الْمَزْمُورُ
الْمِئَةُ وَالثَّامِنَ عَشَرَ

 

اَلْمَزْمُورُ
ٱلْمِئَةُ وَٱلثَّامِنُ عَشَرَ – يمين الرب

12أَحَاطُوا
بِي مِثْلَ ٱلنَّحْلِ. ٱنْطَفَأُوا كَنَارِ ٱلشَّوْكِ.
بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ أُبِيدُهُمْ. 13دَحَرْتَنِي دُحُوراً لأَسْقُطَ.
أَمَّا ٱلرَّبُّ فَعَضَدَنِي. 14قُوَّتِي وَتَرَنُّمِي ٱلرَّبُّ،
وَقَدْ صَارَ لِي خَلاصاً. 15صَوْتُ تَرَنُّمٍ وَخَلاصٍ فِي خِيَامِ
ٱلصِّدِّيقِينَ. يَمِينُ ٱلرَّبِّ صَانِعَةٌ بِبَأْسٍ. 16يَمِينُ
ٱلرَّبِّ مُرْتَفِعَةٌ. يَمِينُ ٱلرَّبِّ صَانِعَةٌ بِبَأْسٍ. 17لا
أَمُوتُ بَلْ أَحْيَا وَأُحَدِّثُ بِأَعْمَالِ ٱلرَّبِّ. 18تَأْدِيباً
أَدَّبَنِي ٱلرَّبُّ وَإِلَى ٱلْمَوْتِ لَمْ يُسْلِمْنِي.

(12-14)
في هذه الآيات نبوة عن المسيح، حين حاول أعداؤه خذلانه، وشاؤوا سقوطه. وإلى هذا
أشار إشعياء النبي بقوله: محتقر ومخذول من الناس (إشعياء 53: 2) ولكن المحاولات مع
أنها انتهت بتعليق الفادي على الصليب، ثم إنزاله إلى القبر، إلا أنها فشلت. لأن
الرب الإله عضد ابنه، فأكمل عمل الفداء العظيم. وانتصر على الموت بقيامته، فترنم
المفديون بنشيد الرجاء الحي، قائلين مع بطرس «مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح،
الذي حسب رحمته الكثيرة ولدنا ثانية لرجاء حي بقيامة يسوع المسيح من الأموات،
لميراث لا يفنى ولا يتدنس ولا يضمحل محفوظ في السموات لأجلنا».

لو أن
أعداء المسيح كانوا قد نجحوا في القضاء عليه نهائياً، لكان معنى ذلك أن الباطل
أقوى من الحق. قال إيرل مورتن حاكم اسكوتلندا في مناسبة قضية مالاندرو لملقيل زعيم
الإصلاح العظيم: لن تهدأ هذه البلاد إلا إذا شنق عدد منكم، أو نفوا من البلاد.
فأجاب ملقيل «يمكنك يا سيدي أن تهدد رجال حاشيتك، أو رجال حكومتك بمثل هذا الكلام.
أما أنا فيستوي عندي أن يتعفن جسدي في التراب، أو يعلق في الهواء. ومع ذلك فإنه
مجداً لله، لن يكون في مقدورك إطلاقاً أن تشنق الحق الإلهي أو تنفيه» لأن القيامة
هي الضمان النهائي لخلود الحق وعدم قابليته للفناء.

والقيامة
لا تبرهن فقط على أن الحق أقوى من الباطل، بل ايضاً تبرهن على أن الخير أقوى من
الشر. كتب أ. فرود المؤرخ العظيم «هناك درس واحد، واحد فقط، يمكن أن يقال أن
التاريخ يردده بشكل أوضح ومميز، وهو أن العالم قد بني على شكل ما على أسس أدبية
وأخلاقية، وعلى المدى البعيد سوف يتضح لنا أن الخير لا بد أن يعلو وينتصر. وأن
الشر لا بد أن يقضي عليه وينهزم» ولكن لو لم تحدث القيامة لتزعزع هذا المبدأ
العظيم للناموس الأدبي والاخلاقي للكون. ولولا القيامة، لما كان لنا أن نستعيد
ثقتنا ويقيننا في أن الخير أقوى من الشر.

والقيامة
تبرهن على أن المحبة أقوى من الكراهية، وأقوى من الموت نفسه. كان يسوع هو حب الله
متجسداً، أما موقف الذين صلبوه فيعكس الكراهية المتجسمة في قلوب أولئك القساة
القلوب. لقد بلغت كراهيتهم له حداً جعلتهم ينسبون المحبة والنعمة المتجسدة في
حياته إلى الشيطان. فلو لم تكن هناك قيامة، لكان معنى هذا أن كراهية الإنسان في
النهاية هزمت محبة الله. ولكن شكراً لله لأن المسيح قد قام، فصارت القيامة برهاناً
نهائياً قاطعاً على أن المحبة أقوى من الكراهية.

والقيامة
أقوى من الموت. فلو أن يسوع لم يقم منتصراً على الموت لكان معنى هذا أن الموت قد
استطاع أن يقضي على أجمل وأحسن حياة ظهرت في الوجود.

حدث
في سنوات الحرب العالمية الثانية، أن إحدى كنائس لندن قامت بجمع تقدمات بمناسبة
عيد الشكر. وكان من بين الهبات حزمة من سنابل القمح. ولكن غارة جوية حدثت قبل أن
تحتفل الكنيسة بالعيد، وأصابت القنابل مبنى الكنيسة، فحولته إلى أنقاض. ومرت شهور
وجاء الربيع، فلاحظ أحد المارة وجود بعض النباتات الخضراء في وسط الخرائب حيث كان مبنى
الكنيسة قائماً. وعندما جاء الصيف شاهد الناس هناك رقعة مغطاة بنبات القمح.
فالقنابل المدمرة، لم تستطع أن تقتل الحياة من بذور القمح. لقد كانت الحياة أقوى
من الموت.

(15-17)
عند انتصار الحق، يتحول كل شيء إلى بهجة وحبور. ذلك لأن الرب، هو الذي صنع خلاصاً
بقدرته. وعندئذ تمتلئ مساكن الصديقين بالترنم. إنهم يشاركون هوشع النبي نشيد
الانتصار: أين أوباؤك يا موت، أين شوكتك يا هاوية؟ (هوشع 13: 14).

قبل
قيامة المسيح، كان الموت شبحاً يخيف الناس ويرعبهم. وإنه لمن البديهي أن يخاف
الإنسان، لأنه يجهل ما بعد الموت. إلا أن الجانب الأكبر للخوف من الموت، يرجع إلى
الإحساس بالخطية. أما الذي تخلص من خطاياه بقبول يسوع مخلصاً، فإن الموت بالنسبة
له، كما قال أحد الأتقياء مجرد مغامرة عظمية، مغامرة تؤدي به إلى الحياة الأبدية.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ع عَطاروت ت

إن
الإحساس بالخطية، يأتي من شعور الإنسان بأن الله مجرد ناموس للبر. أو بتعبير آخر
إنه مجرد قاض منتقم للعدل، وليس من أمل بالبراءة من حكمه. ولكن هذا ما جاء المسيح
ليمحوه ويلاشيه. فقد جاء ليخبرنا أن الله ليس ناموساً، بل حباً. وإن مركز كيان
الله ليس هو الشريعة، بل النعمة. وإننا سنمثل ليس أمام قاض، بل أمام أب انتظر
طويلاً عودة أبنائه إلى بيته السماوي. هذا هو معنى قول المرنم «لا أموت بل أحيا».
وهذا ما أكده المسيح حين قال: أنا هو القيامة والحياة، من آمن بي ولو مات فسيحيا
(الإنجيل بحسب يوحنا 11: 25).

(18)
قد يسمح الله بتأديب أبنائه، لتقديس حياتهم اليومية. وكم نحتاج فعلاً إلى التأديب
بالنسبة لميولنا الفاسدة، لتوقيف نزواتنا المنحرفة. ولهذا يذكرنا الرسول بقول
الرب: يا ابني لا تحتقر تأديب الرب، ولا تخر إذا وبخك. لأن الذي يحبه الرب يؤدبه،
ويجلد كل ابن يقبله. إن كنتم تحتملون التأديب يعاملكم الله كالبنين… ولكن إن
كنتم بلا تأديب قد صار الجميع شركاء فيه، فأنتم نغول لا بنون (عبرانيين 12: 5-7)
ومعنى هذا أننا دعينا لنقبل عصا التأديب كجزء من الدليل على محبة الله، التي جعلته
يبذل ابنه الوحيد لأجلنا. على أن هذا ليس من الأمور السهلة. وقد قال الرسول «كل
تأديب في الحاضر لا يرى أنه للفرح بل للحزن…» ثم يذكرنا بالنتيجة، قائلاً: إن
آباء أجسادنا أدبونا بحسب استحسانهم، وكذلك لمنفعتنا الزمنية. أما الله فإنه يريد
أن نشترك في قداسته (عبرانيين 12: 10) لأنه قد أعطيت لنا مواعيد عظمى وثمينة،
لنصير بها شركاء الطبيعة الإلهية (بطرس الثانية 1: 4) وبكلمة أخرى إن غاية الله من
التأديب، أن يشركنا في قداسته، ولكي تظهر ثمار القداسة في حياتنا العملية. لأنه
بعد التأديب يأتي ثمر البر للسلام لأولئك الذين يتدربون به. ونلاحظ هنا أنه يمكن
للإنسان أن يتخذ إحدى طرق ثلاث تجاه التأديب:

أن
يحتقر تأديب الرب، أي يستهين به. فإذا كان التأديب احتقاراً من الناس، يقول إني لا
ابالي بأفكار الناس. ويظهر بطولة ذاتية في مواجهة هذا التحقير. فهو في هذه الحالة،
يحتقر تأديب الرب. ومن ثم لا يأتي منكسراً أمام الله بسببه.

أن
يخور إذا وبخه الرب، فترتخي يداه ويفشل على عكس الطريقة الأولى. ولكن كليهما ليسا
من الإيمان.

إن
التدريب بالتأديب، وهذه هي الطريق الصحيحة التي يجب أن يسلكها كل مؤمن، يجيزه الله
في التأديب. إنه لا يحتقره ولا ينؤ تحته بالفشل، بل يتدرب ويتعلم الدروس، التي
يقصد الله أن يعلمه إياها، ملتجئاً إليه لطلب الإرشاد والمعونة والتمسك بنعمته
ورحمته.

 

اَلْمَزْمُورُ
ٱلْمِئَةُ وَٱلثَّامِنُ عَشَرَ – رأس الزاوية

19اِفْتَحُوا
لِي أَبْوَابَ ٱلْبِرِّ. أَدْخُلْ فِيهَا وَأَحْمَدِ ٱلرَّبَّ.
20هٰذَا ٱلْبَابُ لِلرَّبِّ. ٱلصِّدِّيقُونَ يَدْخُلُونَ فِيهِ.
21أَحْمَدُكَ لأَنَّكَ ٱسْتَجَبْتَ لِي وَصِرْتَ لِي خَلاصاً.
22ٱلْحَجَرُ ٱلَّذِي رَفَضَهُ ٱلْبَنَّاؤُونَ قَدْ صَارَ رَأْسَ
ٱلزَّاوِيَةِ.

(19)
يستهل رجل الله هذا القسم من المزمور بذكر أبواب البر بصيغة الجمع. ومنها يدخل
الصديقون إلى المقادس لتأدية العبادة للإله الحي خالق السموات والأرض. ولكنه لا
يلبث أن يذكر أن للرب باباً واحداً لدخول الصديقين إلى حضرته، ليعبدوه بالروح
والحق. وهذا الباب بحسب العهد الجديد هو الرب يسوع، بدليل قوله «أَنَا هُوَ
ٱلْبَابُ. إِنْ دَخَلَ بِي أَحَدٌ فَيَخْلُصُ وَيَدْخُلُ وَيَخْرُجُ
وَيَجِدُ مَرْعًى» (الإنجيل بحسب يوحنا 10: 9) ونعلم من إعلانات الرب أن مزايا
الداخل، هي مزايا اختبارية، تمنح لكل من يتحد اتحاداً روحياً حيوياً بالمسيح،
ويتخذه فادياً وشفيعاً. ويسوع له القدرة على جعل مختبره يخلص تماماً، كما هو مكتوب
«فَمِنْ ثَمَّ يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَ أَيْضاً إِلَى ٱلتَّمَامِ
ٱلَّذِينَ يَتَقَدَّمُونَ بِهِ إِلَى ٱللّٰهِ، إِذْ هُوَ حَيٌّ
فِي كُلِّ حِينٍ لِيَشْفَعَ فِيهِمْ» (عبرانيين 7: 25) نلاحظ أن هذه المزايا
مثلثة، والثلاثة رمز الكمال، فهي (أ) خلاص تام «يخلص» (ب) حرية تامة «يدخل ويخرج»
هذا تعبير يطلق على من صار بالنعمة متمتعاً بحرية وحقوق أبناء البيت الذين يدخلون
ويخرجون مرفوقين بالبركة كما هو مكتوب «مُبَارَكاً تَكُونُ فِي دُخُولِكَ
وَمُبَارَكاً تَكُونُ فِي خُرُوجِكَ» (تثنية 28: 6) (ج) شبع «ويجد مرعى» كما هو
مكتوب: في مراع خضر يربضني (مزمور 23: 2).

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ر رعلايا ا

إن
أبناء العالم لا يعرفون الخلاص، لأن الخلاص من امتياز الذين تجاوبوا مع النعمة
المخلصة، فصاروا شركاء الطبيعة الإلهية، هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة
(بطرس الثانية 1: 4) ولا يعرفون الحرية، لأن الحرية من امتياز الذين ثبتوا في كلام
المسيح، فعرفوا الحق، والحق حررهم من عبودية الخطية (الإنجيل بحسب يوحنا 8: 31)
بمعنى أن الحق في المسيح يهدف إلى تحرير الناس من إثم الخطية الذي جعل الناس تحت
قصاص من الله. ولكن التقديس بروح المسيح، يخلصنا من أجرة الخطية التي تصدنا عن
البر.

وليس
هذا فقط بل إن معرفة هذا الحق والإيمان به تحررنا أيضاً من الآراء المنحرفة، التي
لا شيء يستعبد النفس أكثر منها. وفوق هذا، تحررنا من سلطان الشهوة، وترد النفس إلى
طاعة خالقها.

يقول
كثيرون إنهم ليسوا في حاجة إلى عمل المسيح، لكي يتمتعوا بالحرية، وخصوصاً حرية
التفكير. ولكن الثابت بالاختبار أن الذين ثبتوا في المسيح وفي كلام المسيح، هم
الوحيدون الذين يتمتعون حقاً بحرية التفكير.

(20
و21) كان الحجاب في الهيكل يقف حاجزاً أمام العابدين، فلا يستطيع أحد أن يدخل قدس
الأقداس ما عدا رئيس الكهنة، وذلك في يوم الكفارة العظيم. وهذا يعني رمزياً أن
الله، كان بعيداً ومحتجباً. لكن حين قدم يسوع نفسه ذبيحة إثم عن البشر، انشق حجاب
الهيكل إلى اثنين من فوق إلى أسفل (الإنجيل بحسب متى 27: 51) وهكذا تمت نبوة
المرنم، ففتح باب البر، وظهرت محبة الله المستترة. والدخول إلى حضرة الله الذي كان
ممنوعاً على الناس من قبل، صار متاحاً للجميع. وقد أشار الرسول بولس إلى هذه
الحقيقة بقوله «لأن به لنا كلينا قدوماً في روح واحد إلى الآب» وهذا يدعو إلى
الحمد والتسبيح، لأن الله نفسه متحداً في المسيح صار خلاصاً. كما هو مكتوب «إن
الله كان في المسيح مصالحاً العالم لنفسه، غير حاسب لهم خطاياهم».

(22)
في ختام مثل الكرام اتخذ المسيح صورة الحجر المرفوض، ليصف بها نفسه (الإنجيل بحسب
متى 21: 42) ونرى فيه صورتين: الأولى صورة الحجر الذي رفضه البناؤون، والذي صار
أهم حجر في البناء كله. والواقع أن في شخص المسيح تتحقق كل الآمال، التي توقعها
أتقياء الله في كل جيل وعصر. ولئن كانت الأمة اليهودية قد رفضته، فإن الفادي الرب
قد صار للعالم كله «حكمة وبراً وفداء». في جيلنا قد يرفض الناس أيضاً المسيح
ويكرهونه، ويحاولون إبعاده عن محور حياتهم. ولكنهم في النهاية، يجدون هذا الذي
رفضوه أهم شخصية في العالم.

لقد
حاول الأمبراطور الروماني جوليان، أن يمحق المسيحية ويلاشيها وأن يعزز عبادة
الآلهة الوثنية في الأمبراطورية، لكنه فشل تماماً. وأخيراً اعترف بأنه لم يستطع أن
يهزم المسيح، بل المسيح هزمه.

الصورة
الثانية هي صورة الحجر، الذي يترضض من يسقط عليه، ومن سقط عليه الحجر يسحقه. وفي
العهد القديم صورتان لهذا الحجر: الأولى في إشعياء، حيث يقول: قدسوا رب الجنود فهو
خوفكم ورهبتكم. ويكون مقدساً وحجر صدمة وصخرة عثرة لبني إسرائيل وفخاً وشركاً
لسكان أورشليم. فيعثر بها كثيرون، ويسقطون وينكسرون ويعلقون (إشعياء 8: 13-15)
الثانية «هَئَنَذَا أُؤَسِّسُ فِي صِهْيَوْنَ حَجَرَ ٱمْتِحَانٍ، حَجَرَ
زَاوِيَةٍ كَرِيماً، أَسَاساً مُؤَسَّساً» (إشعياء 28: 16) والفكرة الكامنة وراء
هذه العبارات أن العهد القديم يذكر لنا أن هذه الصورة عن الحجر، كلها ستتحقق في
شخص المسيح. فهو حجر الزاوية، الذي عليه يُبنى كل البناء. والذي يربط كل الأجزاء
معا. ومن يرفضه يصدم بناموس الله، كما حصل لشعب اليهود. ومن يتحداه يسحق تماماً.
قد تكون هذه الصور بعيدة على أفهام الناس، لكنها شيء مألوف لكل من درس الأنبياء.

 

اَلْمَزْمُورُ
ٱلْمِئَةُ وَٱلثَّامِنُ عَشَرَ – يوم الرب

23مِنْ
قِبَلِ ٱلرَّبِّ كَانَ هٰذَا وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا.

24هٰذَا
هُوَ ٱلْيَوْمُ ٱلَّذِي صَنَعَهُ ٱلرَّبُّ. نَبْتَهِجُ
وَنَفْرَحُ فِيهِ. 25آهِ يَا رَبُّ خَلِّصْ! آهِ يَا رَبُّ أَنْقِذْ! 26مُبَارَكٌ
ٱلآتِي بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ. بَارَكْنَاكُمْ مِنْ بَيْتِ
ٱلرَّبِّ. 27ٱلرَّبُّ هُوَ ٱللّٰهُ وَقَدْ أَنَارَ لَنَا.
أَوْثِقُوا ٱلذَّبِيحَةَ بِرُبُطٍ إِلَى قُرُونِ ٱلْمَذْبَحِ.
28إِلٰهِي أَنْتَ فَأَحْمَدُكَ. إِلٰهِي فَأَرْفَعُكَ.
29ٱحْمَدُوا ٱلرَّبَّ لأَنَّهُ صَالِحٌ، لأَنَّ إِلَى ٱلأَبَدِ
رَحْمَتَهُ.

(23)
يجمع المفسرون على أن هذه الآية نبوة عن ربنا ومخلصنا يسوع. فقد كانت الأمة
اليهودية تنتظر المسيا الملك، بالاستناد على ما أوحى للأنبياء عن القضيب الذي يخرج
من جذع يسى، ويحل عليه روح الرب، روح الحكمة والفهم، روح المشورة والقوة، روح
المعرفة ومخافة الرب (إشعياء 11: 1 و2) وقد انتظروا أن يبني خيمة داود الساقطة
(أعمال 15: 16) ويجلس على كرسي داود أبيه (إشعياء 9: 7) وقد انتظرت الأمة
المستعبدة، أن يأتي المسيا ملكاً قوياً، يعبئ طاقات الشعب القتالية ويسحق دولة
الرومان. من أجل ذلك يجب أن لا نندهش، أن رؤساء اليهود لم يرحبوا بيسوع، حين جاء
على عكس انتظاراتهم، وديعاً متواضعاً ينادي بالسلام. لذلك رفضوه واحتقروه. ولعل
أكثر ما أثار اشمئزازهم هو كونه نشأ في عائلة فقيرة بائسة، لا جاه عالمي لها ولا
اعتبار لدى الشعب. لهذا قالت النبوة «من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا».

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ج جيج ج

والواقع
أن البيئة التي ولد فيها المسيح قد أحاطته بمظاهر الضعة، بحيث نندهش أن يكون
أساساً لكنيسة العهد الجديد المجيدة. هذا هو حجر الصدمة الذي صار عثرة في صهيون،
وقد عثر به اليهود، لأنهم لم يطيعوا الكلمة الإلهية الخاصة بالمسيا (بطرس الأول 2:
8).

ولكن
الله الذي قال «أفكاري ليست أفكاركم ولا طرقكم طرقي» لحكمة لم يدركها البشر،
استحسن أن يكون الأمر هكذا عجيباً في أعين الناس!!! أو ليست حوادث الفداء كلها على
غاية العجب؟! وهل أعجب من هذا أن يتجسد الرب ويصير فادياً؟! في الحقيقة أنه لأمر
يدهش الألباب، أن يصير الرب إنساناً، ويعيش في ضعة وفاقة متناهية، حتى أنه حين قال
أحدهم: أتبعك أينما تمضي، أجابه «للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار أما ابن
الإنسان فليس له أين يسند رأسه». وهل أدل على الدهشة من هذا، أن تُرفض رسالته
ويقتله الذين جاء لكي يخلصهم؟! وهل من حدث أعجب من هذا، أن يقوم من بين الأموات،
بعد أن ثوى في بطن الأرض ثلاثة أيام؟! هذه آية الآيات فعلاً، إنها عجيبة الدهر
الفريدة في بابها، لأنه اتبعت بصعوده إلى مجده الأسنى في السماء «وجلوسه في عرش
الله». هذه الأمور كلها عجيبة عند الناس ولكنها ليست بعجيبة في عيني الرب، «لأن
غير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله».

(24)
هذه الآية تشير إلى يوم دخول الرب يسوع مدينة القدس في موكب كملك الوداعة والسلام،
راكباً على جحش. فتمت النبوة القائلة في زكريا: «اِبْتَهِجِي جِدّاً يَا
ٱبْنَةَ صِهْيَوْنَ، ٱهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا
مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ، وَرَاكِبٌ عَلَى
حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ٱبْنِ أَتَانٍ» (زكريا 9: 9).

لقد
اندهش تلاميذه في ذلك اليوم، لأن سيدهم الذي رفض إلى الآن أمجاد الملك. وقاوم كل
محاولات الجماهير الشعبية لتنصيبه ملكاً، قبل أخيراً ولاء تلك الجماهير، ودخل
العاصمة المقدسة في موكب له طابع رسمي، كالوارث عرش داود حسب الوعد.

(25
و26) لم تدم دهشة التلاميذ طويلاً، بل سرعان ما اندمجوا في وحي الساعة مع الجماهر
الهاتفة. ويخبرنا لوقا الإنجيلي أنه حين بلغ الموكب منحدر جبل الزيتون،
«ٱبْتَدَأَ كُلُّ جُمْهُورِ ٱلتَّلامِيذِ يَفْرَحُونَ وَيُسَبِّحُونَ
ٱللّٰهَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ، لأَجْلِ جَمِيعِ ٱلْقُّوَاتِ
ٱلَّتِي نَظَرُوا، قَائِلِينَ: مُبَارَكٌ ٱلْمَلِكُ ٱلآتِي
بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ! سَلامٌ فِي ٱلسَّمَاءِ وَمَجْدٌ فِي
ٱلأَعَالِي» (الإنجيل بحسب لوقا 19: 37 و38).

ثم
التقت تسابيحهم بهتافات المستقبلين، الذين خرجوا من المدينة في موكب كبير، حاملين
سعف النخل. وإنه لمن المدهش جداً، أن الهتاف لم يأت عفوياً، بل ترديداً لصوت
النبوة القائلة في هذا المزمور «هذا هو اليوم الذي صنعه الرب» وفي المدينة كان
الاستقبال فخماً جداً، حتى أنه قيل: ولما دخل أورشليم ارتجت المدينة قائلة من هذا؟
فقالت الجموع يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل (الإنجيل بحسب متى 21: 10 و11).

(27)
ومع أن جمهور المستقبلين هتفوا لملك المحبة قائلين «الرب هو الله وقد أنار لنا»،
لم يلبثوا أن تنكروا له لأن الملك جاء وديعاً متواضعاً ورئيس سلام، بينما أورشليم،
أرادت ملكاً متشامخاً ورئيس جيش محارب. وتلك الجماهير الجاهلة المتقلبة، التي صرخت
في استقباله: أوصنا لابن داود، لم تلبث أن صرخت إلى بيلاطس «اصلبه اصلبه» فتمت
النبوة القائلة «أوثقوا الذبيحة إلى قرون المذبح».

آه
ليت الرب يبعد عنا هذا الروح المتقلب، حتى إذا هتفنا مع المعيدين: أوصنا يكون
الهتاف نابعاً من قلوب ثابتة في الرب، وفي محبة الرب، وفي كلمة الرب. فلا تعود
تصرفاتنا ضد وصايا المسيح، تصرخ «اصلبه اصلبه»!.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي