الْمَزْمُورُ
التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ

 

عاصفة رعدية أو صوت الرب

يسيطر
على هذا المزمور الشعور بسيادة الرب وسلطانه، فيفتتح بمشهد سماوى، حيث تقدم
الكائنات العلوية المجد منسجما مع صوت الرعد العنيف الصادر عن الكائنات الطبيعية.

المناسبة

جاء
فى الترجمة السبعينية أن هذا المزمور ينشد بمناسبة عيد المظال القدسى، ذلك العيد
الذى كانوا يبتهجون فيه بنهاية الحصاد (خاصة العنب والزيتون)، كما يصلى به لكى
يرسل الرب مطرا ليكسر أثر فصل الجفاف (زك 14 : 16 – 18). ويربط التلمود مزمور 29
بعيد الخمسين أو عيد الأسابيع.

 

صوت الرب الفعال

فى
هذا المزمور نجد " صوت الرب " يتكرر
سبع مرات، أشبه بسبع موجات متعاقبة من الرعود، مصورا قوة الكلمة وفاعليتها فى حياة
بنى البشر. صوت الرب هو الكلمة المتجسد الذى نزل إلى العالم ليقيم من تلاميذه
أبناء الرعد أداة فعالة للتمتع بالحياة الإنجيلية الجديدة، حيث تتزلزل طبيعتهم
القديمة وتنهار وتقوم الطبيعة الجديدة الحاملة صورة المسيح الكلمة، تنعم بالبركة
والعز والمجد.

" الله فى العاصفة "، لا فى
الطبيعة فقط وإنما فى عاصفة النفس الداخلية أيضا، إنه فى أعماقنا يعلن عن ذاته
خلال العواصف التى تحتاج طبيعتنا الداخلية. كلمة الله جاء ليدخل النفس ويثير فيها
ثورة داخلية ضد الشر ليحطم فينا الإنسان العتيق ويهبنا الإنسان الجديد.

 

1
دعوة إلى العبادة

" قدموا للرب أبناء الكباش،

قدموا للرب مجدا وكرامة،

قدموا للرب مجدا لأسمه.

اسجدوا للرب فى دار قدسه " [1، 2]

فسر
داود النبى كل قصفة رعد كدعوة موجهة غليه كما إلى الآخرين أن يقدموا مجدا وكرامة
لله.

يقدم
أولاد الله مجدا وكرامة لله، ما هو هذا المجد إلا التمتع بجمال الله الفريد الذى
هو قداسته، وإعلان نصرتنا على الخطية بقوة نعمته. فإن كان الله كلى القداسة، فإننا
لا نقدر أن نمجده إلا بالحياة المقدسة وشركة الطبيعة الإلهية وخبرة عمل نعمته
الفائقة.

+
" قدموا للرب أبناء الله، قدموا للرب تقدمة كباش " أى (تقدمة) الرسل و
(تقدمة) المؤمنين. لنقتد بمخلصنا الذى دعى هو نفسه بالراعى والحمل والكبش، الذى
ذبح لأجلنا فى مصر (خر 12 : 6)، وأمسك بقرنيه فى العليقة (تك 22 : 13) فدية عن
إسحق.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد جديد سفر أعمال الرسل عبد المسيح 17

ماذا
يعنى بقوله : " قدموا للرب أبناء الكباش " ؟

هذه العبارة أيضا لا يمكن تفسيرها حرفيا إنما تحمل نبوة عن الإيمان
المسيحى، فإننا إذ ولدنا من آباء كانوا يعبدون الأصنام، أصنام الكباش والحيوانات
الأخرى، صرنا بالإيمان – نحن أبناء الكباش – أبناء لله، إذ تركنا عبادة الكباش
وآمنا بالله الحقيقى الحى.

نحن
أبناء الأمم صرنا أبناء لله، كقول المرتل : "
عوض آبائك صار بنوك "
مز 45 : 16.

يرى
القديس باسيليوس أن الكبش هو الذى يتقدم القطيع ويرشده للمراعى والمياة والحظائر،
فهؤلاء يرمزون إلى الرؤساء، المتقدمين على رعية السيد المسيح، لأنه بتعاليمهم
يرشدون الخراف الناطقة إلى المراعى والمساقى الروحية،

وإنهم
مستعدون لنطاح الأعداء بقرنى العهدين القديم والجديد، ليجتذبونهم بكلمة الله إلى
الحياة الصالحة التقوية.

 

2 – العاصفة وصلاح الله

إن
كانت العاصفة تشير إلى نبوات العهد القديم، فإن صوت الرب يسمع خلال نبواتهم. وقد
تكررت عبارة " صوت الرب " هنا سبع مرات.

أ – " صوت الرب على المياة،

إله المجد أرعد،

الرب على المياة الكثيرة " [3].

يعلق
أحد الآباء على هذه الكلمات بقوله : [أى صوت هذا ؟
إنه : " هذا هو ابنى الحبيب الذى به سررت]. فعلى مياة المعمودية نسمع صوت
الله القدير الذى يعلن بنوتنا له. لهذا يستخدم هذا المزمور فى طقس قداس المعمودية
عندما يحرك الكاهن الماء بالصليب بعد سكب الميرون فى جرن المعمودية.

يرى
القديس أغسطينوس أن هذه المياة هى الأمم التى قبلت " صوت الرب "

المياة
الكثيرة
:
تشير أيضا إلى الآلام والضيقات التى تحل بالمؤمن حتى تكاد أن تبتلعه، إذ يقول
المرتل : " انقذنى ونجنى من المياة الكثيرة
ومن أيدى بنى الغرباء "
مز 144 : 7.

المياة
الكثيرة
: أيضا
تشير إلى طاقاتنا وإمكانياتنا من عواطف واحاسيس ومشاعر ودوافع وقدرات ومواهب…
هذه التى أفسدناها فصارت كمياة بحار مالحة تكتنف نفوسنا وتغرقها، وإن تقدمت بكلمة
الله تصير ماء نهر عذب يفرح مدينة الله التى هى قلوبنا. يقول يونان النبى : " لأنك طرحتنى فى قلب البحار، فأحاط بى نهر "
يون 2 : 3.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس س سرجون الثاني ي

يرى كثير من الآباء أن صوت الرب الذى أرعد على المياة الكثيرة إنما
يشيرإلى حدث عماد السيد المسيح، الذى فيه شهد الآب عن الإبن المتجسد أنه محبوب
لديه، موضع سروره، لكى نسمع جميعنا باتحادنا فيه صوت الآب الذى يفتح أحضانه
ليستقبلنا كأبناء له.

 

ب – " صوت الرب بقوة،

صوت الرب بجلال عظيم " [4]

إذ
جاء الكلمة الإلهى أعلن بالضعف ما هو أعظم من القوة، فقد ارتفع بالجسد على الصليب،
حاملا عارنا، لنحمل نحن قوته وجلاله عاملين فى حياتنا.

 

ج – " صوت الرب يحطم الأرز،

الرب يكسر أرز لبنان

ويسحقهم مثل عجل لبنان

والحبيب مثل ابن ذوى القرن الواحد " [5، 6]

صوت
الرب فى الرعد، غالبا ما يكسر شجر الأرز، حتى أرز لبنان أقوى أنواعه وأكثره صلابة.
رياح العاصفة الشديدة تقتلعه أحيانا بجذوره وتحطم قممه العالية المتشامخة، فتنبطح
أرضا.

تمثل هذه الأشجار النفوس المتشامخة المعتدة بذاتها، فقد جاء صوت الرب
أو كلمة الله المتجسد ليدخل بهذه النفوس إلى حياة الأتضاع خلال حزن التوبة.

 

د – " صوت الرب يقطع لهيب النار " [7]

صوت
الرب يشعل بروحه القدوس نار الحب الإلهى، إذ يقول : "
جئت لألقى نارا على الأرض، فماذا أريد لو أضطرمت ؟ "
لو 12 : 49.

هذه
النيران تبتلع نيران الشهوة التى فينا وتقطعها.

 

ه – " صوت الرب يزلزل القفر،

صوت الرب يزلزل برية قادش " [8]

الآن
تزحف العاصفة فى طريقها إلى القفر، برية الصحراء العربية حيث تتزلزل البرية كلها.
رأى إشعياء النبى العالم برية تمتعت بالعصر المسيانى كعصر مياة حية فصارت جنة
مثمرة، إذ يقول : " فتصير البرية بستانا…
فيسكن فى البرية الحق والعدل فى البستان يقيم… ويسكن شعبى فى مسكن السلام وفى
مساكن مطمئنة وفى محلات أمينة "
إش 32 : 15 – 17.

هل تبحث عن  هوت روحى كلمة منفعة 20

 

و – " صوت الرب يرتب الأيائل ويكشف الغياض "
[9].

جاء
كلمة الله لكى يرتب نفسياتنا المضطربة ويرد لنا سلامنا الداخلى، الأيائل بطبعها
قطيع مشتت لا يستقر على حال، معروف برعونته وعدم رؤيته…

بمجىء
الكلمة المتجسد انكشفت لنا أسرار الكتب الإلهية وخفاياها، هذه التى كانت مخبأة فى
الظلال.

 

3 – الرب الملك الأبدى

" وفى هيكله المقدس كل واحد ينطق بالمجد

الرب يسكن فى الطوفان

الرب يجلس ملكا إلى الأبد " [10]

الآن
قد حل كلمة الله المتجسد فى برية هذا العالم ليقيم من أبناء الكباش أبناء لله،
محولا المياة الصالحة الكثيرة إلى نهر عذب، أى جماعة الأمم الوثنية إلى كنيسة الله
المقدسة، محطما تشامخ الإنسان (الأرز)، قاطعا لهيب نار الشهوات الزمنية، مزلزلا
البرية القاحلة ليعطينا روح الأتضاع بنار روحه القدوس فنتحول من قفر البرية إلى
فردوس مثمر [8]، يرتب أيائلنا الهائجة وكاشفا أعماقنا المضطربة ليهبنا سلامه
ويعطينا فهم أسرارة الإلهية [9]… يحول حياتنا إلى هيكله المقدس الذى ينطق
بأمجاده الفائقة : " وفى هيكله المقدس كل واحد ينطق بالمجد ". ما هو هذا الهيكل إلا كنيسة المسيح المقدسة التى تجمعت من كل
الأمم المملوءة عارا لتصير فى المجد ؟! هناك يملك الرب على نفوس مؤمنيه،

" يسكن فى الطوفان "، أى يسكن فى مياة المعمودية، ليحل فى قلوب من
ينالوا العماد بكونهم هيكل الله المقدس.

 

4 –
نعم الله على كنيسته

" الرب يعطى شعبه قوة،

الرب يبارك شعبه بالسلام " [11]

لأنه
يليق بالرب أن يمنح شعبه الشجاعة فى صراعهم ضد عواصف هذه الحياة وبراكينها. إنه لم
يعدهم بالهدوء فى هذا العالم السفلى !

الرب
يمنح شعبه السلام " سلامى أنا أعطيكم، سلامى
أنا أترك لكم "
(يو 14 : 27).

 

ختام هذا المزمور يؤكد لنا أن العاصفة لا بد أن تعبر ليتمجد الله
الملك الذى يؤكد حبه لكنيسته وقت الضيقة، واهبا إياها قوة وبركة وسلاما، إن سلمت
حياتها بين يديه واستعانت بصوت الرب ومواعيده كسند وخلاص لها.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي