تَفْسِير
سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ

 

جولة
سريعة في سفر المزامير

ناشد
حنا

 

المحتويات

مقدمة:

أولاً: كاتبوا المزامير

ثانياً: استعمال المزامير

ثالثاً: تقسيم السفر

رابعاً: المواضيع الرئيسية في سفر المزامير

خامساً: الاقتباسات من المزامير

سادساً: أفق المزامير

سابعاً: الرب يسوع هو محور المزامير



مقدمة:

 

عزيزي
القارئ

ليس
قصدي أن ندرس سفر المزامير، لكني بنعمة الله أريد أن أقدم إليك هذه الصفحات
القليلة كحصيلة لجولة سريعة في ذلك السفر كنت قد تحدثت عنها في بعض خدمات سجلها
بعض الأحباء ثم رأيت أن أكتبها في عبارة سهلة بسيطة لكي أشركك معي فيما تمتعت به
من لذائذ أثناء جولتي في هذا السفر الثمين الذي هو بحق، كما يصفه الكثيرون، قلب
الكتاب المقدس. فنعرف محتوياته والموضوعات الرئيسية فيه، ونتعرف على أهدافه وآفاقه
وكيف نستفيد منه ونستخدمه لتسبيح الرب وهو المستحق لكل التسبيح والحمد.

 

 يقول
الرب له المجد لتلاميذه بعد قيامته وقبل صعوده "كان يجب أن يتم كل ما هو
مكتوب عني في موسى والأنبياء والمزامير" وبهذا يبين الرب أولاً _ إن كل
الكتاب هو عنه وأن شخصه له المجد، هو موضوع الكتاب المقدس كله، وكما ورد في سفر
الرؤيا من أن شهادة يسوع هي روح النبوة. فإذا أخرجنا الرب يسوع المسيح من النبوة،
تصبح بلا روح.

 

 والعهد
القديم يشمل ثلاثة أقسام هي موسى (أسفار موسى الخمسة)، والمزامير، والأنبياء وكلها
تتكلم عن الرب يسوع المسيح له كل المجد. موسى كتب خمسة أسفار: التكوين، الخروج،
اللاويين، العدد، التثنية.

 

 وسفر
المزامير عبارة عن خمسة كتب وكل قسم منها ينتهي بخاتمة معينة تبين أن هذا هو آخر
القسم. أليس هذا أمراً عجيباً أيها القارئ العزيز؟ إننا عندما نقرأ وندرس كلمة
الله ونتذوق لذائذها ونكتشف عجائبها تلهج قلوبنا مع المرنم "اكشف عن عيني
فأرى عجائب من شريعتك. والأعجب من تقسيم سفر المزامير إلى خمسة أقسام أو كتب أن كل
قسم أو كتاب منها يقابل كتاباً من كتب موسى الخمسة وبنفي الترتيب. فالكتاب الأول
يقابل سفر التكوين والكتاب الثاني يقابل سفر الخروج والكتاب الثالث يقابل سفر
اللاويين. والكتاب الرابع يقابل سفر العدد والكتاب الخامس يقابل سفر التثنية.

 

 يقول
بعض المفسرين أن سفر المزامير هو قلب الكتاب المقدس. لماذا؟ لأنه يتكلم عن مشاعر
وعواطف الرب يسوع أولاً، ومشاعر قديسي الرب الذين اجتازوا في الآلام ثم أنقذهم
الرب منها ويتكلم أيضاً عن مشاعر البقية التقية في الضيقة العظيمة في مستقبل الأيام.

 

 فالرب
يسوع المسيح له كل المجد تألم في هذا العالم وأهين وحمل أسقامنا وأمراضنا. ماذا
كانت مشاعره؟ في الأناجيل نرى أن الرب شفى الرجل الذي كان أعقد أي أخرس وأصم.
والرب لم يشفه بقدرته فقط بل شاركه بعواطفه: إنسان خلقه الله. لماذا خلقه؟ لكي
يسبحه. لكن هذا الإنسان الذي أتى أمام الرب كان أخرس لأن الخطية جعلته هكذا. ثم إن
الله خلق الإنسان أيضاً لكي يسمع كلامه ولكن هذا الإنسان كان أصم لا يسمع لأن
الخطية جعلته هكذا فتألم الرب لحال هذا الإنسان وأن المرأة المنحنية قبل أن يشفيها
الرب قال لها إذ رقت عواطفه إليها يا امرأة أنت محلولة من ضعفك. كان قصد الله أن
يكون الإنسان وجهه إلى أعلا وليس إلى أسفل بينما نجد أن كل البهائم وجهها إلى أسفل
ولا يوجد بين خليقة الله ما يرفع وجهه إلى أعلا سوى الإنسان. لكن هذه المرأة كانت
منحنية ووجها إلى أسفل، وكم من أناس بعمل الشيطان، يجعلهم منحنين، وبدلاً من أن
يرفعوا عيونهم إلى أعلا ليروا الله فإنهم يخفضون وجوههم إلى أسفل فلا يرون سوى
الظروف وما حولهم فيضعفوا وينحنوا.

 

 كما
أننا نرى في سفر المزامير مشاعر الرب الداخلية عندما ذهب إلى المحاكمة. ثم إلى
الصلب وكل الإهانات التي وجهت إليه والآلام التي قاساها من ثقب يديه ورجليه إذ
دقوا فيها المسامير ثم علقوه على الصليب.

 

 ففي
الأناجيل نقرأ أنهم أهانوه واحتقروه واستهزأوا به أثناء محاكمته كما دقوا في يديه
ورجليه المسامير وعلقوه على الصليب. هذه الحوادث مذكورة في الأناجيل ولكن من
المزامير نعرف مشاعر قلب الرب يسوع وأحاسيس نفسه من القول "إلهي إلهي لماذا
تركتني بعيداً عن خلاص عن كلام زفيري. إلهي في النهار أدعو فلا تستجيب في الليل
أدعو فلا هدوء لي وأنت القدوس الجالس بين تسبيحات اسرائيل إليك صرخ آباؤنا صرخوا
فنجيتهم إليك صرخوا فنجوا عليك اتكلوا فلم يخزوا. أما أنا فدودة لا إنسان (مز 22:
1 _ 6). هذه المشاعر الداخلية لا نجدها في الأناجيل بل في المزامير التي تكشف لنا
قلب الرب وشدة آلامه فيعبر عنها بمثل هذه التعبيرات "إلهي إلهي.."

 

 فنرى
في سفر المزامير عواطف الرب وأيضاً عواطف المنسحقين والمتألمين الذين سكبوا قلوبهم
أمام الرب كما نجد كلمات التشجيع مثل توكل على الرب. انتظر الرب واصبر له ولا تغر
لفعل الشر.

 

 كما
أننا نجد في المزامير اختبارات الإفراد الذين عبروا عن مشاعرهم في ضيقاتهم وكيف
تدخل الرب وخلصهم وهذا يشجعنا لكي نتمثل بإيمانهم ونستفيد من اختباراتهم.

 

 ولكن
هناك مزامير لا تنطبق إلا على شخص الرب له كل المجد. فإذا سألنا كيف كتبها كاتبوها
طالما أنها لا تنطبق على اختباراتهم؟ نجد الجواب في قول الرسول بطرس
"الأنبياء الذين تنبأوا باسم الرب لم يكونوا يعرفون ما يدل عليه روح الرب
الذي فيهم لكنه قال لهم أنه ليس لأنفسهم بل لنا كانوا يخدمون بهذه الأمور.

 

 فمثلاً
مزمور 22 الذي اقتبسنا منه سابقاً القول إلهي إلهي لماذا تركتني يقول فيه أنك لم
تترك واحداً ممن طلبوك.. كل الذين اتكلوا عليك نجيتهم إذن هذا لا ينطبق على داود
ولا ينطبق على أي شخص آخر غير شخص الرب ويقول أيضاً ثقبوا يدي ورجلي. هل يوجد أحد
من الأنبياء ثقبوا يديه ورجليه؟ كلا. وفي مزمور 69 يقول "في عطشي يسقونني
خلاً وفي مزمور 22 يقول يبس حلقي فالمشاعر الداخلية هذه لا تنطبق إلا على شخص الرب
له كل المجد.

 

 كما
أن المزمور الأول لا ينطبق بالتمام إلا على شخص الرب يسوع المسيح لأنه لا يوجد أحد
لم يسلك قط في مشورة الأشرار. لو كان الوحي قال طوبى للرجل الذي لا يسلك في مشورة
الأشرار فإنه يصبح من الممكن أن أحد المؤمنين لا يسلك في مشورة الأشرار لكن
المزمور يتكلم عن شخص لم يسلك قط وفي طريق الخطاة لم يقف قط وفي مجلس المستهزئين
لم يجلس قط.

 

إذن
من هو هذا الشخص الكامل الذي له هذه الصفات؟ هو الرب يسوع المسيح له كل المجد.

 

 والعجيب
أن المزمور الأول يبدأ بكلمة طوبى. أي سعيد ومغبوط ومبارك "الرجل". وهذا
المزمور يرينا الله يبارك الإنسان ويريه طريق البركة أما المزمور الأخير مز 150
فيرينا كل نسمة فليتبارك الله. كل خليقة الله تباركه وتسبحه.

 

 داود
المرنم العظيم.. وترنم اسرائيل الحلو يقول افتح فمي لينطق بتسبيحك لكن ما الذي قفل
فمه؟ الخطية. فنسمعه في مزمور 32 يقول "لما سكت بليت عظامي من زفيري اليوم
كله" وفي هذا نجد اختبارات الإنسان.

 

أما
الرب له كل المجد فليست له اختبارات خطية ولا سقوط لكن هذه نجدها في اختبارات داود
وفي غيره من رجال الله كما نجد اعترافاتهم بأخطائهم وقبول الله لهم. أما الرب يسوع
القدوس الذي بلا خطية فنجد فيه كل كمال.

 

 عندما
تكلم بطرس الرسول عن قيامة الرب قال أقامه الله من الأموات ويستشهد بما جاء في
مزمور 16 "لم تترك نفسي في الهاوية لم تدع تقيك يرى فساداً ثم يقول إن رئيس
الآباء داود رأى جسده فساداً إذ قد ترك جسده في القبر ليذبل ويفسد ولكن القول
"لم ير جسده فساداً" لا ينطبق إلا على الرب يسوع المسيح وحده. ويتكلم
داود أيضاً عن صعوده "قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً
لقدميك".

 

 قام
المسيح من الأموات ولما قام أرسل البشارة إلى تلاميذه "اذهبي إلى أخوتي وقولي
لهم أني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم وهذا هو إتمام لما ورد في مزمور
22" اخبر باسمك إخوتي وفي وسط الجماعة (الكنيسة) اسبحك وهذا ينطبق على شخص
الرب وهكذا نرى أن كل خطوات مصورة في المزامير.



أولاً: كاتبوا المزامير

 

الأشخاص
الذين اختارهم الروح القدس ليكتبوا هذه المزامير الثمينة ليسوا كلهم معروفين فبعض
المزامير تحمل اسم كاتبها: فنجد في عنوانها مثلاً "لداود"،
"لأساف" وبعضها لم يذكر اسم كاتبه كما أن بعض المزامير تذكر مناسبة
كتابتها مثل لداود عندما هرب من وجه أبشالوم"، "لداود عندما غيّر عقله
أمام أبيمالك"، "لداود عندما أنقذه الرب من شاول ومن كل مضايقيه"
والبعض الآخر لا نعرف المناسبة التي كتبت فيها. وكل ما ذكر ما لم يذكر هو بحكمة
إلهية عجيبة وفائقة.

 

 عدد
المزامير 150 كتب داود منها 73 مزموراً أي ما يقرب من نصف عددها. ولكن هل ال 73
مزموراً مكتوبة بجانب بعضها ومرتبة ترتيباً تاريخياً؟ لا. لكن نجد أن ترتيب
المزامير وترقيمها كلها بوحي الروح القدس (خلافاً لترتيب باقي أسفار الكتاب
المقدس) والدليل على ذلك نجده في سفر الأعمال إصحاح 13 حيث يقول "كما هو
مكتوب في المزمور الثاني". أي أنه ذكر رقم المزمور مما يدل على أن الترتيب هو
بالروح القدس وليس ترتيباً تاريخياً ولا من ترتيب الكتبة.

 

 توجد
مزامير مجموعات مثل العناقيد، عنقود أربعة مزامير وآخر ثلاثة وكلها مرتبطة ببعضها.
فمثلاً المزامير 22، 23، 24 _ مزمور 22 الصليب، 23 الرعاية، 24 الملك" من
يصعد إلى جبل الرب".

 

مزمور
22 رابية الجلجثة، مزمور 23 الوادي الذي فيه يرعى الرب قطيعه، مزمور 24 من يصعد
إلى جبل الرب، ارفعن أيتها الأبواب رؤوسكن ليدخل ملك المجد. من هو هذا ملك
المجد؟هو نفسه الذي كان على الصليب على رابية الجلجثة هو نفسه ملك المجد.

 

 قلنا
أن داود كتب 73 مزمور وآساف كتب 12 مزمور وبنو قورح كتب 11 مزموراً وهيمان
الأزراحي كتب مزمور 88 وإيثان الأزراحي (رئيس عائلة من عائلات المغنين) كتب مزمور
89 وموسى كتب مزمور 90 وسليمان كتب مزمورين. وتوجد مزامير أخرى لا تحمل أسماء
كاتبيها كما أسلفنا.



ثانياً: استعمال المزامير

 

كانت
المزامير تستعمل في المجمع اليهودي وفي المواسم الدينية وفي الأعياد. توجد مزامير
تسمى مزامير التهليل الكبرى. وكلمة تهليل تعني هللويا. وهي 6 من مزمور 113 إلى
مزمور 118. هذه المزامير كانت تستعمل في الأعياد الرئيسية الثلاثة التي يصعد فيها
الشعب إلى أورشليم وهي الفصح وعيد الخمسين، وعيد المظال.

 

 وفي
انجيل متى 26 عندما صنع الرب الفصح مع تلاميذه يقول ثم "سبحوا". سبحوا
أي سبحوا بمزامير التهليل الخاصة بالفصح. ثم خرجوا إلى جبل الزيتون. وكان الأفراد
يستعملونها أيضاً في تعبدهم الفردى ونجد إشارة إليها في رسالة يعقوب التي هي مقدمة
العهد الجديد حيث نقرأ "أعلى أحد منكم مشقات فليصل مسرور أحد فليرتل"
كانوا يرتلون بالمزامير إلى أن نظم المؤمنون الأغاني الروحية في العهد الجديد.
"مكلمين بعضكم بعضاً بمزامير وتسابيح وأغاني روحية مترنمين ومرتلين في قلوبكم
للرب".

 

 وقد
استخدمت بعض المزامير قبل بناء الهيكل فمثلاً نقرأ أن داود عندما عرف أن الرب بارك
بيت عوبيد أدوم بسبب وجود التابوت هناك أصعد التابوت من بيت عوبيد أدوم بسبب وجود
التابوت هناك أصعد التابوت من بيت عوبيد أدوم ونصب له خيمة على الأكمة ونقله
بالهتاف وبصوت البوق، وأثناء نقله كان يذبح عند مسيرهم ست خطوات ثوراً وعجلاً
معلوفاً. وكان داود يرقص بكل قوته أمام الرب. وهو متمنطق بافود من كتان، فنظرت
ميكال بنت شاول من الكوة فاحتقرته في قلبها فقال لها: إني أتصاغر دون ذلك أمام
الرب.

 

 وتوجد
مزامير كتبت قبل أن بنى سليمان الهيكل. وقد رتب داود المغنين والمغنيات في فرق
معينة. ويقول الوحي في مزمور 22 أنت الجالس بين تسبيحات اسرائيل أي أن الهيكل كان
مليء بالتسبيحات بآلات العزف وصنوج الهتاف.

 

 كان
الكهنة يضربون بالأبواق أما المغنون فكانوا يستعملون آلات موسيقية مختلفة مثل
أدوات النفخ وآلات ذوات الأوتار، صنوج الهتاف، الشجوية. ونفس كلمة المزامير من أصل
كلمة مزمار. فالتسبيح كان جزءاً هاماً من العبادة. كل ما في الهيكل كان يحدث بمجد
الله والعباد يسبحون الرب.

 

 وقد
بلغ عدد المغنين في الهيكل في أيام داود أربعة آلاف شخص. وهذا مكتوب في سفر أخبار
الأيام الأول أصحاح 23 ع 5 وكانوا مكونين من 24 فرقة كل فرقة تتكون من 166 مرنماً
منهم 12 من اللاويين الضاربين على آلات موسيقية و 154 من اللاويين المغنين
بأصواتهم. في نظام كامل، وكل فرقة كانت تأخذ نوبتها في التسبيح أسبوعاً ثم تأتى
الفرقة التي تليها وهذا النظام مكتوب أيضاً في سفر أخبار الأيام حيث نقرأ أن هيمان
الزراحي كان يقف في الوسط وآساف عن اليمين ويدوثون عن اليسار ومجموعة ترنم ومجموعة
أخرى ترد عليها ولذلك نقرأ عبارة "على الجواب" وتوجد ترنيمات "على
القرار".

 

 ويظهر
من أخبار الأيام أصحاح 5 أن الكهنة كانوا يشتركون في التسبيح بالأبواق. فكان
الكهنة يسبحون بالأبواق والمغنون بالآلات الموسيقية.

 

 وتوجد
مزامير لإمام المغنين أي كان يوجد أئمة للمغنين والأئمة عبارة عن موسيقيين يأخذون
المزمور ويعملون له نغمة ويلحنونه ثم يعلمون النغمة للفرقة.

 

 كان
إمام المغنين ينظم المزمور والمغنون يرنمون. وكان يوجد مغنيات أيضاً من بنات
اللاويين يشتركن في التسبيح للرب.

 

 هذا
الترتيب استمر من أيام داود لكن جاء بعده بعض ملوك لم يكونوا أتقياء فكانوا يهملون
التسبيح في بيت الرب. لكن في أيام الملوك الأتقياء كان التسبيح يأخذ مكانه تماماً
بحسب الفرق التي رتبها داود إلى أن جاء السبي البابلي فتعطلت الخدمة في الهيكل ثم
عاد التسبيح بعد السبي ولكن في صورة مصغرة على يد عزرا ونحميا (عزرا 2: 65) إذ
نقرأ والمغنين والمغنيات مئتان. وتوجد مزامير كتبت عند تدشين الهيكل الثاني الذي
بناه عزرا.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس أخبار سارة عربية مشتركة عهد قديم سفر هوشع 11

 

 من
كل هذا نرى أن سفر المزامير هو قلب الكتاب المقدس، الجامع لعواطف وأحاسيس رجال
الله. وهو قمة عالية.

 

 الخمسة
كتب التي تشملها المزامير توضح كل الاختبارات التي اجتاز فيها الشعب إلى أن يصل
إلى الملك الألفي الذي تشير إليه المزامير الأخيرة.

 

 وتوجد
مزامير تسمى ترنيمات المصاعد وعددها 15 ترنيمة تبدأ من مزمور 120 حتى مزمور 134
وهذه المزامير كانوا يرنمونها وهم صاعدون إلى بيت الرب في أورشليم. كانوا يأتون من
كل مكان صاعدين بالترنم وهذا نرى بدايته في مزمور 84 لبني قورح حيث نقرأ
"طوبى لأناس عزهم بك طرق بيتك في قلوبهم عابرين في وادي البكاء يصيرونه
ينبوعاً. يذهبون من قوة إلى قوة. يرون قدام الله في صهيون". كانوا يغنون طول
الطريق ويرنمون ترنيمات المصاعد إلى أن يصلوا إلى بيت الرب.

 

 ولا
يستعمل سفر المزامير في العبادة في العهد الجديد واستعمال المزامير في العبادة
الآن خطأ وقعت فيه الكنيسة عندما فقدت التمييز بين اسرائيل والكنيسة وبين رجاء
اسرائيل ورجاء الكنيسة. في الكنائس التقليدية كانت تستعمل المزامير، لكن في
الكنائس الإنجيلية نظموا المزامير كلها بالترتيب وكتاب الترانيم قديماً كان اسمه
"نظم المزامير" وهو إلى الآن موجود ولكنهم غيروا فكرهم عندما عرفوا
امتيازات الكنيسة ورجاء الكنيسة ومجيء المسيح الثاني الذي كان غائباً عن ذهنهم،
فنظموا أغاني روحية تتفق مع العهد الجديد وجعلوها في كتاب منفصل بجوار نظم
المزامير[1]

—-

[1]
– توجد مزامير تطلب من الله الانتقام من الأعداء وتوجد مزامير تطلب تداخل الرب
لخلاص شعبه من المضايقين وإبادتهم. وهناك مزامير أخرى تشيد بالبركات الأرضية في
الملك الألفي وهذه كلها لا تتفق مع روح النعمة في العهد الجديد ولا مع بركات
الكنيسة _ البركات الروحية ولا مع رجاء الكنيسة الذي هو مجيء المسيح لأخذها إليه
لأن الكنيسة لم تكن معروفة في العهد القديم لأنها تكونت منذ يوم الخمسين فقط. أما
المزامير المشار إليها فتتفق مع أتقياء اسرائيل في مدة الضيقة العظيمة

 

 وإذا
جاز لنا أن نرنم بعض المزامير فهي تلك التي تعبر عن اختبارات الاتكال على الرب
وانتظاره في الضيق لينقذنا في حينه.

 

 إن
أطول مزمور هو مزمور 119 وهو مقسم إلى 22 قسماً بعدد الحروف العبرية التي هي 22
حرفاً..

 

 القسم
الأول هو (أ) الأبجدية العبرية ثم بالترتيب إلى أن نصل إلى الحرف الأخير.. أبجدية
كاملة.

 

 وتوجد
بعض المزامير مثل مزمور 9، 10 يبدأ العدد الأول منها بالحرف الأول من حروف
الأبجدية العبرية، وهنا نظام عجيب، موحى به من الله وهكذا إلى أن نصل إلى 15 أو 20
عدداً مرتبين بحسب الحروف الأبجدية العبرية.

 

 ثم
نلاحظ شيئاً عجيباً وهو أنه توجد بعض المزامير كانت سائرة بحسب الأبجدية ثم فجأة
انقطع هذا الترتيب في مكان معين ثم يعود الترتيب مرة أخرى.. لماذا؟ نجد أن العداد
التي انقطع فيها الترتيب الأبجدي تتكلم عن ضد المسيح المرتفع المجدف المتعالي الذي
يجدف على اسم الرب.. في هذه العداد ينقطع ترتيب أبجدية التسبيح ثم يأتي بعد ذلك قم
يا رب (أي يطلب تداخل الرب للإنقاذ من ضد المسيح) فيعود ترتيب الأبجدية من جديد.

 

 من
هنا يتضح أن سفر المزامير عجيب جداً. فمثلاً المزمور الأول والثاني. كيف جاء الأول
وكيف جاء الثاني. كيف تكون وتركب ومن الذي ركبه ومن الذي أعطاه هذا الاسم. السفر
الوحيد في الكتاب المقدس الموحى بتسميته من الله هو سفر المزامير. لكن اسم سفر
الخروج غير موحى به ولكنه تسمى هكذا لأنه يبدأ بخروج الشعب من أرض مصر وكذلك سفر
اللاويين سفر العبادة فكلها تسميات موضوعة ولكن اسم سفر المزامير تسميته إلهية
موحى بها من الله ونجد ذلك واضحاً في انجيل لوقا 24 إذ يقول الرب له المجد
"كان لا بد أن يتم ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والأنبياء والمزامير"
أي أن الرب يسوع المسيح قال أن اسم هذا السفر "المزامير"

 

 سفر
المزامير كله يبين لنا القلوب المسكوبة قدام الله، أما بالصلاة أو بالشكر، أو
بالتسبيح، ونجد في عناوين المزامير كلمة "أغنية"، أو "قصيدة"،
أو "ترنيمة" أو "ترنيمة محبة" أو "مذهبة" _ كما
نقرأ في العهد الجديد "مكلمين بعضكم بعضاً بمزامير وتسابيح وأغاني روحية
مترنمين في قلوبكم للرب".

 

 سفر
المزامير موحى به من الله ونقرأ في سفر الأعمال 1: 20 لأنه مكتوب في سفر المزامير
لتصر داره خراباً ولا يكن فيها ساكن، وليأخذ وظيفته آخر" هذا عن يهوذا
الإسخريوطي فنجد في العهد الجديد اسم سفر المزامير، ونجد أيضاً أنه "بفم
داود" وبناء على ذلك انتخب الرسل واحداً ليملأ مكان يهوذا الإسخريوطي.

 

 ونجد
في سفر المزامير أسماء آلات العزف: فبعضها مكتوب بالعبري وبعضها مترجم فمثلاً
"الجتية" كلمة عبرية معناها "معصرة الزيت" والاسم "آيلة
الصبح" معناه العزالة (أي أول أشعة الشمس التي تأتي مثل قرون العزالة. وهناك
كلمات عبرية مذكورة في عناوين المزامير ومترجمة مثل "لا تهلك" و
"على موت الابن" وتوجد كلمة عبرية تتخلل بعض المزامير (وقد أتت في سفر
حبقوق ثلاث مرات) وهي "سلاة" ومعناها وقف وتأمل.

 

 وتوجد
أيضاً عبارة (على السوسن) في مزموري 45، 80. ونستطيع أن نرى بوضوح أن الروح القدس
في تدوين اختبارات داود المتنوعة اختاره لأنه نبوياً يتكلم عن المسيح ابن داود حسب
الجسد، الملك.

 

 توجد
مزامير لا تنطبق إلا على المسيح مثل مزامير الصليب والقيامة. لكن المزامير التي
تتكلم عن الاختبارات الشخصية أغلبها لداود إذ كانت له اختبارات متنوعة: في عظمته،
وفي مطاردة شاول له، وفي هروبه من أمام أبشالوم، وفي ذله، وفي سقوطه، وفي اعترافه
كما جاء في مزمور 6 حيث نقرأ "أعوم سريري بدموعي" وفي مزمور 32 حيث نقرأ
"لما سكت بليت عظامي". هذه تنطبق على المؤمن لكن لا تنطبق على الرب يسوع
فحالات الارتفاع والهبوط تتفق مع اختبارات المؤمن.

 

 توجد
ترنيمات أخرى مذكورة في الكتاب المقدس مثل ترنيمات موسى ومريم على الشاطئ الشرقي
لبحر سوف ونشيد موسى في سفر التثنية 32 حيث علم الشعب كلمات هذا النشيد. وترنيمة
دبورة وباراق في سفر القضاة مع أنه سفر مظلم روحياً وترنيمة حنة أم صموئيل بعدها
أعطاها الرب سؤل قلبها. ونجد كلمات داود الأخيرة في سفر صموئيل الثاني 23 وهي نبوة
عن الملك ابن داود عندما يتسلط على الأرض فإنه يتسلط بالعدل مثل شروق الشمس بعد
المطر. أي بعد الضيقة العظيمة تشرق شمس البر.

 

 وفي
الكتاب المقدس توجد أسفار شعرية أخرى هي سفر أيوب _ سفر الأمثال _ سفر الجامعة _
سفر نشيد الأنشاد _ مراثي أرميا.

 

 وقد
جمع الملك حزقيا مزامير داود المبعثرة وأعادها إلى مكانها بحسب تقسيمها أي بحسب
الوحي الإلهي للاستعمال في الهيكل وهذا نجده في أخبار الأيام الثاني أصحاح 29.



ثالثاً: تقسيم السفر

 

 سفر
المزامير مقسم ومرتب ترتيباً إلهياً، ونجد في بعض عناوين مزامير داود المناسبة التي
كتب فيها وفي بعضها يذكر الغرض من المزمور.

 

 هل
المزامير مرتبة تاريخياً؟ لا. لكنها مرتبة بحكمة إلهية بوحي من الروح القدس.

 

 نجد
في سفر الأعمال أصحاح 13: 33 القول أن الله أكمل هذا لنا نحن أولادهم إذ أقام يسوع
كما هو مكتوب أيضاً في المزمور الثاني أنت ابني أنا اليوم ولدتك فنجد أن ترقيم
المزامير مكتوب بالوحي الإلهي، فالاسم بالوحي والترقيم بالوحي.

 

 كما
أنه توجد مزامير عن صعود المسيح إلى السماء مثل صعدت إلى السماء سبيت سبياً قبلت
عطايا بين الناس (مزمور 68: 18).

 

 فمكتوب
عن ولادة المسيح أولاً، ثم حياته، وطاعته، وموته، وقيامته. نجد أن المزمور الثاني
يتكلم عن ملك المسيح فيقول قال لي أنت ابني أنا اليوم ولدتك ثم اسألني فأعطيك المم
ميراثا ثم يقول الرب أقامه أي عينه ملكاً ويقول أيضاً المزمور الثاني أما أنا فقد
مسحت ملكي على صهيون جبل قدس. إذن نجد الكلام عن الملك في مزمور 2 وموت المسيح
نقرأ عنه في مزمور 22، وتجسده وذبيحته في مزمور 40.

 

 فنقرأ
في هذا المزمور "عند دخوله إلى العالم يقول حينئذ بدرج الكتاب مكتوب عني أن
أفعل مشيئتك يا إلهي سررت "ثم يقول" بتقدمة وذبيحة لم تسر هيأت لي
جسداً"

 

 وهكذا
نجد أن ترتيب الحوادث ليس هو ترتيب المزامير فنجد الملك أولاً في مزمور 2 والقيامة
في مزمور 16، والصليب في مزمور 22 والتجسد في مزمور 40 _ ثم من العجيب أن يجيء
الكلام عن الملك بعد ذلك في مزمور 45 "فاض قلبي بكلام صالح متكلم أنا بإنشائي
للملك أنت أبرع جمالاً من بني البشر.. جعلت الملكة عن يمينك، ومع أن الملك موجود
في مزمور 45 إلا أننا نجد بعد ذلك في مزمور 69 الكلام عن آلام المسيح وتقديم نفسه
كذبيحة إثم حيث نقرأ "غرقت في حماة عميقة وليس مقر. أنت عرفت ذنوبي وآثامي
عنك لم تخف".

 

 وقد
كتبت كل المزامير في خلال 1000 سنة. وأول كاتب في المزامير تاريخياً هو موسى
(مزمور 90).

 

 وتوجد
مزامير كتبت عند تدشين الهيكل الثاني الذي بناه عزرا مثل مزمور 84 "ما أحلى
مساكنك يا رب الجنود". عندما بنى عزرا البيت كان شيوخ وشبان عند تدشين
الهيكل. الشيوخ بكوا والشبان فرحوا وهللوا لماذا يا ترى حدث هذا التناقض؟ قال
الشيوخ أين مجد هذا البيت من مجد البيت الأول الذي بناه سليمان من ذهب. لكن الشبان
فرحوا لأنهم كانوا في السبي ولكن الرب أرجعهم إلى بيت الله ودخلوا مقادس الله مرة
ثانية. ما أحلى مساكنك تشتاق بل تتوق نفسي إلى ديار الرب.

 

 وتوجد
مزامير كتبت عند خراب الهيكل بواسطة نبوخذ نصر[1].

[1]
وهي المزامير 74، 79، 83 وقد كتبها آساف كلها.

 

أيضاً
يوجد مزمور كتب قبل الهيكل الذي بناه سليمان. وهو مزمور 132 الذي نقرأ فيه قم يا
رب إلى مكان راحتك أنت وتابوت عزك. ومناسبة كتابته هي أن داود سمع أن الرب بارك
بيت عوبيد أدوم بسبب التابوت فهيأ له مكاناً في الأكمة في مدينة صهيون ونقل
التابوت من بيت عوبيد أدوم إلى الأكمة وظل يرقص ويهتف بكل قوته ويذبح ذبائح في كل
ست خطوات.

 

 وعندما
بنى سليمان الهيكل كان داود قد سبق ورتب فرق المغنيين والمغنيات في الهيكل كما أنه
توجد مزامير كتبت أثناء السبي البابلي مثل مزمور 49، 50، 80.

 

 وأقسام
المزامير الخمسة كما سبق وقلنا تقابل أسفار موسى الخمسة.

 

القسم
الأول: من مزمور 1 إلى مزمور 41 وهذا القسم يقابل سفر التكوين وموضوعه الإنسان في
البركة قبل السقوط ثم الخلاص ويختم مزمور 41 بالقول "آمين فآمين". وهذا
دليل على نهاية هذا القسم.

 

القسم
الثاني: من مزمور 42 إلى مزمور 72 وهذا القسم يقابل سفر الخروج حيث بعد استعباد
شعب اسرائيل في أرض مصر خرجوا منها بعد عمل الفصح ورش الدم ويختم بنفس الخاتمة
"آمين فآمين".

 

القسم
الثالث: من مزمور 73 إلى مزمور 89 وهو يقابل سفر اللاويين سفر العبادة حيث يرد فيه
القول "دخلت مقادس الله" ويختم أيضاً بنفس خاتمة القسمين السابقين. آمين
فآمين.

 

القسم
الرابع: من مزمور 90 إلى مزمور 106 وهو يقابل سفر العدد وموضوعه المسيرة إلى أرض
الموعد ويختم بالتسبحة: "مبارك آمين هللويا"

 

القسم
الخامس: وهو القسم الأخير من مزمور 107 مزمور الرجوع من السبي إلى مزمور 150 وهو
المقابل لسفر التثنية وتختمه التسبحة "كل نسمة فلتسبح الرب هللويا"

 

 والمزامير
الأخيرة تسمى مزامير الهللويا. ونلاحظ أن كل قسم من هذه الأقسام يذكر فيه الاسم
الإلهي المناسب لمحتويات القسم فنجد أن الرب أعلن عن نفسه في القسم الأول باسم
"إيلوهيم" ثم أعلن نفسه لموسى "يهوه" وأعلن نفسه لإبراهيم
"الله القدير" سر أمامي وكن كاملاً. وأعلن عن نفسه أيضاً
"ايلوه".



رابعاً: المواضيع الرئيسية في سفر المزامير.

 

 المواضيع
الرئيسية في سفر المزامير هي ثلاثة مواضيع:

(1)
الموضوع الأول: هو النبوات الخاصة بشخص الرب يسوع المسيح إذ توجد تفصيلات كثيرة
خاصة بولادته وحياته وآلامه وموته وقيامته وصعوده وجلوسه عن يمين الله ثم ظهوره.
وهذا الموضوع هو أحلى وأهم موضوع يلذ لنا التأمل فيه لأن شخص الرب يسوع هو موضوع
الكتاب المقدس كله كما قال له المجد لتلاميذه "أنه لا بد أن يتم جميع ما هو
مكتوب عني في ناموس موسى والأنبياء والمزامير" (لو 24: 44). ولو أخرجنا الرب
يسوع من الكتاب لا تبقى له قيمة ولا تبقى فيه روح "لأن شهادة يسوع هي روح
النبوة".

 

 وكما
سبق أن قلنا أن سفر المزامير لا يرينا الحوادث لأن الحوادث مذكورة في الأناجيل حيث
نرى محاكمة الرب والصلب لكن في المزامير نجد أحساسات الرب الداخلية "إلهي
إلهي لماذا تركتني" وهو يعطينا تفصيلات دقيقة عن أمور حدثت بعد 1000 سنة من
كتابتها مثل "ثقبوا يدي ورجلي" "على لباسي ألقوا قرعة" "في
عطش يسقونني خلا".

 

(2)
الموضوع الثاني في سفر المزامير: هو الاختبارات الشخصية لرجال الله الذين أوحى
إليهم بكتابة هذه المزامير التي منها صلوات وقصائد إذ نقرأ "قصيدة"
"ترنيمة محبة" "مذهبة".

 

سكبوا
قلوبهم أمام الله بما فيها من ضيقات واحتياجات وانتظارات وقد دونها لنا الروح
القدس لكي نستفيد نحن منها ونتشجع في الاتكال على الرب وانتظاره بصبر لينقذنا من
ضيقاتنا وآلامنا.

 

"اتكلوا
عليك فنجيتهم"، "إليك صرخوا فنجوا". "عليك اتكلوا فلم
يخزوا"، كما أن بعض المزامير تعبر عن أشواق كاتبيها لله مثل: "يا الله
إلهي أنت، إليك أبكر. عطشت إليك نفسي يشتاق إليك جسدي في أرض ناشفة ويابسة بلا ماء
(مز 63: 1). "كما يشتاق الأيل إلى جداول المياه هكذا تشتاق نفسي إليك يا
الله". أشواق تعبدية إلى الله بعضها صلوات. صلوات سكب القلب في الضيق ثم
تشجيع "اتكلوا على الرب يا كل قديسيه" ثم تشجيع على انتظار الرب
"لماذا أنت منحنية يا نفس قومي ارتجي الله".

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ى يبوس 1

 

"ليتشدد
وليتشجع قلبك وانتظر الرب. انتظر الرب واصبر له" "سلم للرب طريقك واتكل
عليه وهو يجري" كل هذه اختبارات لرجال الله مسجلة لنا لكي نستفيد منها ونتشجع
عندما نجتاز في مثل هذه الاختبارات.

 

 واختبارات
داود هي أكثر الاختبارات المسجلة في سفر المزامير وذلك لتنوعها من صعود إلى هبوط.
في مجد وهوان في ارتفاع وسقوط. نجده جالساً على العرش ثم مطروداً من العرش. ماشياً
حافي القدمين ومغطى الرأس وباكياً نجده يسبح الله: أقوم في نصف الليل لأحمدك على
أحكام برك. سبع مرات في النهار سبحتك. طول النهار تسبيح. ونجده في مرة أخرى يقول
"افتح فمي! ما الذي قفل فمه؟ الخطية حيناً نجده فرحاً في الرب وحيناً آخر
نجده باكياً فمثلاً في مزمور 6 نجد القول في كل ليلة أعوم سريري بدموعي ثم نجده
منتعشاً. وفي مزمور 32 نقرأ "لما سكت بليت عظامي من زفيري اليوم كله لأن يدك
ثقلت عليّ نهاراً وليلاً. تحولت رطوبتي إلى يبوسة القيظ. قلت أعترف للرب بذنبي
وأنت رفعت آثام خطيتي"

 

 هذه
هي المزامير التي لنا أن نتشجع بها في اختباراتنا في الحياة.

 

(3)
الموضوع الثالث: هو اختبارات البقية عندما تجتاز في الضيقة العظيمة مستقبلاً عندما
يسكبون قلوبهم أمام الرب بالتضرع وطلب الانقاذ فنقرأ مثلاً "حتى متى يا
رب" ثم يتداخل الرب لإجابة طلباتهم وانقاذهم من ضيقاتهم وبسط سلطانه عليهم في
الملك الألفي. ونقرأ في مزمور 46 مثلاً "الله لنا ملجأ وقوة عونا في الضيقات
وجد شديداً لذلك لا نخشى ولو تزحزحت الأرض ولو انقلبت الجبال إلى قلب البحار. تعج
وتجيش مياهها تتزعزع الجبال بطموها…… رب الجنود معنا ملجأنا إله يعقوب.
سلاه" هذا هو لسان حال البقية التقية وكما سبق وقلنا أن كلمة سلاه وقف جميل
للتأمل في وسط المزامير وهي كلمة عبرية مكتوبة كما هي. وصلوات البقية أثناء الضيقة
العظيمة تتفق مع روح المسيح في آلامه أو بالحري المسيح يشترك مع البقية في آلامها عند
اجتيازها الضيقة العظيمة.



خامساً: الاقتباسات من المزامير

 

اقتبس
الرب يسوع في أقواله اقتباسات كثيرة من المزامير سنذكر بعضها فيما بعد.

 

 كما
اقتبس الروح القدس في الرسائل آيات كثيرة من العهد القديم يبلغ عددها 283 اقتباساً
منها 116 اقتباساً من سفر المزامير وحده وفي رسالة العبرانيين بنوع خاص نجد
اقتباسات كثيرة جداً من العبرانيين ولا سيما في الإصحاحين الأول والثاني.

 

 والآن
نعيد ذكر بعض الإشارات النبوية الواردة في سفر المزامير عن الرب يسوع.

 

(1)
في مزمور 2 تذكر ولادته "أنت ابني (أزليا) أنا اليوم ولدتك" (عن تجسده
وولادته من العذراء).

 

(2)
في مزمور 40 يذكر تجسده وذبيحته "حينئذ جئت في درج الكتاب مكتوب عني (أي في
المشورات الأزلية) أن أفعل مشيئتك يا إلهي سررت"، وقد اقتبسها الوحي في
عبرانيين 10 بالقول "هيأت لي جسداً" عند مجيئه إلى العالم. ويقول أيضاً
"بهذه المشيئة نحن مقدسون بتقديم جسد يسوع مرة واحدة" (عبرانيين 10:
10).

 

(3)
وعن محاكمته ورفضه وثورة الجميع ضده يأتي القول في مزمور 2 أيضاً: "لماذا
ارتجت الأمم وتفكر الشعوب في الباطل قام ملوك الأرض تأمر الرؤساء معاً على الرب
وعلى مسيحه" وقد اقتبسها الرسول بطرس في سفر الأعمال.

 

(4)
عند دخوله إلى أورشليم هتفوا له مبارك الآتي باسم الرب وهذه القوال ذكرت في مزمور
118 ولما طلبوا من الرب أن يسكتهم اقتبس من مزمور 8 القول "من أفواه الأطفال
والرضع أسست حمداً".

 

(5)
على الصليب قال الرب "إلهي إلهي لماذا تركتني" وهي نفس الكلمات التي
يفتتح بها مزمور 22.

 

(6)
قال الرب يسوع على الصليب "أنا عطشان" وهذا القول مشار إليه في مزمور 69
بهذه العبارة "وفي عطشي يسقونني خلا" وقد تم ذلك فعلاً على الصليب. كما
تمت أشياء أخرى كثيرة جاءت عنها إشارات واضحة في المزامير مثل ما جاء في مزمور 22:

·
"ثقبوا يديّ ورجلي"

·
"يقسمون ثيابي بينهم على لباسي يقترعون"

 

(7)
وعن قيامة المسيح نقرأ المسيح نقرأ في مزمور 16 "لأنك لن تترك نفس في الهاوية
لن تدع تقيك يرى فساداً". وعندما يستشهد بطرس بهذا النص يقول أن رئيس الآباء
داود مات وجسده رأى فساداً.

 

(8)
في يوم القيامة قال الرب له المجد لمريم المجدلية "اذهبي إلى أخوتي وقولي لهم
أني أصعد إلى أبي وأبيكم" ويوافق هذا المعنى ما جاء في مزمور 22 "أخبر
باسمك أخوتي…".

 

(9)
وعن صعود المسيح يقتبس بولس الرسول في رسالة أفسس القول "صعد إلى العلاء سبي
سبياً وأعطى الناس عطايا وهذا ما جاء في مزمور 68.

 

(10)
وعن جلوس الرب عن يمين الله يقتبس بطرس الرسول في أعمال 2: 34 "اجلس عن يميني
حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك وهذا ما جاء في مزمور 110.

 

(11)
وعن ملكه يرد القول وأما أنا فقد مسحت ملكي على صهيون جبل قدسي وهذا وارد في
المزمور الثاني. وكذلك "متكلم أنا بإنشائي للملك" (مز 45).

 

(12)
وعن كهنوته الأبدي يقتبس الرسول بطرس: أقسم الرب ولن يندم أنت كاهن إلى البد على
رتبة ملكي صادق" (مز 110)

 

(13)
وعن أزليته وأبديته وعدم تغيره يقتبس الرسول من مزمور 102 "أنت هو هو وسنوك
لن تنتهي"

 

 أخيراً
نقول أن المسيح في حياته الكاملة على الأرض تجرب في كل شيء مثلنا حتى يقوم بخدمته
لنا الآن عن يمين الله كرئيس الكهنة العظيم الأمين "لأنه فيما هو قد تألم
مجرباً يقدر أن يعين المجربين.

 

 وقد
اشترك في اللحم والدم مثلنا لكي يشبه إخوته في كل شيء يكون رحيماً ورئيس كهنة
أميناً فيما لله.

 

 ولا
يوجد اختبار أليم في حياة أي مؤمن إلا ونجده كاملاً في حياة ربنا يسوع المسيح. حتى
أننا نستطيع أن نستمد منه العون والقوة في كل الظروف كما يقول الرسول
"فلنتقدم بثقة إلى عرش النعمة لكي ننال رحمة ونجد نعمة عوناً في حينه"
(عب 4: 16).



سادساً: أفق المزامير

 

 لاشك
أن كل دارس للكتاب يرى بوضوح أن أفق المزامير هو أفق يهودي لا يتفق مع امتيازات
العهد الجديد والبركات الروحية السماوية التي للكنيسة.

 

ونورد
بعض الأدلة على ذلك:

 

(1)
كانت العبادة اليهودية في الهيكل أو بيت الله ونجد في سفر المزامير القدس _
الأقداس _ المقادس بينما سجود المؤمنين في العهد الجديد في القداس السماوية. في
ذات محضر الله. كما قال الرب يسوع للمرأة السامرية: "لا في هذا الجبل ولا في
لأورشليم تسجدون للآب".

 

(2)
ترد بعض أسماء لله في سفر المزامير ولكن ليس من بينها اسم الآب لأن الذي أعلن اسم
الآب هو الابن "الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبّر" (يوحنا 1:
18). وقد قال بالنبوة في مزمور 22 "أخبر باسمك إخوتي وفي وسط الكنيسة
اسبحك"

 

والعجيب
أن أسماء الله الواردة في سفر المزامير في الأقسام الخمسة تتفق مع محتويات كل قسم
كما سبق أن أشرنا:

 

1_
أدون: معناها الرب قي القوة

2_
أدونيم: المقطع (يم) في العبري هو صيغة الجمع

3_
أيل: الله القوي المنتصر.

4_
ايلوهيم: الله القوة الخالق وهي أول كلمة يبدأ بها الكتاب في اللغة العبرية في
البدء خلق الله (ايلوهيم) أي المثلث الأقانيم

5_
ايلوه: معناها الله في لاهوته الواحد وهي مفرد ايلوهيم. ايلوه الواحد بالمباينة مع
الآلهة الكثيرة الكاذبة (الأوثان)

6_
عليون: معناها الله العلي المرتفع _ وقد جاء في قول ملكي صادق عندما بارك إبراهيم
"مبارك أبرام من الله العلي مالك السماوات والأرض"

7_
ياه: هي قصيدة شعرية لاسم يهوه _ يهوه الله إله العهد. أو الله الواجب الوجود.
الكائن ويهوه معناه أنا هو الكائن ولذلك كان هذا الاسم موضع احترام وتبجيل فعندما
سألوا المسيح في البستان وقال لهم "أنا هو" سقطوا على وجوههم.

8_
شداي: معناها كلي القدرة _ شديد القوة. كما قال لإبراهيم "أنا الله القدير سر
أمامي وكن كاملاً".

 

هذه
هي بعض أسماء الله العبرية في العهد القديم وهي موزعة على أقسام المزامير الخمسة:

الكتاب
الأول: الخليقة

الكتاب
الثاني: الفداء

وهكذا
فكل كتاب يرد فيه اسم الله متفقاً مع طبيعة الكتاب.

 

 ونلخص
فيما يلي بعض المفارقات بين أفق المزامير والعهد الجديد:

 

أولاً
_ مكان العبادة في العهد القديم كان في الهيكل. أما في العهد الجديد فالعبادة ليست
في مكان معين بل "حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة إلى اسمي فهناك [1] أكون في
وسطهم" (مت 18: 20)

[1]
إلغاء السجود الروحي في الواقع داخل الأقداس السماوية في ذات حضرة الله كما نقرأ
في رسالة العبرانيين "إذ لنا أيها الأخوة ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع.
طريقاً كرسه لنا حديثاً حياً بالحجاب أي جسده. وكاهن عظيم على بيت الله. فلنتقدم
بقلب صادق في يقين الإيمان مرشوشة قلوبنا من ضمير شرير.

 

ثانيا:ً
لا يذكر اسم الله كالآب في سفر المزامير ولكنه يذكر في كل أسفار العهد الجديد.

 

ثالثاً:
لا تذكر الكنيسة في العهد القديم إذ كانت سراً مخفياً في فكر الله ولم يبدأ بناؤها
إلا في يوم الخمسين بحلول الروح القدس.

 

رابعاً:
البركات المذكورة في سفر المزامير _ بركات أرضية للشعب الأرضي وستتمتع بها البقية
التقية في الملك الألفي. أما بركات العهد الجديد فهي بركات روحية في السماويات
تتمتع بها الكنيسة.

 

خامساً:
الرجاء في سفر المزامير هو إنقاذ البقية التقية من اليهود من أعدائهم وهم (النبي
الكذاب المرتد واتباعه والوحش الخارج من البحر (الأمم) وبسط سلطان الرب عليهم
وإدخالهم إلى بركات الملك الألفي.

 

سادساً:
مجيء المسيح في سفر المزامير هو الظهور بالمجد والقوة. أما موضوع الاختطاف
والقيامة الأولى فلا ذكر لهما في سفر المزامير.

 

سابعاً:
لغة المزامير لا تتفق مع لغة النعمة التي تكلم بها الرب يسوع له المجد قائلاً
أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم.. صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويضطهدونكم".
ولا تتفق مع المثال الذي تركه لنا الرب يسوع بحياته الذي "إذ شتم لم يكن يشتم
عوضاً" والذي صلى لأجل قاتليه قائلاً "اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا
يفعلون".

 

ثامناً:
لغة المزامير لا تتفق مع الحقائق المعلنة في العهد الجديد فمثلاً يقول
داود".. روحك القدوس لا تنزعه مني "أما المؤمن في العهد الجديد فلا ينزع
منه الروح القدس وإن كان بسبب سقوطه يمكن أن يحزن الروح القدس أو يطفئه.

 

تاسعاً:
تقول بعض المزامير لله: لماذا تقف بعيداً. لماذا تختفي في أزمنة الضيق؟ كما تعبر
عن الله كأنه ساكن في الظلام بينما في العهد الجديد بعد أن شق حجاب الهيكل واتضح
الطريق أمام المؤمن فإنه يدخل إلى ذات حضرة الله بكل ثقة للسجود في الأقداس
السماوية. يقول المرنم في مزمور 119: 120 "اقشعر لحمي من رعبك ومن
أحكامك" وهذه لا تتفق مع الثقة في محبة الله الموضحة في العهد الجديد. والثقة
أيضاً في يوم الدين. "لأنه كما هو هكذا نحن في هذا العالم" "ومحبة
الله تطرح الخوف إلى خارج" وفي مزمور 119: 119 نقرأ "لا تحزني من
رجائي" بينما في رومية 5 يأتي القول "والرجاء لا يخزى".

 

عاشراً:
في لغة المزامير نجد طلب الانتقام من الأعداء ففي مزمور 10: 15 يقول صاحب المزمور
"أحطم ذراع الفاجر" _ وفي مزمور 18: 40 _ 42 نقرأ "مبغضي أفنهم
فاسحقهم كالغبار قدام الريح" وفي مزمور 85 "اللهم كسر أسنانهم في
أفواههم". فهل يصح لنا نحن مؤمني العهد الجديد أن نقول هذا مهما ضايقنا
الأعداء واضطهدونا هل نقول "كسر أسنانهم في أفواههم ليذوبوا كالماء"
ويفرح الصديق إذا رأى نقمة الرب ويغسل خطواته بدم الشرير.

 

أيضاً
نقرأ في مزمور 137: 8 و 9 "يا بنت بابل المخربة طوبى لمن يمسك أطفالك ويضرب
بهم الصخرة"

 

 هذه
صلوات تتفق فقط مع طلب النقمة من الأثيم الذي هو المرتد، النبي الكذاب، ابن الهلاك
الذي سيضطهد البقية التقية في زمان الضيقة العظيمة والرب يوافق على طلب النقمة هذا
لأنه عند ظهوره سيقبض عليه هو والوحش ويطرحهما حيين في بحيرة النار.

 

 كانت
بعض الكنائس تستعمل نظم المزامير في التسبيحات والعبادة قبل أن يلمع رجاء مجيء
المسيح لاختطاف الكنيسة وقبل أن تتضح للأذهان بركات الكنيسة ومقامها السماوي في
المسيح لكن الآن نرى بوضوح أن منطوق معظم هذه المزامير لا يصح أن نرنم به ولا يتفق
مع روح العهد الجديد كما سبقت الإشارة.

 

 أما
المزامير التي يجوز الترنم بها الآن فهي المزامير التي تحرض على الاتكال على الله،
والثقة فيه، وانتظار الرب، والصبر له والفرح فيه (في الرب).

 

ولا
ننسى عند دراسة سفر المزامير الناحية النبوية من حيث أن كثيراً من النبوات قد تمت
بالكامل وبحذافيرها كما سبق ورأينا في القول "وفي عطش يسقونني خلاً. وعلى
ثيابي ألقوا قرعة". وهي أشياء دقيقة جداً تمت بالكامل. وباقي النبوات لا بد
أن تتم ونلاحظ أنه في بعض المزامير يتكلم صاحب المزمور عن اختبار شخصي له ثم ينتقل
فجأة إلى الناحية النبوية وإلى الكلام عن اختبارات ستجوز فيها البقية التقية في
زمان الضيقة في المستقبل.

 

 إن
دارس الكتاب المقدس ينبغي أن يدرس العهد الجديد دائماً ولا يهمل دراسة العهد
القديم لأن العهد الجديد طعام يومي نتغذى به يجب أن نتلذذ في دراسته بشخص الرب
يسوع المسيح ونستنشق عبير رائحته رائحة أدهانه الطيبة كما ندرس معه سفر المزامير _
هذا السفر الذي في دراسته تمتلئ نفوسنا بهجة وشبعاً وقوة لخدمة الرب.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس أ أزمنة العهد الجديد د

 

وإذا
كان التسبيح عملاً لائقاً مبهجاً لمؤمن العهد القديم كما رأينا فكم بالحري يليق
بنا نحن أن نرنم أكثر ونفرح أكثر كما يقول الرسول "وأقول أيضاً افرحوا"
وذلك بغض النظر عن الظروف التي نجتاز فيها إذ بعد أن يقول الرسول بولس "وأقول
أيضاً افرحوا" يوصينا أن لا نهتم بشيء. لأنه ما الذي يعيق الفرح؟ هو إلههم.
لذلك يقول لا تهتموا بشيء بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر لتعلم طلباتكم
لدى الله وسلام الله الذي يفوق كل عقل يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع وبذلك
نكون فرحين كل حين في الرب.



سابعاً: الرب يسوع هو محور المزامير

 

 في
هذه الجولة السريعة في أرجاء سفر المزامير وجدنا أن الموضوع الهام في هذا السفر
العظيم هو شخص الرب يسوع المسيح له كل المجد _ في لاهوته وفي تجسده، وفي ولادته
وفي حياته وفي آلامه وموته الكفاري على الصليب وقيامته وصعوده إلى السماء وجلوسه
عن يمين الله. إذ نقرأ "اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك"
كما نراه في كهنوته الأبدي إذ نقرأ "أقسم الرب ولن يندم أنت كاهن إلى الأبد
على رتبة ملكي صادق". هذا هو الموضوع المشبع في سفر المزامير.

 

 في
المزمور الأول نرى الرب يسوع المسيح كالإنسان الكامل الرجل الذي لم يسلك في مشورة
الشرار (قط) وفي طريق الخطأة لم يقف وفي مجلس المستهزئين لم يجلس. انفصل عن الشرار
انفصالاً كاملاً.

 

 وفي
المزمور الثاني رأينا بنوة المسيح الأزلية "أنت ابني (أزليا) الابن الوحيد
الذي هو في حضن الآب". "والكلمة صار جسداً وحل بيننا وفي نهاية المزمور
رأينا" يا رب الجنود طوبى للإنسان المتوكل عليك.

 

 وفي
المزمور السادس عشر نرى حياة الرب الكاملة كإنسان هنا على الأرض أخلى نفسه من مجده
(أخفى مجد لاهوته في حجاب جسده) آخذاً صورة عبد صائراً في شبه الناس وإذ وجد في
الهيئة كإنسان وضع نفسه (تواضع) وأطاع حتى الموت موت الصليب كانت حياته هنا على
الأرض كإنسان حياة كاملة كمن أخذ صورة عبد مع أنه السيد _ احفظني يا الله لأني
عليك توكلت. هذا هو صوت حياة الرب يسوع المسيح في كل دقائقها وتفصيلاتها
"عليك توكلت".

 

 وفي
مزمور 22 يقول عليك ألقيت من الرحم من بطن أمي أنت إلهي فهو الإنسان الوحيد الذي
كان متوكلاً على الله.

 

 كما
يرد القول في رسالة العبرانيين أصحاح 2 وأيضاً أنا أكون متوكلاً عليه له كل المجد.
لقد قال الرب يسوع "طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله" (يو 4:
24)

 

كان
اتكاله على الله اتكالاً كاملاً. وطاعته طاعة كاملة، نعم هو الإنسان الثاني آدم
الأخير.

 

آدم
الأول أراد أن يستقل عن الله، أن ينفصل ويصير مثل الله لكن آدم الأخير يقول
"احفظني يا الله لأني عليك توكلت. قلت للرب أنت سيدي خيري لا شيء غيرك"
(كالعبد الكامل) عبد يهوه المطيع.

 

"أنت
سيدي خيري لا شيء غيرك".

 

 تكلم
الرب يسوع في الإنجيل عن سيدين _ قال لا يقدر أحد أن يخدم سيدين: الله والمال.
المال سيد قاسي. يقود إلى الهلاك. أما من يتخذ الرب سيداً له هل يكون فقيراً أم
غنياً؟ يكون غنياً، هل يعوزه شيء؟ كلا بل يقول "أنت سيدي فيك كل خيري وغناي.
لا شيء ولا سيد لي سواك. أعبدك وأنحني أمامك. "القديسون الذين في
الأرض".

 

 هل
يوجد في الأرض قديسون؟ ألم يقل داود في مز 14 "الرب من السماء أشرف على بني
البشر لينظر هل من فاهم طالب الله. الكل قد زاغوا معاً فسدوا ليس من يعمل صلاحاً
ليس ولا واحد". نعم ولكن يوجد قديسون فمن الذي صيرهم قديسين؟ هل لهم قداسة في
أنفسهم؟ كلا. كانوا خطاة لكن الله قدسهم وخصصهم لنفسه فصاروا قديسين. صاروا كرماء
نبلاء وشرفاء.

 

القديسون
الذين في الأرض والأفاضل _ أوصاف عظيمة يصف بها الرب المؤمنين الحقيقيين. قديسون
أفاضل كل مسرتي بهم. ويقول الرب أن الله نصيبه وإن خيره الوحيد في الرب، ومسرته في
القديسين والأفاضل الذين في الأرض. قد يكونون قليلين أما الباقون فقد أسرعوا وراء
آخر. لماذا أسرعوا لأن من يجري وراء آخر غير الرب يجري بسرعة كما قال جيحزى أجري
وراء الرجل فجرى ونتيجة جريه كانت أن برص نعمان لصق به وبنسله إلى الأبد.

 

"..الذين
أسرعوا وراء آخر" (وكلمة آخر تعني سيداً آخر) والذين أسرعوا وراء السيد الآخر
يقول عنهم الرسول بولس "الذين يريدون أن يكونوا أغنياء يسقطون في تجربة وفخ
وشهوات كثيرة غبية ومضرة تغرق الناس في العطب والهلاك. لأن محبة المال أصل لكل
الشرور الذي إذ ابتغاه قوم ضلوا عن الإيمان وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة.."

 

وعلى
النقيض تكثر سعادتهم الذين يعيشون للرب ويكتفون به. أما الذين أسرعوا وراء آخر
فبعد أن يقول تكثر أوجاعهم يقول "لا أسكب سكائبهم من دم ولا أذكر أسماءهم
بشفتي". فكان التصاق الرب يسوع هو بالله وبالقديسين والأفاضل الذين في الأرض.
وكان انفصاله كاملاً عن الأشرار الذين يعبدون آخر. يسكبون سكائبهم لآخر أي للوثن
"ولا أذكر أسماءهم بشفتي".

 

فالرب
يسوع يقول أولاً "أنت سيدي خيري لا شيء غيرك" ثم يقول "الرب نصيب
قسمتي وكأسي أنت قابض قرعتي".

 

"قلت
الرب نصيب قسمتي وكأسي". وإذا سألنا الرب يسوع هل أنت سعيد بهذا النصيب؟ يقول
نعم. هل أنت سعيد بهذه الكأس؟ يقول نعم. كان في كاس الرب هنا على الأرض مراراً
لكنه قبل الكأس من يد الآب قائلاً الكأس التي أعطاني الآب إلا أشربها. لقد شربها
كلها مع ما فيها من مرار. كان يعرفها جيداً وقال للآب إن أمكن أن تجيز عني هذه
الكأس. ولكن لتكن لا إرادتي بل إرادتك. كان الرب يسوع هو العبد الكامل المطيع في
كل شيء. الرب نصيب قسمتي وكأسي. أنت قابض قرعتي. ماذا يعني ذلك؟ يعني أن قرعتي
ليست في يدي أنا لكن في يدك أنت. الاختيار ليس لي. لو أعطيتني أن أختار أرد لك
القرعة لكي تمسكها أنت. أنت قابض قرعتي. والنتيجة لأن قرعتي هي في يد الرب:
"حبال وقعت لي في النعماء (أفخر الأماكن) فالميراث حسن عندي.

 

 لما
دخل الشعب أرض كنعان قسم لهم يشوع الأرض بالقرعة وقاسها بالحبال: نصيب يهوذا..
نصيب بنيامين وهكذا كل سبط وكل فرد قاس بالحبل والرب يقول أنا سلمت لله القرعة
فكانت النتيجة أنه وجد الميراث في أفضل مكان.

 

 وأنت
أيها الأخ إذا سلمت قرعتك ليد الرب فيكون نصيبك أفضل نصيب. إياك أن تتضجر وتقول
هذا هو بختي. إن قرعتك وميراثك في الرب أحسن ميراث. كل ما في الأرض باطل. تراب لا
قيمة له. لكن الميراث الحقيقي ميراث سماوي لا يفنى ولا يتدنس ولا يضمحل.

 

 ليست
النعماء في كثرة ووفرة الأمور المادية في هذا العالم لكن النعماء هي في تمتع القلب
بالرب والفرح فيه.

 

"أبارك
الرب" _ كلمة أبارك تعني أسبح. أغنى له. أغنى للرب في حياتي وأرنم لإلهي ما
دمت موجوداً فيلذ له نشيدي وأنا أفرح بالرب. أبارك الرب له كل المجد.

 

 الذي
يتأمل في حياة الرب يسوع على الأرض يجد أنه لم يكن يمتلك أي شيء. وأتباع الرب ماذا
كانوا يملكون؟ لا شيء. الأعرج لما نظر إلى الرسولين ينتظر منهما صدقة قالا له انظر
إلينا ليس لنا فضة ولا ذهب فهل كان ذلك دليلاً على الفقر؟ كلا بل إنهما كانا أغنى
الأغنياء. الذي لي فإياه أعطيك. كان له الرب يسوع المسيح _ باسم يسوع المسيح قم
وامش فقام وصار يسبح الله.

 

 كان
الرب في حياته حسب الظاهر رجل أوجاع ومختبر الحزن لكن في الداخل كان الإنسان
السعيد الفرح في الرب كل حين. كان أمامه الصليب والكأس ولكن كان مبتهجاً: جعلت
الرب أمامي في كل حين لأنه عن يميني فلا أتزعزع لذلك فرح قلبي. في الظاهر كرجل
أوجاع ومختبر الحزن ولكن في الداخل فرح قلبي وابتهجت روحي. له كل المجد.

 

 ثم
يقول أبارك الرب الذي نصحني كإنسان كامل عبد يهوه الكامل كان يتلقى الإرشاد من
الرب. كان يعيش بكلمة الله. وعندما جربه إبليس في البرية كان رده ليس بالخبز وحده
يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله يحيا الإنسان. قال له إبليس قل لهذه
الحجارة أن تصير خبزاً وكان جائعاً وفي استطاعته أن يحول الحجارة إلى خبز. لكن لم
تخرج له كلمة من فم الله بهذا الخصوص ولذلك لم يزعن للمجرب في عمل هذه المعجزة.

 

"أبارك
الرب الذي نصحني" _ يوقظ لي كل صباح أذناً عندما كان الرب يسوع يستيقظ كان
يسمع" صوت الرب. يميل إذنه ليصغي إلى أوامر الله. شركة كاملة. "السيد
الرب فتح لي أذناً وأنا لم أعاند" هذه الوصية قبلتها من أبي. أن أضع نفسي لكي
آخذها أيضاً. ثم كانت للرب يسوع شركة مستمرة في الليل أيضاً فيقول: "بالليل
تنذرني في الليل _ في النهار معك وفي الليل معك فكان لسان حاله دائماً" ماذا
تريد يا رب أن أفعل.. كلمني.. أهمس في أذني.. فالمؤمن القريب من الرب الذي يتمثل
بالرب بالسير في خطواته ماذا يفعل؟ يتلقى أوامره في النهار وفي الليل.

 

في
النهار أسمع صوت الرب وفي الليل أحشائي في الداخل. كليتاي. ضميري يحدثني. فالمؤمن
اليقظ المنتبه ينصحه الرب وينذره.

 

"جعلت
الرب أمامي في كل حين" وهذا هو سبب الثبات الرب يسوع له كل المجد كان الصليب
أمامه وكان يعلم ما هي آلام الصليب وآلام الدينونة الرهيبة التي كان مزمعاً أن
يتحملها لكن في الوقت نفسه كان أمامه الرب _ وكما جاء عنه في الرسالة إلى
العبرانيين "الذي من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهيناً بالخزي".

 

لماذا
إلى الوراء لم يرتد؟ لأنه جعل الرب أمامه في كل حين فلم يتزعزع ثم يقول لذلك فرح
قلبي وابتهجت روحي. ثم جسدي أيضاً يسكن مطمئناً.

 

فبعد
آلام الصليب دفن جسد سيدنا في القبر لكنه يقول لن تدع قدوسك يرى فساداً. أقامه
الله من الأموات وهذه الآية هي التي اقتبس منها بطرس ما قاله في يوم الخمسين
"داود لم يتكلم عن نفسه ولكن إذ كان نبياً تكلم عن المسيح إنه لن يرى فساداً.

 

وبولس
أيضاً يقول عن داود رئيس الآباء أنه دفن ورأى جسده فساداً لكن من هو الشخص الفريد
الوحيد الذي لم ير جسده فساداً؟ هو الذي سبق وقال عنه الملاك للعذراء مريم القدوس
المولود منك يدعى ابن الله هو الوحيد الذي لم ير جسده فساداً.

 

"تعرفني
سبيل الحياة (القيامة) أمامك شبع سرور قس يمينك نعم إلى الأبد (حيث قال له الله
اجلس عن يميني وقد جلس فعلاً عن يمين الله أي أن جسده دفن في القبر، ولم ير
فساداً، وأقيم من الأموات، وبعدما أقيم من الأموات جلس عن يمين الله.

 

 هذه
هي حياة المسيح الكاملة، هذا هو نصيبه، ميراثه، هذه هي سعادته وفرحه إنهما في
الله، غناه في الله، وهو الذي ترك لنا مثالاً لكي نتبع خطواته.

 

 وفي
مزمور 17 نرى المعتنف ضد المسيح "عن طريق المعتنف أنا تحفظت. رجل الدماء وهذا
المعتنف له أتباع فما هو مصير أولئك الأتباع.

 

في
مزمور 16 يقول "الرب نصيب قسمتي والمؤمن يقول هكذا أيضاً الرب نصيبي. وآساف
يقول صخرة قلبي ونصيبي الله إلى الدهر أما المعتنف ضد المسيح رجل الدماء رجل الغش
وأتباعه فيقول عنهم المزمور بذخائرك تملأ بطونهم. ما أتفه هذا: إلههم بطنهم مجدهم
في خزيهم. يفتكرون في الأرضيات.؟ القلب فارغ جاف لا ذرة من الفرح أو السلام في
القلب ولكن البطن ملآن. وما قيمة ذلك _ الرسول يقول "إن كان لنا القوت
والكسوة فلنكتف بهما.

 

المهم
ملء القلب وليس ملء البطن. بذخائرك تملأ بطونهم فبالبر أنظر وجهك. طوبى لأنقياء
القلب لأنهم يعاينون الله. لكن الذين نصيبهم في حياتهم لا يمكنهم أن يعاينوا الله
لأنهم مدنسي القلب.

 

لا
يوجد شيء أثمن وأغلى من الشركة مع الله.

 

في
نهاية مزمور 16 يقول أمامك شبع سرور في يمينك نعم إلى الأبد وفي نهاية مزمور 17
يقول بالبر أنظر وجهك اشبع إذا استيقظت بشبهك.

 

ونجد
الصورتين في فيلبي ص 3 حيث يقول الرسول "أذكرهم باكياً" وهم أعداء صليب
المسيح "لقد رفضوا حمل نير المسيح، رفضوا السير في طريق المسيح الذين إلههم
بطنهم كقول المزمور 17 بذخائرك تملأ بطونهم" "ومجدهم في خزيهم"
"خطيتهم الشنيعة هي أنهم يتفكرون في الرضيات" وجههم إلى أسفل وتدبيراتهم
وأفكارهم كلها في الأرضيات أما سيرتنا نحن، نحن أتباع المسيح، نحن الذين نسلك في
خطوات الإنسان الكامل المتوكل على الله الذي قال للرب أنت سيدي خيري لا شيء غيرك،
وقال أيضاً الرب نصيب قسمتي وكأسي. هذا هو سيدنا ومثالنا الكامل وهو الآن في
السماء التي منها ننتظر مخلصاً.

 

 وفي
مزمور 16 نقرأ "أشبع إذا استيقظت بشبهك أي أنه سيموت وعندما يقوم يشبع بالرب
لكن في رسالة فيلبي يبين الرسول أن الموت ليس رجاءنا وإنما من السماء ننتظر مخلصاً
هو الرب يسوع المسيح. هذا هو رجاؤنا الآن هذا ما ننتظره الانتظار السعيد المفرح من
السماء ننتظر مخلصاً هو الرب يسوع المسيح الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على
صورة جسد مجده بحسب عمل استطاعته أن يخضع لنفسه كل شيء.

 

 ما
أغنى المؤمن، ما أعظم نصيبه، ما أمجد قرعته، ما أعظم ميراثه، ما أعظم الفرح
والابتهاج الذي يملأ قلبه، وما أعظم رجاءه في السماء، رجائي نصيبي فوق، من السماء
ننتظر مخلصاً هو الرب يسوع المسيح الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد
مجده بحسب عمل استطاعته أن يخضع لنفسه كل شيء.

آمين.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي