب، وكيفَ أنها قطعت
عهدَ الولاءِ مع حماتِها. وأخبرَه أيضاً كيفَ أن راعوث أصبحت مُؤمِنةً عندما كانت
مُتزوِّجةً من الرجلِ العبراني.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد قديم سفر الخروج القمص تادرس يعقوب 24

 

 "فقالَ
بوعزُ لراعوث أن تبقَى في حقلِهِ حيثُ بإمكانِهِ حِمايَتُها. وبذلكَ عبَّرَ
صراحَةً لراعُوث عن إهتِمامِهِ بأمرِها. ونقرأُ في العددِ العاشِر، "فسقطت
على وجهها وسجدت إلى الأرضِ وقالت لهُ كيفَ وجدتُ نِعمةً في عينيك حتى تنظُرَ
إليَّ وأنا غريبة؟" (راعُوث 2: 9- 11) وهنا نجدُ كلمةً كتابيَّةً جميلةً هي
كلمة "نعمة." فالنعمةُ تعني "عطف وبركة الله التي لا نستحقُّها."
ولقد أخبَرَ بُوعَز راعُوث أنَّهُ عرفَ عن مَوتِ زَوجِها وعن إلتِزامِها تجاهَ
حماتِها نُعمِي. وأخبرَها أنَّهُ عرفَ أنَّها صارت مُؤمِنَةً بإلهِ إسرائيل.

 

فقالت
راعُوث، "ليتَني أجدُ نعمةً في عينيكَ يا سيِّدي." (راعُوث 2: 12- 14)
ثمَّ وقتَ الغداء قال بوعز، "تقدَّمي إلى ههنا وكُلي من الخُبزِ واغمِسِي
لُقمَتَكِ في الخلِّ." وهكذا نقرأُ أنها تناولت معهُ طعامَ الغداءِ في يومِ
عملِها الأوّل، ونقرأُ أنها أكلت وشبِعت وفضلَ عنها. وتدَبَّرُ بُوعَز الأمر حتَّى
يجعَلَها تمضِي إلى بَيتِها مُحمَّلةً بالمحصول الذي جَنَتْهُ من حقلِهِ ذلكَ
اليوم. "أمرَ غِلمانَهُ قائلاً دعوها تلتقِط بينَ ا لحُزَم أيضاَ ولا
تُؤذُوها. وأنسِلوا أيضاً لها من الشمائل ودعوها تلتقِطْ ولا تنتَهِرُوها."
وهكذا أحبَّ بُوعَز راعُوث.

 

قِصَّةُ
حُبٍّ مَعكُوسَة

ويقولُ
العددُ الأخير من الإصحاح الثاني من سِفرِ راعُوث أنَّ راعُوثَ عمِلَت في حُقُولِ
بُوعَز طِيلَةَ مَوسِمَي حَصَادِ الشَّعيرِ والحِنطَة. وهذا يعني أنَّها كرَّرَت
ما فعلَتْهُ في الإصحاحِ الأوَّل لِمُدَّةِ سِتَّةِ أشهُرٍ. ثُمَّ يبدَأُ الإصحاحُ
الثَّالِثُ بالقَول، "وقالت نُعمي حماتُها يا بنتي ألا ألتمِسُ لكِ راحةً
ليكونَ لكِ خيرٌ." بكلامٍ آخر، قالت نُعمي لراعُوث، "سوفَ أجِدُ لكَ
زَوجاً." لا بُدَّ أن تَكُونَ نُعمي قد أخبَرَتْ راعُوث كُلَّ ما يتعلَّقُ
بنامُوسِ الإلتِقاطِ والفداء. وبإمكانِنا أن نفتَرِضَ أنَّ راعُوث عرَفَت عن
نامُوسِ الوَلِيِّ الفادِي، وأنَّ بُوعَز كانَ وَلِيَّهُم الفادِي. وفي تلكَ
الليلة كانَ بُوعَز يُذَرِّي في بيدَرِهِ، وكانُوا في تلكَ الأيَّامِ ينامُونَ
قُربَ محصُولِ الحصادِ حيثُ يُذَرُّون. فقالَت نُعمي لراعُوث، " اغتسِلي
وتدهَّني والبَسي ثيابَكِ وانزِلي إلى البيدَر…" كانت نُعمي تَقُولُ
لراعُوث أن تقتَرِحَ على بُوعَز بأن يكُونَ وَليَّها الفادِي.

 

كانت
تُجرى أيضاً في تلكَ الأيَّامِ وَليمَةٌ بعدَ تَذرِيَةِ الحصاد. فقالَت نُعمي
لراعُوث أن تذهَبَ وتُراقِبَ مكانَ فراشِ بُوعَز. ثُمَّ قالَت لها، "وفي
مُنتَصَفِ الليل، إذهَبي وعرِّفيهِ بنَفسِكِ، واطلُبِي منهُ أن يَكُونَ وَلِيَّكِ
الفادِي." لم تَكُنْ هذه قِصَّةَ حُبٍّ فدائِيَّة فحَسب، بل وأيضاً قِصَّةَ
حُبٍّ عكسِيَّة. ففي تلكَ الحضارة، لم يَكُنْ بإمكانِ بُوعَز أن يتقدَّمَ من
راعُوث بطلَبِ الزوَاجِ منها، بل كانَ على راعُوث أن تتقدَّمَ بطلَبِ الزوَّاجِ
منهُ. وذلكَ لأنَّهُ كانَ يُوجَدُ أولياءُ فادُونَ آخرونَ من جِهَةِ زوجِها
المُتَوفِّي. وتحتَ النَّامُوس، كانَ يتوجَّبُ على راعُوث أن تَذهَبَ إلى واحِدٍ
من هَؤُلاء وتطلُبَ منهُ أن يَكُونَ وَلِيَّها الفادِي. وكُلُّ ما كانَ
بإستِطاعَةِ بُوعَز أن يعمَلَهُ، هُوَ أن يُظهِرَ لها بمحبَّةٍ أنَّهُ يَوَدُّ أن
يَكُونَ وَلِيَّها الفادِي.

 

 فما
فَعَلَتْهُ راعُوث في الإصحاح الثالث كانَ في غايةِ اللياقة. كان طلبَ يدٍ للزواج.
نقرأُ أنَّهُ في منُتَصَفِ الليل، ذَهَبَت راعُوثُ وإضطجَعت عندَ قَدَمي بُوعز.
فخافَ بوعز عندما لاحظَ أنهُ كانت توجدُ امرأةٌ هُناك. فقال، "من أنتِ؟"
فقالت، "أنا راعوث أمَتُك. فابسِطْ ذيلَ ثوبِكَ على أمتِكَ لأنكَ
وليٌّ." (راعُوث 3: 8- 10) كان هذا بمثابةِ طلبِ الزواج من الشخص الآخر، وكان
يُمكِنُ أن يتحقَّقَ الزواجُ آنذاك في البيدر، بحسب ناموس الله. فقالَ بوعز،
"إنكِ مُباركةٌ من الربِّ يا بِنتي لأنَّكِ قد أحسنتِ معروفَكِ في الأخير
أكثر من الأوَّل إذ لم تسعي وراءَ الشُبَّان فُقراءَ كانو أو أغنياء." فكما
يبدو، كان بوعز مُتقدِّماً في السن. "والآن يا بنتي لا تخافي. كُلُّ ما
تقولين أفعلُ لكِ. لأنَّ جميعَ أبوابِ شعبي تعلمُ أنكِ امرأةٌ فاضلةٌ."
(راعُوث 3: 10- 12) ثُمَّ أعطى بُوعَزُ راعُوثَ ما أمكَنَها حملُهُ منَ الحِنطَة،
وأمرَها أن تذهَبَ إلى حَماتِها إلى المنزِل وتنتظِر.

 

الفِداءُ
في قالَبِ قِصَّةِ حُبٍّ

 رأينا
كيفَ إلتقى الحبيبان ووقعا في حُبِّ بعضِهِما، وعَرضا مشروع الزواج. وبحسب ناموس
العهد القديم العِبري، كان على المرأة الأرملة أن تعرضَ الزواج على الرجُل، ولكن
كان على الرجل أن يهتمَّ بالناحية الشرعية القانونية. في بداية الإصحاح الرابع،
نرى بوعز يعقدُ جلسةَ محكمة لِلشُّيُوخ، لكي يُنجِزَ مُتطلِّبات الزواج القانونية.

 

حدثَ
هذا في الصباحِ التالي للَّيلة التي جاءَتْهُ فيها راعوث وطلبت زواجَهُ منها، إذ
بَكَّرَ بوعزُ ورأى الوليَّ الذي كانَ أقرَبَ منهُ لِراعُوث، فأخبَرَهُ عن حِصَّةِ
مُلكٍ لأليمالِك ليَفتَدِيَها. فوافقَ الرَّجُلُ على فدائِها. ولكن عندَها قالَ
لهُ بُوعَز أنَّهُ لكي يفتَدِيَ قطعَةَ الأرضِ هذه، عليهِ أن يتزوَّجَ أيضاً
براعُوث المُوآبِيَّة. فعندها إنكَفَأَ الوَلِيُّ الآخرُ عن الفِداء، لأنَّ
زواجَهُ من راعُوث كانَ سيُشَوِّشُ مِيراثَهُ وسِلسِلَةَ نسبِهِ. عندها أخبَرَ
بُوعَزُ الشُّيُوخَ الحاضِرينَ أنَّهُ سيفتَدي كُلَّ ما لِأليمالِك، وفوقَ ذلكَ
سيفتَدِيَ بالزواجِ راعُوثَ المُوآبيَّة، التي كانت كَنَّةَ أليمالك المُرَمَّلة،
أي زوجة الإبن المُتَوفِّي لأليمالك.

هل تبحث عن  مريم العذراء ظهور مريم العذراء المعادى – مصر ر

 

 يعني
الفداءُ "إعادة شراء أو إسترجاع." فلقدِ إفتَدَى بُوعَزُ راعُوثَ
بطريقَتَين. أَوَّلاً، أعادَ شِراءَها عندما سدَّدَ كُلَّ دُيُونِها. ثُمَّ بنى
علاقَةً معَها عندما أعادَ شراءَها لعائِلَةِ الله.

 

في
سفر الرؤيا الإصحاح الخامس، نرى صورةً أخرى جميلة عن الفداء. نجدُ هُناكَ بُكاءً
في السماء، لأنَّهُ لم يُوجَدْ فادٍ (وَلِيّ) الذي بإمكانِهِ أن يفُكَّ خُتُومَ
السِّفرِ وأن يفتَدِيَ الجنسَ البَشَريّ. ثُمَّ أُخبِرَ الذين كانُوا يبكُونَ في
السمَاءِ أنْ يَكُفُّوا عنِ البُكاء، لأنَّهُ وُجِدَ من هُوَ حاضِرٌ وقادِرٌ أن
يفتَدِيَهُم. وهذا الفادي هُوَ يسُوع المسيح.

 

 فما
هُوَ رجاؤُنا بالفِداءِ عندما نُدرِكُ أنَّنا نحتاجُ للفِداء؟ رجاؤُنا الوحيدُ
بالفِداءِ مُؤَسَّسٌ على إيمانِنا بمَوتِ وقيامَةِ يسُوع المسيح. إنَّ موتَ يسوع
المسيح كان الثمن الذي كانَ ينبغي أن يُدفَعَ لإعادة شِرائنا وإرجاعنا إلى عائلة
الله. فَقِيامَةُ المسيحِ تعني أنَّهُ منَ المُمكِنِ لنا أن نُؤَسِّسَ علاقَةً معَ
المسيحِ الحَيِّ المُقام، التي تمَّ تَشبيهُها بعلاقَةِ الزواج في كُلٍّ منَ
العهدَين القديم والجديد. هذه العلاقة تُعيدُنا إلى الشَّرِكَةِ مَعَ الله،
وتُؤَكِّدُ على حالَتِنا كأبناءِ الله، وتُرجِعُنا إلى عائِلَةِ الله.

 

في
البدءِ، كان اللهُ والإنسانُ في علاقةٍ كامِلة، كانَ يُمكِنُ تَشبيهُها بِشَبكِ
اليَدَينِ معاً. يُخبِرُنا سفرُ التكوين أن اللهَ جعلَ من الإنسان مَخلوقاً ذا
قُدرةٍ على الإختيار، فاختار الإنسانُ كما يختارُ اليوم، أن يبتعِدَ عن الله ويمشي
في العصيان، الأمرُ الذي يُمكِنُ تَشبيهُهُ اليومَ بِفكِّ يَدَيكَ المُشبَّكَتينِ
معاً وإبعادِهما عن بَعضِهما البَعض. الأخبارُ السَّارَّةُ هي أنَّ اللهَ أعادَ
شِراءَ الإنسانِ من خلالِ مَوتِ يسُوع المسيح على الصَّليب، الأمرُ الذي يُمكِنُ
إيضاحُهُ بِشَبكِ اليدينِ معاً من جَديد. يقولُ بُطرُس أننا لم نُفتَدَ بفضَّةٍ
وذهب، بل بدم المسيح الكريم الذي إفتدانا. (1بُطرُس 1: 18 و19)

 

 ولكنَّ
هذا ليسَ إلا نصفَ فداء. فالزواجُ بين بوعز وراعوث يُصوِّرُ لنا بُعداً آخر في
مُعجِزَةِ الفداء. فلقد قام يسوع المسيح من الموت وهو يقرعُ على بابِ قُلوبِنا.
إحدى أجمل الصُّوَر المجازِيَّة في الكتابِ المُقدَّس، تُصَوِّرُ لنا المسيحَ
المُقام الحيّ يقرَعُ على بابِ قُلُوبِنا. وهو يُريدُنا أن نفتحَ لهُ الباب
وندعوَه للدخول. فالمسيحُ المُقام يُريدُ أن يُقيمَ علاقةً شَخصِيَّةً معنا.
فيسوعُ المسيحُ هو العريس، ونحنُ العروس، مخطوبونَ له. (متَّى 25: 1- 13؛
يُوحَنَّا 3: 29؛ رُؤيا 21: 2؛ و22: 17).

 

 هُناكَ
حقيقةٌ مجازِيَّةٌ أخرى هامة تُوضَّحُ لنا في سفر راعوث، وهي ما أسمِّيه،
"قصةُ الحبّ بالإتجاه المُعاكِس." في مُعظَمِ الحَضاراتِ، عادةً يختار
الرجل المرأة ويطلُبُ يدَها للزَّواج. ولكن بسبب شرائعِ الفداء هذه قلتُ أنهُ كان
على راعوث أن تطلب الزواج من بوعز. الأمرُ ذاتُهُ يصحُّ على فدائنا. فكل ما كان
بإمكان بوعز أن يعملَهُ هو أن يُظهِرَ لراعوث أنهُ أحبَّها وأنهُ سوفَ يُحاولُ
المُستحيل لِيفدِيَها. ولكن كان عليها أن تقول، "أُريدُكَ أنتَ يا بوعز أن
تكونَ وليِّي الفادِي."

 

 بهذه
الطريقة نفسِها، علينا أنا وأنتَ أن أن نقولَ لِلمَسيحِ المُقام الواقِف على بابِ
حياتِنا وهُوَ يَقرَعُ بِصبرٍ، "أريدُكَ أن تكون فاديَّ. أُريدُكَ أن تشتريني
بموتِكَ على الصَّليب، وأن ترُدَّني إلى عائِلَةِ الله، بأن تجعلني على علاقةٍ
شخصيَّةٍ بك."

 

 عندما
نقرأُ سِفرَ راعُوث، نجدُ كلمةً كِتابِيَّةً جميلة أُخرى ينبَغي أن نُرَكِّزَ
عليها. وهذه الكلمة هي "نِعمة". بعدَ بضعةِ سنواتٍ من زواجِ راعُوث
ببوعز، أعطاهُما اللهُ صَبِيَّاً أسمَياهُ عوبيد. وأصبحَ عُوبيد جَدَّ داود، مما
جعلَ عوبيد في سلسلة نسبِ المسيح. نَجِدُ أسماءَهم وارِدَةً في سِلسِلَةِ نَسَبِ
المسيح التي وردَت في الإصحاحِ الأوَّلِ من إنجيلِ متَّى.

 

تصوَّر
أن راعوث إلتقت آنذاك ببعض الحصَّادين الذين حصدت معهم على البيدر، فصارَ هؤلاء
يُعيِّرونَها أنها بدهائها نالت مرامَها وصارت زوجةً لبوعز. فكيفَ تَظُنُّ أنَّ
راعُوث كانت ستَرُدُّ على هكذا إتِّهامٍ؟ بالطبعِ كانت راعوث سترفضُ هكذا إنتقادات
قائلةً: "إن سببَ وُجودي حيثُ أنا الآن هو لأنَّ أحدُهم أحبَّني كثيراً
لدرجةٍ أنهُ كان حاضِراً أن يُفسِدَ ميراثَهُ بشرائِهِ لي وإرجاعي إلى عائلة الله.
أنا مدينةٌ بكلِّ شيءٍ لِنِعمَةِ اللهِ ومحبَّتِهِ لغريبَةٍ أُمَمِيَّةٍ مثلِي،
كما جاءَ في نامُوسِ الإلتِقاطِ والفِداء.

 

 أيضاً
تأمَّلُوا بكونِ نُعمي تُمَثِّلُ دورَ مُصطادي النَّاس أو التلاميذ، الأمرُ الذي
نحنُ مَدعُوُّونَ لِنَقُومَ بهِ. فنُعمي هي التي أخبَرت راعُوث بالنَّوامِيسِ
المُتَعلِّقَة بالإلتِقاطِ وبالفِداء. ونُعمي هي التي شجَّعَت راعُوث لِتَطلُبَ من
بُوعز أن يكُونَ وَلِيَّها الفادِي.

 

 هل
فُدِيت؟ هل تمَّ شراؤكَ وإسترجاعُكَ لله بدم يسوع المسيح من خلالِ إيمانك الشخصي
بدم المسيح؟ هل رجعتَ إلى الله إذ أصبحتَ على علاقةٍ مع يسوع المسيح؟ هل طلبتَ من
يسوع المسيح أن يُصبِحَ لكَ "الولي الفادي ذو القرابة"؟

 

إنَّ
يسوعَ المسيح يُريدُ أن يَكُونَ وليَّنا الفادِي. ولهذا أصبحَ إنساناً. إن يسوعَ
المسيح واقفٌ على بابِ قلبِكَ الآن. وهُوَ يُريدُ أن يكونَ فاديك. ولكن، عليكَ أن
تطلُبَ منهُ أن يكونَ فاديك. من بينِ كل التحدِّيات والتطبيقات في قصةِ الحبِّ
الجميلة هذه، هذا هو التطبيقُ والتحدِّي الأهم.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي