الْمَزْمُورُ
الثَّالِثُ وَالسِّتُّونَ
مضمون
هذا المزمور : الأشتياق والعطش إلى الله
من تأملات قداسة البابا
" يا
الله أنت إلهى، إليك أبكر، عطشت نفسى إليك "
قال
داود هذا المزمور وهو فى البرية، حينما كان هاربا من شاول الملك الذى كان يطارده
ويريد قتله.
فى الواقع
إن المزامير التى قالها داود وهو فى الضيقة، كانت من أجمل مزاميره.
قالها
بنفسية حساسة، وقلبه متصل بالله، وقد رفعه الألم إلى مستوى عميق من المشاعر.
ليس
الألم شيئا رديئا، إن أحسن الإنسان استغلاله. فهو يعصر النفس ويخرج منها روحيات
جميلة.
ونلاحظ
أن داود النبى، كان – إذا أحاطت به المشاكل – لا يتذمر ولا يتضجر، بل يرفع قلبه
إلى الله مصليا، وحالما يتصل قلبه بالله فى الصلاة، ترتفع روحه. فلا تضغطه المشاكل
ولا الضيقات. كان يعالج الضيقة بالصلاة.
وكان
فى صلاته ينسى المشكلة ويتذكر الله.
وحينئذ
كان يستريح من الداخل، بل تتحول طلبته إلى شكر.
" يا
الله أنت إلهى "
بهذا
يظهر إيمانه بالله، ويذكر أن الله هو إلهه الخاص.
يكلمه
لا كإله لكل الناس، ولكل الشعوب والأمم، وإنما باعتباره إلهه الخاص.
" أنت إلهى ". بينى وبينك علاقة خاصة.. كمن يقول للسيد
المسيح " أنت مخلصى "، مع أنه مخلص العالم كله..
والله
نفسه كان يستخدم هذا الأسلوب أحيانا، فيقول "
أنا إله إبراهيم، وإله إسحق، وإله يعقوب " (خر 3 : 6).
وهكذا
أيضا صلى يعقوب وقال " يا إله أبى إبراهيم،
وإله أبى إسحق.. " (تك 32 : 9)
إن
الله يوافق أيضا على هذه العلاقة الخاصة.
" إليك
أبكر "
إيمانك
بالله كإله خاص بك، لا بد أن يكون له تأثير عملى فى حياتك. فالإيمان الأسمى أو
الشكلى أو الظاهرى، لا ينفعك بشىء.
مادام
هو إلهك، ينبغى أن تبكر إليه، لتتحدث معه.
ويكون أول
من تنشىء معه علاقة فى يومك، فالمحبة التى لا يثبتها العمل هى محبة باطلة أو محبة
ناقصة.
لذلك
فأنت فى محبتك لله، تظهر محبتك بتبكيرك للتواجد معه. فأول ساعة من يومك تخصصها له.
وهكذا تعطيه بكور وقتك. وعلى الأقل يكون الله هو أول من تتحدث معه فى يومك.
ويتقدس
يومك إذ يبدأ بالله.
إذ
تعطيه الوقت البكر، الذى لم يرتبط بأى فكر خاطىء، ولا بأى شعور سىء، ولا بأية
علاقة مع إنسان، أو إهتمام بشىء ما.
وإذ
تذكر الله فى بدء يومك، إنما يتقدس فكرك بالصلاة، ويستحى من أنه ينشغل بشىء خاطىء.
وكما كان الله يأخذ البكور من المحاصيل فى العهد القديم، هو الآن يأخذ بكور وقتك
بالصلاة والتأمل وقراءة الكتاب والأفكار الروحية.
عبارة
" إليك أبكر " تدل على اشتياقك إلى الله.
" عطشت
نفسى إليك "
هذا
العطش الذى عبر به داود عن مشاعره، لعله تعبير عما قاله المسيح فى عظته على الجبل
: " طوبى للجياع والعطاش إلى البر، لأنهم
يشبعون " (مت 5 : 6).
ولا
يوجد بر أعظم من الوجود مع الله والتمتع به.
العطش
إلى الله يدل على أن صلاته ليست مجرد طاعة لأمر، أو تغصب لصنع فضيلة. إنما هى
مشاعر اشتياق إلى الله. إنه عطشان إلى ذلك الماء الحى، الذى قال عنه الله فى
توبيخه لليهود " تركونى أنا ينبوع المياة
الحية، لينقروا لأنفسهم أبارا، أبارا مشققة لا تضبط ماء " (أر 2 :
13).
وهو
الماء الحى الذى تحدث عنه الرب مع المرأة السامرية : وأنه " ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية " (يو
4 : 14).
كأن
داود يقول : أنا لا أريد أن أرتوى بماء من عندك، إنما أريد أن أرتوى بك أنت، أنت
مائى، وفيك رى نفسى. أنا أرتوى بك.
" لكى
يزهر لك جسدى "
لأن
الجسد ليس شرا، كما يرى البعض الذين يرون الخير كله فى الروح، فالرسول يقول : " مجدوا الله فى أجسادكم وفى أرواحكم التى هى لله
" (1 كو 6 : 20).
إن
الجسد ليس شرا، فالله قد خلقه، والله لا يخلق شرا. والجسد ليس شرا، وإلا ما كان
السيد المسيح قد أتخذ له جسدا واتحد به.
الجسد
إذن يمكن أن يزهر للرب، حينما يسير مع الروح فى إتجاه واحد، ويخضع للروح التى تخضع
لله.
"
أذكرك على فراشى "
كنت
أذكرك على فراشى، وفى أوقات الأسحار كنت أرتل لك :
كما
أذكرك على فراشى، كذلك أذكرك فى الليل، على فراشى، أى فى كل وقت. إنه بهذا يعطينا
فكرة عن الصلاة الدائمة، وعن الصلاة قبل النوم.
أى
إنك يارب فى بدء يومى، وفى نهايته.
" أنت الأول والآخر، البداية والنهاية " (رؤ 22 : 13).
حينما
تذكر الله على فراشك، يتقدس فراشك.
" أما الملك فيفرح بالله،
ويفتخر كل من يحلف به "
هنا
داود لا ينسى أنه قد مسح ملكا (1 صم 16). وفى الرجاء بتحقيق وعد الله، يرى أنه
سيفرح بالرب. ولا شك أن الرجاء يجلب الفرح، كما قال الرسول " فرحين فى الرجاء " (رو 12 : 12).