الإصحَاحُ
الأَوَّلُ

 

1 نَشِيدُ الأَنْشَادِ الَّذِي لِسُلَيْمَانَ:

اهتم
الروح القدس بذكر اسم كاتب هذا السفر "الذي لسليمان".. إن سليمان اسم
عبري معناه " رجل سلام". وهو بذلك يرمز إلى شخص المسيح المبارك "
ملك السلام "، الذي لابد وأن يملك ملكاً مجيداً وحقيقي..

لقد
تنبأ إشعياء النبي قبل المسيح بنحو سبعة قرون قائلاً " لأنه يولد لنا ولد
ونعطى ابناً وتكون الرياسة على كتفه. ويدعى اسمه عجيباً مشيراً. إلهاً قديراً.
أباً أبدياً. رئيس السلام. لنمو رياسته وللسلام لا نهاية، على كرسي داود وعلى
مملكته ليثبتها ويعضدها بالحق والبر" (إش 9 : 6، 7)..

وما
كان يليق بغير سليمان أن يكتب هذا السفر، لأن الله قد أعطاه قلباً حكيماً ومميزا
حسبما طلب حتى أنه لم يكن مثله قبله ولا يقوم بعده نظير (1مل 3: 12).. ومن ذا الذي
يوازي سليمان الحقيقي – ربنا يسوع المسيح" الذي صار لنا حكمة من الله وبراً
وقداسة وفداء" (1 كو 1: 30).

 

2 لِيُقَبِّلْنِي بِقُبْلاَتِ فَمِهِ

هذه
الكلمات تعبر عن شوق متأجج في قلب العروس المخطوبة نحو عريسها الشريف. لقد اقتبلت
منه هدايا كثيرة، فهي لا تشتاق إلا إلى شخصه!! هي تفعل كل ما في إمكانها لتراه
ولتتمتع بحبه.. وهي حين ترى ذاتها غير قادرة على التحرر من سلطان محبتها لعريسها،
ولا إشباع ما فيها من رغبة، فإنها تعمد إلى الصلاة وتستسلم لها، وتقدم توسلات لله
التي تعلم أنه أبو عريسها، رافعة أيادي طاهرة بدون غضب ولا جدال.. في ثياب حشمة مع
أتضاع وتعقل (1تي 2: 8)، مزينة بأفضل الزينات التي تليق بعريس شريف، وملتهبة
بالشوق لعريسها، وتقول "ليقبلني بقبلات فمه".. لكن ما هو المعنى وراء
هذه الكلمات " ليقبلني بقبلات فمه "

سبق
أن قلنا إن سفر النشيد يرمز إما إلى الكنيسة في علاقتها بالله، والنفس البشرية في
اتحادها بالله كما يقول العلامة أوريجينوس.. الكنيسة في شوقها إلى عريسها تهتف بما
ختم به يوحنا سفر الرؤيا " آمين تعال أيها الرب يسوع" (رؤ 22: 20)..
والنفس البشرية في شوقها لعريسها تهتف مع القديس بولس " لي اشتهاء أن أنطلق
وأكون مع المسيح" (في 1: 23).. إنها لا تنسى قبلات الآب الذي وقع على عنقها
وقبلها حينما كانت تشرد وتعود تائبة (لو 15: 20).

والكنيسة
في شوقها للاتحاد بالمسيح، هي جماعة قديسين، وهي كشخصية متحدة تقول لعريسها: لقد
شبعت من الهدايا التي اقتبلتها في فترة خطوبتي قبل زواجي. لأنه منذ القديم حينما
كنت أستعد لزفافي لابن الملك (أنظر مت 22: 1 – 4 بالمقارنة مع رؤ 19: 6 – 9).. لقد
وضع ملائكته القديسون في خدمتي، وأحضروا لي الناموس كهدية خطوبة، لأنه مكتوب عن
الناموس إنه مرتب بملائكة في يد وسيط (غل 3: 19).. كما خدمني الأنبياء الذين نطقوا
بكل ما يجب أن يقال لي، ويشير إلى كل ما يختص بابن الله.. هذه كلها تعتبر هدايا
خطوبة..وهؤلاء الأنبياء – حتى ما يشعلوا نار أشواقي أكثر للعريس – أعلنوا بصوت
نبوي عن مجيئه. وإذ امتلئوا بالروح القدس سبقوا وأنبأوا عن أعمال قوته التي لا
تحصى. كما وصفوا جماله ولطفه وعاطفته، حتى ما ألتهب بمجيئه..

لكن
لما كان الزمان قد قارب على الانتهاء ولم يحضر العريس بعد، وأرى فقط خدامه يترددون
علىّ. من أجل هذا أتقدم بتوسلي إليك يا أبا العريس حتى ما تترأف على محبتي وترسله
حتى ما لا يعود فيما بعد يكلمني بواسطة خدامة الملائكة والأنبياء، لكن ليأتي
ويقبلني بقبلات فمه.. أي يضع كلمات فمه في فمي حتى ما أسمعه يتكلم بذاته وأراه وهو
يعلّم!!

لقد
وهب المسيح كنيسته حينما أتى بالجسد قبلاته.. لقد كان بنفسه يكلمها بكلمات الإيمان
والحب والسلام حسب وعد إشعياء، الذي حينما أرسل قبلاً للعروس قال إنه ليس برسول
وملاك بل الرب نفسه هو يخلصنا (إش 33: 22)

والآن
ننتقل إلى العروس كالنفس البشرية، التي رغبتها الوحيدة أن تتحد بكلمة الله
(اللوغوس) وتصبح في شركة معه، وتدخل أسرار حكمته وعلمه، كما لو كان إلى الحجال
السمائي – حجرة الزيجة السمائية.. هذه النفس قد اقتبلت هدايا الخطوبة مثل الناموس
الطبيعي والعقل والإرادة الحرة.. لقد اقتبلت التعليم من المعلمين. لكن لما لم تجد
فيها الاكتفاء والشبع الكاملين لشوقها وحبها، فلتصلي حتى ما يستنير عقل بتوليتها
النقي بالاستنارة التي يُقدمها كلمة الله من خلال افتقاده..لأنها حينما لا تنال
هذه الاستنارة بواسطة خدمة أي من البشر والملائكة، حينئذ تؤمن أنها اقتبلت قبلات
كلمة الله نفسه!! وفضلاً عن ذلك فإن استخدام كلمة قبلات بصيغه الجمع حتى ما نفهم
أن توضيح كل معنى غامض بفعل الروح القدس إنما هو قبلة لكلمة الله تُمنح للنفس
المكملة. وربما أشارت إلى ذلك كلمات النبي " فتحت فمي واجتذبت لي روحاً"
(مز 119: 131).

يقول
أوريجينوس " ليتنا نفهم أن فم العريس يعني القوة التي بها يستنير العقل كما
بكلمة محبة توجه إلى العروس.. إن القبلة المقدسة التي نعطيها بعضنا لبعض في
الأسرار المقدسة إنما هي رمز لذلك " هكذا يقول أوريجينوس (القداس الإلهي وبعض
الأسرار في الطقوس القديمة – ورد ذلك في الدفاع الأول ليوستينوس الشهيد).

 

2 لأَنَّ حُبَّكَ أَطْيَبُ مِنَ الْخَمْرِ.

النفس
البشرية والكنيسة كجماعة مؤمنين قديسين تناجي عريسها قائلة " لأن حبك أطيب من
الخمر".. إن الحب يسكر النفس، فكم وكم إذا كان حب العريس السمائي!! وحينما
تسكر بهذا الحب تنسى كل ما هو أرضي وتهيم في حب الله وحده!! وهو حب أطيب من الخمر،
لأن الخمر وإن كان يفرّح لكنه يُذهب العقل، أما خمر الحبيب فيعطي صحوة للنفس..

في
معجزة تحويل الماء إلى خمر في عرس قانا الجليل – وهي أولى المعجزات التي صنعها
المسيح – لما ذاق رئيس المتكأ الماء المتحول خمراً ولم يكن يعلم من أين هو، دعا
رئيس المتكأ العريس وقال له " كل إنسان إنما يضع الخمر الجيدة أولاً، ومتى
سكروا فحينئذ الدون. أما أنت فقد أبقيت الخمر الجيدة إلى الآن" (يو 2: 9،
10).. إن الخمر التي صنعها الرب يسوع كان لها خاصية إفاقة من يشربها. لقد أفاقت
رئيس المتكأ، وعلم أنها خمر من نوع فريد، وأن ما عداه هو الدون!! هكذا حب العريس
السماوي ربنا يسوع يسكر النفس، ويعطي نشوة للعقل، لكن في صحوة ويقظة روحيتين!! وفي
الترجمة السبعينية جاءت كلمة " ثدياك " بدل كلمة " حبك " وكأن
المؤمنين يجدون في اللبن الإلهي المنحدر من ثديي الله عذوبة وفاعلية وقوة أكثر مما
للخمر.. واللبن هو طعام الأطفال. ويقول المسيح " الحق أقول لكم إن لم ترجعوا
وتصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السموات" (مت 18: 3).. وكأن النفس تعود
إلى بساطة الطفولة تتعلق به وبصدره على نحو ما يفعل الطفل مع أمه..

كان الخمر
يقدم قديماً للضيوف وفي مناسبات الأعياد والفرح وعند تقديم الذبائح (خر 29: 40، لا
23: 13، عدد 15: 5).. لكن حب المسيح يهب فرحاً لا يعُبر عنه، ولا يستطيع العالم أن
ينزعه من النفس " لا ينزع أحد فرحكم منكم" (يو 16: 22).

كانت
هناك طريقة قديمة لعصر العنب لينتج خمراً، وذلك بسحقه ودوسه بالأقدام في المعصرة
(نح 13: 15).. فيسيل عصير العنب الأحمر وهو الخمر. ويخرج الرجال من عملية العصير
وثيابهم محمرة.. ولقد رأى إشعياء النبي المسيح عظيماً في القوة، بهياً في الصورة،
يجتاز المعصرة بثياب محمرة من أجل عروسه، فقال متسائلاً:

"من
ذا الآتي من آدوم بثياب حُمر من بُصرة. هذا البهي بملابسه المتعظم بكثرة قوته. أنا
المتكلم بالبر، العظيم للخلاص. ما بال لباسك مُحمّر، وثيابك كدائس المعصرة. قد دست
المعصرة وحدي ومن الشعوب لم يكن معي أحد" (إش 63: 1 – 3).

هذا
هو الحب الفريد الأطيب من الخمر. فقد اجتاز الرب المعصرة وحده، لا ليقدم خمراً
أرضية، بل دمه الزكي الكريم سر حياتنا وقوتنا!!

 

3 لِرَائِحَةِ أَدْهَانِكَ الطَّيِّبَةِ. اسْمُكَ دُهْنٌ مُهْرَاقٌ،
لِذلِكَ أَحَبَّتْكَ الْعَذَارَى.

يا
لها من حقائق سامية وثمينة قد اكتشفتها العروس.. لم تدرك فقط أن محبة عريسها أطيب
من الخمر، بل أدركت أيضاً بأن كل صفة من صفاته هي كالدهن الطيب " كل ثيابك
مرّ وعود وسليخة" (مز 45: 8).. لكن متى أدركت ذلك؟! لقد أدركته من خلال هذه
الخمر الجديدة، وخلال حب عريسها الذي هو أطيب من الخمر!! إذن من خلال الحب تشتم
النفس المؤمنة رائحة أدهان المسيح الطيبة، وترى اسمه دهناً مهراق..

على
الصليب سكب المسيح للموت نفسه (إش 53: 12).. إن هذا يذكرنا بالمرأة في بيت سمعان
الأبرص التي كسرت قارورة الطيب وسكبته على رأسه (مر 14: 3)، فامتلأ البيت من رائحة
الطيب (يو 12: 3).. على الصليب سكب الرب كمال حبه، فملأ المسكونة كلها برائحته..

فاحت
رائحة طيب العريس فأدركت العروس – الكنيسة – أنه هو عينه المسيح الممسوح من الله
من أجل خلاصن.. هكذا شهد النبي في المزمور " أحببت الحق وأبغضت الإثم. من أجل
ذلك مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك" (مز 45: 7، عب 1: 9)..
وأكد الرب أن هذه النبوة قيلت عنه، وذلك حينما قرأ سفر إشعياء في المجمع اليهودي
بالناصرة " روح الرب علىّ، لأنه مسحني لأبشر المساكين أرسلني لأشفي المنكسري
القلوب، لأنادي المأسورين بالإطلاق والعمي بالبصر، وأرسل المنسحقين في الحرية،
وأكرز بسنة الرب المقبولة"، عندئذ قال لهم "إنه اليوم قد تم هذا المكتوب
في مسامعكم" (لو 4: 16 – 21، إش 61: 1، 2).

وبعد
معجزة شفاء الأعرج من بطن أمه رفعت كنيسة الرسل صلاة إلى الله قائلة " لأنه
بالحقيقة اجتمع على فتاك القدوس يسوع الذي مسحته هيرودس وبيلاطس البنطي مع أمم
وشعوب إسرائيل" (أع 4: 27). في العهد القديم كان بحسب الشريعة يمسح الكهنة
والملوك والهيكل وكل ما بداخله وأواني الخدمة، كانت جميعها تمسح بمسحة مقدسة.. هذه
المسحة للأشخاص يعني تكريسها وتخصيصها للرب (خر 40: 15، 1صم 10: 1)، فلا يمارس
الأشخاص أعمالاً دنيوية، ولا تستخدم الأواني في غير الأغراض المقدسة التي كُرست
لأجلها في خدمة الرب.. والمسيح يقول " من أجلهم أقدس أنا ذاتي لكي يكونوا هم
أيضاً مقدسين في الحق" (يو 17: 19).

هذه
المسحة التي مسح بها الله الآب ابنه الوحيد الجنس فاحت رائحتها في السماء فاشتمها
الآب رائحة رضا، إذ حملت رائحة طاعة الأبن الحبيب الذي أطاع حتى الموت موت الصليب،
وهي التي حولت رائحة الخطية النتنة التي عاش فيها البشر إلى رائحة المسيح الذكية
(2 كو 2: 15).

 

3 اسْمُكَ دُهْنٌ مُهْرَاقٌ

لم
تكن أدهان العريس الطيبة هي التي جذبت العروس لكن اسمه الذي هو كدهن مهرق.. فاسم
" يسوع " معناه يهوه المخلص.. وهذا الأسم حلو مرتبط بحضور الله وسط
البشر " عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا".. هذا الدهن الطيب الذي يسيل
من هذا الاسم الكريم قد أريق وانسكب على الصليب.. ولقد دخل الرب يسوع بهذا الدهن
إلى القبر حتى ما يتنسّم الأموات رائحة الطيب عوض الفساد " ذهب فكرز للأرواح
التي في السجن" (1 بط 3: 19).. وبقيامته قدم للعالم هذا الدهن المهرق الطيب..

وإذ
أهرق هذا الاسم الذي هو دهن مهرق على الصليب فاحت رائحته في العالم. فلم يعد اسم
الله معروفاً لليهود وحدهم بل لكل الأمم والشعوب.. وهكذا فإن البشرية تعرفت على
اسم يسوع المخلص على الصليب..

يقول
إشعياء " إلى اسمك، وإلى ذكرك شهوة النفس بنفسي اشتهيتك" (إش 26: 8، 9).
هذا هو العريس المبارك الذي " ليس بأحد غيره الخلاص لأن ليس اسم آخر تحت
السماء قد أعطى بين الناس به ينبغي أن نخلص" (أع 4: 12).

لقد
كان أسمه قبل عهد النعمة كالدهن المحفوظ داخل قارورة مختومة، ولم يعرفه إلا
القليلون معرفة جزئية من وراء ظلال الطقوس والفرائض، أما الآن فشكراً له لأنه قد
تنازل بملء نعمته الغنية وأعلن لنا اسمه المبارك وشخصه الحبيب.

 

3 لِذلِكَ أَحَبَّتْكَ الْعَذَارَى.

من
اللائي أحببن العريس؟ العذارى.. ليس كل الناس، كما يقول الرسول بولس " لأننا
رائحة المسيح الذكية لله في الذين يخلصون، وفي الذين يهلكون. لهؤلاء رائحة موت
لموت ولأولئك رائحة حياة لحياة" (2 كو 2: 15، 16).. إن هذه الكلمات تحمل معنى
النبوة. ليس جميع البشر سينجذبون لمحبة المسيح، لكن العذارى وحدهم (انظر مثل
العذارى في متى 25 ) اللائي جعلن كل همهم إرضاء الرب (1 كو 7: 32).. من هم
العذارى؟!

العذراوية
هنا ليست عذراوية الجسد بل عذراوية الروح، وعذراوية النفس. والنفس العذراء هي التي
لم تتزوج العالميات. وهي التي حفظت نفسها بكراً من العالم. " لا تحبوا العالم
ولا الأشياء التي في العالم، إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب" (1 يو
2: 15).

 

4 اُجْذُبْنِي وَرَاءَكَ فَنَجْرِيَ

ما
أشد حاجة المسيحي الحقيقي إلى سكب قلبه أمام الرب والتوسل إليه بهذه الطلبة
اجذبني.. نحن لا نقدر أن نأتي إلى المسيح بقوتنا الذاتية "لا يقدر أحد أن
يُيقبل إلىّ إن لم يجتذبه الآب" (يو 6: 44).. هكذا لا نستطيع كمؤمنين أن نركض
وراءه إن لم يجتذبنا هو.. لقد عرفت العروس حقيقة ذاتها وإنه بدونه لا تقدر أن تفعل
شيئاً (يو 15: 5)، وأن ليست فيها القوة للجري والركض ما لم يجذبها هو وراءه، فضلاً
عن وجود عوامل جذب مضادة. لذا كانت طلباتها دائماً " اجذبني، حتى جاء الوقت
وقال الرب قبيل آلامه " وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إليّ الجميع. قال هذا
مشيراً إلى أيه ميته كان مزمعاً أن يموت" (يو 12: 32، 33). هذه هي الجاذبية
التي خلقها الصليب في أعماق الإنسان المؤمن، فلا يجري خلفه وحده بل يجتذب معه
آخرين يركضون بفرح.. هذا هو سر الصليب. إنه يحمل قوة الشهادة وسر الفرح.. لقد
انجذب زكا العشار للسيد المسيح، فجمع الخطاة والعشارين ليلتقوا بالرب ويفرحوا به،
والسامرية تركت جُرتها وذهبت إلى مدينتها لتقول لأهلها. هلموا أنظروا إنساناً قال
لي كل ما فعلت. ألعل هذا هو المسيح. فخرجوا من المدينة وأتوا إليه (لو 19، يو 4:
29).. وكانت السامرة هي أول مكان في العهد الجديد دُعي فيه المسيح مخلص العالم.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ل لعب ألعاب 1

 

4 أَدْخَلَنِي الْمَلِكُ إِلَى حِجَالِهِ. نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ بِكَ.
نَذْكُرُ حُبَّكَ أَكْثَرَ مِنَ الْخَمْرِ. بِالْحَقِّ يُحِبُّونَكَ.

طلبت
العروس إلى العريس أن يجذبها وراءه. وكانت النتيجة أنه أمسك بها وأدخلها إلى حجاله
الروحي في أبهى وأبهج لقاء!!

يرى
العلامة أوريجينوس في تفسيره أن الدخول إلى الحجال هو الإنتقال من تفسير كلمة الله
تفسيراً حرفياً إلى التفسير الروحى العميق، والدخول بعمل الروح القدس إلى أسرار
كلمة الله.. ويرى البعض أن الحجال الإلهى هو سر المعمودية المقدس.. تلتقى النفس في
جُرن المعمودية بالمسيح عريساً، ويلبس الإنسان الجديد، وتلبس النفس المسيح كثوب
أبيض للعرس الأبدى، تلبسه كثوب برّ وقداسة، تتزين به وتحيا إلى الأبد.. يقول بولس
الرسول "لأن كلكم الذين اعتمدتم للمسيح قد لبستم المسيح" (غل 3: 27).

وماذا
في هذا الحجال؟!.. هناك تنبهر أبصار العروس بطلعة العريس البهية.. هناك تتمتع
النفس بالشركة الهادئة والمناجاه الحِبيّة في تلك الغرفة السرية.. هناك السعادة
الحقيقية التي تنشدها كل نفس "لأن يوماً واحداً في ديارك خير من ألف"
(مز 84: 10).. "واحدة سألت من الرب وإياها ألتمس أن أسكن في بيت الرب كل أيام
حياتى لكى أنظر جمال الرب" (مز 27: 4).

ثم أن
العروس تعترف أن العريس هو الذي أدخلها إلى حجاله "ليس أننا كفاة من أنفسنا
أن نفتكر شيئاً كأنه من أنفسنا بل كفايتنا من الله" (2كو 3: 5).. "بدونى
لا تقدرون أن تفعلوا شيئ".. إننا كحمامة نوح التي أطلقها ليعزف حالة الأرض
بعد توقف الطوفان. لما لم تجد مقراً لرجلها عادت إلى الفلك. ولكنها لم تستطع الدخول
وحدها "فمد نوح يده وأخذها وأدخلها إلى الفلك" (تك 8: 9).

لقد
زدرك داود هذه الحقيقة وهى أنه من ذاته لا يستطيع الدخول إلى حجال الملك ولذا قال
"واحدة سألت من الرب وإياها ألتمس أن أسكن في بيت الرب..".

العريس
هو الذي أدخلها، ولكنه في نفس الوقت هو الملك.. هذا هو الذي أتى المجوس من المشرق
ليسجدوا له وهم يتساءلون "أين هو المولود ملك اليهود؟"!!

 

4 نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ بِكَ

على
الرغم من أن العروس دخلت حجال الملك ولا شك أن هذا الحجال كان فيه من الأمور التي
تبهر النفس لكن موضوع بهجة العروس وفرحها هو العريس ذاته "نبتهج ونفرح
بك"..

إن
مريم المجدلية وهى عند قبر المخلص، رأت ملاكين بثياب بيض. لكن منظرهما لم يشغل
قلبها وفكرها لأن هدفها الأوحد كان هو السيد نفسه "من لى في السماء ومعك لا
أريد شيئاً في الأرض" (مز 73: 25).

 

5 أَنَا سَوْدَاءُ وَجَمِيلَةٌ يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ، كَخِيَامِ
قِيدَارَ، كَشُقَقِ سُلَيْمَانَ.

"أنا
سوداء وجميلة يا بنات أورشليم كخيام قيدار
tents of Kedar كشقق سليمان" (نش 1: 5)

لقد
بدأت العروس نشيدها يالتغني بالعريس ومحبته وأنها أطيب من الخمر، وبجلال اسمه
وبهاء حجاله.. هناك في جو الشركة المقدسة معه، وفى بهاء نوره قد أدركت حقيقة
ذاتها، وما هي بحسب الطبيعة.. وهذا الإختبار لا يمكن أن يدركه المؤمن إدراكاً
صحيحاً إلا في نور الله أما المسيح.. فهناك داخل حجال الملك تكشفت أما العروس
حقيقة ذاتها وأنها "سوداء"..

هذا
عين ما أدركه إشعياء النبى، فإنه إذ رأى السيد الرب جالساً على كرسى عالٍ ومرتفع
وأذياله تملأ الهيكل والسيرافيم يعلنون قداسته قال "ويل لى إنى هلكت لأنى
رنسان نجس الشفتين، أنا ساكن بين شعب نجس الشفتين. لأن عينى قد رأتا رب
الجنود" (إش 6: 5).. إن النبى لم يعرف ذاته المعرفة الحقيقية ويدرك أنه إنسان
نجس الشفتين إلا عندما أبصر الملك القدوس في جلاله..

وهذا
هو عين إحساس سمعان بطرس بعد معجزة صيد السمك الكثير.. "خرّ عند ركبتى يسوع
قائلاً أخرج من سفينتى يارب لأنى رجل خاطئ" (لوقا 5: 5 9).

وشاول
الطرسوسى الذي اضطهد كنيسة الله بإفراط وكان يخربها، لم يعرف حقيقة ذاته إلا بعد
أن "أبرق حوله نور من السماء" وسمع صوت الرب وتحادث معه.. ومن ثم كان
يعلن ضعفه "أنا الذي كنت قبلاً مجدفاً ومضطهداً ومفتري".

إن
العروس تعترف بضعفها الذاتى، لكنها تعلن عن جمالها الذي إقتنته من خلال اتحادها
بالمسيح يسوع ربها قائلة "أنا سوداء يا بنات أورشليم كخيام قيدار".. وقيدار
منطقة صحراوية بسوريا حالياً، اسمها يكشف عن سواده.. فقيدار هو من نسل إسماعيل (تك
25: 13) ومعناه الأسود.. وهو من نسل الجارية الذي يعتبر صورة للخطية الساكنة في
الإنسان. وكان بنو قيدار حيثموا حطوا رحالهم يسكنون خياماً سوداء..

"سوداء
وجميلة" سوداء كخيام قيدار وجميلة "كشقق سليمان" الناصعة البياض..
هاتان الصفتان المتضادتان تبينان حالة الإنسان المؤمن. فهو بحسب طبيعه وارث لطبيعة
آدم الساقطة "ليس ساكن فىّ أى في جسدى شئ صالح" (رو 7: 18)، لكنه في
المسيح إنسان جديد، ابن الله وشريك الطبيعة الإلهية (رسالة بطرس الرسول الثانية 1:
4)..

يقول
القديس أغسطينوس "كان الرسول بولس قبلاً مجدفاً ومضطهداً وضاراً. كان فحماً
أسود غير متّقد. لكنه إذ نال رحمة التهب بنار من السماء. لقد ألهبه صوت المسيح
ناراً، وأزال كل سواد كان فيه. لقد صار ملتهباً بحرارة الروح. حتى ألهب آخرين بذات
النار الملتهبة فيه". هكذا الإنسان قبل اتحاده بالمسيح.

يقول
القديس أمبروسيوس أسقف ميلان "إذ لبست النفس تلك الثياب في جُرن المعمودية،
تقول في نشيد الأناشيد: أنا سوداء وجميلة (كاملة) يا بنات أورشليم. إنى سوداء حسب
الضعف البشرى، كاملة حسب سرٌ الإيمان" (فى الأسرار 7).

ويقول
أيضاً "الكنيسة سوداء بخطاياها، كاملة بالنعمة. إنها سوداء بالطبع البشرى،
كاملة بالخلاص.. سوداء بأتربة الجهاد، كاملة عندما تتكلل بحلى النصرة" (الروح
القدس 112).

ومهما
يكن الأمر، فنحن نجد في هذه العبارة "أنا سوداء وجميلة" علاجاً روحي..
فحينما يُحارَب الإنسان بالبرّ الذاتى يذكر "أنا سوداء"، وحينما يُحارَب
بصغر النفس يذكر قول العروس "أنا سوداء وجميلة".

وللعلامّة
أوريجانوس تفسير خاص لعبارة "سوداء وجميلة".. إنه يفسر بنات أورشليم على
أنهم اليهود والسوداء على أنها كنيسة الأمم.. ويقول:

"تتكلم
العروس مرة ثانية. ولكنها في هذه المرة لا تتوجه بكلامها إلى العذارى اللاتى ركضن
معها، لكن إلى بنات أورشليم اللاتى اتهمنها بالقبح. فهى تجيب قائلة أنا حقاً سوداء
بحسب طبيعتى، ولكن إن أمعن أحد النظر في ملامحى الداخلية فأنا جميلة. لأن خيام
قيدار سوداء"..

"من
جهة المعنى السري. إن هذه العروس التي تتكلم تمثل كنيسة الأمم. لمن بنات أورشليم
اللاتي توجه كلامها إليهن هنّ نفوس الذين يوصفون بأنهم أحباء من أجل الآباء من جهة
الاختيار، ولكنهم أعداء من جهة الانجيل (رو 11:28). هؤلاء إذن هم بنات أورشليم
الأرضية، الذين ينظرون إلى كنيسة الأمم فيحتقرونها ويذمونها بسبب مولدها وأصلها
الوضيع لأنه لا يجرى فيهم دماء إبراهيم واسحق ويعقوب.

لأجل
كل هذا هي تنسى شعبها وبيت أبيها وتأتى للمسيح (مز 45: 11").

"
إن بنات الشعب الأول يتهمنها بهذه التهم ولذلك يدعونها سوداء لأنها لم تَستنير
بتعاليم الآباء. وتجيب على اعتراضهم: أنا حقاً سوداء يا بنات أورشليم. أنا في هذا
لا أدعى انحداري عن رجال مشاهير. ولا أنا اقتبلت الاستنارة بناموس موسى. لكن لي
جمالي الخاص. يوجد في الجمال الأول صورة الله التي خلقت عليها حينما أتيتُ الآن
إلى كلمة الله (اللوغوس) نلت جمالي بسبب سواد لونى تقارنونني بخيام قيدار. ولكن
حتى قيدار انحدر من إسماعيل، وإسماعيل كان له نصيب فىّ البركة المقدسة (تك 25:13
؛16: 11).. أنا سوداء بسبب أصلى الوضيع ولكنى جميلة من خلال التوبة والإيمان، لأني
اتخذت لنفسي ابن الله. لقد أخذت الكلمة الذي صار جسداً. أنا أتيت إلى ذاك الذي هو
صورة الله بكر كل خليقة الذي هو بهاء مجده ورسم جوهره (يو1:14 ؛ كو1:15 ؛عب 1:
3)."..

ثم
يعرض أوريجانوس إثباتاُ لرأيه لبعض أحداث العهد القديم وما ورد فيه من عبارات فيها
إشارة إلى دعوة الأمم (السوداء) ودخولها في الإيمان المسيحي:

(أ‌)
زواج موسى النبي بالمرأة الكوشية (الحبشية) ذات البشرة السوداء، الأمر الذي أثار
أخته مريم فتكلمت ضده، لهذا ضربت بالبرص (عدد 12: 110).. إن هذا صورة رمزية لاتحاد
المسيح بكنيسة الأمم الذي أثار اليهود حتى رفضوا الإيمان به، وصاروا يعيرون الأمم
بماضيهم..

(ب‌)
قصة ملكة سبأ التي جاءت لتسمع حكمة سليمان (1مل 10)، حملت رمزا لكنيسة الأمم، وقد
أشار المسيح إليها وهو يوبخ اليهود "ملكة التيمن (الجنوب سبأ) ستقوم في يوم
الدين مع هذا الجيل وتدينه لأنها أتت من أقاصي الأرض لتسمع حكمة سليمان. وهوذا
أعظم من سليمان ههنا "(مت 12: 42).

لقد
جاءت ملكة سبأ إلى سليمان وتكلمت معه بكل ما في قلبها (1مل 10: 2), وامتحنته
بأسئلة والغاز ظنت أنها بلا إجابة.. لكن سليمان الحقيقي ربنا يسوع المسيح حل كل ما
عسر عليها فهمه واعلن لها معرفة الإله الحقيقي، وأوضح لها خلود النفس والدينونة
الأخيرة.. الأمور التي عجز الفلاسفة أن يوضحوها للأمم بالحق.

حين
رأت الملكة ما لسليمان من مجد وعظمة "لم يبق فيها روح بعد"(1مل 10:5).
والكنيسة إذ تكتشف أسرار مسيحها المتألم تذوب حباً، ولا تطيق البعد عنه، بل تشتهى
أن تكون معه.

لقد
قدمت ملكة سبأ للملك سليمان مئة وعشرين وزنة دهب (1مل 10:10) وهو ما سمح به الرب
أن يكون عمر الإنسان زمن نوح (تك 6: 3) وهى سني حياة موسى النبي (تث 34:7)..
والمعنى أن كنيسة الأمم أرادت أن تقدم كل عمرها كوزنات ذهبية، أي تحمل الطبيعة
السماوية.

قدمت
أيضاً أطياباً كثيرة (1مل10:10)، وهى تقدمة الحب التي يتقبلها المسيح من الخطاة
التائبين.

(ج)
يقول داود بروح النبوة "يأتي شرفاء مصر. كوش تسرع بيدها إلى الله. يا ممالك
الأرض غنّوا لله، رنموا للسيد. للراكب على سماء السموات القديمة" (مز 68:
3133)..إنها نبوة عن كنيسة الأمم التي تبسط يدها لله فتصير جميلة. ومن خلالها
ينطلق لسان ممالك الأرض بالتسبيح لله.

(د)
ويقول صَفَنْيا بروح النبوة "فانتظروني يقول الرب .. لأني حينئذ أحول الشعوب
إلى شَفَةٍ نقية ليدعوا كلهم باسم الرب، ليعبدوه بكتف واحدة. من عبر أنهار كوش
المتضرعون إلىّ. متبددىّ يقدمّون تقدمتى" (صفنيا 3:8 10).. إنها نبوءة عن
تحول الشعوب الأممية إلى شفاه تسبيح نقية، وتعتبر أنهار كوش أى تترك سوادها
والظلمة التى تعيشها لتعبد الله الحى وتقدم ذبيحة المسيح .

وفي
الكتاب أقوال كثيرة تشهد لهذه السوداء الجميلة وتؤكد أنها سوداء كخيام قيدار،
لكنها جميلة كشقق وستائر سليمان في بيت الرب.

وثمة
ملاحظة أخرى.. على الرغم من أن المتكلم يبدو كشخصية واحدة. إنها تبدو تشبه نفسها
بخيام قيدار (بصيغة الجمع) وبشقق سليمان بصيغة الجمع أيضاً. وهذه إشارة أن المتكلم
هو مجموعة كنائس الأمم المنتشرة بالعالم.

 

6 لاَ تَنْظُرْنَ إِلَيَّ لِكَوْنِي سَوْدَاءَ، لأَنَّ الشَّمْسَ قَدْ
لَوَّحَتْنِي. بَنُو أُمِّي غَضِبُوا عَلَيَّ. جَعَلُونِي نَاطُورَةَ الْكُرُومِ.
أَمَّا كَرْمِي فَلَمْ أَنْطُرْهُ.

كان
حرياً باليهود الذين عرفوا الإله الحىّ أن يكرزوا للأمم بهذا الإله في ظل اليهودية
لكن المسيح يوبخهم بقوله "ويل لكم أيها الكتبة والفريسيين المراؤون لأنكم
تغلقون ملكوت السموات قدام الناس فلا تدخلون انتم ولا تدعون الداخلين يدخلون.. ويل
لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تطوفون البحر والبرّ لتكتسبوا دخيلا
واحداً.

و متى
حصل تصنعونه ابناً لجهنم أكثر منكم مضاعف" (مت 23:13،15)..

وأود
أن أشير هنا إلى ما جاء بمثل الابن الضال بانجيل معلمنا لوقا (15:1132)فإلى جانب
أن هذا المثل يتكلم عن محبة المسيح للخطاة نجد أن الابنان يشيران للعالم في ذلك
الوقت الذي كان منقسما إلى يهود وأمم. فالابن الأكبر يشير إلى اليهود لأن معرفتهم
لله والوحدانية سابقة لمعرفة الأمم (الابن الأصغر). ونلاحظ كلمات الابن الأكبر
حينما عاد. وشعوره من نحو أخيه "فدعا واحد من الغلمان وسأله ما عسى أن يكون
فقال له أخوك جاء فذبح أبوك العجل المسمن لأنه قبله سالماً، فغضب ولم يرد أن
يدخل"(15:26 28). ثم يأتي حديثه مع أبيه "لما جاء ابنك هذا (ولم يقل أخي)
الذي أكل معيشتك مع الزوانى ذبحت له العجل المُسمن" هذا بالرغم من أن السيد
المسيح لم يذكر أنه أكل معيشته مع الزوانى بل "بذر أمواله بعيش مسرف"
(15: 13) فهذا يمثل شعور اليهود (الابن الأكبر) من جهة الأمم. وهذا يظهر روح
الكبرياء والغطرسة والازدراء.

كان
خليقاً باليهود المتنصرين أن يسندوا الأمم ويكرزوا لهم بالصليب، لكنهم عوض الكرازة
وقفوا يعيرونهم بالسواد وبوضاعة أصلهم وشرورهم السابقة بسبب الوثنية..

أما
الأمم فأجابوا بأن سوادهم لم يجبلوا إليه، ولا يرجع إلى أنهم من طينة غير طينة
اليهود لكن لأنهم نزلوا تحت الشمس فلوّحتهم!!

يقول
أوريجانوس "صارت سوداء لأنها نزلت (تحت الشمس)، لكنها حالما بدأت تطلع (نش 8:
5 – من هذه الطالعة من البرية مستندة على حبيبها) مستندة على ابن أختها (الذي جاء
من نسل داود حسب الجسد) وملتصقة به، ولا تسمح بشيء يفصلها عنه، حتى صارت بيضاء
وجميلة. إن سوادها يتبدد تماماً وتضئ بأشعة النور المحيط بها. هكذا تعتذر كنيسة
الأمم لبنات أورشليم (اليهود) عن سوادها قائلة: لا تحسبن يا بنات أورشليم أن
السواد الظاهر على وجهي طبيعي، لكن لتفهمن أنه قد حدث بسبب تجاهل شمس العدل
(البرّ) لي. فإن "شمس العدل" لم يصوب أشعته علىّ مباشرة، لأنه وجدني غير
مستقيمة. أنني شعب الأمم الذي لم يتطلع إلى شمس العدل ولا وقفت أمام الرب.. فأنني
إذ لم أومن في القديم اختارك الله ونلت أنت رحمة واهتم بكِ "شمس العدل"،
بينما تجاهلني أنا، ولّوحني بسبب عصياني وعدم إيماني. أما الآن فإنك إذ صرتِ غير
مؤمنة وعاصية، صار لي رجاء أن يتطلع (شمس العدل) إلىّ أنا فأجد رحمة".

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ح حقوفا 1

إن
هذا يوضح ما قاله الرسول بولس "إن القساوة قد حصلت جزئياً لإسرائيل إلى أن
يدخل ملء الأمم.. فأنه كما كنتم أنتم مرة لا تطيعون الله ولكن الآن رحمتم بعصيان
هؤلاء" (رو 11: 25، 30) . كان الأمم في القديم مثقلين بشمس التجارب، محرومين
من شمس العدل (البر)، فأعطيت الفرصة لإسرائيل أن يختاروا وينعم عليهم بالرحمة. أما
الآن إذ رفض اليهود المسيح شمس البر وسقطوا تحت العصيان وعدم الإيمان، تمتعت كنيسة
الأمم بالمسيح شمس البرّ.. لقد زال عنها سوادها القديم بإشراق شمس البّر عليها.
ولم تعد شمس الخطية تقوى عليها كما يقول المرتل "لا تحرقك الشمس بالنهار ولا
القمر بالليل" (مز 121: 6).

 

6 بَنُو أُمِّي غَضِبُوا عَلَيَّ. جَعَلُونِي نَاطُورَةَ الْكُرُومِ.
أَمَّا كَرْمِي فَلَمْ أَنْطُرْهُ.

من هم
بنو أمي.. أمي هنا تشير إلى اليهود، لأن اليهود والأمم من أم واحدة. أما بنو أمي
فيشيرون إلى الرسل.. لكن كيف "غضبوا عليّ"؟.. إن هؤلاء الرسل لم يكفوا
عن العمل بين الأمم الوثنية معلمين ببطلان عبادة الأوثان هادمين كل أبراج الشر
وحصون التعاليم الخاطئة والمعتقدات الخرافية.. وعوض تغلغل الفساد بين الأمم،
فبإيمانهم صاروا حارسين لكرم الرب وحفظة للناموس والأنبياء.. أما "كرمها
الخاص" أي تعاليمها الوثنية فلا تعود تحفظها وتحرسها.

 

7 أَخْبِرْنِي يَا مَنْ تُحِبُّهُ نَفْسِي، أَيْنَ تَرْعَى، أَيْنَ
تُرْبِضُ عِنْدَ الظَّهِيرَةِ. لِمَاذَا أَنَا أَكُونُ كَمُقَنَّعَةٍ عِنْدَ
قُطْعَانِ أَصْحَابِكَ؟

رأينا
المسيح في حديث العروس عريساً ثم رأيناه ملك.. لكن ليس ملكاً كسائر الملوك، لكن
كما يقول النبي قديماً "قولوا بين الأمم إن الرب قد ملك على خشبة" (مز
96: 10 الترجمة القبطي).. والخشبة هي خشبة الصليب فهو ملك لكن ملكه ليس من هذا
العالم..

لقد
تعاملت العروس معه أولاً كالعريس وهنا إظهار للحب – ثم تعاملت معه كالملك الذي
جذبها بمحبته التي أظهرها من خلال آلامه – والآن تتعامل معه كالراعي وهنا تظهر
عنايته ورعايته للعروس..

 

7 يَا مَنْ تُحِبُّهُ نَفْسِي

يقول
القديس غريغوريوس أسقف نيصص "هذا هو الاسم الذي أدعوك به (يا من تحبه نفسي)،
لأن اسمك فوق كل الأشياء، وهو غير مدرك حتى بالنسبة لكل الخلائق العاقلة. هذا
الاسم يعلن عن صلاحك، ويجذب نفسي إليك. كيف أقدر ألا أحبك، يا من أحببتني هكذا
وأنا سوداء. فبذلت ذاتك من أجل القطيع الذي هو موضوع رعايتك" (تفسيره على
النشيد).

 

7 أَيْنَ تَرْعَى، أَيْنَ تُرْبِضُ عِنْدَ الظَّهِيرَةِ.

عندما
تستبد المخاوف بالإنسان يبحث عن الراعي الذي يرعاه ويحميه.. هذا ما فعله داود حين
اشتدت عليه التجارب فقصد بيت الله وهتف بالمزمور الخالد "الرب نوري وخلاصي
ممن أخاف.." (مز 27).

إن
موضع الراحة بالنسبة للنفس المتعبة هو بيت الله حيث تلتقي فيه بالرب الراعي
والمخلص.. ففي بيته نلنا نعمة النبوة ونغتذى على جسده ودمه الأقدسين ونستظل – لا
في ظل القدير – لكن تحت صليبه.

العروس
تسأله "أين تربض" أين تستريح؟ لأنها تريد أن تستريح فيه، ويستريح هو
فيها "الله المستريح في قديسيه".

لكن
ماذا عن وقت الظهيرة؟

حيث
تكون الشمس في قوته.. هكذا رآه يوحنا في الرؤيا "ووجهه كالشمس وهي تضئ في
قوتها" (رؤ1: 16).. ولا يتمتع أحد بالشمس هكذا إلا إن كان ابن النور وابن
النهار (اتس 5: 5).. إن الشمس في قوتها تشير إلى شمس البّر وهو في كمال بهائه.. إن
العروس تريد أن تلتصق بالرب حبيبها وهو في ملء عظمته.

وأيضاً
لماذا اللقاء وقت الظهيرة؟!

(1)
كان لقاء إبراهيم بالسيد الرب ومعه ملاكين وقت الظهيرة (تك 18: 1) . وفيه كان
الوعد بأن يكون لسارة ابن تتبارك فيه جميع قبائل الأرض.. كان مستودع سارة ميتاً،
وكان إبراهيم شيخاً متقدماً في السن.. إن إنجاب اسحق يمثل القيامة من الموت
(مستودع سارة الميت).. لقد أقام الرب من موت إبراهيم وسارة حياة. هكذا بالحب نختبر
قوة القيامة فينا.

(2)
وفي وقت الظهيرة التقى يوسف بأخيه الأصغر بنيامين (تك 43: 16)، وفي هذا اللقاء
أنّت أحشاؤه، ودخل إلى المخدع وبكى.. إن كلمة بنيامين تعني "أبناء
اليمين" هكذا في لقاء العريس والراعي كأبناء اليمين تحن أحشاؤه علينا.

(3)
ووقت الظهيرة التقى الرب يسوع بشاول الطرسوسي (أع 26: 13) معلنا عن حبه، فاكتشف
الراعي الحقيقي الحّي الذي لا يموت، وصار إناءً مختاراً يحمل اسم المسيح لكثيرين.

(4)
وفي هذا الساعة التقى المسيح بالمرأة السامرية وما كان من أمر إيمانها هي وأهل
بلدتها.

(5)
ووقت الظهيرة يذكرنا بالساعة السادسة واليوم السادس حيث صلب المخلص من أجل خلاصنا
والعالم كله، مدفوعاً بمحبته لجبلته الساقطة.

إن
العروس في سؤالها أين ترعى أين تُربِض، تدل على أنها تريد أن تعرف الطريق لئلا
تضلّ إلى طريق أخرى.. لأن في الطريق الحقيقي تتقابل النفس مع المسيح..

لماذا
أنا أكون كمقنعة عند قطعان أصحابك؟

مقنعة
أي محجبة تضع قناعاً وحجاب.. ويرى القديس جيروم أن هذا القناع يشير إلى "برقع
الشريعة القديمة".. فالعروس إذ تلتقي براعيها عند الصليب وقت الظهيرة لا تعود
تلبس قناعاً (حجاباً) لقد انشق حجاب الهيكل، وأصبحنا ننظر مجد الرب بوجه مكشوف
(2كو 5: 18).. إن ذلك يشير إلى الدالة والحب.. لا نحتاج إلى برقع مثل موسى، بل
ندخل إلى أسرار الله ونكون في حضرته.

 

8 إِنْ لَمْ تَعْرِفِي أَيَّتُهَا الْجَمِيلَةُ بَيْنَ النِّسَاءِ،
فَاخْرُجِي عَلَى آثَارِ الْغَنَمِ، وَارْعَيْ جِدَاءَكِ عِنْدَ مَسَاكِنِ
الرُّعَاةِ.

هذا
أول كلام للعريس في سفر النشيد.. أنه ينادي العروس بقوله "أيتها الجميلة بين
النساء".. إن لها جاذبية عظمى عنده لأنه صار موضوع محبتها وإعزازها: [يا من
تحبه نفسي..].. إن المحبة هي قوة الجذب الكبيرة سواء بالنسبة لله وللمؤمنين من
أولاده.. إذ من لا ينجذب بل يذوب من محبة الرب له "الذي أحبني وبذل ذاته
لأجلي.." وبالمثل الله "إن أعطى الإنسان كل ما له عوض المحبة تحتقر
احتقاراً" "الذي يحبني يحبه أبي، انا أحبه وأظهر له ذاتي" (يو 14:
21).. أنها ليست جميلة بل "الجميلة بين النساء" رغم سوادها كخيام قيدار،
فقد صارت من فرط نعمته جميلة كشقق سليمان "بنات كثيرات عملن فضلاً، أما أنتِ
فقد فقتِ عليهن جميعاً" (أم 31: 29)..

 

8 فَاخْرُجِي عَلَى آثَارِ الْغَنَمِ

"إن
لم تعرفي.." عبارة يرددها العريس للعروس في صيغة التوبيخ اللطيف لأنها كانت
يجب أن تعرف أين يرعى وأين يُربض وقت الظهيرة!!

"فاخرجي
على آثار الغنم".. يقول رب المجد "إن دخل بي أحد فيخلص. ويدخل ويخرج
ويجد مرعى" (يو 10: 9).. فلا يكفي أن ندخل فقط إلى حجاله ومراعيه حيث التمتع
بالحبيب وحيث الشبع والأمن والسلام، لكن علينا أن نخرج للجهاد "فلنحاضر
بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا" (عب 12: 1).. قد يكون الخروج مؤلما لأنه
يحرم من اللذة والمتعة الروحية، لكن يكفينا أن الرب خرج سابقاً لنا أولاً، فقد سار
كالشاهد الأمين في طريق الآلام تاركاً لنا مثالاً لكي نتبع خطواته "فلنخرج
إذاً إليه خارج المحلة حاملين عاره" (عب 13: 13).

"على
آثار الغنم".. ماذا يعني بآثار الغنم؟ إن هذه تشير إلى الآباء القديسين
السابقين والمجاهدين الذين ما زالوا يسيرون مسيرة الجهاد.. هكذا يدعونا الرسول
"اذكروا مرشديكم الذين كلموكم بكلمة الله. أنظروا إلى نهاية سيرتهم وتمثلوا
بإيمانهم" (عب 13: 7).. "كونوا متمثلين بي كما أنا أيضاً بالمسيح"
(1كو 11: 1).. "وأنتم صرتم متمثلين بنا وبالرب" (1تي 1: 6)..
"كونوا متمثلين بي معاً أيها الأخوة ولاحظوا الذين يسيرون هكذا كما نحن عندكم
قدوة" (في 3: 17). وتبارك إلهنا المبارك الذي ترك لنا آثار الغنم حية باقية
في كتابات الآباء القديسين وسيرهم وجهادهم وأعمالهم.

ولعل
هذا يوضح لنا قيمة وأهمية الكنائس القديمة التي اتبعت التقليد القديم متمسكة بتراث
الآباء "مبنيين على أساس الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر
الزاوية" (أف 2: 20).

 

8 وَارْعَيْ جِدَاءَكِ

هناك
أقوال كثيرة فيمن ترمز إليهم الجداء، لكننا نعتقد أنهم إما المؤمنين اسماً وغير
الصالحين البعيدين عن الله، وإما غير المؤمنين على الإطلاق على نحو ما جاء في كلام
المسيح عن الدينونة الأخيرة "يقيم الخراف عن يمينه والجداء عن اليسار"
(مت 25: 33).. أنه تحذير لنا من الرب. فيجب أن نهتم بأخوتنا سواء البعيدين وغير
المؤمنين.. يجب أن تتملكنا الغيرة بالنسبة للذين لم يتذوقوا حلاوة الرب
"الكآبة ملكتني من أجل الخطاة الذين لم يحفظوا ناموسك" (مز 118).

أنه
يقول لها "جداءك".. إن هذا يُشعر بالمسئولية وإحساسنا أن هؤلاء
المعتبرين جداء هم مسئوليتنا، وعلينا أن نقدم لهم المسيح المخلص – ولو بدون كلمة –
(1بط 3: 1).. إن إنجيل المسيح هو قوة الله للخلاص لكل من يؤمن (رو 1: 16).

 

8 عِنْدَ مَسَاكِنِ الرُّعَاةِ.

والمقصود
بمساكن الرعاة الكنيسة وفيها الرعاة الذين أقامهم الرب لرعاية خرافه الناطقة –
أولئك الذين يكتب إليهم بطرس الرسول "ارعوا رعية الله التي بينكم نظاراً لا
عن اضطرار بل بالاختيار، ولا لربح قبيح بل بنشاط. ولا كمن يستولى على ميراث الله،
بل صائرين أمثلة للرعية. ومتى ظهر رئيس الرعاة تنالون إكليل المجد الذي لا
يبلى" (1بط 5: 2 – 4).

 

9 لَقَدْ شَبَّهْتُكِ يَا حَبِيبَتِي بِفَرَسٍ فِي مَرْكَبَاتِ
فِرْعَوْنَ.

عرف
سليمان أن جياد الخيل لا توجد إلا في مصر، حتى أنه وجميع ملوك الحيثيين وملوك آرام
كانوا يشترونها من هناك (1مل 10: 28، 29؛ 1أي 9: 25، 28).. وإذا كانت أجود الخيل
هي خيول مصر، فمن غير شك كان فرعون ينتقى أفضله.. "فرس في مركبات
فرعون"!! ومما لا ريب فيه فأن تلك الخيل كانت مدرّبة للسير معاً وهي تجر
المركبات في توافق وانسجام تامين!! إن في هذا مغزى جميل. فمن واجبنا كمؤمنين أن
ندرب أنفسنا على خدمة سيدنا وملكنا والعيشة مع أخوتنا في وفاق وانسجام
"مفتكرين فكراً واحداً. ولكم محبة واحدة بنفس واحدة، مفتكرين شيئاً
واحداً" (في 2: 2).

لقد
شُبهت الكنيسة في سفر الرؤيا بفرس أبيض والجالس عليه معه قوس وقد أُعطي إكليلاً
وخرج غالباً ولكي يغلب (رؤ 6: 2).. ودُعي الرب رب الكنيسة "الجالس على
الفرس" (رؤ 19: 19، 21).

وتستخدم
الخيل في اللغة للتعبير عن القوة والقدرة في المعارك الحربية. كما شير الخيل إلي
خوة الله السماوية العلوية..

وإيليا
أصعد إلي السماء في مركبة نارية يجرها خيل..

وبينما
كان ملك ارام يحارب ملك إسرائيل، كشف الله عن عيني جيحزي تلميذ أليشع " أبصر
وإذا الجبل مملوء خيلا ومركبات نار حول أليشع" (2 مل 6: 8).

أما
قوله " فرس في مركبات فرعون "، ربما ليؤكد أنه وإن صار المؤمنون كخيل
للرب يحملون السمة السماوية، لكنهم في نفس الوقت " مركبات فرعون " أي
يعيشون علي الأرض في مصر – رمز الغربة..

يتكلم
بولس الرسول عن المؤمنين والحرب الروحية فيقول " لسنا حسب الجسد نحارب. إذ
أسلخة محاربتنا ليست جسدية، بل قادرة بالله علي هدم حصون. هادمين ظنونا وكل علو
يرتفع ضد معرفة الله، ومستأسرين كل فكر إلي طاعة المسيح" (2كو 10: 3- 5).

والعروس
تري في سفر النشيد مرارا في زي حربي، وفي صورة الجهاد. فهي "مرهبة كجيش
بألوية" (نش 6 ك 4، 10)

هذه
هي الحالة التي يجب أن يكون عليها المؤمن، فلا يكفي أن يعرف أنه عروس المسيح ولكن
عليه أن يعرف أن يكون جنديا صالحا ليسوع المسيح، وعليه أن يجاهد تحت لواء القائد
الأعلي الرب يسوع المسيح.

 

10 مَا أَجْمَلَ خَدَّيْكِ بِسُمُوطٍ، وَعُنُقَكِ بِقَلاَئِدَ!

السموط
هي صفوف الجواهر – والجمان هر اللؤلؤ – أي حبات من فضة كاللؤلؤ.

جمال
خدي العروس وعنقها ليس طبيعيا. لأن العريس هو الذي خلعه عليها. وهذا هو الذي
أكسبها جمال.. هكذا نحن الذين بالأثم حبل بنا وبالخطية ولدتنا أمهاتنا – ليس فينا
جمال.. وهل كان لأعناقنا شئ من الجمال ونحن غلاظ الرقاب. لكن شكرا لإلهنا الذي
ألبسنا ثياب الخلاص وكسانا رداء البر مثل عروس تتزين بحليها (إش 61: 10)، ومن أجل
" زينة الروح الوديع الهادئ الذي هو قدام الله كثير الثمن" (1 بط 3: 4).

إن
العريس هو الذي زين عروسه وجملها بالفضائل فلم يبق فيها أمام عينيه ما يشينها
"كلك جميل يا حبيبتي ليس فيك عيبة" (نش 4: 7)..إن العريس في إعجابه
بعروسه – مع أنها لا تزال في البرية – يراها كاملة في كماله هو، كما أن رفقة كانت
قد ازدانت بجواهر اسحق قبل أن تصل إليه!!

إذ
رأي العريس أن السموط والقلائد الذهبية قد زينت العروس وجعلتها جميلة في عينيه،
قصد في نعمته الغنية أن يزينها أكثر، فكشف لها عما يخلج نفسه بقوله " نصنع لك
سلاسل من ذهب مع جمان من فضة".. إنه هو الذي ابتداء فيها عملا صالحا، لابد
وأن يكمل إلي يوم مجيئه..

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس قاموس الكنيسة باراكليت ت

إن رب
المجد يريد أن يكون المؤمن متحليا ومزينا بالفضائل المسيحية، ناميا دائما في
النعمة وفي معرفته، لأن المعرفة " هي خير من الذهب المختار وكل الجواهر لا
تساويها". ولابد أن يأتي سريعا ذلك العريس المبارك – الذي من أجل حبه لنا كلل
بإكليل الشوك – ويصنع بيده المباركة إكليلا مرصعا – لا بالجمان والفضة – بل بالمجد
الذي لا يبلي ولا يتدنس ولا يضمحل!!

 

11 نَصْنَعُ لَكِ سَلاَسِلَ مِنْ ذَهَبٍ مَعَ جُمَانٍ مِنْ فِضَّةٍ.

نلاحظ
هنا كلمة " نصنع " بصيغة الجمع. إن في ذلك إشارة إلي عمل الثالوث
القدوس، علي نحو ما قيل عند بدء الخليقة " نعمل الإنسان علي صورتنا
كشبهنا" (تك 1: 26)..

إن في
سلاسل الذهب والجمان من الفضة صورة رمزية للنعمة والبر الإلهيين.. إن الذهب يرمز
إلي كل ما هو إلهي والفضة ترمز إلي الفداء (1 يط 1: 8).

 

12 مَا دَامَ الْمَلِكُ فِي مَجْلِسِهِ أَفَاحَ نَارِدِينِي
رَائِحَتَهُ.

المعني
الحرفي لهذه الاية هو "مادام الملك جالسا ومتكئا علي مائدته فالناردين الذي
لي تفوح رائحته الذكية".

هنل
نري مشهدا جديدا، إنه ليس مشهد الراعي وقطيعه، ولا هو مشهد الحرب و الجهاد. لكن
الروح القدس يأتي بنا إلي الأقداس حيث "الملك جالسا علي مائدته"، وهذا
يقودنا إلي الوصف الرائع لمائدة سليمان الملك.. " وكان طعام سليمان لليوم
الواحد ثلاثين كر سميذ وستين كر دقيق وعشرة ثيران مسمنة وعشرين ثورا من المراعي
ومئة خروف ما عدا الأيائل والظباء واليحامير والأوز المسمن".. وهذه الأطعمة
الفاخرة كانت " للملك سليمان ولكل من تقدم إلي مائدة الملك سليمان" (1 مل
4: 22، 23، 27". وكان طعام مائته من بين الأمور التي أدهشت ملكة سبأ حتي لم
يبق فيها روح بعد (1 مل 10: 5)..

ولكن
المسيح يقول عن ذاته " وهوذا أعظم من سليمان ههنا".. إن ربنا يسوع
المسيح هو الملك الحقيقي، بل ملك الملوك ورب الأرباب.. وفي أي وقت نقترب إليه
ونلتف حوله كخاصته المحبوبة نجده متكئا علي مائدته مهيئا طعاما دسما لأن "
أمامه شبع سرور وفي يمينه نعم إلي الأبد" (مز 16: 11).. ومع أننا نسير في
غربتنا في أرض مقفرة ومكان بلا ماء، إلا أنه " يرتب قدامنا مائدة تجاه
مضايقينا" (مز 23: 5) فنأكل ونشبع ونرتوي " كما من شحم ودسم وتشبع نفسي
وبشفتي الابتهاج يسبحك في" (مز 63: 5).. نعم إننا إذ تتغذي نفوسنا به، تفيض
في حضرته قلوبنا بأغاني الحمد والتسبيح وتنسكب عواطفنا بالسجود والتعبد له فتنتعش
نفسه برائحة الناردين الخالص الكثير الثمن.

"
أغني للرب في حياتي. أرنم لإلهي ما دمت موجودا، فيلذ له نشيدي" (مز 104: 33،
34)

إن
كلمات العروس تذكرنا بما حدث في بيت عنيا بعد إقامة لعازر من الأموات فقد عمل للرب
يسوع عشاء، وكان لعازر أحد المتكئين معه وأما مرثا فكانت كعادتها تخدم، بينما كسرت
مريم قارورة طيب خالص كثير الثمن ودهنت به قدميه ومسحتهما بشعرها. ويعتبر لعازر
صورة للمؤمنين الحقيقين الذين صارت لهم شركة مع المسيح بعد أن أقيموا روحيا. ومرثا
تعتبر صورة للخدام النشطين، أما مريم فتقدم صورة للقديسين الذين امتلأت قلوبهم
بمحبة الرب وتكرست له ولعبادته!!!

 

12 نَارِدِينِي

ومع
أن العروس في ذاتها لا تملك شيئا، وليس الناردين الذي معها إلا من هباته له ومن
" ثمر الروح " الساكن فيها، إلا أنها تعتبر أن هباته صارت ملكا لها!!
ومع ذلك تعود وتقدمها له " لأن منك الجميع، ومن يدك أعطيناك" (1 أي 29:
14).

 

13 صُرَّةُ الْمُرِّ حَبِيبِي لِي. بَيْنَ ثَدْيَيَّ يَبِيتُ.

أن
الوصف العريس بأنه " صرة المر " إنما يشير إلي أنه " رجل أوجاع
ومختبر الحزن" (إش 53: 3).. كان الرب يسوع رجل أوجاع والام في حياته وفي
مماته. وللمر علاقة به من بدء حياته بالجسد علي الأرض إلي خاتمها. فبعد ولادته قدم
له المجوس هدايا من بينها المر. وعلي الصليب قال " أنا عطشان" فأعطوه
خلا ممزوجا بمرارة.. وما أعمق التعبير " صرة المر " وكأن كل أنواع
الالام والأحزان اختبرها " مجربا في كل شئ مثلنا بلا خطية" (عب 4: 15).

و
العروس وقد أدركت هذه الحقيقة، زادها ذلك تعلقا به لذا تقول عنه " صرة المر،
حبيبي لي " أن أن هذا الحبيب هو حبيبها وقد امتلكته.

استخدمت
عبارة " صرة المر " لأنه بحسب الشريعة كل شئ غير مربوط ومغلق يكون دنا
(عدد 19: 15)، النفس التي تمس ما هو دنس تتدنس. أما الرب يسوع فليس فيه قط عيب، بل
كل ما فيه طاهر ونقي. تتلامس معه النفس فتتقدس.

لم
تقل " في قلبي يبيت " بل بين ثديي يبيت".. لعل هذا التعبير مأخوذ
عن عادة قديمة حينما كانت الزوجة تعلق في عنقها ما يشبه السلسلة بها صورة صغيرة
لزوجها الغائب علامة حبها وولائها له. وكانت هذه الصورة تستقر علي صدرها (بين
ثدييها).

وللملك
ثديان هما العهد القديم والعهد الجديد، بهما تتغذي الكنيسة، كذلك فإن عروسه لها
ذات الثديان. فكتاب الله هو كتاب الكنيسة، يفرح الرب حين يجد كنيسته تقدم للعالم
كلمته غذاء للنفوس.

 

14 طَاقَةُ فَاغِيَةٍ حَبِيبِي لِي فِي كُرُومِ عَيْنِ جَدْيٍ.

طاقة
فاغية أي عنقود حناء.. والمعني أن حبيبي لي كعنقود حناء في كروم عين جدي، (و عين
جدي هي واحة علي الشاطئ الغربي للبحر الميت وتبعد 35 ميلا عن أورشليم). واستخدام
الحناء للعرائس تقليد قديم وما زال شائعا بين العوام.. كانت العروس تضع الحناء في
يديها طيلة الليلة السابقة لزفافها (ليلة الحنا، الحنة) فتصير يدها حمراء.

إن
كان العريس وهو الملك يمسك بصليبه كصولجان ملكه، فإن العروس تمسك بعريسها في يدها
وتطبق عليه فترتسم علامة ملكه عليه.. إنها تحمل اللون الأحمر، لون الدم.. إنها لن
تكون له إلا إذا حملت علامات الصليب وتصير حمراء كعريسها.. إن هذا هو سر قوتها بل
هو سر جمالها في نظر عريسها.

إن
كان حبيبها لها كصرة المر وبين ثدييها يبيت، فهو أيضا حبيبها الذي لها كعنقود
الحناء.. وما أجمل هذا الزهر فإن رائحته الذكية تنتشر فيعطر الهواء برائحته. وكم
هو جميل أن تري العروس حاملة علي يديها " طاقة فارغة".. إن هذا رمزا
للشهادة للرب، تعلن اسمه للجميع لا بالكلام فقط بي بإظهار صفاته في حياتها.

يقول
البعض إن " صرة المر " تشير إلي الام المسيح وموته، و" طاقة فاغية
" تشير إلي المسيح القائم من بين الأموات.

 

15 هَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ يَا حَبِيبَتِي، هَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ.
عَيْنَاكِ حَمَامَتَانِ.

يري
السيد المسيح في كنسيته جمالا سره يكمن في العينين الحمامتين بعد أن حل عليها
الروح القدس الذي يظهر علي شكل حمامة، ووهبها استنارة داخلية.. ولماذا العينان
حمامتان؟ لأنهما ينظران ويدركان بطريقة روحية.. إن العينين هنا يشيران إلي عيني
القلب وليس إلي العينين الجسديتين.. وتشير العينان الحمامتان إلي النفس البسيطة
التي سرعان ما تعترف بخطيتها، وتأتي إلي الرب في توبة صادقة كقول حزقيال النبي
" يكومون كالحمام يهدرون كل واحد علي اثمه" (حز 7: 16)..

والعينان
البسيطتان تشيران إلي بساطة القلب في التعامل مع الاخرين كما يقول الرب "
كونوا بسطاء كالحمام"..

يقول
أغسطينوس " لاحظ كيف يحفظ الحمام حياة الحب، فإنه حتي إن تنازع، ففي بساطة لا
يفترقون عن بعضهم البعض "

يقول
القديس أنبروسيوس إن السيد المسيح يري كنيسته دائما كحمامة، إذ يراها في المعمودية
تلبس الثوب الأبيض الذي بلا دنس، تحطم كل ظلمة في المياه وتصير عيناها حمامتين لأن
الروح القدس ينزل من السماء علي شكل حمامة.

وإذ
تصير عينا المؤمن في المعمودية كحمامتين، إنما تصير حياته كلها كحمامة، لأنه
" إن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيرا. وإن كانت عينك شريرة فجسدك كله
يكون مظلما" (مت 6: 22، 23).. هكذا يستنير الجسد كله.

ثم هناك
أمر هام في هذه الاية: أليس عجيبا أن يتغني العريس بجمال عروسه التي شهدت بأنها
سوداء؟! ويقول لها " ها أنت جميلة يا حبيبتي، ها أنت جميلة". فمن أين
أتاها هذا الجمال؟ هل ورثته عن أبويها " هأنذا بالإثم حبل بي وبالخطية ولدتني
أمي".. أهو جمال طبيعي " كل الرأس مريض والقلب سقيم. من اسفل القدم إلي
الرأس ليس فيه صحة بل جرح وإحباط وضربة طرية لم تعصر ولم تعصب ولم تلين
بالزيت" (إش 1: 5،6).."فإني أعلم أنه ليس ساكن في أي في جسدي شئ
صالح" (رو 7: 18).. إذن كيف يراها العريس جميلة؟

إنه
يراها جميلة في شخصه، فلقد مات لأجلها وحمل خطاياها في جسده علي الخشبة ودمه طهرها
" أحب المسيح أيضا الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها لكي يقدسها مطهرا إياها بغسل
الماء بالكلمة لكي يحضرها لنفسه كنيسة مجيدة لا دنس فيها ولا غضن وشئ من ذلك بل
تكون مقدسة وبلا عيب" (أف 5: 25 – 27). والمسيح له المجد لأنه أحبنا وقد صنع
بنفسه تطهيرا لخطايانا لا يمكن أن يري فينا شيئا من صورتنا القديمة " الأشياء
العتيقة قد مضت، هوذا الكل قد صار جديدا" (2 كو 5: 17).

ثم
غنه لا يقول لها ستكونين جميلة في المجد، ولكن ها أنت جميلة من الان. صحيح إننا
كنا أمواتا بالذنوب والخطايا التي سلكنا فيها قبلا، ولكن الله الغني في الرحمة
أحيانا مع المسيح وأقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع (أف 2:
5،6).. " لأنكم قد متم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله" (كو 3: 3)..
هذه هي الحالة التي صرنا فيها الان أمام الله وبنعمته.. واضح إذن أن العروس أصبحت
جميلة في عيني عريسها علي أساس عمله المبارك.

 

16 هَا أَنْتَ جَمِيلٌ يَا حَبِيبِي وَحُلْوٌ، وَسَرِيرُنَا أَخْضَرُ.

في
الاية السابقة سمعنا العريس الملك يقول " ها أنت جميلة يا حبيبتي، ها أنت
جميلة " وهنا العروس لا تجد أفضل من كلمات عريسها تخاطبه بها فتقول له "
ها أنت جميل يا حبيبي وحلو".. إن محبتنا مهما سمت وزادت عمقا فهي صدي لمحبته
هو " نحن نحبه لأنه هو أحبنا أولا".. إن هذه نتيجة حتمية للشركة العميقة
بين العروس وعريسها " فلما رأوا مجاهرة بطرس ويوحنا ووجدوا أنهما إنسانان
عديما العلم وعاميان تعجبوا فعرفوهما أنهما كانا مع يسوع" (أع 4: 13).

إن
كلمات العروس لم تستمدها من أي مصدر بل مصدرها الشركة الشخصية العميقة مع العريس.
فالنفس التي تعرفت علي الرب تهتف قائلة " ها أنت جميل يا حبيبي وحلو"..
"أَنْتَ أَبْرَعُ جَمَالاً مِنْ بَنِي الْبَشَرِ".. وفرق بين معرفة
السماع ومعرفة الاختبار. ولكن النفس التي لم تتعرف عليه لا تجد فيه جمالا ولا
حلاوة.. لقد كانت خيمة الاجتماع رمزا لربنا يسوع المسيح.. الكلمة الذي صار جسدا
وحل بيننا.. فكل من دخل الخيمة ورأي محتوياتها من الداخل لا يسعه إلا أن يهتف
"مساكنك محبوبة يا رب إله القوات".." واحدة سألت الرب وإياها ألتمس
أن أسكن في بيت الرب كل أيام حياتي لكي أعاين جمال الرب وأتفرس في هيكله المقدس
" (مز 27). وأما من مر علي الخيمة من الخارج فلا يري فيها سوي جلود الكباش
المحمرة وشعر المعزي وجلود التيس التي لا جمال لها أمثال هؤلاء يروا الرب "
لا صورة له ولا جمال فننظر إليه ولا منظر فنشتهيه" (إش 53).. هذا كان لسان
حال اليهود " أليس هذا هو ابن النجار " إنه ببلعلزبول رئيس الشياطين
يخرج الشياطين.. إلخ.

 

16 وَسَرِيرُنَا أَخْضَرُ.

ما
هذا السرير الذي ينسب للعريس والعروس (سريرنا)، إلا الجسد الذي تستريح فيه النفس
ويسكن الرب فيه وصار هيكلا مقدسا له.. فيه يلتقي الرب بالنفس البشرية وتنعم
بالشركة معه، لذا دعي " أخضر " أي مثمر يانع.

ولم
يقل "سريري" بل "سريرنا" فإن جسدها لم يعد ملكا لها بل ملك
العريس – لذا دعا الرسول أجسادنا أعضاء المسيح (1كو 6: 15). إن أجسادنا تحمل
انعكاسا للوحدة الداخلية بين الكلمة الإلهي والنفس.

والسرير
الأخضر يرمز إلي "سر التجسد"، فالكلمة أخذ جسدا وكل ما لنا.. أخذ
بشريتنا وحملنا فيها. هكذا نتطلع إلي جسده كسرير لنا نستريح فيه، ونري اتحادنا معه
فيه!!

 

17 جَوَائِزُ بَيْتِنَا أَرْزٌ، وَرَوَافِدُنَا سَرْوٌ.

جوائز
أي عوارض، والروافد هي الأسقف المائلة.

يري
العلامة أوريجينوس أن الروافد أي الأسقف المائلة التي فوق المنزل والتي تحميه من
حرارة الشمس والعواصف والأمطار إنما هم الأساقفة الذين يعملون بروح المسيح للحفاظ
علي المؤمنين.. أما الجوائز أي العوارض التي خلالها يتماسك البيت كله فهم المهنة
الذين يخدمون لبنيان أولاد الله.

بماذا
يمتاز شجر السرو؟

تمتاز
شجرة السرو بقوتها بقوتها العظيمة ورائحتها الجميلة (الأسقف يجب أن تتوفر فيه
ناحيتان التقوي والسلوك الروحي والقدرة علي التعليم ونشر رائحة المسيح الذكية.. أي
يخدم بحياته وتعليمه).. كما يمتاز بالعلو الشاهق إشارة إلي قلب الأسقف وعقله
المرتفع إلي السمويات. وخشب الأرز المشبه الكهنة.. يمتاز باستقامته ورائحته
الطيبة.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي