الْمَزْمُورُ
الْحَادِي وَالتِّسْعُونَ

 

اَلْمَزْمُورُ
ٱلْحَادِي وَٱلتِّسْعُونَ – امتياز الثقة

1اَلسَّاكِنُ
فِي سِتْرِ ٱلْعَلِيِّ فِي ظِلِّ ٱلْقَدِيرِ يَبِيتُ. 2أَقُولُ
لِلرَّبِّ: «مَلْجَإِي وَحِصْنِي. إِلٰهِي فَأَتَّكِلُ عَلَيْهِ». 3لأَنَّهُ
يُنَجِّيكَ مِنْ فَخِّ ٱلصَّيَّادِ وَمِنَ ٱلْوَبَإِ ٱلْخَطِرِ.
4بِخَوَافِيهِ يُظَلِّلُكَ وَتَحْتَ أَجْنِحَتِهِ تَحْتَمِي. تُرْسٌ وَمِجَنٌّ
حَقُّهُ. 5لا تَخْشَى مِنْ خَوْفِ ٱللَّيْلِ، وَلا مِنْ سَهْمٍ يَطِيرُ فِي
ٱلنَّهَارِ، 6وَلا مِنْ وَبَأٍ يَسْلُكُ فِي ٱلدُّجَى، وَلا مِنْ
هَلاكٍ يُفْسِدُ فِي ٱلظَّهِيرَةِ. 7يَسْقُطُ عَنْ جَانِبِكَ أَلْفٌ،
وَرَبَوَاتٌ عَنْ يَمِينِكَ. إِلَيْكَ لا يَقْرُبُ. 8إِنَّمَا بِعَيْنَيْكَ
تَنْظُرُ وَتَرَى مُجَازَاةَ ٱلأَشْرَارِ.

في
القديم كان أبناء الشعب يتلون هذا المزمور كصلاة للوقاية في اثناء الحروب أو
الأوبئة. واستعمال المزامير كصلوات تتلى في المناسبات الخاصة، ما زال معمولاً به
في بعض الأوساط المسيحية.

(1
و2) «الساكن في ستر العلي في ظل القدير يبيت» عبارات حلوة يتضوع منها عبير اليقين
بعناية الله الحافظة المؤمن. فلا عجب أن يتلو هذا المزمور كثيرون من الأتقياء ساعة
يأوون إلى مضاجعهم. ويقيناً أن الذي يسكن في حمى القدير، يستطيع أن ينام مطمئناً
قرير العين، حتى ولو أحاط به المضايقون. هكذا كانت الحال مع بولس وسيلا، حين ألقيت
عليهما الأيادي وطرحا في سجن فيلبي، ووضعت أرجهلما في المقطرة.

يخبرنا
لوقا أن ولاة الأمر في فيلبي ألقوا القبض على بولس وسيلا ومزقوا ثيابهما، وأمروا
بأن يضربا بالعصي «فَوَضَعُوا عَلَيْهِمَا ضَرَبَاتٍ كَثِيرَةً وَأَلْقُوهُمَا فِي
ٱلسِّجْنِ، وَأَوْصُوا حَافِظَ ٱلسِّجْنِ أَنْ يَحْرُسَهُمَا
بِضَبْطٍ. وَهُوَ إِذْ أَخَذَ وَصِيَّةً مِثْلَ هٰذِهِ أَلْقَاهُمَا فِي
ٱلسِّجْنِ ٱلدَّاخِلِيِّ، وَضَبَطَ أَرْجُلَهُمَا فِي
ٱلْمِقْطَرَةِ» (أعمال 16: 22-24).

ومع
أنهما ضربا بالعصي كثيراً وبقسوة، ومع أن المقطرة التي كانت آلة تعذيب تجعل
المغلول بها يتأوه ويصرخ، فإن بولس وسيلا لم يصرخا، بل كانا يصليان ويسبحان الله
على مسمع من المسجونين (أعمال 16: 25).

ما
كان في وسعهما الجثو للصلاة لكنهما استطاعا أن يرفعا القلب والصوت إلى السماء. لم
يعولا لما أصابهما، ولم يتذمرا على الله، لأنه جعل ذلك من عواقب إطاعتهما لأمره،
في رؤيا ترواس. لكنهما وجدا في كل ذلك ما حملهما على الصلاة والتسبيح. ولعلهما في
صلاتهما شكرا الله لأنهما حُسبا مستأهلين أن يهانا من أجل اسم الرب. لقد سبحا
والتسبيح ينبع من الفرح، وهكذا تمما قول المسيح «طُوبَى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ
وَطَرَدُوكُمْ وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةٍ شِرِّيرَةٍ، مِنْ أَجْلِي، كَاذِبِينَ.
اِفْرَحُوا وَتَهَلَّلُوا، لأَنَّ أَجْرَكُمْ عَظِيمٌ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ،
فَإِنَّهُمْ هٰكَذَا طَرَدُوا ٱلأَنْبِيَاءَ ٱلَّذِينَ
قَبْلَكُمْ» (الإنجيل بحسب متى 5: 11 و12). هذه الحادثة تعلمنا ثلاث حقائق مهمة:

1.       إن
الديانة المسيحية تنشئ فرحاً داخلياً لا ينزعه شيء من الأحوال الخارجية حتى ولو
كانت بالغة السوء.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد جديد رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس إسكندر جديد 05

2.       إن
أعداء المسيحي مهما قسوا عليه، لا يستطيعون أن يسلبوه سروره. فإن حرموه كل
المنافع، فلن يستطيعوا أن يحرموه نعمة الله.

3.       من
شأن الضمير الصالح أن يمنح صاحبه وهو في السجن سلاماً وسعادة، لا يتمتع بهما أي
غني مترف في هذا العالم.

(3)
يقول أغسطينوس: إن الصياد هنا هو الشيطان، والفخ هو التجربة التي يعترض بها سبيل
المؤمن. ولكن المتكل على الله يستطيع أن يحتمل كل متاعب هذا العالم. لأن المسيح
رفيق دربه وحامل النير معه. لهذا لا يسقط في شراك إبليس. ولا يروعه أي خوف لأنه
ممكن في الله، قلبه ثابت.

إن
النجاة من فخ الصياد بركة عظيمة فعلاً، لأنها حصيلة السلوك في المسيح. اجعل المسيح
طريقك تحفظ نفسك، والشيطان لا يمسك. لأن الشيطان يبث فخاخه على جانب الطريق، وليس
على الطريق.

(4-6)
في هذه الآية يعلن المرنم حقيقة مهمة جداً، وهي أن الله يتولى حماية المؤمن،
فالتظليل بالخوافي والاحتماء بالأجنحة، يعنيان أن الله يضع المؤمن في حضن عنايته،
التي تحقق له الحماية والأمن والسلام والراحة. وقد عبر المسيح عن هذه العناية
بقوله «أَبِي ٱلَّذِي أَعْطَانِي إِيَّاهَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ
ٱلْكُلِّ، وَلا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْطَفَ مِنْ يَدِ أَبِي» (الإنجيل
بحسب يوحنا 10: 29). فالآب أعظم من كل قوات الأبالسة والجحيم. إنه كلي القدرة،
وقدرته تنشغل بالحفاظ على القديسين، بحيث لا تستطيع قوة ولا سلطة في الوجود أن
تحرمهم من النعمة التي لهم، أو تمنع حماية الله عنهم.

المؤمن
المحاط بعناية الله لا يخاف من شر، يفاجئه في الليل. وهو متسربل بترس الإيمان الذي
يقدر به أن يطفئ جميع سهام الشرير الملتهبة، التي تتطاير في النهار (أفسس 6: 16).
والتي تمثل الشكوك والأفكار الكفرية والشهوات الدنسة، التي يحاول الشيطان أن ينفثها
في صدور الناس. ويستخدم عدو الخير بعض هذه السهام الشيطانية ضد المؤمنين، محاولاً
أن يهيج فيهم الشهوات الردية، والتذمر والحسد والطمع والكبرياء، ولا واقي منها إلا
الإيمان والثقة بالمواعيد الإلهية، والنظر إلى يسوع بالصبر والخضوع لإرادته،
والتسليم لمشيئته. والإيمان يوحدنا بالله، فيصير الله نفسه ترسنا. هكذا قال لأبرام
«لا تَخَفْ يَا أَبْرَامُ. أَنَا تُرْسٌ لَكَ» (تكوين 15: 1).

(7
و8) قال أغسطينوس: إن الآية 7 خاصة بالمسيح، الذي حين رآه سمعان الشيخ قال لأمه
بروح النبوة «إِنَّ هٰذَا قَدْ وُضِعَ لِسُقُوطِ وَقِيَامِ كَثِيرِينَ فِي
إِسْرَائِيلَ» (الإنجيل بحسب لوقا 2: 34) وبالفعل فإن يسوع صار صخرة عثرة للأمة
اليهودية التي رفضت الاعتراف بإنسانيته. ولكنه صار علة إنهاض لجميع الساقطين،
الذين يتضعون بالتوبة ويؤمنون به. وتبين من هذا أن المسيح رائحة موت لموت للبعض،
ورائحة حياة لحياة لبعض آخر (كورنثوس الثانية 2: 16).

هل تبحث عن  الكتاب المقدس يسوعية كاثوليكية عهد جديد رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس 11

ويرى
بعض المفسرين أن الآية 7 تنطبق على المؤمن إذ يقف وقفة المشاهد المتأسف على سقوط
الناس حوله في الإثم، ويدرك أن مصيرهم في النهاية إلى الهلاك، إن لم يتوبوا.

 

9لأَنَّكَ
قُلْتَ: «أَنْتَ يَا رَبُّ مَلْجَإِي». جَعَلْتَ ٱلْعَلِيَّ مَسْكَنَكَ،
10لا يُلاقِيكَ شَرٌّ وَلا تَدْنُو ضَرْبَةٌ مِنْ خَيْمَتِكَ. 11لأَنَّهُ يُوصِي
مَلائِكَتَهُ بِكَ لِكَيْ يَحْفَظُوكَ فِي كُلِّ طُرْقِكَ. 12عَلَى
ٱلأَيْدِي يَحْمِلُونَكَ لِئَلاّ تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ. 13عَلَى
ٱلأَسَدِ وَٱلصِّلِّ تَطَأُ. ٱلشِّبْلَ وَٱلثُّعْبَانَ
تَدُوسُ. 14لأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِي أُنَجِّيهِ. أُرَفِّعُهُ لأَنَّهُ عَرَفَ
ٱسْمِي. 15يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبُ لَهُ. مَعَهُ أَنَا فِي ٱلضِّيقِ.
أُنْقِذُهُ وَأُمَجِّدُهُ. 16مِنْ طُولِ ٱلأَيَّامِ أُشْبِعُهُ، وَأُرِيهِ
خَلاصِي.

(9)
يظن كثيرون أن الله مجرد ملجأ من الاضطهاد الزمني، بينما حمى العلي أسمى وأعظم من
ذلك بدرجة فائقة. فهو الملاذ الأمين، الذي يستطيع المؤمن المغسل بدم المسيح، أن
يهرب إليه من الغضب الآتي، الذي سماه إشعياء النبي بيوم الانتقام (إشعياء 34: 8).

قد
نتضايق من كلمة انتقام، لأننا نعيش في ظل العهد الجديد، الذي هو عهد النعمة
المتفاضلة جداً. ولكن إن كان الله في عدله قد عين يوماً للنقمة، فهو في محبته عين
سنة للنعمة. سنة فيها يكثر الغفران والخلاص. وهذه السنة السعيدة، ابتدأت في المسيح
ولم تنته إلى الآن. وقد عبر عنها النبي بالسنة المقبولة (إشعياء 61: 2) لأنها
متاحة لكل إنسان مدة حياته على الأرض.

(10)
عندما تنتهي أيام المؤمن على أرض الآلام ينتقل إلى أورشليم السماوية، التي لقبها
يوحنا مسكن الله مع الناس (رؤيا 21: 3) هناك لن يجوعوا بعد ولن يعطشوا بعد، ولا
تقع عليهم الشمس ولا شيء من الحر. لأن الخروف الذي في وسط العرش يرعاهم، ويقتادهم
إلى ينابيع ماء حية، ويمسح الله كل دمعة من عيونهم (رؤيا 7: 16 و17). ففي تلك
المساكن في جوار الله يكون المؤمن في مأمن من الشر والأمراض وكل ضربة. وترسم لنا
كلمة الرائي الملهم صورة للراعي الصالح المعتني بقطيعه، الذي يقود خرافه إلى
المراعي الخضراء، ويوردها إلى مياه الراحة، بحيث لا تجوع و لا تعطش. والراعي
الصالح يمسح كل دمعة من العيون. إنه يشبع الجسد ويعزي القلب هنا، بانتظار الانتقال
إلى منازل الآب هناك.

(11-13)
يعتقد ثقات المفسرين وفي مقدمتهم أغسطينوس أن هذه الآيات خاصة بالمسيح. وقد
اقتبسها الشيطان ليجرب المسيح. ويبدو أن رأيهم بما جاء في الإنجيل «إِنْ كُنْتَ
ٱبْنَ ٱللّٰهِ فَٱطْرَحْ نَفْسَكَ مِنْ هُنَا إِلَى
أَسْفَلَ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ يُوصِي مَلائِكَتَهُ بِكَ لِكَيْ
يَحْفَظُوكَ… وَأَنَّهُمْ عَلَى أَيَادِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ لِكَيْ لا تَصْدِمَ
بِحَجَرٍ رِجْلَكَ» (الإنجيل بحسب لوقا 4: 9-11).

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ن نوغنير ر

وكان
يسوع وقتئذ على جناح الهيكل، وكانت التجربة مغرية جداً، فللمسيح الحق أن تخدمه
الملائكة. وبكونه ابن الله، فالهيكل أليق مكان يوجد فيه. وفي تلك الأيام، كان أحد
الكهنة يصعد كل صباح إلى سطح الهيكل، حاملاً البوق لينفخ فيه، عندما تلوح تباشير
الصباح، ليعلن للناس أن موعد ذبيحة الصباح قد حان. فلماذا لا يقف يسوع هناك، ويلقي
بنفسه إلى فناء الهيكل، ليبهر أبناء الشعب، من ثم يتبعونه؟ ألم يقل ملاخي النبي
«وَيَأْتِي بَغْتَةً إِلَى هَيْكَلِهِ ٱلسَّيِّدُ ٱلَّذِي
تَطْلُبُونَهُ» (ملاخي 3: 1).

وفوق
هذا خلع الشيطان على تجربته هذه طلاء دينياً زائفاً، ولكنه براق جذاب يأخذ بمجامع
القلوب. وكانت في ظاهرها تعبير عن انتظارات رؤساء الكهنة والفريسيين، الذين كانوا
يتوقعون آية من المسيح، ليؤمنوا به.

فلو
أقدم يسوع على إجابة رغبة الشيطان، وألقى بنفسه من فوق قمة الهيكل أمام الكهنة،
لرأوا فيه المسيا المنتظر، ولأسرعوا للمناداة به ملكاً. ولكن شكراً له، لأنه تغلب
على التجربة ورفض الإغراء. وتابع خطواته نحو الصليب. لإكمال الفداء.

أرأيت
كيف أن الكلمة المتجسد رد على المجرب بكلمة الله المكتوبة. أجابه: قيل، لا تجرب
الرب إلهك. فبين بهذا أن إلقاء الإنسان نفسه في أشداق المخاطر لغير ضرورة ليس سوى
تحد لعناية الله. وأن الإيمان الذي يشترط العجائب، ليس بالحقيقة إيماناً، بل هو شك
يبحث عن برهان. اذكر يا أخي أن قدرة الله المخلصة ليست وسيلة للعبث، بل هي حقيقة
يجب أن تثق بها في هدوء خلال حياتك اليومية.

(14)
في هذه الآية وصف لعمل عناية الله المحيطة بالمؤمن. فالله أقامه مع المسيح، وأجلسه
معه في السماويات. ولأنه تعلق بالله ووضع محبته فيه نجاه. ولأنه عرف اسمه المبارك،
أصعده من جب الهلاك. ورفعه بالإيمان فصار يطلب ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين
الله (كولوسي 3: 1).

(15)
عندما يحل بك الضيق، لا تخف، كأن الرب تخلى عنك. ليكن لك الإيمان بعناية الله،
وادعه يستجب لك، وفقاً لقوله «وَيَكُونُ أَنِّي قَبْلَمَا يَدْعُونَ أَنَا
أُجِيبُ، وَفِيمَا هُمْ يَتَكَلَّمُونَ بَعْدُ أَنَا أَسْمَعُ» (إشعياء 65: 24)
هناك أمواج تلاطم سفينة حياتك. ولكن اذكر أن المسيح نائم فيها وتستطيع أن توقظه
بصلاة الإيمان. وعندئذ ينتهر الريح والأمواج، فيصير هدوء شامل.

(16)
شكراً لله لأجل أناته الطويلة. إنه يتأنى ولا يشاء أن يهلك أناس. بل أن ينالوا
خلاصه المعد بالمسيح يسوع، الذي يعطي كل من يؤمن الحياة الأبدية. فلنحبه بكل
إخلاص، ولنمجد اسمه القدوس بسلوكنا كأولاد نور، غير مهتمين بالأمور الفانية
«عاملين ما يرضي أمامه بيسوع المسيح ربنا».

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي