الْمَزْمُورُ
الثَّانِي وَالتِّسْعُونَ
تسبيحة لله
+ إن السبت هو اليوم السابع من الأسبوع ومعناه راحة. وقد كان مفروض
على الأسرائيليين أن يمتنعوا فيه عن الأعمال الجسدية ويواظبوا على الأعمال الروحية
وكانوا فى السبوت يزيدون على تقدمة ذبائحهم وصلواتهم وتسابيحهم.
+ تبدل السبت بالأحد كما يقول القديس باسيليوس الكبير : [إن أمورا
كثيرة تسلمناها من التقليد الذى وضعه الرسل بجانب التعاليم المكتوبة من بينها
تقديس اليوم الأول (الأحد) من الأسبوع. فقد إعتاد السيد المسيح أن يلتقى بتلاميذه –
بعد قيامته فى اليوم الأول من الأسبوع (لو 24 : 13 – 49 ويو 20 : 19، 26) وكان هذا
اليوم هو يوم العبادة الجماعية للكنيسة فى عصر الرسل (1 كو 16 : 2، أع 20 : 7)].
من أقوال الأب متى المسكين :
1 – الترنم ليهوه وتسبيحه هو واجب، وهو مسرة، وإن براهين أحكام الله
الأمينة للعالم تملأ قلب صاحب المزمور بالفرح، ولكن البلداء لا يلاحظون أن نجاح
الشرير هو مقدمة لخرابه، فى حين أن يهوه يجلس على عرشه فى الأعالى إلى الأبد (1 –
8).
2 – أعداؤه يهلكون وشعبه يزدادون كرامة، ويفرحون بخيبة الشرير ونصرة
البار كبرهان لسلطان الله على الأمناء (9 – 15).
1 –
حسن هو الحمد للرب والترنم لاسمك ايها العلي.
2 –
ان يخبر برحمتك في الغداة وامانتك كل ليلة
3 –
على ذات عشرة اوتار وعلى الرباب على عزف العود.
4 –
لانك فرحتني يا رب بصنائعك.باعمال يديك ابتهج.
5 –
ما اعظم اعمالك يا رب واعمق جدا افكارك.
+ يستهل الكاتب كلامه بحمد الإله المعتني بمخلوقاته، ويترنم لاسم
العلي ساكن الأبد القدوس اسمه. وقد أشاد
برحمته الواجب أن يخبر بها في الصباح، ونوه بأمانة الله المرافقة،
وحض على أن يستصرخها المؤمن كل ليلة، ويسبح الله ويثني عليه. فهو
إله
كثير الرأفة، لطيف بالبشر. لذلك يليق بالمؤمن أن يترنم لاسمه المبارك، مع العزف
على
الآلات الموسيقية.
وإنه لمن الملذ لنا، أن نرى هنا أن الكنيسة المسيحية كانت منذ بدء
عهدها تمارس عبادة الترنم. وكان الترنيم
موضوعاً لوصية الرسول بولس إذ قال: «لِتَسْكُنْ فِيكُمْ كَلِمَةُ
اٰلْمَسِيحِ بِغِنىً،
وَأَنْتُمْ بِكُلِّ
حِكْمَةٍ مُعَلِّمُونَ
وَمُنْذِرُونَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً، بِمَزَامِيرَ وَتَسَابِيحَ
وَأَغَانِيَّ رُوحِيَّةٍ، بِنِعْمَةٍ،
مُتَرَنِّمِينَ فِي قُلُوبِكُمْ لِلرَّبِّ» (كولوسي 3 : 16) وقد ورثت
الكنيسة الترنيم من اليهود إذ يخبرنا فيلو الفيلسوف والمؤرخ أن اليهود
كانوا
أحياناً يقضون الليل كله في الترنيم والإنشاد. ومن الأوصاف الأولى للعبادة
المسيحية
ما كتبه بليني الوالي الروماني على بيثينية في التقرير، الذي دفعه
للأمبراطور
الروماني تراجان، عن حياة المسيحيين ونشاطهم، إذ قال: إن المسيحيين
ينهضون
من نومهم عنذ بزوغ الفجر، ويرتلون التراتيل تمجيداً للمسيح، باعتباره الله
المتجسد.
إن شكر الكنيسة المسيحية لله وعرفانها بأفضاله عليها قد ظهر دائماً في
صورة
التسبيح المسيحي والأغاني الروحية.
قال الرسول يعقوب «أَمَسْرُورٌ أَحَدٌ؟ فَلْيُرَتِّلْ» (يعقوب 5: 13)
فعندما تسكن كلمة المسيح في قلبك بغنى تفرح، فيفيض قلبك بالترنيم:
بمزامير – المزامير تعني الترتيل المصحوب بآلة موسقية، كالمزمار والرباب
والعود قديماً، وكالأرغن والبيانو، وغير ذلك من الآلات الموسيقية في زمننا.
تسابيح – هذه تعني الترنيمة المرفوعة إلى الله، لتمجيد اسمه. وهي قطعة
مقتطفة من مزمور، أو منظومة من أقوال الوحي.
أغاني روحية – هذه أناشيد معبرة عن قوة الأشواق الروحية، التي تتحرك في المؤمن
عند
امتلائه من الروح القدس.
إن أعمال الله المجيدة مدى الأجيال، التي أظهر فيها اهتمامه بالبشر
من شأنها أن تفرح قلب الإنسان المستنير
بالرب، والممتلئ بالروح القدس، لأن الفرح من ثمار الروح المبارك.
6 – الرجل البليد لا يعرف
والجاهل لا يفهم هذا.
7 –
اذا زها الاشرار كالعشب وازهر كل فاعلي الاثم فلكي يبادوا الى الدهر.
8 – اما انت يا رب فمتعال الى
الابد.
9 –
لانه هوذا اعداؤك يا رب لانه هوذا اعداؤك يبيدون.يتبدد كل فاعلي الاثم.
+ قال الرسول إن الأشرار
يسلكون ببطل ذهنهم، إذ هم مظلمو الفكر ومتجنبون عن حياة الله لسبب
الجهل الذي فيهم بسبب غلاظة قلوبهم (أفسس 4: 17 و18). آي أن
آراءهم وعواطفهم وضمائرهم وسائر قوى أنفسهم، التي وهبها الله لهم ليعرفوه
ويبعدوه معطلة. لذلك أنفقوا تلك القوى
الثمينة على أمور لا تستحق أن تطلبها النفس الخالدة. لقد كلف الإنسان في
الوصية الأولى والعظمى أن يحب الله من كل قلبه ومن كل فكره. ولكن الشرير
الذي
نعته المرنم بالبليد غلظ قلبه وأظلم فكره، فتجنب الحياة الروحية التي عبر عنها
الرسول
بحياة الله. والتجنب عن تلك الحياة، يستلزم كل الانفصال عن الله وعدم
الاشتراك
في الفوائد الناتجة عن جريان حياة الله في حياة نفس الإنسان. وهذا التجنب
من
نتائج إظلام الفكر لأن عميان القلوب لا يمكنهم أن يعرفوا الله، ويتقوه ويحبوه
ويعبدوه.
وبتعبير آخر إن الأشرار البلداء مظلمو الفكر بسب جهلهم، وأنهم
متجنبون عن حياة الله بسبب
غلاظة
قلوبهم
وبلادة
أفكارهم.
وهذا
يوافق
قول
الرسول
: "
وَلٰكِنَّ اٰلإِنْسَانَ
اٰلطَّبِيعِيَّ لا
يَقْبَلُ مَا
لِرُوحِ اٰللّٰهِ
لأَنَّهُ عِنْدَهُ
جَهَالَةٌ، وَلا يَقْدِرُ أَنْ يَعْرِفَهُ لأَنَّهُ إِنَّمَا
يُحْكَمُ فِيهِ رُوحِيّاً " (كورنثوس الأولى
2: 14) ولنا من ذلك، أن تجديد الإنسان بروح ذهنه ضروري لإدراك الروحيات.
وإدراك الروحيات ضروري للأشواق والعواطف المقدسة. فحين يفتح الله
عيون
الذهن، يدرك الإنسان إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة.
ينهي المرنم هذا القسم من المزمور بالتحدث عن نهاية الأشرار فقد قال
في المزمور الأول :
" أما طريق الأشرار فتهلك. قد يزهرون وينجحون في الماديات
ولكنهم سيبادون في النهاية "
10 – وتنصب مثل البقر الوحشي
قرني.تدهنت بزيت طري.
11 – وتبصر عيني
بمراقبيّ.وبالقائمين عليّ بالشر تسمع اذناي
12 – الصدّيق كالنخلة يزهو
كالارز في لبنان ينمو.
13 – مغروسين في بيت الرب في ديار الهنا يزهرون.
14 –
ايضا يثمرون في الشيبة.يكونون دساما وخضرا
15 –
ليخبروا بان الرب مستقيم.صخرتي هو ولا ظلم فيه
+ في هذا القسم يتكلم داود عن أتقياء الله وهو منهم. يصفهم بالقوة،
ويشبههم
بالبقر الوحشي الجميل الشكل، والذي له قرون قوية جداً. ويصفهم بكلمة صديق.
ثم
يشبه الصديق بالنخلة في زهوها وبأرز لبنان في نموه وشموخه.
في الواقع أن أوجه الشبه كثيرة بين الصديق في جماله الروحي والنخلة
في زهوها. فهما متشابهان في الازدهار والاخضرار الدائم ووفرة الثمار. وهما
متشابهان في المهابة والجمال. وكما أن
النخلة تبقى مخضوضرة يانعة بالرغم من الجفاف والحر والقر، لا فرق لديها بين
مناخ ومناخ، لأنها تعيش في جميع المناطق. هكذا الصديق يحيا بحياة
الله
أنى وجد، بالرغم من المصائب والمعاكسات في العالم لأن فرح الرب قوته، وقد
أعطاه
أن يرتفع فوق الشدائد والمحن جميعاً.
وكذلك أوجه الشبه عديدة بين الصديق والأرز. يقف منتصباً دون أن يخشى
الزوابع والرياح. لأن جذوره متأصلة ومتمكنة في التربة، بحيث لا تستطيع أعتى
الرياح أن تقتلعه. هكذا الصديق قلبه ثابت، متكلاً على الرب قلبه ممكن فلا يخاف،
بره قائم إلى الأبد. وكما أن الأرز في
نموه يرتفع إلى العلاء ليعانق أشعة الشمس هكذا الصديق، ينمو وأفكاره في
السمويات، حيث المسيح شمس البر جالس عن يمين الله. ويكفي الأرز
حسناً
أنه لا يحتاج إلى تدخل الإنسان لتجميله لأنه جميل في ذاته. هكذا الصديق يمتاز
بجمال
الخلق الكريم، الذي عليه مسحة من قداسة الله، ومن ميزات الأرز أن جذوره
الضخمة
الطويلة، تغور في الأرض إلى الأعماق حيث الماء والخصب. هكذا الصديق المستترة
حياته
مع المسيح في الله، لا تتغذى بالأمور السطحية، بل بينبوع حي هو الروح القدس
العامل
فينا والماكث في أعماق قلوبنا.
ومن ميزات الصديقين أنهم يغرسون في بيت الرب، أي أنهم متأصلون في
إيمانهم ومعرفتهم الروحية في محبة الله وصبر المسيح. أنهم منذ حداثتهم
يتعلمون مخافة الرب. وهم ينمون كل يوم في النعمة
وفي معرفة المسيح، وإلى كل ملء الله. هؤلاء حياتهم شهادة لعمل نعمة
الله، مخبرين بفضائل الذي دعاهم من الظلمة إلى نوره العجيب.