الإصحَاحُ
الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ

 

 1 «لِأَنَّهُ
يُوجَدُ لِلْفِضَّةِ مَعْدَنٌ، وَمَوْضِعٌ لِلذَّهَبِ حَيْثُ يُمَحِّصُونَهُ. 2 الْحَدِيدُ
يُسْتَخْرَجُ مِنَ التُّرَابِ وَالْحَجَرُ يَسْكُبُ نُحَاساً. 3 قَدْ جَعَلَ
لِلظُّلْمَةِ نِهَايَةً وَإِلَى كُلِّ طَرَفٍ هُوَ يَفْحَصُ. حَجَرَ الظُّلْمَةِ
وَظِلَّ الْمَوْتِ. 4 حَفَرَ مَنْجَماً بَعِيداً عَنِ السُّكَّانِ. بِلَا مَوْطِئٍ
لِلْقَدَمِ. مُتَدَلِّينَ بَعِيدِينَ مِنَ النَّاسِ يَتَدَلْدَلُونَ. 5 أَرْضٌ
يَخْرُجُ مِنْهَا الْخُبْزُ أَسْفَلُهَا يَنْقَلِبُ كَمَا بِالنَّارِ. 6 حِجَارَتُهَا
هِيَ مَوْضِعُ الْيَاقُوتِ الْأَزْرَقِ وَفِيهَا تُرَابُ الذَّهَبِ. 7 سَبِيلٌ
لَمْ يَعْرِفْهُ كَاسِرٌ، وَلَمْ تُبْصِرْهُ عَيْنُ بَاشِقٍ، 8 وَلَمْ تَدُسْهُ
أَجْرَاءُ السَّبْعِ، وَلَمْ يَسْلُكْهُ الْأَسَدُ. 9 إِلَى الصَّّوَانِ يَمُدُّ
يَدَهُ. يَقْلِبُ الْجِبَالَ مِنْ أُصُولِهَا. 10 يَنْقُرُ فِي الصُّخُورِ
سَرَباً، وَعَيْنُهُ تَرَى كُلَّ ثَمِينٍ. 11 يَمْنَعُ رَشْحَ الْأَنْهَارِ،
وَأَبْرَزَ الْخَفِيَّاتِ إِلَى النُّورِ.

 

موضوع
هذا الأصحاح، أن الإنسان من تلقاء نفسه، لا يجد الحكمة لأن هذا مختص بالله،
والإنسان المحدود الإدراك لا يمكن أن يفهم الحكمة، بمعنى مبدأ السياسة العادلة
الحقيقية، التي تدير مجرى شؤون هذا العالم. وسبيل الإنسان الوحيد هو أن يتقي الله،
ويتكل عليه. وبالنتيجة أن يضع نفسه وأموره في يدي الله.

 

في
الأعداد 1-11، تكلم أيوب عن أعمال الإنسان في التنقيب عن المعادن واستخراجها من
جوف الأرض. وفي زمنه كان للمصريين مناجم نحاس وفضة في شبه جزيرة سيناء. وبعض من
أنفاق تلك المناجم ما زال موجوداً حتى اليوم. وقد حفظ في المتاحف الكثير من أدوات
العمال وآلاتهم ومسابكهم، وكأن الأقدمين تركوها الأمس، وليس منذ أربعة آلاف سنة.
ثم يصف أعمال أولئك المعدّنين، فيقول: كانوا يحفرون حفراً في الجبال، متدلين بحبال
من فوق، في أماكن غير مأهولة بالناس. وكما يقلب الفلاح وجه الأرض لتنبت له خبزاً
للأكل. هكذا كان المعدّنون يقلبون أسفل الأرض ليستخرجوا من جوفها المعادن الثمينة.
وبعد إخراجها يتركون الأرض في الداخل مقلوبة كأنها أحرقت بالنار، ثم يشير أيوب إلى
سر الحكمة، فيقول: إنه كما أخفي سبيل المعادن عن طيور السماء ووحوش الأرض. هكذا
أخفيت الحكمة عن عيون البشر. ثم يشير إلى الصعوبات، التي يعانيها الصانع في
المعادن وإلى شجاعته وحذاقته في تذليل هذه الصعوبات. يحضّر الأنفاق، ويمنع رشح
الأنهار، لئلا تتجمع المياه في المنجم.

 

28:
12 «أَمَّا الْحِكْمَةُ فَمِنْ أَيْنَ تُوجَدُ، وَأَيْنَ هُوَ مَكَانُ الْفَهْمِ؟
13 لَا يَعْرِفُ الْإِنْسَانُ قِيمَتَهَا وَلَا تُوجَدُ فِي أَرْضِ الْأَحْيَاءِ.
14 الْغَمْرُ يَقُولُ: لَيْسَتْ هِيَ فِيَّ، وَالْبَحْرُ يَقُولُ: لَيْسَتْ هِيَ
عِنْدِي. 15 لَا يُعْطَى ذَهَبٌ خَالِصٌ بَدَلَهَا وَلَا تُوزَنُ فِضَّةٌ ثَمَناً
لَهَا. 16 لَا تُوزَنُ بِذَهَبِ أُوفِيرَ أَوْ بِالْجَزْعِ الْكَرِيمِ أَوِ
الْيَاقُوتِ الْأَزْرَقِ. 17 لَا يُعَادِلُهَا الذَّهَبُ وَلَا الزُّجَاجُ، وَلَا
تُبْدَلُ بِإِنَاءِ ذَهَبٍ إِبْرِيزٍ. 18 لَا يُذْكَرُ الْمَرْجَانُ أَوِ
الْبَلُّوْرُ، وَتَحْصِيلُ الْحِكْمَةِ خَيْرٌ مِنَ اللَّآلِئِ. 19 لَا
يُعَادِلُهَا يَاقُوتُ كُوشَ الْأَصْفَرُ وَلَا تُوزَنُ بِالذَّهَبِ الْخَالِصِ.

هل تبحث عن  هوت دستورى شريعة الزوجة الواحدة فى المسيحية 09

 

فالحكمة
في تقدير أيوب، لا يمكنك أن تجدها في الأرض كما تجد المعادن. ولا يمكنك أن تجدها
في أعماق المحيط، ولا في قاع البحر. ولا يمكنك أن تجدها في السوق، فتبتاعها لنفسك.
إنها لا توزن بفضة، ولا بذهب أوفير، الذي كان يستخرج من شاطئ البحر الهندي. ولا
يمكنك أن توزنها باللآلئ الثمينة، لأن ثمنها يفوق اللآلئ وكل أنواع الحجارة
الكريمة. ولا يمكنك أن تجدها في مكان الأخيلة (الوهم – الظن)، لأن الله وحده يعرف
طريقها، ورأسها مخافته.

 

والواقع
أن قصة أيوب عن الحكمة تحكي عن مطلب حيّر ذكاء الناس قديماً وحديثاً. ولكن هذا
المطلب ميسور لكل طالب الله بالحق. فقد قال الرسول يعقوب: «إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ
تُعْوِزُهُ حِكْمَةٌ فَلْيَطْلُبْ مِنَ اللّهِ الَّذِي يُعْطِي الْجَمِيعَ
بِسَخَاءٍ وَلَا يُعَيِّرُ، فَسَيُعْطَى لَهُ» (يعقوب 1:5) هذا هو الشرط لنيل
الحكمة، من كل من يشعر باحتياجه إلى حكمة الله التي هي أسمى من معرفة حكماء هذا
الدهر. سليمان طلبها من الله بخلوص نية فنالها، دون أن يقدم لها ثمناً ما، لا
ذبائح ولا محرقات ولا نذور. المهم أن تطلب بإخلاص وبإيمان، لتستخدم لتمجيد الله.

 

اطلب
هذه الحكمة اليوم ولا تتأخر. غير مرتاب البتة. فيعطيك الله سؤلك وفقاً لقول
المسيح: «اِسْأَلُوا تُعْطَوْا. اُطْلُبُوا تَجِدُوا. اِقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ»
(متى 7:7).

 

طوبى
للذي يحصل على هذه «الْحِكْمَةُ الَّتِي مِنْ فَوْقُ فَهِيَ أَّوَلاً طَاهِرَةٌ،
ثُمَّ مُسَالِمَةٌ، مُتَرَفِّقَةٌ، مُذْعِنَةٌ، مَمْلُوَّةٌ رَحْمَةً وَأَثْمَاراً
صَالِحَةً، عَدِيمَةُ الرَّيْبِ وَالرِّيَاءِ. وَثَمَرُ الْبِرِّ يُزْرَعُ فِي
السَّلَامِ مِنَ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ السَّلَامَ» (يعقوب 3:17 و18).

 

الصلاة:
نشكرك يا أبانا السماوي، لأجل يسوع المسيح، الذي صار لنا حكمة من الله وبراً
وقداسة وفداء. افتح عيون أذهان الناس، حتى يروا هذه الحكمة، وأنر عقولهم لكي
يقبلوها، فينالوا بر الله ويشتركوا في قداسته. آمين.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ب بَحْر الْمْسبُوك ك

 

28:
20 «فَمِنْ أَيْنَ تَأْتِي الْحِكْمَةُ، وَأَيْنَ هُوَ مَكَانُ الْفَهْمِ. 21 إِذْ
أُخْفِيَتْ عَنْ عُيُونِ كُلِّ حَيٍّ وَسُتِرَتْ عَنْ طَيْرِ السَّمَاءِ؟ 22 اَلْهَلَاكُ
وَالْمَوْتُ يَقُولَانِ: بِآذَانِنَا قَدْ سَمِعْنَا خَبَرَهَا.

 

في
هذه الآيات ملخص الكلام السابق، أي أنه لا توجد حكمة في الأرض. وكل ما يمكن للبشر
صنعه هو الإشارة إلى إشاعة غامضة سمعوها عن الحكمة. إنها لا توجد في أماكن البيع،
ولا تحت الأرض في المعادن، ولا في البحر ولا في الهاوية، مكان الهلاك والموت.
فإنهما يقولان قد سمعنا خبرها فقط. ولكنها ليست عندهما. والنتيجة أن الحكمة لله
وحده، فإنه خلق الكون ويعتني به.

 

هذا
التعليم صحيح، ولكنه يخالف موقف أيوب السابق. وإذا كان أيوب كما يظن البعض قد وصل
إلى هذه الحالة، حالة التعقل والإطمئنان، فكيف نفسر عودته إلى التشكي (أيوب
30:20-23) وتضجره من عدم تبريره (أيوب 38). وإنَّ كان قد سلم بأن طرق الحكمة لا
تدرك، فليس من احتياج لتوجيه أفكاره إليها، لا بذكر تشكٍّ هنا، ولا بروح مقاومة
لله (أيوب 15:13) لأن الخالق العظيم، حفظ لنفسه المعرفة العليا.

 

28:
23 اَللّهُ يَفْهَمُ طَرِيقَهَا وَهُوَ عَالِمٌ بِمَكَانِهَا. 24 لِأَنَّهُ هُوَ
يَنْظُرُ إِلَى أَقَاصِي الْأَرْضِ. تَحْتَ كُلِّ السَّمَاوَاتِ يَرَى. 25 لِيَجْعَلَ
لِلرِّيحِ وَزْناً وَيُعَايِرَ الْمِيَاهَ بِمِقْيَاسٍ. 26 لَمَّا جَعَلَ
لِلْمَطَرِ فَرِيضَةً وَسَبِيلاً لِلصَّوَاعِقِ 27 حِينَئِذٍ رَآهَا وَأَخْبَرَ
بِهَا، هَيَّأَهَا وَأَيْضاً بَحَثَ عَنْهَا 28 وَقَالَ لِلْإِنْسَانِ: هُوَذَا
مَخَافَةُ الرَّبِّ هِيَ الْحِكْمَةُ، وَالْحَيَدَانُ عَنِ الشَّرِّ هُوَ
الْفَهْمُ».

 

هنا
نجد الجواب على سؤال، طالما طرحته الأجيال: أين توجد الحكمة؟ فالله وحده يعرفها
ويقتنيها. وهو الذي يقدر أن يتحكم بقوى هذا الكون الهائلة. إنه إله الخليقة، الذي
له السيادة الشاملة على كل خفايا الحكمة. وهو الذي عين للريح مقدارها وقوتها، وعين
للأمطار أوقاتها وكمياتها.

 

ولكن
إن كان عقل الإنسان لا يستطيع أن يرى سر السلطان الإلهي، فهو بواسطة الطاعة
والتواضع يستطيع الحصول على الحكمة اللازمة للتمييز بين الخير والشر، ورؤية ما هو
صحيح. ويستطيع أيضاً أن يفيد من حكمة الله في الفداء العظيم. إن هو سلك متواضعاً
مع إلهه. فقد قال المسيح: «أَحْمَدُكَ أَيُّهَا الْآبُ رَبُّ السَّمَاءِ
وَالْأَرْضِ، لِأَنَّكَ أَخْفَيْتَ هذِهِ عَنِ الْحُكَمَاءِ وَالْفُهَمَاءِ
وَأَعْلَنْتَهَا لِلْأَطْفَالِ» (متى 11:25).

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القمص تادرس يعقوب عهد قديم سفر الخروج 30

 

لم
يقصد المسيح هنا الإقلال من أهمية القدرات العقلية أو يدينها، ولكنه يدين الكبرياء
العقلية، التي تبعد الإنسان عن البساطة. قال أحد الأتقياء: إنه القلب البسيط، وليس
الرأس هو بيت الإنجيل. ويقيناً أنه ليست الحكمة هي التي تفتح أمامنا باب قبول
المسيح، بل التواضع والوداعة. فقد تكون لإنسان حكمة أفلاطون، ولكن إن لم تكن له
البساطة والتواضع كقلوب الأطفال، فإنه يمنع نفسه من قبول مطالب الإنجيل.

 

فإذا
كان الإنسان يريد النجاح في سفره نحو إدراك تلك الحكمة، التي مالكها الفريد القادر
هو الله، عليه أن يخاف الله ويحيد عن الشر. والواقع أنه لا توجد حكمة حقيقية ولا
معرفة صحيحة بعيداً عن مخافة الرب. وكل من انتسب للحكمة وتجاهل الله، ليس سوى غبي
نسي أن يطهر نفسه من خطية الكبرياء العقلية.

 

وخير
للشاب طالب المعرفة، وهو يواجه العدد الوفير من النظريات التي لها صفة العلم، أن
يتلمس في كل نظرية مخافة الله. فإن كثيرين من الفلاسفة والعلماء، القوا مخافة الرب
جانباً وجعلوا سلطان الله بعيداً عن دائرة خليقته. «وَبَيْنَمَا هُمْ يَزْعُمُونَ
أَنَّهُمْ حُكَمَاءُ صَارُوا جُهَلَاءَ» (رومية 1:22) ومن هنا كثرت السخافات
والضلالات التي تبعد الإنسان عن حق الله، ويخبرنا التاريخ أنَّ اليونانيين
القدماء، افتخروا بحكمتهم. ولكن كل حكمتهم لم تكن كافية، أن تمنحهم القداسة أو
الغبطة، أو أن تحفظهم من الظلالة عن الله وعن طريق عبادته. وما ذلك إلا لأن الخطية
أعمت أذهانهم، ولم يهتدوا بالنور الإلهي. وأظهروا جهلهم بآرائهم وأعمالهم.

 

الصلاة:
عظيم وقدوس، أنت أيها الرب الإله. ونحن نشكرك من كل القلب لأنك أيضاً رحيم محب
ورؤوف. وبالمحبة أعلنت لنا حكمتك بالفداء، لكي تكفر عن خطايانا. أعطنا أن نترك كل
حكمة بشرية تبعدنا عن محور خلاصك بالفداء العظيم. آمين.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي