الْمَزْمُورُ
الثَّامِنُ وَالأَرْبَعُونَ

 

مدينة الملك العظيم

مزمور
صهيون (الكنيسة)

أحد
مزامير صهيون أو مزامير الكنيسة، كان يسبح به لتمجيد الله العظيم ومدينته المملوءة
مجدا فى موكب جماعى.

وهو
لا يفصل بين الله وكنيسته بل يقدم لهما صرخة تسبيح واحدة.. لهذا يحسب هذا المزمور
تسبحة لله الممجد فى كنيسته ! فلا نعجب إن بدأ المزمور بقوله : " عظيم هو الرب " [1]، وينتهى هكذا : " هذا هو إلهنا إلى الأبد وإلى أبد الأبد، وهو يرعانا
إلى الدهر "
[14]، فإن الكنيسة فى جوهرها هى " حياة مع الرب وفيه "، فيها يعلن مجد
الرب العظيم، وتتجلى رعايته الفائقة وتختبر نعمته العجيبة المجانية. جمال الكنيسة
وبهاؤها وقوتها ونموها إنما فى اتحادها مع الله وارتباطها بالسيد المسيح بكونها
جسده.

 

مدينة
الملك العظيم

" عظيم هو الرب،

ومسبح جدا فى مدينة إلهنا على جبله المقدس " [1]

يرى
البعض أن هذا المزمور هو منجم يحوى ألقابا ثمينة للكنيسة، مدينة الله : [مدينة إلهنا، جبله المقدس، جبال صهيون، جوانب الشمال، مدينة
الملك العظيم، مدينة رب القوات الخ…..]
كل لقب يكشف عن جانب من
جوانبها الحية.

 

+ مدينة إلهنا… أى المدينة التى نلتقى فيها مع الله بكونه إلهنا
المنتسب إلينا، نلتقى به خلال علاقات شخصية، بدخولنا معه فى عهد وميثاق.

فالكنيسة هى
التقاء الله مع شعبه الخاص ليوقع بآخر قطرة من دمه الثمين على ميثاق الحب الذى
أعلن بالصليب.

+ جبله المقدس… هى مدينة الله القدوس، لذا ترتفع كالجبل، تشهد أمام
الكل بقداسته خلال ممارستها الحياة المقدسة وشركتها معه. إنها كالجبل الذى لن تهزه
عواصف التجارب !

+ جبال صهيون… (صهيون تعنى حصنا)، إنها الجبال التى نجد فيها حصانة
بالله حصننا وسورنا !

+ جوانب الشمال… يرى البعض أنها إشارة إلى السحاب القادم على
أورشليم من الشمال، فتعطيها خصوبة وثمارا. ويرى آخرون أن الشمال يشير إلى الأعداء
حيث كان الأشوريون على شمالهم، فهى مدينة محاربة من الأعداء على الدوام، لكنها
غالبة ومنتصرة.

+ مدينة الملك العظيم… حيث يتربع فيها ملك الملوك، ليقيم من شعبه
ملوكا وكهنة لله أبيه (رؤ 1 : 6).

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد جديد إنجيل لوقا القمص متى المسكين 18

+ مدينة رب القوات… مرهبة كجيش بأولية (نش 6 : 4، 10) تحت قيادة
الرب نفسه واهب النصرة.

واضح
أن جمال الكنيسة وقداستها ونصرتها يقوم على أنتسابها لله الساكن فيها، والذى يتربع
فى داخلها كملك. لقد نزل السماوى إلى العالم ليقيم كنيسته مجيدة بلا عيب ويؤهلها
للحياة السماوية، لهذا يسبح المرتل لله قائلا : "
عظيم هو الرب، ومسبح جدا فى مدينة إلهنا على جبله المقدس "
[1].

 

" أحسن أصلها بهجة لكل الأرض،

جبال صهيون،

جوانب الشمال،

مدينة الملك العظيم " [2].

إذ
رأى المرتل فى كنيسة العهد الجديد المدينة التى يجتمع فيها الله بشعبه والجبل الذى
ملأ الأرض وقد حمل قداسته وبره يعلن عن بهائها وجمالها، وعن دورها كبهجة كل الأرض.
يرفضها العالم ويرذلها ويهينها ويضطهدها طالبا الخلاص منها، أما هى فكعريسها
بجمالها الروحى تعلن حبها للعالم، تعمل كخادمة باذلة، لكى تجتذب حتى المضايقين إلى
فرح الرب وبهجته. إنها تكرز بالحياة الإنجيلية، بالأخبار السارة التى تحقق خلاصنا
فى استحقاقات الصليب، وتكشف عن الحب الإلهى المسجل بالدم الثمين المبذول، لتدخل
بالكل كأبناء لله الآب، وتهبهم عطية الروح القدس واهب الحياة والقداسة.

إنها
تدخل بالأمم إلى العرش السماوى، إلى الفرح الأبدى كعذارى حكيمات، لكنهن لسن مدللات
ولا متراخيات، وإنما كجبال شامخة، لذا يدعوهن " جبال صهيون ".

 

تظهر الكنيسة كمدينة الله الملك العظيم وقصره، أما المؤمنون فيظهرون
بكونه شرفاته التى من خلالها يظهر الملك بكل أعماله العجيبة، خاصة عهده مع كنيسته،
بل ومع كل عضو فيها، يهتم بها كجماعة مقدسة وكأعضاء، كمدينة واحدة وكشرفات عديدة،
يقصد الكل بكلمته ووعوده، وبعمله الخلاصى على الصليب، ويهتم بمن لا معين لهم…
فهو أب الأيتام وقاضى الأرامل ومنصف المظلومين.

" الله يعرف فى شرفاتها

إذا ما هو نصرها " [3].

 

المدينة
التى لا تقهر

بعد
أن قدم لنا الكنيسة كحياة جماعية تمارس العلاقة الشخصية مع الله إلهها، ثابتة
كالجبل لا تتزعزعها التجارب، مقدسة بسكنى القدوس فيها، ومتسعة لتضم الأمم والشعوب
بروح الفرح والتهليل، تتمتع بسحب الشمال التى تمطر عليها مياة النعمة الإلهية
المجانية، شاهدة لعريسها بواسطة أعضائها كشرفات أو قصور يسكنها الملك العظيم،
يقدمها لنا ككنيسة مضطهدة. هذا الأضطهاد أو الضيق هو سمة أساسية لعروس الملك
المصلوب.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس كتاب الحياة عهد قديم سفر دانيال 04

ما أن
يمارس الإنسان الحياة الكنسية الصادقة الإنجيلية، ويمتلىء قلبه إتساعا للبشر وحبا
لله والناس حتى يهيج العالم ضده. يحارب من الخارج والداخل، يحاربه أحيانا الأحباء
بل وجسده، لهذا يقول المرتل :

" هوذا قد اجتمع ملوكها وأتوا جميعا.

هم أبصروا وهكذا تعجبوا،

اضطربوا وقلقوا.

أخذتهم الرعدة.

هناك أخذهم المخاض كالتى تلد.

بريح عاصفة تحطم سفن ترشيش " [4 – 7].

+ اجتمع ملوك الأرض والرؤساء وجاءوا إلى أورشليم، ولكنهم إذ رأوا قوة
الله التى كانت ضدهم أخذهم العجب واضطربوا، وحلت بهم أوجاع مثل مخاض الوالدة. هذا
أيضا ما حدث مع من حاربوا كنيسة المسيح.

يذكر النبى ترشيش أغنى سواحل البحر، فيقول إنه كما تكسر الريح
العاصفة السفن فى شاطىء البحر، كذلك أنت تحطم الأعداء وتسحقهم، وتطحن قوتهم.
[انثيموس أسقف أورشليم].

يختم
المرتل حديثه عن الكنيسة التى لا تقهر، قائلا :

" كمثل ما سمعنا كذلك رأينا،

" فى مدينة رب القوات،

فى مدينة إلهنا،

الله أسسها إلى الأبد " [8].

لقد
سمع المرتل عبر التاريخ عن أعمال الله العجيبة فى مدينته المقدسة، وخلال خبرته
عاين بنفسه ما قد سبق فسمعه. فإن التاريخ والخبرة هما معلمان عظيمان يقدمان درسا
واحدا هو اهتمام الله الفائق بكنيسته.

+ ما قد سمعناه نراه فى الواقع العملى، أعنى نصرات وغلبة وعناية
الله، وعجائب مذهلة

[القديس بوجنا الذهبى الفم].

 

+ يا لها من كنيسة مطوبة ! فى وقت ما تسمع، وفى وقت آخر ترى.

لقد سمعت وعودا، وترى تحقيقها..

سمعت نبوات، وترى إنجيلا، لأن كل ما يتحقق الآن سبق فتنبأ عنه..

أين تسمعين، وأين ترين ؟ " فى مدينة رب القوات، فى مدينة إلهنا،
الله أسسها إلى الأبد "

[القديس أغسطينوس]

 

مدينة
عبادة متهللة

إن
كانت الكنيسة كمدينة الله المقدسة محاربة على الدوام، لكنها تبقى المدينة التى لا
تتزعزع ولا تقهر، لذلك فهى تبقى فى شكرها متعبدة له، تسبحه على الدوام بروح الفرح
والتهليل. وكأن الضيق لا يفقدها سلامها، بل بالعكس يدفعها لتمارس الحياة السماوية
الشاكرة المتهللة.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس تشكيل فاندايك وسميث عهد جديد سفر أعمال الرسل 17

" ذكرنا يا الله رحمتك فى وسط شعبك.

نظير اسمك يا الله كذلك تسبحتك،

فى أقطار الأرض يمينك مملوءة عدلا (برا).

فليفرح جبل صهيون ولتتهلل بنات اليهودية

من أجل أحكامك يارب " [9 – 11].

سبق
فقال : " سمعنا… رأينا " الآن يقول : " ذكرنا "… سمع عن
معاملات الله مع كنيسته فى الماضى، ورأى بنفسه أنها معاملات حية ودائمة، لهذا يشهد
أمام الشعب ليؤكد أن السيد المسيح هو هو أمسا واليوم وإلى الأبد.

هو
العامل فى الماضى ويعمل فى الحاضر وسيبقى عاملا إلى الأبد. هذا مفهومنا للتقليد
الحى الذى يتكىء على الماضى ليعلن عن حيويته فى الحاضر ويسلمه للأجيال المقبلة
وديعة إيمان حى وفعال.

هذا
التقليد المتأصل فى الماضى ويعمل فى الحاضر ويبقى عاملا فى المستقبل يبعث فى
الكنيسة روح الفرح والتهليل من أجل أحكام الله، سواء كانت فى وقت الفرج أو الضيق.

 

مدينة
شاهدة لإلهها

إذ
يختبر جبل صهيون أو بنات اليهودية أعمال الله الخلاصية والتمتع بالنصرة، ينطلقون
كما فى موكب لفحص عمل الله معهم. وذلك كما حدث مع نحميا حينما انتهى من بناء السور
إذ جعل فرقتين تدوران حول السور أثناء التدشين بروح الفرح والتهليل يفحصون عمل
الله معهم (نح 12)، وقد قيل : " فرحوا لأن الله
فرحهم فرحا عظيما وفرح الأولاد والنساء أيضا، وسمع فرح أورشليم عن بعد "

نح 12 : 43. إنهما موكبا الشكر لله الصابع بشعبه عجائب !

" طوفوا بصهيون ودوروا حولها،

تحدثوا فى أبراجها

ضعوا قلوبكم فى قوتها

واقتسموا شرفاتها.

لكيما تخبروا بهن فى جيل آخر.

إن هذا هو إلهنا إلى الأبد وإلى أبد الأبد.

وهو يرعانا إلى الدهر " [9 – 14].

يليق
بالذين تمتعوا ببركات الخلاص الذى يسمو بهم كصهيون المرتفعة أن يطوفوا حول الشعب
ويدوروا فى البلاد يحدثون عن هذا العمل الإلهى العجيب.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي