تَفْسِير
سِفْرُ أََََخْبَارِِِ الأَيَّامِ الأَوَّلُ

 

إسم السفر

سفر
أخبار الأيام الأول
1 Chronicles

الاختصار
: 1اخ =
1 CH

اسمه
في العبرية "دبرهاياميم" بمعنى "أحداث الأيام" أو "الحوليات".

وفي
اليونانية "باراليبومان"  أي ما أغفله أسفار صموئيل والملوك.

سمّى
القديس ايرونيموس الكتاب "كرونيكا" (في صيغة الجمع : أخبار).

واسمه
في السريانية البسيطة : سفر تدبير أيام ملوك يهوذا، المدعو سفر دبريمين أي سفر
سيرة الأيام.

 وهكذا
استعمل في اللغات الغربية وانتقل إلى العربية، فصار لنا سفر أخبار الأيام الأول
وسفر أخبار الأيام الثاني. وإذا عدنا إلى التسمية اليونانية، نجد أنها ليست صحيحة،
لأن كتاب الأخبار لا يكمّل الكتب التاريخية السابقة.

واسم
هذا السفر بالعبرية "دبرهاياميم" أي "أحداث الأيام"، يتكرر
كثيراً في العهد القديم في العبرية للدلالة على السجلات الرسمية لدولة مادى وفارس
(أستير 23:2، 1:6، 2:10)، وعلى السجلات العامة سواء الفارسية أو اليهودية المدونة
فيما بعد السبي (نح 23:12)، وعلى السجلات العامة لداود الملك (1 أخ 24:27)، إلا أن
أكثر استخدامه كانت للدلالة على سجلات ملوك يهوذا وإسرائيل التي ورد ذكرها كمصادر
للأخبار في سفري الملوك (1مل19:14، 7:15 وفي نحو ثلاثين موضعاً آخر). وليس المقصود
بهذه الإشارات هما سفرا الأخبار المعروفين في الكتاب المقدس الآن، لأن معظم
الإشارات تتعلق بأمور لم تذكر فيهما، ولكنها تحيل القاريء بطريق مباشر أو غير
مباشر إلى السجلات العامة.

 

ولا
شك في أن إطلاق هذا الاسم على سفري " أخبار الأيام" لم يكن مقصوداً به
الدلالة على أنهما نسختان طبق الأصل من السجلات العامة، ولو أن هذا قد يشير الي أن
لهما طابعاً رسمياً معيناً يميزهما عن كتب أخرى صدرت في ذلك الوقت أو بعده. والاسم
اليوناني للسفرين هو "باراليبومينون" (
Paraleipomenon) ومعناه "عن أمور أغفل ذكرها"، وتضيف بعض النسخ الي هذا
الاسم عبارة أخرى هي:"الخاصة بملوك يهوذا". ولعل هذه هي الصورة الأصلية
للاسم، مما يعني أن الذين قاموا بالترجمة اليونانية للعهد القديم، قد اعتبروا سفر
أخبار الأيام مكملاً للأسفار التاريخية الأخرى. وقد قبل "جيروم" الاسم
اليوناني إلا أنه رأى إمكانية التعبير عن الاسم العبري بشكل أفضل باستخدام كلمة
مشتقة من الكلمة اليونانية "كرونوس" (
Chrono)
أي "الزمن"، فهو يلائم طبيعة السفر التي هي سرد للتاريخ المقدس كله.

 

كاتب السفر:

عزرا
الكاهن

 +
سفرا أخبار الأيام الأول والثاني في الأصل العبري هما سفر واحد ويقول التقليد
اليهودي أن كاتباهما عزرا الكاتب أثناء السبي البابلي. ويحتويا على مختصر التاريخ
المقدس من الخليقة إلى الرجوع من السبي البابلي سنة 536 ق.م. وكانا يوضعا في نهاية
التوراة بمثابة خلاصة للتاريخ المقدس.

يذكر
الكاتب حوالى عشرين مؤلفًا يحيل إليها الكاتبُ القارىءَ الذي يريد أن يوسّع
معلوماته. لم يصل إلينا أي من هذه المؤلفات. ولا شك أنه رجع إلى أسفار موسى الخمسة
(تك، خر، لا، عد، تث)، وإلى التاريخ الاشتراعي (يش، قض، صم، مل).

 

تاريخ كتابة السفر:

كان
الرأي السائد في أوائل هذا القرن أن "أخبار الأيام" وكل أسفار العهد
القديم كانت قد اكتملت في نحو 404 ق. م.، أي في حوالي الوقت الذي اعتلى فيه
"ارتحشستا منيمون" (
Artaxerxes
Mnemon
) العرش بعد "داريوس
نوثوس" (
Nothos). أما الرأي الحديث فيزعم أن سفر "أخبار الأيام" لم
يكتمل قبل 250 ق. م. أو بعدها بقليل. ولكن الحقيقة الواضحة هي أن سفر أخبار الأيام
كان قد اكتمل في حياة نحميا وليس بعده، أي ليس بعد 400 ق. م.

 

ولإثبات
ذلك، لا يمكننا تجاهل أن أسفار أخبار الأيام وعزرا ونحميا تعتبر سفراً واحداً أو
سلسلة واحدة. والآيات الخاتمة لأخبار الأيام الثاني هي نفسها الآيات التي يستهل
بها سفر عزرا. والأرجح أنها لم تكن تكرراً عفوياً غير مقصود. لقد كتب سفرا أخبار
الأيام الأول والثاني بعد الأجزاء الأخرى من هذه السلسلة، وليست الآيات الختامية
لسفر أخبار الأيام الثاني إلا إشعاراً من المؤرخ لقرائه بأنه قد استكمل التاريخ
القديم إلى النقطة التي بدأ منها سفر عزرا.

 

ولا
تستحق الشهادة المتعلقة بعزرا ورجال المجمع العظيم ونحميا وعملهم في الأسفار
المقدسة، الازدراء لاذي تقابل به من البعض. فنحن لا نعرف شيئاً عن "المجمع
العظيم" كهيئة رسمية، إلا أننا نعرف الكثير عن تتابع الرجال من دانيال إلى
سمعان البار، الذين أطلق عليهم اسم "رجال المجمع العظيم". ولم يقل
التقليد القديم إن عزرا هو مؤسس هذا التتابع أو هذه السلسلة، لكنهم جعلوه الشخص
النموذجي فيها. وليس هناك تناقض بالضرورة في التقليد لو نسب – في قسم منه – هذا
العمل إلى عزرا، ثم نسبه – في قسم آخر – إلى "رجال المجمع العظيم". أما
القول بأن التقليد ينسب العمل الكتابي إلى عزرا وليس إلى نحميا، فلا أساس له، فقد
كان نحميا أحد "رجال المجمع العظيم" البارزين. وقد عرفنا أنه كان شاباً
أثيراً لدى الملك، جاء إلى أورشليم في 444 ق. م. ثم ترجع إلى الملك ثانية في 433ق.
م. وبعد فترة غير معروفة من الزمن، عاد إلى اليهودية. ومن المفترض أنه قد أمضى
بقية حياته الطويلة هناك حيث مات بعد 400 ق. م. ببضع سنوات أو ربما بضع عشرات من
السنين.

 

الدليل على كاتب السفر وتاريخ كتابته:

إن
موقع "أخبار الأيام" في نهاية الأسفار المقدسة، له في حد ذاته طابع
الشهادة، فإن من وضعوه في هذا الموقع يشهدون بذلك عن اعتقادهم بأنه آخر كتابات
العهد القديم. ونحن على علم بشهادة "بابابترا" بأن معظم أسفار العهد
القديم المتأخرة تنسب إلى رجال "المجمع العظيم" وإلى عزرا، وأن نحميا قد
أكمل "أخبار الأيام". ولا يمكن أن نتجاهل وضع "أخبار الأيام"
ضمن الأسفار الاثنين والعشرين التي يقول يوسيفون إنها كتبت قبل موت ارتحشستا
لونجيمانوس (
Longimanus)، ومن الطبيعي ألا تكون حدود الزمن الذي قصده يوسيفون هنا، هي موت
ارتحشستا بل بالحري فترة حياة من كانوا معاصرين له، مثل نحميا. وقد ذكرنا من قبل
الشهادة المتعلقة بمكتبة نحميا (مكابين الثاني 13:2-15). فالوقت الذي كانت تجمع
فيه تلك المكتبة، كان هو أرجح الأوقات لاستخدام كاتب "أخبار الأيام"
لها. بالإضافة إلى الموجز الموجود في سفر يشوع بن سيراخ (44إلى 49) الذي يذكر فيه
نحميا في نهاية القائمة بأسماء أفاضل رجال العهد القديم.

 

وهناك
دلائل داخلية أيضاً تؤيد الاستنتاج القائل بأن سفر "أخبار الأيام" قد
كتب قبل موت نحميا. ولعل الوجود الغزير للكلمات الفارسية والحقائق الكثيرة عن
فارس، مع غياب الكلمات والحقائق اليونانية، هما برهان حاسم على حقيقة أن سفر
الأخبار قد استكمِل قبل فتوحات الاسكندر التي أخلت الساحة أمام سيطرة النفوذ
اليوناني. وفي بعض الأجزاء يتكلم عزرا ونحميا بصيغة المتكلم (عز 28:7،
1:8و15..الخ، وفي نحميا كثيراً). والسفر كله يعطي الانطباع بأنه قد كتب في ختام
الفترة التي يؤرخها. والجدول الأخير في "أخبار الأيام" هو نفسه الذي في
نحميا (1أخ 9 مع نح 3:11-22:12-26).

 

وهناك
قائمة معينة كتبت في أثناء حكم داريوس (نح 26:12) تسلسلت الى أيام يوحانان رئيس
الكهنة (ويسمى يوناثان ويوحنا في مواضع أخرى)، لكنها امتدت إلى يدوع بن يوحنا، وكان
عزرا ونحميا ما زالا يخدمان (نح 26:12). ومن الطبيعي أن ترتبط هذه القائمة بموضوع
طرد منسي – أخي يدوع – لأنه تزوج من عائلة سنبلط (نح 38:13، وتاريخ يوسيفوس
7:11و8). وينتمي يدوع الي الجيل الخامس من يشوع بن يوصاداق (عز 1:2، 2:3) الذي كان
رئيساً للكهنة في 538 ق.م ويقول يوسيفون إن سنبلط أحد وكلاء داريوس. كما يذكر شخصا
اسمه "باجواس" قائد أحد جيوش ارتحشستا ممن كانوا على صلة بيوحنا رئيس
الكهنة.

 

الحجة
على التاريخ اللاحق: ومع ذلك فإن يوسيفوس يعتبر أن داريوس – الذي يقول إن نبلط كان
أحد وكلائه – هو داريوس آخر الملوك الذين حملوا هذا الاسم، ويقول إن يدوع كان
معاصراً للاسكندر الأكبر، وهكذا يرجع بالانقسام السامري إلى ما قبل 331 ق.م.
بقليل. ويرفض جميع العلماء هذه الأقوال عندما تستخدم لتحديد تاريخ الانقسام
السامري، الا أن بعضهم يرحب بقبولها لاثبات التاريخ المتأخر لآخر أسفار العهد
القديم العبرية. وهي حجة بعيدة تماماً عن الصحة، وقد نسفها اكتشاف البرديات
الأرمية حديثاً في مصر (في جزيرة الفنتين عند السودان) والتي تثبت أن
"باجواس" ويوحانان رئيس الكهنة وأبناء سنبلط كانوا متعاصرين في 407 ق.م.
أي في السنة السابعة عشرة من حكم داريوس نوثوس، بل وقبل ذلك بعدة سنوات.

 

ويعبر
دكتور درايفر (
Dr. Driver) عن رأي شائع فيما يتعلق "بأخبار الأيام"، إذ يقول:
"إن المفتاح الإيجابي الوحيد الذي تضمنه السفر بالنسبة لتاريخ كتابته هو
سلسلة النسب الموجودة في "أخبار الأيام الأول" (17:324) والتي تصل في
تسلسلها إلى الجيل السادس بعد زربابل،وهذا يذهب بنا إلى ما بعد 350 ق.م. تقريباً.
ويمكن لأى شخص أن يرجع إلى النص ويقوم بعمل هذا الحساب، فقد ولد "يكينا"
في 614ق.م. (2 مل 8:24). وإذا افترضنا  في المتوسط  أن كلا من هؤلاء الأبناء  في
تعاقبهم  قد ولد عندما كان أبوه في الخامسة والعشرين من عمره، لكان معنى ذلك أن من
ولد في الجيل السادس لزربابل،ولد في نحو 414ق.م. وليس في 350ق.م. وهو أمر ليس بعيد
الاحتمال.

 

ولكن
يقترح د.درايفر أننا يجب أن نتبع النسخة اليونانية لا العبرية في قراءة العدد
الحادي والعشرين:"وبنو حننيا فلطيا، ويشيعا ابنه، ورفايا ابنه، وأرنان ابنه
وعوبديا ابنه،وشكنيا ابنه" (1أخ 21:3). والمعنى هنا غير واضح، فقد يفهم منه
أن كل رجل من الرجال الستة المذكورة أسماؤهم بعد "حننيا"، كان ابناً
للرجل المذكور قبله (انظر 1أخ 3 : 10-14)، أو اعتبار الرجال الستة كلهم أبناء
لحننيا (انظر 1أخ 16:3، 20:7و21). فإذا حسبت على الفرض الأول، يصبح عدد الأجيال
بعد زربابل أحد عشر جيلاً، ووجود عدد كبير مثل هذا من الأجيال قبل أوائل القرن
الرابع قبل الميلاد أمر بعيد الاحتمال ولو أنه غير مستحيل. إلا أن القول بوجود أحد
عشر جيلاً، هو قول ضعيف لأنه يستند إلى تفسير افتراضي مبني على تحوير في النص لم
تثبت صحته، وما زال يعوزه الدليل في مواجهة برهان لا يداخله شك.

 

تغطي
أسفار صموئيل الأول والثاني والملوك الأول والثاني نفس الفترة التاريخية تقريبا
التي يغطيها سفرا أخبار الأيام الأول والثاني. ولكن سفري الملوك يقدمان التاريخ
السياسي لإسرائيل ويهوذا، بينما يقدم سفرا أخبار الأيام الأول والثاني التاريخ
الديني فقط ليهوذا.

وتعتبر
يهوذا وأورشليم والهيكل، من المواضيع الأساسية في سفري أخبار الأيام – أما تاريخ
الأسباط العشرة فيأتي فقط مصادفة. والفكرة المحورية في هذين السفرين هي أن المكانة
الذي نعطيها للرب في حياتنا هي التي تحدد تقدمنا أو انحدارنا.

وهذا
المرجع التاريخي لا يؤكد فقط على محبة الله لشعبه، وإنما يشير أيضا إلى أنه عندما
أكرم الشعب الله تحقق له الرخاء. وعندما كانوا غير أمناء للرب، سحب حضوره من وسطهم
فكانت الهزيمة محققة (2 أخبار 5:26؛ 6:27).

تسجل
أسفار الكتاب المقدس من التكوين إلى الملوك الثاني سلسلة من الأحداث منذ خلق آدم
حتى سبي يهوذا. ولكن سفري أخبار الأيام الأول والثاني كتبا بعد السبي البابلي –
على الأرجح بواسطة عزرا. والأصحاح الثاني بأكمله مخصص لنسل يهوذا، الذين حصلوا على
مكان مميز لأن المسيا الموعود به سيأتي من هذا السبط (تكوين 8:49-12).

ويبدأ
سفر أخبار الأيام الأول بأطول قائمة أسماء لسلسلة نسب مسجلة في الكتاب المقدس وهي
تغطي فترة تاريخية تبلغ حوالي 3500 سنة (الأصحاحات 1-9). وترجع أهمية الأنساب إلى
أنها تسمح بتتبع خط العائلة التي من خلالها سيتمم الله خطة الفداء. يبدأ السجل
بآدم حتى داود الذي من خلاله سيأتي المسيا. وقد أصبحت هذه العائلات هي حلقة الوصل
التي ترتبط بسلسلة نسب المسيح المسجلة في إنجيلي متى ولوقا. وقد حذفت العديد من
الأسماء، لكن الأسماء المسجلة هي تلك المرتبطة بالنبوات عن المخلص الموعود به.

يأتي
ذكر معركة شاول الأخيرة وموته في أصحاح 10. وتغطي بقية الأصحاحات (11-29) الفترة
التي ملك فيها داود وهي تقدم صورة للحكومة التي تكرم الرب.

ينتهي
سفر أخبار الأيام الأول بموت داود ويكمل سفر أخبار الأيام الثاني تاريخ نسله
ابتداء من سليمان. وهو يسجل انقسام المملكة في زمن رحبعام، ويغطي تاريخ مملكة
يهوذا الجنوبية حتى سبي الشعب إلى بابل. وتحتوي الأعداد الأخيرة على البيان الذي
أصدره كورش والذي بموجبه صار مسموحا لليهود أن يرجعوا إلى أورشليم كما سبق وأنبأ
به إرميا (2 أخبار 22:36-23؛ إرميا 10:29-14).

كانت
فترة حكم سليمان هي العصر الذهبي لإسرائيل؛ ولكن انغماسه في أساليب المتعة والترف
التي أتاحها النجاح الكبير الذي حققه داود، أدى إلى إهماله ثم رفضه لكلمة الله.
وكانت النتيجة الحتمية هي انقسام ثم دمار هذه الأمة المجيدة (1 ملوك 11:11-13). لم
يظهر أي نبي خلال فترة الملك سليمان. ويتكلم الجزء الأكبر من الأصحاحات التسعة
الأولى من أخبار الأيام الثاني عن بناء الهيكل في أورشليم على جبل المريا. وقد
بُني طبقا لنموذج خيمة العبادة (أصحاح 3-4). وأُكمل العمل في السنة الحادية عشرة
من ملك سليمان (أصحاح 5؛ قارن مع 1 ملوك 38:6) ودشنه سليمان بواسطة واحدة من أطول
الصلوات في الكتاب المقدس (أصحاح 6).

ويحكي
باقي سفر أخبار الأيام الثاني عن ملوك يهوذا، وانحدار الأمة من الناحية الأخلاقية
والروحية. وينتهي السفر بسقوط أورشليم والدمار النهائي للهيكل (أصحاحات 10-36).

 

موضوع
الكتاب هو الدولة الثيوقراطيّة في تهيئتها وتأسيسها في أيام داود، في سقوطها
ومحاولات إعادة بنائها وإصلاحها. وفي نظر الكاتب، تحقّقت هذه الثيوقراطيّة (حكومة
"إلهيّة" يشرف عليها رجال الدين) بصورة مثالية في أيام داود الذي نال
لبيته وعدًأ بملك أبديّ. وهكذا يكون داود النموذج الذي يجب على كل الملوك أن
يتبعوه. ولكن بما أنهم لا يفعلون، صارت الاصلاحات ضرورية وإن لم تصل إلى الهدف.
وفي الروح التي الهمت الأنبياء (إش، حز)، ينتظر المؤرّخ تحقيق هذا المثال في
المستقبل. وهدفه أن يُبقي عند قرّائه الإيمان والثقة بمواعيد الله (1أخ 17 :11-14)
رغم الظروف الصعبة التي يعيشها الشعب حوالى سنة 300 ق.م.

 

سفران
أم سفر واحد: كان السفران أصلاً سفراً واحداً، بل لعلهما كانا سفراً واحداً مع
عزرا ونحميا، ولكن حدث تقسيم الي أخبار الأيام الأول وأخبار الأيام الثاني في
الترجمة السبعينية على أساس الحجم وليس على أساس المحتويات. ثم نهجت الفولجاتا على
هذا النهج وتبعها الآخرون. ولم يدخل هذا التقسيم إلى النسخ العبرية إلا في 1448م.

 

المصادر الكتابية وغير الكتابية:

تنقسم
مصادر سفري أخبار الأيام الي مصادر كتابية وأخرى غير كتابية. ويرجع أكثر من نصف
مضمون سفري أخبار الأيام الي أسفار العهد القديم الأخرى، وبخاصة أسفار صموئيل
والملوك. أما المصادر الأخرى التي ورد ذكرها في سفري أخبار الأيام فهي:

(1)
"سفر الملوك ليهوذا وإسرائيل" (2أخ11:16، 26:25، 26:28، 32:32).

(2)
"سفر ملوك إسرائيل ويهوذا" (2أخ 7:27، 27:35، 8:36).

(3)
"سفر ملوك إسرائيل" (2أخ 34:20).

(4)
"سفر الملوك" (2أخ 27:24).

وربما
كانت هذه الأسماء الأربعة صيغاً مختلفة لسفر واحد، وربما كانت هذه الأسفار نفسها
بعض مصادر سفري الملوك الحاليين.

(5)
"سفر ملوك إسرائيل" (1أخ 1:9) وهو سفر مختص بالأنساب.

(6)
"ِمدْرس سفر الملوك" (2أخ 27:24).

(7)
"أخبار ملوك إسرائيل" (2أخ 18:33) وأشير اليه في الأمور المتعلقة بمنسي.

لاحظ
أن هذه الكتب السبعة هي أسفار للملوك، وأن مضمون الكتب الثلاثة الأخيرة منها لا
يتفق إطلاقاً مع مضمون الأسفار الكتابية. ومن المفهوم بعامة من أسم الكتاب السابع
منها -وأسماء بعض الكتب التي سيرد ذكرها فيما بعد  أن كلمة "أخبار"
مرادفة لكلمة أفعال أو تاريخ، إلا أنه من الأفضل هنا أن نحتفظ بكلمة
"أخبار" لأنها الأفضل من جهة الاشتقاق اللفظي.

(8)
"سفر أخبار صموئيل الرائي وأخبار ناثان النبي وأخبار جاد الرائي" (1أخ
29:29)، ولعلها كانت سفراً واحداً مطابقاً لأسفار القضاة وصموئيل الأول والثاني.

(9)
"أخبار ناثان النبي" (2أخ29:9) وهي تختص بأمور سليمان (سفر أمور سليمان
–انظر 1مل 41:11-43).

(10)
"نبوة أخيَّا الشيلوني" (2أخ 29:9-انظر أيضاً 1مل 29:11-39، 2:14-16)
وهي عن أمور سليمان.

(11)
"رؤى يعدو الرائي" (2أخ 29:9-انظر 1مل 13) عن أمور سليمان.

(12)
"أخبار شمعيا النبي" (2أخ15:12،انظر 1مل 22:12-24) عن أمور رحبعام.

(13)
"وكتبهم شمعيا بن نثنئيل الكاتب" (1أخ 6:24) عن أمور داود.

(14)
"عدو الرائي عن الانتساب" (2أخ 15:12) عن أمور رحبعام.

(15)
"أخبار ياهو بن حناني المذكور في سفر ملوك إسرائيل" (2أخ 34:20، انظر
1مل 1:16و7و12) عن أمور يهوشافاط.

(16)
"وبقية أمور عزيا الأولى والأخيرة كتبها إشعياء بن أموص النبي" (2أخ
22:26-انظر إش 1: 1-6).

(17)
"رؤيا إشعياء بن أموص النبي في سفر ملوك يهوذا وإسرائيل" (2أخ 32:32،
انظر 2مل 18الى20، إش 36الى39) عن حزقيا.

(18)
"أخبار الرائين" (2أخ 19:33) عن أمور منسى.

(19)
إشارات الي "المراثي" والي "إرميا" (2أخ 25:35) عن أمور
يوشيا.

(20)
"ِمدْرس النبي عدو" (2أخ 22:13) عن أمور أبيا.

وتذكر
الأسفار من رقم "12" إلى "20" على أنها أخبار وأعمال
للأنبياء. ويبدو للوهلة الأولى، أن هذه المراجع قد تشير إلى أجزاء من أسفار صموئيل
والملوك التي ورد فيها ذكر أولئك الأنبياء الكثيرين، إلا أنه أمام الفحص الدقيق،
لا يثبت هذا التفسير في كل الأحوال تقريباً. لقد كان أمام كاتب "أخبار
الأيام" مراجع نبوية لم تعد موجودة لدينا الآن.

(21)
كتابات داود وسليمان عن ترتيبات العبادة (2أخ4:35-انظر عزرا 10:3) عن أمور يوشيا.

(22)"أوامر
داود وجاد رائي الملك وناثان النبي" (2أخ 25:29) عن أمور حزقيا.

(23)"أمر
داود وآساف وهيمان ويدرثون" (2أخ 15:35) عن أمور يوشيا.

(24)"سفر
أخبار الأيام للملك داود" (1أخ 24:27).

(25)"كلام
داود الأخير" (1أخ 27:23).

 

أضف
الي هذا ما ذكر كثيراً عن أعمال "الأنتساب" المتعلقة بعصور وأيام معينة،
منها على سبيل المثال (1أخ 22:9، 17:5)، وأمور تشير الي حفظ السجلات ابتداء من
صموئيل النبي فصاعداً، (كما جاء في 1أخ 26:26-28). كما أن كاتب سفري الأخبار كان
من عادته أن يستشهد بما يعتبره وثائق عامة – كما حدث في سفري عزرا ونحميا- مثل
الخطابات المتبادلة بين كورش، وارتحشستا، وداريوس، وارتحشستا لونجمانوس (عز 1:1، 3:6،
7:4و17، 6:5، 6:6، 11:7، نح 7:2). ولا نبالغ إذا قلنا أن كاتب سفر الأخبار كانت
لديه مكتبة ضخمة تحت تصرفه، كما يبدو من أقواله.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد قديم سفر المزامير خادم المسيح 14

مكتبة نحميا:

يعتقد
البعض أنها هذه المكتبة هى المذكورة في سفر المكابيين الثاني (13:2-15)، وهي فقرة
يدور حولها جدل كثير، وقد جاءت فيما يبدو أنه خطاب كتبه القادة المكابيون في
أورشليم إلى أرستوبولس في مصر بعد 164ق.م. وقد حوى الخطاب الكثير مما يتعلق
بنحميا. ومن بين هذه الأمور: "وكيف أنشأ مكتبة جمع فيها أخبار الملوك
والأنبياء وكتابات داود ورسائل الملوك في التقادم" (أي العطايا المقدسة- انظر
المكابيين الثاني 13:2-15). كما يقولون إن هذه الكتابات قد تناثرت بسبب الحرب إلا
أن يهوذا المكابي جمعها ثانية لتكون في خدمة أرستوبولس وأصحابه.

 

ويحوي
هذا الخطاب بيانات تبدو خرافية أمام معظم القراء اليوم، مع أنها لم تكن تبدو هكذا
بالنسبة ليهوذا ومواطنيه. إلا أننا حتى لو تغاضينا عن الدليل الداخلي لهذه
الشهادة، فان اتفاق هذا الوصف مع ما جاء في تقاليد أخرى معينة مع الظواهر الموجودة
في سفري أخبار الأيام، لأمر أظهر من أن يهمل. كان الناس في الماضي يذكرن هذه
الفقرة باعتبارها إشارة إلى وضع "قانون الأسفار المقدسة"، وقانون
الأنبياء أو الهاجيوجرافا (الكتابات المقدسة)، إلا أنه يفهم منها أنها وصف لمكتبة
وليس لمجموعة أسفار، ولا يبدو في محتوياتها شئ من الأنبياء أو الكتابات المقدسة أو
كليهما، لكنها قائمة دقيقة بالمصادر التي كانت في متناول يد كاتب (أو كَّتاب)
أسفار أخبار الأيام وعزرا ونحميا. "فأسفار الملوك" (من 1-7 بعاليه)،
والأنبياء (من 8-20)، وداود (من 21-25)، وخطابات الملوك عن التقدمات (ذكرت في عزرا
ونحميا).

 

وهكذا
تطابق هذه المكتبة المنسوبة الي نحميا، المكتبة التي يشير كاتب سفر الأخبار إلى
أنه استعان بها. ويؤكد كل من هذين الدليلين المنفصلين صحة الآخر.

 

طريقة استخدام المصادر الكتابية:

إن
طريقة استخدام سفري "أخبار الأيام" للمصادر الكتابية لها بعض الخصائص
المعينة، ويمكن دراسة الأصحاح العاشر من أخبار الأيام مع الأصحاح الحادي والثلاثين
من صموئيل الأول كمثال نموذجي لذلك. فليست الفقرة المذكورة في سفر أخبار الأيام
الأول (1:10-12) سوى نقل – مع تغيرات طفيفة – لنفس الفقرة من سفر صموئيل الأول
(1:31-12). وهكذا يتكون قسم كبير من سفري أخبار الأيام من فقرات منقولة عن أسفار
صموئيل والملوك. وهناك رأي آخر يقول إن كاتب سفري الأخبار ربما نقل عن مصادر سبق
أن نقل عنها كتبة أسفار صموئيل والملوك، ولعل هذا هو الرأي الأرجح في بعض الحالات
على الأقل.

 

وهذه
الظاهرة لها أهميتها لعدة أسباب، إذ لها علاقة بصحة المعلومات، فنسخة من وثيقة
قديمة، لهي – كدليل- أعلى قيمة من مجرد التقرير عن مضمون تلك الوثيقة، كما أن لها
دلالتها في المسائل المتعلقة بالنصوص، فهل تعتبر نصوص أسفار الملوك وأخبار الأيام
تنقيحات وتعديلات؟ فمن الأهمية بمكان إيضاح العمليات الأدبية التي استخدمها كتبة
الأسفار المقدسة. فيقال  أحياناً  إنهم استخدموا ما لديهم من مصادر، ليس بإعادة
عرض المحتويات  وهو ما يفعله أي كاتب عصري  بل اكتفوا بمجرد النقل منها، إلا أنه
من الأصوب أن نقول أنهم فعلوا ذلك أحياناً إذ تتوقف عملية النسخ عند الآية الثانية
عشر من الأصحاح العاشر من سفر الأخبار الأول. وفي العددين 13و14 يوجز المؤرخ في
جملة واحدة جزءاً كبيراً من مضمون سفر صموئيل الأول. كما تعد عبارة واحدة – بصفة
خاصة – موجزاً للأصحاح الثامن والعشرين من سفر صموئيل الأول. وهذا ينطبق على أجزاء
أخرى. وما جاء في (1أخ :1-4) ما هو إلا موجز لما في الأصحاح الخامس من سفر
التكوين، بمعدل اسم لكل فقرة. كما أن ما جاء في (1أخ 24:1-27) هو في الحقيقة موجز
لما جاء في التكوين (10:11-26). وهكذا نجد في الأجزاء المختلفة من سفري أخبار
الأيام، كل ما قد يتبعه أي كاتب من أساليب. ولكن الحقيقة البارزة هي استخدام طريقة
النقل أكثر مما قد يفعل أي كاتب عصري.

 

إضافات المؤرخ:

لا
ريب في أن معظم التغيرات الهامة التي أحدثها كاتب سفري الأخبار، تتمثل في الإضافة
والحذف للمواقف. والحقيقة الواضحة هي أن أكبر الفصول المضافة الي سفري الأخبار، هي
تلك الفقرات التي تتحدث عن الهيكل والعبادة فيه، والقائمين بأمره من كهنة ولاويين
وموسيقيين ومغنين وبوابين، وكذلك الإضافات المختصة بارتجاع تابوت العهد الي
أورشليم، والتجهيزات للهيكل، والكهنة الذين انضموا لرحبعام، والحرب بين أبيا
ويربعام، والإصلاحات في أيام آسا ويهوشافاط، والتفاصيل المختصة بعزيا وموت حزقيا،
وما قام به منسي من اصلاحات، والفحص الذي عمله يوشيا (1أخ 15-16، 22-29، 2أخ
13:11-17، 13، 14، 15، 17، 19، 20، 16:26-21، 29-31، 10:33- 20، 35).

 

وقد
لوحظ – ولو بدرجة أقل مما ينبغي – أنه بينما يعطي المؤرخ – في هذه الفقرات – مساحة
واسعة لوصف شرائع موسى الطقسية، الا أنه يعطي مساحة أكبر لوصف ترتيبات داود.

 

يلي
ذلك من حيث الحجم، مادة الأنساب والإحصاءات، كما في الجزء الكبير من سلاسل الأنساب
التمهيدية والتفاصيل المختصة بأصحاب داود، ومدن رحبعام الحصينة والشؤون العائلية،
وبيانات عن غزوة شيشق، واستعدادات آسيا العسكرية، وغزوة زارح بالأعداد والتواريخ،
وترتيبات يهوشافاط العسكرية، وإخوة يهورام وبيانات أخرى عنه، وجيش عزيا ومشروعاته
(1أخ 2-9، 12، 27، 2أخ 5:11-12و18-23، 3:12-9، 3:14-15، 1:17-5و10-19و21،
6:26-15).

 

ويقال
أحياناً أن المؤرخ اهتم بشؤون الكهنة وليس بشؤون الأنبياء. وهذا غير صحيح، فهو
يولي معظم الأنبياء عناية خاصة (انظر مثلاً 2أخ 20:20، 12:36و16)، وقد استخدم كلمة
"نبي" ثلاثين مرة، كما استخدم الكلمتين العبريتين المعبرتين عن
"الرائي" وهما "حوزة" خمس مرات، و"روه" إحدى عشرة
مرة. ويقدم لنا معلومات إضافية عن كثير من الأنبياء، مثل صموئيل وجاد وناثان وأخيا
وشمعيا وحناني وياهو وإيليا وإشعياء وإرميا. كما بذل الكثير من الجهد ليحتفظ لنا
بتواريخ الكثير من الأنبياء الذين لولاه، لما عرفنا عنهم شيئاً، مثل: آساف وهيمان
ويدوتون ويعدو (2أخ 29:9)، وعدو (2أخ 15:12، 22:13) وعوديد وعزريا بن عوديد في
أيام آسا (2أخ 1:15و8)، ويحزيئيل بن زكريا (2أخ 14:20) وأليعزر بن دودا واهو (2أخ
37:20)، وزكريا بن يهويا داع (2أخ20:24)، وزكريا الفاهم بمناظر الله (2أخ 5:26)،
وأنبياء لم تذكر أسماؤهم في أيام أمصيا (2أخ 5:25-10و15و16)، وعوديد في أيام آحاز
(2أخ 9:28). وهذا نرى أن المؤرخ قد انتهج أسلوباً معيناً ليحتفظ لنا في تاريخه بأحداث
– من كل نوع – لها أهميتها. وعندما وصل الي "يائير" في قائمة الأنساب
وجد نفسه أمام معلومة لم تدرج في الكتابات السابقة، فضمنها قائمته (1أخ 21:2-23).
واهتم الكاتب بذكر "عشائر الكتبة سكان يعبيص" (1أخ 14:4و21و23) كما وجد
جزءاً من ترنيمة ليعبيص فألحقها بقائمة الأسماء كحاشية أو تذييل (1أخ 9:4و10).
وهناك أمور تتعلق بمرض آسا ودفنه، وأمور تتعلق بالسلوك الشرير ليوآش بعد موت
يهوياداع، وأخرى تتعلق بالإنشاءات التي أقامها حزقيا(2 أخ 12:16و13، 15:24-27،
27:32-30)، وهي أمور بدا لكاتب الأخبار أنها تستحق التسجيل فسجلها رغم أنها لم
تسجل في الكتابات السابقة.

 

ما لم يذكرة الكاتب:

وكما
أضاف كاتب "أخبار الأيام" أموراً غير موجودة في الأسفار السابقة، فإنه
أيضاً لم يذكر الكثير مما تضمنته أسفار صموئيل والملوك. ولكن يجب أن يكون ما أضافه
موضع اهتمام أكبر مما لم يذكرة، لأنه يكتب لقراء يفترض فيهم الالمام بالأسفار
السابقة، ومع ذلك احتفظ بالكثير مما رآه ضرورياً لتحديد العلاقات بين ما سجله من
حقائق وبين ما سجله السابقون. ومن نقطة بداية تاريخ داود، جرى الكاتب على عدم ذكر
كل ما ليس له علاقة وثيقة بداود أو سلالته الحاكمة، مثل تاريخ المملكة الشمالية،
والقصص الطويلة المتعلقة بإيليا وأليشع، والأمور المحزنة عن آمنون وأبشالوم
وأدونيا وخيانة سليمان والعديد من التفاصيل قليلة الأهمية. وقد ذكرنا من قبل
اختصاره المنتظم للفقرات التي نقلها.

 

المصادر غير الكتابية:

هناك
ظاهرتان ملحوظتان في أجزاء " أخبار الأيام" التي لم تنقل عن الأسفار
القانونية، فهي مكتوبة بلغة عبرية أحدث، وذات أسلوب منسق جميل. وكثير من هذه
الأجزاء عبارة عن مقتطفات موجزة. أما اللغة العبرية التي كتبت بها الأجزاء
المنقولة عن أسفار صموئيل والملوك، فهي بالطبع اللغة الكلاسيكية لتلك الأسفار، وقد
أضحت بصفة عامة أكثر بلاغة. أما الأجزاء الأخرى فمن المفترض أنها هي لغة الكاتب
ذاته، والفرق بين لغة كل جزء منها جلى واضح لا يمكن الخلط فيه. ويمكن التعليل لهذا
الاختلاف، بافتراض أن المؤرخ عالج المصادر الكتابية التي نقل عنها باحترام خاص،
أما المصادر الأخرى غير الكتابية، فبحرية.

 

ومن
بين نظريات النقد "لأخبار الأيام"، هناك افتراض بوجود سفر للملوك أسبق
وأشمل من السفرين القانونيين اللذين بين أيدينا الآن. وفي الكتابات الحديثة لعلماء
مثل "بوخلر" (
Buchler) و"وبنزجر" (Benziger) و"كتل"
(
Kittel) نظريات عن تحليل "أخبار الأيام" إلى وثائق مختلفة، مثل
كتاب قديم جداً لا يميز بين الكهنة واللاويين، أو كتاب قديم عالج الأسفار المقدسة
معالجة متحررة، وذلك إلى ما وضعه كاتب سفري الأخبار.

 

وكل
ما نعرفه عن هذا الموضوع هو أن هناك ثلاثة مجموعات من الكتبة اشتركوا في إخراج
سفري "أخبار الأيام"، هم:

أولاً
– كتبة الأسفار الكتابية القانونية وبخاصة أسفار صموئيل والملوك.

ثانياً
– كتبة المصادر غير الكتابية والتي ذكرها كاتب سفري الأخبار.

ثالثاً-
المؤرخ أو مجموعة المؤرخين الذين جمعوا – بطريقة مباشرة أو غير مباشرة – محتويات
هذه المصادر وسجلاتها في سفري أخبار الأيام.

 

وليست
ثمة وسيلة لمعرفة ماهية معظم العمليات الوسيطة. ومن العبث أن نحاول التخمين، ولا
مبرر للقول بأن ذكر المصادر في سفري "أخبار الأيام" لم يكن عن حسن قصد.
ومن المحتمل أنه كانت هناك من نوع"الِمدْرس" بين المراجع التي استعان
بها مؤرخ سفري أخبار الأيام. الا أنه من المستبعد تماماً أن يكون أحد المصادر
المذكورة غير أصيل أو غير قديم. وتجمع كل الاحتمالات على أن العائدين من السبي
وأبناءهم قد درسوا تاريخهم القديم وجمعوا المواد الوافية بهذا الغرض. فظواهر هذا
السفر – كما سبق أن ذكرنا – تشير إلى وجود دافع تاريخي للاهتمام بالدلائل الأصيلة
من الماضي البعيد.

 

أقسام السفر:

ينقسم
سفرا "أخبار الأيام" حسب المضمون حسب المضمون الي ثلاثة أقسام: القسم
الأول تمهيدي يتكون في معظمه من مسائل تتعلق بالأنساب مع ما يصاحبها من حقائق
وأحداث (1أخ 1إلى 9). والقسم الثاني وصف لارتقاء داود العرش وفترة حكمه
(1أخ10إلى29). أما القسم الثالث فوصف لأحداث جرت في أيام حكم أسرة داود من بعده
(أخبار الأيام الثاني).

 

وتبدأ
سلسلة الأنساب بآدم (1أخ1:1) وتمتد إلى العصور الأخيرة من العهد القديم (1أخ9 –
انظر نحميا11) والأسماء الأخيرة في سلاسل الأنساب مثل (1أخ 19:3 – 24). والأحداث
المذكورة عرضاً في سلسلة الأنساب أوفر عدداً وأعظم أهمية مما يظنه القاريء العادي،
فهي تقدر بالعشرات، بعضها تكرار لأجزاء من العهد القديم التي نقل عنها المؤرخ.
مثال ذلك العبارات التي تذكر أن "نمرود" كان جباراً، أو أن الأرض قسمت
في أيام فالج، أو التفاصيل الخاصة بملوك أدوم (1أخ 1: 10و19و43-54، انظر تك
8:10و25و 31:36-39). والبعض الآخر أحدث نقلها المؤرخ عن مصادر أخرى غير أسفار
العهد القديم، مثال ذلك: قصة "يعبيص" وتفاصيل غزوات بني شمعون لآل حام
والمعونيين وبقية المنفلتين من عماليق (1أخ 9:4و10و38-43).

 

وينقسم
وصف "أخبار الأيام الأول" لحكم داود الي ثلاثة أجزاء: الجزء الأول
(1أخ10الى21) وهو يعطينا فكرة عامة عن موت شاول وتتويج داود على الاثنى عشر سبطاً،
وأصحاب داود وحروبه، واحضار تابوت العهد الي أورشليم، وعهد الله العظيم لداود،
والوباء الذي أدى الي شراء بيدر أرنان اليبوسي. أما الجزء الثاني (1أخ 22-22:29)
فيقتصر على حدث واحد معين مع المقدمات المختصة به، وهو تنصيب سليمان ملكاً في
اجتماع عام عظيم (1أخ 1:23، 1:28-10) ويتضمن الاستعدادات لتنصيبه، والترتيبات
الخاصة بموقع الهيكل المزمع بناؤه والعمال والمواد اللازمة لذلك، إلى جانب تنظيم
اللاويين والكهنة والمغنيين والبوابين والرؤساء لخدمة الهيكل والمملكة. أما الجزء
الثالث (1أخ22:2930) فهو وصف موجز لتنصيب سليمان ملكاً مرة ثانية (انظر 1مل1) مع
موجز وإشارات الي حكم داود.

 

رموز السفر:

ابرز
السفر في مملكة داود الرموز التالية :

 اجتماعه
بالشعب رمز لاجتماع السيد المسيح بكنيسته ص 11 : 1 – 3

 إقامة
يوآب قائدا رمز لطلب الله قادة روحيين أقوياء فيه 11 :4 -9

 التصاقه
برؤساء الأبطال رمز أن الله لا يحب المتراخين ص12 : 1 – 40

 توقفه
عن دخول التابوت إلى مدينته بسبب موت عزا ص 13 رمز أن التصاقنا بالله لا يعني
استهتارنا بمقدساته.

 تزوج
داود وإنجابه بنين وبنات رمز لاتحاد الكنيسة بالمسيح الذي قدم ثمارا بلا حصر
وتقديسا للنفوس والأجساد ص

 14
: 3 – 7

 غلبته
علي الفلسطينيين رمز لنصرة المسيح فينا علي قوات الشر ص 14 : 8 – 17

 إقامة
بيوت لداود وخيمة لتابوت الله رمز لحلول الله فينا ص 15

 تابوت
العهد في الخيمة والتسبيح له ص 16رمز لصورة السماء وأن الله وسط شعبه يسبحون له
وصورة لكنيسة العهد الجديد المسبحة لعريسها.

 الله
يقيم عهدا مع داود وشهوة داود لبناء هيكل الرب (شهوة السماء ص 17)

 إذ
نلتصق بمسيحنا نجد فيه القربى : الأب والملك والكاهن فيه نحمل روح الحب الأبوي
والملوكي والكهنوتي

 

أهم الشخصيات:

من
آدم الى عزرا – داود

 

أهم الأماكن:

فلسطين

 

محور السفر:

+
تاريخ بنى إسرائيل، شعب الله، داود الملك، العبادة الحقيقية، الكهنة

+
الاستعداد لمجيء المسيح

+
تاريخ المملكة تحت حكم داود والهيكل

+
أقاموا هناك مع الملك لشغله

 

مضمون السفر:

يبدأ
أخبار الأيام بآدم وينتهي مع المنفى في بابل. ترد الحقبة السابقة لداود بشكل سلسلة
أنساب ترافقها بعض التفاصيل التاريخيّة (1أخ 1-9). هذه الفصول هي توطئة. وبعد
إشارة سريعة إلى سقوط شاول، يروي المؤرّخ مطوّلاً خبر مُلك داود على كل اسرائيل،
ويشدّد بصورة خاصة على ما فعله من أجل شعائر العبادة وبناء الهيكل. ولم يشر الى الأحداث
التي شوهت سمعةَ الملك. مثلاً: الصراع على السلطة، خطيئة داود، ثورة أبشالوم (1أخ
10 :29). ويقدّم المؤرخ أيضاً خبر سليمان بالتفصيل وفي صورة مثالية (2أخ 1-9).
ويخصِّص ما تبقّى من الكتاب (2أخ 10-36) لملوك يهوذا فيروي بالتفصيل عهد كلّ من
يوشافاط وحزقيا ويوشيا بسبب الإصلاح الديني الذي قاموا به.

 

غاية السفر:

التاريخ

+
اهتمام الله نفسه بالإنسان حتى بتاريخه وميراثه.

+
ضرورة مراجعتنا للتاريخ لإدراك معاملات الله مع آبائنا وسر النصرة أو الفشل في
حياتهم.

+
الاهتمام بالجانب الإيجابي (قوة داود) اكثر من السلبي (فشل شاول)

+
قدم للراجعين من السبي جوا كنسيا تعبديا متحدثا عن الهيكل وطقوسه أكثر من الحروب

+
الإشارة إلى مدي الانحطاط الذي بلغه الشعب قبل السبي.

+
ذكر الأنساب حتى يملك كل سبط نصيبه بعد العودة من السبي.

+
ابرز بوضوح أن الله هو " الملك الحقيقي " وسط شعبه حتى وإن رفضه الكل..
فهو يبارك ويسند خائفيه، ويؤدب رافضيه ويبقي الملك المهتم بشعبه لهذا ابرز أعمال الله
مع شعبه وتحدث عن الهيكل وطقوسه أكثر من الحروب مقدما جوا تعبديا كنسيا مع تأكيد
حب الله وعدله.

 

سمات السفر:

+
اعتمد الكاتب كثيرا علي ما ورد في صموئيل الاول والثانى والملوك الاول والثاني
ومقدما المعلومات التي لم ترد في هذه الأسفار وقد ركز على مملكة يهوذا دون إسرائيل
وليس علي الاثنين كما في الأسفار الأخرى.

+
اختصر الحديث عن شاول معطيا اهتماما لمملكة داود ليسند الذين في السبي.

+
في الواقع لا يعتبر هذا السفر تكمله للأسفار السابقة ولكنه يقدم فكر روحي يسند
المسبيين ويعينهم علي التوبة والرجوع إلى الله.

 

محتويات السفر:

أولا
:- جدول الأنساب ص 1 – 9

 ذكر
قوائم الأنساب للآباء (1- 2) والعائلة الملوكية (3- 5) والعائلة الكهنوتية (6- 9)
ليس كذكريات تاريخية نعتز بها وإنما غايتها هو :

+
لكي يملك كل سبط نصيبه بعد العودة من السبي

+
اهتم بها الكتاب المقدس حتى متى ظهر المسيا الملك يتأكد اليهود انه بحق الموعود
به.

+
بعد مجيء السيد انتهت الأنساب الجسدية ودخلنا في نسب روحي حق، إذ صار الله ألآب
أبونا بالمعمودية.

+
يقول الوحي الإلهي عن الخزافين " أقاموا هناك مع الملك لشغله (4 : 23) ليوضح
أن الله يريدنا قبل أن نعمل أن نقيم معه، ويعتز بنسبنا إليه، ويفرح بنا كأولاد له،
فهولا يحتاج إلى أعمالنا وعبادتنا في ذاتها.

+
يعتز الله بأولاده ويسجل أسماءهم في كتابه فلا ينسي شيرة (7 : 24) من بني أفرايم
التي بنت ثلاث مدن كما لا ينس النثينيم (9: 2) الغرباء الذين يخدمون هيكل الرب

+
لما كان هذا السفر هو سفر " الله الملك " لذلك تجاهل ملوك إسرائيل
المنشقين معطيا اهتماما لملوك يهوذا.. يريدنا أن نكون ملوكا وأبناء داود الحقيقي،
الذي هو ربنا يسوع المسيح ملك الملوك، لا أن نقيم أنفسنا بأنفسنا ملوكا !!!.

+
قدمت هذه الجداول ثلاثة قواد عظماء :

 –
إبراهيم أب كل المؤمنين : نال الوعد بالخلاص والبركة

 –
موسي : أول قائد للشعب والمحرر ليتمتع الشعب بالميراث

 –
داود : المختار ملكا من الله من نسله يأتي المسيا.

 

ثانيا
: – شاول ص 10

 +
إذ يريدنا الله ملوكا روحيين نقبله ملك الملوك لذلك يتجاهل الملك شاول مبرزا سقوطه
هو وبنيه وكل بيته (ع 6) حتى لا نتشبه به ولا ننتسب إليه بل نتشبه بداود وننتسب
إليه.

+
هناك رموز يجب ملاحظتها :

 –
شاول رمز الإنسان القديم.

 –
أبناؤه رمز أعمال الإنسان القديم.

 –
كل بيته رمز كل ما ينتسب إليه من طاقات وعواطف غير مقدسة.

 –
سقوطه علي السيف رمز موت الإنسان القديم خلال كلمة الله.

 –
تعريته رمز خلعه تماما لنلبس الإنسان الجديد.

 –
أخذ رأسه رمز تحطيم إبليس.

 –
أخذ سلاحه رمز تحطيم طاقاته المهلكة.

 

ثالثا
:- داود الملك ص 11 – 21

 +
اجتماع داود بالشعب ص 11 : 1 – 3

 +
إقامة يوآب قائدا 11 : 4- 9

 +
التصاقه برؤساء 11 :10 -12 :40.

 +
توقفه عن دخول التابوت إلى مدينته بسبب موت عزا ص 13

 +
زواج داود وإنجابه بنين وبنات ص 14 : 1 – 7

 +
غلبته علي الفلسطينيين ص 14 : 8 – 17

 +
إقامة بيوت لداود وخيمة لتابوت الله ص 15

 +
تابوت العهد في الخيمة والتسبيح له ص 16

 +
شهوة داود نحو بناء بيت للرب ص 17

 +
انتصارات داود ص 18 – 20

 +
إحصاء الشعب ص 21

 "
هوذا عظمك ولحمك نحن " (11 : 1) صرخة الكنيسة لملكها !!!

 أن
كان شاول قد انتهى ولم يذكر عنه سوى موته وخيانته فان افتتاحية مُلك داود تبدأ
بنداء الكنيسة لعريسها واعتزازها بنسبها له، وإنها من عظمه ولحمه !.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد قديم سفر المزامير خادم المسيح 42

 

رابعا
:- التهيئة للهيكل ص 22 – 29

 +
هيأ ابنه للعمل وأحصاه للشعب ص 22

 +
تقسم اللاويين للخدمة ص 23

 +
تنظيم العمل بين فرق الكهنة والمسبحين ص 24، 25

 +
ترتيب خدمة البوابين وبقية اللاويين وفرق خدام الملك ورؤساء الأسباط والعاملين فى
البلاط ص 26، 27

 +
وصايا خاصة بالبيت لجميع الرؤساء ولسليمان ص 28، 29 يوصي ابنه أن يطلب الرب بكل
قلبه وكل نفسه

 +
أن كان الله لم يسمح لداود ببناء الهيكل فإنه لم يتذمر بل شكر الله الذي وهبه أن
يبنى البيت بواسطة ابنه.

 +
لم يقف موقفا سلبيا بل هيأ المال والرجال لبناء البيت والعمل فيه.

 

جدول الأنساب ص1-9

شاول ص10

داود
الملك ص11-21

التهيئة للهيكل ص22-29

ما هي
فائدة الأنساب؟

01
لكي نتأكد من خلالها من شخص المسيّا الموعود به. وبعد مجيئه انتهت الأنساب لندخل
في نسب روحي.

02
يعتز الله بأولاده ويسجل أسماءهم.

0
قيل عن الخزافين: "أقاموا هناك مع الملك لشغله" 4: 23 يريدنا الله أن
نقيم معه قبل أن نعمل. (غاية عبادتنا اللقاء مع الله والسكنى معه).

0
إذ هو سفر "الله الملك" تجاهل ملوك إسرائيل المنشقين، معطيًا
اهتمامًا لملوك يهوذا. يريدنا ملوكًا روحيين منتسبين للملك الحقيقي "ملك
الملوك"، لا أن نقيم أنفسنا ملوكًا!

يبرز
سقوطه هو وبنيه وكل بيته (ع6) حتى لا نتشبه به بل بداود الملك.

شاول: الإنسان القديم.

أبناؤه: أعمال الإنسان القديم.

كل بيته: الطاقات غير المقدسة.

سقوطه على السيف: موت الإنسان القديم
بسيف كلمة الله.

تعريته: خلع الإنسان القديم.

أخذ رأسه: تحطيم إبليس.

سلاحه: طاقاته.

"هوذا
عظمك ولحمك نحن
" 1:11 صرخة الكنيسة لملكها!

0
أبرز في مملكة داود الجوانب التالية:

1.
اجتماعه بالشعب: اجتماع السيد المسيح بكنيسته1:11-3

2.
إقامة يوآب قائدًا: الله يطلب قادة روحيين :4-9

3.
التصاقه برؤساء أبطال: لا يحب المتراخين :10-46

4.
توقفه عن إدخال التابوت بعد موت عزّا (مهابة المقدسات) 13

5.
تزوج داود وإنجابه… ثمارنا الروحية خلال الاتحاد 14

6.
غلبته على الفلسطينيين: النصرة الروحية 15

7.
تابوت العهد في الخيمة (الله في كنيسته السماوية) 16

8.
شهوة داود لبناء هيكل الرب (شهوة السماء!) 17

9.
انتصارات داود 18-20

10.
إحصاء الشعب 21

 

الله
لم يسمح لداود ببناء الهيكل،

فلم
يتذمر داود بل شكر الله الذي وهبه

أن
يبنى ابنه الهيكل، وهيأ الإمكانيات

المادية
والبشرية للبناء:

1.
داود يهئ ابنه ويوصيه 22

2.
تقسيم اللاويين للخدمة 23

3.
تنظيم العمل بين الكهنة 24، 25

4.
ترتيب خدمة البوابين وبقية اللاويين

 وخدام
الملك. 26، 27

5.
وصايا لجميع الرؤساء ولسيلمان 28،29

 

شرح السفر:

1 أخبار 1 – 2

معظم
قراء سفري أخبار الأيام، قد يمرون سريعا على الأصحاحات الثمانية الأولى باعتبارها
مجرد سردٍ مملٍّ لسلسلة نسب ليس لها أي فائدة حقيقية. ولكن هذه الأصحاحات تبين في
الواقع التصميم الدقيق لخطة الله الذي يتحكم في مصير كل تابع أمين له عبر العصور.
ومن الصعب حقا أن نشعر بأي اهتمام تجاه أسماء أشخاص لا نعرف عنهم إلا القليل أو
ربما لا نعرف عنهم شيئا. ولكن هذه القائمة القديمة للأنساب تكشف عن خطة الله
واختياراته الدقيقة في انتقاء الأشخاص الذين يصلحون لخدمته، ابتداء بآدم.. شيث..
أنوش.. نوح.. سام.. إبراهيم.. إسحق.. وإسرائيل (1 أخبار 1:1،3-4،28،34).

وأحد
أسباب تسجيل هذه القائمة الطويلة للأنساب هو من أجل تشجيع بني إسرائيل – بعد السبي
– للتأكد من أن إله الخليقة هو الله الواحد الحقيقي إله آبائهم، وإله الأرض كلها.
وقد جعل رجوعهم إلى أورشليم ممكنا من أجل إتاحة الفرصة لمجيء المسيا – الذي ترجع
سلسلة نسبه إلى آدم، الإنسان الأول، مرورا بنوح وإبراهيم وداود. ثم في إنجيل لوقا،
كما سبق وتنبأ الأنبياء، نجد سلسلة النسب الكاملة لآدم الثاني – يسوع المسيح، ابن
الله ومخلص البشرية (1 كورنثوس 22:15،45).

فلو
لم تكن أسماؤهم قد سجلت في سلسلة الأنساب هذه، لما استطاع بنو إسرائيل أن يشتركوا
في العبادة في الهيكل. فلا بد أن هذه القائمة الطويلة من الأسماء كانت مثيرة جدا
لهم إذ كانوا يبحثون فيها عن أسمائهم وكذلك عن أسماء أحبائهم.

فكّر
كم سيكون ذلك مهما للغاية عندما تُفتح أسفار الله. وكل من لم يوجد مكتوبا في سفر
الحياة طُرح في بحيرة النار (رؤيا 15:20).

لكن
الرب يدعو الآن لنفسه مرة ثانية جنسا مختارا، كهنوتا ملوكيا (1 بطرس 9:2)، غير
مرتبط بسلسلة النسب الجسدية التي تمتد إلى آدم، بل مرتبط بالولادة الجديدة
المعجزية في عائلة الله بيسوع المسيح، آدم الأخير.

لقد
جلبت خطية آدم – في جنة عدن – الموت الروحي على الجنس البشري كله، لأنه بخطية
الواحد قد ملك الموت (رومية 17:5). لهذا قال يسوع: ينبغي أن تولدوا من فوق (يوحنا
7:3). فالمسيحي الحقيقي ينال طبيعة جديدة – هي طبيعة الله.

إن
الحياة الجديدة في المسيح هي مجرد البداية. فالرب يتداخل بنفسه في حياة كل مسيحي
حقيقي – ويشكل جميع تفاصيلها. فكما نميّز ذلك في حياة الأشخاص المسجلين هنا في
تاريخ إسرائيل، هكذا أيضا نكتشف كيف أن الرب يطلب أن يقودنا لكي نقرأ كلمته
باستمرار وبروح الصلاة.

إن
الأمور التي تحدث للمؤمنين لا تحدث أبدا "بالصدفة"؛ وإنما يسمح بها
أبونا، المهندس الأعظم، لكي يعدنا لنصبح الأشخاص الذين يستطيع أن يستخدمهم لتحقيق
قصده الذي من أجله خلقنا. فمع أننا قد لا نفهم العديد من الأمور التي يصنعها الله
في حياتنا، إلا أننا نستطيع أن نطمئن واثقين أن له قصدا أبديا في حياتنا.

هل
ما زلنا نحتاج إلى مزيد من الإقناع لقراءة هذه الأصحاحات؟ أعتقد أنه قد أصبح من
الواضح أنه لفائدتنا أن نقرأ هذه السلسلة من الأنساب في قراءة اليوم حيث أن كل
الكتاب… نافع (2 تيموثاوس 16:3-17).

إعلان
عن المسيح: من خلال آدم الأول (1 أخبار 1:1). المسيح هو آدم الأخير (1 كورنثوس
45:15).

 

 1 أخبار 3 – 5

استطاع
سبط شمعون الصغير أن يقضي على البقية الهاربة من العماليقيين (1 أخبار 43:4). هذا
بالمقابلة مع بني رأوبين بكر إسرائيل الذين كانوا أكثر قوة. فهؤلاء خانوا إله
آبائهم وزنوا وراء آلهة شعوب الأرض الذين طردهم الرب من أمامهم… فكانت النتيجة
أن ملك أشور… سباهم، أي الرأوبينيين والجاديين ونصف سبط منسى… إلى نهر جوزان
إلى هذا اليوم (1:5،25-26). فبينما حافظ سبط شمعون على الأرض التي أعطاها الرب له،
فإن سبط رأوبين مع أنه الأقوى فقد كل شيء.

فبدلا
من عبور نهر الأردن وامتلاك الأرض التي اختارها لهم الرب، فضل الرأوبينيون أن
يعيشوا في الأرض الخصبة على الجانب الشرقي من نهر الأردن – على الرغم من أنها كانت
بعيدة عن مكان العبادة (عدد 32). لقد اختاروا الشيء الذي سيحقق لهم نجاحا ماديا
أكبر ولم يلقوا بالا إلى النجاح الروحي.

ونتيجة
لذلك، كان الرأوبينيون من أوائل الأسباط التي انهزمت وأُخِذوا سبايا إلى أشور. إن
الرأوبينيين يرمزون إلى الأشخاص الذين ينغمسون في أمور العالم حتى أن الله وكلمته
لا يكون لهما الاعتبار الأول في حياتهم. هؤلاء الأشخاص يفضلون الاستقرار في وضع
أقل مما يريده الله لهم لغرض إشباع طموحاتهم وملذاتهم الشخصية.

لقد
تحققت حقا نبوة يعقوب: لا تتفضل [أي لا تتفوق]. فبفضل البكورية كان ينبغي أن يكون
سبط رأوبين متفوقا على جميع الأسباط الأخرى. ولكن أباه يعقوب سبق وأنبأ بضعف
رأوبين: فائرا كالماء [أي غير مستقر] لا تتفضل [أي لا تتفوق] (تكوين 3:49-4). ومن
الواضح أن هذه النبوة كانت تشير إلى خطية الزنى التي ارتكبها رأوبين – وهي إحدى
الأمثلة لعدم استقراره. والماء هو تشبيه جيد، ذلك لأنه يسيل بالطبيعة إلى أدنى
المستويات الممكنة – وأيضا لأن الرياح تحمله والحرارة تبخره، فهو غير موثوق به ولا
يمكن الاعتماد عليه.

يعتبر
رأوبين مثالا للتحذير الذي جاء في العهد الجديد: فلا يظن ذلك الإنسان أنه ينال
شيئا من عند الرب. رجل ذو رأيين هو متقلقل في جميع طرقه (يعقوب 7:1-8).

هؤلاء
الرأوبينيون بدأوا بداية عظيمة: صرخوا إلى الله (1 أخبار 20:5). ولكن تقلقلهم بدا
واضحا بمرور الزمن إذ نقرأ أنهم زنوا وراء آلهة شعوب الأرض (1 أخبار 25:5). إن
البحث عن اللذة وإرضاء الذات وجاذبية العالم قد أغوت الكثيرين وجعلتهم غير مؤهلين
للحصول على بركات الله.

عندما
تكون رغبتنا القصوى هي إرضاء الرب، فلا داعي أن نخاف من أننا لسنا موهوبين بالقدر
الكافي، أو أقوياء بالقدر الكافي، أو صالحين بالقدر الكافي. يجب أن يكون هدفنا في
الحياة هو أن نكون أمناء للرب ونقنع بما يعطيه لنا (فيلبي 11:4). فأي شيء يريدنا
الرب أن نكونه أو نعمله سيجعل ذلك الشيء ممكنا عندما نكون مستعدين أن نخضع
لإرادته. لقد حرم الكثيرون أنفسهم من امتياز استخدام الله لهم لأنهم لم يكونوا
راسخين غير متزعزعين مكثرين في عمل الرب كل حين (1 كورنثوس 58:15).

إعلان
عن المسيح: من خلال سلسلة نسب داود (1 أخبار 1:3-24). فإن المسيح، ابن الله، كان
أيضا من نسل داود (لوقا 23:3-31).

 

 1 أخبار 6 – 7

تبين
لنا هذه السلسلة الطويلة من الأنساب والتي تبدو غير شيقة أن الله لا ينظر إلى
البشرية على أنها مجرد حشد من الناس يسكن العالم. فإننا نجد أسماء الكهنة
واللاويين مدونة بالتفصيل، وكذلك أسماء الأفراد مع العائلات والأسباط التي ينتمون
إليها. وكل واحد كانت له مسئولية شخصية. كذلك نرى الفروقات الواضحة بين طبائع
الأشخاص المذكورين في هذه الأصحاحات. فإننا نرى البعض قد كرسوا أنفسهم للمسئوليات
المعطاة لهم من الله، بينما البعض الآخر قد دنسوا دعوتهم المقدسة، تماما مثلما نرى
في عالمنا اليوم.

ويأتي
في المقام الأول في هذه القائمة رئيس الكهنة، وهذا المنصب كان يتم اختياره من
عائلة هارون (1 أخبار 1:6-15). كان هارون كاهنا مكرسا، ولكن اثنين من أبنائه كانا
منافقين وقد ماتا تحت القضاء. وكان صموئيل قاضيا تقيا ولكن أبناؤه كانوا أشرارا.
وكان أبياثار لسنوات عديدة رئيسا للكهنة مكرسا ولكنه فيما بعد خان داود (1 ملوك
5:1-7؛ 26:2-27). ويبدو الأمر وكأنه خليط غريب من القديسين المكرسين والخطاة
المتبجحين. ولكننا نرى ذلك اليوم في كل مكان حولنا – هذا التناقض الواضح بين
البدايات النابعة من السماء وبين الفرص الضائعة.

بعد
ذلك نجد اللاويين، وهم يشملون عائلات جرشوم وقهات ومراري (1 أخبار 16:6-30).
وأعطيت التفاصيل بشأن مسئوليات اللاويين والكهنة ورئيس الكهنة (48:6-53). فقد
كانوا مسئولين عن جميع الأنشطة الروحية – أي تعليم كلمة الرب، وإقامة العبادة في
الهيكل، وصيانة الهيكل ورعاية شئونه. كانت العبادة في الهيكل بحسب ترتيب الرب،
وكان يُنظر إليها كحق مقدس. كان يسمى الهيكل بيت الرب (حجي 2:1)؛ هيكل الرب (زكريا
12:6-15)؛ بيت الله (عزرا 16:6). ولغرض المساهمة بأي صورة من الصور في الخدمة في
الهيكل، يجب أن يكون اسم الشخص مسجلا أنه ينتمي لسبط لاوي.

لم
يعطَ للاويين أرضا، ولم تكن مسئوليتهم مقتصرة على الخدمة في الهيكل. وأعطيت لهم
مساكن، إذ كانوا متفرقين وسط جميع الأسباط (1 أخبار 54:6). وبهذه الطريقة كانوا
يعملون على توصيل التأثير الروحي إلى جميع الأماكن. ولكن مع وجود هذه البركة كان
الشعب أيضا مسئولا عن إعالة اللاويين الذين في وسطهم من خلال العشور والتقدمات.

كانت
احتفالات العبادة الرئيسية تحدث ثلاث مرات في السنة فقط؛ ولكن حياة اللاويين بين
الناس جعلت التأثير الروحي مستمرا كل يوم.

إن
الرب لا يزال يهتم بكل واحد منا على حدة. فهو يدعو خرافه الخاصة بأسماء (يوحنا
3:10).

إن
كل واحد منا مسئول شخصيا أمام الرب وسوف يعطي حسابا عن الأعمال التي عملها في
الجسد (رومية 10:14-12؛ 2 كورنثوس 10:5). والواقع أن الله يهتم بكل واحد منا إلى
درجة أن حتى شعور رؤوسنا محصاة (متى 30:10). إنه يعرف كل واحد منا باسمه؛ فإما أن
تكون أسماؤنا مكتوبة في سفر حياة الخروف، أو أننا سنواجه الدينونة أمام العرش
الأبيض العظيم.

ورأيت
الأموات صغارا وكبارا واقفين أمام الله وانفتحت أسفار. وانفتح سفر آخر هو سفر
الحياة. ودين الأموات مما هو مكتوب في الأسفار بحسب أعمالهم (رؤيا 12:20).

إعلان
عن المسيح: من خلال مدن الملجأ (1 أخبار 57:6،67). لكي ينجو الشخص من المنتقم للدم،
كان ينبغي أن يهرب إلى إحدى مدن الملجأ. لقد جعل الله من ابنه الوحيد يسوع المسيح
ملجأ لنا من دينونة الخطية. (قارن مع يوحنا 14:3-18؛ 24:10-30؛ غلاطية 16:2؛
1:3-13؛ عبرانيين 1:10-17؛ يوحنا 2:2؛ رؤيا 5:1). عندما نأتي إلى المسيح بالإيمان
مطيعين لكلمته، فإنه يصبح ملجأنا.

 

 1 أخبار 8 – 10

سبي
شعب الله إلى بابل لأجل خيانتهم – فتشتتوا وأهينوا وتدهور حالهم في أرض غريبة (1
أخبار 1:9). وبعد سبي بني إسرائيل الذي استمر 70 سنة، كما سبق وأنبأ إرميا، أتيحت
الفرصة لنسلهم أن يرجعوا إلى أورشليم ليعيدوا بناء الهيكل (2:9). ولكن معظمهم
كانوا قد ولدوا في بابل ولم يروا أورشليم بالمرة. بالإضافة إلى ذلك فإن الرحلة
الخطيرة التي تبلغ حوالي 500-800 ميلا كانت ستستغرق عدة أشهر على الأقدام. أضف إلى
ذلك أنه لم يكن ينتظرهم سوى كم هائل من العمل لإعادة بناء الهيكل من الأنقاض التي
خلفها الدمار البابلي على مدى 50 سنة مضت.

وبعد
أن انتصرت مملكة فارس على بابل وأطلقت سراح الإسرائيليين، كان القليلون منهم
مستعدين أن يحققوا إرادة الله في حياتهم ويرحلوا من فارس (إمبراطورية بابل سابقا)
تاركين ما بها من فرص وضمانات مادية.

أما
جميع الذين استجابوا للدعوة فقد أصبحوا جبابرة بأس لعمل خدمة بيت الله (13:9) إذ
أن ولاءهم لملكهم السماوي جعلهم مستعدين أن يساهموا بأي طريقة في الخدمة حيثما
يوجد احتياج.

وقد
يبدو أن عمل النثينيم [خدام الهيكل] (2:9) كان عديم الشأن إلى حد ما، ولكنه في
الواقع مهم لأنه جزء من العمل الذي كان ينبغي عمله من أجل الرب. وقد أعطي لآخرين
مراكز أعلى. ولكن الشخص الذي لديه موهبة واحدة لا يتوقع منه أبدا أن يقوم بمسئولية
الشخص الذي لديه خمسة مواهب. ومن بين اللاويين، كان البعض مسئولين عن آنية الخدمة
(28:9) – الأمر الذي قد يبدو عديم الأهمية؛ وآخرون ائتمنوا على الدقيق والخمر
واللبان والأطياب (29:9-30) – وهذا ربما يتطلب مهارة أكثر؛ والبعض الأخر كانوا
قائمين على عمل المطبوخات (31:9) – أي أنهم عمال عاديون. معظم هذه الأعمال قد تبدو
أنها لا تستحق الذكر بالمرة، ولكن في نظر الرب جميع المسئوليات لها قيمتها – مهما
كانت صغيرة – فهي تستحق أن تدون في سفر أخبار الأيام.

في
خدمة الرب اليوم توجد أنواع مواهب متعددة، ولكن الروح هو الذي يحدد لكل واحد
بمفرده ما يريده منه بالضبط (1 كورنثوس 4:12،11) – وليس دائما كما نفضل نحن.
فالشخص الذي يكون أمينا ويتجاوب مع الفرص الممنوحة له، قد ينال مواهب أعظم؛ أما
الذي يدفن مواهبه فإنه سيسمع في يوم الدينونة: أيها العبد الشرير والكسلان! (متى
26:25). فبغض النظر عن كون المهام كبيرة أو صغيرة الشأن، فإنها تكليف مقدس من الله
الذي حددها كلها. فجميع المسئوليات يجب أن نقوم بها كما للرب (كولوسي 23:3)،لأنها
جميعها مهمة.

كلنا
نستطيع أن نضع على عاتقنا مسئولية الصلاة – من أجل الخدام ومن أجل خدمة الكلمة.
لقد طلب منا الرب يسوع المسيح أن نقدم صلاة محددة جدا فقال: اطلبوا من رب الحصاد
أن يرسل فعلة إلى حصاده (متى 38:9).

ومهما
كانت المكانة التي وضعنا الرب فيها في الحياة، يجب أن تكون صلاتنا الصادقة هي هذه:
يا رب اجعلني أمينا لمسئولياتي، مهما كانت متواضعة، واجعلني أقوم بها بكل قلبي
كأني أعملها للرب (كولوسي 23:3).وعندما نقف أمام الرب، ستمنح المكافآت، ليس بناء
على سمو المكانة، بل بناء على أمانة الخادم. كن أمينا إلى الموت [أي حتى إذا
اضطررت أن تموت بسبب أمانتك] فسأعطيك إكليل الحياة (رؤيا 10:2).

إعلان
عن المسيح: من خلال أورشليم، التي تعني "أساس السلام" (1 أخبار 3:9).
المسيح هو الأساس الوحيد للسلام بين الإنسان والله (2 كورنثوس 18:5؛ أفسس 14:2).

 

1 أخبار 11 – 13

كانت
قد مرت عشرون سنة تقريبا منذ أن مسح صموئيل الفتى داود ليصبح ملكا على إسرائيل.
لقد مسح داود في مرحلة مبكرة من حياته، وكان يبدو في بعض الأحيان أنه قد فقد الأمل
من تحقيق هذا الوعد بأن يصبح ملكا، بل إنه في بعض الأوقات كان يبدو الأمر مستحيلا.

فلنفكر
في بعض مشاكل داود. كيف يمكن لله أن يحقق وعد صموئيل النبي لداود بأنه سيصبح ملكا
على إسرائيل بينما كان شاول أبعد ما يكون عن الشيخوخة؟ ثم إن شاول كان يتمتع
بشعبية كبيرة. أضف إلى ذلك أنه كان مختارا من الله. وفوق هذا كله أن يوناثان كان
هو الوريث الشرعي.

ثم
كيف يمكن لداود أن يتوقع من الأفرايميين المرموقين الغيورين، نسل يوسف، أن يوافقوا
بأن يكون سبط يهوذا هو السبط الذي يأتي منه الملك الذي سيملك عليهم؟ وحتى إذا
وافقوا، فهل ستوافق العائلات المرموقة في يهوذا أن يكون الملك هو أصغر أبناء عائلة
يسى؟ فإن حتى صموئيل قد فكر في البداية أن الأخ الأكبر لداود هو الشخص المعني
واستعد لكي يمسحه ملكا.

فكيف
يمكن لداود أن يصبح ملكا؟ أي فرصة أمامه؟ كان من الواضح أن شاول لا بد أن يقتله.
ولذلك هرب داود من إسرائيل ليعيش في أرض الفلسطينيين. ثم جاء اليوم الذي فيه اجتمع
كل رجال إسرائيل إلى داود في حبرون قائلين هوذا عظمك ولحمك نحن. ومنذ أمس وما قبله
حين كان شاول ملكا كنت أنت تُخرج وتُدخل إسرائيل [أي تقود الشعب في الخروج
والدخول]، وقد قال لك إلهك أنت ترعى شعبي إسرائيل وأنت تكون رئيسا لشعبي إسرائيل
(1 أخبار 1:11-2).

إن
مشاكل داود تشبه من أوجه عديدة المشاكل التي يواجهها بعضنا اليوم. فطالما أن الرب
قد أعطاك الرغبة في عمل مشروع من أجل مجده، لا بد أن تظهر العقبات. قد تكون مشاكل
أسرية تحتاج إلى حل، أو مشاكل مالية تبدو بلا مخرج، أو مجرد إحساس شديد بالعجز.
وأيا كانت الحالة، فإن التغلب على هذه الصعوبات قد يبدو مستحيلا أشبه بتحريك جبل.
وللأسف، فإن معظمنا أمام هذه الصعوبات يقع سريعا في اليأس وينتابه الإحساس بأنه لا
جدوى من المحاولة.

هل تبحث عن  ئلة مسيحية تناول المرأة الطامث ث

لقد
عانى داود حقا من أقسى الظروف لسنوات عديدة قبل أن يتحقق له وعد الرب (1 صموئيل
1:16-2). فالرب لا يعطي أبدا وعودا بأن الطريق سيكون سهلا. إنما دعوة الرب في
الواقع إلى كل من يريد أن يتبعه هي أن ينكر نفسه [أي يغض النظر عنها وينساها ولا
ينظر إلى مصلحته الشخصية] ويحمل صليبه ويتبعني (متى 24:16). إن طريق الصليب هو
عادة طريق طويل ومنفرد وغير ممهد. ولكن ينطبق عليه المثل القديم أن سريعي الاستسلام
لا ينتصرون أبدا والمنتصرون لا يستسلمون أبدا. فالمنتصرون يجاهدون جهاد الإيمان
الحسن (1 تيموثاوس 12:6) ويلبسون سلاح الله الكامل.. ويأخذون خوذة الخلاص وسيف
الروح الذي هو كلمة الله (أفسس 11:6،17).

فلا
تنسى أبدا: إن الله لا يقبل الوجوه [أي لا يحابي أحد] (أعمال 34:10). نعم لقد أكد
لنا أن كل شيء مستطاع للمؤمن! (مرقس 23:9). والأكثر من ذلك وعد بتحريك أعلى
الجبال. فعندما نعترف بسلطان الله على حياتنا، نلتفت إليه بصبر منتظرين إرشاده.
لقد قال: لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من هنا إلى
هناك فينتقل ولا يكون شيء غير ممكن لديكم (متى 20:17).

إعلان
عن المسيح: من خلال داود، الملك الممسوح (1 أخبار 3:11). المسيح هو الشخص الممسوح
الذي سيملك، ملك الملوك ورب الأرباب (رؤيا 16:19).

 

 1 أخبار 14 – 16

توجد
ثلاثة أمور بارزة في حياة داود: أولا- كان رجل صلاة. كثيرا ما تتكرر العبارة، فسأل
داود من الله قائلا أأصعد؟ (1 أخبار 10:14،14). ثانيا- كان يحب كلمة الله، ففعل
داود كما أمره الله (16:14). ثالثا- أنه كان يحب أن يسبح الله، احمدوا الرب، ادعوا
باسمه؛ أخبروا في الشعوب بأعماله (8:16). هذه الأمور الثلاثة كانت نتيجتها أن خرج
اسم داود إلى جميع الأراضي، وجعل الرب هيبته على جميع الأمم (17:14). كان داود
رجلا بحسب قلب الله (1 صموئيل 14:13؛ 2:23،4؛ 8:30؛ 2 صموئيل 1:2؛ 19:5،23؛ 1:21؛
أعمال 22:13).

بعد
إحضار تابوت الرب من بيت عوبيد أدوم إلى أورشليم، جمع داود الشعب كله لكي يقضوا
وقتا مجيدا في تسبيح الرب. لقد اعترف علانية بسلطان الملك الأعظم وكان يمارس
امتياز – وأيضا مسئولية – عبادة الرب وتسبيحه علنا بصفته إله كل الشعوب، الذي يعول
ويحمي ويعد شعبه ليكونوا معبرين عن قداسته ومحبته.

وقد
أعطى داود أحد مزاميره الملهمة لآساف وجوقته ليرنموه، وهو مزمور يرفع أرواحنا إلى
السماء بينما نحن نسجد لجلال عظمة إلهنا: ترنموا له… تحادثوا بكل عجائبه… تفرح
قلوب الذين يلتمسون الرب… اذكروا إلى الأبد عهده الكلمة التي أوصى بها… حدثوا
في الأمم بمجده… الرب قد ملك (1 أخبار 7:16-36).

نعم
الرب قد ملك. فالتسبيح الصامت لا يكفي. لا يمجد الرب سوى التسبيح العلني المسموع
الذي ينبع من قلب شخص مكرس للرب فعلا – تحادثوا بعجائبه… تفرح قلوب الذين
يلتمسون الرب (9:16-10). نعم، الرب قد ملك (31:16) والعالم يحتاج أن يسمعنا نعلن
ذلك، سواء بأفعالنا أو بأصواتنا.

أمرُ
غريب، أليس كذلك؟، لا أحد يعتبره أمرا غير عادي أن يهتف أحدهم ويصيح ثم يرمي قبعته
في الهواء، ويلوح بيديه بكل قوته عندما يحقق فريقه هدفا في مباراة الكرة. ولكن إذا
لوّح أحد بيديه مسبحا الرب بصوت عال، متهللا لأنه قد تحرر من خطاياه ومتمتعا بفيض
بركات الرب عليه – يظن العالم أنه قد فقد عقله.

انظر
بولس وسيلا اللذين نالا تعذيبا قاسيا على يد القادة الرومان. كان جسدهما ينزفان،
وقد وضعت رجليهما في المقطرة وألقي بهما في السجن الداخلي (أعمال 24:16) في الظلام
على الأرض الباردة القذرة. أما كنا نتوقع منهما أن يتساءلا: "لماذا أنا يا
رب؟" لقد كانا يعانيان بلا شك من أشد الألم، بلا طعام ولا عزاء ولا مدح من
الجموع الذين كانا يسعيان إلى إنقاذهم من الجحيم. لكنهم في منتصف الليل كانا
يرنمان ويسبحان الله (25:16). ما الذي ظنه يا ترى باقي المسجونين في هذين الرجلين
اللذين كانا يهللان لأنهما حُسبا مستأهلين أن يهانا من أجل اسمه؟ (41:5). إنه حقا
انتصار للشيطان وإهانة للرب عندما نتذمر ونشتكي ونثور ونهيج. إن تسبيح الرب أمر
ممجد له جدا، نختبر من خلاله انتصارا ظافرا عندما نسبح الرب بصوت عال. قد يقول
البعض: "إني لا أشعر برغبة في تسبيح الرب بصوت عال". إنك لن تقدر أبدا
أن تكسر قيود الكبرياء وإرضاء الذات ما لم تفرح وتتهلل… لأن الرب عظيم
ومُفتَخَرٌ جدا (1 أخبار 25:16؛ قارن مع عبرانيين 15:13).

وأما
أنتم فجنسٌ مختار وكهنوت ملوكي أمة مقدسة شعب اقتناء لكي تُخبروا بفضائل الذي
دعاكم من الظلمة إلى نوره العجيب (1 بطرس 9:2).

إعلان
عن المسيح: من خلال شهرة داود وهيبته (1 أخبار 17:14). إن الله قد رفع المسيح،
فادينا، وأعطاه اسما فوق كل اسم (فيلبي 9:2).

 

 1 أخبار 17 – 20

عندما
تأمل داود في التناقض بين جمال وفخامة قصره وبين خيمة الاجتماع القديمة التي كان
يسكن فيها الرب، شعر بالخجل. ففكر أنه بلا شك يجب أن يكون مكان عرش الملك الحقيقي
أعظم بكثير. لذلك أراد أن يبني هيكلا يعبر عن تقديره العظيم لإلهه. فقال لناثان:
هأنذا ساكن في بيت من أرز وتابوت عهد الرب تحت شقق [أي قماش الخيام]. فقال ناثان
لداود: افعل كل ما في قلبك لأن الله معك (1 أخبار 1:17-2). ولكن الرب أعلن لناثان
قائلا: اذهب وقل لداود عبدي: هكذا قال الرب: أنت لا تبني لي بيتا للسكنى (4:17)،
على الرغم من أنه قد أتيح له أن يجمع الكثير من المواد ويضع جميع التصميمات
اللازمة لبنائه. وقد أكرم الرب رغبة داود قائلا: الرب يبني لك بيتا [أي ذرية
مباركة].. ويكون كرسيه ثابتا إلى الأبد (10:17-14).

من
يستطيع أن يدرك عظمة هذا الوعد عندما نفكر في إتمامه في يسوع المسيح، ابن الله،
ملك الملوك ورب الأرباب، الذي سيملك على كل الأرض. وبكل تواضع دخل الملك داود وجلس
أمام الرب (16:17) لكي يتفكر في المفارقة بين رغبته في أن يبني للرب هيكلا صغيرا
لسكناه وبين ما وعد به الملك الأبدي أن يبنيه له في المقابل. فالبيت الذي أراد
داود أن يبنيه للملك غير المرئي كان بيتا من حجارة وخشب وفضة وذهب، وكان عمره
الافتراضي بضعة سنوات فقط. أما الملك السماوي فقصد أن يبني لداود مملكة أعظم بكثير
تستمر إلى الأبد.

عندما
سمع داود هذا الكلام، لم يعبر عن رد فعله بفرح عظيم على الأهمية التي اكتسبها
فجأة، لكنه عبر عن إحساس عميق لعدم استحقاقه: من أنا أيها الرب الإله وماذا بيتي؟
فعندما نرى الله على حقيقته ونرى أنفسنا على حقيقتها، لا بد أن يقودنا إلى
التواضع. يا رب ليس مثلك ولا إله غيرك (16:17-20).

تعبر
إجابة داود عن الامتنان العميق تجاه ملك الكون من أجل تنازله وعطفه على عبده. وكان
روح التواضع يتخلل كل كلمة من إجابته: من أنا… حتى أوصلتني إلى هنا؟ إن الإنسان
الطبيعي، أي طبيعتنا البشرية الفاسدة، تتجاوب عادة مع أي أفكار عن إعلاء الذات –
أو إحساس بالأفضلية أنها حصلت على ما تستحق. لكن رب المجد يُسَرّ أن يبارك كل من
يعترف بإخلاص ويقول: من أنا؟

وعلى
الرغم من أن داود لم يحظ بشرف بناء الهيكل، إلا أنه أدرك أن الرب قد منحه شرفا
أعظم – أنه سيثبت بيته إلى الأبد (23:17). ونحن أيضاً، لدينا الفرصة أن نشهد بعظمة
ربنا المجيد وأن نسبحه من أجل امتياز كوننا عبيدا له.

مع
أن معظمنا لا نجد صعوبة في تسبيح الرب من أجل استجابات الصلاة ومن أجل
"الأمور الحسنة" التي تصادفنا، إلا أن القليلين يعبرون عن نفس روح
التسبيح عندما تكون ظروفهم محبطة. لكن الله يتمجد ويحق له التسبيح عندما نواجه
الإحباطات؛ لأننا بذلك نعترف أن الله في حكمته اللانهائية، يحبنا ويعتني بنا
ويسيطر على كل ظروف حياتنا.

أما
التذمر بشأن الظروف فهذا معناه الشك في عظمة قدرته الفائقة نحونا نحن المؤمنين
(أفسس 19:1).

إعلان
عن المسيح: من خلال داود الملك الراعي العظيم، الذي يرمز إلى المسيح في صورته
الإنسانية (1 أخبار 7:17؛ قارن مع متى 1:1-2 ؛رومية 3:1).

 

 1 أخبار 21 – 23

كان
سليمان في حوالي العشرين من عمره عند مسحه ملكا. وحيث أن الشباب ليس لديهم سنوات
الخبرة والملاحظة التي لدى الشيوخ، فإنهم غالبا يقللون من قدر الأشياء التي لها
أهمية عظمى. لهذا السبب نصح داود سليمان بشدة قائلا: فالآن اجعلوا قلوبكم وأنفسكم
لطلب الرب إلهكم. وقوموا وابنوا مقدس الرب الإله (1 أخبار 19:22). لقد أصبحت الآن
كل المواد والتصميمات اللازمة لبناء الهيكل في حوزة سليمان، كان ينبغي أن تكون
حافزا له ليقوم في الحال ويبني الهيكل. لكن سليمان وضع اهتماماته الشخصية أولا.
إنه لمن المحزن حقا أن نقرأ أنه لم يبدأ في بناء الهيكل إلا في السنة الرابعة من
ملكه، وبدلا من ذلك بدأ بسرعة يجمع مركبات وفرسانا (2 أخبار 14:1؛ 2:3). كان هذا
انتهاكا صريحا لوصية الله (تثنية 16:17-17؛ 1 ملوك 26:10-4:11).

كان
داود قد فعل كل ما بوسعه استعدادا للهيكل الذي سيبنيه سليمان. وقد حرض سليمان في
السر والعلن، وبكل محبة وإصرار أن يضع الله أولا. ولكن، كان مصير سليمان الفشل،
لأن المحبة والتكريس الشخصي للرب لم يتوافرا عنده. وهذا النداء موجه إلى كل مسيحي،
وهو أن أعظم الوعود المجيدة في الكتاب المقدس تصبح بلا معنى ما لم نعمل بموجبها
"الآن" لأن غدا لا يأتي أبدا.

وقد
أرشد داود سليمان، مثلما يرشد المسيح كل مؤمن شاب اليوم لكي يطلب أولا ملكوت الله
وبره – أما الأمور اللازمة للحفاظ على سلامتنا الجسدية فهي تأتي من تلقاء نفسها
(متى 33:6). إن "طلب ملكوت الله أولا" يقابل بناء الهيكل – أي الأمور
الخارجية التي ينبغي أن نحققها في خدمة الرب. ولكن النصف الآخر أكثر أهمية، برّه،
أي تنشئة الذات الداخلية لتصبح تماما مثلما يريدنا الرب أن نكون. هذه الآية تقابل
مثال داود الذي لم يكتف بإمداد سليمان بجميع المواد اللازمة لإكمال الهيكل، لأنه
هناك شيء أهم بكثير، كان يحتاجه سليمان، إذ نقرأ عن تحريض داود له من جهة حفظ
شريعة الرب إلهك. حينئذ تفلح (1 أخبار 12:22-13). نعم، إن الحجارة والخشب والذهب
والحديد والمعادن النفيسة جميعها مطلوبة بالإضافة إلى الأيدي العاملة والعقول
النشيطة والقلوب المكرسة؛ ولكن أفضل المواد وأكثر العمال مهارة يصبحون بلا فائدة
إن لم تتوافر الطاعة والحياة المخضعة للرب – الذي يمثله هذا الهيكل.

إن
الإيمان الحقيقي هو الالتزام بمشيئة الله والقيام بكل ما في وسعنا على تحقيقها.
عندئذ فقط تستقر مسحة الله على مجهوداتنا مثلما حدث مع يشوع في مطالبته بالأرض
التي أعطاها لهم الرب (يشوع 3:1). فإن يشوع لم يجلس منتظرا أن يرحل الكنعانيين عن
الأرض؛ وإنما دخل كنعان واستولى عليها.

لا
ينبغي فقط أن نطلب [نصلي]؛ ولكن يجب أن نستمر نطلب ونستمر نقرع – أي أننا نفعل
أيضا ما في وسعنا (متى 7:7-8).

هذه
هي روح يعقوب الذي قال: أرني إيمانك بدون أعمالك… الإيمان بدون أعمال ميت (يعقوب
18:2،20).

إعلان
عن المسيح: من خلال المذبح الذي بناه داود (1 أخبار 18:21). عندما نخطئ فإن أفضل
شيء نفعله هو أن نتجه إلى المسيح. فمن خلاله فقط يمكننا أن نسترد بهجة خلاصنا.

 

 1 أخبار 24 – 26

لقد
توزعت المسئوليات على الكهنة، والمرنمين، والحمالين، وحراس الأبواب، وأمناء
الصندوق، وسائر العاملين الذين كانوا على مستوى المسئولية للقيام بالأعمال اللازمة
للعبادة في الهيكل.

كان
حراس الأبواب من بني قورح ومن بني مراري. وكان ينتمي عوبيد أدوم إلى بني مراري،
وجميعهم أبطال بواسل. فقد تم تنظيم حراس الأبواب بحيث يكون 24 حارسا في الخدمة
ليلا ونهارا. وكان عليهم أن يحرسوا المداخل لئلا يحاول أي شخص أن يدخل وهو غير
مؤهل لذلك. وقد قيل عن حراس الأبواب أنهم أصحاب بأس بقوة في الخدمة (1 أخبار 8:26)
– أي رجال يتميزون بالأمانة والشجاعة لا يتخلون عن مسئولياتهم مهما كانت الأوضاع.

على
عكس ذلك، فإن ناداب وأبيهو، اللذين كانا من كهنة الرب، لم يكونا على مستوى
المسئولية وقد ماتا بسبب إهمالهما. ولكن ألعازار وإيثامار وعائلتيهما قد أثبتوا
الولاء وتحمل المسئولية. فقد كانت جميع الوظائف هامة للحفاظ على العبادة في
الهيكل. فحراس الأبواب لا يقلون أهمية عن الكهنة وأمناء الصندوق والمرنمين وغيرهم.

إن
ذكر التفاصيل عن جميع العاملين المختلفين الذين يعملون في الهيكل يعلمنا أن كل
الأعمال المطلوبة لإتمام إرساليته العظمى هي أعمال مقدسة. فكل واحد منا مسئول- ليس
أن يسعى لشغل مناصب أعظم من تلك الموكلة إليه – بل أن يكون أمينا من جهة المواهب
التي أؤتمن عليها. فإنه توجد مواهب متنوعة، ولكن الروح الواحد هو الذي يوزعها على
كل واحد كما يشاء – وليس كما نفضل نحن (1 كورنثوس 1:12-22).

وأهمية
هذا الحق يظهر مثاله في عوبيد أدوم الذي لم يكن يشغل منصبا هاما. كان مجرد حارس
لأبواب الهيكل [أي بواب] (1 أخبار 18:15). لكن الله باركه (5:26) في المدة التي
كان فيها تابوت العهد في منزله. كان داود قد خطط لإعادة تابوت العهد إلى أورشليم
وأن يجعل أورشليم أن تكون المركز الديني لإسرائيل. ولكن، بعد موت عزة بسبب لمسه
لتابوت العهد، أخذ التابوت إلى بيت عوبيد أدوم حيث مكث هناك ثلاثة أشهر (2 صموئيل
1:6-11؛ 1 أخبار 7:13-14). وعندما استضاف عوبيد أدوم تابوت العهد فإنه لم يستضف
فقط كلمة الله وإنما استضاف ذات محضر الله (خروج 22:25؛ 1 صموئيل 4:4؛ 2 صموئيل
2:6).

وكما
أن تابوت العهد جلب بركة الله على بيت عوبيد أدوم، كذلك الله أيضاً، يبارك كل من
يفسح المجال للمسيح ابن الله ولكلمته أن يسودا على حياته (يوحنا 12:1). هذه هي
دعوة الله لكل واحد منا. فمن بداية مسيرتنا معه، يؤتمن كل واحد منا على أمور
ومهام. لكن البعض ينكر حقوق السيد وملكيته، فيستخدم المواهب والوقت بل وأيضا
العشور لتحقيق مزيد من المتع الشخصية، هذا بالإضافة إلى إنهم يحتفظون بالجزء
الأكبر من ثروة الله لأنفسهم – رافضين أن يعترفوا أنها تخص الله.

يدرك
أولاد الله أن كل يوم هو فرصة لتمجيد الرب. بينما يعتبر أولاد العالم، أن كل يوم
هو فرصة لتحقيق مزيد من المكاسب لإرضاء أنفسهم. إن الودائع التي أودعها الله لدينا
يمكن أن تؤدى إلى زيادة البركة ويمكن أيضاً أن تصبح لعنة، مثل الشخص الذي استبدل
امتيازاته الروحية ببضعة لحظات من المتع الجسدية (تكوين 34:25).

ويحذرنا
الكتاب نحن أيضا قائلا: ملاحظين لئلا يخيب أحد من نعمة الله، لئلا يطلع أصل مرارة
ويصنع انزعاجا فيتنجس به كثيرون. لئلا يكون أحد زانيا أو مستبيحا كعيسو الذي لأجل
أكلة واحدة باع بكوريته (عبرانيين 15:12-16).

إعلان
عن المسيح: من خلال كنوز الهيكل (1 أخبار 20:26-28). لأنه مذّخر في المسيح جميع
كنوز الحكمة والعلم والغنى الذي يسدد جميع احتياجات المؤمن (فيلبي 19:4).

 

 1 أخبار 27 – 29

كان
داود قد تقدم في السن وعرف أن ملكه أوشك على الانتهاء. وكلما اقترب أكثر من العالم
الأبدي، كلما تكلم أكثر بلغة التسبيح المميزة لذلك العالم. وتعتبر آخر رسالة وجهها
لمملكته بمثابة أعظم تدفق تعبدي مسجل في العهد القديم، إذ كان يعبد الرب ويعلن عن
عظمته التي ليس لها مثيل.

وفي
السنة الأخيرة من ملكه، جمع داود جميع رؤساء الأسباط وقادة الجماعات. ثم وقف وأخبر
جميع الشعب – كما سبق وفعل في السر مع سليمان – كيف أن الله قد اختار سليمان ليبني
هيكله. ثم أخبر سليمان مرة أخرى عن اهتمامه الأول: احفظوا واطلبوا جميع وصايا الرب
إلهكم… وأنت يا سليمان ابني اعرف إله أبيك واعبده بقلب كامل ونفس راغبة، لأن
الرب يفحص جميع القلوب ويفهم كل تصورات الأفكار… إذا تركته يرفضك إلى الأبد (1
أخبار 8:28-9).

بعد
ذلك، رفع صلاة من أكثر الصلوات إلهاماً في الكتاب المقدس – صلاة شكر وحمد. وبارك
داود الرب أمام كل الجماعة وقال داود مبارك أنت أيها الرب… لك يا رب العظمة
والجبروت والجلال والبهاء والمجد (10:29-19). لقد كانت هذه الصلاة هي العلامة
المميزة لذلك اليوم واعترافا مجيدا ببركات الرب على شعبه وعلى سليمان. فبارك كل الجماعة
الرب إله آبائهم وخروا وسجدوا للرب وللملك (20:29).

هذا
هو النموذج لجميع الصلوات – فعندما نقترب من الرب في الصلاة (مزمور 28:73؛
عبرانيين 22:10؛ يعقوب 8:4) هذا لا يعني أن نطلب منه أن يغفر لنا خطايانا ثم نبدأ
في سرد الأشياء التي نريدها منه. كلا، فالصلاة هي وقت نقضيه في حمده وتسبيحه من
أجل عظمته وقداسته – تماما مثلما فعل يسوع الذي علمنا أن نصلي قائلين: أبانا الذي
في السموات ليتقدس اسمك [أي ليظل مقدسا] (متى 9:6). لقد أعطانا الرب مثالا عن
كيفية السجود والتعبد له بتقديم الشكر من أجل صفات الله في حد ذاته ومن أجل
الأشياء التي أعطاها لنا والأِشياء التي وعدنا بها.

فالعبادة
قد تكون مجرد إجراء طقسي من الترنيم أو الصلاة أو الوعظ. لكن العبادة الحقيقية هي
شيء يختبره العابد في قلبه. ففي كل يوم، وفي وسط أي ظرف، يجب أن نقدم الحمد للرب.
أما التذمر بشأن ظروفنا، هذا يعني أننا غير راضين عن ترتيباته لحياتنا. إنه يدل
حقا على الشك في حكمة الله وحبه لنا. اشكروا في كل شيء (1 تسالونيكي 18:5).

إن
اتجاه القلب الذي يظهر في شكل سجود، أو انحناء، أو رفع للأيدي، هذه كلها تعبيرات
جميلة عن العبادة الحقيقية. لقد قال داود، الذي كان رجلا بحسب قلب الله: هكذا
أباركك في حياتي، باسمك أرفع يدي (مزمور 4:63). وكتب الرسول بولس منقادا بالروح
القدس: فأريد أن يصلي الرجال في كل مكان رافعين أيادي طاهرة (1 تيموثاوس 8:2).

إعلان
عن المسيح: من خلال الذهب الذي قدمه داود (1 أخبار 3:29-4). فالذهب يشير إلى دفء
المسيح وقيمته العظيمة.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي