الْمَزْمُورُ
السَّادِسُ وَالثَّمَانُونَ

 

اَلْمَزْمُورُ
ٱلسَّادِسُ وَٱلثَّمَانُونَ – صلاة الثقة

1أَمِلْ
يَا رَبُّ أُذْنَكَ. ٱسْتَجِبْ لِي، لأَنِّي مَسْكِينٌ وَبَائِسٌ أَنَا.
2ٱحْفَظْ نَفْسِي لأَنِّي تَقِيٌّ. يَا إِلٰهِي خَلِّصْ أَنْتَ
عَبْدَكَ ٱلْمُتَّكِلَ عَلَيْكَ. 3ٱرْحَمْنِي يَا رَبُّ لأَنِّي
إِلَيْكَ أَصْرُخُ ٱلْيَوْمَ كُلَّهُ. 4فَرِّحْ نَفْسَ عَبْدِكَ لأَنَّنِي
إِلَيْكَ يَا رَبُّ أَرْفَعُ نَفْسِي. 5لأَنَّكَ أَنْتَ يَا رَبُّ صَالِحٌ
وَغَفُورٌ وَكَثِيرُ ٱلرَّحْمَةِ لِكُلِّ ٱلدَّاعِينَ إِلَيْكَ.

6اِصْغَ
يَا رَبُّ إِلَى صَلاتِي وَأَنْصِتْ إِلَى صَوْتِ تَضَرُّعَاتِي. 7فِي يَوْمِ
ضِيقِي أَدْعُوكَ لأَنَّكَ تَسْتَجِيبُ لِي. 8لا مِثْلَ لَكَ بَيْنَ
ٱلآلِهَةِ يَا رَبُّ وَلا مِثْلَ أَعْمَالِكَ. 9كُلُّ ٱلأُمَمِ
ٱلَّذِينَ صَنَعْتَهُمْ يَأْتُونَ وَيَسْجُدُونَ أَمَامَكَ يَا رَبُّ
وَيُمَجِّدُونَ ٱسْمَكَ. 10لأَنَّكَ عَظِيمٌ أَنْتَ وَصَانِعٌ عَجَائِبَ.
أَنْتَ ٱللّٰهُ وَحْدَكَ.

(1-4)
يستهل المرنم هذا المزمور بالتوسل إلى الله لكي يميل إليه ويسمع صلاته، كما فعل في
عدة مزامير أخرى. إلا أنه هنا يستصرخ حنان الله، ويتوسل حالة البؤس التي يعانيها
لاستدرار عطف الله عليه. ثم يسأله أن يحفظ نفسه لأنه تقي. وقد يرى كثيرون أن داود
جارى العديدين من رجال العهد القديم، الذين درجوا على التغني بتقواهم. الأمر الذي
لم يستسغه يسوع، بل عرض به بالمثل الذي ضربه لجماعة من أتقياء اليهود المتكلين على
تقواهم كوسيلة للتبرير أمام الله (الإنجيل بحسب لوقا 18: 9-14).

ففي
هذا المثل أراد الرب يسوع أن يؤكد لهذه الفئة من المتدينين، أنه أمام الله لا
يتبرر أحد. لأن الجميع زاغوا وفسدوا معاً، ليس من يعمل صلاحاً ليس ولا واحد. وأنه
ليس لنا أن نشيد بتقوانا، لأن الله يعرف ميولنا.

وهب
أن الفريسي الذي ذكره المسيح في المثل، كان خالياً من الخطايا الشائنة. أي لم يكن
خاطفاً ولا ظالماً ولا زانياً، بل عرف أن يقتني إناءه بقداسة وكرامة. ولكن ما كان
له أن يحصر كل مسرته في ترفعه عن هذه النجاسات لكأن كل مهمته في المجيء إلى بيت
الله، أن يخبر الله القدير بأنه صالح جداً. قال البشير لوقا، أنه كان من فئة
الواثقين بأنفسهم، الذين قالوا لله «لِمَاذَا صُمْنَا وَلَمْ تَنْظُرْ؟» (إشعياء
58: 3).

ما
أكثر الذين يتصرفون على هذا النحو، فيجعلون من تدينهم حجة أمام الله لنيل البركات!
كأنهم بتقواهم نالوا استحقاقاً وبالتالي، صار الله مديوناً لهم. يا أخي التقي حين
تقترب من الله، لا تقتحمه بذكر فضائلك بل تقدم إليه بالتواضع، الذي يتضمن شعورك
بعدم الاستحقاق.

تمثل
بذلك العشار الذي استحسن الرب يسوع تصرفه أمام الله. فقد وقف بعيداً عن قدس
الأقداس، معترفاً بأنه غير مستحق الاقتراب من الله. ولكنه بالإيمان رفع قلبه إلى
الله بأشواق مقدسة مع انسحاق الروح. كان لسان حاله يردد ما قيل في المزمور 40: 12
«لأَنَّ شُرُوراً لا تُحْصَى قَدِ ٱكْتَنَفَتْنِي. حَاقَتْ بِي آثَامِي وَلا
أَسْتَطِيعُ أَنْ أُبْصِرَ».

هل تبحث عن  هوت دستورى الطلاق 14

كانت
صلاته قصيرة ولكنها عبرت عن توبته وانكسار قلبه. ولعل التنهدات والأنات ابتلعت
كلامه. ولكن ما قاله، كان كافياً وافياً «ارحمني اللهم أنا الخاطي» إنه لم يجد له
رجاء إلا في رحمة الله، لهذا اعتمد عليها وحدها. وتوسل بحرارة، لينال تلك الرحمة.
والرب لم يمنع رحمته عنه، فقد قال المسيح، إنه نزل من بيت الله مبرراً. لأنه وضع
نفسه، ومن يضع نفسه يرتفع. إنه في محبة الله، وفي الشركة معه.

يجمع
المفسرون على أن داود لم يطلب إلى الله الحفظ كمجازاة لتقواه. وإنما توخى خلاصه
وحفظه بالاتكال على رحمة الله، كما يرى في قوله: يا إلهي خلص عبدك المتكل عليك.
وفي الآية الثالثة نراه يستمر في الصراخ إلى الله، راجياً رحمته. فهو مؤمن برحمة
الله المخلصة. وفي الآية الرابعة، يسأل إلهه أن يفرح قلبه الذي رفعه إليه بتضرّع
المؤمن الواثق في الله الراجي رحمته.

هل
حصلت على اختبار المرنم، الذي حين سكب نفسه عند قدمي الله باتضاع، رفع الله وجهه
وأعطاه نعمة فوق نعمة؟ إن كنت لم تحصل على هذا الاختبار، فحاجتك الروحية تهيب بك
أن لا تتردد في طلب الله. لأن الفرصة سانحة وطوباك إن فعلت.

(5)
من فرحه العارم، انطلق داود يمجد الله، ويشهد لصلاحه، ويعدد حسناته، التي يمنحها
لكل الذين يدعونه بالحق. وتشعرنا كلماته، أنه بعد توبته ورجوعه إلى الله، نال
المغفرة والصفح. ليس لبر في أعمال عملها، بل بمقتضى رحمة الله، التي ينالها كل
المتكلين عليه.

(6-8)
في هذه الآيات ترديد لصلوات سبق للمرنم أن رفعها إلى عرش نعمة الله وكتبها في
مزامير أخرى. وقد تميزت هذه الصلوات بالعمق، وبقوة التعبير عن حاجة النفس البشرية
التي تترجى الله وتتكل على صلاحه للحصول على سؤلها.

(9
و10) في هذه العبارات المجيدة تطل علينا فكرة من صميم عهد النعمة، إن الله إله كل
الشعوب، خلافاً لادعاء اليهود بأن الله إلههم فقط، هذا هو امتياز المسيحية، أن
إنجيلها أعلن الله الهاً لكل الذين يأتون إليه بالإيمان. هذا نقرأه عن المسيح أنه
«إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ، وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ. وَأَمَّا كُلُّ
ٱلَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً أَنْ يَصِيرُوا أَوْلادَ
ٱللّٰهِ، أَيِ ٱلْمُؤْمِنُونَ بِٱسْمِهِ. اَلَّذِينَ
وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلا مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلا مِنْ مَشِيئَةِ
رَجُلٍ، بَلْ مِنَ ٱللّٰهِ» (الإنجيل بحسب يوحنا 1: 11-13).

ينهي
الملك المرنم هذا القسم من مزموره بإعلان حقيقة مهمة جداً، وهي أن تعامل الله مع
البشر بالرحمة والإحسان لدليل على عظمته ولطفه، على بره وصفحه، على حقه ورحمته.
ولهذا يليق به أن يكون الحاكم الأوحد في السماء وعلى الأرض.

 

11عَلِّمْنِي
يَا رَبُّ طَرِيقَكَ، أَسْلُكْ فِي حَقِّكَ. وَحِّدْ قَلْبِي لِخَوْفِ
ٱسْمِكَ. 12أَحْمَدُكَ يَا رَبُّ إِلٰهِي مِنْ كُلِّ قَلْبِي
وَأُمَجِّدُ ٱسْمَكَ إِلَى ٱلدَّهْرِ. 13لأَنَّ رَحْمَتَكَ عَظِيمَةٌ
نَحْوِي، وَقَدْ نَجَّيْتَ نَفْسِي مِنَ ٱلْهَاوِيَةِ ٱلسُّفْلَى.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ف فرعون 1

14اَللّٰهُمَّ،
ٱلْمُتَكَبِّرُونَ قَدْ قَامُوا عَلَيَّ، وَجَمَاعَةُ ٱلْعُتَاةِ
طَلَبُوا نَفْسِي وَلَمْ يَجْعَلُوكَ أَمَامَهُمْ. 15أَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ
فَإِلٰهٌ رَحِيمٌ وَرَأُوفٌ، طَوِيلُ ٱلرُّوحِ وَكَثِيرُ
ٱلرَّحْمَةِ وَٱلْحَقِّ. 16ٱلْتَفِتْ إِلَيَّ وَٱرْحَمْنِي.
أَعْطِ عَبْدَكَ قُوَّتَكَ وَخَلِّصِ ٱبْنَ أَمَتِكَ. 17ٱصْنَعْ مَعِي
آيَةً لِلْخَيْرِ فَيَرَى ذٰلِكَ مُبْغِضِيَّ فَيَخْزُوا لأَنَّكَ أَنْتَ
يَا رَبُّ أَعَنْتَنِي وَعَزَّيْتَنِي.

(11-13)
قد يتعجب أحدنا أن يتقدم نبي ملهم اختبر الله مدة طويلة، فيسأل إلهه أن يعلمه
طريقه، لكي يسلك في حقه. ولكن التعجب يزول، متى تذكرنا أن الروح القدس، المرشد إلى
الطريق والحق، لم يكن قد بدأ رسالته بين جماعات الأتقياء. لأن الروح المبارك قد
أُعطي للكنيسة في يوم الخمسين كمعز ومعلم ومرشد إلى جميع الحق.

نقرأ
في الإنجيل أن تلاميذ الرب، بعد ثلاث سنين ونيف قضوها في رفقة معلمهم، لم يعرفوا
الطريق إلى الله. وكان لا بد من اعترافهم بالجهل بلسان توما، لكي يسمعوا الإعلان
من فم يسوع نفسه! «أَنَا هُوَ ٱلطَّرِيقُ وَٱلْحَقُّ
وَٱلْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى ٱلآبِ إِلاّ بِي» (الإنجيل
بحسب يوحنا 14: 6).

إن
الكلمة الرئيسية في جواب المسيح هي الطريق. وإنما ذكر الحق والحياة توضيحاً لها.
فالحق هو الله معلناً في قداسته ومحبته، والحياة هي الله متصلاً بالنفس في مسرته.
قال الدكتور مارتين لوثر إن هذه الكلمات الثلاث «الطريق والحق والحياة» منسقة تنسيقاً
بديعاً. فالطريق هو البدء والحق هو الوسط، والحياة هي الختام.

«كُلُّنَا
كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ» (إشعياء 53: 6) ولكن
المسيح يرد أنفسنا يهدينا إلى سبيل البر من أجل اسمه (مزمور 23: 3) والمسيح هو
الوسيط الأوحد بين الله والناس، ولهذا كان من حقه أن يعلن ذاته الطريق الأوحد إلى
الله.

نحن
من باطل أجمعون (مزمور 62: 9) وقد استعبدتنا الخطية، ولكن المسيح هو الحق الذي جاء
لكي يرسل المنسحقين في الحرية. نحن أموات في الذنوب والخطايا، والمسيح جاء ليحيي
نفوسنا، ويقدرها على أن ترى الطريق وتسير فيه.

أجل،
إن المسيح هو الطريق التي فيها يسير الإنسان من الأرض إلى السماء، ومن حال الخطية
إلى حال القداسة، ومن حال العداوة لله، إلى المصالحة معه. وقد فتح المسيح هذا
الطريق بسفك دمه (الرسالة إلى العبرانيين 10: 2) فالفاصل بين الإنسان والآب
السماوي، ليس البعد بين السماء والأرض، بل خطية الإنسان. ولكن المسيح أزال ذلك
الفاصل، حين علق على الصليب (إشعياء 53: 8-10).

وهو
أيضاً الحق وقد أعلن بروحه وكلامه كل ما نحتاج إلى معرفته من أمر أنفسنا، وأمور
الله والطريق إلى السماء. وقد كانت قبلاً أقوال الفلاسفة عن الله والسماء وعن آخرة
الأخيار والاشرار ظنوناً وتخمينات. أما تعاليم المسيح، فكانت يقينيات.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ع عقيبة ة

وهو
أيضاً الحياة، وقد قال الإنجيل «فِيهِ كَانَتِ ٱلْحَيَاةُ،
وَٱلْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ ٱلنَّاسِ» (الإنجيل بحسب يوحنا 1: 4) إنه
مصدر كل حياة روحية، وقبل أن ظهرت حياة الخليقة كانت للمسيح حياة في ذاته. وهو
المحيي، والإحياء عمل أعظم من خلق المادة، لأنه مما يختص بالله وحده. وهو يعلمنا
حقيقة الحياة الروحية واحتياجنا إليها. وهو الذي اشتراها لنا بموته الفدائي ويهبها
لنا بروحه.

والجدير
بالملاحظة أن المسيح لم يقل أنه يدل على الطريق، ويقول الحق، ويهدي إلى الحياة، بل
قال بصورة قاطعة، أنا هو الطريق، فلا طريق إلاه. أنا هو الحق، فلا حق سواه. أنا هو
الحياة، فلا حياة بغيره. أنا هو الطريق هذا جواب المسيح على المتسائلين: أين
الطريق؟ أنا هو الحق، هذا جواب المسيح مع القائلين: كيف نعرف الحق؟ أنا هو الحياة،
هذا جواب المسيح على القائلين: إلى أين تذهب؟

كان
للمرنم تطلعات نحو تجسد المسيا، فحياه من بعيد، وسأل في صلاته أن يُعطَى نعمة
لمعرفة الطريق والسلوك في الحق. ثم صلى لكي لا يكون مشتت الفكر مقسم الأهواء، بل
بالحري موحد العاطفة، حتى يستطيع أن يحمد الله من كل قلبه، ويمجد اسمه بالسلوك في
طريق الحق. وشفع طلباته بالإشارة إلى رحمة الله، التي لم يمنعها الله عنه في
الماضي.

(14-17)
يبدو أن النبي الملك كان يمر في ظروف صعبة كالتي مر بها حين طلب شاول نفسه
ليهلكها. ويظهر أنه كان يقاسي متاعب عظيمة، بسبب وجود أخصام من الكبار المعتدين
بأنفسهم، والذين لم يستحسنوا أن يجعلوا الله أمامهم، وأمام هذه المتاعب الشديدة،
يلتجئ إلى إلهه، ويستصرخ رحمته، ويسأله أن يلتفت إليه ولا يمنع رأفته عنه.

يمكن
للمتأمل في هذه العبارات أن يلحظ كأن الكاتب يشعر في قرارة نفسه بأن البلايا التي
حاقت به، كانت قصاصاً له على تقصير ما، بدليل تذكير الله بأنه طويل الروح وغني في
الرحمة. فيسأله أن يتلطف به، ويصنع آية من أجل خلاصه وإنقاذه من مكايد أعدائه
العتاة المتكبرين.

إنها
لنعمة أن يتيح الله الفرصة للإنسان أن يتحاجج معه من أجل غفران خطاياه (إشعياء 1:
18) وأن يذكره بطول أناته. هذه الحقيقة عرفها بطرس رسول يسوع المسيح فكتب إلى أهل
الشتات يقول «يَتَأَنَّى عَلَيْنَا، وَهُوَ لا يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ،
بَلْ أَنْ يُقْبِلَ ٱلْجَمِيعُ إِلَى ٱلتَّوْبَةِ» (رسالة بطرس
الثانية 3: 9) وهذه العبارة كقول الرب «حَيٌّ أَنَا يَقُولُ ٱلسَّيِّدُ
ٱلرَّبُّ، إِنِّي لا أُسَرُّ بِمَوْتِ ٱلشِّرِّيرِ، بَلْ بِأَنْ
يَرْجِعَ ٱلشِّرِّيرُ عَنْ طَرِيقِهِ وَيَحْيَا» (حزقيال 33: 11).

هذه
فرصة طيبة أمامك، أن تقر بجهلك أمام المسيح فيظهر لك ذاته الطريق والحق والحياة.
ومهما كانت استعداداتك ضعيفة، فهو لا يمنع رحمته وبره وحقه عنك.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي