الْمَزْمُورُ
الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ

 

مزمور الراعى

أو مزمور
الباراقليط

تسبحة ثقة

يعتبر هذا المزمور من أعذب ما ورد فى سفر المزامير، بكونه تسبحة ثقة،
فالسمة الغالبة عليه هى اليقين والثقة فى الله حيث يرتمى المرتل على صدر الله كطفل
وقت السلم والسكون. فى هذا المزمور يختفى بوق الحرب لتظهر قيثارة السلام التى لا
تعود تصدر لحنا حزينا بل سيمفونية حب مفرحة تتغنى بالله كراع صالح قائد حكيم وصديق
شخصى للنفس البشرية.

وجد آباء الكنيسة الأوائل بهجتهم وسرورهم وتهليلهم فيه، إذ رأوا فيه
رعاية الراعى الصالح وعنايته بقطيعه. حسنا اختاره القديس أغسطينوس كتسبحة للشهداء.

يعتقد
كثيرون أن هذا المزمور هو أحد المزامير الأولى التى نظمها داود النبى، وتشكل عادات
حياته الأولى كراع للغنم لتصورات الجزء الأول من المزمور. يعتبر داود بحق هو أنسب
شخصية تكتب مزمورا تقويا رعويا كهذا.

يقول
الأسقف وايزر إن المؤلف اختبر خلال الخدمة الإلهية بركات الشركة مع الله. إذ كان
يسترجع حياته الماضية فيراها وقد عبرت تحت رعاية الله اليقظة الساهرة وسط كل أنواع
الضيقات. هذه الرعاية الإلهية أو قيادة الراعى تحتضن كل عضو من شعب الله بل وكل
الشعب كجماعة. ويمكن لهذه الخدمة الإلهية أن تصير تسبحة حمد لله، حيث قاد الراعى
(مز 80 : 1) الشعب المتمتع بالعهد وعبر به خلال تاريخ الخلاص، خاصة فى نصرة الخروج
التى انتهت بما ناله الشعب من سلام فى أرض الرب أو أرض الموعد (إش 40 : 11 ؛ 63 :
14 ؛ حز 34، مز 95 : 7 ؛ 100 : 3).

 

مزمور ملوكى ليتورجى

هذا
المزمور يصف طقس تتويج الملك، يتضمن موكبا يبدأ من الهيكل ويستمر إلى الينبوع،
وربما يشمل الطواف حول المدينة المقدسة. ربما يستخدم هذا المزمور فى تجليس الملك
(من نسل داود) الملك الراعى المحب لشعبه، غير المتسلط.

ثانيا،
لكى يتأكد الشعب عند تجليس الملك أن الراعى الحقيقى ليس الملك ولا القيادات
المدنية أو الكنسية إنما الله نفسه الذى يرعى الكل ويهتم بالنفس والجسد معا.

 

ارتباطه بالمزمور
السابق

فى المزمور السابق نرى صورة رائعة للراعى المتألم، وهنا نجد صورة
مبهجة للقطيع المملوء فرحا وشبعا.

فى المزمور السابق نرى الراعى وقد علق على الشجرة لكى يحمل أتعاب
شعبه، ويعبر بهم خلال صليبه إلى الأمجاد… هنا يتقدم الراعى قطيعه ليدخل بهم فى
استحقاقات دمه إلى مراع خضراء، هى فردوسه المشبع للروح، يدخل بهم إلى جداول مياة
منسابة وسط المراعى، هى جداول روحه القدوس المروى للأعماق الداخلية.

ما
كان يمكننا أن نتمتع بهذا المزمور " جوهرة
المزامير "
ما لم نتقبل عمل المسيح الخلاصى وندخل إلى المزمور
السابق بكونه " قدس الأقداس ". ما كنا نختبر عذوبة رعاية المسيح ما لم
نتعرف على دمه المهراق لأجلنا.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ت تَبَلَّجَ َ

إنه
مزمور سرائرى، جعله المسيحيون الأوائل من صلب ليتورجيا العماد، ففى ليلة عيد
القيامة (الفصح المسيحى) كان المعمدون حديثا غالبا ما يترنمون به بعد نوالهم سرى
العماد والميرون، وقد لبسوا الثياب البيضاء وحملوا المشاعل، مسرعين تجاه مذبح الرب
بالفرح يشتركون فى المائدة السماوية.

ومازالت
كنيستنا القبطية تترنم بهذا المزمور يوميا أثناء تسبحة الساعة الثالثة، تذكارا
لحلول الروح القدس على التلاميذ فى تلك الساعة، هذا الروح الذى لا يزال عاملا فى
الكنيسة، خاصة فى الأسرار الإلهية المقدسة.

 

الخطوط
العريضة للمزمور

يبرز
هذا المزمور الله المخلص من جوانب ثلاثة : المخلص كراع صالح، المخلص كقائد يدخل
بنا فى سبل البر، المخلص كصديق يستقبلنا فى بيته المقدس كل أيام حياتنا.

 

" الرب راعى فلا يعوزنى شىء " [1]

عندما
يدعو الكتاب المقدس الله " ربنا " و " ملكنا " و "
الخالق " الخ…. فإننا عادة نشعر بقدرته وقوته ومجده فى خوف ورعدة، لكن
بتسميته " الراعى " نتذوق بالحرى حلاوته ورقته وتعزيته لنا وعنايته بنا –
وبنفس الشىء تقريبا عندما ندعوه " أبانا ".

إننى
بلا شك لا أعتاز شيئا البتة، إذ هو بنفسه يصير طعامى وشرابى وملبسى وحمايتى وسلامى
وكل عونى لحياة كلها بهجة. حضوره الواهب النعم فى قلبى يهبنى شبعا وكفاية.

 

والآن ماذا يقدم لنا
الراعى ؟

1 – " فى مراع خضر يربضنى " :

إنه
يقود الموعوظين إلى تلك المراعى التى فيها يتهيأون لنوال المعمودية، وإذ ينالون
روح التبنى تبقى نفوسهم تغتذى يوميا من مرعى كلمة الله الذى لا يجف. هذا المرعى هو
إنجيل خلاصنا الذى يردنا إلى الفردوس الحق. يرعى الحمل هناك، وهو حيوان مجتر (يأكل
كثيرا ثم يجتر ما أكله ليعيد مضغه من جديد).

+ المراعى
الخضراء هى الفردوس الذى سقطنا منه، فقادنا إليه السيد المسيح، وأقامنا فيه بمياة
الراحة، أى المعمودية.

 

2 – " إلى مياة الراحة يوردنى " [2]

إذ
ينال القطيع قسطا وافرا من الطعام يقتاده الراعى إلى مجرى مائى أو إلى ينبوع يفيض
مياها عذبة متجددة ليشرب الكل ويرتووا منها، ويتقوى كيانهم وينتعشوا.

لا
يستطيع القطيع أن يذهب إلى ينابيع المياة من تلقاء نفسه إنما يحتاج إلى قيادة
الراعى حيث يورد قطيعه أو يهديه إلى ما يناسبه.

المعمودية
بلا شك هى مياة الراحة، التى ترفع ثقل أحمال الخطية.

 

3 – " يهدينى إلى سبل البر " [3]

هل تبحث عن  الكتاب المقدس أخبار سارة عربية مشتركة عهد قديم سفر يشوع 24

فى
الأنتقال من مرعى إلى مرعى يقودنى عابرا بى فوق البرية القاحلة الجرداء.

إنه
يجنبنى الشقوق حتى لا تزل رجلى وينكسر ساقى، أو يقودنى بعيدا عن المناطق المملوءة
أشواكا حتى لا يمسك بالصوف فأرتمى بين الأشواك. حقا إنه يهدينى إلى السبل السليمة
عن الحفر والفخاخ. وهو يفعل هذا من أجل أسمه بكوننا نحن جسده.

ما هى سبل البر هذه إلا بر المسيح. فإنه يقودنى إلى ذاته، بكونه
" الطريق ". يجتذبنى إليه بحبال محبته الإلهية. ويهبنى شركة طبيعته :
القداسة والنقاوة والحب والأتضاع ألخ….

 

4 – " وأيضا إذا سرت فى وادى ظل الموت،

لا أخاف شرا،

لأنك أنت معى " [3]

إذ
ندخل مع المسيح فى موته بغير خوف إذ هو معنا….، ونبقى دوما نختبر الموت مع
المسيح بفرح إن مارسنا سر التوبة والأعتراف بمفهومه الحق، أى بتسليم النفس بين يدى
الروح القدس الذى يبكتنا ويتوبنا ويردنا إلى سبل البر لأجل إسمه.

ما
هو معنى ظل الموت ؟

أ –
بما أن الموت هو أسوأ الشرور فى نظر الناس، فإن ظله يشير إلى زمان الحزن العظيم
والظلمة والتجارب، أو قد يعنى ظل الموت المعناة من الآلام.

يدعى
الوادى " ظل الموت " وليس " موتا " إذ بطل سلطان الموت.

ب –
حديث المرتل يشير إلى نوع من التحالف بين المؤمن والموت نفسه، فهو لا يهابه بل
يتحالف معه أو يدخل معه فى عهد كى يعبر خلاله إلى الحياة الأبدية، يحسبه طريقا
للتمتع بالحياة الأخرى.

ج –
يشير ظل الموت إلى شركتنا فى موت المسيح، إذ نقبله بفرح لنوالنا قوة قيامته
ومجدها. بقوله : " إذا سرت " يقصد سلوك المؤمن أو مسار حياته كزمن قصير.
فالسيد المسيح الراعى الصالح سار بنفسه فى ظل الموت فى أيام تجسده، ودخل القبر
ذاته حتى نقبل أن نسلك معه ذات الطريق.

 

5 – " عصاك وعكازك هما يعزياننى "

العصا
هى للقيادة والدفاع أما العكاز فهى للسند.

يرى
القديس أكليمندس الإسكندرى أنها عصا التعليم، عصا القوة التى أرسلها الرب من صهيون
(مز 110 : 2) : [هكذا هى عصا قوة التعليم : مقدسة وملطفة ومخلصة].

إذ يملك الرب على شعبه بالصليب كما بقضيب ملكه – يثق المرتل كل الثقة
فى قيادة الراعى الإلهية، حتى إن قاده فى سبل الجبال الخطرة !

 

6 – " ترتب قدامى مائدة تجاه مضايقى " [5]

ربما
عنى المرتل بأن الله الذى يهتم بنا إذ يرى العدو قائما ضدنا يعد بنفسه لنا المائدة
لكى نأكل فى غير عجلة، دون ارتباك أو اضطراب، ويجلسنا لننعم بالقوت دون أن نخاف
العدو الذى يطرق أبوابنا… إنه يهبنا سلاما وشبعا وسط المعركة الروحية بكوننا
خاصته المحبوبة !

هل تبحث عن  شبهات الكتاب المقدس عهد جديد إنجيل متى سيدعى ناصرياً ج ج

فى حبه لنا يقدم لنا المائدة بنفسه بعدما يغسل أرجلنا مع تلاميذه.

يمنحنا ربنا يسوع المسيح مائدة جسده ودمه المبذولين التى تخزى
الأعداء المقاومين. وكأن وجود عدو الخير لا يزعجنا ولا يحرمنا من التمتع بالوليمة
المقدسة.

 

7 – " مسحت بالدهن رأسى " [5]

المسح
بالدهن يشير إلى وجود علاقة شخصية بين الراعى وقطيعه، كما يكشف عن حالة فرح وشبع.

كان
مسح الضيوف بالزيت علامة تكريم لهم وترحيب بهم، وكأن المرتل يقول لراعيه : "
إنك تعاملنى كضيف نال القبول عند مائدتك التى أعددتها لى "…

الآن، فى سر المسحة (الميرون) يمسح كل مؤمن ككاهن عام ليصير فى ملكية
الله، ويقبل الله ملكا له ونصيبه الخاص. خلال هذه المسحة يتقبل من يدى الله روح
الفرحة والبهجة بعمل الروح القدس فيه، بإعلان إنجيل المسيح كأخبار سارة عاملة فى
حياته كل يوم، وكتجديد مستمر وتقديس دائم للإنسان الداخلى وكل أعضاء الجسم لحساب
ملكوت الله.

 

8 – " كأس سكرك، ما أمجدها ؟! " [5]

الإنسان
الذى يتقبل مع كل صباح مراحم الله وخيراته الجديدة يفيض شكرا وتسبيحا حتى وإن كان
لا يملك إلا لقمة يابسة، أما من لا يتلمس هذه البركات فإنه وإن اقتنى العالم كله
بين يديه تكون كأسه مشققة لا تضبط ماء.

تسكرنا كأس
الرب، إذ تنسينا فكرنا (فى الزمنيات)، وتقود النفس إلى الحكمة الروحية.. إنها تحرر
النفس، وتنزع عنها الغم !… إنها تهب راحة للنفس، إذ تقدم لها فرح الصلاح الإلهى
عوض كآبة القلب القاتم بسبب ثقل أحمال الخطية.

 

9 –
أخيرا، فإننا ننعم بهذه البركات الإلهية والأسرار المقدسة فى بيت الرب، حيث يترنم
المرتل، قائلا : " مسكنى فى بيت الرب مدى الأيام
"
[6].

هل
يحيا الحمل فى بيت الراعى ؟ نعم. حينما وبخ ناثان داود على خطيته قدم له مثلا خاصا
بالفقير الذى لم يكن لديه سوى نعجة واحدة صغيرة اشتراها ورباها وكبرت معه ومع بنيه
جميعا. كانت تأكل من لقمته، وتشرب من كأسه، وتنام فى حضنه، وكانت له كإبنة (2 صم 12
: 1 – 3). هكذا إقتنانا الراعى وقبلنا كإبنته الوحيدة، وأعد لنا فى بيته موضعا،
حتى نتبعه أينما ذهب.

يعلن المرتل أنه يسكن فى بيت الراعى، الكنيسة، أيقونة ملكوته السماوى
الأبدى وعربونه. يجد المؤمن بهجته أن يتعبد ويخدم ويسكن مع ربه المحبوب فى الكنيسة
وكأنما معه فى

سمواته أبديا. غاية رعايته لنا أن نستقر معه فى
مقدسه الإلهى!

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي