الْمَزْمُورُ
الثَّانِي وَالأَرْبَعُونَ

 

اَلْمَزْمُورُ
ٱلثَّانِي وَٱلأَرْبَعُونَ – الاشتياق إلى الله

1كَمَا
يَشْتَاقُ ٱلإِيَّلُ إِلَى جَدَاوِلِ ٱلْمِيَاهِ هٰكَذَا
تَشْتَاقُ نَفْسِي إِلَيْكَ يَا ٱللّٰهُ. 2عَطِشَتْ نَفْسِي إِلَى
ٱللّٰهِ إِلَى ٱلإِلٰهِ ٱلْحَيِّ. مَتَى أَجِيءُ
وَأَتَرَاءَى قُدَّامَ ٱللّٰهِ! 3صَارَتْ لِي دُمُوعِي خُبْزاً
نَهَاراً وَلَيْلاً إِذْ قِيلَ لِي كُلَّ يَوْمٍ أَيْنَ إِلٰهُكَ
4هٰذِهِ أَذْكُرُهَا فَأَسْكُبُ نَفْسِي عَلَيَّ. لأَنِّي كُنْتُ أَمُرُّ
مَعَ ٱلْجُمَّاعِ، أَتَدَرَّجُ مَعَهُمْ إِلَى بَيْتِ ٱللّٰهِ
بِصَوْتِ تَرَنُّمٍ وَحَمْدٍ، جُمْهُورٌ مُعَيِّدٌ. 5لِمَاذَا أَنْتِ مُنْحَنِيَةٌ
يَا نَفْسِي، وَلِمَاذَا تَئِنِّينَ فِيَّ؟ ٱرْتَجِي ٱللّٰهَ
لأَنِّي بَعْدُ أَحْمَدُهُ لأَجْلِ خَلاصِ وَجْهِهِ.

يظن
المفسرون القدماء أن داود، كتب هذا المزمور. وأعطاه لبني قورح ليتلوه مصحوباً
بالآلات الموسيقية. وبنو قورح هم الذين كانوا معينين حراساً لبوابة الهيكل (أخبار
الأيام الأول 26: 1-9) وكانوا يؤلفون جوقة ترنيم في الهيكل.

ويعبر
هذا المزمور عن حالة الشعب في السبي، واشتياقهم إلى الرجوع إلى أوطانهم، وخصوصاً
إلى بيت المقدس، الذي دعي بيت الله.

(1)
الإيل حيوان بري، له قرون متشعبة. وهو شره يلتهم كميات كبيرة من الأعشاب. الأمر
الذي يجعله في عطش مستمر، فيجري إلى جداول المياه، يلتمس إرواء غليله الصادي،
وتمثلاً بهذا الحيوان الظامئ، قال المرنم: عطشت نفسي إلى الإله الحي. هكذا كانت
حال المسبيين، التهبت قلوبهم حنيناً إلى بيت الله. حيث فرض عليهم أن يقدموا
ذبائحهم للرب. وفوق هذا فقد سئمت نفوسهم حياة الاستعباد في بابل.

هذه
أيضاً حال المؤمن، فإنه حين يجاهد ضد الخطية يشتاق بشدة إلى الرب يسوع، ينبوع
الحياة. قال يوحنا فم الذهب «كما أن الخطية تبرّد حرارة النفس، هكذا الكفاح لإماتة
الخطية، يطهر النفس ويضرمها بنار الحب الإلهي، ويجعلها في عطش شديد إلى الرب يسوع»
الذي قال «إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ. مَنْ آمَنَ بِي
كَمَا قَالَ ٱلْكِتَابُ تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ»
(الإنجيل بحسب يوحنا 7: 37 و38).

حين
أطلق يسوع هذه الدعوة، كان قلبه منشغلاً بالنفوس العطشى إلى بر الله. كانت رغبته
شديدة أن يتلفت الجمهور ويقبلوا إليه. وكلمة «عطش أحد» تعني كل إنسان مهما كانت
حالته، أو وضعه، أو مركزه. سواء كان رفيعاً أم وضيعاً، غنياً أم فقيراً، صغيراً أو
كبيراً، عبداً أو حراً. إنها دعوة موجهة إليك أيضاً، فإن قبلتها نلت المجازاة،
وفقاً لقوله: طوبى للجياع والعطاش إلى البر لأنهم يُشبعون.

(2)
قيل عن الأيائل أنها تذهب مسافات طويلة سعياً للإرتواء. أما أنت ففي وضع أفضل، لأن
لقاء يسوع لا يقتضيك الذهاب إلى أي مكان فهو قريب منك جداً. إنه يطرق باب قلبك
ويقول «إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ ٱلْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ
وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي» (رؤيا 3: 20).

والعطش
عملية مستمرة فالمؤمن، في كل أيام سياحته على الأرض هو في حالة عطش مستمر إلى
المسيح، وعنده اشتياق للتعبد له في كل حين، فهو لا يتساءل مثل المرنم: متى تتاح لي
الفرصة. لأتراءى قدام الله الحي؟ لأن الفرصة للقاء الرب الحي متاحة في كل لحظة،
لأنه هو معنا كما قال، كل الأيام إلى انقضاء الدهر.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ب بلاستس 1

(3)
يرى أغسطينوس أن دموع داود كانت حلوة، وليست مرة. لأن النبي المرنم كان يستسيغها
كما يستسيغ الجائع الخبز. وهذه الدموع لم تكن دموع الحزن والاكتئاب، بل دموع الشوق
إلى الوجود الدائم مع الله. والواقع أن هدف المؤمن المولود من الله، هو الوجود مع
الله. وأن وسيلته الحلوة، هي الصلاة ودموع الشوق.

صحيح
أن الله، لا يُرى بالعين الجسدية، ولكنه يُرى بالقلب النقي. هكذا قال المسيح:
«طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ ٱلْقَلْبِ، لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ
ٱللّٰهَ» (الإنجيل بحسب متى 5: 8) نعم إن المؤمن، يقدر أن يرى الله.
لأن نفسه ليست رهينة لإحساساته المادية. المسيح حررها من كل قيد مادي، لتصعد إلى
جبل الشركة مع الله. ويقيناً أن النفس إن لم تنسكب قدام الله، تتقوقع في إطار
الأنانية. وعندها لا تستطيع أن ترى الله. ومن أجل ذلك يقول غير المؤمنين أين إلهك؟
أما المؤمن الحقيقي فلسان حاله يقول: حررني الفادي الحبيب من قيود المادة. لذلك فأنا
أسكب نفسي أمام إلهي.

(4)
كان مرور المرنم مع الجُمّاع إلى بيت الله، هو الرد على سؤالهم الشامت أين إلهك؟
إن بيت الرب في العهد الجديد ليس البناء المشيد بالحجارة، بل هو جماعة المؤمنين،
الذين قال الرسول: «أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ ٱللّٰهِ،
وَرُوحُ ٱللّٰهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟» (كورنثوس الأولى 3: 16) هذه
الحقيقة صارت بالفداء، بدم المسيح، لذلك وجب على المؤمنين أن يقتني كل واحد إناءه
بقداسة وكرامة. وفقاً للوصية الرسولية القائلة: «لا تَمْلِكَنَّ
ٱلْخَطِيَّةُ فِي جَسَدِكُمُ ٱلْمَائِتِ لِكَيْ تُطِيعُوهَا فِي
شَهَوَاتِهِ وَلا تُقَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ آلاتِ إِثْمٍ لِلْخَطِيَّةِ، بَلْ
قَدِّمُوا ذَوَاتِكُمْ لِلّٰهِ كَأَحْيَاءٍ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ
وَأَعْضَاءَكُمْ آلاتِ بِرٍّ لِلّٰهِ » (رومية 6: 12 و13).

وكان
المرنم يذهب إلى بيت الرب، بترنم وحمد جمهور معيد. فحياة المؤمن عيد، أفراحه لا
تنتهي، بانتظار الفرح الأكبر، حين يأتي يوم الابتهاج. اليوم الذي فيه سنُضم إلى
جماعة المفديين، لينشدوا معاً ترنيمة موسى عبد الله وترنيمة الخروف، قائلين:
«عَظِيمَةٌ وَعَجِيبَةٌ هِيَ أَعْمَالُكَ أَيُّهَا ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ
ٱلْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. عَادِلَةٌ وَحَقٌّ هِيَ طُرُقُكَ يَا مَلِكَ
ٱلْقِدِّيسِينَ. مَنْ لا يَخَافُكَ يَا رَبُّ وَيُمَجِّدُ ٱسْمَكَ،
لأَنَّكَ وَحْدَكَ قُدُّوسٌ» (رؤيا 15: 3 و4).

(5)
من أجل هذا، يا نفسي ترجي الله، إن لم تجدي ما يروي عطشك في هذا العالم. ترجي الله
في حياة أفضل. لأن الرجاء المنظور ليس رجاء. لأن ما ينظره أحد كيف يرجوه. ولكن إن
كنا نرجو ما لسنا ننظره فإننا نتوقعه بالصبر (رومية 8: 24 و25) «فَإِنَّ
سِيرَتَنَا نَحْنُ هِيَ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ، ٱلَّتِي مِنْهَا أَيْضاً
نَنْتَظِرُ مُخَلِّصاً هُوَ ٱلرَّبُّ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ،
ٱلَّذِي سَيُغَيِّرُ شَكْلَ جَسَدِ تَوَاضُعِنَا لِيَكُونَ عَلَى صُورَةِ
جَسَدِ مَجْدِهِ» (فيلبي 3: 20 و21).

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس م مزبدة ة

لا
ريب في أن النفس المؤمنة المشتاقة إلى جداول المياه الحية، حيث يتزكى رجاؤها، رغم
ضيقات هذا العالم، لا بد أن ترفع صوتها بالشكر والحمد للإله الحي، الذي افتداها،
وأعطاها السلام هنا، والحياة الأبدية يوم انطلاقها من ديار اغترابها.

 

6يَا
إِلٰهِي، نَفْسِي مُنْحَنِيَةٌ فِيَّ، لِذٰلِكَ أَذْكُرُكَ مِنْ
أَرْضِ ٱلأُرْدُنِّ وَجِبَالِ حَرْمُونَ، مِنْ جَبَلِ مِصْعَرَ. 7غَمْرٌ
يُنَادِي غَمْراً عِنْدَ صَوْتِ مَيَازِيبِكَ. كُلُّ تَيَّارَاتِكَ وَلُجَجِكَ
طَمَتْ عَلَيَّ. 8بِٱلنَّهَارِ يُوصِي ٱلرَّبُّ رَحْمَتَهُ،
وَبِاللَّيْلِ تَسْبِيحُهُ عِنْدِي صَلاةٌ لإِلٰهِ حَيَاتِي. 9أَقُولُ
لِلّٰهِ صَخْرَتِي: «لِمَاذَا نَسِيتَنِي؟ لِمَاذَا أَذْهَبُ حَزِيناً مِنْ
مُضَايَقَةِ ٱلْعَدُوِّ؟» 10بِسَحْقٍ فِي عِظَامِي عَيَّرَنِي مُضَايِقِيَّ،
بِقَوْلِهِمْ لِي كُلَّ يَوْمٍ: «أَيْنَ إِلٰهُكَ؟» 11لِمَاذَا أَنْتِ
مُنْحَنِيَةٌ يَا نَفْسِي، وَلِمَاذَا تَئِنِّينَ فِيَّ؟ تَرَجَّيِ
ٱللّٰهَ لأَنِّي بَعْدُ أَحْمَدُهُ، خَلاصَ وَجْهِي وَإِلٰهِي.

(1)
كان داود من الأنبياء الحالمين، وكانت رُؤاه بعيدة المدى. فاخترقت الأحقاب
والأزمنة، وراحت ترتاد بعض الأمكنة التي ارتادها رب المجد في ما بعد. وطاب له أن
يذكر ربه وفاديه:

1.       من
أرض الأردن، حيث أظهر رب المجد يسوع اتضاعه، بممارسة المعمودية على يد يوحنا
المعمدان. لأنه وهو القدوس الحق، الذي لم يعرف خطية، وضع ذاته تحت الشريعة. ولكن
يوحنا إذ كان يعرف أنه في حضرة ربه وفاديه، استعظم الأمر وحاول منعه قائلاً: أنا
محتاج أن أعتمد منك، وأنت تأتي إليّ!!! وكأنى به يقول: يا سيد أنا خاطئ أحتاج إلى
غفران منك، يا حمل الله رافع خطية العالم. ولكن واعجباه أأنت تأتي إليّ؟! أيأتي
الذهب إلى الطين ليكسب بهاء؟! أم تأتي الشمس المنيرة إلى الفتيلة المدخنة، لتقتبس
منها نوراً؟! أم يأتي السيد إلى العبد، لينال منه شرفاً؟! أم يأتي البار إلى
الأثيم، ليعطى براً؟!

ولكن
يسوع في اتضاعه، قال ليوحنا: اسمح الآن، لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل كل بر. بمعنى
أن الفادي الرب بين له أنه يجب أن يسلم بطلبه، ولو كان ذلك غريباً وفوق إدراكه.

كانت
المعمودية بالنسبة لأهل العهد القديم تنطوي على معنيين: الأول، ترك الخطايا.
والثاني انضمام المعتمد إلى رعوية ملكوت الله، أما معمودية المسيح، فتحمل معها
معنى جديداً، هو رضاه بأن يحسب نفسه واحداً منا. وفي تعبير آخر أنه صار ابن
الإنسان، ليكون أخاً لكل فرد في الإنسانية. فمعمودية المسيح إذن كانت أحد أعماله
الكفارية، التي قام بها مختاراً لأجلنا، نحن الخطاة الأثمة. لأنه إذ جاء ليفتدينا،
جعل نفسه واحداً منا، مجرباً في كل شيء مثلنا ما عدا الخطية. وبلغ الذروة في
اتضاعه حين حمل خطايانا، أو كما قال الرسول «صار خطية لأجلنا، لكي نصير نحن بر
الله فيه».

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ر رابع ع

2.       من
جبل حرمون، حيث تجلى الرب للتلاميذ بمجده الإلهي، حين أضاء وجهه كالشمس، وصارت
ثيابه بيضاء كالنور. في قيصرية فيلبس حدّث الرب تلاميذه عن صليبه وصليب المؤمنين
في كل جيل. وأطلق الشعار القائل «إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي،
فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ كُلَّ يَوْمٍ، وَيَتْبَعْنِي»
(الإنجيل بحسب لوقا 9: 23) حينئذ خيمت على عقول التلاميذ سحابة سوداء من الحزن.
فأشفق المسيح عليهم، وافتقدهم في كآبتهم، فأخذ نخبة منهم إلى جبل حرمون وأظهر لهم
عظمته. هناك رأوه في مجده محاطاً بموسى وإيليا، وسمعوا صوت الآب قائلاً «هذا هو
ابني الحبيب الذي به سررت، له اسمعوا».

جاء
ذلك الافتقاد في أوانه كطلوع البدر في كبد السماء على إنسان تائه في الصحراء.
وهكذا رأى التلاميذ من هذا التجلي أنوار المجد منعكسة على الصليب، من قبل، وأنوار
القيامة والصعود تفيض عليه من بعد.

(7)
يرى كيرلس أن الغمر الذي ذكره داود، يرمز إلى الماء والدم المتفجر من جنب ربنا
المبارك يسوع على الصليب، الذي غمر خطايانا فغسلها. وأن اللجج هي أحكام الرب.
ولعله قصد أحكام الرب بتبريرنا لأجل الدم الذي سفك من أجلنا.

(8)
الليل يرمز إلى التجارب والضيقات، التي نمر بها، وتحملنا على الصلاة لأجل حياتنا
فيأتي النهار المملوء بالرحمة. ويرى أوريجانس، أن الليل هو هذا العمر الحاضر
المظلم، بينما النهار هو العمر العتيد المضيء للصديقين. ويلزمنا أن نصلي ونسبح ما
دمنا في هذا الليل، إلى أن ينفجر النهار ويطلع كوكب الصبح المنير، الرب يسوع
المسيح.

(9-11)
يرجح بعض المفسرين أن المرنم الملهم، شعر وهو ينتظر بالوحشة والانفراد، لكأن الله
قد تركه، وابتعد عنه، فراح يتساءل لماذا يسمح إلهه أن يضايقه أعداؤه، بقولهم له كل
يوم: أين إلهك؟ وفي نهاية المزمور يعود مرة أخرى إلى توجيه الحديث إلى نفسه
المنحنية، التي ضايقها أهل العالم بتعييراتهم. ويسألها، أن تترجى الله وتحمده. وان
ترى أن خلاصها هو في وجه الرب. ويهيب بها أن تثق في أن الرب هو صخرتها، التي مكنها
أن تلجأ إليه فيثبتها.

يا
ليت كل نفس تتمثل بالنبي الكريم فتترجى الله. لأن رجاء الله لا يخزي، ولا تعقبه
خيبة ولا يأس، بل يتكلل بخلاص الله. أجل إن الرجاء لا يمكن أن يخيب، لأنه قائم على
محبة الله ومختوم بالروح القدس، ليوم الفداء العظيم.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي