الإصحَاحُ
الْحَادِي وَالثَّلاَثُونَ

 

1 «عَهْداً
قَطَعْتُ لِعَيْنَيَّ، فَكَيْفَ أَتَطَلَّعُ فِي عَذْرَاءَ! 2 وَمَا هِيَ قِسْمَةُ
اللّهِ مِنْ فَوْقُ وَنَصِيبُ الْقَدِيرِ مِنَ الْأَعَالِي؟ 3 أَلَيْسَ الْبَوَارُ
لِعَامِلِ الشَّرِّ وَالنُّكْرُ لِفَاعِلِي الْإِثْمِ! 4 أَلَيْسَ هُوَ يَنْظُرُ
طُرُقِي وَيُحْصِي جَمِيعَ خَطَوَاتِي. 5 إِنْ كُنْتُ قَدْ سَلَكْتُ مَعَ
الْكَذِبِ، أَوْ أَسْرَعَتْ رِجْلِي إِلَى الْغِشِّ، 6 لِيَزِنِّي فِي مِيزَانِ
الْحَقِّ فَيَعْرِفَ اللّهُ كَمَالِي. 7 إِنْ حَادَتْ خَطَوَاتِي عَنِ الطَّرِيقِ،
وَذَهَبَ قَلْبِي وَرَاءَ عَيْنَيَّ، أَوْ لَصِقَ عَيْبٌ بِكَفِّي، 8 أَزْرَعْ
وَغَيْرِي يَأْكُلْ، وَفُرُوعِي تُسْتَأْصَلْ. 9 «إِنْ غَوِيَ قَلْبِي عَلَى
امْرَأَةٍ، أَوْ كَمَنْتُ عَلَى بَابِ قَرِيبِي، 10 فَلْتَطْحَنِ امْرَأَتِي
لِآخَرَ، وَلْيَنْحَنِ عَلَيْهَا آخَرُونَ. 11 لِأَنَّ هذِهِ رَذِيلَةٌ، وَهِيَ
إِثْمٌ يُعْرَضُ لِلْقُضَاةِ. 12 لِأَنَّهَا نَارٌ تَأْكُلُ حَتَّى إِلَى
الْهَلَاكِ وَتَسْتَأْصِلُ كُلَّ مَحْصُولِي.

 

هذا
الأصحاح خاتمة كلام أيوب عن براءته. وهو بدون شك يحتوي على أسمى مثل أعلى لأخلاق
العهد القديم. وبه تنجلي تلك الصورة الغامضة المرسومة عن أيوب في بداية السفر، حيث
قيل إنَّه «كان كاملاً ومستقيماً يتقي الله ويحيد عن الشر» والواقع أن هذا الأصحاح
يبين إدراكاً فائقاً لسجية أيوب. فمبادؤه قليلة الطموح، ولكنها محكمة وقلبية. فهو
يحاسب نفسه بمقياس يقارب روح الإنجيل، مقدماً أمثلة رائعة عن سلوكه:

 

لم
يلوث بفساد الآداب (1-12).

لم
يلوث بعدم المبالاة (13-22).

لم
يلوث بالبخل والطمع (24-25).

لم
يلوث بأي تلهف سري بالأصنام (26-27).

لم
يلوث بمرارة لأعدائة (29-30).

لم
يلوث بعدم الإخلاص (33-34).

 

كان
سلوك أيوب الظاهر نقياً، ولكن ليس أنقى من سريرته. فمن جهة شهوة العيون تحصن
بنزاهة وقناعة نادرتين، فهو لم يتطلع إلى امرأة ليشتهيها. والكلمة تدل على أن
طهارة أيوب، نشأت من أصل المبدأ القائل: «خوف الرب هو الحكمة» وفي نزاهته تحرر
أيوب من الزهو والكذب والغش من أي نوع، حاسباً أنَّ كل هذه تفاهة مقنعة.

 

وفي
آدابه النقية، أظهر أيوب أنَّ الزنى خطية فظيعة، تستحق العقاب من الله، وتستحق
العقاب من الناس. لأن الزنى ليس فقط إساءة ضد قداسة الله، بل هو أيضاً إساءة ضد
المجتمع. وكانت العقوبة التي شرعها، أدنى درجات الرق لامرأة الزاني، أي أن تصبح
جارية تطحن. وأكد أنَّ الزنى نار، فيها تهديد بالخراب الشامل للصحة والعائلة
والسعادة. وبذلك انسجم مع كاتب سفر الأمثال حين قال: «أَيَأْخُذُ إِنْسَانٌ نَاراً
فِي حِضْنِهِ وَلَا تَحْتَرِقُ ثِيَابُهُ؟ أَوَ يَمْشِي إِنْسَانٌ عَلَى الْجَمْرِ
وَلَا تَكْتَوِي رِجْلَاهُ؟ هكَذَا مَنْ يَدْخُلُ عَلَى امْرَأَةِ صَاحِبِهِ.
كُلُّ مَنْ يَمَسُّهَا لَا يَكُونُ بَرِيئاً» (أمثال 6:27-29) لينظر كل مؤمن ما
أصاب داود عقاباً لزناه مع بتشبع، فهذه الخطية إذا استمر الإنسان فيها، تميت ضميره
وتحرمه من جميع الأفراح الطبيعية البيتيه. وتبعده عن الله.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ب بلجاي ي

 

31:
13 «إِنْ كُنْتُ رَفَضْتُ حَقَّ عَبْدِي وَأَمَتِي فِي دَعْوَاهُمَا عَلَيَّ، 14 فَمَاذَا
كُنْتُ أَصْنَعُ حِينَ يَقُومُ اللّهُ؟ وَإِذَا افْتَقَدَ، فَبِمَاذَا أُجِيبُهُ؟
15 أَوَلَيْسَ صَانِعِي فِي الْبَطْنِ صَانِعَهُ، وَقَدْ صَوَّرَنَا وَاحِدٌ فِي
الرَّحِمِ؟ 16 إِنْ كُنْتُ مَنَعْتُ الْمَسَاكِينَ عَنْ مُرَادِهِمْ، أَوْ
أَفْنَيْتُ عَيْنَيِ الْأَرْمَلَةِ، 17 أَوْ أَكَلْتُ لُقْمَتِي وَحْدِي فَمَا
أَكَلَ مِنْهَا الْيَتِيمُ! 18 بَلْ مُنْذُ صِبَايَ كَبِرَ عِنْدِي كَأَبٍ، وَمِنْ
بَطْنِ أُمِّي هَدَيْتُهَا. 19 إِنْ كُنْتُ رَأَيْتُ هَالِكاً لِعَدَمِ اللِّبْسِ
أَوْ فَقِيراً بِلَا كِسْوَةٍ، 20 إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي حَقَوَاهُ وَقَدِ
اسْتَدْفَأَ بِجَزَّةِ غَنَمِي. 21 إِنْ كُنْتُ قَدْ هَزَزْتُ يَدِي عَلَى
الْيَتِيمِ لَمَّا رَأَيْتُ عَوْنِي فِي الْبَابِ، 22 فَلْتَسْقُطْ عَضُدِي مِنْ
كَتِفِي، وَلْتَنْكَسِرْ ذِرَاعِي مِنْ قَصَبَتِهَا، 23 لِأَنَّ الْبَوَارَ مِنَ
اللّهِ رُعْبٌ عَلَيَّ، وَمِنْ جَلَالِهِ لَمْ أَسْتَطِعْ.

 

لم
يعتبر أيوب عبيده كأملاكه، بل اعتبرهم أناساً لهم حقوق كما لنفسه هو. فقد كان
عبيده تصلهم حقوقهم دائماً بالعدل. لأنه تذكر أنه يوجد إله في السماء، له يقدم
الحساب.

 

كان
الاسترقاق مباحاً في العهد القديم، ولكن قول أيوب وغيره من أقوال الكتاب يدل على
أنَّ الاسترقاق ليس بموجب قصد الله، لما خلق الإنسان وفداه بتجسد المسيح. إذ نقرأ
في غلاطية 3:27-28 «لِأَنَّ كُلَّكُمُ الَّذِينَ اعْتَمَدْتُمْ بِالْمَسِيحِ قَدْ
لَبِسْتُمُ الْمَسِيحَ… لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لِأَنَّكُمْ جَمِيعاً وَاحِدٌ
فِي الْمَسِيحِ يَسُوع».

 

لم
يكن ممكناً لأهل بيت أيوب أن يشتكوا من ظلمه. ولكن جوده وفضله لم يقتصر على أهل
بيته، إنه خرج يطلب الفقراء والأرامل والأيتام.

 

وإلى
جانب أريحيته كان ممتنعاً عن استغلال وظلم الضعيف، مع أنه كان في وسعه أن يستعمل
نفوذه في التأثير على الأحكام التي يصدرها القضاة. بالأحرى جعل نفسه عوناً لمن لا
عون له، وسنداً لمن لا سند له. والمؤثر جداً في صفاته أن معدته المتخمة بالأطايب،
لم تجعله غير مبال بمعد الجياع الفارغة-فلم يوجد أي لعازر مرتم على أبوابه يلتقط
الفتات المتساقط من طعام الكلاب (لوقا 16:20 و21)-وبالإجماع كان أيوب كريماً
مضيافاً، دون أن ينتظر فرصته لرد الجميل.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ب باب بنيامين ن

 

31:
24 «إِنْ كُنْتُ قَدْ جَعَلْتُ الذَّهَبَ عُمْدَتِي، أَوْ قُلْتُ لِلْإِبْرِيزِ:
أَنْتَ مُتَّكَلِي. 25 إِنْ كُنْتُ قَدْ فَرِحْتُ إِذْ كَثُرَتْ ثَرْوَتِي
وَلِأَنَّ يَدِي وَجَدَتْ كَثِيراً. 26 إِنْ كُنْتُ قَدْ نَظَرْتُ إِلَى النُّورِ
حِينَ ضَاءَ، أَوْ إِلَى الْقَمَرِ يَسِيرُ بِالْبَهَاءِ، 27 وَغَوِيَ قَلْبِي
سِرّاً، وَلَثَمَ يَدِي فَمِي، 28 فَهذَا أَيْضاً إِثْمٌ يُعْرَضُ لِلْقُضَاةِ،
لِأَنِّي أَكُونُ قَدْ جَحَدْتُ اللّهَ مِنْ فَوْقُ. 29 «إِنْ كُنْتُ قَدْ فَرِحْتُ
بِبَلِيَّةِ مُبْغِضِي أَوْ شَمِتُّ حِينَ أَصَابَهُ سُوءٌ. 30 بَلْ لَمْ أَدَعْ
حَنَكِي يُخْطِئُ فِي طَلَبِ نَفْسِهِ بِلَعْنَةٍ. 31 إِنْ كَانَ أَهْلُ خَيْمَتِي
لَمْ يَقُولُوا: مَنْ يَأْتِي بِأَحَدٍ لَمْ يَشْبَعْ مِنْ طَعَامِهِ؟ 32 غَرِيبٌ
لَمْ يَبِتْ فِي الْخَارِجِ. فَتَحْتُ لِلْمُسَافِرِ أَبْوَابِي. 33 إِنْ كُنْتُ
قَدْ كَتَمْتُ كَالنَّاسِ ذَنْبِي لِإِخْفَاءِ إِثْمِي فِي حِضْنِي. 34 إِذْ
رَهِبْتُ جُمْهُوراً غَفِيراً، وَرَوَّعَتْنِي إِهَانَةُ الْعَشَائِرِ، فَكَفَفْتُ
وَلَمْ أَخْرُجْ مِنَ الْبَابِ!

 

لم يكن
أيوب شحيحاً، ولا محبا للمال، فقد صنع لنفسه أصدقاء بمال الظلم (لوقا 16:9) وكان
موقفه إزاء الثروه عادلاً، بحيث لم يغفل قط التحذير القائل بفم الرب: «لَا
تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللّهَ وَالْمَالَ » (متى 6:24) كما أنه لم يلثم يده
تعبداً للأجرام السماوية، كما كان شائعاً لدى المشارقة في زمنه. وبهذا انسجم مع
الوصية القائلة: «إِذَا وُجِدَ فِي وَسَطِكَ فِي أَحَدِ أَبْوَابِكَ الَّتِي
يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ يَفْعَلُ شَرّاً فِي عَيْنَيِ
الرَّبِّ إِلهِكَ بِتَجَاوُزِ عَهْدِهِ، وَيَذْهَبُ وَيَعْبُدُ آلِهَةً أُخْرَى
وَيَسْجُدُ لَهَا، أَوْ لِلشَّمْسِ أَوْ لِلْقَمَرِ أَوْ لِكُلٍّ مِنْ جُنْدِ
السَّمَاءِ – الشَّيْءَ الَّذِي لَمْ أُوصِ بِهِ… فَأَخْرِجْ ذلِكَ الرَّجُلَ
أَوْ تِلْكَ الْمَرْأَةَ الَّذِي فَعَلَ ذلِكَ الْأَمْرَ الشِّرِّيرَ إِلَى أَبْوَابِكَ…
وَارْجُمْهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَ» (تثنية 17:2-5).

 

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد قديم سفر المزامير بروس أنيستى 11

وكان
أيوب يتمتع بروح عالية من ناحية تعامله مع أعدائه، فهو لم يفرح ببلية مبغض ولم
يشمت بسوء ألمَّ به. كما أنه كانت له الشجاعة للاعتراف بأخطائه، وليس كالذين
يكتمون خطاياهم خوفاً من التعيير والاستهزاء.

 

31:
35 مَنْ لِي بِمَنْ يَسْمَعُنِي؟ هُوَذَا إِمْضَائِي. لِيُجِبْنِي الْقَدِيرُ.
وَمَنْ لِي بِشَكْوَى كَتَبَهَا خَصْمِي، 36 فَكُنْتُ أَحْمِلُهَا عَلَى كَتِفِي.
كُنْتُ أُعْصِبُهَا تَاجاً لِي. 37 كُنْتُ أُخْبِرُهُ بِعَدَدِ خَطَوَاتِي
وَأَدْنُو مِنْهُ كَشَرِيفٍ. 38 إِنْ كَانَتْ أَرْضِي قَدْ صَرَخَتْ عَلَيَّ
وَتَبَاكَتْ أَتْلَامُهَا جَمِيعاً. 39 إِنْ كُنْتُ قَدْ أَكَلْتُ غَلَّتَهَا
بِلَا فِضَّةٍ، أَوْ أَطْفَأْتُ أَنْفُسَ أَصْحَابِهَا، 40 فَعِوَضَ الْحِنْطَةِ
لِيَنْبُتْ شَوْكٌ وَبَدَلَ الشَّعِيرِ زَوَانٌ». تَمَّتْ أَقْوَالُ أَيُّوبَ.

 

إنَّ
تذكر أيوب لحياته السابقة في النزاهة تجعله ينفجر بصرخة تكاد تكون طائشة، فيقول:
لست مذنباً! وبذلك يتحدى السماء التي قالت: «الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ
مَجْدُ اللّهِ» (رومية 3:23).

 

والواقع
أنَّ أيوب في هذا الأصحاح، ادعى أنه لا صوت إنسان ولا صوت الله نفسه يمكن أن
يربكه. فهو في عيني نفسه بريء من كل التهم التي اجتهد أصحابه أن يلصقوها به.

 

الصلاة:
أيها الرب سيدنا، ما أعظم اسمك في كل الأرض حيث جعلت جلالك فوق السموات. نشكرك يا
إلهنا من أجل النعمة والحق اللذين صارا إلينا بيسوع المسيح. الذي بالنعمة خلصنا،
وبالحق حررنا. وتبنانا لله قديسين في المحبة. ثبتنا في وضعنا الجديد إلى يومك.
آمين

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي