الْمَزْمُورُ
الأَرْبَعُونَ

 

اَلْمَزْمُورُ
ٱلأَرْبَعُونَ – القلب الملآن

6بِذَبِيحَةٍ
وَتَقْدِمَةٍ لَمْ تُسَرَّ. أُذُنَيَّ فَتَحْتَ. مُحْرَقَةً وَذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ
لَمْ تَطْلُبْ. 7حِينَئِذٍ قُلْتُ: «هَئَنَذَا جِئْتُ. بِدَرْجِ ٱلْكِتَابِ
مَكْتُوبٌ عَنِّي 8أَنْ أَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا إِلٰهِي سُرِرْتُ.
وَشَرِيعَتُكَ فِي وَسَطِ أَحْشَائِي». 9بَشَّرْتُ بِبِرٍّ فِي جَمَاعَةٍ
عَظِيمَةٍ. هُوَذَا شَفَتَايَ لَمْ أَمْنَعْهُمَا. أَنْتَ يَا رَبُّ عَلِمْتَ.
10لَمْ أَكْتُمْ عَدْلَكَ فِي وَسَطِ قَلْبِي. تَكَلَّمْتُ بِأَمَانَتِكَ
وَخَلاصِكَ. لَمْ أُخْفِ رَحْمَتَكَ وَحَقَّكَ عَنِ ٱلْجَمَاعَةِ
ٱلْعَظِيمَةِ.

(6-8)
حين نقابل هذه الآيات بعبرانيين 10: 6-10 نرى تطبيقاً كاملاً لهذا المزمور على شخص
يسوع، فربنا المبارك استعرض جميع ذبائح وقرابين العهد الناموسي بكل أنواعها: ذبائح
السلامة، وذبائح الإثم، والمحرقات، وذبائح الخطية والقرابين. وبعد استعراضها
جميعاً، نطق بحكمة قائلاً بأنها لم تكن مطلب القدير.

والله
أعلن في الأنبياء نفس الشيء مراراً كثيرة. ففي إشعياء نجد الحكم على هذه الذبائح
باعتبار كونها طقوساً فارغة، إذ يقول «لِمَاذَا لِي كَثْرَةُ ذَبَائِحِكُمْ؟»
يَقُولُ ٱلرَّبُّ «ٱتَّخَمْتُ مِنْ مُحْرَقَاتِ كِبَاشٍ وَشَحْمِ
مُسَمَّنَاتٍ، وَبِدَمِ عُجُولٍ وَخِرْفَانٍ وَتُيُوسٍ مَا أُسَرُّ» (إشعياء 1:
11).

وفي
إرميا يصدر الحكم عليها بالرفض، إذ يقول «مُحْرَقَاتُكُمْ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ،
وَذَبَائِحُكُمْ لا تَلُذُّ لِي» (إرميا 6: 20).

وفي
عاموس يظهر كراهية حيالها، إذ يقول «بَغَضْتُ، كَرِهْتُ أَعْيَادَكُمْ، وَلَسْتُ
أَلْتَذُّ بِٱعْتِكَافَاتِكُمْ. إِنِّي إِذَا قَدَّمْتُمْ لِي
مُحْرَقَاتِكُمْ وَتَقْدِمَاتِكُمْ لا أَرْتَضِي، وَذَبَائِحَ ٱلسَّلامَةِ
مِنْ مُسَمَّنَاتِكُمْ لا أَلْتَفِتُ إِلَيْهَا» (عاموس 5: 21-23).

والسبب
في ذلك واضح تماماً، وهو أنها كانت طقوساً خارجية، وفي معظم الأحيان كانت تقدم في
عدم إيمان. ويقول الرسول بولس: إن تلك الذبائح «لا يُمْكِنُ مِنْ جِهَةِ
ٱلضَّمِيرِ أَنْ تُكَمِّلَ ٱلَّذِي يَخْدِمُ» (عبرانيين 9: 9) بمعنى
أن ذبائح الناس لم يكن ممكناً قط أن تكمل الساجد من جهة ضميره لأن ذكر خطاياه كان
يعاد في يوم عيد الكفارة. وكان يستنتج من ذكرها أنها في الماضي لم تغفر كاملاً.
وبكلمة أخرى أن ضميره لم يكن يجد راحة كاملة. لأنه لم يحصل على يقين كامل بغفران
خطاياه.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس أ أوهد 1

كانوا
يمارسون الغسل في الهيكل عند المرحضة. وكان هناك رش دم لتقديس المنجس، وعلى مذبح
النحاس، وعلى قرون مذبح البخور. ولكن هذه كلها لم تكن قادرة أن تكمل الضمير أو
تعطي للنفس سلاماً حقيقياً. كانت أشياء مادية تمارس وفقاً لفرائض تتناول علاقة
الإنسان بالله، ولكنها لم تكن سوى علاقة خارجية، ولعل هذه العلاقة تجعل الإنسان طيباً
صادقاً في أشياء كثيرة، ومع ذلك يبقى بعيداً عن السلام مع الله، أو الوجود في
حضرته.

صحيح
أن أتقياء العهد القديم، في أيام موسى كانوا يرجعون إلى الله على أساس الذبائح.
وفي عهد الملوك، كانت الذبائح تشغل مركزاً هاماً في العبادة، إذ كانت ذبائح
المحرقة تقدم باستمرار بحيث نارها لا تطفأ أبداً وفي زمن سليمان كانت ربوات
المحرقات تخفي وجه السماء فوق الهيكل بدخانها المتصاعد. حتى يمكن أن يقال، أنهم
كانوا شعب قرابين وذبائح ومحرقات. ومع ذلك ما أشد النبرة التي لفظ بها الرب هذا
الحكم! «ذبيحة وقرباناً لم ترد».

في
الواقع أن الروح القدس، الذي تكلم عن المسيح بفم داود، يؤكد لنا بصريح العبارة، أن
الله ما كان ممكناً أن يسر بمجرد تقديم ذبيحة حيوانية. وإنما يشتاق إلى الشيء الذي
تكلم بالسلام إلى قلب وضمير الخاطئ الخائف. وهذا الشيء هو دم المسيح، المعروف
سابقاً قبل تأسيس العالم.

تخبرنا
الكتب المقدسة، أنه كان في مشورات الله الأزلية إعداد ذبيحة أفضل. وإذ ننحني
سجداً، يقودنا الروح القدس إلى ذاك الماضي الأزلي الذي إن كنا لا نستطيع إدراكه
بحكم قصورنا البشري، إلا أننا نفهم من إعلانات الله في الكتاب العزيز، أن أقانيم
اللاهوت وهم يتطلعون إلى جنسنا البشري المزمع أن يأتي إلى الوجود، وإلى الخطية
التي ستدخل إلى العالم ومعها الموت أصدروا المشورة بالفداء. ويمكننا أن نتصور أن
الله الابن قدم نفسه لعمل الفداء قائلاً هأنذا أذهب وأصنع الكفارة لذلك العالم
المرتد.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القمص تادرس يعقوب عهد جديد رسالة يعقوب الرسول 02

وهكذا
تمت المشورة الإلهية بالفداء، وصارت الكلمة المكتوبة «يَنْزِعُ ٱلأَّوَلَ
لِكَيْ يُثَبِّتَ ٱلثَّانِيَ»(عبرانيين 10: 9) ينزع الذبائح التي كانت تقدم
تحت الناموس، لكي يثبت مشيئة الله المباركة بالفداء. وهي خلاصنا بذبيحة المسيح:
كما هو مكتوب «فَبِهٰذِهِ ٱلْمَشِيئَةِ نَحْنُ مُقَدَّسُونَ
بِتَقْدِيمِ جَسَدِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ مَرَّةً وَاحِدَةً» (عبرانيين 10:
10).

(9
و10) لم يكتف ابن الله بأن تكون المشيئة الإلهية بالفداء محصورة في شعب حسب نفسه
وارثاً وحيداً لمواعيد الله. بل أراد نشرها في العالم أجمع وفقاً لقوله «لأَنَّهُ
هٰكَذَا أَحَبَّ ٱللّٰهُ ٱلْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ
ٱبْنَهُ ٱلْوَحِيدَ، لِكَيْ لا يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ
بَلْ تَكُونُ لَهُ ٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ» (الإنجيل بحسب يوحنا 3:
16). وحين توقفت شفتا يسوع عن الكلام، صار رسله شفاهاً تكرز بإنجيل الخلاص للعالم
أجمع، وذلك صدوعاً بأمره القائل «ٱذْهَبُوا إِلَى ٱلْعَالَمِ أَجْمَعَ
وَٱكْرِزُوا بِٱلإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا» (الإنجيل بحسب
مرقس 16: 15).

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي