الْمَزْمُورُ
السَّادِسُ وَالأَرْبَعُونَ

 

اَلْمَزْمُورُ
ٱلسَّادِسُ وَٱلأَرْبَعُونَ – الله ملجأ وقوة

1اَللّٰهُ
لَنَا مَلْجَأٌ وَقُوَّةٌ. عَوْناً فِي ٱلضِّيقَاتِ وُجِدَ شَدِيداً.
2لِذٰلِكَ لا نَخْشَى وَلَوْ تَزَحْزَحَتِ ٱلأَرْضُ، وَلَوِ
ٱنْقَلَبَتِ ٱلْجِبَالُ إِلَى قَلْبِ ٱلْبِحَارِ. 3تَعِجُّ
وَتَجِيشُ مِيَاهُهَا. تَتَزَعْزَعُ ٱلْجِبَالُ بِطُمُوِّهَا. سِلاهْ.

4نَهْرٌ
سَوَاقِيهِ تُفَرِّحُ مَدِينَةَ ٱللّٰهِ، مَقْدِسَ مَسَاكِنِ
ٱلْعَلِيِّ. 5ٱللّٰهُ فِي وَسَطِهَا فَلَنْ تَتَزَعْزَعَ.
يُعِينُهَا ٱللّٰهُ عِنْدَ إِقْبَالِ ٱلصُّبْحِ. 6عَجَّتِ
ٱلأُمَمُ. تَزَعْزَعَتِ ٱلْمَمَالِكُ. أَعْطَى صَوْتَهُ ذَابَتِ
ٱلأَرْضُ. 7رَبُّ ٱلْجُنُودِ مَعَنَا. مَلْجَأُنَا إِلٰهُ
يَعْقُوبَ. سِلاهْ.

(1)
يستهل المرنم هذا المزمور بتأكيد، أن الرب هو الملجأ والملاذ. ومما يشيع الاطمئنان
في النفس، هو أن يكون الرب ملجأ لنا. لقد اختبر القديسون في كل جيل، أنه بمجرد ذكر
اسم يسوع، تتقوى النفس وتنتصر على الشدائد.

إن
الضيقات التي تقع على الإنسان شديدة، ولكن أشدها مرارة للنفس، هي الخطية، التي
تجرح الضمير. من أجل هذا، يجب أن نلجأ إلى يسوع المصلوب فادي الخطاة وغافر إثمهم.
إنه بحق ملجأ لنا وقوة ومعين في كل الشدائد التي تنتابنا. حين يتورط الإنسان بدين
باهظ، يكون الضيق الذي يحل به شديداً وقاسياً. ولكن كل الديون يتضاءل ثقلها أمام
دين الخطية، الذي وصفه يوحنا بنيان في كتاب سياحة المسيحي بالحمل الثقيل.

إذا
أردت أن تسمع صدى الأنين من ثقل الخطية في قسوته ومرارته، فاقترب من صليب ربنا
يسوع المسيح. هناك تسمع الذي حمل خطايانا في جسده على الصليب يئن، قائلاً «إلهي،
إلهي، لماذا تركتني؟!».

يا
ليت المستهين بالخطية يلتفت إلى صليب يسوع، ليرى فظاعة الخطية في كونها سببت موتاً
مهيناً للقدوس الحق. ومن يدري، إن كان المستهين لا يخجل مما فعل، ويصرخ مع العشار
قائلاً: ارحمني اللهم أنا الخاطي؟

لعلك
تندهش أن يأتي ديان كل الأرض ويأخذ حكم الدينونة نيابة عن كل خاطئ أثيم! ولكن قبل
أن تندهش، اطلب إلى هذا الفادي أن يحل بالإيمان في قلبك. وعندئذ تدرك أبعاد محبته
الفائقة العقل، التي أحبك بها والتي رفعته على الصليب. ليفتديك من لعنة الناموس،
الذي أغلق عليك تحت الخطية. وهو ينتظر منك خطوة واحدة، لكي يبررك ويعطيك ميراثاً
مع المقدسين. ينتظر أن تقبل إليه، وتقبله مخلصاً.

(2
و3) لقد أُطلقتْ على الله صفات وأسماء كثيرة ولكن أقربها إلينا هي «الله محبة»
وبالمحبة صار عمانوئيل الله معنا. لذلك لا نخشى مهما حدث من الدواهي، ولو تزعزعت
الأرض.

هل تبحث عن  م الأباء باسيليوس الكبير الطريق إلى الفردوس 06

يخبرنا
متى الإنجيلي أنه فيما كان يسوع نائماً في السفينة وتلاميذه يجدفون حدث اضطراب
عظيم في البحر، حتى غطت الأمواج السفينة فأيقظه تلاميذه بصراخ الخوف قائلين «يا
سيد نجنا فإننا نهلك…ثم قام وانتهر الرياح والبحر فصار هدوء عظيم». ولسعادتنا
فإن هذا الذي انتهر الريح والأمواج، هو نفسه الذي قال «ها أنا معكم كل الأيام وإلى
انقضاء الدهر». وهو نفسه الذي قال: «لا تخافوا أنا هو». لذلك لا نخشى زعزعة الأرض،
لأن إلهنا وفادينا ماكث فينا.

إنه
لا يلاشي التجارب، ولكنه يوجد معنا حين نمر بها، كما حدث مع الفتيان الثلاثة. فهو
لم يطفئ نار الأتون، ولكنه أعطاهم بركة وجوده. فلم تلتهمهم النار، بل زادتهم
إيماناً وقوة وثباتاً.

قال
رجل الله متى هنري: إن الطريقة لإزالة مخاوفنا، هي أن نأتي بها إلى المسيح، ونضعها
أمامه. والذين يدعون المسيح معلماً بإخلاص، ويلجأون إليه بإيمان، يحق لهم أن
يتأكدوا بأنه لن يجعلهم يهلكون.

وفي
يقيني أنه ليست هناك راحة للنفس المسكينة، التي ترزح تحت عبء الشعور بالخطية
والخوف، أفضل من أن تذهب إلى يسوع الفادي، مريح التعابى وتقول له: يا رب نجني
فإنني أهلك.

صحيح
أن عواصف الشر عاتية جداً وأن مهمة الشيطان وجنوده أن يثيرها بلا هوادة. ولكن
شكراً لله لأن مهمة يسوع أن يسكنها. وله التسلط عليها، وهو ينتهرها بكلمة من فمه
المبارك. وما تلك المعجزة التي حدثت إلا رمزاً إلى فعل المسيح، الذي يفعله في كل
زمان، وهو إعطاء الراحة للنفس المؤمنة مهما اشتدت اضطرابات الحياة حولها.

(4)
العالم شبيه ببحر مضطربة أمواجه، وهي تثير القلق والمخاوف في النفوس. ولكن جماعات
المفديين نهر، سواقيه تفرح مدينة الله. لأنه بينما العالم يعاني الاضطرابات
والثورات الدامية، يعيش قطيع المسيح في فرح وسلام. إن أنهار الله الحية الفياضة،
هي مياه الروح القدس، التي تتدفق في حياة المؤمنين المولودين من الله. هكذا قال
يسوع «إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ. مَنْ آمَنَ بِي كَمَا
قَالَ ٱلْكِتَابُ تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ قَالَ
هٰذَا عَنِ ٱلرُّوحِ ٱلَّذِي كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ بِهِ
مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ» (الإنجيل بحسب يوحنا 7: 37-39). وقد فاضت أنهار
الروح القدس فعلاً يوم الخمسين.

(5)
لقد فدى العلي قطيعه، وبررهم بدمه، وقدسهم بروحه القدوس الماكث فيهم، وثبتهم في
محبته. لذلك لا يمكن، أن يتزعزعوا. إن سر قوة الكنيسة في وجود الله في وسطها، في
قلوب أعضائها. وقد وزع المواهب الروحية على الجميع، وينصح الكل، وعينه على الكل.
وحيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمه، فهناك يكون في الوسط.

هل تبحث عن  مريم العذراء ألقاب مريم العذراء سيدتنا ا

(6
و7) إن الأمم التي لم تعرف الله في فدائه، تعج وتصخب. ولكنها لا تستطيع أن تثبت
طويلاً، ولا أن تقاوم ما سمح الله بوقوعه على العالم. أما كنيسة الله، التي افتداها
بدمه، فتقابل هذه الأحداث بدون قلق. لأن الله يقويها، ويسندها ويعطيها المحبة التي
تصبر على كل شيء وترجو كل شيء. وتحتمل كل شيء.

مختارو
الله يثبتون لأن قائدهم، ليس نبياً ولا ملاكاً ولا رئيس ملائكة، بل هو رب الجنود
نفسه.

 

8هَلُمُّوا
ٱنْظُرُوا أَعْمَالَ ٱللّٰهِ، كَيْفَ جَعَلَ خِرَباً فِي
ٱلأَرْضِ. 9مُسَكِّنُ ٱلْحُرُوبِ إِلَى أَقْصَى ٱلأَرْضِ.
يَكْسِرُ ٱلْقَوْسَ وَيَقْطَعُ ٱلرُّمْحَ. ٱلْمَرْكَبَاتِ
يُحْرِقُهَا بِٱلنَّارِ. 10كُفُّوا وَٱعْلَمُوا أَنِّي أَنَا
ٱللّٰهُ. أَتَعَالَى بَيْنَ ٱلأُمَمِ. أَتَعَالَى فِي ٱلأَرْضِ.
11رَبُّ ٱلْجُنُودِ مَعَنَا. مَلْجَأُنَا إِلٰهُ يَعْقُوبَ. سِلاهْ.

(8)
إن صوت الرعود القاصفة والسحب التي تتجمع في الفضاء، تنذر بالمطر وبالتالي ينجم
عنها بركات واسعة للأرض إذ تروي أتلامها فتنبت الزروع وتعطي خيرات كثيرة. هكذا صوت
الرب في كنيسته يرن منبهاً: قد تناهى الليل واقترب النهار، فاخلعوا أعمال الظلمة
والبسوا أسلحة النور، فإن خلاصكم الآن أقرب مما كان حين آمنتم (رومية 13: 12).

لم
يكن الأمر هكذا بالنسبة لليهود، الذين رفضوا خلاص الله في المسيح يسوع، فاستحقوا
غضب الله، بعد أن وبخهم وأنذرهم بقضائه عليهم، وقدم لهم مثل الكرم، الذي وُفرت له
كل أسباب الخصب والنمو. ومع ذلك فإذ انتظر الكرام الإلهي أن يصنع كرمه عنباً
جيداً، صنع عنباً ردياً. فقرر أن ينزع سياجه، أي يعدل عن حمايته، فيصير للرعي، وأن
يهدم جدرانه فيصير للدوس. ولا يلبث أن يطلع فيه شوك وحسك. ويوصي الغيم، أن لا يمطر
عليه. لأن الشعب أخطأوا إلى إلههم (إشعياء 5: 1-7).

لم
يترك الله شيئاً من وسائط النعمة، لم يصنعه للبشر. ومن يمعن نظره في تاريخ الفداء،
ويتأمل في التجسد والصلب، وصعود يسوع بالمجد، وانسكاب الروح القدس، والكنيسة
وخدمتها، والكتاب المقدس وفوائده، ومحبة الله، وطول أناته، وإحسانه إلى غير
المستحقين، لا بد أن يقول: لا يوجد شيء من الخير، لم يصنعه الله للبشر.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس د دواغ غ

إن
خيرات الله التي يسبغها علينا، والامتيازات التي منحنا إياها، تزيد مسؤوليتنا. لأن
أثمار الكرم يجب أن تكون على قدر أتعاب الكرام. وليكن معلوماً لدينا أن الرب يؤدب
شعبه، بغية إصلاحهم. ويطلب الذين تركوا الرب في يوم الخيرات، ينتبهون ويرجعون إليه
في يوم الضيقات. صحيح أن الرب صالح وإلى الأبد رحمته. ولكنه عين حداً للذين يرفضون
رحمته. وبتعبير آخر. إن لم نقصد عمل الخير ونجتهد فيه، نعط الشرير فرصة ليزرع الفساد
والخطية في قلوبنا.

(9)
إن الحروب التي قامت ضد الرب كثيراً ما انتهت بإيمان الأعداء. انظر كيف صار شاول
الطرسوسي مسيحياً وكارزاً بالإنجيل، بعد أن اضطهد كنيسة المسيح ونكل بأعضائها
القديسين. وتاريخ الكنيسة حافل بسحابة من الشهود الذين كانوا أعداء صليب المسيح، ولكنهم
ما أن عرفوا فيه رب الخلاص حتى سجدوا له. وكثيرون منهم استشهدوا في سبيله.

القسي
هي رمز خطط أعداء الرب وترتيباتهم، التي يبددها الله. والرمح هو سلاح الهجوم وهو
من سهام ابليس الملتهبة، التي أعطى الله المؤمنين في إزائها ترس الإيمان.
والمركبات، هي أكاذيب الأشرار التي يحتمون خلفها، والله يبددها، مع كل الذين
يتسلحون بها.

لا
تخف يا أخي من هذه الأسلحة، بل: «تَقَّوُوا فِي ٱلرَّبِّ وَفِي شِدَّةِ
قُّوَتِهِ. ٱلْبَسُوا سِلاحَ ٱللّٰهِ ٱلْكَامِلَ لِكَيْ
تَقْدِرُوا أَنْ تَثْبُتُوا ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ. فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا
لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ ٱلرُّؤَسَاءِ، مَعَ
ٱلسَّلاطِينِ، مَعَ وُلاةِ ٱلْعَالَمِ، عَلَى ظُلْمَةِ هٰذَا
ٱلدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ ٱلشَّرِّ ٱلرُّوحِيَّةِ فِي
ٱلسَّمَاوِيَّاتِ. مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ ٱحْمِلُوا سِلاحَ
ٱللّٰهِ ٱلْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تُقَاوِمُوا فِي
ٱلْيَوْمِ ٱلشِّرِّيرِ… ٱثْبُتُوا مُمَنْطِقِينَ
أَحْقَاءَكُمْ بِٱلْحَقِّ، وَلابِسِينَ دِرْعَ ٱلْبِرِّ، وَحَاذِينَ
أَرْجُلَكُمْ بِٱسْتِعْدَادِ إِنْجِيلِ ٱلسَّلامِ. حَامِلِينَ فَوْقَ
ٱلْكُلِّ تُرْسَ ٱلإِيمَانِ، ٱلَّذِي بِهِ تَقْدِرُونَ أَنْ
تُطْفِئُوا جَمِيعَ سِهَامِ ٱلشِّرِّيرِ ٱلْمُلْتَهِبَةِ وَخُذُوا
خُوذَةَ ٱلْخَلاصِ، وَسَيْفَ ٱلرُّوحِ ٱلَّذِي هُوَ كَلِمَةُ
ٱللّٰهِ» (أفسس 6: 10-17).

(10)
كفوا عن محبة العالم الشرير، كفوا عن الاتكال على ذواتكم، واتكلوا على ذراع الرب
المرتفع، ساكن الأبد، القدوس اسمه، الذي يسره أن يسكن مع المتواضع، أنه سيتعالى في
أرضه، بعد أن تتزعزع الجبال وتعرف الأمم طريقه. أي عندما يدخل ملء الأمم.

(11)
يختم الكاتب المزمور مكرراً العبارة التي تشيع الاطمئنان في النفس «رب الجنود
معنا، وهو ملجأنا وملاذنا وهو ناصر لنا ومعيننا في الضيقات».

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي