سِفْرُ
اَلْمَزَامِيرُ

 

سفر
المَزَامِير

 يُخاطِبُ
سِفرُ المَزَامِير قُلُوبَ شَعبِ اللهِ عندما يعبُدُونَهُ. فالمَزامِيرُ هي مائةٌ
وخمسُونَ مزمُوراً أو نَشيداً مُوحَىً بها، التي كانَ يُرَنِّمُها شَعبُ اللهِ في
العهدِ القَديم. فلقد أعطَى اللهُ شَعبَهُ المَزامِير ليُساعِدَهُم على التَّعبيرِ
عن محَبَّتِهِم، تسبيحِهم، وصلاتِهِم للهِ عندمَا يعبُدُون. هذه الترانيمُ
المُوحَاةُ سوفَ تجذُبُكَ إلى حضرَةِ اللهِ الإلهيَّة وتُساعِدُكَ على التَّعبيرِ
عن محبَّتِكَ، تسبيحِكَ، وصلاتِكَ عندما تعبُدُ اللهَ اليوم.

 

خلفِيَّةٌ
مُوجَزة عنِ المَزامِير

 قبلَ
أن يُتَرجَمَ العهدُ القَديمُ إلى اليُونانِيَّة، كانَ سفرُ المَزامير يقَعُ في
خمسَةِ أقسام: المَزمُور 1- 41، 42- 72، 73- 90، 91- 107، 108- 150. ثلاثَةٌ
وسَبعُونَ من المَزامِير تُنسَبُ إلى داوُد، بينَما يُنسَبُ إلى آساف وبنيهِ إثنا
عشرَ مزمُوراً، وإلى بني قُورَح أحدَ عشرَ مَزمُوراً. يعتَقِدُ المُفسِّرُونَ أنَّ
حَزَقِيَّا كتبَ عشرَة مزامير، وكُلاً من مُوسى وعزرا وسُليمان كتبَ مزمُوراً
واحِداً. كَثيرٌ منَ المَزامير لا تحمِلُ إسمَ كاتِبِها، ومُعظَمُ هذه كُتِبَت من
قِبَلِ اللاوِيِّين – أي خُدَّام المُوسيقى الذين عيَّنَهُم داوُد – أو قد يكُونُ
داوُد نفسُهُ كاتِبُ بعض هذه المَزامير التي لا تحمِلُ إسمَ كاتِبِها.

 

تعليماتٌ
مُوسيقيَّة

 تُوجدُ
مُقدِّماتٌ أو مُلاحظاتٌ موسيقية تقولُ بأن هذا المزمور أو ذاك ينبغي أن يُرنَّمَ
معَ أدوات النفخ النُحاسية (نِحيلوث)، أو مع أدواتٍ موسيقية وترية (نِغيلوث). تعني
كلمة "سِلاه" التي نجدُها عبرَ سفرِ المزامير، "توقَّف وفكِّر
بِخُشُوعٍ في هذا." فكلمة "سِلاه" كانت مثل الوقفة الموسيقية في
العصرِ الحاضِر، أو عزفٌ في مرحَلةٍ إنتِقالِيَّة.

 

لِمَن
وعمَّن

 إن
كُتَّابَ المزامير القُدَامَى، أو كُتَّابَ الترانيم المُعاصِرين، هم أحياناً
يتكلَّمونَ مع الله عن الله، وهذا ما يُسمَّى بالتسبيح والعبادة. وأحياناً أُخرى
يتكلَّمونَ مع اللهِ عن الإنسان، وهذا ما يُسمَّى بالصلاة. وأحياناً أُخرى، سوفَ
تجدُ أن كُتَّابَ المزامير وكُتَّابَ الترانيم لا يتكلَّمونَ أبداً مع الله، بل
يتكلَّمونَ مع الإنسانِ عن الله، وهذا ما يُسمَّى بالتبشير والوعظ. فعندما تقرأُ
كلماتِ مزمورٍ أو ترنيمة، إسأَلْ نفسَكَ، "لمن يتكلَّمُ الكاتب، وعمَّن
يتكلَّم؟" إن طرحَ السؤال والإجابَةَ عليه سوفَ يُعطِيكَ بصيرةً ثاقبة
للرسالةِ التعبُّديَّة في المزامير التي تقرأُها.

 

مَواضِيع
في سفرِ المزامير

 سوفَ
تكتشفُ عبرَ صفحاتِ سفر المزامير أربعَة مواضيع يتمُّ التَّشديدُ عليها، وأهمُّها
هو ما نُسمِّيهِ "موضُوع الرجُل المُبارَك." فمزمُورُ الرَّجُلِ
المُبارَك يشرَحُ دائماً أنَّ بَرَكاتِ الرَّجُلِ المُبارَك هي لَيسَت صُدفَةً، بل
هي مائِدَةُ عواقِب تنتُجُ عن إيمانِ وأولويَّاتِ المُرنِّم الرُّوحيَّة. سوفَ
تجدُ هذا الموضوع في المزمور 1، و23، و32، و128، ومزاميرُ أُخرَى كثيرة.

 

فالمَوضُوعُ
العاطِفيُّ هو أيضاً واضِحٌ في المزامير. هذه المزاميرُ تُخاطِبُ عواطِفَ
مُحدَّدة، وغالِباً تُرينا التَّجاوُبَ الصَّحيحَ معَ هذه العواطِف. فمهما كانَ
الجَوُّ العاطِفيُّ الذي قد تكُونُ تجتازُهُ عندما تقرَأُ المزامير، فسوفَ تَجِدُ
ذلكَ الجوّ العاطِفيّ في المزامير. فإن كُنتَ مُحبَطَاً، أو إن كُنتَ مُضطرِباً وتعيشُ
تحتَ ضغطٍ ما، أو تَنُوءُ تحتَ ذَنبٍ ثَقيلٍ أو قَلبٍ مكسُور، أو إن كُنتَ تَفيضُ
بالشُّكرِ وعُرفانِ الجَميلِ على الكثيرِ منَ البَركاتِ التي تتمتَّعُ بها،
وتُريدُ أن تُعَبِّرَ عن شُكرِكَ بالعِبادَة، فمهما كانت مشاعِرُكَ التي تقتَرِبُ
معَها لتقرَأَ المزامير، فسوفَ تَجِدُ مزامِيرَ تُعالِجُ هذه المشاعِر وتُريكَ
ماذا ينبَغي أن تفعَلَ تجاهها.

 

دائِماً
لاحِظْ ماذا فعلَ كاتبُ المَزمُورِ حيالَ هذا الشُّعور أو ذاكَ، ويُمكِنُكَ أن
تفعلَ الأمرَ ذاتَهُ حِيالَ مشاعِرِكَ. بعضُ الأمثلة على هكذا مزامير عاطفية
إختباريَّة، هي المزامير 3 و 4 و 32، و34، و51 و55.

 

 موضُوعٌ
آخر حاسمٌ نجدُهُ في سفرِ المزامير هو موضُوع العِبادَة. هُنا نجدُ أنَّ كاتِبَ
المزامير لا يتكلَّمُ فقط مع اللهِ عن الله، بل وأيضاً يُشَجِّعُنا لنَعبُدَ
ويُعَلِّمُنا لِنَعبُدَ. بَعضُ مزامير العِبادَة هي المزمور 8 و63 و100 و103 و107.

 

 لقد
كتبَ مُرَنِّمُو المَزامير أيضاً كأنبياء في مُناسَباتٍ مُعَيَّنَة، واضِعينَ
بذلكَ ما نُسمِّيهِ "المزامير المسياويَّة." تتكلَّمُ هذه المزامِيرُ
نَبَوِيَّاً عن مَجيءِ المَسِيَّا. فلقد تكلَّمَ داوُد نَبَوِيَّاً عن المجيءِ
الأوَّلِ للمَسيح، وعن قيامَتِهِ، في المزمُور 16. ووعظَ بُطرُس من هذا المَزمُور
يومَ الخَمسين. أمثِلَة أُخرى عن المزامير المَسياوِيَّة هي المزمور 2، 8، 22، 46،
و110.

 

الإطارُ
التَّاريخيُّ للمَزامِير

إنَّ
الظروف التاريخية للكثير من المزامير سوفَ تُوجدُ غالباً في 1و2 صموئيل وأخبارِ
الأيَّام الأوَّل والثَّانِي. هذا لأنَّ حوالي نصفَ المزامير كتبها داود، وقصةُ
حياةِ داوُد تُوجدُ في هذه الأسفار التاريخية. أحياناً يُخبِرُنا محتوى مزمور
كتبَهُ داوُد، أو المُقدِّمة التي نجدُها في إفتتاحيةِ بعضِ مزامير داود، سوفَ
تُخبِرُنا أينَ كان داود وماذا كان يفعل عندما كتبَ هذا المزمور المُعيَّن. هذه
المعلومات الإضافيَّة سوفَ تُساعِدُكَ، بالإضافَةِ إلى الأسفارِ التَّاريخيَّة،
للحُصُولِ على معلُوماتٍ عن خلفيَّةِ المزمور الذي تقرأُه. فإطِّلاعُكَ على
الخلفِيَّةِ التَّارِيخيَّة لمزاميرَ مُعَيَّنَة، سوفَ يُساعِدُكَ على تفسيرِ
وتطبيقِ هذه المزامير على حياتِكَ.

 

وفي
وسطِ المُحتَوى التَّعَبُّدِيِّ الجَميل، نجدُ بعضَ كُتَّابِ المَزامير يُصَلُّونَ
لأعدائِهم. في هذه الصلوات، غالِباً يَطلُبُ المُرَنِّمُونَ منَ اللهِ أن
يُساعِدَهُم على تحطيمِ أسنانِ أعدائِهم بسَيفِهم، أو بأن يسحَقُوا أعداءَهُم
بِسلاحِهم. وهذا يتعارَضُ معَ تعليمِ المسيحِ القائِل، "أحِبُّوا أعداءَكُم،
بارِكُوا لاعِنِيكُم، وصَلُّوا لأجلِ الذين يُسيئُونَ إليكُم
ويضطَّهِدُونَكُم." (متَّى 5: 44)

 

هذا
سَبَبٌ آخر لضَرُورَةِ الإطِّلاعِ على الخَلفِيَّةِ التَّاريخيَّة للمَزامير التي
نقرَأُها. فهذه الترانيمُ القديمَةُ المُوحاةُ كُتِبَت في زَمَنِ النَّامُوس، الذي
كانَ يُعَلِّمُ أنَّهُ كانَ منَ المقبُولِ أن تكرَهَ أعداءَكَ، خاصَّةً إذا كانُوا
يُهِينُونَ الرَّبّ. (تثنِيَة 23: 3- 6) لهذا، لم يَرَ داوُد أيَّ تناقُضٍِ عندما
صَلَّى، "ألا أُبغِضُ مُبغضيكَ يا رَبُّ؟ بُغضاً تاماً أبغضتُهُم،
وأُقَطِّعُهُم بِسَيفِي إرَباً، مثلَ غُبارِ الأرض." تُؤَكِّدُ الخَلفِيَّةُ
التَّاريخيَّةُ على أنَّ هذه الصَّلوات كانت مُلائِمَةً عندما كُتِبَت.

 

المَزمُور
الثَّالِث والعِشرُون

 "حَديثُ
الخِراف"

 يُعتَبَرُ
مَزمُورُ الرَّاعِي لداوُد المَزمُورَ المُفَضَّلَ والإصحاحَ المُفَضَّلَ في
الكِتابِ المُقدَّس بالنِّسبَةِ للملايينِ منَ المُؤمنين. في هذا المَزمُور، كانَ
داوُد يَعِظُ لأنَّهُ كانَ يتكلَّمُ إلى إنسانٍ عنِ الله. والشَّكلُ الأدبيُّ لهذا
المَزمُور هُوَ "حديثُ الخِراف،" لأنَّنا نَجِدُ خَرُوفاً يتكلَّمُ معَ
الخِرافِ الأُخرى عن عَظَمَةِ راعِيهِ:

 

 "الربُّ
راعيَّ، فلا يُعوِزُني شيء.  في مراعٍ خُضرٍ يُربِضُني.  إلى مياهِ الراحةِ
يُورِدُني.  يردُّ نفسي.  يهديني إلى سُبُلِ البر،  من أجلِ اسمِه.  أيضاً إذا
سرتُ في وادي ظلِّ الموت،  لا أخافُ شرَّاً لأنَّكَ أنتَ معي.  عَصَاكَ
وعُكَّازُكَ هُما يُعزِّيانِني.  تُرتِّبُ قُدَّامي مائدةً تُجاهَ مُضايِقِيَّ.  مسحتَ
بالدُّهنِ رأسي.  كأسي ريَّا.  إنَّما خيرٌ ورحمةٌ يتبعانِني كُلَّ أيَّامِ حياتي،
 وأسكُنُ في بيتِ الربِّ إلى مَدَى الأيَّام."

 

 بالإضافَةِ
إلى كَونِ المزمور 23 مزموراً وعظيَّاً، فهُوَ أيضاً مَزمُور الرَّجُلِ المُبارَك.
في كُلِّ مزاميرِ الرَّجُلِ المُبارَك، تُعتَبَرُ بركاتُ الرَّجُلِ المُبارَك
مشرُوطَةً جدَّاً. في هذا المَزمُور، بَعضُ بركاتِ داوُد هي المراعي الخضراء،
ومياهُ الرَّاحَة، والكأسُ الفائِضَة. والشَّرطُ الذي تُبنَى عليهِ هذه البَركات،
يُمكِنُ إيجادُهُ في كَلِماتِ المَزمُور الإفتِتاحِيَّة: "الرَّبُّ
راعِيَّ." فكُلُّ البَرَكاتِ التي يُظهِرُها داوُد في مَزمُورِ الرَّاعي الجميل
هذا، تدخُلُ إلى إختِبارِهِ للهِ عندَما يَقُولُ أنَّ الرَّبَّ راعِيه.

 

إن
المراعي الخضراء هي إستِعارَةٌ تُشيرُ إلى البَرَكاتِ الماديَّة. عندَما يُخبِرُنا
داوُد أنَّ كأسَهُ إمتَلأَت "رَيَّا" (مَزمُور 23: 5)، يستَخدِمُ
إستِعارَةً تُشيرُ إلى السَّعادَة. فهُوَ رَجُلٌ سَعيدٌ. فما هُوَ المِفتاحُ
لِسَعادَتِهِ؟ الرَّبُّ هُوَ راعي داوُد. وطالما كانَ الرَّبُّ راعِي داوُد،
سَيَكُونُ لهُ كُلُّ ما يحتاجُهُ – المراعي الخَضراء، المياهُ الهادئة، الكأسُ
الرَّيَّا، ومائدةٌ سَخِيَّةٌ في البَرِّيَّة، وإلى ما ذلكَ. ولكنَّ كُلَّ هذه البركات
مَشرُوطَةٌ. وجميعُها مَبنِيَّةٌ على أساسِ تلكَ العلاقة بينَ داوُد وبينَ راعيه.
هذا المَزمُور يتكلَّمُ عن أهمِّ علاقَةٍ في العالم، علاقَتِنا معَ الله.

 

العلاقة
في مكانِها الصَّحيح

عِندَما
نُدرِكُ مِقدَارَ أهَمِّيَّةِ هذه العلاقَة، يتَوَجَّبُ علينا عندَها أن نسأَلَ
كيفَ يُمكِنُ أن تتأسَّسَ هذه العَلاقَة. الجوابُ على هذا السُّؤال نَجِدُهُ في
العددِ الثَّانِي من المَزمُور: "يُربِضُني." يُؤَسِّسُ الرَّاعِي
سُلطَتَهُ على الخِرافِ بضَربَهِم على قُرُونِهم بِرِفقٍ، الأمرُ الذي يقُولُ لهُم
من خلالِهِ، "أُربُضُوا." وغالِباً ما يُصبِحُ الرَّبُّ راعِيَنا
بضَربِنا على رأسِنا وقَرنِنا بواسِطَةِ مُشكِلَةٍ صَغيرَةٍ التي نعجُزُ عن
تَخَطِّيها أو تجنُّبِها.

 

العلاقَةُ
في المُمارَسَة

فقط
بعدَ أن يُصبِحَ الرَّبُّ راعِيَنا، عندَها فقط يستَطيعُ أن يَقُودَنا. وبما أنَّ
الخِرافَ تستطيعُ أن تشرَبَ فقط من المِياةِ الهادِئة مثل البَلُّور، فإنَّ
المياهَ الهادِئَة تُمَثِّلُ تلكَ الأماكِن والظُّرُوف المُلائِمَة بالنِّسبَةِ
لنا. فرَاعِينا العَظيم لا يستطيعُ أن يَقُودَنا إلى تِلكَ الأماكِن، إلى أن
نربُضَ ونعتَرِفَ بأمرَين: أنَّ اللهَ راعينا، وأنَّنا نحنُ خرافُهُ. الأعدادُ
التَّالِيَة تَصِفُ هذه العلاقَة في مَوقِعِها الصَّحيح. هذا يعني أنَّهُ علينا أن
نَقِفَ ونلعَبَ دورَ الرَّاعي، وعندها سيَتِمُّ ترميمُ علاقَتنا مُجَدَّداً.

 

العلاقَةُ
في إطارِها الصَّحيح

عندَما
يضَعُ داوُد هذه العلاقَة في إطارِها الصَّحيح، يُعطِينا الوصفَ الأكثرَ جمالاً في
الكتابِ المُقدَّس لهذه العلاقَة بينَ اللهِ وبينَ الكائِنِ البَشَريّ. فهُوَ
يَقُولُ لنا أنَّهُ ما هَمَّ أينَ يَقُودُهُ راعيه، فهُوَ يعرِفُ أنَّ راعِيَهُ
سيَكُونُ معَهُ، وسيمشِي أمامَهُ، وسَيُوفِّرُ لهُ حاجَتَهُ، وسيسكُبُ عليهِ
بركاتِهِ، وسوفَ يملأُ كأسَهُ لتَكُونَ رَيَّا. وهُوَ يعرِفُ أيضاً أنَّ هذه
العلاقة ستَستَمِرُّ كُلَّ أيَّامِ حياتِهِ، وإلى الأبد.

 

طَبِّقْ
رِسالَةَ المزمُور الثَّالِث والعِشرين على حياتِكَ. قد تتَذَكَّرُ عندما جَعَلتَ
الرَّبَّ راعيكَ. لقد تفرَّسْتَ بالمراعي الخضراء بجانِبِ المياهِ الهادِئة،
وإمتلأَ كأسُكَ بالبَرَكاتِ. فهل يَبِسَت حشائِشُ المراعي الخضراء، وهل فرَغَت
كأسُكَ منذُ ذلكَ الحين؟ هل سبَقَ وإبتَعَدتَ عن المياهِ الهادِئة، لأنَّكَ
قَرَّرتَ أن تَكُونَ أنتَ بِنَفسِكَ راعِياً لحياتِكَ؟

 

عليكَ
أن تُدرِكَ أنَّكَ تحتاجُ إلى رَدَّةٍ لنَفسِكَ. إسمَحْ للهِ أن يضعَ علاقَتَكَ
معَهُ في مكانِها الصحيح، وأن تُبقِي هذه العلاقَة في مكانها لأجلِ إسمِهِ. ثُمَّ
عِشْ حياتَكَ وأنتَ عالِمٌ بأنَّ راعِيَكَ معَكَ، وهُوَ يمشي أمامَكَ، ويتبَعُكَ
من ورائِكَ ببِرِّهِ ورحمَتِهِ، وهُوَ يَمُدُّ لكَ مائدَةً سَخِيَّةً في
البَرِّيَّة، وهُوَ يُبارِكُ حياتَكَ ويمسَحُكَ بِدُهنِهِ، وهُوَ يملأُ كأسَكَ
سعادَةً حتَّى الفَيض. عِشْ بتأكيدٍ أنَّهُ قادِرٌ أن يعمَلَ هذه الأُمُور جميعها
كُلَّ أيَّامِ حياتِكَ، وواجِهْ الأبديَّةَ بتفاؤُلٍ لا ينضُب، عالِماً أنَّ
الرَّبَّ قادِرٌ أن يعملَ هذه الأُمُور إلى الأبد.

 

المَزمُورُ
الأوَّل

 الرَّجُل
المُبارَك

المَزمُورُ
الأوَّلُ هُوَ مَزمُورُ الرَّجُلِ المُبارَك بِدُونِ مُنازِع. وكُلُّ مزامير
الرَّجُلِ المُبارَك الباقِيَة تَتبَعُ النَّمُوذَج العام للمَزمُورِ الأَوَّل،
وتُظهِرُ لنا أنَّ الرَّجُلَ المُبارَك وبركاتِهِ ليسَ وليدَ الصُّدفَة أو الحظِّ
السَّعيد، بل وليدَ القناعاتِ والخياراتِ الرَّاسِخَة. يَقولُ المَزمُورُ الأوَّل:

 

"طُوبى
للرجُل الذي لم يسلُكْ في مشورةِ الأشرار وفي طريقِ الخُطاةِ لم يقِفْ وفي مجلِسِ
المُستهزِئينَ لم يجلِسْ لكن في ناموسِ الربِّ مسرَّتُهُ وفي نامُوسِهِ يلهَجُ
نهاراً وليلاً. فيكونُ كشجرةٍ مغروسةٍ عند مجاري المياه التي تُعطِي ثَمَرَها في
أوانِه وورقُها لا يذبُل وكُلُّ ما يصنعُهُ ينجح. ليسَ كذلكَ الأشرارُ لكنَّهُم
كالعُصافةِ التي تُذرِّيها الريح. لذلكَ لا تقومُ الأشرارُ في الدين ولا الخُطاةُ
في جماعةِ الأبرار. لأن الربَّ يعلمُ طريقَ الأبرار أما طريقُ الأشرارِ
فتهلِك."

 

من
هُوَ الرَّجُلُ المُبَارَك؟

 يتكلَّمُ
المزمورُ الأوَّلُ عن إنسانين أو رجُلَين – الإنسانُ المُبارَك، والإنسانُ
الشِّرير. إن المزمور الأوَّل هو شكلٌ من الشعرِ العِبري الذي هو أُسلوبٌ سلبي
للتعبيرِ عن حقيقةٍ إيجابية. وسوفَ يُخبِرُنا داوُد في المزمور الأول عمَّن هو
الإنسانُ المُبارَك عندما يقولُ لكَ ما ليسَ هو. فمثلاً، الإنسانُ المُبَارَك هو
مُبارَكٌ أولاً لأنَّهُ لا يسلُكُ في مَشُورَةِ الأشرار" (مَزمُور 1: 1أ)،
الذي يعني أنَّهُ يسلُكُ في مَشُورَةِ الله. فهُوَ يجدُ المَشُورَةَ في كَلِمَةِ
الله، التي بها "يلهجُ نهاراً وليلاً." (2ب)

 

أيضاً،
الرَّجَلُ المُبَارَك "لا يجلِسُ في مجلِسِ المُستَهزِئين." (1ج)
تُخبِرُنا هذه الجُملَةُ السَّلبِيَّة أنَّ الإنسانَ المُبَارَك يجلِسُ في مجلِسِ
المؤمنين لأنَّهُ مؤمن. والرجُلُ المُبَارَك يُؤمِنُ بكلمةِ الله، "وفي
نامُوسِ الرَّبِّ مسَرَّتُهُ." (2أ) فهُوَ يعرِفُ أنَّ المِفتاحَ لِجَعلِ
كَلِمَةِ اللهِ قُوَّةً هائِلَة هُوَ بإطاعَةِ كلمةِ الله. فهُوَ يسلُكُ في
مَشُورَةِ اللهِ، التي يكتَشِفُها في كلِمَةِ الله.

 

 لقد
كُتِبَ هذا المزمور على يَدِ داوُد، الذي كان الملكَ الثاني على إسرائيل، وأفضَلَ
مُلُوكِ إسرائيل على الإطلاق. وبِحَسَبِ نامُوسِ مُوسى، كانت مسؤوليَّةُ المَلِك
أن ينسَخَ النَّامُوسَ بِعِنايَةٍ، وأن يجعَلَ من نسخَةِ النَّامُوسِ خاصَّتِهِ
رفيقَهُ الدَّائِم. "فَتَكُونُ معَهُ ويقرَأُ فيها كُلَّ أيَّامِ حياتِهِ
لِكَي يتعلَّمَ أن يتَّقِيَ الرَّبَّ إلهَهُ ويحفَظَ جَميعَ كَلِماتِ هذه
الشَّريعة وهذه الفرائِض لِيَعمَلَ بها." (تثنِيَة 17: 19) بناءً على
المَزمُورِ الأوَّل، نقرَأُ في سفر المزامير المُوحى هذا أنَّهُ بإمكانِنا أن
نستَنتِجَ أنَّ هذا التَّرتيب جعلَ داوُد يُحِبُّ كَلِمَةَ اللهِ، وهذه المحبَّة
لكَلِمَةِ اللهِ جعلَتْهُ رَجُلاً مُبارَكاً.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس أ آلهة غريبة ة

 

فما
هِيَ بَركاتُ الرَّجُلِ المُبارَك؟ بعدَ وصفِ القناعاتِ والخَياراتِ التي تُشكِّلُ
الشُّرُوطَ التي تَقُودُ إلى بَركاتِ الرَّجُلِ المُبارَك، يُعَدِّدُ داوُد
بركاتِهِ:

 

الإستِقرار

 فالرجُلُ
المُبارَك هو مثل شجرةٍ مغروسةٍ عند مجاري المِياه، حيثُ الأرضُ رطِبةٌ والجُذُورُ
عميقةٌ. هل سبقَ لكَ وحاولتَ إقتلاعَ شجرة. إن فعلتَ هذا، سوفَ تجدُ أن الشجرةَ
مُتجذِّرةٌ في الأرض، ولن تتحرَّكَ من مكانِها. لهذا إستُخدِمت الشجرة كمِثالٍ
واضحٍ عن الإستقرار الذي يتمتَّعُ بهِ الرَّجُلُ المُبارَك. ولقد وصفَ يسوعُ هذا
النوع من الإستقرار عندما قال، "فالذي يسمعُ أقوالي ويعملُ بها أُشبِّهُهُ
برجُلٍ عاقِلٍ بنى بيتَهُ على الصخر، فعندما جاءتِ الرياحُ وصدمت ذلكَ البيت، لم
يسقُط لأنَّهُ كان مُؤسَّساً على الصخر." (متَّى 7: 24، 25)

 

الإثمار

 الرجُل
المُبارَك هو رجلٌ مُثمِر. فالشَّجَرَةُ التي تُمَثِّلُ حياتَهُ تُعطِي ثَمَرَها
في أوانِهِ (مَزمُور 1: 3ب). مما يعني أنهُ في كُلِّ مَواسِمِ حياتِهِ، يأتي
بالثمرِ المُناسِب لذلكَ المَوسِم منَ الحياة. ولأنَّ هذا الرجُل المُبَارَك هو
مُؤمِنٌ، ولأنَّهُ يُؤمِنُ بكلمةِ الله ويلهجُ بها ويُطِيعُها، فسوفَ يأتي بثِمارِ
اللهِ في توقيتِ الله، لأنَّهُ يذهبُ إلى ما وراء الكلمة إلى علاقةٍ شخصيةٍ مع
الله نفسه. هذه العلاقَة هي مِفتاحُ كَونِهِ مُثمِراً. ولقد علَّمَ يسُوعُ أنَّنا
علينا أنْ نثبُتَ فيهِ كما يثبُتُ الغُصنُ في الكَرمَةِ، إذا أردنا أن نَكُونَ
مُثمِرِين.

 

العُمرُ
الطَّويل

 الرَّجُلُ
المُبَارَك لا يتحوَّلُ إلى إنسانٍ جافٍّ مملووءٍ بالمرارَةِ عندما يتقدَّمُ في
السِّنّ. نَقَرأُ أنَّ الشجَرَةَ التي تُشيرُ إليهِ "ورَقُها لا
يَذبُلُ." يُذَكِّرُنا هذا بكلماتِ الشَّاعِر الذي كتبَ يَقُولُ،
"إكبَرْ معِي. فالأفضَلُ لا يزالُ آتٍ. الأخيرُ الذي صُنِعَ الأوَّلُ من أجلِهِ.
فكُلُّ يَومٍ يعيشُهُ يُحَضِّرُهُ من أجلِ اليومِ التَّالي الذي سيعِيشُهُ.
فنَوعِيَّةُ حياتِهِ تُصبِحُ أفضَلَ وأفضَل، كُلَّما إزدادَ عددُ السِّنين إلى
حياتِهِ."

 

الإزدِهار

 نقرَأُ
أيضاً عن الرَّجُلِ المُبارَك: "وكُلُّ ما يصنعُهُ ينجح"، (أي أنَّ
الرَّجُل المُبارَك يزدهِر.) (مزمُور 1: 3د) ولكنَّ داوُد لم يَكُنْ يُشيرُ هُنا
إلى الإزدِهار المادِّي بل إلى الإزدِهار الرُّوحيّ. فبِما أنَّ الأسفارَ
الشِّعرِيَّةَ تُرَكِّزُ على الإنسانِ الدَّاخِليّ بدل التَّركيز على الإنسانِ
الخَارِجِيّ، بإمكانِنا أن نفتَرِضَ أنَّ إزدِهارَ الرَّجُلِ المُبارَك هُوَ
إزدهارُ إنسانِهِ الدَّاخِليّ، وهُوَ يُؤَثِّرُ على نوعِيَّةِ حياتِهِ الأبديَّة.
فكلُّ ما نترُكُهُ وراءَنا عندَما نترُكُ هذا العالم، لا يستَحِقُّ العيشَ من
أجلِهِ في هذا العالم.

 

الأمَان

 آخِرُ
بَركاتِ الرَّجُلِ المُبارَك يُعَبَّرُ عنها سَلبِيَّاً: "لِذَلِكَ لا
تَقُومُ الأشرارُ في الدِّين، ولا الخُطاةُ في جَماعَةِ الأبرار." (مزمُور 1:
5) فالرَّجُلُ المُبارَك لديهِ أمانٌ في هذه الحياة وفي الحياةِ العتيدة، لأنَّهُ
يسلُكُ بِحَسَبِ مَشُورَةِ الله، التي يكتَشِفُها في قَلبِ كلمةِ الله. وهُوَ
سيَقِفُ أمامَ عملِ المَسيحِ المُتَمَّمِ يومَ الدَّينُونَة، وسينضَمُّ إلى
جماعَةِ الأبرارِ إلى الأبديَّةِ. وكما تَظهَرُ البركاتُ في مَزمُورِ الرَّاعِي،
فإنَّ بَرَكاتِ الرَّجُلِ المُبارَك في المَزمُورِ الأوَّل هي: "كُلَّ
أيَّامِ حياتِهِ، وإلى الأبد."

 

إنسانانِ
جالِسانِ على مِقعَدٍ، أيٌّ منهُما هُوَ أنتَ؟

 يَصِفُ
داوُد الإنسانَ الشِّرِّير بقَولِهِ بِبَساطَةٍ، "لَيسَ كذلكَ
الأشرارُ." (4أ) فالشِّرِّيرُ لا يُؤمِنُ كما يُؤمِنُ الإنسانُ المُبارَكُ.
والشِّرِّيرُ لا يتمتَّعُ بكَلِمَةِ اللهِ، ولا يلهَجُ بها نهاراً وليلاً.
ونتيجَةً لهذا، لا يتمتَّعُ بالإستقرارِ ولا بالإثمارِ ولا بطُولِ الأعمار ولا
بالإزدهارِ ولا بالأمان، ولن يختَبِرَ نوعِيَّةَ الأبديَّةِ التي سيختَبِرُها
الإنسانُ المُبَارَكُ.

 

 فلماذا
الإنسانُ المُبارَكُ مُبارَكٌ؟ بِسَبَبِ الخَياراتِ التي يتَّخِذُها. فهُوَ يختارُ
أن يُؤمِنَ وأن يلهجَ بكلمةِ الله، وهُوَ يختارُ بأن يبتَعِدَ عن غير المُؤمنين،
وعن طُرُقِهِم غير المثمرَة. فبرَكاتُهُ هي مائِدَةُ عواقِب خياراتِهِ.

 

إنَّ
تَحَدِّي مَزمُور كُلّ إنسان مُبارَك يطرَحُ السُّؤالَ التَّالِي: "إنسانانِ
جالِسانِ على مِقعَدٍ، أيٌّ منهُما هُوَ أنت؟" بنِعمَةِ الله، هل أنتَ
الرَّجُل المُبارَك؟ وهل تجلِسُ في مقعَدِ المُؤمِن؟ وهل تُؤمِنُ بكَلِمَةِ الله؟
وهل تلهَجُ بها نهاراً وليلاً؟ وهل تسلُكُ في المَشُورَةِ التي تكتَشِفُها منها؟
بِحَسَبِ المَزمُورِ الأوَّل، هذا هُوَ المِفتاحُ لبَرَكاتِ الرَّجُلِ المُبارَك.

 

المَزمُورُ
المئة والثَّامن والعِشرُون

 هل
الكُلُّ مُبارَكٌ؟ "طُوبَى لكلِّ من يتَّقي الربَّ ويسلُكُ في طُرُقِهِ.
لأنَّكَ تأكلُ تعبَ يديك. طُوبَاكَ وخيرٌ لكَ. امرأتُكَ مِثلُ كرمةٍ مُثمِرَةٍ في
جوانبِ بيتِكَ. بَنوكَ مثلُ غُروسِ الزيتون حولَ مائدَتِكَ. هكذا يُبارَكُ الرجُلُ
المُتَّقي الرب. يُبارِكُكَ الربُّ من صِهيون وتُبصِرُ خيرَ أورشليمَ كُلَّ أيامِ
حياتِك. وترى بني بنيكَ. سلامٌ على إسرائيل."هل الكُلُّ مُبارَك؟

 

كثيرون
يُحبُّون أن يَضَعُوا نقطةً نهائية بعدَ عبارة "طُوبَى لكُلِّ"، التي
قرأتُها لتَوِّي، لأنَّهُم يُريدون أن يقولَ المزمور "مُبارَكٌ
الكُلُّ." على أيَّةِ حال، تُخبِرُنا أسفارُ الكتابِ المُقدَّس أنَّ بَركاتِ
الرَّجُلِ المُبَارَك مَشرُوطَةٌ: "طُوبَى لِكُلِّ من يَتَّقِي الرَّبَّ ويَسلُكُ
في طُرُقِهِ." (مزمُور 128: 1) وكما كُنَّا نتعلَّمُ، الرَّجُلُ المُبَارَكُ
ينالُ البَرَكات بسببِ قناعاتِ إيمانِهِ وخياراتِهِ الحكيمة.

 

 يُعَلِّمُ
هذا المَزمُورُ أنَّ كُلَّ من يخافُ الرَّبَّ هُوَ مُبارَكٌ، ولكنَّ هذا يُثيرُ
سُؤالاً آخَر: ألم يُعَلِّمْنا سِفرُ أيُّوب أنَّ اللهَ لا يُبارِكُ بالضرورةِ
دائماً الصالحين؟ فَعِندَما قالَ أصدِقاءُ أيُّوبَ لهُ أنَّ اللهَ يُعاقِبُ الذين
يُخطِئُونَ ويُبارِكُ الذين لا يُخطِئُون، قالَ لهُم اللهُ أنَّهُم كانُوا على
خَطَأ. ولكنَّنا نتعلَّمُ من مزامير الرَّجُلِ المُبارَك أنَّ الإنسانَ المُبارَكَ
عادَةً يحصُدُ ما يَزرَعُ، وعندما يتألَّمُ أشخاصٌ مثل أيُّوب، يكُونُونَ
الإستِثناء وليس القاعِدَة.

 

إستراتيجيَّةُ
الله

 يُعَلِّمُنا
المَزمُور 128 أنَّ بَرَكَاتِ الرَّجُلَ المُبارَك تتلاءَمُ معَ ستراتيجيَّةِ
اللهِ للتأثيرِ على العالم. وكما تعلَّمنا من سفرِ أيُّوب، التَّجاوُبُ المُناسِبُ
على كَونِنا مُبارَكين ليسَ، "يا رَبّ ماذا ستُعطيني؟ "بل "يا
رَبُّ كيفَ يُمكِنُ كَونِي إنساناً مُبارَكاً أن يُؤدِّي لكَ منفَعَةً؟"

 

 إستراتيجيَّةُ
اللهِ تتبَعُ نمُوذَجاً. فهُوَ يَجِدُ إنساناً يُؤمِنُ بهِ ويُطيعُهُ، ويختارُ أن
يُبارِكَهُ (1- 2) وهكذا تجتازُ برَكَةُ اللهِ من الرَّجُلِ إلى زوجَتِهِ،
فتُصبِحُ زَوجَتُهُ مثلَ كرمَةٍ مُثمِرَةٍ في بَيتِهِ (3أ). ثُمَّ تجتازُ
البَرَكَةُ عبرَ الرَّجُلِ وعبرَ زوجَتِهِ المُثمِرَة إلى أولادِهم، الذين نقرَأُ
عنهُم أنَّهُم "مثلُ غُروسِ الزَّيتُون حولَ مائِدَتِكَ." (3ب) وترمُزُ
شجَرَةُ الزَّيتُونِ إلى الإثمار.

 

 تجتازُ
بَرَكاتُ اللهِ من خلالِ وِحدَةِ العائِلَة لتُبارِكَ مملكَةَ شعبِ الله، التي
كانت المُجتَمَعَ الرُّوحِيَّ في العهدِ القَديم. ومن خلالِ هذا المُجتَمَعِ
الرُّوحيّ، تُؤَثِّرُ بَرَكَةُ اللهِ لهذه العائِلة على المَدينة، ثُمَّ على
الأُمَّة، ثُمَّ على العالَمِ بأسرِهِ. يُعَلِّمُ هذا المَزمُورُ بِشَكلٍ أساسيٍّ
أنَّ اللهَ يستَخدِمُ وحدَةَ العائِلَة ليُخبِرَ العالَمَ عن نفسِهِ. فعندما
يُريدُ اللهُ أن يُؤَثِّرَ على المَدينَة، الوطن، والعالم، يبدَأُ بإنسانٍ
مُبارَكٍ وبعائِلَةٍ مُبارَكَة.ة.

 

المَزمُور
المئة والسَّابِع والعِشرُون

 أولوِيَّاتُ
العِنايَةِ الإلهيَّة "إن لم يبنِ الربُّ البيت فباطِلاً يتعبُ البنَّاؤون.
إن لم يحفظ الربُّ المدينة فباطِلاً يسهرُ الحارِس. باطِلٌ هو لكُم أن تُبكِّرُوا
إلى القِيام مُؤخِّرين الجُلُوس آكلين خُبزَ الأتعاب. لكنَّهُ يُعطِي حبيبَهُ
نوماً. هوذا البنون ميراثٌ من عندِ الربّ ثمرةُ البطنِ أُجرةٌ. كَسِهامٍ بيدِ
جبَّار هكذا أبناءُ الشبيبة. طُوبَى للذي ملأَ جُعبَتَهُ منهم. لا يخزَون بل
يُكلِّمُون الأعداءَ في الباب."

 

 هذا
المَزمُورُ القَصير، الذي ينبَغي أن يُحسَبَ رَفيقاً للمَزمُور 128، هو المزمور
الوحيد الذي كتبَهُ سُليمان. قد نتوقَّع أن يكونَ مزمورُ سُلَيمان عن البِناء،
لأنَّ سُليمان كان بنَّاءً عظيماً. فسُليمان لم يبنِ فقط الهيكل، الذي سُمِّيَ على
إسمِهِ، بل بنى أيضاً مُدُناً وحدائقَ عامَّة، وبنى أساطيل سُفُنٍ وبنى إسطبلات
للمئات من خيلِهِ. رُغمَ ذلكَ، يُخبِرُنا سُليمانُ أنَّهُ منَ المُمكِنِ أن يبنِيَ
الإنسانُ باطِلاً: "إن لم يبنِ الربُّ البيت، فباطِلاً يتعبُ
البنَّاؤون." (1) ما يقولُهُ سُليمان في هذا المزمور هو أنهُ من المُمكِن أن
نتعَب ونجتهِد ونبني، ولكن باطِلاً، لأنَّهُ من المُمكِن أن نهتمَّ ونجتهِدَ
لبِناءِ الشيء الخطأ.

 

إن
مزمورَ سُليمان هذا هُوَ أشبَهُ بكَلِماتِ حِكمَةِ سُلَيمان الأخيرة في سفرِ
الجامِعَة، والتي فيها وعظَ بهذا المِقدار عمَّا فعلَهُ في حياتِهِ باطِلاً
وبِدُونِ جَدوَى. وعندما ينتَقِلُ من إستِعارَةِ البِناءِ إلى الإستِعارَةِ
الجميلَةِ عنِ الأولاد، يَقُولُ للأهلِ أنَّ أكثَرَ الأُمورِ أهَمِّيَّةً التي
بإمكانِهم أن يعمَلُوها، هو عندما يبنُونَ حياةَ أولادِهم. فلَرُبَّما كانَ
سُلَيمانُ يَقُولُ لنا أنَّهُ يتمنَّى لو أنَّهُ قَضَى وقتَهُ وهُوَ يبنِي حياةَ
أولادِهِ بدلَ أن يُشيدَ الأبنِيَة التي إشتَهَرَ بها.

 

يَقُولُ
سُلَيمانُ: "كَسِهامٍ بِيَدِ جَبَّار، هكذا أبناءُ الشَّبيبَة." (4)
السِّهامُ في هذه الإستِعارَة هي أولادُكُم، وأنتُم القَوس. إنَّ الزُّخمَ والوُجهَةَ
التي ينطَلِقُ بها أبناؤُكُم نحوَ هذا العالم تَتَحَدَّدُ من قِبَلِ القَوسِ الذي
يُطلِقُها إلى هذا العالم. هذا القَوسُ هُو منزِلُ الأهل.

 

 الحقيقةُ
الكُبرى في المزمور 127 تُوجدُ في الجملة الإفتتاحية: "إن لم يبنِ الربُّ
البيت فباطِلاً يتعبُ البنَّاؤون." هُناكَ أشياء لا يستطيعُ أحدٌ أن يعملَها
إلا الله وحدَه. اللهُ وحدَهُ يقدِر أن يخلُقَ حياةً جديدةً في قلبِ أولادِكَ.
فالإيمانُ هو فقط عطيةٌ من الله. فبمعنىً ما، اللهُ لا يستطيعُ أن يبنِيَ حياةَ
ولَدِكَ، إلى أن تدعَهُ يعمَلُ ذلك. وهذه الحقيقَةُ مُغَلَّفَةٌ في إستِعارَةٍ
جميلة. فسُلَيمانُ يَقُولُ أنَّ اللهَ "يُعطي حبيبَهُ نَوماً." فطالَما
نحنُ مُتَيقِّظُون، لا يستَطيعُ اللهُ أن يضعَ الطَّاقَةَ في أجسادِنا. ولكن عندما
نُصبِحُ سَلبِيِّينَ ونخلُدُ للنَّوم، يُصبِحُ اللهُ فاعِلاً ويضَعُ حياةً جديدَةً
في أجسادِنا. طَبِّقْ هذه الإستِعارَة على مَسُؤوليَّاتِكَ وتحدِّياتِكَ كوالِدٍ
لأولادِكَ.

 

ماذا
يعني هذا؟

 منَ
المُمكِنِ أن نغرَقَ في الهُمُومِ، وأن نتعبَ وأن نبنِيَ باطِلاً وبِدُونِ جدوَى،
لأنَّنا لدَينا الأولويَّات المغلُوطَة. هذا المَزمُور يتحدَّانا ويَحُضُّنا على
أن نضعَ كُلَّ جُهُودِنا في حياةِ أولادِنا، لأنَّهُ من خلالِ خَلِيَّةِ العائِلة
يُؤَثِّرُ اللهُ على العالم. علينا أن نُكَرِّسَ ذواتِنا إلى هذه الأولَوِيَّاتِ،
لأنَّ الشِّرِّيرَ يعرِفُ أنَّ اللهَ يستخدِمُ خَلِيَّةَ العائِلة ليُؤَثِّرَ على
العالم. إنَّ عدوَى تفسُّخ الزواج وإنهيار العائِلة الذي يشهَدُهُ مُجتَمَعُنا
اليوم، يُعَبِّرُ عنِ الحقيقَةِ المأساوِيَّة أنَّ الشَّيطانَ مُصَمِّمٌ على
تخريبِ عملِ اللهِ الحيَوِيّ هذا، من خلالِ قطعِ وترِ قوسِ العائِلة.

 

فهل
الكلُّ مُبارَكٌ؟ ليسَ بِحَسَبِ ما تَعَلَّمنا من مَزمُور الرَّجُلِ المُبَارَك.
فقط الإنسانُ المُؤمِنُ و الطَّائِعُ هُوَ المُبارَك، وبَرَكاتُهُ تُؤَثِّرُ على
العالم من خلالِ أولادِهِ. فهل أنتَ هذا الرَّجُل أو هل أنتِ هذه المرأة؟ تأمَّلْ
بشُرُوطِ الإنسانِ المُبَارَك وببَرَكاتِهِ، ثُمَّ أجِبْ على هذا السُّؤال: "إنسانانِ
جالِسانِ على المِقعَد؛ أيٌّ منهُما هُوَ أنت؟"

 

المَزمُورُ
الرَّابِع

 حُلُولٌ
للضغط

 بعدَ
أن تأمَّلنا بِبَعضِ مزامِيرِ الرَّجُلِ المُبَارَك، أصبَحنا جاهِزينَ لنتأمَّلَ
ببَعضِ المزامير التي أُسَمِّيها المزامير العاطِفيَّة. هذه المَزامير هي غالِباً
مزاميرُ صلاة، حيثُ يتكلَّمُ المُرَنِّمُ معَ اللهِ عنِ الإنسان – وهو يتكلَّمُ
عادَةٍ عن نفسِهِ. أحدُ هذه المزامير هُوَ المزمُورُ الرَّابِع:

 

"عندَ
دُعائي استجِبْ لي يا إلهَ بِرِّي. في الضيقِ رحَّبتَ لي. تراءَفْ عليَّ واسمَعْ
صلاتي. يا بني البَشَر حتَّى متى يكونُ مجدي عاراً. حتَّى متى تُحبُّونَ الباطِلَ
وتبتغون الكذِب. فاعلَموا أن الربَّ قد ميَّزَ تقيَّهُ. الربُّ يسمعُ عندما
أدعُوهُ. ارتعِدُوا ولا تُخطِئوا. تكلَّمُوا في قُلُوبِكُم على مضاجِعِكُم
واسكُتُوا. اذبَحوا ذبائحَ البرِّوتوكَّلوا على الرب. كثيرون يقولون من يُرينا
خيراً. ارفَعْ علينا نورَ وجهكَ يا ربُّ. جعلتَ سُروراً في قلبي أعظمَ من
سُرُورِهم إذ كثُرَت حِنطَتُهُم وخمرُهُم. بِسلامةٍ أضطجعُ بل أيضاً أنام. لأنَّكَ
أنتَ يا ربُّ في طُمأنينةٍ تُسكِّنُني."

 

كيفَ
ينبَغي أن نتجاوَبَ معَ الضَّغط؟

 إن
الحالةَ العاطفية لِكاتِبِ المزمور الرابع هي حالةٌ تعيسة. في هذا المَزمُور،
يُعالِجُ المُرَنِّمُ مُشكِلَةَ الضَّغط. فالعالَمُ المضغُوطُ الذي نعيشُ فيهِ
اليوم، تمَّ وَصفُهُ بأنَّهُ "عالَمُ القَلَق." يُرينا هذا المَزمُورُ
كيفَ نتعايشُ معَ الضَّغطِ الذي نُواجِهُهُ يوميَّاً.

 

صَلاة

 في
المزمور 4، تجاوَبَ داوُد معَ الضُّغُوطاتِ العاطِفيَّة من خلالِ الصَّلاة.
فَصَلَّى قائِلاً: "عندَ دُعائي استجِبْ لي يا إلهَ بِرِّي." (1)
فالصلاةُ هي مُحادثةٌ مع الله. والمُحادَثَةُ لها بُعدان – التَّكَلُّمُ
والإستِماع. فاللهُ يُريدُكَ أن تتكلَّمَ معَهُ، ولكنَّهُ يُريدُ هُوَ أيضاً أن
يتكلَّمَ إليكَ. في مُعظَمِ مزامير الصَّلاة، نرى أوَّلاً المُرَنِّمَ يتكلَّمُ
معَ الله، ومن ثَمَّ نسمَعُ اللهَ يُجيبُهُ. فالمُرنِّمُ يتضرَّعُ إلى اللهِ، ثمَّ
ينالُ تأكيداً أنَّ اللهَ سَمِعَ صلاتَهُ، لأنَّهُ يستَجيبُ صلاتَهُ.

 

 بدَأَ
داود هذه الصَّلاة بإخبارِهِ اللهَ عن مَصدَرِ تعاسته وضيقِه. (2)فأجابَ اللهُ
بإعطائِهِ داوُد إعلاناً: "فاعلَموا أن الربَّ قد ميَّزَ تقيَّه. الربُّ
يسمعُ عندما أدعوهُ. ارتعِدُوا ولا تُخطِئوا." (3، 4أ) في أيِّ وقتٍ تُستجابُ
صلاتُكَ، لا ينبغي أن تبقى كما أنتَ عليه. فكِّر بما تعنيهِ الصلاةُ المُستجابَة.
فهي تعني أن اللهَ مُهتَمٌّ بنا، وهُوَ يسمع، ويَستَجيب صلواتِنا عندما نتحادَثُ
معَهُ. وسُرعانَ ما نختَبِرُ إستِجابَةَ صَلاةٍ، لا تبقَى الحياةُ بالنِّسبَةِ لنا
كما كانت عليهِ سابِقاً.

هل تبحث عن  م التاريخ تاريخ الكتاب المقدس تاريخ إسرائيل 59

 

إمتَحِنْ
قَلبَكَ

 عندَما
تكلَّمَ اللهُ معَ داوُد، أخبَرَهُ أن يعمَلَ شَيئاً، "تكلَّموا في
قُلُوبِكُم على مضاجِعِكُم واسكُتُوا." (4ب) عِندَما أخبَرَ اللهُ داوُد بأن
يسكُتَ أمامَ الرَّبّ، كانَ يطلُب منهُ أن يُصغِيَ إليهِ. بِمعنىً ما، عندما قالَ
الرَّبُّ لِداوُد أن يتأمَّلَ في قَلبِهِ على مضجَعِهِ، كانَ يَقُولُ لِداوُد أن
يتكلَّمَ معَ نفسِهِ. لقد أرادَ الرَّبُّ أن يمتَحِنَ داوُد قلبَهُ أو أن يجتَمِعَ
معَ نفسِهِ.

 

إعمَل
الشَّيءَ الصحيح

 بينما
كانَ داوُد يمتَحِنُ قَلبَهُ، أظهَرَ لهُ اللهُ ماذا ينبَغي عليهِ أن يفعَلَ
حِيالَ ضِيقِهِ أو قَلَقِهِ. فلقد جعلَ اللهُ داوُدَ أن يعرِفَ أنَّ واجِبَهُ هُو:
"إذبَحوا ذبائحَ البرِّ وتوكَّلوا على الرب." (5) لماذا إحتاجَ أن
يعمَلَ هذا؟ لأنَّ كَثيرينَ كانُوا يُراقِبُونَ ويسأَلُون، "من يُرينا
خَيراً؟" (6 أ) فلقد كانَ النَّاسُ يُراقِبُونَ داوُد. وكانُوا يتعلَّمُونَ
عن اللهِ من مِثالِ داوُد.

 

بإمكانِنا
أن نفتَرِضَ أنَّ داوُد كانَ يُواجِهُ قراراً تطلَّبَ خياراً. فكانَ بإمكانِهِ أن
يعمَلَ مصلَحَتَهُ ويعيش. أو كانَ بإمكانِهِ أن يعمَلَ الصَّوابَ. فإذا عمِلَ
الصَّواب، ظَنَّ أنَّهُ لن يستَطيعَ تحمُّلَ ضغط أزَمَتِه. فبما أنَّهُ كانَ
رَجُلاً صادِقاً، لم يستَطِعْ أن يَعيشَ معَ ذنبِ عمَلِ ما هُوَ لِمَصلَحَتِهِ.
فعندما قامَ بهذه المُحادَثَة معَ الله، عقدَ العَزمَ على أن يُقَدِّمَ أيَّةَ
تضحِياتٍ كان يتوجَّبُ عليهِ تقديمُها ليعملَ الصَّواب. لقد عرفَ أنَّ النَّاسَ
كانُوا يُفتِّشُونَ عن شَيءٍ جَيِّد، أي عن شخصٍ يعمَلُ الصواب، حتَّى ولو تطلَّبَ
الأمرُ تضحياتٍ كبيرة.

 

عندما
قرَّرَ داوُد أنَّهُ سيُقدِّمُ تضحِياتٍ كبيرَةً منَ البِرِّ، إختَبَرَ تغيُّراً
عاطِفيَّاً. قالَ، "جعَلتَ سُروراً في قَلبِي أعظَمَ من سُرُورِهم…
بِسلامَةٍ أضطَّجِعُ بل أيضاً أنامُ، لأنَّكَ أنتَ يا رَبُّ في طُمأنِينَةٍ
تُسَكِّنُني." (مزمُور 4: 7 أ و8).

 

إذا
وجدتَ تفسَكَ وحالَتَكَ العاطفيَّة المُضطَّرِبَة في ضِيقِ داوُد، تأمَّلْ في
قَلبِكَ وتحادَثْ مع الله. فإذا أمكَنَ رَدُّ قَلَقِكَ إلى صراعٍ رُوحِيٍّ حولَ ما
هُوَ لِمَصلَحَتِكَ وما هُوَ الصَّواب، قرِّرْ في قَلبِكَ أن تُقَدِّمَ تضحياتِ
البِرّ، وأن تَضَعَ ثِقَتَكَ في الله. بَرهِنْ أنَّ حَلَّ داوُد للضَّغطِ والقَلَق
يُمكِنُ أن يُغَيِّرَ عواطِفَكَ تجاهَ التشنُّجِ الأدبي، وتجاهَ عدَمِ الإستِقرار
والتَّعبِ والخَوفِ، ويُحَوِّلَها إلى جَوٍّ عاطِفيٍّ تَسُودُهُ الرَّاحَةُ التي
تنبُعُ منَ الثِّقَة، السَّلام، والنَّوم الهَنيء.

 

المَزمُور
المئة والتَّاسِع والثَّلاثُون

 المُشِيرُ
القَدير

 "إختبرني
يا الله، واعرِفْ قلبي. إمتحنِّي واعرفْ أفكاري. وانظُرْ إن كانَ فيَّ طريقٌ
باطِلٌ واهدِنِي طريقاً أبديَّاً." (مزمُور 139: 23, 24)

 

مِثالٌ
آخر عن مَزمُورِ الصَّلاة، حيثُ يتكلَّمُ المُرَنِّمُ المُوحَى معَ اللهِ عنِ
الإنسان، هُوَ مَزمُورُ الصَّلاة المئة والتَّاسِع والثَّلاثُون. في هذا
المَزمُور، نَجِدُ اللهَ بأنَّهُ المُرشِدُ القَدير. عندما كَلَّمَ اللهُ شاوُل من
خلالِ صَمُوئيل أنَّهُ وجدَ بديلاً لهُ لِيَحِلَّ محَلَّ المَلِكِ الأوَّل
لإسرائيل، وصفَ اللهُ داوُد بأنَّهُ رَجُلٌ بِحَسَبِ قَلبِ الله، الذي يعمَلُ
مشيئَتَهُ. وبما أنَّ داوُد أرادَ أن يسلُكَ في مَشيئَةِ اللهِ في حياتِهِ، صلَّى
هذه الصلاة الجميلة لله. جوهَرُ هذه الصلاة نَراهُ يُصَلَّى في العَدَدَينِ
الأخِيرَين. فإذا قَسَمنا باقي المَزمُور إلى مقاطِع، كلُّ مقطَعٍ سيُرينا من هُوَ
اللهُ الذي صلَّى لهُ داوُد هذه الصلاة – ولماذا وجَّهَ داوُد صلاتَهُ لهذا الإله.
عندما صَلَّى داوُد هذه الصلاة، كان يُوجَدُ الكثيرُ منَ الآلِهَةِ والأصنامِ التي
كانت تُوجَّهُ الصلاةُ لها.

 

في
المقطَعِ الأوَّل، يُخبِرُنا داوُد أنَّهُ يُصَلِّي لإلهٍ يعرِفُهُ. فمَعرِفَةُ
اللهِ بِداوُد غيرُ مَحدُودَةٍ. صَلَّى داوُد قائِلاً: "يا رَبُّ قدِ
إختَبَرتَني وعَرَفتَني." (1) قد تَقُولُ أنَّكَ تعرِفُ شخصاً مشهُوراً،
لَرُبَّما قائِداً سِياسيَّاً في بَلَدِكَ. ولكن، ألَن يَكُونَ الأمرُ ذا تأثيرٍ
أقوَى لو قالَ رَجُلُ السِّياسَةِ هذا في العَلَن أنَّهُ هُوَ الذي يَعرِفُكَ
شَخصيَّاً؟ لقد أُعجِبَ داوُد بالحقيقَةِ المَجيدة أنَّ اللهَ رَبَّ الكَون
يعرِفُهُ شَخصيَّاً.

 

 عندما
تذهبُ لاستشارةِ مُحلِّلٍ نفسي، سوفَ يكونُ هذا المُحلِّلُ محدوداً بمقدار المعرفة
عن نفسِكَ الذي تكشِفُهُ له، ومقدار انفتاحِكَ لهُ وإخبارِكَ إياهُ عن نفسِك. هذه
الأمور سوفَ تحدُّهُ مهما كان بارِعاً. أما اللهُ فهو يعرِفُ تاريخَكَ الإجتماعي
بشكلٍ كامل لأنَّهُ الإله الذي يعرِفُك بالتمام. يقولُ داوُد، "يا الله، أنتَ
عرفتَ جُلوسي وقِيامي. فهِمتَ فِكري من بعيدٍ. مَسلَكِي ومَربَضِي ذرَّيتَ وكُلَّ
طُرُقِي عرفت." (مزمُور 139: 3ب).

 

 المقطَعُ
الثاني في هذا المزمور (6- 12) يُخبِرُنا أن داود يُصلِّي إلى الله الذي لن
يستطيعَ أن يهرُبَ منهُ أبداً. صَلَّى داوُد قائِلاً: "أينَ أذهبُ من رُوحِكَ
ومن وجهِكَ أينَ أهرُب؟" فبِأَيَّةِ سُرعَةٍ عليكَ أن تُسافِرَ لكَي تهرُبَ
من وَجهِ الله؟ وإلى أيِّ مكانٍ بَعيدٍ بإمكانِكَ أن تهرُبَ؟ وإلى أيِّ مُرتَفَعٍ
أو هاوِيَةٍ تستطيعُ أن تَسمُوَ أو تنخَفِض، لكي تهرُبَ من وجهِ الله؟ يُوَجِّهُ
داوُد هذه الصلاة للإلهِ المَوجُودِ في كُلِّ مكانٍ، والذي لا مَفَرَّ منهُ.

 

 يُظهِرُ
المَقطَعُ الثَّالِثُ (13- 16) أنَّ داوُد يُصَلِّي للهِ الذي خلَقَهُ. لقد خاطَبَ
داوُد اللهَ قائِلاً، "لأنَّكَ أنتَ إقتَنَيتَ كُليَتَيَّ، نَسَجْتَني في
بَطنِ أُمِّي… رأت عيناكَ أعضائي وفي سِفرِكَ كُلُّها كُتِبَتْ يومَ تصوَّرَتْ
إذ لم يكُنْ واحِدٌ منها." (مَزمُور 139: 13، 16).فقَبلَ أن نُوجَدَ، خَطَّطَ
اللهُ لكُلِّ أيَّامِنا في سِفرٍ. فَكِّرْ بذلكَ بينَما تُخَطِّطُ لأيَّامِكَ،
أسابِيعِكَ، وشُهُورِكَ على مُفَكِّرَتِكَ السَّنَويَّة. هذا يعني أيضاً أنَّهُ لا
يُوجَدُ ما يُسَمَّى بالمُصَادَفَة البَشَرِيَّة. فنحنُ جميعاً نُوجَدُ بمُوجَبِ
خُطَّةِ العِنايَةِ الإلهيَّة. فَكِّرْ بذلكَ بيَنما يُخَطِّطُ النَّاسُ للإجهاض.

 

مقطَعُ
رابِعٌ (17، 18)، يُظهِرُ أنَّ داوُد يُوَجِّهُ صلاتَهُ إلى اللهِ الذي يُفَكِّرُ
بهِ. نتعلَّمُ من داوُد أنَّ أفكارَ اللهِ من جِهَتِنا هي عزيزَةٌ جدَّاً ولا
عَدَّ ولا حصرَ لها (17). أحد أكثر التَّعابير الحميمة المُؤَثِّرَة هي أن نَقُولَ
لمَن نُحبّ أنَّنا نُفَكِّرُ بهِ دائماً. فاللهُ يُفَكِّرُ بنا أكثَر ممَّا
نُفَكِّرُ بِنُفُوسِنا.

 

وأخيراً،
يُوَجِّهُ داوُد صلاتَهُ إلى اللهِ الذي يحميهِ (19- 22). فهُوَ يسأَلُ اللهَ في
هذا الإطار أن يقضِيَ على أعدائِهِ. وهُوَ يُصَلِّي صلاتَهُ طالِباً الحمايَةَ
بِثِقَةٍ عظيمَةٍ أنَّ اللهَ سيُساعِدُهُ على القَضاءِ على أعدائِهِ.

 

بعدَ
تفصيلِ هذه الصِّفَة عنِ الله الذي صلَّى لهُ داوُد، يُصَلِّي داوُد جوهَرَ
صلاتِهِ عندَما يطلُبُ منَ اللهِ أن "يختَبِرَهُ ويعرِفَهُ وينظُرَ إن كانَ
فيهِ طريقٌ باطِلٌ شِرِّيرٌ (23، 24). لقد قدَّمَ داوُد هذا الطَّلَبَ منَ اللهِ
الذي لا يستطيعُ أن يهرُبَ منهُ، ومنَ اللهِ الذي يَعرِفُهُ، والذي صنعَهُ
ويُفَكِّرُ بهِ وسيَحَميِهِ.

 

هذا
هُوَ الإلهُ الذي نُوَجِّهُ لهُ كُلَّ صَلَواتِنا. عندما لا تَكُونُ مُتَأكِّداً
حيالَ دوافِعِ قَلبِكَ، ولكنَّكَ تُريدُ أن تسلُكَ في الطَّريقِ الأبديّ لمشيئَةِ
اللهِ لحياتِكَ، إقتَرِبْ من عَرش ِالمُشير القَدير الذي صَلَّى داوُد لهُ.
أُطلُبْ منهُ أن ينزِعَ السدَّةَ أو الغِطاءَ عن قَلبِكَ، وأن يُريَكَ الدَّوافِعَ
التي لا ينبَغي أن تَكُونَ موجُودَةً في قَلبِكَ. أُطلُبْ منهُ أن ينزِعَ
السَّدَّةَ عن ذِهنِكَ، وأن يُظهِرَ لكَ الأفكارَ التي لا ينبَغي أن تَكُونَ
مَوجُودَة فيهِ، لأنَّكَ تُريدُ أن تسلُكَ في الطَّريقِ الأبديِّ بِحَسَبِ إرادَةِ
اللهِ لِحَياتِكَ.

 

المَزمُورُ
المِئَة

"اهتِفِي
للربِّ يا كُلَّ الأرض. اعبُدُوا الربَّ بفرحٍ. ادخُلُوا إلى حضرتِهِ بترنُّمٍ.
اعلموا أن الربَّ هو الله. هو صنعنا ولهُ نحنُ شعبُهُ وغنمُ مرعاه. ادخُلوا
أبوابَهُ بحمدٍ دِيَارَهُ بالتسبيح إحمَدُوهُ بارِكُوا اسمَهُ. لأنَّ الربَّ
صالحٌ. إلى الأبدِ رحمتُهُ وإلى دورٍ فَدَورٍ أمانتُهُ."

 

 المَزمُورُ
المِئة هُوَ مَزمُورُ العِبادَةِ بِدُونِ مُنازِع. فهُوَ يُخبِرُنا عمَّا هِيَ
العِباَدة. العبادةُ هي المجيء إلى حضرةِ الله. فهناكَ ما يُسمَّى بحُضُور الله،
والمَجيءُ إلى محضرِ الله هو جوهرُ العِبادَة. وكمزمور العِبادَة النموذَجي، لا
يُفسِّرُ لنا دَاوُد في المزمور 100 ماهيَّةَ العِبادةِ فقط، بل وأيضاً كيفيَّة
العِبادة.

 

ففي
زَمَنِ العَهدِ القَديم، كانت تُوجَدُ أُصُولٌ في البُرُوتُوكول ينبَغي
إتِّباعُها، إذا أَرَدتَ مُقابَلَةَ المَلِك. فأوَّلُ أمرٍ تعملُهُ، كانَ أن
تدخُلَ عبرَ الأبواب الكبيرة التي تصلُ بكَ إلى قصرِ المَلِك. وإن كان الملكُ الذي
ستُقابِلُهُ عظيماً، فسوفَ تمرُّ عبرَ ممرَّاتٍ طويلة مُتَتالِيَة، ثُمَّ تمرُّ
عبرَ صفٍّ طويلٍ من الجنودِ على الجانِبَين. وسوفَ تصلُ إلى بوَّاباتٍ مُتعاقِبَة،
فتظن أنَّها ستُؤدِّي بكَ إلى حضرةِ الملك، ولكنّها ستقودُكَ إلى ممرٍّ طويلٍ آخر.
وأخيراً، سوفَ تجدُ بابينِ كبيرين مُغلّفَين بالذهبِ أو الفضَّة، يُؤدِّيانِ بِكَ
إلى حضرةِ الملك. وهكذا إلى أن تكونَ قد وصلتَ إلى حضر ةِ الملك، تكونُ قد كوَّنتَ
انطباعاً عن أهميَّتِه.

 

 بما
أنَّ داوُد كانَ مَلِكاً،كانَ هذا البرُوتُوكُول مألُوفاً لدَيهِ. فلقد إختَارَ
هذا البُروتُوكُول كَصورةٍ مجازيَّةٍ لإيضاحِ تعريفِهِ للعِبادَة، وكيفَ ينبَغي أن
نعبُد. فبالنِّسبَةِ لِداوُد، العِبادَة هي أن ندخُلَ إلى حضرةِ الله.

 

إن
مجيئَكَ إلى حضرةِ الله ينبغي أن يبدأَ "بأبوابِ الحمد." (4أ) هذا يعني
أنهُ عليكَ أن تبدأَ عبادتَكَ بشكرِ الله على بركاتِه. فالشُّكرُ يُوَلِّدُ
العِبَادَة. والقَلبُ الشَّاكِرُ هُوَ "البابُ" الذي يَصِلُ بنا إلى
محضَرِ الله.

 

 يُخبِرُنا
داوُد في هذه الصورةِ المجازيَّة أن أبوابَ الحمدِ تقودُ إلى دِيار التسبيح. (4ب)
فعندَما نبدَأُ إختِبارَنا بالعَبادَةِ معَ التَّسبيح، سُرعانَ ما نَجِدُ
نُفُوسَنا نُسَبِّحُ الله. ثُمَّ ننتَقِلُ منَ شُكرِ اللهِ على بَرَكاتِهِ
الكَثيرَة، إلى التحدُّثِ معَ اللهِ وتسبِيحِهِ بِسَبَبِ كَونِهِ من هُوَ. وبينما
نجتازُ وسطَ "أبوابِ الحَمدِ،" نُرَكِّزُ على يَدِ اللهِ التي نأخُذُ
منها الكَثير. ولكن سُرعَانَ ما ندخُلُ إلى دِيارِ التِّسبيح حتَّى يتحوَّل
تركِيزُنا على وجهِ اللهِ.

 

 لِقُرُونٍ
طَويلَة، رَدَّدَ أبطالُ الإيمانِ أنَّ البابَ الذي يَقُودُ إلى محضَرِ اللهِ هُوَ
بابُ التَّسبيح. ولكي نُتابِعَ الصورةَ المجازيَّة المُوحاة التي إستَخدَمها
داوُد، فإن البابَ الذي يُؤدِّي مُباشرةً إلى محضرِ الملك هو بابُ الترنيم. فكتبَ
داوُد يَقُولُ: "أدخُلُوا إلى حَضرَتِهِ بِتَرَنُّمٍ." (2ب) فداوُد هُوَ
الذي دمجَ الموسيقَى مع العِبادَة. فلقد كان لِداود فرقةً موسيقيَّةً وجوقةً
مُؤلَّفةً من أربعةِ آلاف لاوي، الذين لم يفعَلوا شيئاً آخر غيرَ التدرُّبِ على
الترنيم والعزف على آلاتِهِم الموسيقيَّة التي صنعَها داود لهذا الغَرَض (1أخبار
الأيَّام 23: 5).

 

هُناكَ
أوقاتٌ في حيَاتِنا نحتاجُ فيها أن نُعبِّرَ عن أشياء لا يُعبَّرُ عنها. لهذا
يُعطي المُتَحابُّونَ لبَعضَيهِما أسماءَ أو أَلقَابَ رقيقَةً قد يُحرَجُونَ أو
يحمَرُّونَ خَجَلاً إذا ذَكَرُوها فيما بعد. ذلكَ لأنَّهُما يُحاوِلانِ من خلالِ
هذه الألقابِ أن يُعَبِّرا عن حُبِّهِما الذي لا يُعَبَّرُ عَنهُ لِبَعضِهِما
البَعض. وهذه الحاجَة للتَّعبيرِ عمَّا لا يُعَبَّرُ عَنهُ تظهَرُ في أجلَى
صُوَرِها عندَما نَكُونُ في مَحضَرِ الله. فلَقَد أعطَانا اللهُ مُعجِزَةَ
المُوسِيقَى لِنُعَبِّرَ عن عِبادَتِنا التي لا يُعَبَّرُ عنها بالكلامِ في محضَرِ
الله. فبالنِّسبَةِ لداوُد، المُوسيقَى هي التي تفتَحُ أمامَنا البابَ إلى محضَرِ
الله.

 

عِندَما
ندخُلُ إلى محضَرِ الله، بإمكانِنا أن نعرِفَ بالإختِبارِ أُمُوراً لم نعرِفْها
مُسبَقاً إلا عقلِيَّاً. أوَّلاً، نعرِفُ بِشَكلٍ مُطلَقٍ أنَّهُ الله. فعندما
نعبُدُ، نعتَرِفُ بأنَّ الرَّبَّ هُوَ الله، وأنَّنا نحنُ غنَمُ مَرعاه. (3) قد
يَكُونُ هذا ما قصدَهُ بُولُس عندما كتبَ أنَّهُ "لا يستطيعُ أحدٌ أن يَقُولَ
أنَّ يسُوع رَبّ إلا بالرُّوحِ القُدُس." (1كُورنثُوس 12: 3).

 

ثُمَّ
نعرِفُ إختِبارِيَّاً أنَّ "الرَّبَّ صالِحٌ." فنَحنُ غالِباً ما
نُقاوِمُ تسليمَ نُفُوسِنا كُلِّيَّاً للهِ، وبدلَ أن نعتَرِفَ قائِلين،
"الرَّبُّ صالِحٌ،" نَقُولُ من خلالِ أعمالِنا، "الرَّبُّ
مُرعِبٌ." يَقُولُ هذا المَزمُورُ أنَّنا في محضَرِ الله، لا نَعرِفُ فقط
أنَّ الرَّبَّ هُوَ الله، بل ونَعرِفُ أيضاً أنَّ "الرَّبَّ صالِحٌ."
(5أ) فإرادَةُ اللهِ لنا هي إرادةٌ صالِحة، لأنَّهُ هُوَ نفسُهُ صالِحٌ.

 

 وفي
محضَرِ اللهِ، نعرِفُ أيضاً أنَّ اللهَ يُريدُ أن يعرِفَ كُلُّ الناس في كُلِّ
الأجيالِ وفي كُل الأرض أن اللهَ صالحٌ، وأن يأتُوا بِدَورِهم إلى محضَرِهِ،
ليَعرِفُوا ما نعرِفُهُ نحنُ. "يا كُلَّ الأرض،" هكذا ينتهي العددُ
الأول من المزمور. والكلمتان الأخيرتان في العدد الأخير من هذا المزمور هما
"دورٍ فدور، أو كُلّ الأجيال.". هذا يعني أنهُ في كلِّ جيلٍ وفي كُلِّ
الأرض، يُريدُ اللهُ أن يعرِفَ الجميعُ ماذا يعني أن نعبُدَ في حضرتِه. إن أعظمَ
المُرسَلِين في تاريخِ الكنيسة، وأعظمَ رِجالاتِ الله في الكِتابِ المُقدَّس،
كانوا جميعاً عابِدِينَ لله بِدُخُولِهِم إلى محضَرِهِ، قبلَ أن يُصبِحوا عامِلين
لله بِخُرُوجِهِم لأجلِهِ.

 

 نَمُوذَجُ
إختِبارِ العِبادَةِ هذا يُعَبَّرُ عنهُ في العددِ الثَّانِي من هذه المَزمُور،
الذي يَحُثُّنا، "بأن نخدُمَ الربَّ بفرح." فعِندَما نعبُدُ اللهَ
بِحَقٍّ، نخدُمُهُ بِفَرحٍ، وليسَ لكَونِ خدمَتِهِ واجِباً علينا. إن المزمور 100،
مَزمُورَ العِبادَة، يُخبِرُنا عن ماهية العِبادة، كيفيَّة العبادة، وماذا ينبغي
أن يحدُثَ عندما نعبُد، وماذا ينبغي أن تكونَ نتائج العِبادة.

هل تبحث عن  م الأباء أغسطينوس أقوال أغسطينوس 25

 

المَزمُورُ
الرَّابِع والثَّلاثُون

 وصفَةٌ
للفَشَل

 إن
المزمور 34 هو واحدٌ من مَزامير الصَّلاة العاطِفيَّة، رُغمَ أنَّ هناكَ الكثير من
العِبادَةِ والوعظ في هذا المزمور. تُوضِحُ الكتابَةُ المَوجُودَةُ في بِدايَةِ
المَزمُور الرَّابِع والثَّلاثِين خلفِيَّتَهُ التَّاريخيَّةَ. فهُوَ يُمَثَّلُ
مرحَلَةً قاتِمَةً مُظلِمَةً من تاريخِ حياةِ داوُد، عندما كانَ هارِباً من وجهِ
الملك شاوُل. نجدُ وصفاً لهذه المرحلة المُظلِمَة في حياةِ داود في صَمُوئيل
الأوَّل الإصحاحَين 21 و22. عندما هرَبَ داوُد من شاوُل، وأصبَحَ عَدُوَّهُ
الأوَّل، قامَ داوُد بهدَفِ حِمايَةِ نفسِهِ والحفاظِ على بقائِهِ بالتَّحالُفِ
معَ مَلِكِ الفِلسطِيِّين. وعندما فَشِلَ هذا التَّحالُف بِدَورِهِ، أصبَحَ داوُد
هارِباً، وعاشَ في الكُهُوفِ والبَرارِي. ثُمَّ نقرَأُ بعدَها أنَّهُ قد إنضَمَّ
إلى داوُد في البَرِّيَّة كُلُّ مُرِّ النِّفس، وكُلُّ مديُونٍ ومُتَضايِق
(1صَمُوئيل 22: 2) أن تَكُونَ مَديُوناً في الحضاراتِ القَديمة كانَ يعني أن
تَكُونَ تحتَ خطَرِ السِّجنِ، كما نَجِدُ ذلكَ مُوَضَّحاً في مَثَلِ يسُوع في
الإصحاحِ الثَّامِن عشَر من إنجيلِ متَّى. منَ المُربِكِ أن نُدرِكَ أنَّ هذا كانَ
لِقاءَ داوُد الأوَّل معَ الرِّجالِ الذي سيُصبِحُونَ لاحِقاً "أبطالَ
داوُد."

 

 المَزمُور
34 هُوَ نَمُوذَجٌ مُختَصَرٌ عمَّا وعظَ بهِ داوُد لأُولئكَ الهارِبينَ الفاشِلين،
الذين أصبَحُوا لاحِقاً أبطالَ الملك داوُد، لأنَّهُ فهِمُوا وآمنُوا بِجَوهَرِ ما
وعظَهُم بهِ. يُمكِنُ تلخيصُ وصفَةِ داوُد للفَشَل بالقَول، "ثلاثَةُ أشخاصٍ
على المِقعَد أيٌّ منهُم هُوَ أنتَ؟"

 

الإنسانُ
ذُو الرَّجاء

 الإنسانُ
الذي يتمسَّكُ بالرَّجاء، يُؤمِنُ بأنَّهُ يُوجَدُ خَيرٌ في هذا العالم، وبأنَّهُ
سوفَ يكتَشفُ هذا الخَير. اللهُ يضعُ رَجاءً في قُلوبِنا، لأنَّ الرَّجاءَ مُمكِنٌ
أن يَقُودَنا إلى الإيمان. لهذا يبدَأُ إصحاحُ الإيمانِ في الكتابِ المُقدَّس
بإخبارِنا أنَّ الإيمانَ يُعطِي مادَّةً للأُمُورِ التي نترجَّاها، أو
"الإيمانُ هُوَ الثِّقَةُ بما يُرجَى." فالإيمانُ هُوَ الذي يَقُودُنا
إلى الله.

 

في
أميركا، يقومُ ما بين 25 ألفاً إلى 30 ألفاً من الناس بالإقدامِ على الإنتحار
سنويّاً. عندما يدرُسُ المُحلِّلُون النفسيُّون والإجتماعيُّون حالات الإنتحار هذه
ويتساءلون "لماذا إنتحروا؟" يتوصَّلون إلى النتيجةِ التالية: أحد
الأسباب التي جعلَتْهُم يُقدِمُونَ على الإنتحار، هُوَ لأنَّهم فقدوا الأملَ
والرجاء. فعندما يفقُدُ النَّاسُ الإقتناع بأنَّ خيراً سوفَ يُصيبُهُم، يُقدِمُونَ
على الإنتِحار.

 

فمن
جهة، من المأساةِ أن نعرِفَ مثلاً أنَّهُ فقط في الولايات المُتحدة ما بين 25 إلى
30 ألف شخص سنوياً يفقدون الأملَ ويُقدِمُون على الإنتحار، ولكن من جهةٍ أُخرى
أليسَ مُعجِزةً أن يتمسَّكَ بالرجاءِ والأمل، حوالي 250 مليون نسمة في هذا البلد
نفسَهُ؟ فنحنُ نتمتَّعُ بالأمَلِ والرَّجاء، لأنَّنا نُولَدُ وهذا الرَّجاءُ
مزروعاً في قُلُوبِنا. إنَّ قَصدَ اللهِ هُوَ أنَّ الرَّجاءَ الذي يزرَعُهُ في
قُلُوبِنا ينبَغي أن يَقُودَنا إلى الإيمان، وخُطَّةُ اللهِ هي أنَّ إيمانَنا
ينبَغي أن يَقُودَنا إلى علاقَةٍ شَخصِيَّةٍ معَ الرَّبّ.

 

 يُخبِرُنا
الرسول بُولُس أن أعظم ثلاثة ميزات للحَياة في هذا العالم هي الإيمان، الرجاء،
والمحبة (1كُورنثُوس 13: 13). فالرجاءُ هو أعظَمُ هذه المِيزات، لأنَّهُ لا
يَقُودُنا إلى شَيءٍ يَقُودُنا بِدَورِهِ إلى الله. بل عندَما نختَبِرُ نَوعِيَّةَ
المَحَبَّةِ التي يَصِفُها بُولُس الرَّسُول، نكُونُ قد وصَلنا إلى ضالَّتِنا
المَنشُودة، أي إلى الإلتِقاءِ بالله. فالكلماتُ المألُوفَةُ، "اللهُ
محبَّة،" تعني أنَّهُ تُوجدُ نَوعِيَّةٌ منَ المحبَّةِ التي اللهُ هُوَ
نفسُهُ إيَّاها.

 

الإنسانُ
المَعدُومُ الرَّجاء (مَزمُور 34: 16، 21)

 هُناكَ
ما يُسمَّى بالإنسان المَعدُوم الرَّجاء. فالإنسانُ الذي يُحَاوِلُ أن يتَّخِذَ
خُطُواتٍ ضِدَّ الله، هُوَ إنسانٌ لا رَجاءَ لهُ. فإن كانَ اللهُ معكَ، فمن يقدِرُ
أن يكُونَ ضِدَّكَ؟ ولكن، إن كانَ اللهُ ضِدَّكَ، فمن يستطيعُ أن يَكُونَ معَكَ؟
لقد كانَ الرَّسُول بُولُس يُوافِقُ معَ مُعَلِّمِي النَّامُوس القُدَامَى، أمثال
غمالئيل، عندما كتبَ قائِلاً، "إنْ كانَ اللهُ معَنا، فمن عَلَينا؟"
وعكسُ ذلكَ هُوَ صحيحٌ أيضاً، "إن كانَ اللهُ ضِدَّنا، فمن يستطيعُ أن
يَكُونَ معنَا؟" (رُومية 8: 31؛ أعمال 5: 34- 40) الإنسانُ الذي يعمَلُ ضِدَّ
الله يتحرَّكُ بإتِِّجاهٍ يجعَلُ من حَيَاتِهِ معدُومَةَ الرَّجاء. يُعَبِّرُ
داوُد عن هذه الحقيقة عندما يقُول، "وَجهُ الرَّبِّ ضِدّ فاعِلي الشَّرّ…
الشَّرُّ يُبيدُ الأشرار." (مزمُور 34: 16، 21).

 

الإنسانُ
السَّعيدُ (المُبارَك) (مَزمُور 34: 15، 17- 20، 22)

 الإختِبارُ
والمُلاحَظَة يُرَكِّزانِ على سعادَةِ وبَرَكَةِ الإنسانِ البارّ، وعلى إنعدامِ
سعادَةِ وإنعِدَامِ بَرَكَةِ الإنسان الشِّرِّير. هذه المُلاحَظة تَصِحُّ بِشَكلٍ
عام في هذه الحياة. إنَّ سِفرَ أيُّوب وأسفار أُخرى كَثيرَة تُحَذِّرُنا بالقَول،
"إيَّاكُُم أن تَقُولُوا دائماً، وإيَّاكُم أن تَقُولوا أبداً."
(أُنظُرْ: "ثلاثُونَ سَبَباً لِسَماحِ اللهِ لِشعبِهِ بأن يتألَّمَ"
الذي هُوَ بمثابَةِ مُلاحَظاتٍ إضافِيَّةٍ على سِفرِ أيُّوب في هذا الكُتَيِّب.)
ففي الحالَةِ الأبديَّة، ستَكُونُ مُلاحَظَةُ داوُد حقيقَةً دائمة (المَزمُور 73).

 

الحَدَث
(مزمُور 34: 3- 8)

 لقد
أخبَرَ داوُد هَؤُلاء الرِّجال التَّائِهين والفاشِلين عن إختبارِهِ الشَّخصِيّ،
وكيفَ إنتَقَلَ من حالَةِ الإنسانِ المَعدُوم الرَّجاء، إلى الإنسان الذي يتمتَّعُ
بالرَّجاءِ، ومن ثَمَّ بالسَّعادَة. لاحِظُوا هذه التَّصريحاتِ الشَّخصِيَّة
لِداوُد: "طَلَبتُ الرَّبَّ… أصغَى إليَّ… من كُلِّ مخاوِفي أنقَذَني…
هذا المِسكِينُ صَرخَ… والرَّبُّ سَمِعَهُ، ومن كُلِّ ضيقاتِهِ أنقَذَهُ."
هذهِ هي شهادَةُ داوُد عن إختبارِهِ الشَّخصيّ للتَّجديد.

 

وَصفَةُ
داوُد للفَشَل

"ذُوقُوا
وانظُرُوا ما أَطيَب الرَّبّ،" ثُمَّ إكتَشِفُوا أنَّ الإنسان الذي يُؤمِنُ
باللهِ هُوَ إنسانٌ مُبَارَكٌ. (8) ومن خلالِ إختِبارٍ شَخصِيٍّ للتَّجديد،
إكتَشِفُوا أنَّ الرَّبَّ هُوَ الخير الذي كُنتُم دائِماً ترجُونَ أن تختَبِرُوهُ
في هذه الحَياة.

 

العَهدُ
بينَ داوُد ورِجالِهِ الأقوِيَاء

"عَظِّمُوا
الرَّبَّ مَعِي، ولنُعَلِّ إسمَهُ معاً." (3) هذا العَهدُ هُوَ وصفٌ جَميلٌ
لِلمُجتَمَعِ الرُّوحيّ. هذا هُوَ نَوعُ الوَعظِ الذي أنتَجَ أبطالَ داوُد. لا
تَنسُوا أبداً أنَّ أبطالَ داوُد كانُوا هارِبينَ وفاشِلينَ عندما إلتَقاهُم
داوُد. وكانُوا أيضاً يرزَحُونَ تحتَ الدُّيُون والضِّيقاتِ.

 

تَجِدُونَ
أيضاً في أبطالِ داوُد الحقيقَةَ التي تمَّ إيضاحُها في حياةِ أشخاصٍ مثل مُوسَى،
وكُلِّ القُضاة، وداود نفسه. هذه الحقيقة هي أنَّ اللهَ يُسَرُّ بأن يعملَ
أُمُوراً غير إعتِيادِيَّة من خلالِ أشخاصٍ إعتِيادِيِّين. فمَزمُورٌ مثل المزمُور
34، وكُلّ ظاهِرة أبطال داوُد تُعطي معنىً أوضحَ لما أُسمِّيهِ الأسرار
الرُّوحيَّة الأربَعة:

 

لستُ
أنا المُهِمّ، بل الرّبّ هُوَ المُهِم، وهُوَ معي.

أنا
لا أستَطيع، ولكنَّ الرَّبَّ يستطيع، وهُوَ معي.

أنا
لا أُريدُ، ولكنَّ اللهَ يُريدُ، وهُوَ معِي.

أنا
لم أعمَلْ، بل اللهُ هُوَ الذي عمِلَ، لأنَّهُ كانَ معي.

 

المَزمُور
السَّادِس والأربَعُون

 "اللهُ
لنا ملجأٌ وقوَّةٌ. عوناً في الضيقاتِ وُجِدَ شديداً. لذلكَ لا نَخشَى ولو
تزحزَحَتِ الأرضُ ولو انقَلَبَتِ الجِبالُ إلى قلبِ البِحَار. تعجُّ وتجيشُ
مياهُها. تتزعزعُ الجِبالُ بِطُمُوِّها. … نهرٌ سواقيهِ تُفرِّحُ مدينةَ الله
مَقدَسَ مساكِنِ العليّ. اللهُ في وسطِها فلن تتزعزَع. يُعينُها اللهُ عندَ إقبالِ
الصُّبح. عجَّتِ الأُمَمُ. تزعزعتِ الممالِكُ. أعطَى صوتَهُ ذابتِ الأرضُ. ربُّ
الجُنودِ معنا. ملجأُنا إلهُ يعقُوب…. هلُمُّوا انظُروا أعمالَ الله كيفَ جعلَ
خِرَبَاً في الأرض. مسكِّنُ الحُرُوب إلى أقصَى الأرض. يكسِرُ القوسَ ويقطعُ
الرُّمح. المركَبَاتُ يُحرِقُها بالنار. كُفُّوا واعلَمُوا أنِّي أنا الله.
أتعَالَى بينَ الأُمَم أتَعَالَى في الأرض. ربُّ الجُنُودِ معنا. ملجأُنا إلهُ
يعقوب… كُفُّوا واعلَمُوا أنِّي أنا اللهُ. أَتَعَالَى بينَ الأُمَم أَتَعَالَى
في الأرض. رَبُّ الجُنُودِ معَنا. مَلَجأُنا إلهُ يعقُوب." (مَزمُور 46: 1-
7، 10- 11)

 

 بالنِّسبَةِ
لِبَني قُورَح، المُرَنِّمينَ القُدَامَى الذين كتَبُوا هذا المَزمُور، كانَ
مفهُومُ إنقِلابِ الجَبَلِ إلى قَلبِ البَحرِ صُورَةً مجازِيَّةً غير معقُولَة.
فقَلبُ الرِّسالَةِ التَّعَبُّدِيَّة التي قدَّمها هؤُلاء الإخوة اللاوِيُّون كانَ
أنَّهُ، عندما يتداعَى عالَمُنا الشَّخصِيّ، نحتاجُ أن نهدَأَ ونعرِفَ أنَّ اللهَ
جالِسٌ على العَرش، وأنَّ مَشيئَتَهُ لا تتَزَعزَع. (10) لقد شاهَدَ الناسُ حولَ
العالَمِ كيفَ إنهارَ البُرجانِ التَّوأَمانِ لمَركَزِ التِّجارَةِ العالَمِي في
الوِلاياتِ المُتَّحِدَة الأميركيَّة، وذلكَ في لحظاتٍ معدُودات. كانَ هذا مِثالاً
مُعاصِراً عن صُورَةٍ مجازِيَّةٍ لا تُعقَل. كانَ هذا هُوَ جَبَلُنا الذي ينقَلِبُ
إلى قَلبِ البِحار.

 

 نحتاجُ
أن نُرَكِّزَ على الحقيقَةِ أنَّهُ في هذا العالم، تُوجَدُ قِيَمٌ زمنِيَّةٌ
مُؤَقَّتَة، وتُوجَدُ قِيَمٌ أبديَّة. إنَّ الإستِعارةَ التي إستَخدَمَها كُتَّابُ
المَزامير القُدامَى للتَّعبيرِ عن مفهُومِ القيَمِ الأبديَّة والزَّمَنِيَّة
المَوجُودة جنباً إلى جنب، هي بمثابَةِ نهرٍ مُتَدَفِّقٍ عبرَ هذا العالم المادِي
المُؤَقَّت والذَّاتي التَّدمير، وهذا النَّهرُ لا يُمكِنُ زحزَحتُهُ ولا
تدميرُهُ. فاللهُ قائمٌ في وسطِ هذا النَّهر، الذي يتدفَّقُ عبرَ هذا العالم،
ويأتي بالفَرَحِ الكَبير بينما يتدفَّقُ إلى مدينَةِ اللهِ الأبديَّة. قد
يُمَثِّلُ هذا النَّهرُ شَعبَ اللهِ، الذي لدَيهِ حياةٌ أبديَّة لأنَّ لديهِ
علاقَة معَ إلهِهِ الأبديّ. فالرَّسُولُ يُوحَنَّا، الذي كانَ قد صارَ شَيخاً
طاعِناً في السِّنّ، وصفَ شعبَ اللهِ بالطريقَةِ التَّاليَة: "وأمَّا الذي
يَصنَعُ مَشيئَةَ اللهِ، فيَثبُتُ إلى الأبَد." (1يُوحَنَّا 2: 17).

 

 فكَونُ
هذا النَّهر لا يُمكِنُ أن يتزعزَعَ، يعني أنَّهُ قد يُمَثِّلُ القِيَمَ
الأبديَّةَ التي تتَدفَّقُ عبرَ هذا العالَم المادِيّ الزَّائِل. فهؤُلاء
المُرنِّمُون يَقُولُونَ لنا أنَّهُ عندَما يتدَاعى عالَمُنا حرفِيَّاً أو
مجازِيَّاً، عندَها نحتاجُ أن نَكُفَّ ونتوقَّفَ لوقتٍ طويلٍ، وأن نُرَكِّزَ على
حَقيقَةِ أنَّ اللهَ مَوجُودٌ، وأنَّ كُلَّ ما لهُ علاقَةٌ باللهِ فسيَبقَى إلى
الأبد.

 

 نُخبَرُ
في العهدِ الجَديد أنَّنا لا نستطيعُ أن نأتِيَ إلى اللهِ، ولا أن نُرضِيَ الله،
إلا إذا آمَنَّا أنَّ اللهَ مَوجُودٌ (عبرانِيِّين 11: 6). بِحَسَبِ هذا المَزمُور
العظيم، عندما يتدَاعَى عالَمُنا، وبعدَ أن نَكُونَ قد أكَّدنا حقيقَةَ أنَّ اللهَ
كائِنٌ ومَوجُودٌ، فنحنُ نحتاجُ أيضاً إلى نُسَكِّنَ أنفُسَنا بِشَكلٍ كافٍ،
لنَعرِفَ ما هي مشيئَةُ الله. فاللهُ يُريدُ أن يتعظَّمَ بينَ الأُمَم، واللهُ
يُريدُ أن يتمجَّدَ على الأرض. يُخبِرُنا المَزمُورُ السَّادِس والأربَعُون أنَّهُ
في زَمَنِ الإضطِّراباتِ، نحتاجُ أن نهدَأَ ونعرِفَ أنَّ اللهَ لديهِ إرادَةٌ
واضِحَةٌ تجاهَ هذا العالم وتجاهَ حياتِنا الشخصيَّة.

 

 هذا
المَزمُور لديهِ المزيد منَ كلماتِ التَّعزِيَة والنَّظرَةِ الرُّوحِيَّة لنا،
عندما يَكُونُ عالَمُنا الحقيقيّ أو الشَّخصي ذاتِيّ التَّدمير. فإذا تفحَّصتُم
بعضَ هوامِش التَّرجمات الأُخرى، تكتَشِفُونَ أنَّ هؤُلاء المُرَنِّمِينَ
القُدَامَى كانُوا يَقُولُونَ لنا أنَّ إلَهَنا "مُتَوَفِّرٌ بفَيضٍ
ليُسَاعِدَنا في ضِيقاتِنا." فعِندَما قالُوا لنا أن نَكُفَّ ونعلَمَ أنَّ
الرَّبَّ هُوَ الله، وما هي مشيئَةُ الله، كتبُوا ما معناهُ: "إستَريحُوا،
كُفُّوا عنِ المُقاوَمة، إستَلسِمُوا واعلَمُوا (بواسِطَةِ الإختِبارِ والعلاقَة)،
أنَّني كائِنٌ، وأنَّني تماماً كما تَقُولُ كَلِمَتي عنِّي. واعلَمُوا أيضاً
أنَّني معَكُم في أوقاتِ ضِيقَتِكُم، وأن لَدَيَّ مَشيئَةٌ حِيالَ الطريقَة التي
بها ينبَغي أن تَتَجاوَبُوا معَ ظُرُوفِ حياتِكُم الصَّاخِبَة."

 

 عندما
يُعانِي شَعبُ اللهِ من خسائِرَ في مُمتَلَكاتِهم المادِّيَّة بسببِ الكَوارِث،
مثل الزلازِل، الطَوافانات، النَّار، أو بسببِ الكوارِث التي يُحدِثُها الإنسان
كالحَربِ مثلاً، فرُغمَ أنَّهُ لا يُوجَد أيُّ خَيرٍ في هذه الكوارِثِ والمآسِي،
فاللهُ يستخدِمُ أَحياناً هذه الإضطراباتِ ليُعَلِّمَ شَعبَهُ الفَرقَ بينَ
كُنُوزِ السَّماءِ وكُنُوزِ الأرض. لقد علَّمَنا يسُوعُ أن نخزِنَ لنا كُنُوزاً في
السَّماءِ، لأنَّ كُنُوزَ الأرضِ تَزُولُ ويسرِقُها منَّا اللُّصُوص. (متَّى 6:
19- 21).

 

 يُعتَبَرُ
هذا المَزمُورُ أيضاً مزمُوراً نَبَويَّاً، لكَونِهِ يُقَدِّمُ بطريقَةِ إستِعارَةٍ
مجازِيَّة ما يُسَمِّيهِ الأنبِياءُ والرُّسُلُ "يَومَ الرَّب." فعندما
يتنبَّأُ الأنبياءُ بِحَدَثٍ ما، يُقَدِّمُونَ أحياناً هذا الحَدَث وكأنَّهُ سبقَ
وأخذَ مجراهُ. هذا ما يُسَمَّى "بالماضِي النَّبَوِيّ الكامِل." إنَّ
كُتَّابَ هذا المَزمُور يُقَدِّمُونَ يومَ الرَّبِّ وكَأنَّهُ قد سبقَ وحدَثَ،
وكأنَّهُم يأخُذُونَنا في رِحلَةٍ نتجوَّلُ بها في وسطِ الأراضِي المنكُوبَة،
بِنفسِ الطريقة التي يتجوَّلُ بها الحاكِمُ أو رَئيسُ بَلدٍ ما في طائِرَةٍ فوقَ
المناطِق المَنكُوبَة، ليُقدِّرَ الأضرار. في هذا الإطار، يتمُّ تكرارُ الأعداد
الإفتِتاحِيَّة والخِتامِيَّة، ونُوضَعُ أمامَ التَّحدِّي بأن نَكُفَّ ونَعلَمَ
أنَّ الرَّبَّ هُوَ الله، وأنَّ مَشيئَتَهُ ثابِتَةٌ. (1، 10، 11). كُلُّ المقاطع
الكتابِيَّة التي تُخبِرُنا عن يَومِ الرَّبّ، تُشَدِّدُ على التَّطبيق، "أيُ
أُناسٌ يَجِب أن نَكُونَ نحنُ، في سِيرَةٍ مُقدَّسَةٍ وتقَوى، بما أنَّنا رأينا
أنَّ هذه الأشياء المادِيَّة كُلَّها ستَنحَلُّ وتتَدمَّر؟" (2بُطرُس 3: 10،
11)

 

 عندَما
إنهارَ بُرجا مَركزِ التِّجارَة العالَمِي في الوِلاياتِ المُتَّحِدَةِ
الأميركيَّة، بالإضافَةِ إلى خسارَةِ آلافِ النُفُوسِ، تمَّ تدميرُ رَمزٍ يُشيرُ
إلى القِيَم العالميَّة الدُّنيَوِيَّة بالنِّسبَةِ للملايينِ منَ النَّاس.
بالطَّبع اللهُ ليسَت لهُ علاقَةٌ بالإرهابِ، وليسَ هُناكَ أيُّ شَيٍ صالِحٌ في
المآسي التي يُعانِي منها الأبرياءُ على أيدي الظَّالِمين. ولكنَّ اللهَ يستَخدِمُ
أحياناً الكوارِثَ كطريقَةٍ لإيقاظِ شَعبِهِ من رُقادِهِ، وليَقُودَهُم إلى نظامِ
قِيَمٍ رُوحيَّةٍ وأبديَّة. هذا هُوَ جَوهَرُ رِسالَةِ هذا المَزمُورِ العظيم الذي
كُتِبَ على أيدي بَني قُورَح.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي