الْمَزْمُورُ
الْمِئَةُ وَالْعَاشِرُ

 

اَلْمَزْمُورُ
ٱلْمِئَةُ وَٱلْعَاشِرُ – مُلك الله

1قَالَ
ٱلرَّبُّ لِرَبِّي: «ٱجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ
مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ». 2يُرْسِلُ ٱلرَّبُّ قَضِيبَ عِزِّكَ مِنْ
صِهْيَوْنَ. تَسَلَّطْ فِي وَسَطِ أَعْدَائِكَ. 3شَعْبُكَ مُنْتَدَبٌ فِي يَوْمِ
قُوَّتِكَ، فِي زِينَةٍ مُقَدَّسَةٍ مِنْ رَحِمِ ٱلْفَجْرِ. لَكَ طَلُّ
حَدَاثَتِكَ.

حين
نتأمل محتويات هذا المزمور المجيد، نجد أنه من أكثر المزامير علاقة بالعهد الجديد،
إذ اقتبس أكثر من أي مزمور آخر. وفد فسره كتبة العهد الجديد تفسيراً خاصاً يختص
بالمسيح – انظر أعمال 2: 34 و34 ، عبرانيين 1: 13 وكثيراً ما أشير به إلى ارتفاع
المسيح وجلوسه عن يمين الله (متى 26: 64 ، عبرانيين 1: 3).

(1)
يبدو جلياً أن كتبة العهد الجديد، اعتبروا هذه الآية نبوة عن انتصار المسيح
النهائي والحاسم على أعدائه، حين تجثو له كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض،
ويعترف كل لسان أن يسوع رب لمجد الله الآب. ويسوع نفسه أيد هذا الاعتبار، إذ صحح
لليهود أفكارهم عن صلة المسيح بداود، قائلاً: كيف يقولون أن المسيح ابن داود،
وداود نفسه يقول في كتاب المزامير «كَيْفَ يَقُولُونَ إِنَّ ٱلْمَسِيحَ
ٱبْنُ دَاوُدَ، وَدَاوُدُ نَفْسُهُ يَقُولُ فِي كِتَابِ
ٱلْمَزَامِيرِ: قَالَ ٱلرَّبُّ لِرَبِّي: ٱجْلِسْ عَنْ يَمِينِي
حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ. فَإِذاً دَاوُدُ يَدْعُوهُ
رَبّاً. فَكَيْفَ يَكُونُ ٱبْنَهُ؟» (الإنجيل بحسب لوقا 20: 41-44).

فهذه
الأقوال تعتبر من أهم ما نطق به الرب يسوع. ورغم أننا لا نستطيع الوصول إلى عمق
المعاني التي تتضمنها، إلا أننا نرى فيها وصفاً لعظمة المسيح. في الحق إن من يتأمل
عميقاً في هذه الآيات، ولا يقتنع بلاهوت المسيح، يكون واحداً من اثنين: إما أن
يكون جاهلاً، قد بسطت الغباوة غشاوة على بصيرته، فلا يقدر أن يرى. أو أن يكون
مكابراً قد طمس العناد قلبه، فلا يريد أن يرى. لأن الألقاب والأوصاف التي وردت في
هذا المزمور، لا تنطبق إلا على المسيح. فهو رب داود، وهو الوحيد المقام عن يمين
الله.

في
تتبعنا سيرة يسوع من خلال الأناجيل نرى أنه كان يوصي أتباعه بأن لا يعلنوا أنه
المسيا. ولعله كان يرجئ ذلك إلى أن يعلمهم تدريجياً الحقائق المسيانية ورسالتها.
وقد عرف من أقوالهم أن أفكارهم عن المسيا كانت تحتاج إلى تصحيح. لأن اللقب الشائع
للمسيا لدى اليهود كان إذ ذاك ابن داود: وبحسب مفهومهم لهذا اللقب، كانوا ينتظرون
أن يقوم يوماً أمير عظيم من نسل داود، يقود حروبهم وغزواتهم المنتصرة على الشعوب.
ولهذا كان التفكير في المسيا يتخذ عندهم طابع القومية والمجد الدنيوي.

«قال
الرب لربي» هذه هي المرة الوحيدة التي ورد فيها هذا التعبير في سفر المزامير، وهو
تعبير قوي جداً، لأن الكلمة الأولى المترجمة «رب» هي في الأصل «يهوه»، والكلمة
الثانية المترجمة «ربي» هي في الأصل «أدوناي» وهي اصطلاح اللغة العبرية لاسم
الجلالة.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس قاموس الكنيسة إيكونوموس س

«اجلس
عن يميني» اليمين هو مكان الأفضلية والامتياز والسلطان حتى لدى البشر. وهو هنا يدل
على مكان الترفع إلى أعظم مركز في الإكرام، وإلى المشاركة في الحكم الإلهي. وكان
هناك أساس تاريخي لهذا الأمر في حالة داود نفسه، لأن سلطانه كان يمارس باسم الرب
(صموئيل الثاني 8: 14) ولكن القوة الخاصة بهذه العبارة تسمو بما لا يقاس على ما
ورد في شأن داود.

على
أي حال فالكلمة التي تلفظ بها يسوع تدل بوضوح على أنه ليس مناسباً أن يعتبر المسيا
أميراً، أو ملكاً من سلالة داود، أو قائداً أرضياً، يعيد إلى الأمة عصر داود
الذهبي من الوجهة السياسية والحربية. وفي يقيني أن حقيقة المسيح تهيب بنا أن نرتفع
إلى إعلانه الواضح «إنه رب داود».

اقرأ
الإنجيل جيداً، تلاحظ أن يسوع قد صرح أكثر من مرة، بأنه لم يأت ليجلس على عرش
زمني. لكنه جاء باسم الرب ليعلن محبة الله عملياً على الصليب. وإن كان كثيرون لم
يدركوا المعنى الذي قصده يسوع من تصريحه «إنه رب داود»، فعلى الأقل سمعوا صوتاً
عجيباً يحدثهم. ولعلهم أحسوا ولو جزئياً أنهم كانوا يسمعون صوتاً إلهياً. وأن الذي
كان يكلمهم، كان يشرق عليهم بوجه الله.

إن
كنت ما زلت ترى في هذه الإعلانات المسيانية لغزاً يتعذر عليك حله، فاقرأ ما كتبه
بولس رسول يسوع المسيح، موضحاً شخصية ابن الله، إذ قال إنه «صَارَ مِنْ نَسْلِ
دَاوُدَ مِنْ جِهَةِ ٱلْجَسَدِ، وَتَعَيَّنَ ٱبْنَ
ٱللّٰهِ بِقُّوَةٍ مِنْ جِهَةِ رُوحِ ٱلْقَدَاسَةِ،
بِٱلْقِيَامَةِ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ: يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ رَبِّنَا»
(رومية 1: 2-4).

(2
و3) قضيب العز يرمز إلى السلطان المطلق الذي للرب يسوع، المقام والمنتصر على
الموت، بدليل قوله: دفع إليّ كل سلطان في السماء وعلى الأرض. وهذا يعني أنه لا
يوجد شيء في السماء وعلى الأرض، ليس في متناوله له المجد. وكلمة «تسلط» تتضمن
تصريحاً آخر من الرب، كما في الآية الأولى. وهي تعني أن جماعة الرب يتجندون لخدمة
سيدهم الذي له كل سلطان في السماء وعلى الأرض.

أما
كلمة «شعبك منتدب في يوم قوتك في زينة مقدسة» فهي تشير إلى كهنوت قديسي العهد
الجديد. لأن هؤلاء متسربلين ثياب البهاء، التي هي البر والخلاص والقداسة، ينتشرون
للخدمة منذ الفجر عاملين بصمت ونكران ذات.

 

اَلْمَزْمُورُ
ٱلْمِئَةُ وَٱلْعَاشِرُ – كاهن إلى الأبد

4أَقْسَمَ
ٱلرَّبُّ وَلَنْ يَنْدَمَ: «أَنْتَ كَاهِنٌ إِلَى ٱلأَبَدِ عَلَى
رُتْبَةِ مَلْكِي صَادِقَ». 5ٱلرَّبُّ عَنْ يَمِينِكَ يُحَطِّمُ فِي يَوْمِ
رِجْزِهِ مُلُوكاً. 6يَدِينُ بَيْنَ ٱلأُمَمِ. مَلأَ جُثَثاً أَرْضاً
وَاسِعَةً. سَحَقَ رُؤُوسَهَا. 7مِنَ ٱلنَّهْرِ يَشْرَبُ فِي
ٱلطَّرِيقِ، لِذٰلِكَ يَرْفَعُ ٱلرَّأْسَ.

(4)
يخبرنا الوحي أن ملكي صادق ملك ساليم، الذي كان كاهناً للعلي، لم تذكر الكتب
المقدسة شيئاً عن نسبه ولا عن خلفائه. بخلاف الكهنوت اللاوي، الذي كان يبعد عنه
أيا كان، لا يثبت انحداره من العائلة الكهنوتية. ولكن نرى أن الله استثنى ملكي
صادق من هذا الحكم. فهو يقف شخصية فريدة في عظمة اقترابها لله، وفي كرامة وجلال
مجدها الملوكي والكهنوتي. ويعلن الروح القدس أن ملكي صادق في هذا مشبه بابن الله.
وفي معرض الحديث عن ابن الله، اذكر أن نسبة يسوع الأزلية لله هو الابن الحبيب،
مسرة الآب الابن الفريد في الأزل. وهو ايضاً وبمعنى مبارك جداً ابن الله الوحيد في
عبر الزمن. وإذا كان ياتي بأبناء كثيرين إلى المجد، فأولئك هم رفقاء له، وليس
خلفاء بعده. وهذا ما نجده رمزاً في ملكي صادق.

هل تبحث عن  مزمور39 - تفسير سفر المزامير

نقرأ
في عبرانيين 7: 1-3 أن ملكي صادق استقبل ابراهيم، لدى رجوعه من كسرة الملوك. وقد
قسم له ابراهيم عشراً من كل الغنائم التي آب بها. وليس هذا فقط بل أيضاً بارك ملكي
صادق ابراهيم، مع كونه هو الذي أخذ المواعيد من الله، وهذا يعني أن ابراهيم الأصغر
بالنسبة لملكي صادق. ونظراً لصلة الكهنوت اللاوي بابراهيم، يبدو الأمر وكأن
الكهنوت اللاوي قد أدى العشور لملكي صادق. لأن لاوي الذي لم يكن قد ولد بعد كان
ممثلاً بأبيه ابراهيم، عندما أعطى العشور لملكي صادق.

فما
أعجبها من نتيجة! لأن اليهودي اعتاد أن يتطلع إلى رؤساء الكهنة باعتبارهم الممثلين
لله ذاته. أما الآن فقد برز أمامهم واحد يفوقهم جميعاً. فإن كان هذا الكاهن الذي
عينه الروح القدس رمزاً للمسيح، فائقاً على الكهنوت اللاوي بهذا المقدار، فكم
بالحري يكون المسيح أعظم بما لصاحب الحقيقة من مجد إلهي؟! لقد قدموا له عشورهم في
شخص ابراهيم، وبالتالي خضوعهم كالمتفوق. وهذا من شأنه أن يشعر المؤمن العبراني، أن
جميع من كانوا في اعتباره يمثلون الله، ليسوا شيئاً بالمقابلة مع الحقيقة الكبرى
المباركة، وهي أنه يوجد كاهن من رتبة عظمى يبقى إلى الأبد.

في
الحقيقة لو أن الكهنوت اللاوي قد استطاع أن يأتي بالكمال، أي أن يحقق علامة مرضية
بين الإنسان والله، لما كانت من حاجة بعد للكلام عن كاهن آخر، ليس من نسل هرون ومن
رتبة أعظم (انظر عبرانيين 9: 11-13).

إن
الكمال بحسب رسالة العبرانيين، ليس معناه الكمال الشخصي، بل كمال العلاقة بالله،
العلاقة المؤسسة على ضمير كامل. الضمير الذي استنار بالله، واستراح في الله،
بواسطة عمل المسيح الكامل. فنحن نعلم من الإعلانات الإلهية، أن المؤمنين قد جعلوا
كاملين بذبيحة المسيح الواحدة، كما هو مكتوب «بذبيحة واحدة، قد أكمل إلى الأبد
المقدسين».

(5
و6) مرة أخرى يذكر الرب، ولكن في هذه الكلمات وضع الترتيب بشكل آخر. إذ يسوع يجلس
وأبيه عن يمينه. وهو يحكم بسلطان أبيه، وهو يحطم في يوم رجزه ملوكاً، لأنه هو
الديان. هكذا نقرأ: «لأَنَّ ٱلآبَ لا يَدِينُ أَحَداً، بَلْ قَدْ أَعْطَى
كُلَّ ٱلدَّيْنُونَةِ لِلِٱبْنِ» (الإنجيل بحسب يوحنا 5: 22) وهذا لا
يعني أن الآب قد تنحى عن الحكم. بل إنه سر بأن يحكم بيسوع المسيح ابنه.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس م مزامير سليمان ن

لقد
أعطى كل الدينونة للابن باعتبار كونه رب الكل (أعمال 10: 36 ، رومية 14: 9) ولأنه
هو المهيمن على كل أعمال العناية الإلهية، ورأس فوق كل شيء (أفسس 1: 22) وهو رأس
كل رجل (كورنثوس الأولى 11: 3) وفيه يقوم الكل (كولوسي 1: 17) ولأن له السلطان أن
يضع نواميس تربط الضمير مباشرة. لأنه إذا ما تأملنا في عظة يسوع على الجبل، التي
دونها متى الإنجيلي، نرى أن صيغة شرائع ملكوت السموات تجري وفقاً لقوله «وأما أنا
فأقول لكم» بمعنى أن كل الشرائع تتم به وبسلطانه. وأن كل الأعمال التي تجري الآن،
يلمسها بقضيبه الذهبي. ويقول الإعلان الموحى به أن له السلطان أن يحدد ويقرر شروط
العهد الجديد وأن يضع شروط السلام بين الله والإنسان. فالله يصالح العالم لنفسه
بيسوع المسيح (كورنثوس الثانية 5: 18) وأن له السلطان أن يشهر الحرب ضد قوات
الظلمة، وهو قادر على أن يطرح رئيس هذا العالم خارجاً. كل هذه الحقائق عرفها
الآباء الأولون، وآمنوا بأن الدينونة النهائية العامة في يد يسوع، الذي سيجلس على
كرسي الدينونة وحوله الملائكة المقتدرون قوة. وسيفحص كل القضايا ويصدر حكمه بالعدل
(أعمال 17: 31).

(7)
ينعش الظافر نفسه بنهر في الطريق، ويرفع رأسه كعلامة الانتصار، ومن جهة روحية
ينطبق هذا على المسيا، الذي بعد جهاده المرير في معركة الفداء وانتصاره الكاسح على
قوات الظلمة، ارتوت نفسه من نهر السرور الذي وضع أمامه بعد أن أزال بعمله الكفاري
كل عائق من طريق مختاريه، ليتحدوا معه ويكونوا معه في مجده. ومن يستطيع أن يصف
سروره بهذا، أليس هذا ما عبر عنه المرنم بقوله: أمامك شبع سرور؟

لكل
تلميذ حقيقي طريق مرسوم، محفوف بالمخاطر. ولكنه محروس بالرب، الساهر على حياتنا.
صحيح أن هذا الطريق وعر وكرب، ولكنه يؤدي بنا إلى الحياة الأبدية. وما علينا إلا
أن نتبع خطوات رئيس إيماننا ومكمله بإيمان كامل، وبطاعة بنوية واثقة في صلاحه.

ولكن
بما أن طريقنا يمر في أرض معادية، علينا أن نسهر ونصلي بلا ملل. وليكن معلوماً
لدينا أن كل صعوبة في هذا الطريق لها هدف تهذيبي. وأن كل اختبار مرير فيه درس
ثمين، يعيننا في النمو روحياً.

كان
أتقياء العهد القديم في أثناء اجتيازهم البرية، يشربون جميعاً من صخرة روحية كانت
تابعتهم وهذه الصخرة هي المسيح (كورنثوس الأولى 10: 4). ونحن في اجتيازنا برية هذا
العالم، لنشرب من هذا الينبوع الحي عينه ولنستحث السير رافعين الرأس. لأننا في
طريقنا إلى ميراث القديسين في النور. والله أبونا يريد أن نصل إلى هذا الهدف، شرط
أن يكون قلبنا كاملاً من نحوه، وأن تكون إرادتنا خاضعة لمشيئته.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي