الإصحَاحُ
الثَّانِي عَشَرَ

 

الملاك روفائيل
يكشف عن هويته

 

ولَمَّا تَمَّ العُرْس، دَعا طوبيتُ طوبِيَّا آبنَه وقالَ لَه: «إِهتَمَّ،
يا بُنَيَّ، بِدَفعِ الأُجرَةِ لِلرَّجُلِ الَّذي رافَقَكَ وبِالإضافةِ علَيها».2
قالَ لَه: «يا أَبتِ، أَيَّ أُجرَةٍ أَدفَعُ لَه؟ لن أَكونَ خَاسِراً حتَّى لو
دَفَعتُ لَه نِصْفَ الأَموالِ الَّتي عادَ بِها معي.3 إِنَّه رَجَعَ بي سالِماً
وأَبْرأَ آمرأَتي وعادَ بِالمالِ معي وشَفاكَ. فأَيَّ أُجرَةٍ أَدفَعُ له لِهذا
أيضاً؟».4 قالَ لَه طوبيت: «مِنَ العَدْلِ، يا بُنَيَّ، أَن يأخُذَ نِصْفَ كُلِّ
ما عادَ بِه».5 فدَعاه طوبِيَّا وقالَ لَه: «خُذْ نِصْفَ ما عُدْتَ بِه أُجرَةً
لَكَ وآمضِ سالِماً.

 

إمتد
عرس طوبيا وسارة أسبوعاً آخراً (بحسب الترجمة اللاتينية) حيث أراد طوبيا أن يشترك
أهل نينوى فى العرس الذى تم فى راجيس بعيداً عنهم، وقد كان القانون اليهودى يمنح
اليهودى المتزوج حديثاً، أن يعفى من أية إلتزامات وطنية أو قومية لمدة سنة كاملة (إذَا اتَّخَذَ رَجُلٌ امْرَأَةًجَدِيدَةًفَلا يَخْرُجْ فِي
الجُنْدِ وَلا يُحْمَل عَليْهِ أَمْرٌ مَا. حُرّاًيَكُونُ فِي بَيْتِهِ
سَنَةًوَاحِدَةًوَيَسُرُّ امْرَأَتَهُ التِي أَخَذَهَا
. تث 24 : 5).

 

الرفيق يكشف عن هويته :

و فى
غمرة تلك الأفراح التى سبح فيها كل من طوبيا وأهله وأصدقائه، لم ينسى هو أو إبنه،
ذلك الرجل القديس الذى ساهم فيما نالهم من تعزية وبهجة، فقد قام روفائيل بدور
الحارس الشخصى للإبن طوال الرحلة، ثم قام بالتوسط فى زواجه من سارة، وهو الذى قام
به الرسل والأنبياء والرعاة للإشارة إلى إتحاد المسيح بالكنيسة وإلى أن رأس
الكنيسة هو المسيح، وهو بذلك يقوم بدور الكارز، كما قام الملاك بدور جندى الرب،
حيث قبض على الشيطان وقيدّه وساعد طوبيا فى إصطياد السمكة وإسترد له الوديعة من
غابليوس وكطبيب شفى عينى طوبيا الشيخ.

 

و عن
الملاك روفائيل يقول القديس يوحنا ذهبى الفم (فى ميمر عنه) :

] هو ملاك وهو وكيل العريس لأنه إتفق مع
طوبيا وأقام العرس، إنه لا جسد له لأنه لم يذق شيئاً طوال الأيام التى صار فيها
معه، إنه شفيع فقد توسل إلى السيد الرب صاحب كنوز الرأفة لأجل طوبيت وطوبيا إبنه
ولأجل سارة، هو نشيط لأنه عندما كان طوبيا فى العرس أخذ جملاً إلى راجيس وأحضر
الفضة، هو طبيب لأنه أبرأ عينى طوبيا الرجل الرحوم ثم أوصى إبن طوبيا أن يعمل
الرحمة من ماله لأن الصدقة تنقذ الإنسان من الموت، هو قائد لأنه قيدّ أزموداوس
(الشيطان) هو متطوّع لأنه لم يأخذ أجراً إتفقوا عليه معه، إنه خادم نشيط لأنه قام
بكل ما إحتاجوا إليه، أنه خدوم لأنه وقف معه وخدم كعبد أمين فيالعظم رأفة الله
ويالطاعة رئيس الملائكة الواقف فى حضرة رب الجنود، وقد وقف أما إنسان يخدمه
[.

 

و
تعكس رغبة طوبيا فى إكرام الملاك هنا، وفاء الكنيسة تجاه قديسيها وخدامها، فتحتفل
بهم فى ذكراهم وتكرّم أجسادهم وأيقوناتهم وتطلب شفاعتهم المستمرة أمام عرش النعمة
(اُذْكُرُوا مُرْشِدِيكُمُ الَّذِينَ كَلَّمُوكُمْ
بِكَلِمَةِ اللهِ.
عب 13 : 7).

لقد
كان الرفيق بحسب الإتفاق المبدئى يستحق مبلغ خمسة وثلاثين درهماً فقط !!!. وأما
رغبتهم فى إعطائه نصف ما عاد به طوبيا تعكس شعورهم بالإمتنان تجاهه وتؤكد تقديرهم
للدور الكبير الذى قام به
] الانَّكَ اخِي تَخْدِمُنِي مَجَّانا؟ اخْبِرْنِي
مَا اجْرَتُكَ
(تك 29 : 15)
[ لقد تضاءل أمامهم المال والمقتنيات مقابل الفرح والسرور الذى تحقق
لهم.

 

6 حينئذٍ آنفَرَدَ بِهِمَا رافائيلُ فقالَ لَهما: «بارِكا اللهَ
وسَبِّحاه أَمامَ جَميعِ الأَحياءَ لِكُلِّ ما أَحسَنَ بِه اليكُما. بارِكا
وعَظِّما آسمَه. أَخبِرا جَميعَ النَّاسِ بِأَعْمالِ اللهِ بما يَجِبُ مِنَ
الإِكْرام، ولا تَتَوانَيا في تَسْبيحِه.7 خَيرٌ أَن يُكتَمَ سِرُّ المَلِك،
أَمَّا أعْمالُ الله فلا بُدَّ مِن كَشْفِها والآعتِرافِ اِللَّائِقِ بِها.
إِصْنَعا الخَير، لا يُصِبْكُما سُوء.8 الصَّلاةُ مع الصَّومِ والصَّدَقةُ مع
البِرِّ خَيرٌ مِنَ الغِنى مع الإِثْم، التَّصَدُّقُ خَيرٌ مِنِ آذِّخارِ
الذَّهَب.9 الصَّدَقةُ تُنَجِّي مِنَ المَوت وهي تُطَهِّرُ مِن كُلِّ خَطيئة.
الَّذينَ يَتَصَدَّقونَ يَشبَعونَ مِنَ الحَياة. 10 أَمَّا الَّذينَ يرتَكِبونَ
الخطيئةَ والإِثْم فهُم أَعْداءُ أَنْفُسِهِم.

 

هنا
أخذهما الملاك منفرداً، ليعلن لهما الأسرار، فقد يستوعبان هنا هذه الأسرار بينما
لا يقدر الآخرين على إدراكها، وربما كان فى ذلك تفسير لما قاله لهما بعد ذلك من
أنه خير أن يكتم سر الملك !.

 

خَيرٌ أَن يُكتَمَ سِرُّ المَلِك، أَمَّا أعْمالُ
الله فلا بُدَّ مِن كَشْفِها والآعتِرافِ اِللَّائِقِ بِها:

رأى
كثير من القديسين الأول، أن المقصود بالشق الأول من هذه الاية، هو نفس مضمون الآية

] لاَ تُعْطُوا
الْمُقَدَّسَ لِلْكِلاَبِ
(مت 7 : 6)
[ فقد إقتبس آباء مجمع نيقية آية سفر طوبيا هذه فى ردهم على
أريانوس، بخصوص عدم إعطاء القدس للكلاب، موضحين إختيار ما يلائم عند الحديث مع
الأشخاص الذين يسمعون
1.

كذلك
فقد إعتمد القديس أثناسيوس الرسولى عليها، فى دفاعه ضد الآريوسيين، عندما إتهموه
بكسر كأس التناول التى كان يستخدمها القس مكاريوس الآريوسى، إذ تعجب القديس من كون
القس يكشف الكأس أمام الناس، وهى التى تحمل السر المقدس، فقال إنه لم يرها وإذا
أتيح لإنسان أن يراها فهذا أهمال من القس المذكور.
2

هل تبحث عن  الكتاب المقدس كينج جيمس إنجليزى KJV عهد قديم سفر القضاة Judges 04

و قد
أوردها أيضاً يوسابيوس القيصرى عند حديثه عن إضطهاد فالريان.
3

 

و قد تعنى الأية أيضاً :

أن سر
الملك هو العلاقة الشخصية السرية بين المؤمن ومسيحه (ملكه) والتى لا يليق بنا
كشفها أمام الآخرين
] أُخْتِي الْعَرُوسُ جَنَّةٌ مُغْلَقَةٌ عَيْنٌ
مُقْفَلَةٌ يَنْبُوعٌ مَخْتُومٌ.
(نش 4 : 12)
[ ولكن الله هو الذى يتولى الكشف عنها، وأما أعمال الله التى تعلن
فهى السلوك والأعمال التى يراها الناس فيمجدوا أباهم الذى فى السموات، وبذلك تكون
علاقتنا لعلاقتنا بالله شقان، جذور وثمار،
فالجذور هى التفاعل مع محبة الله (سر الملك) وأما الثمار فهى أعمال الله معنا
وفينا والتى يجدر بنا التحدث عنها بالكلمة والسلوك.

و قد
تعنى أيضاً أن هناك بعض الأمور مما يعجز الآخرون عن فهمها وإدراكها والتى يجب أن
تكتم عنهم، لئلا يجدف على الأسم القدوس، أو عدم التحدث فى أمور لاهوتية عالية أمام
غير الروحيين وإنما يناسبهم أعمال المحبة والبذل، نقدمها لهم.

 

الصلاة والصوم والصدقةً :

و هى
أركان العبادة الثلاثة، وهى ترتبط ببعضها البعض إرتباطاً وثيقاً، فالصوم يحلنا من
رباط الجسد والمادة، ويمهد للإتحاد مع الله على مذبح الصلاة وأمّا الصدقة فتجعل
لنا دالة أمام الله.

قال
أحد القديسين :

 (إذا
أردت أن تصعد صلاتك إلى السماء فإقرنها بجناحى الصوم والصدقة)

 

الصَّدَقةُ تُنَجِّي مِنَ المَوت : لاشك أن الذى يرحم الفقير، يستدّر مراحم
الله له
] طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ
لأَنَّهُمْ يُرْحَمُونَ.
(مت 5 : 7)
[. فإذا قارننا النوعين من الرحمة، سنجد أننا سنرحم الفقير بمال
قليل فى حين يرحمنا الله من خطايانا، ولاشك أن الشخص المتصدق والمحب للصدقة، هو
إنسان شاخص بإستمرار إلى فوق حيث يوجد مقره السمائى، هناك كنوز الرحمة والمجد،
فتصلى الكنيسة فى أوشية القرابين قائلة بتوسل عن مقدمى القرابين
] إعطهم الباقيات عوض الفانيات، السمائيات عوض الأرضيات، الأبديات
عوض الزمنيات، وكما ذكروا إسمك القدوس على الأرض (تصدقوا لإجل إسمك) أذكرهم هم
أيضاً فى ملكوتك
[.

 

و يرى
القديس الأنبا زوسيما نقلاً عن الأب تادرس، أنه كان فى مدينة الأسكندرية فى أيام
الأسقف يوحنا النيقاوى، فتاة وثنية ثرية، حدث أنها بينما كانت فى نزهة رأت شاباً
يريد الإنتحار بسبب ثقل ديونه، فوعدته بسداد ديونه حتى لو تكلفت فى ذلك كل ثروتها،
وقد حدث ذلك بافعل، فإفتقرت ثم باعت نفسها للخطية، وعند موتها توسلت إلى جيرانها
أن يبلغوا البابا برغبتها فى العماد، ولكنهم رفضوا لكونها خاطئة، فحزنت ولكن ملاك
الرب وقف بها فى صورة ذلك الشاب الذى أنقذته من الموت، وعرفها أنه هو نفسه، فطلبت
منه أن يعينها فى قبول العماد، فأحضر ملاكين آخرين، وإتخذوا ثلاثتهم شبه ثلاثة
أراخنة المدينة وحملوها إلى البابا الذى عمدها بناءاً على تزكيتهم لها، ولمّا، عرف
أمر عمادها من ملابسها البيضاء ووصل الخبر إلى أولئك الأراخنة، وذهلوا لعدم علمهم
بهذا الأمر، فرجعوا إلى الفتاة حيث عرفوا منها حقيقة الأمر، فمجدّ البابا
البطريرك، الرب قائلاً عادل أنت يا رب وأحكامك عظيمة جداً جداً
4 وتظهر من الرواية
أهمية عمل الرحمة فى خلاص النفس والنجاة من الخطر.

 

و فى
تعليقه على هذه الية يقول القديس الذهبى الفم أن الصدقة أنقذت إمرأة صرفة صيدا
وإبنها من الموت وكذلك طابيثا
] 1 مل
17، وَكَانَ فِي يَافَا تِلْمِيذَةٌ اسْمُهَا
طَابِيثَا الَّذِي تَرْجَمَتُهُ غَزَالَةُ. هَذِهِ كَانَتْ مُمْتَلِئَةً
أَعْمَالاً صَالِحَةً وَإِحْسَانَاتٍ كَانَتْ تَعْمَلُهَا. وَحَدَثَ فِي تِلْكَ
الأَيَّامِ أَنَّهَا مَرِضَتْ وَمَاتَتْ فَغَسَّلُوهَا وَوَضَعُوهَا فِي
عِلِّيَّةٍ. وَإِذْ كَانَتْ لُدَّةُ قَرِيبَةً مِنْ يَافَا وَسَمِعَ التَّلاَمِيذُ
أَنَّ بُطْرُسَ فِيهَا أَرْسَلُوا رَجُلَيْنِ يَطْلُبَانِ إِلَيْهِ أَنْ لاَ
يَتَوَانَى عَنْ أَنْ يَجْتَازَ إِلَيْهِمْ. فَقَامَ بُطْرُسُ وَجَاءَ مَعَهُمَا.
فَلَمَّا وَصَلَ صَعِدُوا بِهِ إِلَى الْعِلِّيَّةِ فَوَقَفَتْ لَدَيْهِ جَمِيعُ
الأَرَامِلِ يَبْكِينَ وَيُرِينَ أَقْمِصَةً وَثِيَاباً مِمَّا كَانَتْ تَعْمَلُ
غَزَالَةُ وَهِيَ مَعَهُنَّ. فَأَخْرَجَ بُطْرُسُ الْجَمِيعَ خَارِجاً وَجَثَا
عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَصَلَّى ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الْجَسَدِ وَقَالَ: «يَا
طَابِيثَا قُومِي!» فَفَتَحَتْ عَيْنَيْهَا. وَلَمَّا أَبْصَرَتْ بُطْرُسَ
جَلَسَتْ فَنَاوَلَهَا يَدَهُ وَأَقَامَهَا. ثُمَّ نَادَى الْقِدِّيسِينَ
وَالأَرَامِلَ وَأَحْضَرَهَا حَيَّةً. فَصَارَ ذَلِكَ مَعْلُوماً فِي يَافَا كُلِّهَا
فَآمَنَ كَثِيرُونَ بِالرَّبِّ.
أع 9 : 36 – 42
[. 5

 

و تمحو الخطايا :

و
الصدقة المقصودة هنا، هى تلك التى تبذل عن حب وأفضل منها، تلك التى تقدم مع
التوبة، ومن هنا فقد ركزت الكنيسة فى تعاليمها عن الصدقة، أن تلازم فترات الصوم
والتى فيها يعيش المؤمن حياة التوبة، وقد إستند القديس أمبرويسيوس على هذه الأية
فى حديثه عن التوبة وقبول الله لها قائلاً :

] موسى إستلم الوصايا عندما كان صائماً،
وكذلك بطرس تعلّم نعمة العهد الجديد من خلال الصوم، وكذلك دانيال أنقذه صومه من
أفواه الأسود ورأى الأحداث المستقبلية، والنجاة لنا أيضاً إذا إغتسلنا من خطايانا
بالصوم لأنه مكتوب أن الصوم والصدقة تغسل الخطايا (الصَّدَقةُ
تُنَجِّي مِنَ المَوت وهي تُطَهِّرُ مِن كُلِّ خَطيئة.

الَّذينَ يَتَصَدَّقونَ يَشبَعونَ مِنَ الحَياة طو 12 : 9) [. 6

هل تبحث عن  الكتاب المقدس تشكيل فاندايك وسميث عهد قديم سفر حكمة سليمان 17

 

و قد
وردت قصة أخرى فى بستان الرهبان،
7 عن
رجل سورى، وجد ذات مرة وهو فى طريقه رجلاً ميتاً، فخلع ثوبه وغطاه به، وبعد أيام
وبينما كان فى طريقه، وقع عن دابته وإنكسرت رجله وفشل العلاج فيها، وأقر الأطباء
أخيراً قطعها، فبكى فى تلك الليلة كثيراً، وفى نصف الليل دخل عليه شخص من الكوة
وسأله عن سبب حزنه، ثم مسح له بيده على رجله وأمره أن يمشى، فقام مستنداً عليه
ومشى سليماً، ثم أردف ذلك الضيف قائلاً (إن الرب قال فى إنجيله طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ لأَنَّهُمْ يُرْحَمُونَ فلمّا
أراد الإنصراف، إستحلفه قائلاً : من أجل خاطر الذى أرسلك أمّا تعرفنى من أنت ؟
فأشار بيده إلى الثوب الذى عليه قائلاً أتعرفه هذا، فقال نعم كان لى، فقال له :
أنا ذلك الميت الذى كان ملقى على الطريق، أرسلنى الله لشفائك فإشكره وإعمل الرحمة فتخلصك من الآفات وتغفر الخطايا، ثم
إنصرف عنه (راجع تعليقنا على الصدقة فى الإصحاح الرابع).

 

الخصومة مع التنفس :

الذين
يعملون الخطية يدخلون فى خصومة مع النفس ويحزنون روح الله الساكن فيهم ويعطلون
مسيرة خلاصهم، ولعّل فى هذه الأية تعليم عن أن الخطية تهين الإنسان وحده وتسىء
إليه، فإن الذين يخطئون بإرادتهم وعن معرفة، يتسببون فى هلاك نفوسهم، وهم فى ذلك
يخطئون بكامل حريتهم وإرادتهم، يقول القديس مار إسحق إصطلح
أنت مع نفسك فتصطلح معك السماء والأرض
.

 

11 سأُخبِرُكُما بِالحَقيقةِ كُلِّها ولَن اخفِيَ علَيكا أَيَّ شيءٍ
كان. سَبَقَ أَن أَعلَنتُ فقلتُ لَكُما: «خَيرٌ أَن يُكتَمَ سِرُّ المَلِك، أَمَّا
أَعْمالُ الله فلا بُدَّ مِنَ الِآعتِرافِ بِها بما يَجِبُ مِنَ التَّمْجيد. 12
فحينَ كُنتَ تُصَلِّي أَنتَ وسارة، كُنتُ أَنا أَرفعُ ذِكْرَ صَلاتِكُما إِلى
حَضرَةِ مَجْدِ الرَّبّ، وكذلك حينَ كُنتَ تَدفِنُ المَوتى. 13 وحينَما لم
تَتَوانَ في القِيامِ وتَرْكِ المائِدةِ والذَّهابِ لِدَفْنِ المَيْت، أُرسِلْتُ
حينَئِذٍ اليكَ لِأَمتَحِنَكَ. 14 وفي الوَقْتِ نَفْسِه أَرسَلَني اللهُ
لِأَشفِيَكَ وأُبرِئَ سارةَ كنَّتَكَ. 15 أَنا رافائيل، أَحَدُ المَلائِكةِ
السَّبعةِ الواقِفينَ والدَّاخِلينَ في حَضرَةِ مَجْدِ الرَب.

 

فى
إعلان الملاك عن حقيقته لكل من طوبيا الشيخ وطوبيا الإبن، تعزية لهما ولكل من يعمل
الصلاح، فإن الله لم ينس لطوبيا، حتى تركه المائدة وذهابه ليهتم بجثة اليهودى
ملقاه على الطريق، وأن كل تعب الإنسان وجهاده لهو مصرور فى زق عنده (اجْعَلْ أَنْتَ دُمُوعِي فِي زِقِّكَ. مز 56 :
8) وقد لا يقابل بر الإنسان وإحسانه بالشكر من الناس، ولكن الله الذى يرى فى
الخفاء هو يجازى علانية (لِكَيْ تَكُونَ
صَدَقَتُكَ
فِي الْخَفَاءِ.
فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ هُوَ
يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً.
مت 6 : 4). وأنه كل من كان مقبولاً عند الله
لكى يزاد ماله، لأن الذى له يعطى له فيزداد ](لأَنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ يُعْطَى
فَيَزْدَادُ وَمَنْ لَيْسَ لَهُ فَالَّذِي عِنْدَهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ. مت 25 : 29)،
كما يسمح لهم الله بالضيقات لئلا ينتفخوا بقلوبهم، ومع ذلك فهو يعطى مع التجربة
المنفذ (لَمْ تُصِبْكُمْ تَجْرِبَةٌ إِلاَّ
بَشَرِيَّةٌ. وَلَكِنَّ اللهَ أَمِينٌ الَّذِي لاَ يَدَعُكُمْ تُجَرَّبُونَ فَوْقَ
مَا تَسْتَطِيعُونَ بَلْ سَيَجْعَلُ مَعَ التَّجْرِبَةِ أَيْضاً الْمَنْفَذَ
لِتَسْتَطِيعُوا أَنْ تَحْتَمِلُوا
.1 كو 10 : 13).

و أن
للملائكة دوراً كبيراً فى خدمة البشر، حيث يرسلهم الله لخدمة العتيدين أن يرثوا
الخلاص، وهم يرفعون صلوات ودموع المجاهدين إلى حضرة مجد الرب (لَمَّا شَخَصَ إِلَيْهِ وَدَخَلَهُ الْخَوْفُ قَالَ:
«مَاذَا يَا سَيِّدُ؟» فَقَالَ لَهُ: «صَلَوَاتُكَ وَصَدَقَاتُكَ صَعِدَتْ
تَذْكَاراً أَمَامَ اللهِ.
أع 10 : 4).

 

و فى
هذه الفقرة إشارة إلى الملائكة السبعة بإعتبار روفائيل أحدهم، وقد وصفه كثير من
القديسين الأول برئيس الملائكة، مثل القديس أمبروسيوس فى حديثه عن الإيمان المسيحى
8 وكذلك القديس
يوحنا ذهبى الفم فى ميمره عن الملاك روفائيل
9 وأمّا رؤساء الملائكة الستة الآُخر فهم :

ميخائيل
(قوة الله) وهو المتقدم على جميع الملائكة (وَرَئِيسُ
مَمْلَكَةِ فَارِسَ وَقَفَ مُقَابِلِي وَاحِداًوَعِشْرِينَ يَوْماًوَهُوَذَا
مِيخَائِيلُ وَاحِدٌ مِنَ الرُّؤَسَاءِ الأَوَّلِينَ جَاءَ لِإِعَانَتِي وَأَنَا
أُبْقِيتُ هُنَاكَ عِنْدَ مُلُوكِ فَارِسَ. وَلَكِنِّي أُخْبِرُكَ بِالْمَرْسُومِ
فِي كِتَابِ الْحَقِّ. وَلاَ أَحَدٌ يَتَمَسَّكُ مَعِي عَلَى هَؤُلاَءِ إِلاَّ
مِيخَائِيلُ رَئِيسُكُمْ
دا 10 : 13، 21، وَفِي
ذَلِكَ الْوَقْتِ يَقُومُ مِيخَائِيلُ الرَّئِيسُ الْعَظِيمُ الْقَائِمُ لِبَنِي
شَعْبِكَ وَيَكُونُ زَمَانُ ضِيقٍ لَمْ يَكُنْ مُنْذُ كَانَتْ أُمَّةٌ إِلَى
ذَلِكَ الْوَقْتِ. وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يُنَجَّى شَعْبُكَ كُلُّ مَنْ يُوجَدُ
مَكْتُوباًفِي السِّفْرِ
. 12 : 1)

غبريال
(بطل الله)

سوريال
(الله صخرة)

سداكيئيل
(عدل الله).

سراسيئيل
(الله غلب).

آنانيئيل
(حنان الله).
10

 

فآرتاعَ الِآثْنانِ وسَقَطا على وَجهَيهِمَا مُرتَعِدَين. 17 فقال
لَهُما: «لا تَخافا، علَيكا السَّلام. بارِكا اللهَ لِلأَبَد. 18 لَمَّا كُنتُ
معكما، لم أَكُنْ بِفَضْلي أَنا، بل بمَشيئَةِ الله. فبارِكاه هو طَوالَ
الأَيَّامِ وسَبِّحاه. 19 كُنتُما تَرَونَني آكُل، ولم يَكُنْ ذلك إِلاَّ رُؤيةً
تَرَيانَّها. 20 والآنَ فبارِكا الرَّبَّ على الأَرضِ وآحمَدا الله. ها إِنِّي
صاعِدٌ إِلى الَّذي أَرسَلَني. فدَوِّنا جَميعَ ما جَرى لَكُما». ثُمَّ صَعِدَ، 21
وأَمَّا هُمَا فنَهَضا ولم يَعُدْ بِإِمكانِهِما أَن يَرَياه. فكانا يُبارِكانِ
اللهَ ويُسَبِّحاَنَّه ويَحمَدانِه على جَميعِ تلكَ الأُمورِ العَظيمةِ الَّتي
عَمِلَها، فقَد تَراءَى لَهُما مَلاكٌ من مَلائِكَةِ الله.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس كتاب الحياة عهد قديم سفر المزامير 82

 

حتى
ذلك الوقت لم يكن كل من طوبيا وإبنه يتوقعان أن يكون رفيق الرحلة هو ملاك بالفعل،
فلم يبدُ عليه خلال تلك المدة الت ى قضاها معهم ما يشكك فى كونه إنساناً عادياً
يتحلى بالفضل والتقوى، لقد كان لهما إعتقاد راسخ فى شأنهم فى ذلك شأن جميع اليهود،
بأن ملاك السلامة سوف يرافق كل مسافر وكل طفل.

و قد
أفادت تعاليم الرابيين اليهود بأنه لكل إقليم ملاك يحرسه، ولكل قرية كذلك بل ولكل
عائلة وكل فرد ملاك خاص به، سواء أكان رجلاً أو إمرأة أو طفل، وبالإضافة إلى ذلك
فقد إعتبر اليهود أن أكبر شخصيتين إعتباريتين لديهم هما الملاك والنبى.

 

غير
أن طوبيا وإبنه لم يكونا بالطبع يتوقعان أن يظهر الملاك الحارس على هذه الهيئة،
ولذلك لم يحتملا هذا الإعلان، وقديماً حدث نفس الأمر مع يشوع إذ إرتعد عندما أعلن
له رئيس الملائكة ميخائيل عن نفسه (فَقَالَ:
«كَلاَّ، بَلْ أَنَا رَئِيسُ جُنْدِ الرَّبِّ. الآنَ أَتَيْتُ». فَسَقَطَ يَشُوعُ
عَلَى وَجْهِهِ إِلَى الأَرْضِ وَسَجَدَ، وَقَالَ لَهُ: «بِمَاذَا يُكَلِّمُ سَيِّدِي
عَبْدَهُ؟»
يش 5 : 14) وكذلك منوح وزوجته، حيث يرد فى سفر القضاة
]فَقَالَ
مَنُوحُ لِمَلاَكِ الرَّبِّ: «دَعْنَا نُعَّوِقْكَ وَنَعْمَلْ لَكَ جَدْيَ
مِعْزىً». فَقَالَ مَلاَكُ الرَّبِّ لِمَنُوحَ: «وَلَوْ عَّوَقْتَنِي لاَ آكُلُ
مِنْ خُبْزِكَ، وَإِنْ عَمِلْتَ مُحْرَقَةً فَلِلرَّبِّ أَصْعِدْهَا». (لأَنَّ
مَنُوحَ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مَلاَكُ الرَّبِّ). فَقَالَ مَنُوحُ لِمَلاَكِ
الرَّبِّ: «مَا اسْمُكَ حَتَّى إِذَا جَاءَ كَلاَمُكَ نُكْرِمُكَ؟» فَقَالَ لَهُ
مَلاَكُ الرَّبِّ: «لِمَاذَا تَسْأَلُ عَنِ اسْمِي وَهُوَ عَجِيبٌ؟» فَأَخَذَ
مَنُوحُ جَدْيَ الْمِعْزَى وَالتَّقْدِمَةَ وَأَصْعَدَهُمَا عَلَى الصَّخْرَةِ
لِلرَّبِّ. فَعَمِلَ عَمَلاً عَجِيباً وَمَنُوحُ وَامْرَأَتُهُ يَنْظُرَانِ.
فَكَانَ عِنْدَ صُعُودِ اللَّهِيبِ عَنِ الْمَذْبَحِ نَحْوَ السَّمَاءِ أَنَّ
مَلاَكَ الرَّبِّ صَعِدَ فِي لَهِيبِ الْمَذْبَحِ وَمَنُوحُ وَامْرَأَتُهُ
يَنْظُرَانِ. فَسَقَطَا عَلَى وَجْهَيْهِمَا إِلَى الأَرْضِ. وَلَمْ يَعُدْ
مَلاَكُ الرَّبِّ يَتَرَاءَى لِمَنُوحَ وَامْرَأَتِهِ. حِينَئِذٍ عَرَفَ مَنُوحُ
أَنَّهُ مَلاَكُ الرَّبِّ. فَقَالَ مَنُوحُ لاِمْرَأَتِهِ: «نَمُوتُ مَوْتاً
لأَنَّنَا قَدْ رَأَيْنَا اللَّهَ!»
(قض 13 : 15 – 22) [.

 

و هو
نفس الأمر الذى تكرر مع طوبيا الشيخ وابنه، وقد أوضح لهما الملاك إنه إنما كان فى
مهمة مكلف بها من قبل الله، ومنذ ذلك الحين، والملاك روفائيل له شعبية كبيرة،
ودُعى بحق مفرح القلوب.

و قد
لفت الملاك إنتباههما إلى تمجيد الله وتسبيحه، لأنه هو الذى أرسله وهو مستحق لكل
سجود وكرامة.

 

الملاك لا يأكل ولا يشرب : تظاهر الملاك بالأكل والشرب والنوم
والسفر، بطريقة بشرية لا يتطرق إليها الشك، كما كان السيد المسيح يظهر آكلاً
وشارباً بعد قيامته (ثُمَّ جَاءَ يَسُوعُ وَأَخَذَ
الْخُبْزَ وَأَعْطَاهُمْ وَكَذَلِكَ السَّمَكَ.
يو 21 : 13، 43) وقد خفيت على طوبيا الإبن بالطبع القوة
الخفية للملاك الذى معه، فلم يعرف أن الملاك هو الذى أوثق الشيطان بعد طرده، وإنما
رأى فقط أن الشيطان قد هرب نتيجة إحراق كبد الحوت وقلبه كنصيحة الرفيق !.

إذن،
فقد كان الملاك فى نظر إثنيهما عبارة عن شخص حكيم.. مختبر.. أمين شهم ونبيل، أى
أنه من طراز جيد من الناس فحسب !.. وقد قصد الملاك بقوله أن أكله وشربه إنما كان
رؤية لهما، أى أنه تظاهر بذلك فقط.

 

ها إِنِّي صاعِدٌ إِلى الَّذي أَرسَلَني : الآن انتهت المهمة التى أُرسل
ليتممها، وها هو يعود مرة أخرى ليمثل بين يدى رب الصاباؤوت، ليُرسل إلى مهمة أخرى
فى مكان آخر، وهو بذلك يؤكد أنه ملاك وأنه يسكن حيث مجد الرب وعندئذ تخلى عن
الهيئة التى ظهر بها لهما.

 

حدّثا… وأكتبا : الآن يجب عليهما أن يحدثا بكل ما صنع الله معهما بعدما تمّت
فصول القصة الرائعة (إذهب وحدث بكم صنع بك الرب) بل يضع الملاك على كاهليهما تدوين
ما حدث، وهو الأمر الذى يؤكد أن كاتب السفر هو طوبيا الإبن على الأرجح (راجع
المقدمة).



1 Nicene
& P.N.Fathers V.4 , P.106

2 دفاع القديس أثناسيوس
ضد مكاريوس القس الأريوسى.

3 Nicene
& P.N.Fathers V.12 , P.209

4 بستان الرهبان / ص 450
, 451.

5 الدر المنتخب فى
مقالات يوحنا فم الذهب , طبعة سنة 1912 م.

6 Nicene
& P.N.Fathers V.
10 ,
P.
459

7 بستان الرهبان / ص 451
, 452.

8 Nicene
& P.N.Fathers V.
10 ,
P.
296 , B.5 , CH.7.

9 التعازى الروحية فى
الميامر السيدية.

10 راجع ذكصولوجية رؤساء
الملائكة فى الأبصلمودية المقدسة.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي