الْمَزْمُورُ
الْحَادِي وَالثَّلاَثُونَ

 

َالْمَزْمُورُ
ٱلْحَادِي وَٱلثَّلاثُونَ – التسليم الكامل

1عَلَيْكَ
يَا رَبُّ تَوَكَّلْتُ. لا تَدَعْنِي أَخْزَى مَدَى ٱلدَّهْرِ. بِعَدْلِكَ
نَجِّنِي. 2أَمِلْ إِلَيَّ أُذْنَكَ. سَرِيعاً أَنْقِذْنِي. كُنْ لِي صَخْرَةَ حِصْنٍ،
بَيْتَ مَلْجَأٍ لِتَخْلِيصِي. 3لأَنَّ صَخْرَتِي وَمَعْقِلِي أَنْتَ. مِنْ أَجْلِ
ٱسْمِكَ تَهْدِينِي وَتَقُودُنِي. 4أَخْرِجْنِي مِنَ ٱلشَّبَكَةِ
ٱلَّتِي خَبَّأُوهَا لِي لأَنَّكَ أَنْتَ حِصْنِي. 5فِي يَدِكَ أَسْتَوْدِعُ
رُوحِي. فَدَيْتَنِي يَا رَبُّ إِلٰهَ ٱلْحَقِّ.

(1)
يستهل المرنم هذا المزمور بصلاة لأجل الخلاص. وحجته أنه متكل على الرب، والمتكل
على الرب لا يخزى. صحيح أن الخطية تسبب الخزي، ولكن الذي جعل الرب متكله ينقذ من
الخطية ومن أثرها المخزي.

الاتكال
على الرب يهيب بالمؤمن أن يطلب الله في ثقة ولجاجة، والله لا يتغاضى عن طلبته، بل
يعطيه سؤل قلبه، ويسرع إلى تنجيته، وفقاً لوعده القائل: «فَتَدْعُونَنِي
وَتَذْهَبُونَ وَتُصَلُّونَ إِلَيَّ فَأَسْمَعُ لَكُمْ. وَتَطْلُبُونَنِي
فَتَجِدُونَنِي إِذْ تَطْلُبُونَنِي بِكُلِّ قَلْبِكُمْ. فَأُوجَدُ لَكُمْ يَقُولُ
ٱلرَّبُّ» (إرميا 29: 12-14).

(2)
بما أن للمؤمن هذه الثقة بمواعيد الله، فمن البديهي أن يتقدم إليه بطلب العطف
عليه، والإسراع إلى تنجيته من مخاوفه ومضايقيه. وإذ هو يطلب ذلك متضعاً ومقراً
بخطاياه، فالرب لا يمنع بره عنه. بل سرعان ما يميل إليه، ويغفر له خطاياه، كما هو
مكتوب «إِنِ ٱعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى
يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ» (يوحنا الأولى 1:
9).

وبعد
الغفران يتمتع المؤمن بعناية الله الحافظة، التي شبهها المرنم بالحصن المانع.
بمعنى أن الله يعطيه نعمة، لكي يتحصن في البر ويحفظ إناءه بقداسة وكرامة. ويتم
خلاصه بخوف ورعدة.

(3)
قال يسوع في أحد أمثاله «فَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هٰذِهِ
وَيَعْمَلُ بِهَا، أُشَبِّهُهُ بِرَجُلٍ عَاقِلٍ، بَنَى بَيْتَهُ عَلَى
ٱلصَّخْرِ فَنَزَلَ ٱلْمَطَرُ، وَجَاءَتِ ٱلأَنْهَارُ،
وَهَبَّتِ ٱلرِّيَاحُ، وَوَقَعَتْ عَلَى ذٰلِكَ ٱلْبَيْتِ
فَلَمْ يَسْقُطْ، لأَنَّهُ كَانَ مُؤَسَّساً عَلَى ٱلصَّخْرِ» (الإنجيل بحسب
متى 7: 24 و25) المطر يمثل النوازل، التي تسمح بها السماء، والتي لا دخل للإنسان
فيها كالفقر والمرض والموت. والانهار تشير إلى التجارب الأرضية، مثل اضطهادات
الناس والتعاليم الفاسدة، التي تقود إلى الضلال. والرياح تشير إلى التجارب
الشهوانية، التي تحرك نزوات الإنسان. هذه التجارب تعترض الجميع. ولكن البيت المؤسس
على الصخر، أي الإنسان الذي بنى حياته على كلمة المسيح صخر الدهور، وعلى الطاعة
التامة، يستطيع أن يصمد أمام التجارب وينتصر عليها، ويخرج منها ممحصاً كالذهب.

هل تبحث عن  مريم العذراء رحلة العائلة المقدسة إلى مصر منطقة الزيتون ووسط القاهرة ة

(4)
الشبكة هي فخاخ إبليس، وقد قال بطرس: «اُصْحُوا وَٱسْهَرُوا لأَنَّ
إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِساً مَنْ يَبْتَلِعُهُ
هُوَ فَقَاوِمُوهُ رَاسِخِينَ فِي ٱلإِيمَانِ» (بطرس الأولى 5: 8) والواقع
أن إبليس ينصب فخاخه هنا وهنالك لكي يصيد لو أمكن حتى المختارين. ولكن المولود من
الله يحفظ نفسه بالنعمة والشرير لا يمسه (يوحنا الأولى 5: 18) والرب ساهر على
الذين هم له. ويسرع إلى إنقاذهم في وقت الخطر. هكذا أنقذ داود من مشورة أخيتوفل،
وأنقذ حزقيا الملك من فخاخ سنحاريب.

(5)
هذه العبارة «في يدك أستودع روحي» هي الكلمة الأخيرة العزيزة التي فاه بها يسوع
على الصليب (الإنجيل بحسب لوقا 23: 46) وإن ما تضمنته هذه الكلمة من حقائق يعتبر
دعامة الإيمان المسيحي.

حين
علق يسوع على الصليب، واعتبره قانون الفداء حاملاً خطايا العالم، أطلق تلك الصرخة
الأليمة «إلهي لماذا تركتني»؟ أما الآن فلكي يبين أن تلك الآلام النيابية المكفرة
عن خطايا العالم قد انتهت، خاطب الآب بلفظة «يا أبتاه» وذلك من أجلنا لكي ننال روح
التبني فنصرخ «يا َأبا الآب» (غلاطية 4: 6).

ولعله
استخدم هذه الكلمات بطريقة خاصة به كشفيع، لأنه في تلك الساعة كان يقدم نفسه بين
يدي الآب كذبيحة إثم عن خطايانا، ويبذل نفسه فدية عن كثيرين (إشعياء 53: 10، متى
20: 28) والمناسبة تشير إلى أن يسوع في عمله هذا، كان هو الكاهن الأعظم وفي نفس
الوقت الذبيحة العظمى. كانت أرواحنا هالكة، فسلم روحه للآب لكي يفدي أرواحنا. كان
يجب أن يدفع الثمن في يدي الله، الطرف الذي أساءت إليه الخطية، وذلك وفقاً للتعهد
بأن يقدم الكفارة كاملة.

«يا
أبتاه في يديك أستودع روحي» قالها يسوع وهو يجتاز الموت، رابط الجأش، واقر الجنان،
لا يستشعر خشية ولا يرهب شراً. لأنه استودع نفسه لأبيه، الذي هو محبة.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القس أنطونيوس فكرى عهد جديد إنجيل يوحنا 13

وأخيراً
تحامل يسوع على قدميه المسمرتين، ورفع جسده إلى فوق واستجمع قواه وصرخ «قد أكمل»
لقد أكملت رسالة الرب الفادي، وتم العمل الذي جاء لأجله كحمل الله رافع خطية العالم.

اما
ابن الإنسان في السنة الخامسة عشرة لسلطنة طباريوس قيصر، في الشهر الذي يعتبر رأس
الشهور العبرية، مات في اليوم الذي يسبق أكل الفصح. وبينما كانت ألوف الحملان
تذبح، كان الحمل الحقيقي يجود بدمه ونفسه من أجلنا. فكان صوته بداية حياة وراحة
وعيداً للجنس البشري.

مات
المسيح رب المعجزات، فلا عجب إن مادت الأرض بقشعريرة عنيفة وانشقت هضبة الجلجثة من
الشرق إلى الغرب. ومثلها انشق حجاب الهيكل إلى نصفين، من أعلى إلى أسفل. وتفتحت
القبور، وقام كثيرون من القديسين الراقدين من قبورهم. وجميع الذين شهدوا هذا
المنظر، رجعوا وهم يقرعون صدورهم، قائلين «حقاً كان هذا الإنسان باراً».

أما
الجند فإذا أرادوا التأكد من موت يسوع، أخذ أحدهم رمحه وصوبه إلى جنب المسيح، فمرق
الرمح بين الضلع الخامس والسادس ومزق الغشاء البلوري ثم إحدى الرئتين، واستقر
سنانه في أعلى القلب. ولما اجتذب الجندي رمحه، سال من جسد يسوع بعض الدم مختلطاً
بالماء. دلالة على أن يسوع كان قد مات.

أنزل
المسيح إلى القبر، ولكن هل كان باستطاعة القبر أن يحتجزه؟ وهل كان ممكناً أن تطوى
صفحته، ويلحق من غبُر من الناس؟ لا إنه فقط استودع نفسه في يدي أبيه بطمأنينة
مطلقة، تاركاً لنا مثالاً لنحذو حذوه. فنثق في الرب، ونؤمن أن يسوع هو القيامة
والحياة، وأن من يؤمن به ولو مات فسيحيا. بهذا الإيمان يمكننا أن نجتاز ساعتنا
الأخيرة ساعة الاحتضار باطمئنان، قائلين مع المرنم «أيضاً إذا سرت في وادي ظل
الموت لا أخاف شراً لأنك أنت معي».

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ح حَرياهايا ا

لقد
مضى المسيح ليعد لنا مكاناً في منازل الآب، وسوف يأخذنا إليه، حتى حيث يكون هو
نكون نحن، فكيف نحزن وقد انكشف القناع عن حقيقة الموت، فإذا به وإن لبس أسمال
الخسارة فهو عين الربح. هكذا قال بولس: «لي الحياة هي المسيح، والموت هو ربح».

إن
صليب المسيح يعلمنا أن نصرف الحياة باستقامة لنصير إلى أبدية سعيدة. فإن استودعنا
نفوسنا لله هنا، فلا بد أن نجدها هناك. وبكلمة أخرى، إن من يقف بالإيمان بين يدي
الرحمة الإلهية هنا، فلا يدان بالخطية بين يدي العدل هناك.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي