الْمَزْمُورُ
الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ

 

اَلْمَزْمُورُ
ٱلْخَامِسُ وَٱلْعِشْرُونَ – صيحة الأسى

1إِلَيْكَ
يَا رَبُّ أَرْفَعُ نَفْسِي. 2يَا إِلٰهِي عَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، فَلا
تَدَعْنِي أَخْزَى. لا تَشْمَتْ بِي أَعْدَائِي. 3أَيْضاً كُلُّ مُنْتَظِرِيكَ لا
يَخْزَوْا. لِيَخْزَ ٱلْغَادِرُونَ بِلا سَبَبٍ. 4طُرُقَكَ يَا رَبُّ
عَرِّفْنِي. سُبُلَكَ عَلِّمْنِي. 5دَرِّبْنِي فِي حَقِّكَ وَعَلِّمْنِي. لأَنَّكَ
أَنْتَ إِلٰهُ خَلاصِي. إِيَّاكَ ٱنْتَظَرْتُ ٱلْيَوْمَ
كُلَّهُ. 6ٱذْكُرْ مَرَاحِمَكَ يَا رَبُّ وَإِحْسَانَاتِكَ، لأَنَّهَا
مُنْذُ ٱلأَزَلِ هِيَ. 7لا تَذْكُرْ خَطَايَا صِبَايَ وَلا مَعَاصِيَّ.
كَرَحْمَتِكَ ٱذْكُرْنِي أَنْتَ مِنْ أَجْلِ جُودِكَ يَا رَبُّ.

8اَلرَّبُّ
صَالِحٌ وَمُسْتَقِيمٌ، لِذٰلِكَ يُعَلِّمُ ٱلْخُطَاةَ
ٱلطَّرِيقَ. 9يُدَرِّبُ ٱلْوُدَعَاءَ فِي ٱلْحَقِّ، وَيُعَلِّمُ
ٱلْوُدَعَاءَ طُرُقَهُ. 10كُلُّ سُبُلِ ٱلرَّبِّ رَحْمَةٌ وَحَقٌّ
لِحَافِظِي عَهْدِهِ وَشَهَادَاتِهِ. 11مِنْ أَجْلِ ٱسْمِكَ يَا رَبُّ
ٱغْفِرْ إِثْمِي لأَنَّهُ عَظِيمٌ.

تنبعث
من هذا المزمور صيحة أسى. فقد كُتب في ظروف مليئة بالحزن والألم. غير أننا في نفس
الوقت نلاحظ فيه كلمات الرجاء المزكى، بالإحساس ببر الله ونعمته، والثقة بجودته.
وهذه من شأنها، أن تقود القلب إلى الله، طالباً رحمته الغنية باللطف والحنو.

(1-3)
يرفع المرنم نفسه، إلى الرب إله الفداء والعهد. الإله الغير المتغير، الذي لا
يستغني الإنسان عن الإتكال عليه، بسبب ضعفه وعدم استقراره. كان داود حين نظم هذا
المزمور، هارباً من وجه ابنه أبشالوم، الذي انقلب عليه، وتآمر لكي ينتزع الملك من
يديه. ولكن رغم الظروف القاسية في موقفه إزاء شمعي بن جيرا، الذي سبه ورشقه
بالحجارة. فحين قرر أبيشاي بن صيرويه أن يقطع رأس شمعي عقاباً له قال له داود:
«دَعُوهُ يَسُبَّ لأَنَّ ٱلرَّبَّ قَالَ لَهُ. لَعَلَّ ٱلرَّبَّ
يَنْظُرُ إِلَى مَذَلَّتِي وَيُكَافِئَنِي ٱلرَّبُّ خَيْراً عِوَضَ
مَسَبَّتِهِ بِهٰذَا ٱلْيَوْمِ» (صموئيل الثاني 16: 1-12). ولأن داود تقبل
الأمر من الرب، لا من الناس، استطاع وهو في محنته أن يرفع نفسه إلى الله، وبالتالي
يعلن أنه بالاتكال عليه يستطيع أن يتحمل المحن. لأن الله المحب يسندنا فلا نفشل،
ولا يدعنا نخزى.

ونتعلم
بالاختبار، أن جميع منتظري الرب لا يخزون. لأن الرب لا يمكن أن يتخلى عنهم. هذا هو
شعور المؤمنين المولودين من الله، المملوءة قلوبهم بالرجاء الحي.

كل
منتظريك لا يخزون، قال المرنم، وأنت إذ تتأمل في هذه الآية الكريمة، ينبغي أن تنسى
نفسك. وأن تفكر في قديسي الله في العالم، الذين يشتركون معنا في انتظار الرب. فكر
في العدد العديد من الناس، الذين يحتاجون إلى هذه الصلاة. كم من مريض أو متعصب أو
حزين، يبدو له وكأن صلاته لم تأت بفائدة. وهو يخشى، أن يخزى رجاؤه! وكم من أناس
سمعوا عن راحة السلام الكامل، وعن التمتع بضياء وجه الله والشركة معه، عن القوة
والغلبة! ولكن لم يتمتعوا بهذه الامتيازات. كل هؤلاء عيبهم، أنهم لم يتعلموا سر
انتظار الله.

يعوزهم
جميعاً كما يعوزنا، أن تكون لهم ثقة أكيدة بأن انتظار الله، لا يمكن أن يخزى.
الخزي من نصيب الأشرار الغادرين، الذين يرفضون الله في عدم إيمان. وهم يرفضونه
بسبب شرهم وبعدهم عنه، كما هو مكتوب: «وَأَحَبَّ ٱلنَّاسُ ٱلظُّلْمَةَ
أَكْثَرَ مِنَ ٱلنُّورِ، لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً» (الإنجيل
بحسب يوحنا 3: 19).

(4)
تذكرنا طلبة داود في هذه الآية، بطلبة رفعها موسى إلى الله، إذ قال «فَٱلآنَ
إِنْ كُنْتُ قَدْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ فَعَلِّمْنِي طَرِيقَكَ حَتَّى
أَعْرِفَكَ لِكَيْ أَجِدَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ» (خروج 33: 13) فالطلبة تحمل
معنى التوسل إلى الرب الإله، ليكشف له طريقه المستقيمة، ويظهرها حتى تكون جلية
واضحة قدام عينيه، فلا يحيد عنها. ويحدثنا الكتاب المقدس عن عدة طرق، يجب أن
يسلكها المؤمن، منها:

هل تبحث عن  هوت عقيدى سر التوبة والإعتراف سر التوبة والإعتراف 4

*
طريق الحكمة

*
طريق الفهم

*
طريق الحياة

*
طريق البر

*
طريق العدل

*
طريق المعرفة

وفي
الشطر الثاني من الطلبة، يقول: «علمني سبلك» وأنه لمن المفيد لنا أن نميز بين
الطرق والسبل. فطرق الإنسان هي أسلوب حياته، الذي اختاره لنفسه. أما السبل، فهي
المبادئ، التي يسلك بموجبها. والكتاب المقدس يذكر لنا عدة سبل صالحة وضعها الله
للإنسان منها:

*
سبيل البر

*
سبيل الحق

*
سبيل الاستقامة

*
طريق الحياة

*
سبيل وصايا الله

هذه
السبل سلك ربنا يسوع المبارك بموجبها، تاركاً لنا مثالاً، لكي نتبع خطواته.

(5)
يسأل الله أن يدربه في معرفة الحق، أو تدريب نفسه على السلوك في الحق. إن معرفة
الحق هي معرفة المسيح. ومعرفة المسيح، تقود إلى الحرية بدليل قول المسيح: بي
تعرفون الحق، والحق يحرركم (الإنجيل بحسب يوحنا 8: 32) ومعرفة الحق في المسيح، هي
معرفة الله والحياة الأبدية. هذه الحقيقة أعلنت ليوحنا الإنجيلي، وشهد بها، إذ قال
«وَنَعْلَمُ أَنَّ ٱبْنَ ٱللّٰهِ قَدْ جَاءَ وَأَعْطَانَا
بَصِيرَةً لِنَعْرِفَ ٱلْحَقَّ. وَنَحْنُ فِي ٱلْحَقِّ فِي
ٱبْنِهِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ. هٰذَا هُوَ ٱلإِلٰهُ
ٱلْحَقُّ وَٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ» (رسالة يوحنا الأولى 5:
20).

هل
تريد أن تعرف الحق، وتسلك فيه باستمرار وبلا تعثر، إلى أن تدخل الحياة الأبدية عند
الله؟ هذا متاح لك، إن أتيت إلى يسوع، الذي قال «أَنَا هُوَ ٱلطَّرِيقُ
وَٱلْحَقُّ وَٱلْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى ٱلآبِ
إِلاّ بِي» (الإنجيل بحسب يوحنا 14: 6).

من
البديهي أن النفس المحررة تبتهج بإله خلاصها، وتنتظره اليوم كله دون إعياء أو ملل.
وبذلك تستجمع قوة أكثر، وفقاً للقول النبوي: «أَمَّا مُنْتَظِرُو ٱلرَّبِّ
فَيُجَدِّدُونَ قُّوَةً. يَرْفَعُونَ أَجْنِحَةً كَٱلنُّسُورِ. يَرْكُضُونَ
وَلا يَتْعَبُونَ، يَمْشُونَ وَلا يُعْيُون» (إشعياء 40: 31).

(6)
إن مراحم الله عظيمة ودائمة، لا يمنعها عن جميع طالبيه. هكذا قال له المجد
«مَحَبَّةً أَبَدِيَّةً أَحْبَبْتُكِ، مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ أَدَمْتُ لَكِ
ٱلرَّحْمَةَ» (إرميا 31: 3) فانطلاقاً من هذه الحقيقة المعلنة، راح داود
يذكر الله بمراحمه الثابتة وإحساناته التي لا تُعد. فهذه الإحسانات وهذه المراحم
الثابتة أزلية، اختبرها جميع القديسين. سواء كان قبل داود أم بعده. ونتعلم من طلبة
داود، أن صفات الرحمة والإحسان، تلازم الله، ولا يمكن أن تنقطع مراحمه وإحساناته.

(7)
عرف داود بالاختبار الشخصي، أن الله كثير الرحمة، ولا يحقد إلى الدهر. فهو يغفر
الذنب، ويقبل التوبة. واستناداً إلى هذه الرحمة سأل الرب ان يغفر له، ولا يذكر
خطاياه، سيما خطايا أيام الصبا والجهل. وقد نعتها بالمعاصي، لأنها في جوهرها عصيان
لأوامر الله وتعدٍّ على شرائعه الإلهية. ولا يتوقف عند طلب الغفران، بل يطلب لإلهه
أن يذكره من أجل جوده ولطفه وصلاحه. هذا هو باب الغفران الوحيد، أن نلتجئ إلى جود
الله الغني بالرحمة، والذي ظهر بالأحرى في صليب ربنا يسوع.

(8
و9) يشهد المرنم لله، لكأنه يقول: الآن تستطيع نفسي أن تعترف بصلاح الله
واستقامته. إنني أكف عن المشغولية بخطايا الصبا والمعاصي، لكي أجعل نفسي تخبر
بفضائل الذي دعاها من الظلمة إلى نوره العجيب. وهذا أمر طبيعي، لأن النفس التي
نالت خلاص الله، لا بد أن تحبه وتتعلق به. وخصوصاً حين تذكر أن الله في الصليب
استطاع أن يخلصها ويعطيها براً وسلاماً.

وكون
الله صالح ومستقيم، فهو يدرب الودعاء في الحق، ويعلمهم طرقه. وهنا يجب أن أذكر أن
الوداعة ليست شيئاً طبيعياً في قلب الإنسان. وإنما هي نعمة يمنحها الله للذين
يسلكون بتواضع أمامه ويتعلمون منه، بدليل قول المسيح «تعلَّموا مني، لأني وديع
ومتواضع القلب، فتجدوا راحة لنفوسكم».

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس م موآب موآبيون ن

اطلبوا
البر، اطلبوا التواضع، قال صفنيا النبي: فإن كنت تريد معرفة فكر الله، فعليك
بالتواضع (صفنيا 2: 3). فإن الله يقاوم المستكبرين، أما المتواضعون فيعطيهم نعمة.
المتواضعون المتدربون في الحق، يعلمهم الله طرقه، فتصبح حواسهم مدربة، لتمييز
الأمور المتخالفة. أما إن كان أحد في كبريائه وشموخ نفسه، يريد الاستقلال بنفسه
فلا بد أن يضل. وفي النهاية يأتي هلاكه.

(10)
في الآية 8 شهد النبي المرنم، أن الرب صالح ومستقيم وفي الآية 9 شهد بأنه يدرب
الودعاء في الحق. وهنا يشهد أن كل سبل الله رحمة وحق، بالنسبة للأتقياء حافظي عهد
الرب. وشهاداته هذه، جاءت بفعل الإرشاد الإلهي، الذي قاده إلى معرفة الله في
قداسته وحقه. فكل ما يقوله الله لأتقيائه وحافظي عهده، هو حق وعدل. إذا ليس من
الممكن أن ينال الرحمة إلا الذين يسلكون في الطاعة.

(11)
يختم المرنم هذا القسم من المزمور بصلاة حارة. مستصرخاً اسم الرب لأجل الصفح عن
الخطايا، التي أثقلت ضميره، وتثقلت بها نفسه. إنه يعترف بأن اسمه عظيم وبهذا أدان
نفسه وبرر الله، الذي لا يتبرر ذو جسد أمامه.

كثيرون
يحاولون تبرير أنفسهم، مدعين بأنهم ليسوا خطاة. هؤلاء يدينون الله، الذي قال:
الجميع زاغوا وفسدوا معاً. وكثيرون ينسبون خطاياهم إلى ظروف خارجة عن إرادتهم،
محاولين أن يقللوا من مسؤوليتهم. هذه ليست الطريق المؤدية إلى الغفران. إن كنت
تريد غفران خطاياك، فاعترف بها واتركها. هذه الحقيقة ذكرها الرسول يوحنا بقوله
«إِنِ ٱعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى
يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ» (يوحنا الأولى 1:
9) لا تخف من الماضي الملوث، فإن الله يدعوك إلى المحاجة لكي يبررك. «هَلُمَّ
نَتَحَاجَجْ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ. إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ
كَٱلْقِرْمِزِ تَبْيَضُّ كَٱلثَّلْجِ. إِنْ كَانَتْ حَمْرَاءَ
كَٱلدُّودِيِّ تَصِيرُ كَٱلصُّوفِ» (إشعياء 1: 18).

 

اَلْمَزْمُورُ
ٱلْخَامِسُ وَٱلْعِشْرُونَ – اختبار صلاح الله

12مَنْ
هُوَ ٱلإِنْسَانُ ٱلْخَائِفُ ٱلرَّبَّ؟ يُعَلِّمُهُ طَرِيقاً
يَخْتَارُهُ. 13نَفْسُهُ فِي ٱلْخَيْرِ تَبِيتُ، وَنَسْلُهُ يَرِثُ
ٱلأَرْضَ. 14سِرُّ ٱلرَّبِّ لِخَائِفِيهِ وَعَهْدُهُ لِتَعْلِيمِهِمْ.
15عَيْنَايَ دَائِماً إِلَى ٱلرَّبِّ، لأَنَّهُ هُوَ يُخْرِجُ رِجْلَيَّ
مِنَ ٱلشَّبَكَةِ.

16اِلْتَفِتْ
إِلَيَّ وَٱرْحَمْنِي لأَنِّي وَحْدٌ وَمِسْكِينٌ أَنَا. 17اُفْرُجْ
ضِيقَاتِ قَلْبِي. مِنْ شَدَائِدِي أَخْرِجْنِي. 18ٱنْظُرْ إِلَى ذُلِّي
وَتَعَبِي وَٱغْفِرْ جَمِيعَ خَطَايَايَ.

(12)
إن مخافة الرب، هي طريق الحق، الذي فيه يتولى الرب تعليم الذين يخافونه. وفي
اعتقادي أن إدراك النعمة على حقيقتها إدراكاً صحيحاً، يقود النفس إلى مخافة الرب.
ولكن ليس خوف العبودية، بل خوف المحبة. لأن معرفة الله كإله النعمة، يحرر النفس من
عبودية الخوف. هكذا علمنا الرسول يوحنا: «لا خَوْفَ فِي ٱلْمَحَبَّةِ، بَلِ
ٱلْمَحَبَّةُ ٱلْكَامِلَةُ تَطْرَحُ ٱلْخَوْفَ إِلَى خَارِجٍ»
(رسالة يوحنا الأولى 4: 18) قال أحد الأتقياء: متى كملت المحبة تطرح الخوف من قلب
المؤمن، لأن المؤمن واثق قلبه ممكن في الله. وثقته ناشئة عن كون المسيح صديقه، وقد
خلصه من الخطية، التي هي علة الخوف.

إن
الإنسان الذي يخاف الله خوف المحبة، يقوده الرب بالمحبة إلى سلوك الطريق
المستقيمة، التي يختارها الرب. وهي الطريق المضمونة السلامة، بحيث لا يبقى المؤمن
محتاراً متردداً على مفترق الطرق وفي منعطفاتها. لأن السيد الرب أرشده، إلى الطريق
المؤدية إليه بالمسيح.

كانت
مخافة الرب موضوعاً لاهتمام رجال الله الموحى إليهم. فسليمان الحكيم يعلمنا: «إن
مخافة الرب رأس المعرفة» (أمثال 1: 7) ومعنى هذا أن لا معرفة ولا فلسفة صحيحة،
بعيداً عن مخافة الرب. وكل من يدعي المعرفة ويتجاهل الرب، ليس إلا غبياً جاهلاً.
ولكن للأسف الشديد أن العدد العديد من مفكري هذا العصر، ألقوا بمخافة الرب عرض
الحائط. فكثرت السخافات، التي يتقبلها البسطاء على أنها علوم وفلسفة. فتمت فيهم
كلمة رسول الأمم بولس: «وَبَيْنَمَا هُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ حُكَمَاءُ صَارُوا
جُهَلاءَ» (رومية 1: 22).

هل تبحث عن  هوت دفاعى قوائم الأسفار القانونية ة

ثق يا
أخي أن مخافة الرب تحفظك في الصراط المستقيم، بخلاف أولئك الذين طرحوا عنهم مخافة
الرب، الذين كما قال الحكيم، يأكلون من ثمر طريقهم. وقد سجل عليهم الكتاب المقدس،
أنهم أبغضوا العلم الصحيح. ولم يختاروا مخافة الرب.

(13)
إن الذي يخاف الرب، يسلك في الحق والبر وبذلك يبلغ أوج السعادة. إنسان كهذا، نفسه
في الخير تبيت. إنه يتمتع بكل البركات، التي أعدها الله لخائفيه الراجين رحمته. فضلاً
عما يهبه الله من سلام واطمئنان وراحة، في عالم يسوده الخوف والقلق.

كان
المرنم كغيره من رجال العهد القديم، ينظر إلى البركات الرفيعة كهبة محبوبة من
الله. أما بالنسبة لنا نحن العائشين في عهد النعمة، فنصيبنا أفضل. إذ لنا في
المسيح ميراث، لا يفنى ولا يتدنس ولا يضمحل محفوظ في السموات (رسالة بطرس الأولى
1: 4).

(14)
يتولى الرب خائفيه بالإرشاد، في كل طرقهم. ويغمرهم بالخير والإحسان. ومن امتيازات
هؤلاء الأبرار، أن الرب يعلن لهم سرائره بواسطة كلمته وبإرشاد روحه القدوس.
فيتعلمون عهده، وينالون ما فيه من بركات موعودة.

وكذلك
خائفو الرب، يتمتعون بالشركة السعيدة مع إلههم وهو يغمرهم برضاه ويشملهم بمحبته،
وفقاً لقول المسيح: «اَلَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ
ٱلَّذِي يُحِبُّنِي، وَٱلَّذِي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي، وَأَنَا
أُحِبُّهُ، وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي» (الإنجيل بحسب يوحنا 14: 21) جاء في أمثال 8:
17 «أَنَا أُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَنِي، وَٱلَّذِينَ يُبَكِّرُونَ
إِلَيَّ يَجِدُونَنِي». فيا أخي الشاب بكر بمجيئك إلى الله كما فعل يوسف وصموئيل
ودانيال وتيموثاوس، فتجد الله لك خلاصاً وعوناً وحياة أبدية. اسع إلى الله في
المسيح لأن كلمة المسيح «وأنا أحبه» تعني أن المسيح يصير لمن يحبه فادياً وأخاً
وصديقاً ورفيق درب وحامياً. واعلم أنه لا شيء أمجد من هذا، أن المسيح يحبنا.

(15)
لقد عرف النبي أن الرب قريب من الودعاء والمتواضعين الذين يخافونه. وأنه يعتني
بهم، ويرشدهم الطريق التي يسلكونها. ويكشف لهم عن أسرار ومقاصد نعمته. لذلك يرفع
عينيه نحو الرب أي يجعله متكله. ويطلب منه العون، واثقاً بمحبته المعتنية وفي
قدرته القادرة أن تنجيه من الشبكة، التي ينصبها له الأعداء.

إن
هذه النظرة المستمرة إلى الأعالي، تقابل بالعون الإلهي. وإن كانت الشبكة تقيد
الأيدي والأرجل، فإنها لا تستطيع أن تقيد عيني الإيمان، اللتين ترتفعان إلى
الأعالي. إنهما تريان ما لا يُرى من مجد الله. فيثبت القلب، وتتعزى النفس.

هل
عيناك دائماً إلى الرب؟ هل تتعبد له، مصلياً وشاكراً لأجل المراحم الإلهية، التي
لا تتخلى عنك، والتي تجعلك قادراً على مواجهة الأحداث، بشجاعة المؤمن الواثق في
الله؟ هذه دعوتك كمؤمن، إن سلكت فيها، تجعل الله رفيقاً لك.

(16)
بعد أن تحدث النبي الكريم بلغة الواثق في صلاح الله ورحمته وقدرته الفائقة، يستصرخ
الله ويسأله في تضرّع أن يخلصه من أعدائه. فقد كان هارباً من وجه ابنه أبشالوم
الثائر، وليس أقسى على القلب الأبوي من عقوق الأبناء. لذلك فهو يسكب قلبه أمام
الله. لقد طلب إلى الرب، أن يلتفت إليه ويرحم مذلته. فقد مرت به ظروف قاسية، شعر
خلالها أنه وحيد ومسكين، بلا صديق ولا معين. وليس على النفس المجرمة أثقل من هذا
الشعور.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي