الْمَزْمُورٌ
التِّسْعُونَ

 

اَلْمَزْمُورُ
ٱلتِّسْعُونَ – صلاة لموسى رجل الله

1يَا
رَبُّ، مَلْجَأً كُنْتَ لَنَا فِي دَوْرٍ فَدَوْرٍ. 2مِنْ قَبْلِ أَنْ تُولَدَ
ٱلْجِبَالُ أَوْ أَبْدَأْتَ ٱلأَرْضَ وَٱلْمَسْكُونَةَ، مُنْذُ
ٱلأَزَلِ إِلَى ٱلأَبَدِ أَنْتَ ٱللّٰهُ. 3تُرْجِعُ
ٱلإِنْسَانَ إِلَى ٱلْغُبَارِ وَتَقُولُ: «ٱرْجِعُوا يَا بَنِي
آدَمَ». 4لأَنَّ أَلْفَ سَنَةٍ فِي عَيْنَيْكَ مِثْلُ يَوْمِ أَمْسِ بَعْدَ مَا
عَبَرَ، وَكَهَزِيعٍ مِنَ ٱللَّيْلِ. 5جَرَفْتَهُمْ. كَسِنَةٍ يَكُونُونَ.
بِٱلْغَدَاةِ كَعُشْبٍ يَزُولُ. 6بِٱلْغَدَاةِ يُزْهِرُ فَيَزُولُ.
عِنْدَ ٱلْمَسَاءِ يُجَزُّ فَيَيْبَسُ.

يعتقد
بعض المفسرين أن هذا المزمور مقتبس عن بعض الكتابات القديمة، التي فقدت مثل سفر
ياشر (صموئيل الثاني 1: 18) والتي كانت مقروءة في زمن موسى. والواقع أنه حين نقرأ
تثنية 32 و33 نلاحظ أن نسق هذا المزمور يشبه أسلوب موسى في الكتابة.

(1)
يستهل الكاتب صلاته الرائعة بالقرار بأن الرب وحده هو الملجأ منذ القديم القديم.
ويقول القديس أغسطينوس أن الكلمة دور فدور، تشير إلى العهدين القديم والجديد.
والرب تجلى في العهد القديم لموسى وأعطاه الناموس، وبذلك صار خادم العهد القديم.
وبالاعلان الذي أعطي له عن المسيح، صار نبي العهد الذي يتصل بالعهد الجديد (تثنية
18: 15).

في
الواقع أن يسوع ضامن العهد وفاديه، قال لليهود الذين بسبب تعصبهم لناموس موسى،
اعترضوا على أعمال محبته في يوم السبت «لا تَظُنُّوا أَنِّي أَشْكُوكُمْ إِلَى
ٱلآبِ. يُوجَدُ ٱلَّذِي يَشْكُوكُمْ وَهُوَ مُوسَى، ٱلَّذِي
عَلَيْهِ رَجَاؤُكُمْ. لأَنَّكُمْ لَوْ كُنْتُمْ تُصَدِّقُونَ مُوسَى لَكُنْتُمْ
تُصَدِّقُونَنِي، لأَنَّهُ هُوَ كَتَبَ عَنِّي فَإِنْ كُنْتُمْ لَسْتُمْ
تُصَدِّقُونَ كُتُبَ ذَاكَ، فَكَيْفَ تُصَدِّقُونَ كَلامِي؟» (الإنجيل بحسب يوحنا
5: 45-47).

كم
يجب أن نشكر المسيح، لأجل هذا الإعلان! إنه يبين الفرق، بين الناموس والإنجيل. إن
موسى أي الناموس يشكوكم، لأن بالناموس معرفة الخطيئة. إنه يدينكم، وهو لكل
المتكلين عليه خدمة الموت والدينونة. أما إنجيل المسيح فلم يقصد به أن ندان بل أن
نتبرر. هكذا نقرأ «لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ ٱللّٰهُ ٱبْنَهُ
إِلَى ٱلْعَالَمِ لِيَدِينَ ٱلْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ
ٱلْعَالَمُ. اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لا يُدَانُ، وَٱلَّذِي لا
يُؤْمِنُ قَدْ دِينَ، لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِٱسْمِ ٱبْنِ
ٱللّٰهِ ٱلْوَحِيدِ» (الإنجيل بحسب يوحنا 3: 17 و18).

لم
يأت المسيح إلى العالم كإله شاكٍ، لكي ينتقد كل إنسان ويتشاجر مع كل إنسان. أو
كجاسوس على تصرفات الناس، أو ليتصيد الجرائم. كلا، فقد جاء كمدافع لا كمتهم. لم
يأت لكي يباعد بين الله والإنسان، بل جاء لكي يصالح الإنسان مع الله.

لقد
تنبأ موسى بصفة خاصة عن المسيح، وقال عنه: إنه نسل المرأة، الذي يسحق رأس الشيطان،
ونسل إبراهيم الذي به تتبارك جميع الأمم. وقال: إنه شيلون أي المسيا المنتظر،
والنبي العظيم.

(2)
إن الله موجود قبل كل شيء. فهو كائن واجب الوجود، قبل أن نوجد. ولما وجدنا صار
ملجأ لكل من يرجع إليه. ولسعادة البشرية أن أشواق الله تصرخ كل يوم
«ٱرْجِعُوا إِلَيَّ أَرْجِعْ إِلَيْكُمْ» (ملاخي 3: 7) «فَتُوبُوا
وَٱرْجِعُوا لِتُمْحَى خَطَايَاكُمْ، لِكَيْ تَأْتِيَ أَوْقَاتُ
ٱلْفَرَجِ مِنْ وَجْهِ ٱلرَّبِّ» (أعمال 3: 19). ارجع إلى الله يا أخي
بالتوبة، فإنه يكتنز الغفران وعنده فدى كثير، وهو يفدي من الحفرة حياتك. التجئ
إليه واجعله حصن حياتك، فتحيا في سلام.

(3)
إن الإنسان سريعاً ما ينسى الطينة التي أخذ منها، فيتكبر ويستعلي، والله في حكمته
يريد له التواضع، لينعم بشركة الودعاء السعداء. ونتعلم من سفر الأمثال أن الكبرياء
نذير للخراب، إذ يقول «قَبْلَ ٱلْكَسْرِ ٱلْكِبْرِيَاءُ، وَقَبْلَ
ٱلسُّقُوطِ تَشَامُخُ ٱلرُّوحِ» (أمثال 16: 18) ويخبرنا الكتاب المقدس
أن الكبرياء كانت علة خراب رئيس ملائكة. لأن العلي ساكن الأبد القدوس اسمه ضد المنتفخين،
فقد قال الرسول يعقوب «يقاوم الله المستكبرين أما المتواضعون فيعطيهم نعمة».
والعلي نفسه تواضع بتجسده وقال «اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا
مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ ٱلْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً
لِنُفُوسِكُمْ» (الإنجيل بحسب متى 11: 29). وأنه خير للإنسان أن يكون صغيراً في
عيني نفسه، لأن المسيح قال «من يضع نفسه يرتفع».

(4)
الإنسان في طبيعته يحب الحياة، ويهوى كثرة الأيام، ولكن الزمان في نظر الله لا
حساب له. فألف سنة لديه مثل يوم أمس العابر، لا مثل الغد المقبل. لأن الأيام تحصى
على أساس أنها مرت وعبرت. ويضيف المرنم قائلاً أن الألف سنة في عيني الله كهزيع من
الليل، والهزيع يدوم ثلاث ساعات. ولعل المرنم قصد أن يقول إن الله لا يحده الزمن،
فهو أزلي سرمدي، يملأ الزمن بمجده وعظمته. قال الرسول بطرس «أَنَّ يَوْماً
وَاحِداً عِنْدَ ٱلرَّبِّ كَأَلْفِ سَنَةٍ، وَأَلْفَ سَنَةٍ كَيَوْمٍ
وَاحِدٍ» (بطرس الثانية 3: 8) ولا بد للمتأمل بعمق في هذه الآية أن يجد فيها
تحذيراً لكي لا ينخدع ويظن أن لديه وقتاً طويلاً، يمكنه فيه أن يرجع إلى الله
بالتوبة.

هل تبحث عن  كتب أبوكريفا عهد قديم أخنوخ الأول 24

(5)
هنا يشير رجل الله إلى ناموس مكتوب في حكمة الله الخفية، فيه وضع حداً لسِني البشر
الزائلين، معبراً عن ذلك بالقول «كسنة يكونون بالغداة كعشب يزول». أي سنو حياة
الإنسان قصيرة، تمضي كما تمضي الأحلام. وتضمحل حياته، كما يضمحل العشب. وكأن رجل
الله يقول إن سني الإنسان لا تساوي شيئاً فهي تزول سريعاً، لأنها لا تأتي لكي نلبث
هنا، بل لكي نذهب.

إن
وجوه الشبه بين حياة عمر الإنسان والعشب متعددة: فالعشب يُجز في الصباح فيذبل.
وعند المساء يكون قد يبس. وعمر الإنسان يسقط بالموت ويذبل في الجثة، وييبس في
القبر.

ولكن
شكراً لله بربنا يسوع المسيح لأن حياة الإنسان لا تقاس بالسنين القليلة على أرض
الآلام. ولأن الموت ليس نهايته. إنه مخلوق على صورة الله، في البر وقداسة الحق.
والله أعطاه امتياز الخلود. صحيح أن جسده سيعود إلى تراب الأرض كما كان، ولكن روحه
ترجع إلى الله الذي أعطاها (جامعة 12: 7)، وهذا الجسد الذي عاد إلى تراب الأرض
سيقيمه الله ثانية وفقاً للقول الرسولي: «فِي لَحْظَةٍ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ،
عِنْدَ ٱلْبُوقِ ٱلأَخِيرِ. فَإِنَّهُ سَيُبَّوَقُ، فَيُقَامُ
ٱلأَمْوَاتُ عَدِيمِي فَسَادٍ، وَنَحْنُ نَتَغَيَّرُ. لأَنَّ هٰذَا
ٱلْفَاسِدَ لا بُدَّ أَنْ يَلْبَسَ عَدَمَ فَسَادٍ، وَهٰذَا
ٱلْمَائِتَ يَلْبَسُ عَدَمَ مَوْتٍ» (الرسالة الأولى إلى كورنثوس 15:
52-53).

إن
جسدنا الحاضر في هوان، وأما جسد القيامة فسيكون في مجد. لأن أجسادنا المتغيرة إلى
شبه جسد مجد المسيح، لن تكون خادمة لشهواتنا وبواعثنا. ولكنها ستكون أدوات خدمة
طاهرة لله. إن جسدنا الحاضر جسد حيواني طبيعي أما جسد القيامة فسيكون جسداً
روحانياً. ويمكننا به أن نقدم لله العبادة الكاملة والخدمة الكاملة، والمحبة
الكاملة.

 

7لأَنَّنَا
قَدْ فَنِينَا بِسَخَطِكَ وَبِغَضَبِكَ ٱرْتَعَبْنَا. 8قَدْ جَعَلْتَ
آثَامَنَا أَمَامَكَ، خَفِيَّاتِنَا فِي ضُوءِ وَجْهِكَ. 9لأَنَّ كُلَّ
أَيَّامِنَا قَدِ ٱنْقَضَتْ بِرِجْزِكَ. أَفْنَيْنَا سِنِينَا كَقِصَّةٍ.
10أَيَّامُ سِنِينَا هِيَ سَبْعُونَ سَنَةً، وَإِنْ كَانَتْ مَعَ ٱلْقُوَّةِ
فَثَمَانُونَ سَنَةً، وَأَفْخَرُهَا تَعَبٌ وَبَلِيَّةٌ، لأَنَّهَا تُقْرَضُ
سَرِيعاً فَنَطِيرُ. 11مَنْ يَعْرِفُ قُوَّةَ غَضِبَكَ، وَكَخَوْفِكَ سَخَطُكَ.

(7)
لقد تسلط الموت على الناس بسبب الخطية. لأن الخطية أثارت سخط الله، فحكم بالموت
وفناء الجسد على الإنسان. وذلك منذ سقوط الإنسان الأول، كما هو مكتوب «بِإِنْسَانٍ
وَاحِدٍ دَخَلَتِ ٱلْخَطِيَّةُ إِلَى ٱلْعَالَمِ،
وَبِٱلْخَطِيَّةِ ٱلْمَوْتُ، وَهٰكَذَا ٱجْتَازَ
ٱلْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ ٱلنَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ ٱلْجَمِيعُ»
(الرسالة إلى رومية 5: 12).

العالم
غارق في طوفان من النكبات، ومليء بالموت. وإذا ما بحثنا عن المصدر الذي يغذيه بهذه
وتلك، وجدنا أنها خطية آدم الأول. فقبل سقوط آدم قال الله عن الخليقة «إن كل شيء
حسن جداً» (تكوين 1: 31) لقد سبق أن دخلت الخطية عالم الملائكة، حين خرج عدد منهم
عن ولائهم، ولم يحفظوا رياستهم، فسقطوا من الكمال وطردوا من مجمع الله. وهكذا لما
عصى آدم ولم يحفظ عهده مع الله، طرد من فردوس الله، فهام على وجهه في العالم.
ومنذئذ دخلت الخطية العالم ومعها الموت. وبما أن الجميع أخطأوا اجتاز الموت إلى
الجميع. والمعنى أن كل فرد من أفراد البشر خاطئ أمام الله. ويلزم من ذلك أن كل
إنسان مفتقر إلى بر الله. وهذا ما أشار إليه بولس حين قال «إِذاً كَمَا بِخَطِيَّةٍ
وَاحِدَةٍ صَارَ ٱلْحُكْمُ إِلَى جَمِيعِ ٱلنَّاسِ لِلدَّيْنُونَةِ،
هٰكَذَا بِبِرٍّ وَاحِدٍ صَارَتِ ٱلْهِبَةُ إِلَى جَمِيعِ
ٱلنَّاسِ، لِتَبْرِيرِ ٱلْحَيَاةِ» (رومية 5: 18). قال أحد المفسرين
معلقاً على هذه الآية: إن كانت خطية آدم قد عرضته ونسله لكل العقابات المترتبة على
الخطية، كالموت والدينونة. فإن إطاعة المسيح للناموس وآلامه من أجل الإنسان منحت
الهبة للجميع للتبرير، الذي يتضمن النجاة من الموت الثاني والحصول على رضى الله
والسعادة الأبدية في السماء.

وفي
تعبير آخر كما أن الدينونة شملت جميع الناس بسبب الخطية، فإن البر شمل الجميع.
ومعنى ذلك أن عمل المسيح ذو قدرة على التبرير العام، وأن طريق النجاة معدة لكل من
وجبت عليه الدينونة، شرط أن يؤمن.

(8)
إن آثام البشر معروفة عند الله. لأنه فاحص القلوب والكلى، وليست خليقة غير ظاهرة
قدامه، بل كل شيء عريان ومكشوف لعينيه (الرسالة إلى العبرانيين 4: 13) إنه يميز
أفكار القلب ونياته، وعينه ترى كل البواطن. أي أن الله لا يغض النظر عن خطايا
الناس، بل يسخط بسببها لأنها ضد قداسته. ولكنه بقدر ما يكره الخطية، يحب الخاطي
ويقبل توبته ويغفر إثمه. هكذا نقرأ: «فَٱللّٰهُ ٱلآنَ يَأْمُرُ
جَمِيعَ ٱلنَّاسِ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَنْ يَتُوبُوا، مُتَغَاضِياً عَنْ
أَزْمِنَةِ ٱلْجَهْلِ» (اعمال 17: 30).

هل تبحث عن  الكتاب المقدس كتاب الحياة عهد قديم سفر مراثى إرميا 03

(9)
في هذه الآية تأكيد على أن خضوع البشر للموت، إنما هو قصاص، ولكن المسيح بموته
النيابي كسر شوكة الموت وغلب الهاوية (كورنثوس الأولى 15: 55). لا ريب في أن الناس
يرهبون سطوة الموت. ولعل أكبر أسباب الخوف من الموت يعود إلى الإحساس بالخطية. أما
المؤمن الذي تبرر بدم المسيح فلا يخاف الموت.

قال
أحد الأتقياء: إن الموت بالنسبة لي مجرد مغامرة عظيمة. ولكنها مغامرة سعيدة
ستنقلني إلى ديار الرب.

في
اعتقادي أن إحساس الإنسان بالخطية الذي يسبب له الخوف من الموت. يأتي من إحساسه
بأن الله مجرد ناموس للبر. لأن هذا الإحساس يجعله في مركز الجاني القابع في قفص
الاتهام أمام القاضي الأزلي، بلا أمل في العفو. ولكن المسيح جاء لكي يخبرنا بأن
الله ليس هو الناموس بل المحبة. وأن الإنسان الذي تبرر بالإيمان لن يمثل أمام
قاضٍ، بل أمام أب طالما انتظر عودة أبنائه إلى حظيرة البيت.

(10)
هذه الكلمات تعبر عن قصر الحياة هنا وشقائها وبؤسها. وكأني بالمرنم يقول: إن من
يصلون إلى سبعين سنة يحسبون في عداد الشيوخ. وعلى أي حال إذا وصلوا إلى الثمانين،
قد تكون فيهم بعض القوة. أما إن تجاوزوا هذا الحد فإن وجودهم يصبح متعباً لهم بسبب
الضعف والأحزان. ولذلك نرى كثيرين من الشيوخ المتعبين، يتمنون أن تمر سنوهم بسرعة.
وهكذا تنقرض سريعاً فتطير.

في
أيامنا يسعى العلماء لرفع معدل طول الحياة. وإلى الآن كانت نتيجة أبحاثهم تقليل
عدد الوفيات عند الأطفال. ولكن لو أنهم وجدوا أكسيراً ما يطيل سنى الحياة، فهذا لن
يغير شيئاً من الحقيقة المؤملة القائلة «إنه وُضِعَ لِلنَّاسِ أَنْ يَمُوتُوا
مَرَّةً ثُمَّ بَعْدَ ذٰلِكَ ٱلدَّيْنُونَةُ» (الرسالة إلى العبرانيين
9: 27). ولكن حمداً لله، لأن النعمة تصرح: إن لا شيء من الدينونة على الذين هم في
المسيح لأن المسيح بررهم فانتفى عنهم حكم الدينونة. هذه فرصة العمر لك يا أخي أن
تقبل يسوع مخلصاً فيبررك ويعطيك نصيباً مع المقدسين الذين افتداهم وتبناهم لله.

(11)
قليلون هم الذين يعرفون قوة غضب الله. وخصوصاً في وقت الرعب السابق للنهاية، الذي
وصفه يوحنا الرائي هكذا «وَمُلُوكُ ٱلأَرْضِ وَٱلْعُظَمَاءُ
وَٱلأَغْنِيَاءُ وَٱلأُمَرَاءُ وَٱلأَقْوِيَاءُ وَكُلُّ عَبْدٍ
وَكُلُّ حُرٍّ، أَخْفَوْا أَنْفُسَهُمْ فِي ٱلْمَغَايِرِ وَفِي صُخُورِ
ٱلْجِبَالِ، وَهُمْ يَقُولُونَ لِلْجِبَالِ وَٱلصُّخُورِ:
ٱسْقُطِي عَلَيْنَا وَأَخْفِينَا عَنْ وَجْهِ ٱلْجَالِسِ عَلَى
ٱلْعَرْشِ وَعَنْ غَضَبِ ٱلْحَمَلِ، لأَنَّهُ قَدْ جَاءَ يَوْمُ
غَضَبِهِ ٱلْعَظِيمُ. وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ٱلْوُقُوفَ» (رؤيا 6:
15-17).

إنه
رعب عام، يشمل كل طبقات البشر، فلا ينجو أحد من العقاب، ولا بد أن يقع الكل تحت
سلطان الله. وفي الرؤيا، يرى يوحنا البشر يبحثون عن ملجأ للهروب من غضب الله. أليس
غريباً أن أول ما يفعله الخاطي هو محاولة الاختباء؟ ومع ذلك هكذا فعل آدم في جنة
عدن بعد سقوطه، إذ اختبأ بين أشجار الجنة! (تكوين 3: 8). إن الخطية ترعب الإنسان
من محضر الله ولكني أقول لك لا تخف ولا يرتعب قلبك، لأن عمل يسوع هو أن يعيد الصلة
بينك وبين الله. لقد صار من أجلك خروف الله، وغضب الخروف هو غضب المحبة الراغب في
خلاصك.

 

12إِحْصَاءَ
أَيَّامِنَا هٰكَذَا عَلِّمْنَا فَنُؤْتَى قَلْبَ حِكْمَةٍ.

13اِرْجِعْ
يَا رَبُّ. حَتَّى مَتَى؟ وَتَرَأَّفْ عَلَى عَبِيدِكَ. 14أَشْبِعْنَا
بِٱلْغَدَاةِ مِنْ رَحْمَتِكَ فَنَبْتَهِجَ وَنَفْرَحَ كُلَّ أَيَّامِنَا.
15فَرِّحْنَا كَٱلأَيَّامِ ٱلَّتِي فِيهَا أَذْلَلْتَنَا،
كَٱلسِّنِينِ ٱلَّتِي رَأَيْنَا فِيهَا شَرّاً. 16لِيَظْهَرْ فِعْلُكَ
لِعَبِيدِكَ وَجَلالُكَ لِبَنِيهِمْ. 17وَلْتَكُنْ نِعْمَةُ ٱلرَّبِّ
إِلٰهِنَا عَلَيْنَا، وَعَمَلَ أَيْدِينَا ثَبِّتْ عَلَيْنَا، وَعَمَلَ
أَيْدِينَا ثَبِّتْهُ.

(12
و13) ابتداءً من هذه الآية، يتقدم الكاتب بمجموعة من الطلبات، أولاها سؤال الرب
الإله أن يعلمنا حكمة إحصاء الأيام لكي نغتنم كل فرصة تمكننا من أن نكسب الخير
ونفعله، مفتدين الوقت من الاتلاف.

هذا
هو السلوك بالتدقيق الذي دعا الرسول بولس أهل أفسس إليه، لكي لا يميلوا عن سنن
القداسة والطاعة لله، كما يليق بأولاد نور. وعلل دعوته بكون الأيام شريرة تكثر
فيها التجارب القوية. فما على المؤمن أن يفعله، يجب أن يفعله بسرعة (أفسس 5: 15
و16). وقد نبه المسيح تلاميذه على وجوب انتهاز الفرص في مثل قاضي الظلم، إذ قال
«إِنَّ أَبْنَاءَ هٰذَا ٱلدَّهْرِ أَحْكَمُ مِنْ أَبْنَاءِ
ٱلنُّورِ فِي جِيلِهِمْ» (الإنجيل بحسب لوقا 16: 8).

وهو
أيضاً السلوك بحكمة، الذي طلب الرسول بولس إلى أهل كولوسي أن يمارسوه، تجاه الذين
هم من خارج (كولوسي 4: 5) فالمسيحي مدعو أن يتصرف بحكمة، وخصوصاً بوداعة. لكي لا
يترك لدى السامع شعوراً بأنه أعلى منه، أو بأنه رقيب يحصي عليه زلاته. وفي ممارسة
هذه المسؤوليات، يجب على المسيحي أن يفتدي الوقت منتهزاً كل فرصة لعمل ما يرضي
الله في خدمة الناس.

هل تبحث عن  م المسيح المسيح هل هو الله أم ابن الله أم هو بشر 02

إن
العمل اليومي والحياة اليومية يقدمان للمؤمن باستمرار الفرص المؤاتية للشهادة لعمل
نعمة الفادي للتأثير على الناس، واكتسابهم للرب، وفقاً لقول المسيح «فَلْيُضِئْ
نُورُكُمْ هٰكَذَا قُدَّامَ ٱلنَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ
ٱلْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ ٱلَّذِي فِي
ٱلسَّمَاوَاتِ» (الإنجيل بحسب متى 5: 16).

إن
الكنيسة تقدم لأعضائها فرصاً طيبة للتعليم، أو للزيارات، أو للعمل الصالح. ولكن
للأسف فهنالك كثيرون لا يشتركون في نشاطات الكنيسة، لكأنهم يرفضون بإصرار هذه
الفرص، مفضلين استهلاك الوقت في الكسل، أو في ممارسات ليست بحسب مشيئة الله.

لقد
علل بولس الدعوة لافتداء الوقت، بكون الأيام شريرة وعسيرة، مما يجعل فرص الكسب
نادرة جداً. لأن سوق الفضيلة في كساد، وسوق الرذيلة في رواج. فالعالم كله وضع في
الشرير. وعدو الخير يريد اغتنام كل فرصة لمصلحته. فلا يرى باباً مفتوحاً للخير،
إلا ويسعى في إغلاقه.

لذلك
وضعت الضرورة على أبناء النور، لكي يتسلحوا بالحكمة الغيورة لله ويتقدموا لخدمة
النفوس الضالة. ومَن غير المستنير بنور الله يستطيع أن يميز الأوقات، ويتذوق ما هو
مرضي عند الرب؟

إن
كنت تشعر بعدم حيازتك حكمة إحصاء الأيام وافتداء الوقت، فليس المعنى أن الفرصة قد
فاتتك. فالرب مصدر الحكمة وكل نعمة، مستعد أن يهبك بكل غناء. هكذا قال الرسول
يعقوب «إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ تُعْوِزُهُ حِكْمَةٌ فَلْيَطْلُبْ مِنَ
ٱللّٰهِ ٱلَّذِي يُعْطِي ٱلْجَمِيعَ بِسَخَاءٍ وَلا
يُعَيِّرُ، فَسَيُعْطَى لَهُ» (يعقوب 1: 5).

(14)
يسأل الله في هذه الطلبة أن يشبعه الرب الإله من رحمته، لتكون حياته مفعمة بالبهجة.
وحقاً ما أحلى أن ينهض المرء في الصباح، فيجد نفسه جائعاً لبر الله، فيفتتح يومه
بالصلاة، وسرعان ما يشبعه الله، وفقاً لقول المسيح: «طُوبَى لِلْجِيَاعِ
وَٱلْعِطَاشِ إِلَى ٱلْبِرِّ، لأَنَّهُمْ يُشْبَعُونَ» (الإنجيل بحسب
متى 5: 6). يشبعهم المسيح لأن أمامه شبع سرور وفي يمينه نعم إلى الأبد (مزمور 16:
11).

قال
المرنم «أَمَّا أَنَا فَبِالْبِرِّ أَنْظُرُ وَجْهَكَ. أَشْبَعُ إِذَا
ٱسْتَيْقَظْتُ بِشَبَهِكَ» (مزمور 17: 15) هذا هو نصيب المؤمن أنه بالبر
الذي من الله بالمسيح يشبع، وينظر وجه الله ويتمتع بالشركة معه. هذا هو الشبع من
رحمة الله. فما أعظم الفرق بين نصيب المؤمنين ونصيب أبناء هذا الدهر! فأبناء هذا
الدهر يحاولون عبثاً إشباع نفوسهم من أشياء هذا العالم الفانية. أما المؤمنون
فيشبعهم أنهم بالبر يرون الله في شخص يسوع، الذي جسد رحمة الله.

(15
و16) يلتمس رجل الله التعزية من الهم، لكي يفرح بعد الوقت الطويل الذي عانى خلاله
من الذل. ويدعم سؤله بكون التعزيات الإلهية وسيلة لله لكي يظهر ذاته لعبيده كإله
تعزية ورحمة. وهذا يمهد السبيل لإظهار جلاله للأبناء بعد الآباء. وهكذا تنتشر
الشهادة لعمل النعمة المخلصة.

لا
ريب أن الصعوبات التي يواجهها المؤمن كثيرة وقاسية. وعلى المؤمن أن يتسلح
بالإيمان، للوقوف في وجه التجارب والانتصار عليها. قال أحدهم لمسيحي متألم: إن
الصعوبات والآلام تغير لون الحياة أليس كذلك؟ فأجابه قائلاً: نعم، ولكن أنا الذي
اختار اللون الجديد.

حين
تنتابنا الصعاب ويعصف بنا الألم، لنذكر أننا لسنا متروكين لنواجه الارزاء وحدنا.
بل إن تعزية الله معدة لنا بالروح القدس، وإن رحمة الله هي لنا كل يوم. اطمئن يا
أخي فكلمة تعزية في العهد الجديد تعني أكثر مواساة مسكنة ومهدهدة للألم. إنها تؤدي
إلى معنى الشجاعة، التي تمكن الإنسان من كفاح الإيمان. والمعزي هو الروح القدس،
الذي هو الله فينا. ومن كان الله فيه يستطيع أن يغلب التجارب ويقود سفينة حياته
إلى شاطئ السلام.

(17)
يختم رجل الله هذا المزمور المجيد بصلاة مفعمة بالخشوع، طالباً فيها نعمة الله،
لتجعل أيدينا وأعمال أيدينا مستقيمة. هناك ركن في الحياة المسيحية تنبع منه كل
الأعمال الصالحة، وهو الإيمان العامل بالمحبة. وما أحلى ما قاله رسول الجهاد
العظيم بولس في هذا الصدد «نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي ٱلْمَسِيحِ
يَسُوعَ لأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ ٱللّٰهُ فَأَعَدَّهَا
لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا» (أفسس 2: 10). فإيماننا العامل بالمحبة ليس منا، بل من
الله بيسوع المسيح. وإذا تأملنا في كلمة الله بعمق نكتشف أن قصد الله قبل أن خلقنا
كان لكي نسلك في الأعمال الصالحة، التي أعدها وأعطانا النعمة للقيام بها.

ولكن
يجب أن نذكر أن الأعمال الصالحة التي نقوم بها، ليست علة خلاصنا وإنما هي ثمرة
خلاصنا. هذه حقيقة عظيمة تدعونا إلى رفع الشكر لله، لأنها تعلمنا ضمناً، أننا في
الخليقة الجديدة التي تصنع البر، تظهر إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي