الإصحَاحُ
الرَّابعُ

 

هذا
هو سر التحول الجِذرى الذى حدث فى النفس البشرية، فنقلها من قارعة الطريق إلى أن
صلُحَت لمملكة. والسر هو فى قوله: " كان كاملاً ببهائى الذى جعلته عليك.
" فحين تفتح حياتك لنور المسيح ليدخل إلى قلبك فيضيئ بنوره فى ظلمة الخطية
الرابضة فى القلب.

اسمعه
وهو يقول: " كن غيوراً وتب. هنذا واقف على الباب وأقرع إن سمع أحد صوتي وفتح
الباب أدخل إليه وأتعشى معه وهو معي. " (رؤ 3: 19، 20)

 

أخى
الحبيب، هل تأتى معى لندعوه ليدخل إلى القلب الذى خلقه ليكون له، فنقول له كما
نصلى فى قطع صلاة الساعة الثالثة من الأجبية المقدسة:

 

[
أيها الملك السماوى المعزى روح الحق الحاضر فى كل مكان، والمالئ الكل. كنز
الصالحات ومعطى الحياة، هلم تفضل وحل فينا وطهرنا من كل دنس أيها الصالح وخلص
نفوسنا. ]

 

من
الرب نسأل أن يمتعنا ببركة دراسة هذا السفر دراسة عملية تطبيقية، حتى نتمتع بعريس
النفس الغالى الرب يسوع المسيح ونحن فى غربة وبرية هذا العالم ببركة صلوات أمنا
القديسة والدة الإله العذراء مريم، وسائر آبائنا القديسين، وبركة صلوات خليفة
القديس مار مرقس الرسولى البابا المعظم الأنبا شنوده الثالث. أدام الرب حياته.
آمين.

 

عريس
نفسى الغالى الرب يسوع المسيح، أشكرك لأنك حملتنى على ذراعيك الأبديتين وغسلّتنى
بالمعمودية ومسحتنى بالميرون. صرت أنت ثوب برى. أختفى فيك. بل صرت أكلى وشربى.
فرحتى وبهجتى. أشرقت ببهائك علىَّ فصارت أعماقى جميلة ببهائك.

حسبتنى
إبناً لك. عروساً مقدسة لملك الملوك. اجلستنى فى السماويات. ناديتنى: أختى العروس.

من
يهتم بى مثلك. تعال إلى قلبى يا عريس نفسى. لتدخل وتتعشىَّ معى، فأنا عروسٌ لك
ولغيرك لن أكون.

أحبك
يا من أحببتنى.

 

عيناك حمامتان

" ها أنت جميلة يا حبيبتي. ها أنت جميلة عيناك حمامتان من تحت
نقابك شعرك كقطيع معز رابض على جبل جلعاد. " (نش 4: 1)

 

نبدأ
بنعمة الله فى الموضوع الأول من الإصحاح الرابع من سفر نشيد الأناشيد. وفيه نرى
العريس السماوى وهو يتغنى فى جمال العروس التى هى الكنيسة جماعة المؤمنين أفراداً
كنا أو جماعة. فيقول ويكرر قوله: " ها أنت جميلة ". وهدف التكرار هو
تأكيد لإعجابه بهذه العروس.

فبرغم
أن النفس البشرية قد شوهتها الخطية وأفسدت الصورة البهية التى خلقنا الله عليها،
إلا أن الرب فى حنانه عاد ودفع ثمن خطايانا واشترانا بدمه. فعاد لنا جماله هو الذى
طبعه علينا. فسترنا بثوب بره وكسانا برداء خلاصه. حينئذ ظهر بريق جماله المنعكس
علينا فيعطينا سبع صفات مجيدة يرانا فيها كعروس جميلة بلا عيب.

وسنركز
الحديث عن الصفة الأولى فقط فى هذا الموضوع، إذ يقول لها: " عيناك حمامتان من
تحت النقاب ". وذلك من خلال ثلاث كلمات، هى:

o البصيرة الروحية.
[ عيناكِ ]

o القداسة الداخلية.
[ حمامتان ]

o العلاقة السرية. [
من تحت نقابك ]

 

أولاً:
البصيرة الروحية

أول
شئ يلفت نظر العريس الرب يسوع فى النفس البشرية، هى عينا العروس. وهى المنافذ التى
بها تستطيع أن تعاين جمال المحبوب وتتكحل برؤيته، وبدونها يبدو العريس خيالاً
وتصبح صفاته قصة أو رواية لا واقع.

والواقع
أن البشر تجاه هذه البصيرة الروحية ثلاثة أنواع، هى:

 

1)
أعمى وعريان:

كثيرون
لهم عيون لكنهم لا يُبصرون. وذلك بسبب أن رئيس هذا الدهر قد أعمى عيونهم بملذات
العالم ومجده الفانى وشهواته الدنسة، فأصبحوا روحياً فى عداد العميان. وهذا النوع
الأول من العميان يعترف بهذا العمى الروحى، وشعارهم: أنا لا أفهم فى الدين. مثلما
فعل الوالى غاليون وهو يحاكم بولس إذ قال: " ولكن إذا كان مسئلة عن كلمة
وأسماء وناموسكم فتبصرون أنتم لأني لست أشاء أن أكون قاضيا لهذه الأمور فطردهم من
الكرسي. " (أع 18: 15، 16)

والواقع
أن الاكتفاء بالاعتراف بالخطية والوقوف عند هذا الحد، سيؤدى حتماً إلى هلاك أكيد.
فالكتاب قال: " من يكتم خطاياه لا ينجح ومن يُقر بها ويتركها يُرحم "
(أم 28: 13)

 

2)
إدعاء وبهتان:

وهذا
النوع من البشر لا يريد أن يعترف بحالة العمى الروحى ويحاول أن يُضلل واقعه المرير
بأنه أفضل من غيره، حتى أفضل من كثير من رجال الدين. أو أن كل الناس يعملون نفس
الشئ. أو أن ما يعمله هى طيش شباب ومراهقة، ومتى جاء الوقت سيتوب لكن يجب أن يعيش
شبابه. إلى آخر هذه القائمة التى يحاول أن يبرر بها نفسه أمام الله. لكن الرب قد
بكتهم بقوله: " لأنك تقول إني أنا غني وقد استغنيت ولا حاجة لي إلى شيء ولست
تعلم أنك أنت الشقي والبئس وفقير وأعمى وعريان " (رؤ 3: 17). لذا أنت بلا عذر
أيها الإنسان.

 

3)
صراخ فإبصار:

وهذا
النوع الثالث من البشر، الذين اصلى من كل قلبى أن أكون أنا وانت واحداً منهم. هذا
النوع يعرف أنه أعمى وأن الخطية قد أعمت بصيرته الروحية، لكنه لا يقف عند حد معرفة
ضعفه، بل يأتى ويصرخ من قلبه مع برتيماوس الأعمى الذى كان أعمى يستعطى، وسمع أن
يسوع الطبيب الشافى الذى يهب البصر للعميان والبصيرة لعميان القلب، فصرخ بشدة:
" يا يسوع إبن داود ارحمني. فانتهره المتقدمون ليسكت أما هو فصرخ أكثر كثيراً
يا ابن داود ارحمني فوقف يسوع وأمر أن يقدم إليه ولما أقترب سأله قائلا ماذا تريد
أن أفعل بك فقال يا سيد أن أُبصر. فقال له يسوع أبصر إيمانك قد شفاك وفي الحال
أبصر وتبعه وهو يمجد الله. " (لو 18: 38  43)

أخى
الحبيب، ماذا عن عينيك أنت؟ من أى نوع أنت؟

هل لك
عيون لا تبصر بها جمال المسيح، وتدخل الكنيسة فلا ترى إلا أناساً يتحركون، ولا ترى
العريس السماوى ومعه قديسيه فى الكنيسة بيت الملائكة؟

أم أن
قساوة القلب تسربت إلى قلبك تدريجياً فتصورت أن الكل عميان ولا غضاضة أن تكون أنت
واحداً منهم؟

أم
أنك بنعمة الله قررت أن تأتى إلى البصير الأعظم والشافى الحقيقى لتعرض عليه المرض
واثقاً فى شفائه مؤمناً بأنه قادر أن يهبك بصيرة روحية بها ترى من لا يُرى؟

يقول
الأب الكاهن فى أوشية الإنجيل:

[
طوبى لعيونكم لأنها تبصر وآذانكم لأنها تسمع، فلنستحق أن نسمع ونعمل بأناجيلك
المقدسة بطلبات قديسيك ]

 

ثانياً:
القداسة الداخلية

يقول
العريس فى مدح عروسه: " عيناك حمامتان. " لاحظ أنه لم يقل: " عيناك
مثل عينى الحمام. " بل يقول عن عينيها أنهما حمامتان. فيما يلى:

 

1) فى
قداستها: فهى رمز للروح القدس الذى حل على الرب يسوع فى صورة حمامة. لذا فهذه
العروس إذ تتمتع بعمل الروح القدس فى حياتها، يطبع الروح عليها صورته، فتسلك
بالروح وتترفع عن الأرضيات وتسمو إلى السماويات.

هل
تذكر ما سجله الكتاب عن الحمامة التى أرسلها نوح قديماً ليتجسس الأرض وليرى هل جفت
الأرض أم لا. يقول الكتاب: " فلم تجد الحمامة مقراً لرجلها، فرجعت إليه إلى
الفلك لأن مياهاً كانت على وجه كل الأرض، فمد يده وأخذها وأدخلها عنده إلى الفلك
" (تك 8: 9) لم تجد مكاناً لها وسط الجثث المتعفنة والرمم المتحللة. عكس
الغراب الذى خرج متردداً ولم يعد. نعم، الطيور على اشكالها تقع، فحيث تكون الجثة
هناك تجتمع النسور. فحين تكون حياتنا كالغراب فى بحثه عن الجثث يكون بحثنا عن
الخطية مهما كلفنا الأمر. أما أذا طبع علينا الروح القدس قداسته، يكون مكاننا هو
المسيح فلك النجاة فى كنيسته.

 

2) فى
بساطتها: لذا قال الرب يسوع المسيح " كونوا حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام
" (مت 10: 16). وهى البساطة التى كان يتمتع بها أباؤنا القديسون إذ يقول عنهم
الكتاب: " كانوا يتناولون الطعام بإبتهاج وبساطة قلب " (أع 2: 46)، فلا
يميزون بين ملكية لشخص أو لآخر، بل كان كل شئٍ بينهم مشتركاً. كما لم يكن يعنيهم
ما يقول الناس عنهم، بل فى بساطة قلب كانوا يقبلون الكل ويحبون الكل بلا تمييز لذا
فلقد حذرنا معلمنا بولس الرسول من أن نفقد البساطة فى حياتنا فقال: " أخاف
أنه كما خدعت الحية حواء بمكرها هكذا تفسد أذهانكم عن البساطة التي في المسيح
" (2كو 11: 3)

كذلك
نرى القديس يوسف النجار خطيب العذراء مريم الذى إذ علم بأن العذراء حامل، و قبل أن
يرشده الملاك إلى براءتها، كان من حقه أن يرجمها. لكن الكتاب يسجل بساطة هذا
القديس ووداعته كالحمام فيقول: " فيوسف رجلها إذ كان باراً ولم يشأ أن يشهرها
أراد تخليتها سراً " (مت 1: 19) يا لروعة بساطة الإيمان !! أين نحن اليوم من
أسرار الناس التى نعرفها؟ هل لنا العين البسيطة كالحمام يستر عيوب الناس ولا يكشف
أسرارهم؟؟

إلا
أن العين البسيطة لا تعنى على الإطلاق العين العبيطة. فالبساطة فى كلمة الله
كالحمام، تكون مرتبطة دائماً بالحكمة كالحيات.

 

3) فى
إخلاصها: لعل من أجمل ما يميز الحمام هو عدم تعدد الزيجات. فنجد أن لكل ذكر أنثاه
والعكس. إلى الدرجة أن الذكر قد يبقى بلا زوجة طيلة حياته إذا فقد أنثاه. إنها
العين المقدسة التى فيها يخلص الزوج لزوجته فى نظراته للأخريات، وكذلك الزوجة تخلص
لزوجها فى نظراتها للأخرين حتى فى غياب الزوج. لذا قال الكتاب: " ولكن لسبب
الزنا ليكن لكل واحد إمراته وليكن لكل واحدة رجلها " (1كو 7: 2)، ولقد حذرنا
الرب من النظرة الشريرة مؤكداً أنه: " كل من ينظر إلى إمرأة ليشتهيها فقد زنى
بها في قلبه " (مت 5: 28). لذا يقول الأب الكاهن فى صلاة الإكليل: [ هكذا اتخذ
سائر الأباء القديسين إمرأة واحدة بطهر ونقاء لطلب الذُرية وإيجاد الخلف. ]

كذلك
نرى الحمام فى إخلاصه فى أداء المهام التى توكل إليه، فقديماً كنا نرى الحمام
الزاجل الذى كان يستخدم فى نقل الرسائل، فهو يواجه المخاطر ويسافر البلاد البعيدة
لينقل خبراً. كذلك المؤمن الذى له حياة الحمام. نراه مخلصاً فى عمله، ومع أسرته،
وفى خدمته. شعاره: " وكل ما فعلتم فاعملوا من القلب كما للرب ليس للناس
" (كو 3: 23)

4) فى
سلامها: فالحمام هو رمز السلام. فحين نحيا فى قداسة الروح، ونترك المجال للروح
القدس أن يقدسنا ويحفظنا من الغضب الذى لا يصنع بر الله، تكون النتيجة أننا نتمتع
بثمر الروح الذى هو محبة فرح سلام. لذا قال الكتاب: " وثمر البر يُزرع في
السلام من الذين يفعلون السلام " (يع 3: 18)

أخى
الحبيب، أين أنت من عيون الحمام؟؟ هل لك الإخلاص لله ولشريكة حياتك؟ هل أنت بسيط
تأخذ الأمور فى بساطة بلا تعقيد فى العلاقات أو فى حل المشاكل فتكون صانع سلام
لحياتك ولحياة الآخرين؟

 

ثالثاً:
العلاقة السرية

يقول
العريس: " عيناك حمامتان من تحت نقاب. " والنقاب هو برقع أو غطاء تضعه
المرأة على وجهها. فتكون لهذه العروس عينان طاهرتان خاشعتان مستورتان وراء هذا البرقع.
إنه دليل العلاقة السرية الخاصة التى تربط العريس بعروسه. فلا يراها آخر غيره، لقد
ارتبطت بالعريس بعلاقة خفية، تعجز الكلمات أن تكشف عنها.

وأنت
يا أخى القارئ، هل ارتبطت بعلاقة سرية خاصة بينك وبين حبيبك فى مخدعك وخلوتك
اليومية؟ هل حين تدخل الكنيسة يشغلك الداخلون والخارجون أم تربطك بالعريس السماوى
الموجود فى الكنيسة علاقة سرية خاصة. كتلك التى كانت بين المسيح وبين القديس
أرسانيوس معلم أولاد الملوك الذى كان يقف خلف العمود الذى سُمِى بعد ذلك باسم عمود
أرسانيوس حيث يجرى حديثه سراً مع الحبيب الغالى، وتسيل الدموع على خديه حباً فتحفر
فى وجهه أخدوداً. يالروعة خصوصية الحب. فنحن لا نعلم ماذا كان يقول، ولا ما هى
المشاعر التى كانت تربط بين القديس الأنبا بولا أول السواح وبين عريسه الغالى. تلك
التى جعلته يترك العالم ويبقى فى البرية عشرات السنين لا يرى فيها وجه إنسان.

كذلك
القديس بولس الرسول حين اختُطِفَ إلى السماء الثالثة وتمتع بما لم تره عين، ما لم
تسمع به أذن، وما لم يخطر على قلب بشر. نراه يقول: " سمع كلمات لا ينطق بها
ولا يسوغ لإنسان أن يتكلم بها " (2كو 12: 4)

أخى
الحبيب. تُرى متى نبدأ أن ندخل فى عمق الشركة الروحية والعلاقة الخصوصية السامية
فى الخلوة اليومية وفى القداسات الإلهية، فيمضى الوقت ونحن لا ندرى ولا نكل أو نمل.
بل نتمتع بوهج العلاقة المشتعلة فى الداخل. وإذ يرى الأخرون حرارة هذه النار
يشتاقون للأشتعال بها ولحلاوة دفء حرارتها.

سيدى
الرب يسوع المسيح عريس نفسى الغالى. اشكرك لأجل عينيك الجميلتين اللتين أبصرتنى فى
جمال.

إنى
أعرف قبح حياتى، وآتى إليك لتجملنى وتكملنى ببرك وبعمل نعمتك فتكون لىَّ عينا
الحمام فى قداسته وطهارته واخلاصه ووداعته.

تنازل
وامنحنى البصيرة الروحية التى أستطيع بها أن أعاين مجد عشرتك وحلو بيعتك فيجرى
حديثى معك دون ملل.

انزع
عيون الشر من قلبى وامنحنى عيوناً روحية طاهرة مقدسة. آمين

 

حياة
التكريس

"
ها أنت جميلة يا حبيبتي. ها أنت جميلة عيناك حمامتان من تحت نقابك. شعرك كقطيع معز
رابض على جبل جلعاد. " (نش 4: 1)

نأتى
إلى الصفة الثانية فى العروس التى يتغزل فيها العريس السماوى. فبعد أن تكلمنا عن
عينى العروس اللتين كالحمامتين، نعود لنرى العريس فى نفس العدد الأول من هذا
الإصحاح الرابع، نراه يتحدث عن شعر العروس فيقول: " شعرك كقطيع معز رابض على
جبل جلعاد. "

والمنظرُ
جميلٌ. فالجبل عالٍ، وحين يربض الماعز الإسود اللون عليه يصير المنظر كشعرٍ أسود
يعلو رأس العروس ويتدلى على كتفيها. هكذا عروس المسيح كالجبل العالى، وشعرها
كالماعز الرابضة على قمته والنازلة إلى سفحه.

ونحن
نلتقى مع هذا الشعر فى سفر العدد الإصحاح السادس حين يتكلم الوحى المقدس عن شريعة
النذير فيقول:

"
إذا انفرز رجل أو إمرأة لينذر نذر النذير لينتذر للرب [ أى ليصبح ملكا للرب
بالكامل ]. فعن الخمر والمسكر يفترز [ أى يبتعد ] ولا يشرب خل الخمر ولا خل المسكر
ولا يشرب من نقيع العنب [ أى الأباركة، فنحن لا نشرب الأباركة فى التناول، بل
نتناول جسد الرب ودمه ] ولا يأكل عنباً رطباً ولا يابساً [ أى لا يشرب حتى النبيذ
]. كل أيام نذره لا يأكل من كل ما يُعمل من جفنة الخمر من العجم حتى القشر. كل
أيام نذر إفترازه لا يمر موسى على رأسه إلى كمال الأيام التي إنتذر فيها للرب يكون
مقدساً ويُربي خصل شعر رأسه [ فتكون العروس التى تربى خصل شعر راسها نذيرة للرب ].
إنه كل أيام إنتذاره مقدسٌ للرب. ويحلق النذير لدى باب خيمة الإجتماع رأس إنتذاره
ويأخذ شعر رأس إنتذاره ويجعله على النار التي تحت ذبيحة السلامة. " (عدد 6:
2  18)، فتأتى العروس بشعرها الذى هو تاج جمال لرأسها. تأتى به إلى الذبيح الحبيب
الرب يسوع المسيح، فيكون علامة تكريسها وتخصيصها للرب يسوع وحده كعريس حقيقى
لقلبها.

 

والواقع
أن هذا الموضوع، أى موضوع التكريس، ليس هو قاصر على القلة الذين فضلوا حياة
البتولية أو الرهبنة على الزواج، أو قرروا ترك وظائفهم ليخصصوا كل وقتهم فى الخدمة.
لكن الواقع أن حياة التكريس هى الحياة التى يطلبها الرب فى عروسه المحبوبة النفس
البشرية التى اشتراها بدمه لتكون له وحده وليس لسواه. فقد تكون أنت أعزباً أو
متزوجاً. موظفاً أو متفرغاً. لكن السؤال المهم هو: هل لك القلب المكرس المخصص للرب
وحده ولا سواه. أم أن هناك شريكاً للرب فى القلب. علاقات؟ ممتلكات؟ ذكريات؟ ملاهى
وملذات؟ إلخ فإما أن تكون نذيراً للشيطان أو أن تكون نذيراً للمسيح. إن المؤمن فى
العهد الجديد هو شخص مكرس ومخصص لله، والكتاب يلزمنا بالتكريس للمسيح وحده فيقول:
" فأطلب إليكم أيها الإخوة برأفة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة
مرضية عند الله عبادتكم العقلية. " (رو 12: 1)

وسنركز
الحديث فى حياة التكريس حول ثلاث كلمات:

o أعظم نصيب.

o سلامٌ عجيب.

o مرعى خصيب.

 

أولاً:
أعظم نصيب

يقول
العريس: " شعرك كقطيع معز رابض على جبل جلعاد " ما أعظم هذه الثروة التى
لا تعوضها كنوز الأرض وما فيها. فعندما يأخذ الإنسان المسيح نصيبه، فيتحقق فيه ما
قاله الرب لمريم: " اختارت مريم النصيب الصالح الذي لن يُنزع منها "(لو
10: 42) فيجد فى المسيح:

1)
كنزٌ وحيد:

كثيرون
يرفضون الحياة مع المسيح ظانين أنه سيحرمهم من مباهج الحياة، فمعه سيخسرون ملذات
العالم وتصير حياتهم صفقة خاسرة.

يا
للعجب. إن إبليس إله هذا الدهر يبدل الحقائق مع أمثال هؤلاء، فيرون فى الكنز
الوحيد خسارة، وفى اللؤلؤة الفريدة ضياع. والكتاب يخبرنا عن التاجر الذى كان يطلب
لألى حسنة، ولما وجد لؤلؤة واحدة كثيرة الثمن مضى وباع كل ما كان له واشتراها (مت
13: 46)

ألم
يترك القديس العظيم الأنبا أنطونيوس 300 فدان من أجود أراضى الصعيد ليقتنى اللؤلؤة.

لذا،
فما أسعد النفس التى تجد فى المسيح كنزها الوحيد، فتكرس له شَعر جمالها لتقتنى
العريس السماوى أعظم نصيب للشعوب.

 

2)
ثبات شديد:

إن
النفس التى تختار المسيح نصيبها وتخصص حياتها وحبها له، فتتمتع بثبات شديد حتى حين
يتزعزع الآخرون. فتراه جبل جلعاد الذى لا يتزعزع.

هل
تذكر معى يعقوب أبو الآباء وهو هارب من لابان، فلحقه لابان فى جبل جلعاد. لكن الله
مصدر الثبات والأمان تراءىَ للابان فى حلم وحذره من أن يؤذى يعقوب. ويسجل ذلك
لابان بقوله: " في قدرة يدي أن أصنع بكم شراً، ولكن إله أبيكم كلمني البارحة
قائلاً احترز من أن تكلم يعقوب بخير أو شر. " (تك 31: 29). نعم، فى قدرة يد
الشيطان أن يصنع بنا الشر كل الشر، لكن حين نكرس حياتنا للمسيح فسنتمتع بالأمان
والطمان فى أحضان العريس السماوى، فلا يلاقينا شر ولا تدنو ضربة من خيمتنا.

 

3)
شفاءٌ أكيد:

قديماً
كانت تشتهر جلعاد بنوع فريد من النباتات أسمه البلسان. مشهور برائحته الطيبة، كما
أنه معروف بقدرته على علاج العديد من الأمراض والجروح. لذا تساءل إرميا قائلاً:
" أليس بلسانٌ في جلعاد أم ليس هناك طبيب فلماذا لم تُعصب بنت شعبي "
(إر 8: 22)، فحين تُجرح شجرة البلسان بفاس فيخرج العصير من قشرتها، ويتلقاها
المرضى فى أنية خزفية مُعدة لذلك.

وهكذا،
لقد جُرِحَ المسيح على عود الصليب بالحربة فى جنبه فسال منه دماً وماء لتطهير
خطايانا ولشفاء الجراح التى جرحتنا بها الخطية. لذا فالمسيح هو الطبيب الحقيقى
الذى لأنفسنا وأجسادنا وأرواحنا.

 

أخى
الحبيب، هل وجدت فى المسيح نصيباً فريداً؟ هل تأتى إليه معى كآنية خزفية يتجمع
فيها بلسان الحبيب الغالى شفاءاً لجراحات الماضى وعلاجاً لضعفات الحاضر وضماناً
لمخاوف المستقبل. فنقول مع الأب الكاهن فى القسمة المقدسة:

[ صعد
إلى الصليب عرياناً ليكسونا بثوب بر. وفُتِحَ جنبه بالحربة لكى ندخل إليه ونسكن فى
عرش نعمته ولكى يسيل الدم من جسده لنغتسل من آثامنا. وأخيراً مات ليقيمنا من موت
الخطية ويحينا حياة أبدية. ]

 

ثانياً:
سلامٌ عجيب

يقول
العريس عن النفس التى تتكرس له بالكلية: " شعرك كقطيع ماعز رابضٌ على جبل
جلعاد. ". أى مستلقى ومستريح. لقد كانت تسأل العريس قائلة: " أين ترعى
أين تربض عند الظهيرة. " لذا فإن الراحة الحقيقية والسلام القلبى العميق لا
يمكن أن يتحققا فى كنوز الدنيا الفانية ولا فى ملذات الشهوة الردية ولا فى آمال
الشهرة العالمية. بل فى ذاك العريس الذى قال عن نفسه: " تعالوا إليَّ يا جميع
المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم " (مت 11: 28)

 

هل
تذكر بطرس الرسول حين كان محروساً فى السجن بأربع أرابع من العسكر، وكان هيرودس ينوى
قتله كما فعل يعقوب قبلاً، لكنه كان فى سلام عجيب يرقد نائماً فى قلب هذه الزنزانة.
حتى أن الملاك الذى أرسله الرب لينقذه اضطر أن يضربه فى جنبه ليوقظه. إنه السلام
الذى قال عنه المؤمن الذى ذاق الراحة والإطمئنان فى المسيح: "بسلامة أضطجع بل
أيضاً أنام لأنك أنت يا رب منفرداً في طمأنينة تسكنني " (مز 4: 8). لقد كان
بنيامين يتمتع بهذا السلام إذ قال عنه الكتاب: " لبنيامين قال حبيب الرب يسكن
لديه آمنا يستره طول النهار وبين منكبيه يسكن " (تث 33: 12).

لذا
فسلام المؤمن لا يُبنى على ممتلكات أو علاقات بل على إله لا يتغير كجبل جلعاد بل
حتى وإن زالت الجبال أو تزعزعت الآكام، فهو يبقى قلعة الراحة والأمان وسط المخاوف
والأحزان.

 

أخى
الحبيب. ونحن فى عصر الحروب والمجاعات والزلازل والأوبئة وغيرها مما يسبب الهلع
والإضطراب وأمراض العصر كالسكر والضغط والقلب. إلخ، أين تجد راحتك وما هو منبع
سلامك؟ هل وجدته فى العريس الحبيب؟ فبرغم البرية القاحلة، إلا أن الغنم رابضة
مستريحة مستندة على مصدر السلام العجيب.

 

**
قصة: فى مسابقة للفنون فى أحدى البلاد، أعلن الملك موضوع المسابقة وهو عن: السلام.
وتبارى الفنانون فى رسم لوحاتهم. وفى يوم المسابقة جاء الملك ليرى اللوحات التى
رسمها الفنانون عن السلام. فوجد الكثير من الأفكار التقليدية عن السلام. لكن لفرط
دهشته وجد لوحة ممتلئة بالعواصف والزوابع والرياح والأشجار التى كادت تقلعها
الرياح العاتية. فسأل الفنان الذى رسم اللوحة عن السلام فى وسط هذه اللوحة المليئة
بغضب الطبيعة. فأجاب الفنان بكل ثقة قائلاً: سيدى الملك إن السلام الحقيقى يبدو
واضحاً فى هذا العصفور المغرد الذى يقف على الغصن ثابتاً مهللاً لا يخشى من الرياح
ولا يعبأ بالعواصف بل يستند على رئيس السلام الذى يهب سلامه العجيب لمن يتكل عليه
مهما تقلبت ظروف الحياة.

 

ثالثاً:
مرعى خصيب

يقول
العريس لعروسه: " شعرك كقطيع ماعز رابض على جبل جلعاد. " وهذا الجبل
معروف بوفرة العشب. فيرمز لحياة الشبع مع المسيح. فالعريس هنا يجد أن محبوبته قد
وجدت شبعها فيه وحده ولا سواه.

لذا
قال الرب وهو يعد شعبه بالراحة والشبع فيه: " أرد إسرائيل إلى مسكنه. فيرعى
كرمل وباشان وفي جبل افرايم وجلعاد تشبع نفسه. " (إر 50: 19) فحين تجوع فى
رحلة الحياة، لا تجد مثله مرعى خصيب قال عنه داود فى مزموره: " في مراعٍ خضرٍ
يربضني إلى مياه الراحة يوردني " (مز 23: 2)

فلا
يمكن أن يشبعك العالم ولا الشهوة والبحث عن الذات. فالحكيم يقول: " العين لا
تشبع من النظر والأذن لا تمتلئ من السمع "(جا 1: 8) فحين يكون لك 100 جنيه
تريدهم 1000 وال 1000 تريدهم مليون. ومن له أبن يريد الثانى. ومن بنى الدور الثانى
يريد الثالث. ومن يتسلسل بالمسلسلات التليفزيونية يريد المزيد. وحين سقط الإتحاد
السوفيتى وصارت امريكا القوة الوحيدة فى العالم لم يكفيها الوصول إلى القمر، بل
سعت للوصول إلى المريخ. وهكذا قال القديس اغسطينوس للرب فى اعترافاته:

[
أرواحنا خرجت منك ولن تستريح إلا فيك. ]

 

لكن
ما أروع النفس التى تتكرس للحبيب الغالى فتستظل بظله وتستريح فى خضرته وترعى فى
مرعاه الخصيب وتشبع من دسم بيته فتنعم بالسلام.

 

أخى
الحبيب. إنها فرصة أن تأخذ قراراً بأن تتكرس عيناك للمسيح فلا يغريهما مباهج
العالم. وأن تتكرس أذناك فلا تطرب لأغانى الشر المفسدة، وفمك فلا ينطق إلا بتسابيح
السماء لا بالكذب أو الحلفان أو الشتيمة والنميمة، ويداك لا تمتد للحرام، بل
ترفعهما كذبيحة مسائية للعريس الغالى، وأقدامك لا تجرى إلا خلفه بحثاً عن الضال
والشارد من قطيعه حتى تجده. بل يتكرس القلب بالكلية له وحده فأنت نذيره. فهل تتوجه
ملكاً تتبعه اليوم وكل الأيام. فتقول له:

 

سيدى
الرب يسوع المسيح عريس نفسى الغالى. اشكرك لأنك أعظم نصيب يمكن أن أختاره.

أشكرك
لأنك تريدنى مكرساً ومخصصاً لك.

ها
حبى وقلبى وحياتى. ماضىّ وحاضرى ومستقبلى. تنازل اقبلهم ذبيحة حبٍ على مذبح
التكريس والتخصيص لك كل الأيام.

اسمح
أقبل منى ما أعطيتنى فأنا لك ولغيرك لن أكون. آمين

 

حياة التأمل

"أسنانك كقطيع الجزائز الصادرة من الغسل اللواتي كل واحدة متئم
وليس فيهن عقيم" (نش 4: 2)

يواصل
العريس حديثه عن أوصاف عروسه النفس البشرية التى فداها بدمه. فبعد أن وصف عيناها
كحمامتين رمزاً للنقاء والبصيرة الروحية، وكذلك شعرها كقطيع ماعز رابض على جبل
جلعاد رمزاً لحياة التكريس التى يجب أن يحياها كل مؤمن كنذير للمسيح. نراه هنا وهو
يستكمل وصفه فى الجانب الثالث فى العروس فيتحدث عن أسنانها كقطيع الجزائز [ أى
الخراف المجزوز صوفها رمزاً للبياض والطهارة ] الصادرة [ أى الراجعة ] من الغسل [
أى استحمت وخرجت نظيفة ]، ثم يصف أسنانها بأنها: كل واحدة متئم أى أن كل واحدة من
أسنانها قد أنجبت توأماً وليس فيهن عقيم.

 

والمعنى
المقصود بالتأكيد ليس معنى جسدى، بل هو معنى روحى سامى، ترتفع فيه الأبصار وتسمى
على كل جمال جسدى وتدخل إلى الأعماق فى بهاء روحى وسمو مقدس. فترمز الأسنان إلى
الشبع بكلمة الله، كما قال إرميا النبى: " وُجِدَ كلامك فأكلته فكان كلامك لي
للفرح ولبهجة قلبي " (إر 15: 16)، وفى المزمور الأول يتأكد نفس المعنى:
" لكن في ناموس الرب مسرته وفي ناموسه يلهج نهاراً وليلاً " (مزمور 1:
2)، والمعنى الحرفى لكلمة " يلهج " هى " يجتر ". والحيوانات
المجترة هى الحيوانات التى تأكل البرسيم ثم تخزّنه فى معدتها ثم تعود لتختلى
بنفسها فتُخرج بعضاً من هذا البرسيم لتمضغه وتتمتع بأكله، ثم تبلعه ممضوغاً.

 

إذن
الأسنان تشير إلى اجترار كلمة الله وإلى التمتع بها والتأمل فيها. فيأكل المؤمن
آيات الكتاب المقدس، ثم يعود ويجترها أى يتغنى بها ويتأمل فيها فتصير فى داخله روح
وحياة.

لهذا
فشبع العروس بكلمة الله وهضمها لآيات الكتاب أمر أثار اهتمام وانتباه العريس
فمدحها عليها.

ولنا
فى هذه الصفة ثلاث نقاط جوهرية، هى:

o أولاً: تجرد كامل.

o ثانياً: نقاء شامل.

o ثالثاً: إيمان
عامل.

 

أولاً:
تجرد كامل

يقول
العريس لعروسه: " أسنانك كقطيع مجزوز. " وهذا هو التجرد الكامل. فحين
يأتى المؤمن ليدخل إلى حضرة الرب يسوع ليتأمل فى جماله وليشبع بعشقه، فلا بد له أن
يتجرد بالكلية من الإنشغال بالعالم ومباهجه ليدخل إلى العشرة الهنية مع الحبيب
السماوى. فيكون كالقطيع الذى خلع صوفه الكريه الرائحة وتخلص مما به من حشرات تؤلمه
وتضايقه وصار أبيضاً بهياً.

أخى
الحبيب، إن وجود عازل بيننا وبين إلهنا هو السبب الأساسى فى عدم الإستمرارية فى
الحياة الروحية، فنبدأ ولا نستمر. كعامل دهان السيارات التى ينظف السيارة تماماً
من أى قاذورات قبل أن يدهنها، حتى لا تصبح هذه القاذورات عازلاً للدهان، فيفسد حين
يتعرض للشمس.

فحين
نأتى لنصلى فى القداس الإلهى أو فى الشركة الفردية. تكون هناك عوازل تفصل بيننا
وبين التمتع الحقيقى بحضرة الرب. لذا كان محذوراً على الكهنة أن يلبسوا أى ملابس
تحوى الصوف عند الدخول إلى الهيكل. بل كانت ملابسهم مصنوعة بالكامل من الكتاب
الأبيض الذى يرمز إلى النقاء. بل كانت الوصية تمنع الكاهن حتى من لبس الصوف مع
الكتان: " لا تلبس ثوباً مختلطاً صوفاً وكتاناً معاً " (تث 22: 11) فأية
شركة للظلمة مع النور. وإي إتفاق للمسيح مع بليعال وأي نصيب للمؤمن مع غير المؤمن
" (2كو 6: 15)

إن سر
جمال العروس أنها تجردت من صوف العالم ومباهجه. من شهوة الجسد، ومن شهوة العيون،
ومن تعظم المعيشة. لقد تخلصت من البغضة للآخرين، ومن التمركز حول الذات ومن اللذة
والشهوات. وصارت فى تجرد كامل. لذا قال معلمنا بولس الرسول: " بل إني أحسب كل
شيء أيضا خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي الذي من أجله خسرت كل الأشياء
وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح " (في 3: 8)

ويقول
قداسة البابا الأنبا شنوده فى قصيدته الرائعة عن التجرد الروحى والإنحلال من الكل
للإتحاد بالواحد الرب يسوع:

 

قد
تركت الكلَ ربى ما عداك ليس لى فى غربة العمر سواك

ومنعت
الفكر عن تجواله حيثما أنت فأفكارى هناك

قد
نسيت الأهل والأصحاب بل قد نسيت النفس أيضاً فى هواك

قد
نسيت الكلَ فى حُبِكَ يا متعة القلب فلا تنسى فتاك

 

أخى
الحبيب، أردنا أو لم نرد، فكما دخلنا العالم بلا شئ، فلا بد أن نخرج منه بلا شئ.
فعرياناً خرجت من بطن أمى وعرياناً أعود إلى هناك (أى 1: 21). لذا فقد نملك
الأشياء، لكننا لا نسمح لها أن تملكنا.

 

ثانياً:
نقاء شامل

يقول
العريس عن عروسه: " أسنانك كقطيع الجزائز الصادرة من الغسل. " أى أن هذا
القطيع بعد أن تخلى وتجرد عن صوفه وتحرر من رائحته وحشراته، نزل به صاحبه إلى
المياه فتنقى واغتسل وتطهر فزادته المياه نقاءاً وبهاءاً.

إن من
يعيش فى حياة التأمل فى كلمة الله، والعمق فيها، فإن الكلمة تسكن فيه بغنى وتثمر
فى داخله نقاءاً شاملاً لكل جوانب الحياة.

هل تبحث عن  شبهات الكتاب المقدس عهد قديم سفر نشيد الأنشاد إعتراضات على سفر نشيد الأنشاد 05

 

هل
تذكر معى ما عمله الرب مع جدعون فى العهد القديم إذ أخذ معه 32000 جندى. خاف منهم
22000 وبقى 10000، فقال الرب لجدعون لم يزل الشعب كثيراً انزل بهم الى الماء
فأنقيهم لك هناك " (قض 7: 4). فكانت النتيجة أن بقى معه 300 جندى فقط.
وبهؤلاء الأبطال الذين نقاهم الرب فى الماء صنع الرب خلاصاً عظيماً.

 

وقد
تكون المياه فى حياة المؤمن واحداً مما يلى:

1)
مياه المعمودية:

وهى
أول سر يتمتع به الطفل فى حياته. وفيها يتنقى من الخطية الموروثة التى قيل عنها:
" بالآثام حُبلَ بى وبالخطية ولدتنى أمى. "، فيتحقق فيه القول: "
قم واعتمد واغسل خطاياك داعياً باسم الرب " (أع 22: 16)، وفى المعمودية موت
وقيامة وحياة مع المسيح. ففيها نموت معه ونُدفن معه ونقوم فى جدة الحياة أى فى
الحياة الجديدة لذا قال الكتاب: " الذي مثاله يخلصنا نحن الآن أي المعمودية
لا إزالة وسخ الجسد بل سؤال ضمير صالح عن الله بقيامة يسوع المسيح " (1بط 3:
21)

 

2)
دموع ضرورية:

وهى
دموع التوبة التى هى معمودية ثانية كما تعلمنا الكنيسة. فالذى اغتسل قبلاً
بالمعمودية، ليس له حاجة إلا لغسل قدميه. ففى مسيرتنا فى هذه البرية تتسخ أقدامنا
وتحتاج أن تُغسل بدموع التوبة.

لذا
يصلى الأب الكاهن فى القداس الكيرلسى ويقول: [ اعط ماء لرؤوسنا، وينابيع دموع
لأعيننا لكى نبكى نهاراً وليلاً أمامك على زلاتنا، لأننا نحن شعبك وخراف قطيعك.
تجاوز عن آثامنا، واصفح عن زلاتنا. ]

 

3)
الكلمة المنقية:

وما
أروع الغسل الذى تُغسل به حياتنا بفعل كلمة الله التى حين ندخل إلى الخلوة اليومية
الصباحية وتنكشف حياتنا أمام إشعة كلمة الله، التى قيل عنها: " أنتم الآن
أنقياء لسبب الكلام الذي كلمتكم به " (يو 15: 3)، فحين نسمع ونقرأ الكلمة، ثم
نتأمل فى أبعادها ونترك لها المجال لتسكن فينا فنخضع لقيادتها لحياتنا إذ نطبقها
ونسلك بمقتضاها، يتحقق فينا قول الكتاب: " لكي يقدسها مطهراً إياها بغسل
الماء بالكلمة. " (أف 5: 26)

 

لذا
يقول الأب الكاهن فى أوشية الانجيل: [ فلنستحق أن نسمع وأن نعمل بأناجيلك المقدسة
بطلبات قديسيك. ]

 

4)
الأسرار السماوية:

فحين
نتناول من جسد الرب ودمه، تسرى فى عروقنا فنتقدس ونتطهر فيصير لنا بهما نقاءاً
كاملاً كما قال الرب يسوع: " لان هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يُسفك من
أجل كثيرين لمغفرة الخطايا " (مت 26: 28)

 

لذا
يصلى المتناول بعد التناول ويقول: [ ليصر تناولى علامة للخلاص، ولباساً للنعمة،
وحلة للميلاد الجديد، وطهارة وقداسة للنفس والجسد والروح، ونقاوة للحب، وفرحاً
وسروراً أبدياً، ولجواب حسن أمام منبرك الرهيب. ]

 

أخى
الحبيب، أين نحن من هذا النقاء الشامل الذى وجده الرب فى عروسه.؟؟ هل نثق فى تنقية
الرب لحياتنا، إذ يكسونا بثوب بره فتتغطى خطايانا. ولا يظهر عرينا، بل يكون دمه
كفارة لخطايانا؟؟ هل لنا دموع التوبة التى تغسلنا من خطايانا فنصير أبيض أكثر من
الثلج.؟؟ لنصلى مع داود النبى قائلين: اغسلنى كثيراً من إثمى، ومن خطيتى تطهرنى؟؟

ثالثاً:
إيمان عامل

إن
الإنسان الذى تمتع بالرب فى حياة التأمل والعشرة الهنية، لا يملك إلا أن يأتى بثمر
ويدوم ثمره فيه. لذا قال العريس عن أسنان عروسه: " كل واحد متئم، وليس فيهن
عقيم. "، متئم أى يلد بالتوأم اثنين اثنين. فيكون له الثمر المتكاثر لمجد
المسيح. فبطرس الرسول فى يوم الخمسين ربح 3000 نفس للمسيح. والسامرية أتت بالمدينة
باكملها. والقديس مرقس الرسول ربح مصر والخمس مدن الغربية للمسيح.

فهذا
النقاء الشامل الذى تتمتع به النفس كنتيجة أكيدة للوجود فى حضرة الرب، لا بد أن
يُثمر فى ربح البعيدين للمسيح، فبعد أن كنت معثراً لهم، تصير مؤثراً فيهم. فتصير
كسهام مبرية فى يد جبار يستخدمك بحسب مشيئته حسبما شاء.

لقد
إنتشرت المسيحية فى العصور الأولى كنتيجة حتمية لنقاء التلاميذ الذين قال عنهم
الرب: " ليس أنتم اخترتموني بل أنا اخترتكم وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر
ويدوم ثمركم لكي يعطيكم الاب كل ما طلبتم باسمي " (يو 15: 16). لقد كان
انسيمس لصاً لكن نعمة الله تعاملت معه بسبب كرازة بولس الرسول فى السجن، فتغيرت
حياته وصار خادماً ومساعداً نافعاً للرسول بولس، الذى قال عنه: " الذي كان
قبلاً غير نافع لك ولكنه الآن نافع لك ولي " (فل 1: 11)

إنه
الإيمان العامل الذى يأتى بالثمر المتكاثر فلا تكون عقيماً على المستوى الروحى، بل
تكون مثمراً.

 

هل
تذكر معى ما حدث مع رأوبين بكر يعقوب الذى سماه ابوه بهذا الاسم الذى معناه [
انظروا ابناً. ] وكان ينتظر منه أن يكون شخصاً صالحاً. لكن يا للأسف. لقد صعد على
فراش أبيه ودنس مضجعه مع بلهة سرية أبيه (تك 35: 22). وكان يستحق الموت لأن أجرة
الخطية هى موت. لكن شكراً لنعمة الله التى فتحت الباب من جديد لرأوبين ولأمثاله من
الخطاة الذين أولهم أنا. فيأتى موسى فى بركته لسبط رأوبين فيقول: " ليحي
رأوبين ولا يمت ولا يكن رجاله قليلين " (تث 33: 6). لقد صار مثمراً وأصبح له
رجال كثيرون.

لقد
كان أغسطينوس زانياً. لكنه صار معلماً فى الكنيسة واسقفاً وكذلك القديس موسى
الأسود صار أباً لرهبان كثيرين. والسامرية أصبحت سبب بركة وخلاص للمدينة بأكملها
بعد أن كانت مصدر عثرة ونجاسة لهم.

 

أخى
الحبيب، هل أنت مؤثِّر أم معثِّر؟ كم عدد الذين ربحتهم لملكوت الله؟ وكم نفس كنت
سبب بركة وبناء ونمو وتقدم روحى لها؟ هل أنت ناقد فقط لعمل الله ولخدمة الآخرين؟
أم أنك تعمل لبناء وتقدم أخوتك ودفعهم للأمام فى طريق محبة الله؟ أم أنك كشجرة
التين الممتلئة أوراقاً لكنها خالية من الثمر فلعنها المسيح؟

ليس
الأمر يحتاج إلى دراسات حتى تتعلم أن تجذب الآخرين للمسيح، بل يتعلق بقلب ملتهب
بالحب للمسيح والغيرة على ربحهم للمسيح. كما قال قداسة البابا الأنبا شنوده الثالث
(فى كتاب الخدمة الروحية والخادم الروحى ص 93) عن الخادم الروحى:

 

[ إنه
إنسان عاش مع الله واختبر الطريق الموصل إلى الله، وهو يحكى للناس عن هذا الطريق
الذى اختبره وسار فيه زماناً. فيحكى كل ذلك بطريقة موضوعية بعيدة عن الذات. ]

 

ويضيف
قائلاً:

[
الخادم الحقيقى هو إنسان حامل الله (ثيئوفورس). إنه إنسان عاش مع الله وذاق حلاوة
العشرة معه، وهو يقدم هذه المذاقة إلى الناس. ]

 

سيدى
الرب يسوع المسيح عريس نفسى الغالى. اشكرك لأنك تريدنى نقياً بفعل دماك التى جرت
لتطهير حياتى ولغسل أوساخى.

اسمح
هبنى دموعاً نقية لأبكى على خطاياى التى سببت لك كل هذه الآلام.

أشكرك
لأنك وعدت أن تجعل العاقر في بيت أم اولاد فرحانة (مز 113: 9) اشفنى من مرض العقم
الروحى فأربح بك ولك الكثيرين. آمين.

 

حياة التسبيح

"شفتاك كسلكة من القرمز وفمك حلوٌ" (نش 4: 3)

"شفتاك يا عروس تقطران شهداً تحت لسانك عسلٌ ولبنٌ" (نش 4:
11)

 

يواصل
العريس حديثه فى مدح عروسه التى فى بره يراها عروساً بهيةً بلا عيب فيها. فبعد أن
تكلم عن عينيها اللتين كالحمامتين فى وداعتهما وفى بصيرتهما الروحية. وعن شعرها
الذى كقطيع المعز كمثال لحياة التكريس والنذر للعريس السماوى. وكذلك عن أسنانها
التى كقطيع الجزائز كمثال لحياة التأمل والشبع بكلمة الله. نراه اليوم وهو يتكلم
عن الصفة الرابعة فى عروسه فينتقل من الأسنان إلى الشفاه. وإن كانت الأسنان ترمز
إلى أكل كلمة الله، فإن الشفاه ترمز إلى النطق بكلمات التسبيح. لذا قال مرنم
المزمور: ٍ" يا رب افتح شفتىَّ فيخبر فمي بتسبيحك " (مز 51: 15)

 

والتسبيح
هو موسيقى الحب الإلهى معزوفة على أوتار القلب المسبى بحب الحبيب السماوى. ولقد
قال القديس أغسطينوس: [ التسبيح غذاء لنمو الروح. ]

والتسبيح
هو أسمى درجات الصلاة لأنه خالى من الطلب. فهو وقوف أمام عرش الله لمناجاته ووصف
جماله ومجده تشبهاً بطغمات الملائكة المقدسين. لذا نصلى فى القداس الغريغورى ونقول:
[ الذى أعطى الذين على الأرض تسبيح السيرافيم. ]

 

والواقع
أن كنيستنا القبطية الأرثوذكسية هى كنيسة التسبيح. ففيها التسبحة الكيهكية
والتسبحة السنوية أى تسبحة نصف الليل التى يقوم فيها أولادها ليقولوا:

قوموا
يا بنى النور لنسبح رب القوات.

 

كذلك
تمتلئ صلوات الكنيسة بالتسبيح. ففى بداية قداس المؤمنين وبعد إنتهاء قداس
الموعوظين، يبدأ الأب الكاهن فى تسبيح الرب على مواهبه وعطاياه وخلقته إيانا. ثم
يرتفع بالشعب إلى السماء ليرى بالإيمان طغمات الملائكة ورؤساء الملائكة القيام حول
عرش المسيح. ويستمر فى التسبيح حتى يشترك معه الشعب فى تسبيح الجالس على الشاروبيم
إذ يقول الشعب: الشاروبيم يسجدون لك والصيرافيم يسبحونك صارخين قائلين قدوس قدوس
قدوس رب الصاباؤوت. السماء والأرض مملوءتان من مجدك الأقدس. ثم يواصل الأب الكاهن
تسبيحه للرب على قداسته فيقول: أجيوس أجيوس أجيوس قدوس قدوس قدوس أيها الرب إلهنا.

إنها
حياة التسبيح التى ترفع أولاد الله من مزبلة الإنشغال بالفانيات لتجلسهم مع الرب
الذى قيل عنه: " أنت القدوس الجالس بين تسبيحات اسرائيل " (مز 22: 3).

ولنا
فى هذه الشفاه المقدسة ثلاث كلمات، هى:

1)
شفاه النقاء.

2)
نصرة السماء.

3)
كلمات البهاء.

 

أولاً:
شفاه النقاء

يقول
العريس عن عروسه: " شفتاك كسلكة من القرمز. " والسلكة هى خيط رفيع ينظم
فيه الخرز، والقرمز هو اللون الأحمر. لذا فشفتا العروس حمراء اللون لتعلن عن نضارة
هذه العروس وعن حيويتها. فلم تعد تحتاج لمساحيق الوجه لتجملها، بل لها الجمال
الطبيعى السماوى الذى يهبه العريس لعروسه. إنه زينة الروح الوديع الهادى الذى هو
قدام الله كثير الثمن. " (1بط 3: 4)

كذلك
كانت العروس تتمتع بالنقاء الطبيعى فى كلماتها، فلم تحتاج أن تلوِّن كلماتها
بالكلمات المعسولة فى نفاق أو خداع. كالذين قال عنهم الرب: " يقترب إليَّ هذا
الشعب بفمه ويكرمني بشفتيه وأما قلبه فمبتعد عني بعيداً وباطلاً يعبدونني "
(مت 15: 8، 9)

 

والواقع
أن مصدر النقاء والتغيير الذى حدث فى العروس فصارت شفاهها نقية، بعد أن كانت
كالذين قال عنهم الكتاب: " حنجرتهم قبرٌ مفتوح بألسنتهم قد مكروا. سم الأصلال
تحت شفاههم " (رو 3: 13) إن مصدر التغيير نراه واضحاً فيما حدث مع إشعياء
النبى، إذ يسجل هو بنفسه هذه الحادثة المغيِّرة فيقول:

"
رأيت السيد جالساً على كرسي عال ومرتفع وأذياله تملأ الهيكل. السرافيم واقفون فوقه
لكل واحد ستة أجنحة بإثنين يغطي وجهه وبإثنين يغطي رجليه وبإثنين يطير وهذا نادى
ذاك وقال قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملء كل الارض فاهتزت أساسات العتب من صوت
الصارخ وإمتلأ البيت دخاناً فقلت ويل لي إني هلكت لأني إنسان نجس الشفتين وأنا
ساكنٌ بين شعب نجس الشفتين لأن عينيَّ قد رأتا الملك رب الجنود فطار إلي واحد من
السرافيم وبيده جمرة قد أخذها بملقطٍ من على المذبح ومس بها فمي وقال إن هذه قد
مست شفتيك فانتزع إثمك وكُفِرَ عن خطيتك. ثم سمعت صوت السيد قائلاً من أرسل ومن
يذهب من أجلنا فقلت هانذا ارسلني. " (إش 6: 1  8)

وهنا
يمكننا أن نرى مصدر النقاء والتغيير فيما يلى:

1)
رؤية مجد الله التى تكشف خطايانا. (إش 6: 1)

2)
التواجد فى مكان القداسة، فى الكنيسة بيت الله والملائكة لنرى طغمات الملائكة
المقدسين لنتشبه بهم. (إش 6: 2)

3)
إدراك قداسة الله تهز أساسات الضعف فى حياتنا.(إش6: 3،4)

4) فى
ضوء قداسة الله نكتشف خطايانا، إذ نكف عن التشبه بالبشر ومقارنة ضعفاتنا بضعفاتهم.
(إش 6: 5)

5)
عدم الهروب من المجال الروحى الذى يكشف الضعف فى حياتنا بل نتواجه مع الضعف ونفضح
الخطية ونعترف بها ونتركها. (إش 6: 5)

6)
إدراك نجاسة أصدقاء السوء وقرناء الشر الذين نتشبه بهم فنرفض هذا التشبه، ونتغير
إلى صورة المسيح من مجد إلى مجد. (إش 6: 5)

7)
التناول من جسد الرب ودمه كجمرة مقدسة تحرق وتقدس الشفاه بل والجسد كله فتنزع
الإثم وتُكَفِر عن الخطية. (إش 6: 6، 7)

8)
إحلال الشفاه الكارزة محل الشفاه النجسة، وهذه تكون مستعدة لمجاوبة كل من يسألنى
عن سبب الرجاء الذى فىَّ. (إش 6: 8)

 

أخى
الحبيب، هل لا زلت تتشسبه بكلمات الأشرار من شتيمة وحلف وإلتواء وأنصاف حقائق وسب
ولعن. إلخ؟ أم قد تقدست وتطهرت شفتاك بعمل المسيح وبنور ونار جسده ودمه الأقدسين؟
وهل تدرك وتمارس حضوره فى كل حين فلا تنطق إلا بما يليق فى حضرته كل حين؟؟

 

ثانياً:
نصرة السماء

ما أروع
حياة التسبيح فى حياة أولاد الله، لذا قال الكتاب: " طوبى للشعب العارفين
الهتاف يا رب بنور وجهك يسلكون بإسمك يبتهجون اليوم كله وبعدلك يرتفعون لأنك أنت
فخر قوتهم وبرضاك ينتصب قرننا " (مز 89: 15  17)

 

لكن
ما علاقة التسبيح بالنصرة فى الحرب الروحية؟؟

نلتقى
بواقعة عجيبة فى حياة يهوشافاط، حين خرج لمحاربته بنو موآب وبنو عمون. ففى 2 أخ 20
نراه وهو يرتعب، لكن يحول خوفه واضطرابه إلى صلاة وصوم وإحتماء بالرب. ثم جمع جيشه
للقاء الأعداء وقال لهم: " آمنوا بالرب إلهكم فتأمنوا. أمنوا بأنبيائه
فتفلحوا " ثم ما أعجب ما فعل. تعال لنقرأ ما سجله الوحى:

"
لما استشار الشعب أقام مغنين للرب و مسبحين في زينة مقدسة عند خروجهم أمام
المتجردين وقائلين أحمدوا الرب لأن إلى الأبد رحمته ولما ابتداوا في الغناء
والتسبيح جعل الرب أكمنة على بني عمون ومواب وجبل ساعير الآتين على يهوذا فانكسروا.
ولما فرغوا من سكان ساعير ساعد بعضهم على إهلاك بعض. " (2أخ 20: 21  23)

لعلها
أعجب موقعة حربية فى التاريخ، فيهوشافاط لم يعد الجيوش بالذخيرة والسلاح وآلات
الحرب. بل نراه هنا أقام مغنين للرب ومسبحين فى زينة مقدسة. إنه التسبيح الذى يهب
نصرة على الحرب، فبينما كانوا يسبحون الرب، كان الرب يحارب من أجلهم.

 

كذلك
نرى فى حرب يشوع لأريحا وتسبيح الرب الذى أمرهم بالدوران حول الأسوار وهم يسبحون
الرب، فكانت النصرة وسقوط الأسوار بسبب التسبيح للرب الذى يقاتل عن أولاده الذى
يثقون فى قدرة إلههم فى الدفاع عنهم ونصرتهم. (يشوع 6)

وفى
العهد الجديد، نلتقى بواقعة أخرى عجيبة نرى فيها قوة التسبيح التى تهب النصرة
والحرية. إذ يسجل أعمال 16 اختبار بولس وسيلا لقوة التسبيح. لقد جُلِدوا ووضِعوا
فى السجن الداخلى وقُيِدت أرجلهم بالمقطرة. وإنى أتخيل أن أحدهم قال للآخر: [ إن
ظهرى يؤلمنى وجروحى تنزف دماً. لقد عاملنا السجان كمجرمى حرب. آه آه ] فرد عليه
الآخر وقال: [ أعتقد أننا يمكن الآن ونحن فى هذه الظروف المريرة أن نسبح الرب
ونشكره أننا ما زلنا أحياء. ونشكره لأننا نثق فى أنه سيعمل عملاً عظيماً من خلال
هذا الموقف. هيا بنا ] ويسجل الكتاب الموقف بقوله: " نحو نصف الليل [ حين
تستيقظ الآلام والجراح ] كان بولس وسيلا يصليان ويسبحان الله والمسجونون يسمعونهما.
" (أع 16: 25)

لم
يصرخ بولس وسيلا إلى الله لكى يخلصهم من السجن، ولم يتذمروا من المقطرة. لكنهم
ببساطة كانوا يسبحون الله من أجل صلاحه وعظمته. وماذا حدث؟

"
فحدث بغتة زلزلة عظيمة حتى تزعزعت أساسات السجن فانفتحت في الحال الأبواب كلها
وانفكت قيود الجميع. " (أع 16: 26) وتنتهى القصة بأن السجَّان وكل أهل بيته
اعترفوا وآمنوا بيسوع المسيح المخلِّص. لقد استجاب الله لتسبيحاتهم ولم يحررهم فقط
من السجن، بل جذب كل بيت السجَّان من قبضة الشرير. لقد تحول الشخص الذى كان سبباً
فى معاناتهما إلى مؤمن يرحب بهما، ويغسل جراحاتهما، ويصنع لهما مائدة متهللاً،
وذلك كنتيجة حقيقية للتسبيح. بل أن الولاة " جاءوا وتضرعوا إليهما وأخرجوهما
" (أع 16: 39)

إن
التسبيح يخرجنا من دائرة الإلتفاف حول ظروفنا وصعاب الحياة من حولنا، لننشغل بحب
وتمجيد من مات لأجلنا. فيأتى القول المبارك: " ليس عليكم أن تحاربوا في هذه.
قفوا اثبتوا وانظروا خلاص الرب معكم يا يهوذا و اورشليم لا تخافوا ولا ترتاعوا.
غداً اخرجوا للقائهم والرب معكم " (2أخ 20: 17)

بنفس
الحال كانت عروس النشيد عروساً منتصرة مرفوعة الرأس بسبب حياة التسبيح التى وهبتها
النصرة على الضعف والخوف والخطية، فبالتسبيح يرتفع الأرضيون إلى السماء ليتحدوا
بالسمائيين فيزداد إرتباط المؤمن المجاهد بالكنيسة المنتصرة ويتمتع بحياة النصرة
والغلبة بفعل التسبيح للملك المسيح الذى غلب وخرج ليغلب.

يقول
القديس يوحنا ذهبى الفم:

[
لنسبح الرب على الدوام. ولا نتوقف قط عن تقديم الشكر له على كل حال، بالكلمات كما
بالأعمال. لأن هذه هى ذبيحتنا، هذا هو قرباننا، هذه هى أعظم ليتورجيتنا أو خدمتنا
الإلهية، بها نتشبه بالحياة الملائكية. إن كنا نستمر نسبح له هكذا، فسننهى حياتنا
بلا ملامة متمتعين بالخيرات الصالحة الأبدية. ]

 

أخى
المحبوب، هل تعانى من حروب اليأس والفشل والضعف؟ هل خارت قواك فى معاركك ضد الجسد
والشهوة والشيطان والعالم؟ هل غابت شمس الفرح من حياتك وتلبدت بغيوم الهموم
والمشغولية وعدم الرضى والضجر؟ ثق إنها فرصة الآن لتنتصر ويعظم إنتصارك وذلك
بالتسبيح. إنه السلاح الفتاك ضد العدو. هيا سبح وسبح وافرح فى الرب كل حين ففرح
الرب هو قوتك.

 

ثالثاً:
كلمات البهاء

يعود
العريس ليعبِّر عن إعجابه بعروسه فيقول: " شفتاك يا عروس تقطران شهداً تحت
لسانك عسل ولبن ورائحة ثيابك كرائحة لبنان" (نش 4: 11). فالشفاة النفية التى
تقدست بفعل عمل المسيح فيها، نراها تفيض بكلمات البهاء والنقاء فتقطران شهداً، كما
قال الكتاب:

"
لا تخرج كلمة ردية من أفواهكم بل كل ما كان:

1)
صالحاً للبنيان 2) حسب الحاجة 3) كي يعطي نعمة للسامعين " (أف 4: 29)

والسر
فى هذه الكلمات هو وجود العسل واللبن تحت لسانها. ماهذا العسل واللبن إلا كلمة
الله التى هى أحلى من العسل وقطر الشهاد.

 

 فبعد
أن كانت• كلماتها مملوءة بالحزن، صارت تقطر فرحاً.

 وبعد
اللعن والسب، صارت تفيض• بركة.

 وبعد
الضجر والتذمر، صارت ممتلئة بالشكر والحمد والرضى.•

 وبعد•
الكلمات البذيئة وغير المقدسة، صارت تفيض بكلمات القداسة والطهارة، وتشجع الآخرين
على النقاء.

 وبعد
الصياح والغضب، صارت لا تصيح ولا يسمع احد فى الشوارع• صوتها.

 وبعد
النميمة ومسك السيرة، صارت لا تذكر فى الآخرين إلا ما قاله• الكتاب: " أخيرا
أيها الأخوة كل ما هو حق كل ما هو جليل كل ما هو عادل كل ما هو طاهر كل ما هو مسر
كل ما صيته حسن. إن كانت فضيلة وإن كان مدح ففي هذه افتكروا" (في 4: 8).
فتنضبط عن كل ما لا يُرضى روح الله روح التعفف وضبط النفس.


وبعد أن كانت تنجذب إلى مملكة الظلمة، صارت تشهد عن عمل نعمة الله فى حياتها،
وتخبر بكم صنع بها الرب ورحمها وتكرز بالمسيح مخلصاً وفادياً.

 

إنها
كلمة الله التى تغير شفتى المؤمن، فتصيرا شفتين تقطران شهداً ورائحة كلماته كلبنان.
فهل تواظب على قراءتها وتحفظ آياتها فتحفظ شفتيك من كل شر وشبه شر؟؟

 

سيدى
الرب يسوع المسيح عريس نفسى الغالى. اشكرك لأجل روعة تغييرك للشفاة النجسة فتتحول
إلى شفاه كالقرمز فى حيويتها، وفى نقائها بفعل عمل روحك القدوس وأسرارك المحيية,,

سامحنى
على كلامى الذى خرج منى دون وعى أو إدراك، بمعرفة أو بغير معرفة فنجس شفتى.

اسمح
هبنى شفاه نقية، لا تنطق إلا بما تريد، ولا تتفوه إلا بما يليق كأبن حقيقى لك،
وعروس مختارة ومفرزة لجلالك.

سيدى
الحبيب، لتكن كلمات فمى وفكر قلبى مرضية أمامك يا رب صخرتى وولىِّ.

بشفاعة
كل من ساروا على دربك المقدس. آمين.

 

صفات ذات معنى

" خدك كفلقة رمانة تحت نقابك. عنقك كبرج داود المبني للأسلحة ألف
مجن علق عليه كلها أتراس الجبابرة. ثدياك كخشفتي ظبية توأمين يرعيان بين السوسن.
" (نش 4: 3-5)

 

ما
أجمل وأبلغ ما يصف به العريس عروسه المحبوبة. فيتغزل فى جمال صفاتها. فلقد رأيناه
فى أربعة جوانب يصف جمالها. فوصف عيناها بالحمامتين فى نقائهما وبصيرتهما المفتوحة.
ووصف شعرها بقطيع الماعز علامة التكريس والنذر للعريس السماوى. ووصف أسنانها بقطيع
الجزائز رمزاً لحياة التأمل والشبع بكلمة الله. ثم رأيناه يصف شفتيها بسلكة القرمز
رمزاً لحياة التسبيح والهيام بالعريس السماوى.

واليوم
نلتقى به فى الثلاثة جوانب المتبقية فى وصفه لها فيكون الجميع سبع صفاتٍ. رمزاً
لكمال جمالها الذى عكسه عليها العريس السماوى. فنلتقى ب:

 خدها
الذى كفلقة الرمان تحت نقابها [ أى• البرقع الموضوع على الوجه ] علامة الجمال
والاحمرار المستور دليل الإتضاع الشديد.

 عنقها
كبرج داود المبنى للأسلحة المعلق عليه أتراس الجبابرة دليل الإيمان• الوطيد.

 ثدييها
كخشفتى ظبية [ أى كثدييى الظبية المرضعة ] والحديث عن الثدى• هو حديث عن الغذاء
المفيد الذى يعطى لبناً للصغار لينمو به.

وهذه
هى الصفات الثلاثة التى تحمل معانى ثلاثة، هى:

1)
اتضاع شديد.

2)
إيمان وطيد.

3)
غذاء مفيد.

 

أولاً:
إتضاع شديد

يصف
العريس عروسه بأن خديها كفلقة رمانة من تحت نقابها. والرمان لونه أحمر. تعبيراً عن
أن خديها لونهما أحمر. ولكن ليس كالقرمز الذى وصف العريس شفاه عروسه به رمزاً
للنضارة الروحية، كما سبق وتكلمنا. لكن هذا الإحمرار من نوع آخر. إنه احمرار
الحساسية الروحية فى حشمة وحياء تحت نقاب يستر ويحمى كل هذه البركات الغنية
الموجودة فى الداخل.

وفى
الرمانة نرى:

 

1)
نظام دقيق:

فالرمانة
مملوءة بفصوص مرصوصة بمنتهى الدقة وبرسم هندسى عجيب وجميل. فيها فصوص حمراء وبيضاء
فى نظام دقيق يعطيها منظراً لؤلؤياً عجيباً. هكذا المؤمن يسلك فى نظام أى طقس روحى
يجد فيه غذاءه المفيد. دون ضجر أو ملل. لذا قال الكتاب: "وليكن كل شيء بلياقة
وبحسب ترتيب " (1كو 14: 40)

لذا
فإنجيل البركة هو إنجيل النظام. إذ نجد أن الرب يسوع قبل أن يصنع معجزة إشباع
الجموع، أمر التلاميذ أن يتكئوهم فرقاً فرقاً خمسين خمسين. ثم أعطى التلاميذ وهُم
بدورهم أعطوا الشعب.

 

2)
حياء وتدقيق:

ففى
الرمانة نجد هذه الفصوص المترتبة، وقد تغطت بأغطية متعددة. وما أحوجنا فى هذه
الأيام إلى الحياء المسيحى، أينما كنا وكيفما كنا. فلقد أصبح الحياء المسيحى عملة
نادرة قليلة الوجود. ولا سيما بين بعض الشباب والشابات الذين يخيل إليهم عدو الخير
أن المدنيِّة والعولمة هى الطريق إلى مسيحى يساير ويواكب المجتمع الذى يعيش فيه
فيفقدون حياءهم ويخلعون برقع التدقيق ويخسرون إتضاعهم الحقيقى.

 

ولننظر
إلى سيدتنا وملكتنا وفخر جنسنا العذراء مريم، حين جاء إليها الملاك، وكانت شابة
صغيرة فى مقتبل العمر. فحين قال لها: " سلام لك. " يقول الكتاب مسجلاً
هذه اللحظة التاريخية التى نظر الرب فيها إلى حياء وقداسة العذراء: "وفكرت ما
عسى أن تكون هذه التحية " (لوقا 1: 29)، من يكون هذا الشاب الذى يلقى علىَّ
هذه التحية. ما هى أغراضه وما هى نواياه. إنها حكمة السماء التى تميز وتختبر ولا
تندفع وراء أى كلام قد يبدو معسولاً.

ليس
الحياء للشابات الصغيرات فحسب، بل ايضاً للمتقدمات فى الأيام كأسلوب حياة. هل تذكر
معى المرأة الشونمية التى دعاها رجل الله إليشع ليهبها الرب إبناً. لقد كانت
متقدمة فى الأيام وزوجها شاخ. لكن انظر ماذا فعلت، لقد قال لتلميذه أن يدعوها:
" فدعاها فوقفت في الباب " (2مل 4: 15).

لذا
قال الكتاب: " فانظروا كيف تسلكون بالتدقيق لا كجهلاء بل كحكماء " (أف 5:
15). تدقيق فى الملبس والكلام والسلوك والنظر والسمع. تدقيق فى العلاقات وتدقيق فى
الخدمة. حتى يكون لنا الكمال المسيحى الحقيقى.

 

3)
مجد عميق:

بعد
كل هذا نجد القشرة الخارجية فى الرمانة التى تكون حمراء اللون. إنه الإتضاع القلبى
الذى علمنا الرب إياه بقوله: " تعلموا مني لاني وديع ومتواضع القلب فتجدوا
راحة لنفوسكم " (مت 11: 29) فالإتضاع يكون بمثابة الدرع الواقى أو الصدفة
الصخرية التى تحمى المحار وتخفى لؤلؤه الداخلى وكنوزه الثمينة.

لذا
كان القديس العظيم الأنبا أنطونيوس يتضع بشدة أمام الشياطين التى كانت تحاربه
بالمجد الباطل وبسهام الذات والكبرياء. لكنه كان يحرقها بتواضعه إذ يقول: [ من أنا
الحقير الذى تحاربونه. أنا اضعف من أن أحارب أصغركم. ] فكان ينتصر عليهم بالإتضاع.

فحين
يتسرب إلى القلب كبرياء الذات، وتبدأ أن تشعر أنك صرت عارفاً وعالماً وخادماً
موهوباً. على الفور تبدأ نعمة الله فى التخلى عنك، وتنسحب معونة الروح القدس من
حياتك تاركة إياك لذاتك فتكون بداية النهاية. ليحفظنا الرب.

 

ثانياً:
إيمان وطيد

الرمز
السادس الذى وصف به العريس عروسه هو: " عنقك كبرج داود المبني للأسلحة ألف
مجن علق عليه كلها أتراس الجبابرة. " هذا هو الإيمان الوطيد. فالكنيسة هى جسد
المسيح، والمسيح هو رأس هذا الجسد. والرباط الذى يربط الرأس بالجسد هو رباط
الإيمان الوطيد. ويشبّه العريس إيمان عروسه ببرج داود المقام للأسلحة. فهذا
الإيمان ليس إيماناً خاملاً أو ضعيفاً، بل هو إيمان قوى مملوء بأسلحة الإيمان.

 

هل
تذكر موقف داود الفتى الصغير أمام جليات العملاق؟ لقد رفض داود أسلحة الحرب التى
وهبها له شاول. فلقد كانت له أسلحة أخرى يمكنه بها أن يحارب جليات وينتصر عليه.
إنها اسلحة الإيمان الوطيد الذى يهب النصرة الحقيقية من خلال قوة المسيح. لذا قال
لجليات: " أنت تأتي إليَّ بسيفٍ وبرمحٍ وبترسٍ وأنا آتي إليك باسم رب الجنود.
هذا اليوم يحبسك الرب في يدي فأقتلك وأقطع رأسك وأعطي جثث جيش الفلسطينيين هذا
اليوم لطيور السماء وحيوانات الأرض فتعلم كل الأرض أنه يوجد إله لاسرائيل. "
(1صم 17: 45، 46)

يا
لروعة هذا الإيمان الوطيد الذى تحلت به الكنيسة عبر العصور والأجيال. فكان هو سر
نصرتها، كما قال الكتاب: " هذه هي الغلبة التي تغلب العالم إيماننا "
(1يو 5: 4). ولنا فى معجزة نقل جبل المقطم فى أيام البابا ابرآم بن زرعة على يد
القديس سمعان الخراز أروع المثل على هذا الإيمان الوطيد. تحقيقاً لوعد الرب الذى
قال: " أقول لكم لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل
انتقل من هنا إلى هناك فينتقل ولا يكون شيء غير ممكن لديكم " (مت 17: 20)

والرقم
ألف فى عدد الأسلحة يشير إلى كمال الإيمان الذى كان فى أبائنا الشهداء والقديسين
الذين بدمائهم ارتوت شجرة الإيمان حتى وصل إلينا فى هذه الأيام الأخيرة إيماناً
حياً وطيداً صلباً لا يلين.

إنهم
أباؤنا القديسون الذين دخلوا هذا البرج وتمتعوا بهذا الإيمان الوطيد. الذين لخص
كاتب سفر العبرانيين سيرتهم فى إصحاح الإيمان فقال: " الذين بالايمان قهروا
ممالك صنعوا برا نالوا مواعيد سدوا أفواه أسود. أطفاوا قوة النار نجوا من حد السيف
تقووا من ضعف صاروا أشداء في الحرب هزموا جيوش غرباء. " (عب 11: 33، 34)

 

أخى
الحبيب. تُرى ما هو مستوى إيمانك؟ هل تخور قواك الروحية أمام التجارب والضيقات
والعثرات؟ أم أنك تنظر إلى رئيس الإيمان ومكمله الرب يسوع. وإلى سير أبائنا
القديسين سحابة الشهود الذين غلبوا وانتصروا وهم يصلون عنا فى السماء لننتصر كما
انتصروا إذ ننظر إلى نهاية سيرتهم ونتمثل بإيمانهم؟ لقد بكّت الرب شعبه بأنهم
"شعب صلب الرقبة" (خر 32: 9). فإما أن تكون صلب الرقبة فى الخطية، أو
تكون صلب الرقبة فى الإيمان.

 

فحين
يضعف إيماننا فى معركة القداسة نرى عمل الله فى حياة يوسف الصديق مثال الشاب
الطاهر فنتقوى ويشتد إيماننا. وهكذا حين نرى حياة آبائنا وصلابة إيمانهم وجهادهم
ضد الخطية ونضالهم ضد الطبيعة القديمة. فيتوطد إيماننا وتتقوى عزيمتنا وننتفض مما
اعترانا من ضعف.

 

ثالثاً:
غذاء مفيد

يختم
العريس وصفه لعروسه فى هذا الجزء بالصفة السابعة فيقول: " ثدياك كخشفتي [ ثدى
الغزال ] ظبية توأمين يرعيان بين السوسن. " والثديين يرمزان إلى الطعام
المفيد الذى تقدمه العروس لأولادها.

 

ولكى
يكون فى الثديين لبن، لا بد من توافر ثلاثة شروط:

1) سمة
البالغين:

فالثدى
الممتلئ باللبن هو سمة الإنثى البالغة. سواء فى الإنسان أو فى الحيوان. وهكذا
المعنى الروحى، لا تمتلئ كلماتهم بالشبع الروحى إلا إذا تحقق فيهم قول معلمنا بولس
الرسول: " لما كنت طفلاً كطفلٍ كنت أتكلم وكطفلٍ كنت أفطن وكطفلٍ كنت أفتكر.
ولكن لما صرت رجلاً أبطلت ما للطفل. " (1كو 13: 11). فتصير حواس هذا الخادم
مدربة على السير فى طريق الرب وإتباع خطاه والتمييز بين الذهب الحقيقى وبين الذهب
المزيف، فلا يكون محمولاً على كل ريح تعليم، بل يفرق بين الغث والسمين، فيخلص نفسه
والذين يسمعونه أيضاً.

 

2)
ولادة البنين:

وهى
شرط أساسى لوجود اللبن، فبدون ولادة لا يأتى لبن. لذا فالمؤمن الذى لا يهتم بخلاص
الآخرين يقف نموه الروحى وتخور قواه الروحية. لذا لا بد للخادم أن يكون ولوداً.
كما قال الرسول بولس: "ابني إنسيمس الذي ولدته في قيودي " (فل 10) هذه
هى أبوة الخادم الذى يجاهد ويصارع مع الله ويتمخض بأولاده حتى يتصور المسيح فيهم
(غل 4: 19). فيعرف ماذا ومتى وكيف يقدم لهم احتياجاتهم الروحية، كما قال الرسول
بولس: "سقيتكم لبناً لا طعاماً لانكم لم تكونوا بعد تستطيعون بل الآن أيضاً
لا تستطيعون " (1كو 3: 2)

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس أ أزموداوس س

ليحفظنا
الرب من العقم الروحى الذى فيه تتقوقع حياتنا وتتمركز حول ذواتنا ونهمل الكرازة
للبعيدين. لذا قال القديس ذهبى الفم: [ إن كانت الخميرة لا تخمر العجين، فهل تكون
خميرة؟؟ وإن كان العطر لا يعبق الجو المحيط به، فهل يكون عطراً؟ كذلك مسيحى لا
يعمل من أجل خلاص غيره، فهل هو مسيحى؟ ]

 

3)
شبع كل حين:

فلا
يمكن أن يأتى اللبن الجيد من ثديي أم ضعيفة لا تتغذى بالغذاء الجيد. ففاقد الشئ لا
يعطيه. فحين تتغذى الأم بالغذاء المفيد، فإن ثدييها تدِّران اللبن المغذى لوليدها.
هكذا يجب أن يتغذى الخادم بكلمة الله كل يوم وأن يشبع بها وبتعاليم وسير آبائنا
القديسين حتى يخرج من كنز قلبه الصالح جدداً وعتقاً (مت 13: 52). لقد كان المسيح
يقدم للتلاميذ فى معجزة الخمس خبزات، وهم كانوا يقدمون للشعب. فالجائع لايقدم
طعاماً والعطشان لا يقدم ماءاً. فالأمر لا يتعلق بنظريات أو دراسات، بل يقول قداسة
البابا الأنبا شنوده الثالث عن الخادم الروحى:

[ إنه
إنسان عاش مع الله واختبر الطريق الموصل إلى الله، وهو يحكى للناس عن هذا الطريق
الذى اختبره وسار فيه زماناً. فيحكى كل ذلك بطريقة موضوعية بعيدة عن الذات.
فالخادم الحقيقى هو إنسان حامل الله (ثيئوفورس). إنه إنسان عاش مع الله وذاق حلاوة
العشرة معه، وهو يقدم هذه المذاقة إلى الناس. ]

ودعنى
أهمس فى أذنك: نحن نشبع لنخدم الآخرين، وأيضاً حين نخدم الآخرين نحن نشبع بالنفوس
التائبة والعائدة إلى أحضان المسيح. فالطبَّاخ الذى لا يعمل حفلة فى القصر الذى
يخدم فيه، فإنه يأكل أى طعام بسيط. أما حين يعمل حفلة فإنه يأكل بالتاكيد مما يقدم
للآخرين. فالكتاب قال: " المُروي هو أيضاً يُروى " (أم 11: 25)

 

هذه
هى العروس فى صفاتها السبع التى وصفها بها العريس السماوى، حتى يتشبه بها أولاده.
فيكون لهم:

o عيون كالحمام ذات
بصيرة مقدسة.

o شعرك مكرس ومخصص
كالنذير.

o أسنان تدرس كلمة
الله وتشبع بها.

o شفتان تقطران
شهداً، وفم حلو الحديث.

o خد أحمر حياء
وإتضاعاً كالرمان.

o عنقك كبرج داود فى
إيمان وطيد محمى بأسلحة الحرب الروحية المقدسة.

o ثديان ممتلئان
باللبن الروحى تقدمه للآخرين الذين نلدهم كأولاد روحيين ونغذيهم بالكلمة المقدسة.

سيدى
الرب يسوع المسيح عريس نفسى الغالى. اشكرك لأجل هذه الصفات التى تريدها فى عروسك،
تنازل وأطبع صورة جمالك على حياتى، فيكون لىَّ الإتضاع الذى فيه أعرف إنى تراب
وإلى التراب أعود فأتضع.

ويكون
لىَّ الإيمان الوطيد الذى يُبنى على ضخرة الثقة والإتكال على صدق وعودك.

فتثمر
بىّ وفىَّ بولادة البنين الروحيين. فأترك ما للطفل وأنشغل بعملك فأشبع وأعطى
الآخرين مما أعطيتنى. آمين

 

إنهزام الظلال

" إلى أن يفيح النهار وتنهزم الظلال، اذهب إلى جبل المر وإلى تل
اللبان. كلك جميل يا حبيبتي ليس فيك عيبة " (نش 4: 6-7)

 

بعد
أن أكمل العريس وصفه لعروسه التى صارت كاملة ببهائه التى عكسه عليها. نراه هنا وهو
يختم هذا الوصف البديع بهذه الكلمات عميقة المعانى، فيقول: " إلى أن يفيح
النهار وتنهزم الظلال. اذهب إلى جبل المُر وإلى تل اللبان. " وما أكثر الظلال
التى يعانيها أولاد الله فى رحلتهم فى برية هذا العالم. وشوق قلوبهم أن تنهزم هذه
الظلال ويفيح النهار ويأتى أصل وذرية داود. كوكب الصبح المنير (رؤ 22: 16) ويبدد
الظلال ويهزم الظلام ويأخذ أولاده إلى جبل المُر ويصعد بهم إلى تل اللبان فى عشرة
هنية تحت ظلاله البهية.

ولنا
فى هذه الكلمات الإلهية ثلاثة تأملات، فنجد:

1)
شركة وجدان.

2)
جبل الأحزان.

3) تل
اللبان.

 

أولاً:
شركة وجدان

فى
ختام الإصحاح الثانى تكلمت العروس بمثل هذه الكلمات فقالت: " إلى أن يفيح
النهار وتنهزم الظلال ارجع واشبه يا حبيبي الظبي أو غفر الايائل على الجبال
المشعبة " (نش 2: 17) وهنا يعود العريس ليجيب عروسه بنفس هذه الكلمات فيقول:
" إلى أن يفيح النهار وتنهزم الظلال، اذهب إلى جبل المر وإلى تل اللبان.
" (نش 4: 6). إنها شركة الوجدان التى تربط العريس بعروسه. فكل ما يشغلها هو
شغله الشاغل، وكل ما يهتم به صار موضوع اهتمامها. لذا قال الكتاب: " وأما من
إلتصق بالرب فهو روح واحد " (1كو 6: 17).

 

وهنا
نرى:

**
وحدة قوية: فإذ تلتصق العروس بالعريس وتتمتع بأخذ جسده ودمه الأقدسين، ترتبط
العروس بعريسها فى وحدة قوية لا يفصلها عنه شئ. فيشاركها هو آلامها. وتحمل هى
صليبه فى شركة آلامه. فلم يعد بعيداً عنها، ولم تعد بعيدة عنه. لقد صارت لها نفس
اهتمامات العريس، وصارت تشترك معه فى رؤيته لخلاص العالم. لم تعد أولوياتها عالمية
مادية شهوانية، بل صارت مشغولياتها سماوية روحية، لذا قال الرب يسوع: " أنا
هو الباب. إن دخل بى أحد فيخلص ويدخل ويخرج ويجد مرعى. " (يو 10: 9). وهذا هو
عمل الثالوث الأقدس فى المؤمن. فهو يخلص بفعل عمل المسيح وبذله على الصليب. ويدخل
ويجد مرعى بفعل عمل الله الآب فى حبه وحنانه. ويخرج ليبحث عن الضالين فى قوة الروح
القدس. ولنا فى حياة يشوع مثالاً واضحاً لهذه الشركة، إذ قال الكتاب: " يخرج
أمامهم ويدخل أمامهم ويخرجهم ويدخلهم لكيلا تكون جماعة الرب كالغنم التي لا راعي
لها فقال الرب لموسى خذ يشوع بن نون رجلا فيه روح وضع يدك عليه. " (عدد 27:
17، 18) وهنا نرى:

 


الآب فى محبته: فيشوع راعى غنم يهتم بغنمه.


الإبن فى بذله: فهو يخرج ويدخل ويخرجهم ويُدخلهم.


الروح فى قوته: فهو رجلٌ فيه روح أخذها من موسى قائده.

 

هذه
هى شركة الوجدان التى فيها إنهزمت ظلال الاهتمام بالفانيات وينفرج نهار الإنشغال
بما يشغل الله فى عالمنا. فيخرج المؤمن من دائرة ذاته ومن التمركز حول ظروفه
وآلامه ومشاكله، لينفتح على رؤية الله للعالم. وما أضيق ما يشغلنا فى عالمنا، وما
أرحب ما يشغل الله الذى يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون.

 

أخى
الحبيب، تُرى ما هى نوع الشركة التى تربطك بالمسيح؟ هل هى علاقة المنفعة والمصلحة،
ام أنك خرجت من ذاتك وانهزمت ظلال المادية، وبدأ نهار الحب والإنشغال باهداف الله
للعالم تفيح فى حياتك؟

 

ثانياً:
جبل الأحزان

يقول
العريس: " أذهب إلى جبل المُر. " لماذا يا تُرى سيذهب العريس إلى جبل
المُر؟؟ لأجل عروسه التى أحبها. فجبل المُر كان تعبيراً حقيقياً صادقاً عن محبة
العريس لعروسه. ويوضح القديس بولس الأمر فيقول: " يسوع نراه مكللاً بالمجد
والكرامة من أجل ألم الموت لكي يذوق بنعمة الله الموت لأجل كل واحد " (عب 2:
9) لقد ذهب إلى جبل مُر الصليب وشرب الكأس بأكملها، ولم يقبل أن ينزل من عليه إلا
بعد أن قال قولته المدوية: " قد أُكمل. ثم نكس الرأس. " وهكذا أتم فدانا.
ويوضح الرسول بولس المر فيقول: " يسوع الذي من أجل السرور الموضوع أمامه
احتمل الصليب مستهيناً بالخزي " (عب 12: 2) لقد خرج وهو حامل صليبه.

 

ويتساءل
الأب الكاهن فى القسمة المقدسة ويقول:

[ ما هذه
الطريق المؤدية إلى الموت التى أنت سائر فيها يا إلهى ومخلصى؟ أى شئٍ تحمل على
منكبيك؟ هو صليب العار الذى حملته عوضاً عنى. ما هذا أيها الفادى؟ ما الذى جعلك
ترضى بذلك؟ أيهان العظيم؟ أيُذل الممجد؟ أيوضع المرتفع؟ يا لعظم حبك. نعم هو حبك
الذى جعلك تقبل احتمال كل ذلك العذاب من أجلى. ]

 

أخى
الحبيب، لقد ذهب العريس من أجلى ومن أجلك إلى جبل الآلام والفداء وهو فى نفس الوقت
جبل العزاء. ففى مُر المسيح عزاؤنا. فالعروس متمررة فى ظلال الليل وتقول لعريسها:
تاقت نفسى أن يفيح النهار بعد ظلمة الليالى. لذا ارجع يا حبيبى وعزنى. لا تتركنى
بمفردى عُرضة لأهوال الليل. فيجيبها قائلاً: سأذهب إلى جبل المُر. سآتى إليك فى
لًُجة مرار الضعف والخوف. سأركض نحوك رافعاً معزياً مشدداً. فقط تعلقى بى فأنا هو
صخرة الرفعة والأمان فى ليل المخاوف والأحزان. مهما كانت الأتون فأنا الرابع
الشبيه بإبن الألهة. أنا الله فى وسطها فلن تتزعزع. فأجعل من الأتون بستان ومن جب
الأسود سماء يأتى إليها ملاك الله ليسد أفواه الأسود.

 

لذا
قال الرسول بولس: " لأنه كما تكثر آلام المسيح فينا كذلك بالمسيح تكثر
تعزيتنا أيضاً " (2كو 1: 5). لا تهرب من الضيقة، بل افرح وتهلل إذا قالوا
عليك من أجل المسيح كل شر كاذبين. فإن اجرك عظيم فى السموات. سيأتى المخلص إلى جبل
المُر ليحملك.

 

**
قصة: أُصيب رجل أعمال مؤمن بمرض شديد أقعده فى الفراش وصار مشلول القدمين لا يقوى
على السير. وجاء إليه كثيرون ليشحعوه ويشدوا من عزمه. لكن باءت جهودهم بالفشل. حتى
جاءه أب كاهن وقور وجلس معه مؤكداً له أن المسيح قد جاز فى نفس ظروفك الصحية هذه.
لقد كان المسيح مشلولاً نظيرك. فتعجب الرجل بشدة وقال: لم أسمع يا أبتى أن المسيح
كان مشلولاً. فأجابه الأب الكاهن: لا بل كان مشلول اليدين والقدمين على الصليب.
أنظر إلى صليبه وستجد فيه الراحة والعزاء فى ظروفك.

 

ومرت
الأيام وحلم هذا الرجل حلماً. رأى آثار أقدام علىأرض موحلة. ووجد فى البداية آثار
لقدمين. صارا فيما بعد أربعة. ثم عادا وصارا إثنين مرة أخرى. فسأل أب اعترافه
متعجباً من الحلم. ففسر له الأمر بأنها رحلة الحياة بمرارتها. ففى البداية كنت
وحيداً وهذه هى آثار القدمين الإثنين. ثم ضاقت بك الظروف أكثر فجاء المسيح ليسير
برفقتك فى ظروفك. ثم ضاقت بك الظروف أكثر. فلم يتركك وحيداً، لكنه قرر أن يحملك
على منكبيه فجاءت آثار قدميه هو.

 

أخى
المحبوب. كفاك ضجراً فى برية الحياة. لقد جاء المسيح إليك فى جبل المُر ليريحك من
أتعابك ويحمل معك الصليب، بل يحمل عنك الصليب. بل يحملك أنت والصليب. فتقول مع
المرنم: أيضاُ إذا سرت فى وادى ظل الموت، لا أخاف شراُ لأنك أنت معى.

 

كفى
دوراناً حول ظروفك وتجاربك. لقد أقامك من موت خطاياك بعمل نعمته الكامل على
الصليب، وهو الآن يأمر كما فعل مع ليعازر: حلوه ودعوه يمضى. فلماذا تبقى فى أكفان
الخوف والضجر، مادمت قد تمتعت بالحياة بالمسيح وفى المسيح !!

 

ثالثاً:
تل اللبان

لم
يكتف العريس بالذهاب إلى جبل المُر كما رأينا قبلاً، بل إلى تل اللبان. واللبان هو
البخور الذى يرمز إلى الصلاة. فتل اللبان هو تل الصلاة، والبخور رمز الكهنوت. لذا
فبعد أن ذهب المسيح إلى جبل المُر ودفع الثمن كاملاً على الصليب، نراه هنا يذهب
إلى تل اللبان ليصير شفيعاً كفارياً لأجلنا أمام عرش الآب السماوى فى السماء.

 

ولقد
أكد كاتب رسالة العبرانيين هذا الأمر بقوله: " لأن المسيح لم يدخل إلى أقداس
مصنوعة بيد أشباه الحقيقية بل إلى السماء عينها ليظهر الآن أمام وجه الله لأجلنا
" (عب 9: 24) لاحظ هذه الكلمة الأخيرة " لأجلنا. ". لقد جلس المسيح
فى يمين العظمة فى الأعالى ليقوم بعمله التشفعى بعد أن أتم عمله الكفارى على
الصليب. إنه الآن يقف أمام الآب السماوى ليشفع فينا كما قال الكتاب: " فمن
ثمَّ يقدر أن يخلص أيضا إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله إذ هو حي في كل حين
ليشفع فيهم " (عب 7: 25)

 

وتعلمنا
كنسيتنا القبطية الأرثوذكسية أن هناك نوعين من الشفاعة هما الشفاعة الكفارية التى
يقوم بها المسيح وحده ولا سواه على حساب دم الصليب وعمله الكفارى الكامل. وهناك
الشفاعة التوسلية التى فيها نرفع صلواتنا مشفوعة بصلوات آبائنا القديسين عنا، فهم
الكنيسة المنتصرة التى تشفع فينا نحن الكنيسة المجاهدة ليعيننا الرب فى جهادنا كما
أعانهم.

 

لذا
فلقد أضافت الكنيسة إلى الصلاة الربانية القول: [ بالمسيح يسوع ربنا. ] فبدون
شفاعته الكفارية لا يمكن أن تُقبل صلواتنا.

 

هذا
هو تل اللبان الذى صعد إليه المسيح ليصير شفيعاً عنا وليشتَّم الآب رائحته رائحة
بخور يحترق فيرضى على صلواتنا ويقبلنا على حساب الكفارة الكافية التى فى المسيح.

 

كما
أن التل يكون أقل ارتفاعاً من الجبل. فلقد نزل المسيح من على الجبل، ليأتى إلىَّ
فى تل الصلاة والعشرة اليومية معى. ليجالسنى ويسير معى. لقد فعلها حين قام من
الأموات منتصراً على الموت، وسار إلى جوار تلميذى عمواس وأعادهم من ارتدادهم.

 

أخى
الحبيب، فى كل مرة تدخل إلى مخدعك وتغلق بابك خلفك أرجوك تذكر أنك على موعد للقاء
العريس فى تل اللبان. هو هناك، وإن أهملت لقاءه فى مخدع الصلاة على تل اللبان،
فسيترك لك بطاقة مكتوب عليها: [ حضرت ولم أجدك. ].لذا هل تسمح لى ان اقترح عليك
شيئاً. من فضلك اترك هذا الكتاب جانباً وادخل إلى مخدعك وتقابل مع العريس الغالى
فى تل اللبان. ثق هو هناك ينتظرك. هيا اسمح له أن يمتعك بأحضانه الحامية. سيحملك
على منكبيه، فيتحول أتون النار إلى جنة. هيا ادخل الآن. وقل له:

 

حبيبى
الغالى، يا من صعدت إلى الصليب عرياناً لتكسونى بثوب برك. أشكرك لأجل عملك الكامل
على الصليب من أجلى. إذ دفعت حساب خطيتى بموتك، وذقت الموت عنى لأحيا أنا بموتك.
وتحملت العذاب لأسعد أنا.

 

آتى
إليك على تل اللبان لتشفع فى ضعفى وفى مسكنتى أنا الخاطئ المتدنّس الراقد على
فراشى.

نعم،
جيد يا رب أن أكون هنا فى محضرك، إذ يهرب الحزن والتنهد ويدوم الفرح والعزاء فى
برية الأوجاع.

بشفاعة
كل قديسيك من أحبوك وتمتعوا بحلو عشرتك. آمين.

 

دعوة ملوكية

" هلمي معي من لبنان يا عروس معي من لبنان. انظري من رأس أمانة
من رأس شنير وحرمون من خدور الأسود من جبال النمور" (نش 4: 8)

العريس
السماوى هو ملك ملوك الأرض ورب الأرباب. هو الرب يسوع المسيح. وهو يدعو النفس
البشرية عروسه المحبوبة، يدعوها دعوة مقدسة من لبنان لتأتى إليه وترتمى فى أحضانه
الممتعة. وعن هذه الدعوة الملوكية قال الرسول بولس: " الذي خلصنا ودعانا دعوة
مقدسة لا بمقتضى أعمالنا بل بمقتضى القصد والنعمة التي أُعطيت لنا في المسيح يسوع
قبل الأزمنة الأزلية " (2تي 1: 9)

ولنا
فى هذه الدعوة الملوكية، كلمات ثلاثة. هى:

1)
وميضٌ بَّراق.

2)
أخطارٌ ومشاق.

3)
حنانٌ وإشفاق.

 

أولاً:
وميضٌ براق

لبنان
بلد جميل جذاب، غنى بالطبيعة الساحرة. حتى أن البعض يسمونها عروس الدنيا. فيها أرز
لبنان المعروف باستقامته وبروعة تنسيق أوراقه. وفيها جبال الأرز التى تخترق السحاب
فى علوها ويغطيها الثلوج والزروع الخضراء المبهرة. وهى هنا فى هذا الموضوع ترمز
إلى مجد العالم وبهائه. والعريس السماوى يدعو عروسه من وميض هذا العالم البراق
الخدّاع، حتى لا تنجذب لجماله الفانى وتُخدع ببريقه الوقتى ويشغلها عن جمال الحبيب
الباقى الذى لا يتغير مهما مرت السنون أو فاتت الأيام.

 

لذا
تذِكّرنا الكنيسة فى نهاية قراءة الكاثوليكون ألا نحب العالم ولا الأشياء التى فى
العالم لأن العالم يمضى وشهوته، أما من يصنع مشيئة الله فهذا يثبت إلى الأبد.

 

وقد
يكون بريق العالم واحداً مما يلى:

 

1)
وميض الذات والأنا:

لقد
لمع هذا البريق الفانى أمام نبوخذنصّر الملك. فبعد أن بنى مدينة بابل العظيمة
تضخمت ذاته ولمع بريق مجد العالم الفانى أمام عينيه فقال: " أليست هذه بابل
العظيمة التي بنيتها لبيت الملك بقوة إقتداري ولجلال مجدي. " (دانيال 4: 27)
فعلىَ الفور زال عنه المجد وخبا بريقه الخداع وصار كالحيوان يأكل العشب كالثيران
وابتل جسمه بندى السماء إذ أصابته سهام المجد الباطل. أما الرب يسوع المسيح فقال:
" مجداً من الناس لست أقبل " (يوحنا 5: 41).

 

2)
وميض الشهوة والزنى:

وكم
جذب هذا البريق أبصار الكثيرين، فصاروا عبيداً للشهوة، وأسرى النجاسة. هل تذكر معى
شمشون الجبار الذى قتلته إمرأة. وداود النبى الذى هزم جليات العملاق. نراه وهو
يسقط سقوطاً مشيناً عند قدمى إمرأة. وحسناً ما قاله سليمان الحكيم عن هذا الوميض:
" طرحت كثيرين جرحى وكل قتلاها أقوياء " (أم 7: 26). إنها مهلكات الملوك.
(أم 31: 3)

 

3)
وميض المال والغنى:

ما
أكثر الذين صعقهم هذا البريق بعد أن جذبهم. هل تذكر جيحزى الذى جرى وراء نعمان
السريانى ليأخذ منه ما لا يحل، فأصابه برص نعمان إلى الأبد. ويهوذا الذى أحب المال
وباع سيده بثلاثين من الفضة فخسر حياته وأبديته وصار رمزاً لخيانة التلميذ لمعلمه.
وديماس الذى ترك الرسول بولس إذ أحب العالم الحاضر. بل حنانيا وسفيره اللذان لم
يكن قلبهما كاملاً أمام الرب ففقدا حياتهما. إنها " محبة المال أصل لكل
الشرور الذي إذ إبتغاه قوم ضلوا عن الإيمان وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة. أما انت
يا إنسان الله فاهرب من هذا. " (1تي 6: 10، 11)

 

إن ما
يكسر القلب هو إنخداع الكثيرين ببريق هذه الشهوات الفانى الذى سريعاً ما يفنى
ويزول. وفى سبيل إنجذابهم لهذا البريق يبيعون مسيحهم ويبيعون أسرهم وزوجاتهم أو
أزواجهن بسبب شهوة وقتية أو بسبب علاوة أو درجة أو مركز. يا للعار !! فحين يجذبنا
لبنان ببريقه يضيع معه كل شئ.

 

أخى
الحبيب، ما هو البريق الذى يشد أبصارك بعيداً عن الجمال الحقيقى الباقى الذى
للعريس الغالى؟ هل هى المسلسلات أم الأفلام أم الشهوات واللذات أم هى بوليصة تأمين
أو رصيد أو حسب أو نسب أو أولاد. إن العريس اليوم يقول لك: تعال من لبنان. لئلا
تواجه:

 

ثانياً:
أخطار ومشاق

يقول
العريس لعروسه مُحذراً ومنبهاً: " انظري من رأس أمانة من رأس شنير وحرمون [
أسماء جبال عالية فى لبنان ] من خدور [عرين  بيت ] الأسود من جبال النمور ".

 

فهو
يحذر عروسه أنها فى منطقة جبال خطرة وعرة مليئة بالأسود والنمور المتوحشة التى قد
تفتك بها إذا لم تنتبه. كما قال الكتاب: " اصحوا واسهروا لأن إبليس خصمكم
كأسد زائر يجول ملتمساً من يبتلعه هو، فقاوموه راسخين في الإيمان. " (1بط 5:
8، 9)

 

والنمر
يرمز للطبيعة القديمة التى تحارب المؤمن وتشتهى ضد الخليقة الجديدة التى فى المسيح
يسوع. لذا قال الكتاب: " هل يغير الكوشي [ الحبشى ] جلده أو النمر رقطه [
النقش الذى فى فروته ] " (إر 13: 23).

 

1) أسود
الكروم الجميلة:

ما
أكثر الأسود التى تحارب المؤمن حتى فى أقدس وأحلى الأوقات. فحين ذهب شمشون ليخطب
عروسه هاجمه أسد من قلب الكروم. يا للعجب !! إنه الأسد الذى يأتى إلينا ونحن فى
القداس أو فى الخلوة اليومية أو فى الأيام الروحية. يأتى ليخطف أبصارنا وقلوبنا عن
التمتع بالعريس السماوى ويسحب اهتماماتنا إلى العالم الفانى ولمشغولياته لذا قال
الكتاب: " يكمن في المختفى كأسد في عريسه يكمن ليخطف المسكين يخطف المسكين
بجذبه في شبكته " (مز 10: 9)

 

2)
نمور الطبيعة القديمة:

ما
أكثر النمور التى تختفى تحت جلودنا متمثلة فى الطبيعة القديمة الفاسدة التى قال
عنها الرسول بولس: " ويحي أنا الانسان الشقي من ينقذني من جسد هذا الموت.
" (رو 7: 24). إنها الطبيعة الشريرة التى ورثناها من أبائنا كما قال كاتب
المزمور: " هانذا بالاثم صورت وبالخطية حبلت بي أمي " (مز 51: 5). إنها
الطبيعة التى تميل إلى الغضب والشهوة والنظرة غير المقدسة. إلخ. هذه الطبيعة تحتاج
أن:

 


تموت مع المسيح فى المعمودية: " مدفونين معه في المعمودية التي فيها اقمتم
أيضا معه بإيمان عمل الله الذي أقامه من الأموات " (كو 2: 12) فنعيش بالوعى
والإدراك أن طبيعتنا القديمة قد ماتت مع المسيح فى المعمودية.

 


أحيا بالمسيح فى الحياة الجديدة كخليقة جديدة: " إذاً إن كان أحد في المسيح
فهو خليقة جديدة. الأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديداً " (2كو 5:
17)

 

• أن
أمارس وسائط النعمة: التى هى قنوات تجرى منها معونة الرب التى تسندنى فى حربى ضد
الطبيعة القديمة والعادات الفاسدة كالأعتراف والتناول والخلوة اليومية والتمتع
بسير أبائنا القديسين الذين جاهدوا وانتصروا.

 


أجاهد ضد الخطية حتى الدم: والقيام فور السقوط وعدم الإستسلام.

 

يقول
القديس يوحنا ذهبى الفم:

[ إلى
الآن لم تحتملوا الموت إنما أمتدت خسارتكم عند المال والكرامة والطرد من موضع إلى
آخر. على أى حال، لقد بذل المسيح دمه من أجلنا. أما أنتم فلم تفعلوا هذا من أجل
أنفسكم. لقد صارع المسيح من اجل الحق حتى الموت من أجلكم. أما أنتم فلم تدخلوا بعد
فى المخاطر التى تهدد بالموت ]

 

أخى
الحبيب، هل تستسلم للطبيعة القديمة والعادات الرديئة التى تملكتك قبل البداية فى
طريق التوبة؟ أم تجاهد متكلاً على معونة الله ونعمته التى تحارب فى صفك فتغلب
وتنتصر. كما نقول فى أوشية السلام: [ اقتننا يا الله مخلصنا لأننا لا نعرف آخر
سواك. اسمك القدوس هو الذى نقوله فلتحيا نفوسنا بروحك القدوس، ولا يقوى علينا نحن
عبيدك موت الخطية ولا على كل شعبك]

 

ثالثاً:
حنانٌ وإشفاق

يا
لروعة هذا الحنان الفائق الذى يملأ قلب الرب يسوع تجاه أولاده. فهو يحذر عروسه من
لبنان العالم ومن عرين الأسود ومن فساد الطبيعة. لتهرب إلى أحضانه المفتوحة فتجد
الأمان كل الأمان بقربه وتحت جناحيه. لاحظ قول العريس: " هلم معى من لبنان.
" لذا فإن اسمه عمانوئيل الذى تفسيره الله معنا. فراحتنا وأماننا ليس فى
الهروب من الخطية فقط فنتجنب السلبيات، بل ما أروع أن نجد سلامنا فى رئيس السلام
ومصدره الحقيقى.

 

لقد
عرف موسى النبى سر هذا الأمان فى الوجود مع الله وتحت قيادته الرشيدة فقال: "
أليس بمسيرك معنا فنمتاز أنا وشعبك عن جميع الشعوب الذين على وجه الأرض. "
(خر 33: 16)

 

ولقد
تمتع دانيال النبى بالأمان وهو فى جب الأسود بسبب وجود الرب معه فى صورة ملاك سد
أفواه الأسود.

 

ولم يهب
الثلاثة فتية أتون النار لأنهم وجدوا الرابع الشبيه بإبن الألهة معهم.

 

ولقد
تقدمت صهيون بإتهام للرب ورد هو على هذا الإتهام. ويسجل الكتاب هذا الإتهام فيقول:
" قالت صهيون قد تركني الرب وسيدي نسيني. هل تنسى المرأة رضيعها فلا ترحم إبن
بطنها حتى هؤلاء ينسين وأنا لا أنساك. هوذا على كفي نقشتك أسوارك أمامي دائماً
" (إش 49: 14  16)

 

أخى
الحبيب. تعال إلى المسيح هارباً من لبنان فاراً من عرين الأسود ومن طبيعتك القديمة
وعاداتك الردية. لتختبئ تحت حضنه فتنعم بالأمان. لقد فُتِحَ جنبه لندخل إليه
ونحتمى فيه. إن الملك يدعو دعوة ملوكية، فهل تستجيب وتلبى النداء لتهرب من لبنان
وتقول له:

عريسى
الحبيب. أشكرك لأجل تحذيراتك وتنبيهاتك أن أهرب من الخطية. فأنت تعلم كم أنا ضعيف
وسريعا ما أخور وأحن للضعف من جديد.

أركض
لحماك فأنت ملجأى. فيك أحتمى وبك أكتفى فلن يعوزنى شئ.

لا
تسمح أن يكون لى استناد على غيرك. أنت ملجأى عزى فخرى لا سواك. آمين

 

سبيت قلبى

" قد سبيت قلبي يا أختي العروس. قد سبيت قلبي. بإحدى عينيك
بقلادة واحدة من عنقك. " (نش 4: 9)

يواصل
العريس السماوى حديثه الممتع لعروسه المحبوبة، ليشجعها ويعضدها لتواصل مسيرتها معه.
فيقول: " قد سبيت قلبى يا أختى العروس ".

ولنا
بنعمة الله فى هذا المقطع ثلاث كلمات، هى:

1)
ألقابٌ شرفية.

2)
عواطفٌ مسبية.

3)
سرُ الجاذبية.

 

أولاً:
ألقاب شرفية

ما
أروع واسمى محبة هذا العريس لعروسه. فهنا نراه يدعوها قائلاً: " يا أختى
العروس. " وهو هنا يجعل من النفس البشرية التى أحبها وأختارها لتكون عروساً
له، يجعل منها: أخت، وعروس. ولقد تكرر هذا اللقب أربعة مرات فى سفر النشيد، حظى
هذا الإصحاح الرابع وحده بثلاثة منها. فنرى هذه العروس:

 

1)
أخت مقبولة:

إنها
عائلة الله المباركة التى صار الله أباً لها، والكنيسة أماً فيها والمؤمنون عائلة
عريقة. فالمؤمنون فى القرن الحادى والعشرين ينتمون إلى هذه العائلة العريقة.

 

فالذى
يفتح حياته للمسيح ليدخل فيها، ينطبق عليه قول الكتاب: " وأما كل الذين قبلوه
فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أى المؤمنون بإسمه. " (يو 1: 12) فيصير
إبناً لله بالتبنى، وينضم لهذه العائلة ويصير أخاً ضمن أبناء الله.

 

لكننا
هنا نرى بعداً آخر. يخجل القلب تواضعاً أمام روعة هذا الإمتياز الفريد. فبعد أن
كنا أعداء لله بسبب الخطية، كما قال الكتاب: " وأنتم الذين كنتم قبلاً
أجنبيين وأعداء في الفكر في الأعمال الشريرة " (كو 1: 21). بعد العداوة، جاء
المسيح وصالحنا مع الآب بدم نفسه إذ دفع حساب خطايانا. فصرنا أولاداً لله. ليس هذا
فحسب، بل تقول كلمة الله الصادقة: " الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم ليكونوا
مشابهين صورة إبنه [ المسيح ] ليكون هو [ المسيح ] بكراً بين أخوة كثيرين "
(رو 8: 29)

 

ما
أعظم هذا الحب. أخوة. أختى العروس !! إنها نعمة الله التى ترفع من المزبلة وتُجلّس
على الكراسى. فأنا الخاطئ الذى فعلت الشر. الذى يندى جبينى خجلاً من ذكرى لخطاياى،
أصير على حساب دم المسيح ونعمته، ليس فقط متمتعاً بغفران خطاياى، ولا حتى إبناً
لله، بل أصير ضمن أخوة كثيرين للمسيح.

 

إنها
إمتيازات فريدة يمتع الرب بها أولاده التائبين، إذ يقول: "أُخبر بإسمك أخوتي
وفي وسط الكنيسة أسبحك " (عب 2: 12)

 

كم من
كثيرين ينظرون إلى علاقتهم بالله على أساس أنهم عبيد خلقهم الله ليعبدونه. حتى
يصير هو الإله الجبار المتكبر ويصيرون هم العبيد. لا لا ليس هذا هو إلهنا الذى بذل
ذاته عنا ليقتنينا له شعباً ويصير هو أباً لنا، بل وليرفعنا من العبودية إلى
البنوية، بل يصير هو بنفسه أخاً بين أخوة كثيرين.

 

بالطبع
ليس فى اللاهوت، حاشا، فالمسيح هو إبن الله بالطبيعة كما نقول فى قانون الإيمان: [
نؤمن برب واحد يسوع المسيح إبن الله الوحيد المولود من الآب قبل كل الدهور. نور من
نور. إله حق من إله حق. ] لكننا أولاد بالتبنى كما يقول الرسول بولس: " إذ
سبق [ الآب ] فعيننا للتبني بيسوع المسيح لنفسه حسب مسرة مشيئته " (أف 1: 5)
فالمسيح هو البكر، ونحن أبناء لله بالتبنى، وبالتالى أخوة. لذا قال لها يا أختى
العروس.

 

فالمسيح
من فرط محبته يدعونا أخوة. لكن هل تمتعت بهذا الإمتياز الفريد؟ أم لا زلت تحيا فى
حياة العبودية للخطية ولإبليس عدو كل خير.؟

 

2)
عروس محبوبة:

ليس
أختى فحسب، بل يدعوها أختى العروس. يا للشرف. فالزواج ليس علاقة جسدية فحسب، بل هو
بالأولى علاقة حُب وعشرة قوية وإتحاد يعمله الله بين إثنين، فيصيرا بفعل سر الزيجة
المقدسة جسداً واحداً.

 

لذا
فحين يدعو المسيح النفس البشرية بأنها عروسه، فهو يركز على علاقة الوحدة والإتحاد
الروحانى الذى يحدث بين النفس والله، كما قال الكتاب: " وأما من إلتصق بالرب
فهو روح واحد " (1كو 6: 17)

 

إنها
الخطبة المقدسة التى يخطبنا بها الله لنكون عروساً له. وهذا هو ما تركز عليه
كنيستنا القبطية فى قراءات الإكليل المقدس. فبعد أن يتكلم الرسول بولس عن علاقة
الرجل بإمرأته، وعن روعة هذا الإرتباط السماوى، نراه يختم فيقول: " هذا السر
عظيم ولكنني أنا أقول من نحو المسيح والكنيسة " (أف 5: 32) فأرتبط بالمسيح
إرتباطاً أبدياً لا ينفصل. فما جمعه الله لا يفرقه الإنسان. نعم، ما جمعه الله
كإبن لعائلته المباركة، وكأخٍ لأخوة كثيرين، لا يمكن لإبليس أن يفرقه مادام ثلبتاً
ومرتبطاً وحريصاً على نمو واستمرار هذه العلاقة المجيدة كأخ وكعروس للمسيح.

 

أخى
الحبيب. أين أنت من هذا الإكرام والجلال.؟ هل لا زلت عبداً لإبليس القتّال الذى لا
يأتى إلا ليسرق ويذبح ويُهلك؟ أم أنك فتحت حياتك لهذا العريس الذى جاء لتكون لك
حياة وليكون لك أفضل.؟ ها هى الفرصة الآن لتبدأ من جديد فهل تغتنمها؟

 

ثانياً:
عواطف مسبية

يقول
العريس: " قد سبيتِ قلبى. قد سبيتِ قلبى. " والتكرار هنا يفيد التأكيد.
إنها مشاعر الرب يسوع العريس السماوى الذى ينظر إلى عروسه، فيُسبى قلبه حباً
وعشقاً لعروسه. فلا يرى ضعفات العروس، بل يلقيها فى بحر النسيان ولا يعود يذكرها.

 

وقد
تُسبى مشاعر المسيح حباً لعروسه بما يلى:

1)
دموع التوبة النقية:

ألم
يقل لعروسه: " حولي عني عينيك فإنهما قد غلبتاني " (نش 6: 5). لقد بكت
المرأة الخاطئة عند قدميه ومسحتهما بشعر رأسها. فحين تستجيب النفس لتبكيتات الروح
القدس، وتدمع العين حزناً لا على خسارة فانية، أو لفقد حبيب، بل على الماضى الأثيم
فتكون هذه الدموع عبارة عن معمودية ثانية كما تعلمنا الكنيسة.

هل تبحث عن  مريم العذراء ألقاب مريم العذراء العابدة ة

 

وما
أغلى دموع التائب عند المسيح. إنها تأسر قلبه حباً. لذا يقول داود النبى: " تيهاني
راقبت اجعل أنت دموعي في زقك. أما هي في سفرك " (مز 56: 8)

 

2)
أشواق القلب التكريسية:

وهى
الأشواق التى فيها تنكسر قارورة الحب على رأس المخلص وهو متكئ (مت 26: 7). فحين
تأخذ خطوة أن تخصص أشواقك للعريس السماوى، وأن تكون له وحده ولغيره لا تكون. فإن
هذا التكريس والتخصيص للعريس السماوى يعطى للعشق الإلهى بُعداً جديداً ويزيده
عمقاً، فيرخص العالم ومباهجه فى نظرك، ويكتفى بحب من مات لأجلك الذى يجعل للحب
مذاقاً جديداً فى قلبك إذ تتمتع بمشاعر العريس المسبية نحوك.

 

3)
حياة الإتضاع الحقيقة:

فكما
تسبب الكبرياء فى فقد طغمة ملائكة لرتبتهم، وصاروا رؤساء شياطين. كذلك حياة
الإتضاع القلبى تعلن عن عدم إستحقاق العروس لمحبة العريس. الذى يقابل هذا الإتضاع
بمزيد من الحب النابع من قلبه المفعم بالعشق لعروسه والمسبى أمام إتضاعها القلبى
الحقيقى. إنه الحب الذى قيل عنه: " المقيم المسكين من التراب الرافع البائس
من المزبلة " (مز 113: 7)

 

4)
جهاد الخدمة والتضحية:

فالخدمة
والبحث عن الضالين والبعيدين هما التعبير العملى للحب القلبى الحقيقى للرب يسوع،
كما سأل الرب بطرس قبيل صعوده للسماء: " يا سمعان بن يونا. أتحبني قال له نعم
يا رب أنت تعلم إني أحبك قال له ارع غنمي " (يو 21: 16)، لقد كرر السؤال ثلاث
مرات، وفى كل مرة كان تعليق الرب على إجابة بطرس واحدة. ارع غنمى. فالمحبة التى
بلا بذل هى محبة مع إبقاف التنفيذ.

 

أخى
الحبيب. هل لك أن تقدم اليوم شيئاً للحبيب الغالى فيُسبى به حباً لك. فيقول لك: قد
سبيت قلبى. قد سبيت قلبى.

 

ثالثاً:
سر الجاذبية

تُرى
ما هو سر هذه الجاذبية التى جذبت العريس السماوى برغم سموه وعلوه إلى هذه العروس
التى كثيراً ما تلوثت بالضعف والخطية فى برية الشقاء والعناء؟؟ نرى السر فى قوله:
" لقد سبيت قلبى بإحدى عينيك. بقلادة من عنقك. "

 

1)
نظرة للحبيب:

يقول:
بإحدى عينيك. أى بإحدى نظرات عينيك. إنها نظرة التوبة التى قال عنها الرب: "
إلتفتوا إليَّ واخلصوا يا جميع أقاصي الأرض لأني أنا الله وليس آخر " (إش 45:
22). إنها النظرة التى نظرها اللص اليمين إلى الرب يسوع وهو معلق على الصليب. فأقر
بخطاياه، وقال: " اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك " (لو 23: 42) تلك
النظرة التى سبت قلب الحبيب وهو مكسور على الصليب من أجل اللص ومن أجلى ومن أجلك.
فأجابه على الفور: اليوم تكون معى فى الفردوس. لذا قال الكتاب: " نظروا إليه
واستناروا ووجوههم لم تخجل " (مز 34: 5). لقد آتت المرأة الخاطئة باكية عند
قدمى السيد. فنظر إليها وكأنه أراد أن يقول: لقد سبيت قلبى بدموعك يا أختى العروس.
اذهبى ولا تعودى تخطئى.

 

2)
قلادة الوصية:

إن
الأمر لا يتعلق بنظرة للرب فقط. بل يضيف العريس ويقول: سبيت قلبى بقلادة واحدة من
عنقك.

 

وما أكثر
القلائد التى تلبسها السيدات ولا سيما فى المناسبات. وهى تتغير حسب الموضة. وهى
التى يقول عنها الكتاب: " الحسن غش والجمال باطل. أما المرأة المتقية الرب
فهي تُمدح " (أم 31: 30) لكن هناك قلادة يمكن أن تزينين بها عنقك، كما يمكن
أن تصلح للرجال. للصغار والكبار. وهى التى قال عنها الكتاب: " اسمع يا إبني
تأديب أبيك ولا ترفض شريعة أمك. لأنهما إكليل نعمة لرأسك وقلائد لعنقك " (أم
1: 8، 9) إنها قلادة الوصية والشريعة التى حين يخضع لها المؤمن ويسلك بمقتضاها فإن
تزين عنقه وتضمن سلامه فى الحاضر والمستقبل. لذا أوصى الرب: " لا يبرح سفر
هذه الشريعة من فمك بل تلهج فيه نهاراً وليلاً لكي تتحفظ للعمل حسب كل ما هو مكتوب
فيه لأنك حينئذ تصلح طريقك وحينئذ تفلح. " (يش 1: 8)

 

أخى
الحبيب، هل تأتى معى بنظرةٍ إلى الحبيب؟ نظرة التوبة بعيون ملئية بالدموع.؟ وهل
نزين أعناقنا بزينة كلمة الله التى نحفظها ونعيش بمقتضاها. فيأتى العريس ويقول لنا:
قد سبيت قلبى يا أختى العروس. قد سبيت قلبى. فتجيبه وتقول:

 

حبيب
قلبى الرب يسوع. يا من سبيت قلبى بمحبتك الفائقة المعرفة.

أشكرك
لأنه برغم ضعفى وعدم استحقاقى، إلا أنك تدعونى: اختى العروس. ما أسمى هذا الشرف
التى تمتعنى به.

 

هبنى
أن أبادلك الحب بالحب بنظرة التوبة ودموع الندم على خطاياى التى سببت لك كل الآلام.
اسمح هبنى أن تسكن فىَّ كلمتك بغنى فتتزين عنقى بشريعتك إلى أن تأتى فأكون معك كل
حين. آمين

 

ما أحسن حبك

"ما أحسن حبك يا أختي العروس كم محبتك أطيب من الخمر وكم رائحة
أدهانك أطيب من كل الأطياب. شفتاك يا عروس تقطران شهداً تحت لسانك عسل ولبن ورائحة
ثيابك كرائحة لبنان" (نش 4: 10، 11)

 

رأينا
فى الموضوع السابق قلب المسيح الذى إمتلأ حباً وسبياً للعروس الغالية المحبوبة
التى هى النفس البشرية. لقد قاده الحب هذا أن يحتمل الصليب مستهيناً بالخزى فأخلى
ذاته آخذاً شكل العبد. واحتمل اللطم والتفل والبصق. ليس لأنه كان يقوم بواجب
مضطراً لتأديته، بل بدافع الحب الباذل الذى قال عنه: " محبة أبدية أحببتك من
أجل ذلك أدمت لك الرحمة " (إر 31: 3)

 

وهنا
نريد أن نتأمل فى هذا النشيد الذى أنشده العريس لعروسه، حتى نتعرف على بعضاً من
هذا الحب الفائق المعرفة. فيدور حديثنا حول ثلاث نقاط، هى:

1)
حبٌ وطيب أدهان.

2)
شفتان بالشهد تقطران.

3)
ثيابٌ كرائحة لبنان.

 

أولاً:
حبٌ وطيب أدهان

يقول
العريس: " ما أحسن حبك يا أختي العروس كم محبتك أطيب من الخمر وكم رائحة
أدهانك أطيب من كل الأطياب " (نش 4: 10) فبعد أن أعلنت العروس عن محبتها
للعريس فى مستهل الإصحاح الأول فقالت له: " حبك أطيب من الخمر. اسمك دهن
مهراق ". نرى العريس هنا وهو يبادل عروسه حباً بحب.

 

والواقع
أن الأصل فى الحب هو شخص المسيح وليس العروس. إذ قد وضّح القديس يوحنا الأمر بقوله:
" بهذا قد عرفنا المحبة أن ذاك وضع نفسه لأجلنا فنحن ينبغي لنا أن نضع نفوسنا
لأجل الإخوة " (1يو 3: 16) فلقد عرفنا المحبة من خلال محبة المسيح لنا.

 

ما
أسمى هذه المحبة التى وصلت إليها العروس فى علاقتها بعريسها، حتى انه يقول لها:
حُبك أطيب من الخمر. " فلقد فاقت محبتها للعريس أية محبة أخرى. فأحبته أكثر
من المال ومن الجمال ومن الشهوة والشهرة. بل أكثر من نفسها.

 

فالأمر
لا يتعلق بأنها تركت الخطية فحسب أو أنها تركت شهواتها وملذاتها وعاداتها القديمة
فحسب، بل يتعلق بقلب إمتلأ بالحب للعريس السماوى فأعاد حساباته فوجد أن كل ما فى
العالم نفاية يشتاق أن يتخلص منها ليقتنى اللؤلؤة الواحدة كثيرة الثمن. فالمسيحية
هى عشق قلبى للرب يقود إلى الإنحلال من الكل للإتحاد بالواحد.

 

ولقد
تجلت محبة آبائنا القديسين للرب بصورة واضحة إذ أحبوه من كل قلوبهم. أكثر من
الزوجة أو الأولاد أو المقتنيات أو الشهوات، إذ زادت محبة الرب فى قلوبهم فأشرف من
السماء وقال لهم: " ما أحسن حُبك يا أختى العروس. " ففاحت رائحة محبتهم
للمسيح لدى الجميع. ليس فى جيلهم فحسب بل وصلت هذه الرائحة إلينا نحن الذين إنتهت
إلينا أواخر الدهور.

 

والواقع
أن السر فى هذه المحبة هو فى الدهن المقدس الذى يناله المُعمد إذ يدهنه الأب
الكاهن بزيت الميرون فينال عطية الروح القدس الذى يهبه عربون محبة الله فى القلب.
وإذ يكبر المؤمن وينمو فى علاقته مع الله، فإن الروح القدس النارى يلهب الحب فى
قلب المؤمن كما قال الكتاب: " لأن محبة الله قد إنسكبت في قلوبنا بالروح
القدس المُعطى لنا " (رو 5: 5)

 

أخى
الحبيب. هل وصلت محبتك للمسيح كمحبة هذه العروس التى إلتهب قلبها بحب من أحبها
وأسلم نفسه لأجلها؟ هل تسمح للروح القدس الذى أخذته فى سر الميرون أن يضرم نار
الحب فى قلبك فتفيح منك رائحة طيب الحب المكسور على قدمى السيد فيقول لك: محبتك
أطيب من الخمر؟

 

ثانياً:
شفتان بالشهد تقطران

يقول
العريس: " شفتاك يا عروس تقطران شهداً. " ولقد تعرضنا لهاتين الشفتين فى
بداية هذا الكتاب، لكن دعونا نرى هذا الشهد الذى يقطر من شفتى العروس من ثلاثة
جوانب، هى:

 

1)
شهد الجهاد والمثابرة:

فالشهد
ينتج من تعب وجد وجهاد الآلاف من النحل الذى لا يرقد فى خليته ليغط فى نوم عميق
ويستيقظ فيجد الشهد قد تكون. كلا، بل يقول العلماء أن كل جرام من العسل يحتاج إلى
عشرة آلاف وقفة تقفها النحلة على الزهور والورود لتاخذ من رحيقها. ثم تعطيك من
فيها كل ما كان فيها.

 

هكذا
لكى تقطر شفتا المؤمن شهداً يجب عليه أن يحاضر بالصبر فى الجهاد الموضوع أمامه،
مقتدياً برئيس الإيمان ومكمله الذى كان يجول يصنع خيراً ويشفى جميع المتسلط عليهم
إبليس. فيكتفِ المؤمن عن الأعذار التى يعتذر بها لعدم حضور الكنيسة، وبأنه لا يفهم
اللغة القبطية. وعن عدم المواظبة على الخلوة اليومية أو عن حضور الإجتماعات نظراً
لضيق الوقت. أو عن تكرار السقوط فى الخطية بسبب البيئة الشريرة المحيطة به. إلى
آخر هذه الأعذار الواهية التى يريدنا الرب أن نقلع عنها فيكون لنا شهد الجهاد
والمثابرة.

 

لذا
يا أخى جاهد وثابر واقرأ فى الكتاب وفى سير القديسين واجلس مع أب اعترافك ومع
المرشدين الروحيين حتى تخزن رحيق النعمة فى قلبك فيخرج فى صورة شهد من شفتيك.

 

2)
شهد التأمل والعبادة:

بعد
أن تجمع النحلة الرحيق، لا تضعه فى الخلية مباشرة، بل تأخذه وتفرز عليه افرازات
وانزيمات من جوفها وتهضمه، ثم تُخرجه شهداً حلو المذاق. هكذا أنت يا أخى، حين تقرأ
الكتاب المقدس، اقرأه قراءة مختلفة عن كل الكتب والمجلات والجرائد التى تقرأها.
اشبع بكلماته فهى غذاء. اهضمها. واجتر ما فيها من حلاوة. لتسكن فيك بغنى. لتأخذ
مكانها فى حياتك وكأساس لتعاملاتك ومبادئك. حتى إن اختلفت مع مبادئ العالم الذى
وُضِعَ فى الشرير. اجعل لها الأولويات، واخضع لها. رددها أنت وأهل بيتك. فيقطر
لسانك شهداً من كلمة الله التى قيل عنها: " أشهى من الذهب والإبريز الكثير
وأحلى من العسل وقطر الشهاد " (مز 19: 10)

 

3)
شهد الخدمة والشهادة:

فحين
يمتلئ القلب بشهد كلمة الله، فلا يستطيع أن يسكت أو أن يتدنس فمه بأحاديث العالم
مرة أخرى، بل يُخرج من كنز قلبه الصالح جدداً وعتقاً. فلا تجد صعوبة أن تكرز
للآخرين وأن تشهد لهم عن حلاوة المسيح الذى جعل حياتك حلوة، بل تفيض كلماتك كالشهد
على الآخرين فيأكلون ويشبعون من كلمات النعمة التى يضعها الرب على فمك فتتحول
جلساتك إلى جلسات روحية مشبعة بدلاً من أحاديث العالم الخاوية غير المثمرة.

 

أخى
الحبيب، هل تشبع كل يوم فى الصباح من شهد كلمة الله، فتأخذ منها وتتأمل فيها وتخرج
من فمك شهداً مشبعاً للأخرين.؟؟

 

ثالثاً:
ثيابٌ كرائحة لبنان

يقول
العريس لعروسه: " ثيابك كرائحة لبنان. " وهذا يعطى معانى عميقة:

 

1)
مظهر النعمة:

الثياب
ترمز إلى المظهر الخارجى للمؤمن الذى يجب أن يشهد عن الجوهر الداخلى. هل تذكر ملكة
سبأ حين أتت إلى سليمان وقدمت تقريراً رائعاً عن: " طعام مائدته ومجلس عبيده
وموقف خدامه وملابسهم وسقاته ومحرقاته التي كان يصعدها في بيت الرب لم يبق فيها
روح بعد " (1مل 10: 5). فكثيراً ما يختلف المظهر عن الجوهر فى حياة بعض
المؤمنين. فيكون الصوت صوت يعقوب. أما الجسم فجسم عيسو [ خشن ]. نعم، لقد "
صرنا منظراً للعالم للملائكة والناس " (1كو 4: 9). فالناس لا يمكن أن ترى
المسيح فى قلبى، لكنها تراه فى أعمالى وأقوالى واستقامتى. وحتى فى مظهرى الخارجى
من لبس وشعر وكيفية السير وكيفية إنتقاء الأصدقاء. إلخ.

 

2)
السيرة الحلوة:

فلكل
ثوب رائحته التى تفيح منه. فسيرة المؤمن تفيح إينما ذهب، بل كما قلنا قبلاً فإن
رائحته قد تفيح حتى بعد إنتقاله بسنين. لذا قال الكتاب: " فإن سيرتنا نحن هي
في السماوات. " (في 3: 20) فأنت كمؤمن وكعروس للمسيح صورة المسيح المقروءة
والمعروفة من جميع الناس. لذا كأولاد لله يجب أن " تكون سيرتكم خالية من محبة
المال كونوا مكتفين بما عندكم لانه قال لا اهملك و لا اتركك " (عب 13: 5)

 

أخى،
ما هى سيرتك التى يتناقلها الناس فى الأرض والملائكة فى السماء. فى السر والعلن.
هل سيرتك فى السماويات تفيح منها رائحة المسيح ذكية أم أن هناك أشياء ذكرها أيضاً
قبيح؟؟

 

3)
الحياة المرتفعة:

أمر
ثالث فى ثياب العروس أنها كلبنان فى رفعته وكسوته بالأشجار ذات الرائحة الطيبة.
فكأن المؤمن بسيرته وحياته المقدسة وكلماته التى كالشهد يعلن أن الحياة مع المسيح
تقود إلى السمو الروحى، فترفع الإنسان من حضيض الخطية إلى سمو العشرة مع الرب. لذا
قال الكتاب: " يجعلك الرب رأساً لا ذنباً وتكون في الإرتفاع فقط ولا تكون في
الإنحطاط إذا سمعت لوصايا الرب إلهك التي أنا أوصيك بها اليوم لتحفظ وتعمل "
(تث 28: 13)

 

أخى
الحبيب، أين أنت اليوم من هذا السمو الروحى؟؟ اطلب بإيمان فستأخذ. قل له معى:

حبيب
قلبى الرب يسوع. اشكرك لأجل نعمتك التى جعلت منى عروس لك. اسمح اطبع رائحتك
المقدسة على حياتى فتفيح منى هذه الرائحة الذكية.

أضع
بين يديك شفتاى لتقدسهما بفعل كلمتك المحيية وبجسدك ودمك الأقدسين فيقطران شهداً.

انزع
رائحة العالم من حياتى وهبنى سمو العشرة معك كلبنان.

احفظنى
من المظهرية الشكلية وهبنى قداسة الداخل الذى ينضح بقداسة المظهر. آمين

 

جنةٌ مغلقةٌ

"أختي العروس جنةٌ مغلقةٌ. عينٌ مقفلةٌ. ينبوعٌ مختومٌ. أغراسك
فردوس رمان مع أثمار نفيسة فاغية [حنة] وناردين. ناردين [عطر غالى] وكركم [نبات
الزعفران] قصب الذريرة [طيب عطر] وقرفة مع كل عود اللبان [بخور]. مُر [صمغ رائحته
ذكيه ومذاقه مُر] وعود [عطر شرقى غالى] مع كل أنفَس [أغلى] الأطياب. ينبوع جنات.
بئر مياه حية وسيول من لبنان. استيقظي يا ريح الشمال وتعالي يا ريح الجنوب هبي على
جنتي فتقطر أطيابها ليأت حبيبي إلى جنته ويأكل ثمره النفيس" (نش 4: 12-16)

 

وجد
العريس السماوى فى عروسه صفات غاية فى الأهمية فمدحها وسجلتها كلمة الله، حتى تكون
نموذجاً حياً نقتدى به نحن الذين إنتهت إلينا أواخر الدهور كعروس المسيح وأعضاء
جسده. نلخصها فى هذه التركيزات الثلاثة:

1)
جنةٌ مغلقةٌ.

2)
ثمارٌ لائقةٌ.

3)
بركاتٌ فائقة.

 

أولاً:
جنةٌ مغلقةٌ

هذه
هى عروس المسيح. إنها " جنة مغلقة. عين مقفلة. ينبوع مختوم. " فهى
كالجنة المليئة بالأشجار المثمرة. كروضةٍ غنّاء. فردوس من الفضائل. لا يدخلها
الشيطان بمكره كما دخل إلى الجنة الأولى فى عدن. فجنة الله فى العهد الجديد جنةٌ
مقدسة. ليست جنة نساء أو حور بل هى جنة القداسة والسمو. قال عنها المسيح: "
لا يُزوِجُون ولا يتزوجون بل يكونون كملائكة الله في السماء " (مت 22: 30)

 

ولنقترب
أكثر من هذه العروس لنتعرف على روعة هذه الصفات المباركة، فنراها:

 

1)
جنةٌ مغلقة للعريس وحده:

إن
جنة العهد الجديد هى كنيسة المسيح فى قداستها، وهى البيعة فى عفتها وطهارتها، لذا
يجب أن تكون حياتى مقدسة مغلقة عن الخطية كعضو فى جسد المسيح كنيسته الحية. يجب أن
أحيا للعريس وحده ولا سواه. ليس فى إنغلاقية عن المجتمع الذى أعيش فيه، فروعة عروس
المسيح أنها تحيا فى العالم، ولا يحيا العالم فيها. كالسفينة التى تكون فى البحر،
ولا يكون البحرفيها. لذا قال المسيح فى صلاته الشفاعية للآب: " لست اسأل أن
تأخذهم من العالم بل أن تحفظهم من الشرير " (يو 17: 15)

فيسكن
المؤمن وسط الأشرار لا ليتعلم منهم، بل ليضيئ لهم بنور معرفة يسوع المسيح. بسلوكه
المقدس وحياته الشاهدة عن وجود المسيح فيها.

لقد
قصد الله للكنيسة أن تؤثر فى العالم، لا أن يؤثر العالم فيها. فمن المحزن حقاً أن
نرى كثيراً من الكنائس فى طوائف متعددة ولاسيما فى بلاد الغرب. نراها وقد صارت أرضاً
مفتوحة لكل غريب وجديد. بلا ضابط او رابط. فتعالمت الكنيسة وتكانس العالم. واختلط
الحابل بالنابل. فصرنا نسمع عن رقص فى الكنيسة وتحولت كنائسهم إلى بيوت خلاعة.
ياللعار !!

أخى،
لقد قال كاتب المزمور عن النفس البشرية: " سبحى يا أورشليم الرب. لأنه قوّى
مغاليق أبوابك، وبارك بنيك فيك. " (مز 147: 13، 14) فهل أنت جنة مغلقة
بالنسبة للخطية ولمبادئ العالم ومغرياته؟ أم أنك أرضٌ مفتوحة لكل نجس ليدخل ويتمشى
ويلقى بمخلفاته فى تربة حياتك ليدنسها.؟ عش فى العالم ولا تدع العالم أن يعيش فيك.
كن جنة مغلقة للعريس السماوى الذى يستحقها وحده.

 

2)
عينٌ مقفلة بوصاياه وسنده:

لكن
يأتى السؤال الهام وهو: كيف يمكن أن نحيا فى قداسة وتعفف ونحن فى عالم الخطية التى
تهاجمنا من كل جانب؟ الواقع أن السر هو فى سور الحماية الذى يحمى هذه العين لتبقى
نقية من التلوث والحشرات. والسور هو وصايا الرب التى حين نحفظها ونسلك بمقتضاها
فهى تحفظنا من عالم الخطية. لذا يقول القديس غريغوريوس النيصى: [ جنتنا مغلقة من
كل جانب بسور الوصايا، حتى لا يتسلل إلى مدخلها لص أو وحش مفترس. إنها مغلقة بسياج
الوصايا فلا يستطيع العدو أن يقترب إليها. ]

 

لذا
فهذه العروس تعرف كيف تضبط شفتيها. لكن حين تفتحهما فإنها تتكلم بكلمة الله
وبتعاليم حكمته.

 

3)
ينابيع مختومة ليدخلها بمجده:

الكنيسة
هى ينبوع ماء حى. يفيض فيها الروح القدس من خلال الأسرار المقدسة التى هى قنوات
نعمة جارية. لكن هذه الينابيع مختومة لا يتمتع بها إلا من فتح قلبه للعريس السماوى
ليدخل به إلى هذه الجنة ليرويه من ينابيعها المروية. فالمعمودية مثلاً تهب المعمد
بركات روحية غنية، فيصير إبناً لله ووارثاً لكل البركات السماوية. إلا إنها تبقى
ينبوع مختوم. يقرع العريس السماوى على القلب يريد الدخول. حين تفتح له العروس فإنه
على الفور يدخل ليتعشى معها وهى معه فيشبعها من ينبوع عشرته ويرويها بأبوته. وهكذا
بقية أسرار الكنيسة وبركاتها، يبقى القلب فيها كالزجاجة المغلقة التى توجد فى
المحيط لكنها لا زالت جافة خالية. تحتاج أن تُفتح فترتوى وتروى الآخرين.

لذا
يقول القديس امبروسيوس: [ لقد صرنا بالمعمودية فردوساً به إمكانيات الحياة
والإثمار، لكنه فردوس مغلق، وعيناً تستطيع أن تفجر مياه نقية تروى الكثيرين لكنها
مغلقة، وينبوع إن فُتِحَ فجر ينابيع مياه حية. ]

 

أخى
الحبيب. هل أنت جنة مغلقة على العالم؟ هل اسرتك مغلقة على أصدقاء السوء والجيران
الأشرار؟ هل أنت عين مقفلة بعمل الروح القدس الذى يضبط حواسك فلا ترى إلا من خلال
قداسة العريس؟ هل أنت ينبوع مختوم تحتاج لأن تفتح قلبك للعريس، كما قال المزمور:
" ارفعن أيتها الأرتاج [المداخل] رؤوسكن وارتفعن أيتها الأبواب الدهريات
فيدخل ملك المجد " (مز 24: 7)

 

ثانياً:
ثمارٌ لائقةٌ

يقول
العريس: " أغراسك فردوس رمان مع أثمار نفيسة فاغية وناردين. ناردين وكركم.
قصب الذريرة وقرفة مع كل عود اللبان. مُر وعود مع كل أنفَس الأطياب. ينبوع جنات.
بئر مياه حية وسيول من لبنان. " هذه هى عروس المسيح التى تحفظت من العالم
وحفظت بتولية قلبها للعريس السماوى لا سواه، وفتحت ينبوع قلبها له وحده. هذه
العروس يجب أن تأتى بثمر ويدوم ثمرها فيها.

لقد
دخل المسيح بيتاً وهو لا يريد أن يعلم أحد فلم يقدر أن يختفى (مر 7: 24) فلا يمكن
أن يكون المسيح فى حياتك، وتكون بلا ثمر بل أنك إن حفظت وصايا الرب وفتحت حياتك لعمل
نعمته فإنك تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضاً.

 

ويذكر
العريس هنا بعض هذه الثمار فيقول:

1)
فردوس رمان: رأينا قبلاً الرمان فى حَماره رمزاً للحياء. كما أن شجرة الرمان تجعل
اللص ييأس من النيل منها لوجود أشواك على فروعها. كذلك المسيح يحيط عروسه بسور
حماية هى وصاياه ونعمته التى كالستون جبار التى تحمى النفس من سهام العدو الملتهبة
بالنار.

2)
فاغية الحناء: وهى التى تصبغ بها العروس يديها فى ليلة زفافها رمزاً لإستعدادها
لملاقاة العريس فى يقظة روحية وجهاد مقدس ضد شهوات العالم ومغرياته.

3)
ناردين: وهو نبات طيب الرائحة كثير الثمن. رمزاً للقلب المكرس للعريس وحده الذى
يستحق أن تُكسر قارورة الطيب على رأسه.

4)
كركم: نبات يُسحق ويوضع على الطعام ليعطه مذاقاً خاصاً. رمزاً لتأثير المؤمن فى
البيئة المحيطة به كنور للعالم وملح للأرض.

5)
قصب الذريرة: عود له رائحة ذكية، يُستخرج منه زيت يستخدم فى الأمور الخاصة
بالذبيحة (إش 43: 24) رمزاً لرائحة المؤمن الذى تعطرت حياته برائحة المسيح، ففاحت
منه هذه الرائحة فى صلواته. فيصلى بكلمات الكتاب التى تسكن فيه بغنى.

6)
القرفة: وهو نوع من الخشب له رائحة طيبة يُستخدم فى طبخة زيت الميرون المقدس.
رمزاً لشركة الروح القدس الذى يهبه الرب للمؤمن من خلال سر الميرون، فلا يسلك
حسبما يرى أو يستحسن، بل يخضع لقيادة الروح القدس له.

7)
ينبوع جنات: رمزاً لفيض الروح القدس من حياة العروس ليشبع منه الأخرون.

 

أخى
الحبيب، هل تمتعت بهذه الثمار المباركة فى حياتك كعروس للمسيح؟ أم لا زلت بلا ثمار
كشجرة التين التى لعتها الرب لأنه لم يجد فيها ثمر؟ افسح المجال للروح القدس ليثمر
بثماره فى حياتك فتصير جنات شبع وسرور.

 

ثالثاً:
بركات فائقة

يختم
العريس هذا النشيد فى هذا الإصحاح الرابع بقول العروس: " استيقظي يا ريح
الشمال وتعالي يا ريح الجنوب هبي على جنتي فتقطر أطيابها، ليأت حبيبى إلى جنته
ويأكل ثمره النفيس. "

هذه
هى المرة الأولى فى هذا الإصحاح التى نسمع فيها رَداً من العروس كإستجابة لحديث
العريس إليها. وهى تطلب أن تهب ريح الشمال وريح الجنوب على جنة حياتها التى تكلم
عنها العريس طوال هذا الإصحاح.

وفى
اللغة اليونانية عادة ما تأتى كلمة " ريح " بمعنى " روح ".
فهى تطلب الروح القدس أن يأتى ليهبها ثماره وليحفظ هذه الثمار من أن تضيع فى
مشغوليات العالم.

هل
تذكر معى عكسة إبنة كالب؟ لقد ذكر الوحى المقدس هذه القصة مرتين فى العهد القديم.
فى يشوع 15، قضاة 1. نظراً لأهميتها للمؤمن. هذه الإبنة التى صارت عروس لعثنيئيل.
لكنها نزلت عن الحمار يوم زفافها. وقالت لأبيها: " اعطني بركة لأنك أعطيتني
أرض الجنوب فاعطني ينابيع ماء. فأعطاها الينابيع العليا والينابيع السفلى "
(يش 15: 19)


اعطنى: ما أحوجنى لعمل روحك القدوس فى حياتى، فما قيمة أن تدعونى " أختى
العروس " وأنا أفتقر إلى قوة روحك القدوس فى حياتى. لذا اعطنى.

 أعطيتنى:
نعم، لا• أنكر أنك أعطيتنى روحك القدوس فى سر الميرون المقدس. فأنا أؤمن أنه حالٌ
وساكنٌ فىَّ. أشكرك لأنك اعطيتنى أرض الجنوب الممتلئة ثماراً، لكن من يحفظ هذه
الثمار إلا روحك القدوس، فأنا أطمع فى كرَمك، ولا اكتفى بل أطلب المزيد من عمل
روحك. لذا:

 اعطنى:
فأنا أكرر القول مع صلاة الساعة الثالثة وأقول: [ روحك• القدوس يارب الذى أرسلته
على تلاميذك القديسين ورسُلك المكرمين فى الساعة الثالثة، هذا لا تنزعه منا ايها
الصالح، بل نسألك أن تجدده فى أحشائنا. ]

 فأعطاها:•
يا لروعة غنى عطاء هذا الأب الصالح. فحين نطلب مزيداً من عمل الروح فى حياتنا،
ونلتمس منه أن يأخذ مجاله أكثر فى حياتنا، فإنه على الفور: " يعطى الروح
القدس للذين يسألونه. " (لو 11: 13)

 

أخى
الحبيب، ما أحوجنا فى هذه الأيام التى كثر فيها الشر والخطية أن نفسح المجال لروح
الله القدوس ليأتى إلى جنة المسيح التى غرسها فى حياتنا، وليهُب الروح بقوته
المطهرة والمقدسة والدافعة والمشجعة كما عمل مع حزقيال فى رؤياه: " هُب على
هؤلاء القتلى ليحيوا. فتنبأت كما أمرني فدخل فيهم [فى القتلى] الروح فحيوا وقاموا
على أقدامهم جيش عظيم جداً جداً. " (حز 37: 9، 10)

طلبتى
إلى الله أن يمتعنا بعمل روحه القدوس النارى فى حياتنا حتى ينتشلنا من ضعفاتنا ومن
تكاسلنا. فيأتى عريسنا إلى جنة حياتنا فيجدها حية مزدهرة بالثمار النافعة، ممتلئة
بالأطياب الذكية. فيأكل ويرى من تعبه فينا ويشبع. له المجد فى كنيسته إلى الأبد.
آمين.

 

حبيب
قلبى الرب يسوع. اشكرك لأنك تريدنى جنة مغلقة على العالم. تهبنى وصاياك كسور حماية
لجنتك فى حياتى.

أفتح
لك ينبوع قلبى لتدخل إلىَّ فأرتبط بك، وتزين قلبى بثمارك النافعة لحياتى ولكنيستك.

تعالى
إلى قلبى أيها الملك السماوى بنارك التى تحرق الخطية التى فى حياتى، ولتشعلنى
بنارك المقدسة فتفيض ثمارك على الآخرين ويروا عملك فى حياتى.

أنا
لا أستحق، لكنك فى محبتك دعوتنى: أختى العروس. اشكرك.

 

نأتى
إلى ختام تأملاتنا فى الإصحاح الرابع من سفر نشيد الأناشيد. والتى فيها سارت
رحلتنا فى صفات هذه العروس المقدسة التى هى النفس البشرية التى فداها العريس
واشتراها بدمه، وهى الكنيسة المقدسة التى هى عمود الحق وقاعدته. التى دعاها المسيح:
أختى العروس.

ونريد
اليوم أن نجمِّع كل ما كلمنا به الرب فى هذا الكتاب لتتكون لنا صورة متكاملة عن
هذه العروس. تماماً مثلما نجمع قطع المكعبات المتفرقة فتتكون لدينا صورة متكاملة.

 

وإليك
هذا الملخص للموضوعات التى كلمنا الرب فيها:

1)
عيناك حمامتان: فى بصيرة روحية، تعكس قداسة قلبية، نابعة من شركة قوية مع العريس
السماوى.

2)
حياة التكريس: إذ تأخذ المسيح نصيباً صالحاً لا يُنزع منها إلى الأبد، فتتمتع
بسلامه العجيب إذ لا تريد شيئاً ولا تشتهى شيئاً سواه.

3)
حياة التأمل: التى فيها نتجرد من فانيات العالم لنتمتع بباقيات العريس السماوى
الذى ينقى حياتنا فنكتفى به عما سواه.

4)
حياة التسبيح: التى فيها نتمتع بعشرة السمائيين الذين يسبحون الرب ليل نهار، فتكون
لنا النصرة على العالم والخطية إذ يفيض الروح بكلمات التسبيح على شفاهنا.

5)
صفات ذات معنى: فقد وصف العريس عروسه بصفات رائعة. فمدح إتضاعها وإيمانها وشبعها
بالغذاء المفيد الذى تأكله وتخرجه للأخرين ليشبعوا معها به.

6)
انهزام الظلال: ففى شركة الحب بين العريس وعروسه، تجتاز العروس بجبل المُر محمولة
على كتفى عريسها الذى يحملها ويحمل عنها الآلام إلى أن تشرق شمس الفجر الجديد فى
الأبدية.

7)
دعوة ملوكية: لتهرب من وميض العالم البراق الخدّاع لتاتى إلى العريس الذى يعينها
لتجتاز صعاب أسود الخطية ونمور الطبيعة القديمة لتتمتع بأحضانه المشفقة.

8)
سبيت قلبى: فيدعوها أختى العروس إذ قد سباه جمال صفاتها وقداسة سلوكها إذ يجملها
نظرة توبتها إليه وقلادة الوصية.

9) ما
أحسن حبك: فرائحة أطيابها قد جذبته، وشفتاها اللتان تقطران شهدا قد أشبعته،
وثيابها التى تعكس جمالها الداخلى قد أسرته.

10)
جنة مغلقة: على العالم ومغرياته. ومليئة بثمار العريس التى باركها بها. فطلبت منه
روحه لتزداد ثمارها وليحفظ هذه الثمار

واليوم،
ونحن فى ختام هذا الكتاب، هل تفتحت عيناك على هذا الامتياز الفريد الرائع، وهو
امتياز أن تكون عروساً للمسيح تتمتع بما فى هذه العروس من صفات تأسر القلوب.؟

أسمح
الآن لروح الله أن يسكب حباً جديداً وعشقاً مجيداً فى قلبك، حتى تُبادل الحب بالحب
إذ تعكس محبة الله لك.

 

طلبتى
إلى الله أن يعطينا جميعاً الحياة التى تجد فى المسيح عريسها، فتحب من خلاله
الآخرين. آمين

 

خاتمة

أخى
الحبيب.

الآن،
قد وصلنا إلى ختام هذه الدراسة التطبيقية العملية فى الإصحاح الرابع من سفر النشيد.
الذى رأينا فيها روعة صفات العروس التى إنعكست عليها من جمال عريسها إذ تطبعت
بصفاته.

طلبتى
إلى روح الله القدوس أن يمتعنا بهذه الصفات المجيدة ويجملنا بهالنسمع صوت العريس
لنا:

أختى
العروس.

اسمع
يارب واستجب بشفاعة سيدتنا وملكتنا كلنا والدة الإله القديسة مريم العذراء وسائر
آبائنا القديسين، وصلوات أبينا الطوباوى البابا المعظم الأنبا شنوده الثالث.
لإلهنا المجد فى كنيسته من الآن وإلى الأبد. آمين.

 

لأجل
المنفعة

اهتم
بمواصلة مسيرتك الروحية، وذلك بمتابعة موضوعات هذه السلسلة، وذلك من خلال أجزاء
سفر نشيد الأناشيد السبعة، وهى:

1)
اجذبنى وراءك: إصحاح 1

2)
حبيبى لى وأنا له: اصحاح 2، 3

3)
أختى العروس: اصحاح 4

4)
صوت حبيبى قارعاً: اصحاح 5

5)
مشرفة مثل الصباح: اصحاح 6

6)
إلىَّ اشتياقه: اصحاح 7

7)
مستندة على حبيبها: اصحاح 8

حتى
تتواصل حلقات هذه الدراسة التطبيقية. والرب معك

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي