الإصحَاحُ
الثَّالِثُ

 

مرة أخرى تتبين
لنا بعض التعاليم العالية من تفسير هذه الفقرة من نشيد الأناشيد. تعلمنا العروس
بالأمثلة خلال تجاربها خاصًا ما يعرف المُحبين بمجد وعظمة الله التي تفوق كل وصف
ونتفهمها الآن (واعتقد أنه يلزم أن نفهم ما يتضمنه النص ثم نوفِّق كلمات الوحي
الإلهي حسب طريقتنا في تفسير ما سبق). ونستطيع أن نقول بإيجاز أن هذه الفقرة من
النشيد توحي بأن الخليقة تنقسم إلى قسميين واضحين: أحدهما حسِّي ومادي والآخر
عقلاني وروحي. والحسِّي هو ما نفهمه بواسطة الحواس أما العقلاني فهو يفوق ما يُفهم
بواسطة الحواس. فالعقلاني غير محدود وغير مُقيَّد بينما المادي محدود لأن كل مادة
محدودة بنوعها وكميتها. فأي شيء له كتلة وشكل ومظهر يحدد فهمنا. لذلك فإن الشخص
الذي يختبر الخليقة المادية لا يمكن أن يفهم شيئًا خارج حدودها باستخدام قدرته على
التخيّل.

أما القسم الثاني
من الخليقة وهو العقلاني الروحي، فلا قيود عليه وليس له حدود ولا يحوطه أي شيء.
وإضافة إلى ذلك تمتاز الطبيعة الروحية بأن لها ناحيتين: أولاً يظل الخالق
(الغير مخلوق) ثابتًا دائمًا كما هو. لذلك فهو لا يسمح أن يتغير الحق نقصًا أو
زيادة. أما الناحية الثانية فهي تخص الخليقة وتنظر دائمًا إلى بدايتها والهدف
الأول لها. بالمشاركة فيما وراء الحدود. تظل الخليقة ثابتة في الخير، ومن وجهة نظر
مُعيّنة، فهي خُلقت بينما تتغير باستمرار إلى الأحسن في نموها وكمالها. فهي ليست
محدودة، ولا يمكن أن نوقف نموها إلى الأحسن، غير أن حالتها الراهنة من الجمال حتى
ولو كانت عظيمة وكاملة، إلا أنها بداية فقط إلى مرحلة أحسن وتفوق الحدود. وهكذا تتحقق
كلمات الرسول: "أيها الإخوة إني لا أحسب نفسي أني قد أدركت، ولكني أفعل شيئًا
واحدًا إذا أنا أنسى ما هو وراء، واِمتد إلى ما هو قدام" (في 3: 13). إن
الخير الذي هو أعلى مما قد حصلنا عليه يشد انتباه الذين ساهموا فيه ولا يسمح لهم
بالنظر إلى الماضي، لأنهم يتمتعون بما هو جدير، أما الأشياء الدنيا، فقد مُسحت من
ذاكرتهم.

هذا هو معنى
الكلمات العروس، ولكن قد حان الوقت لكي نسترجع النص الموحى به من الله ونوفِّق معه
ما قد درسناه.

 

 "في
الليل على فراشي طلبت من تحبه نفسي طلبته فما وجدته. إني أقوم وأطوف في المدينة في
الأسواق وفي الشوارع أطلب من تحبه نفسي. طلبته فما وجدته. وجدني الحرس الطائف في
المدينة فقلت أرأيتم من تحبه نفسي؟. فما جاوزتهم إلاّ قليلاً حتى وجدت من تحبه
نفسي، فأمسكته ولم أرخه حتى أدخلته بيت أمي، وحجرة من حبلت بي"
[ع1-4].

 

كيف يمكنا أن نجد
المعنى الروحي في النص كما وجدناه في الفقرات السابقة؟

لقد عرفنا معنى
خاصًا لكا مرة ترتفع فيها العروس في الخير، وكانت دائمًا تتقدم إلى الأمام ولم
تبقى دون تقدم فيما حصلت عليه من خير. فمثلاً حين قورنت بالحصان الذي هزم طغاة
المصريين، ثم بسلسة وعقد وهي حُلي للرقبة. ولما لم تقنع بهذا اتجهت بعزيمة قوية
إلى ما هو أعلى. فمن خلال عطر الناردين تعرفت على رائحة الله العطر. ولم تكتف
بهذا، ولكنها أخذت ما ترغب فيه وعلقته بين نهديها الروحيين، على هيئة صرة عطرة.
ونتيجة لوضعها في مكان القلب خرجت تعاليم مقدسة.

تتكلم العروس عن
ثمرة، هي راعي الكرم نفسه، وتسميه عنقود العنب، بينما يفوح من ازدهارها رائحة
ناعمة ذكية وخلال نمو العروس وتقدمها في درجات الارتفاع الروحي يطلق عليها صفة
الجمال وتصبح رفيقة للعريس، وتقارن جمال عيونها بعيون الحمامة. وتتقدم العروس أكثر
إلى الأمام وتزداد رؤيتها نقاء، وتفحص جمال كلمة الله بدقة، وتتعجب من نزوله على
هيئة ظلال إلى الفراش هذه الحياة الدنيا، مختفيًا في الطبيعة المادية للجسم
البشري.

وتصف العروس بعد
ذلك بيت الفضيلة، فسقفه من خشب الأرز والسروّ التي لا يصابها العفن أو الفساد.
وتعني العروس بهذه التعبيرات اِتجاه نفسها الثابت والغير متحّول نحو الخير. ثم
توضح تغيُّرها إلى الأحسن بالمقارنة فتظهر كأنها نرجسة بين الأشواك. ومرة أخرى ترى
العروس الفرق بين العريس وغيره من الأشخاص، وسط غابة من الأشجار الغير مثمرة. لقد
جاءت العروس تستظل بظل عريسها، ودخلت منزله، حاملة الروائح العطرة، مدعمة بالتفاح،
تتلقى سهمه المختار في قلبها من خلال جرح مذاقُه حلو، ثم تصبح مرة أخرى سهمًا في
أيادي ضارب السهام. فبيده اليسرِّي يصوِّب طرف السهم إلى الهدف، بينما تجذب اليمنى
السهم إلى الخلف ناحيته.

وتظهر العروس
وكأنها وصلت إلى الكمال فتخبر رفيقاتها الملحة وتثير حبهن بقسم من الذي ينكر أن
هذه النفس التي ارتفعت إلى مثل هذا المستوى. قد وصلت إلى حدود الكمال؟

ولكن آخر ما وصلت
إليه العروس من تقدم يصبح بداءة لمرحلة أعلى من التقدم. وتعمل جميع هذه الأمثلة
كصوت يأمر النفس أن تفكر (سماويًا) بإمعان في الأسرار. وتبتدئ العروس في رؤية
عريسها المراد، ولكنه يظهر لعيونها في شكل آخر، كظبي أو ذكَر غزال أحمر صغير، غير
أن هذه ليست العريس من وجهة نظرنا، وهو لا يظهر ثابتًا في مكان واحد، بل يقفز على
الجبال ويجري على التلال من القمم العليا إلى التلال الصغيرة.

وتستقر العروس مرة
أخرى في حالة أحسن عندما تأتيها دعوة ثانية تحفِّزها على ترك ظل الحائط وتذهب إلى
ضوء الشمس المباشر، وتستريح في ملجأ الصخرة القريب من الحائط، وتفرح في الربيع،
وتجمع الزهور الجميلة الجاهزة للقطب في موسم الأزهار الكامل. وجميع الأشياء الأخرى
في هذا الفصل تؤدي إلى الابتهاج مع أصوات الطيور ذات الآنغام البديعة. وتصير
العروس أكثر كما لا من خلال كل هذه الاشياء وتقول أنها مستحقة دون مواربة لترى وجه
عريسها وتسمعه مباشرة دون وسطاء.

إنه من حق النفس
أن تفرح لأنها وصلت إلى مراكزًا عاليًا أثناء صعودها إلى قمة رغباتها. ما هو أعظم
من سعادة من يصل إلى رؤية الله؟ ولكن ما حققته هو بداءة لما تأمَّل فيه بعد ذلك.
ومرة ثانية تسمع عريسها يشجع الصيادين لكي ينقذوا الكروم الروحية ويتعقبوا
الحيوانات – هذه الثعالب الصغيرة – التي تُخرب الفاكهة. ومتى تحقق هذا يتحد
العروسان: الله في النفس، والنفس مرة أخرى تسكن في الله. تقول العروس: "حبيبي
لي وأنا له الراعي بين السوْسن"، هو نفسه الذي غيَّر الحياة الإنسانية من
خيال الظلال إلى قمة الحق. لاحظ الارتفاع الذي صعدت إليه العروس، متقدمة من قوة
إلى قوة كما يقول النبي (مز 84: 7)، وتظهر كأنها حصلت على قمة أمانيها. ما هو أعلى
من أن تكون في المحبوب ويكون هو في نفسك؟ تشعر العروس باضطراب وحزن لأنها لم تحقق
رغباتها وتظهر اِنزعاج نفسها عندما تصف كيف وجدت ما تبحث عنه.

عندما نفكر بعمق
في هذه الفقرة، يتضح لنا أنه لا يمكن وضع حدود العظمة الطبيعية الإلهية. ولا يمكن
لأي مستوى من المعرفة أن يحد فهمنا للموضوع. ويمنعنا من التقدم إلى الأمام. ولكن
عندما يرتفع العقل إلى أعلى من خلال فهمه للحقيقة السامية، يجب عليه أن يعلم أن أي
كمال للحقائق التي وصلت إليها الطبيعة البشرية ما هي إلا بداءة لأمورٍ أكثر علوًا.
لنستعرض باِهتمام ما يقدم للاختبار ولنكن واعين أن وصف حجرة العرس وعناصر الزواج
هي النقاط التي سوف نفكر فيها بعمق. سوف ننقل معانيها إلى مستوى روحي نقي حتى يقدم
لنا النص المبادئ والتعاليم. لذلك يقول النص أن العروس هي النفس، وأن العريس هو
الله الذي تحبه النفس بكل قلبها وروحها وقوتها. وبعدما تصل العروس، كما تفتكر، إلى
قمة آمالها، وهي الاِتحاد بمن تحبه، تطلق كلمة "سرير" على المشاركة
الأحسن في الخير، وعلى كلمة "ليل" وقت الإظلام. وتوضح العروس لنا أنه
"بالليل" يتم التفكير بعمق في الغير مرئي ومثل ما حدث لموسى في ظلام
حضور الله (خر 20: 21).

وقال النبي عنه
"جعل الظلمة سُتره، حوْله ضباب المياه وظلام الغمام" (مز 18: 11).

تتعلم العروس،
بعدما وصلت إلى هذه المرحلة، أنها لا زالت بعيدة عن الكمال، وأنها لم تقترب منه
بعد. "والآن بعدما صرتُ مستحقة لهذه الحقائق، اَستريح على سرير كل ما قد
فهمته. وعندما أدخل إلى المملكة الغير مرئية بعدما تركت كل الفهم المبني على
الحواس، أجد نفسي محاطة بالليل الإلهي، وأبحث عنه في السحاب. فهل أحببت الواحد
الذي أرغبه، حتى ولو هرب من أفكاري؟ "لأني بحثت عنه في سريري بالليل"،
حتى أعرف مادته التي يتكون منها، أولها وآخرها، ولكني لم أجده. وناديت عليه بالاسم
على قدر ما كان في قدرتي أن أجده وهو بدون اسم. ولكن معنى أي اسم سوف لا يساعدني
أن أجد الذي أبحث عنه.

تقول العروس: كيف اَكتشف
الذي يعلو كل اسم بواسطة أن أطلق عليه اسم؟ لقد ناديته ولكنه لم يرد عليَّ، وبعدها
علمت أن عظمة مجده وطهارته ونقاؤه ليس لها آخر. لذلك تنهض العروس مرة أخرى وتتجوَّل
في الروح خلال المملكة الروحية الغير محدودة التي تُسميها "مدينة" حيث
يوجد رؤساء وقوى مهيْمنة، وعروس تمسك بمقاليد الأمور.

وتسمي "مكان
السوق" الاجتماع الجاد لجموع السمائيين وتسمي "الشوارع" الجموع
الغفيرة التي لا تُعد، وكأنها ستجد محبوبها بين هؤلاء. وبينما تجوَّلت العروس في
كل هذه الأماكن نظرت بدقة إلى جموع الملائكة.

ولما لم تجد من
كانت تبحث عنه بين هذه الجموع الطيبة، فكرت في نفسها: "هل يمكن أن أمسك
حبيبي؟" وقالت لهم: "هل رأيتم من أحبته نفسي؟" إلا أنهم آثروا
السكوت، دليلاً على أن الواحد الذي تبحث عنه غير محدود، وبعد ما جازت العروس هذه
المدينة التي تفوق الخيال ولم ترى حبيبها بين جموع الروحيين، وتركت كل شيء وجدته.
وتبينت أن بحثها عن حبها يُعرف فقط في استحالة فهم كيانه، وأن كل علامة تصبح عائق
لكل من يبحثوا عنه. لذلك تقول العروس "فما جاوزتهم إلا قليلاً" تركتُ كل
مخلوق ومررت على كل كائن يمكن فهمه في الخليقة، وبعدما أوقفتُ كل قدرة على الفهم،
وجدت حبيبي بالإيمان. وسوف لا أتركه يذهب بعدما عرفته بالإيمان حتى يأتي إلى
حجرتى.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس قاموس موجز ح 1

والحجرة" هي
القلب الذي يتحول إلى مسكن مقبول لله عندما يرجع إلى الحالة التي كانت بها في
البداية والتي كانت فيها "من عرفتني". نحن نكون على صواب بفهمنا
"أمنا" أنها الأصل في وجودنا.

والآن يجد ربنا أن
نذكر مرة أخرى الكلمات المقدسة حتى تتوافق مع ما قد تم تفسيره. "في الليل
على فراشى طلبت من تحبه نفسي، طلبته فما وجدته. أني أقوم وأطوف في المدينة في
الأسواق وفي الشوارع، أطلب من تحبه نفسي. طلبته فما وجدته. وجدني الحرس الطائف في
المدينة فقلت أرأيتم من تحبه نفسي؟. فما جاوزتهم إلا قليلاً حتى وجدت من تحبه نفسي
فأمسكته ولم أرخه حتى أدخلته بيت أمي وحجرة من حبلت بي
" [ع1-4].

بعد ذلك تتكلم بحب
إلى بنات أورشليم اللآتي أشار إليهن النص على أنهن أشواك، بينما قارن العروس
بالنرجس. جعلت العروس بنات أورشليم يرتفعون إلى مستوى مساو في الحب حتى تتحقق فيهم
رغبة العريس، وذلك بواسطة قسم "للقوى" الدنيوية؟. إن ما ذكر سابقًا هو
العالم الذي توجد فيه "الفضائل" و"القوى" وإرادة الشخص الذي
يحب بكل قلبه ونفسه، ولا توجد حاجه لكي نتكلم بإسهاب على هذه الأمور، لأننا شرحنا
ما يتضمنه معاني هذه الكلمات. وإذا كنا نرتفع بطريقة ما مع الحمامة التي تحلق في
الأعالى، لأمكننا سماع صوت أصدقاء العريس متعجبين على هذا الصعود من الصحراء. وهو
يثير تعجبًا كبيرًا لكل من يشاهدوه، لأن الصحراء نفسها هي التي أنتجته كتقليد
للأشجار الجميلة التي تزرع في الصحراء بواسطة بخار العطر، وكان هذا العطر هو المرّ
وبخور البلسم. ويتصاعد دخانها على هيئة سحابة من مسحوق التوابل المطحون. وترتفع في
الجو وتنتشر مع الهواء بدلاً من ذرات التراب مُعطية رائحة عطرة ومكونة سحابة
عمودية من الذرات.

نقرأ في النشيد
الآن الفقرة الآتية: "من هذه الطالعة من البرية كأعمدة من دخان معطرة
بالمر واللبان وبكل أذرَّة التاجر"
؟ [ع6]. إذا تمعن أي شخص في هذه
الكلمات بدقة، سيجد فيها الحقيقة التي أشرنا إليها سابقًا. يخفي الممثلين في بعض
المسرحيات مظهرهم بأنواع عدة من الأقنعة فلا تظهر حقيقة شخصياتهم. فالممثل الذي
يظهر الآن كعبد أو مواطن عادي قد يظهر بعد قليل كأمير أو جندي قد يرمي إلى قائد،
أو قد يلبس الروب الملكي. لذلك يتحول الأشخاص الذين يتقدمون في الفضيلة من مجد إلى
مجد (2 كو 3: 18). إنهم لا يستمرون دائمًا في نفس الشخصية، ولكن قد تضيء شخصية
مختلفة أثناء حياتهم، وهذه تعقب الأولى نتيجة لتقدمهم في الخير.

لذلك يتعجب أصدقاء
العريس مما يرون. فأولاً يرون العروس جميلة كامرأة، ولكن بعد فترة يمجِّدون جمالها
بمقارنته بالذهب المطعم بمسامير من الفضة.

إنهم لا ينتظرون
إلى مميزاتها السابقة، ولكن يضفون عليها علوًا في اتسامي. إنهم لا يعظمون فقط
ارتفاعها ولكن أيضًا العمق الذي نهضت منه.

هذا هو ما يكوِّن
عمق انبهارهم: هي تصعد وحدها وتُقارن بحديقة أشجار، لأنه قد ظهر وكأن عمودًا قد
ارتفع (من البرية) ثم أصبح أكبر مما كان.

يستمد هذا العمود
وتغذيته ليس من أرض خصبة مروية، ولكن من أرض جافة مقفرة. أين تتثبَّت جذور هذه
الأعمدة وكيف تنمو؟ إن الجذور هي مساحيق العطور، المساحيق التي يرويها دخان البخور
معطِّرًا هذا البستان بقطرات عطرة. يمتلئ النص بمثل هذا المديح للعروس. تسأل
رفيقات العروس بعضهن البعض عن العروس وكأنها ظهرت في شكل متغيّر عما عرفوه من البداءة.
يشهد التغير العظيم للعروس إلى الأحسن على تقدمها في الفضيلة، ويُعبر ذلك عن أحد
نواحي المديح لها في النص.

قال، من شاهدوا
العروس من قبل سوداء بعد مجيئها من الصحراء، أنهم تعجبوا جدًا من التغير الغير
عادي، فلقد أصبحت كنبات مُزهر جميل.

كيف أزالت العروس
لونها الأسود؟ كيف يلمع وجهها الآن مثل الثلج المتساقط؟ يظهر أن الصحراء هي السبب
في هذه الأشياء فهي التي جعلتها تنمو إلى مثل هذا الجمال. أنه ليس بالصدفة وليس
بحادثة أنها ارتفعت إلى هذا السمو، ولكنها حصلت على جمالها بمجهودها، الشخصى
بالمثابرة والعزم. لذلك عطشت نفس النبي (مز 42: 2) إلى الينبوع المقدس، لأن جسده
كان كصحراء جافه فكان عطشه للينبوع المقدس. يشهد صعود العروس من الصحراء أنها
ارتفعت إلى هذا السمو بواسطة عزمها ومثابرتها التي جعلت أصدقاء عريسها يتعجبون.
فقالوا عنها أن جمالها متعدد الصوّر _ن _حد صوّره تعجز عن التعبير عنه تعبيرًا
كاملاً. قارنوا أولاً جمالها بالعمدان. فلم تقارن بشجرة واحدة فقط بل بعدد كبير
منها، وكأنما فضائلها المختلفة المتعددة يمكن وصفها ببستان.

ثم يُقارن جمال
العروس بدخان البخور العطر وليس هذا فقط، ولكن بدخان البخور المخلوط بالمر ومجموعة
الأعشاب العطرة، وكأن جمالها لا يمكن أن يُوصف إلا باِتحاد هذه العطور جميعها بوضع
المر على أجساد الموتى قبل دفنها، أما مجموعة الأعشاب المعطرة فهي تُعتبر مقدسة
وتوهب كأنها رائحة الله، لذلك يُعتبر مقارنة جمال العروس بخليط هذه العطور مديحًا آخر
لها. إن الذي يرغب في تكريس حياته لعبادة الله لا يمكن أن يُعطَّر بمجموعة الأعشاب
العطرة المقدسة، إلا إذا تحول هو نفسه إلى مرّ، أي إلا إذا أمات أعضاءه على الأرض
(كو 3: 5)، بأن يُدفن مع الذي ذاق الموت لأجلنا، وأن يأخذ المر الذي كان على جسد
المسيح في القبر لكي يُحنط به أعضاء جسده. ومتى تم إنجاز ذلك فإن كل العطور التي
تنتج من ممارسة الفضيلة أثناء الحياة، تُطحن لكي تعطي "المسحوق العطر"،
وكل من يستنشقه يصبح معطَّرًا ويمتلأ بروح العطر.

عاين أصدقاء
العريس جمال العروسة وجهزوا حجرة العريس النقية وكانوا هم مرافقي الشرف للعرس
المقدس، وأشاروا على العروس أن ترى جمال الفراش الملكي، لأنهم أرادوا أن يحفزوا
فيها الرغبة في الزواج المقدس النقي. والآتي هو وصف للفراش الملكي للعرس المقدم
للعروس من النشيد: "هوذا تخْتُ سليمان حوله ستون جبارًا من جبابرة
إسرائيل. كلهم قابضون سيوفًا ومتعلمون الحرب. كل رجل سيفه على فخذه من هول الليل
"
[ع7-8]. لم يذكر التاريخ شيئًا عن هذا اللتَخْت، لذلك فقد يتضح معنى الوصف السابق
من خلال ما كُتب عن: ممتلكات سليمان العينية، وحكمته وغيرها مما آتي وصفه بالتفصيل
في النص (1مل 7: 38-50)، ولم يُذكر أي شيء غير عادي عن هذا اللتَخْت. ولذلك يجب أن
لا نتمسك بالمعنى اللفظي للنص. بل نحوِّل اِنتباهنا من المناظر المادية إلى
التفسير الروحي العميق.

من هو الذي زيّن
تخت فرحه بواسطة ستون رجلاً مسلحين ومدربين في أعمال الحرب المخيفة؟ ما هي السيوف
المثبته على جانبيّ كل رجل، وما هو الرعب الذي يضرب أفكارنا المظلمة؟ (لأن النص
يذكر الرعب المخيف الذي ينتج من بعض أنواع الخوف من الظلام ويشير هذا إلى الجنود
المسلحين). لذلك يجب أن نختبر هدف هذه الكلمات الروحي حسب ما قدمناه قبلاً. إذن ما
معنى هذه الكلمات؟ يحتمل أن يكون في الجمال المقدس المبدع شيء مخيف يجعله مختلفًا
عن الجمال الجسدي. لذلك تجذبنا رغباتنا إلى ما هو مُسر للنظر وناعم للَّمس، وما هو
غير مرتبط بأي شيء مخيف أو مرعب. وعلى الجانب الآخر فإن الجمال الباقي مخيف ومرعب
وهو في نفس الوقت لا يخاف.

ولما كانت رغبتنا
في الأشياء الجسدية في أعضاء الجسم ترتبط بالانفعالات والتلوث مثل عصابة اللصوص،
تهاجم العقل وتأسره وتلغي إرادته، وهكذا تصبح عدوة الله، كما يقول الرسول:
"لأن اِهتمام الجسد هو عداوة لله، إذ ليس هو خاضعًا لناموس الله لأنه أيضًا
لا يستطيع" (رو 8: 7). لذلك ينبع حب الله مما هو مضاد لرغبة الجسد. فإذا كانت
الرغبة الجسدية هي الضعف والارتخاء والكسل، فإن حب الله يتكون من قوة مخيفة
ومرعبة. إن الغضب الذي لا يلين يُخيف كمين الرغبة الجسدية ويجعله يهرب(من؟؟)،
وهكذا يكشف جمال النفس ويظهرها نقية فلا تتلوث بالمتعة الجسدية. لذلك يُحاط تخت
الملك للعرس برجال مسلحين متمرنين على المعركة. يخيف منظر السيف على الفخذ ويسبب
الرعب ضد الظلام وضد أفكار الظلام وضد كل ما هو مختفي في الكمين لكي يطلق سهام في
الظلام على مستقيمي القلوب (مز 11: 2).

تدمر أسلحة الحراس
الواقفين حول اللتَخْت الرغبات الغير نقية، كما يظهر من النص: "كلهم
قابضون سيوفًا ومتعلمون الحرب، كل واحد سيفه على فخذه من هول الليل
" [ع8].
إنهم حقيقة يعرفون كيف يدخلون في الحرب ضد الجسد والدم بالسيوف المثبتة على
أفخاذهم. إن الشخص الذي يعرف المبادئ الإلهية وأسرار الكتاب المقدس يفهم ذلك من
كلمة "فخذًا" ويعرف أن كلمة السيف ترمز إلى كلمة الله. إن الذي ربط نفسه
بهذا السلاح المخيف، أعني بسيف المثابرة والقوة، هو المحبوب الذي يرقد على سريره
النقي، هو واحد من "أقوياء إسرائيل" يستحق أن يكون من ضمن الستين. ونحن
لا نشك أن هذا الرقم له أهمية روحية، ولكنه يتضح فقط لهؤلاء الذين تكشف لهم نعمة
الروح القدس أسراره الخفية. لذلك نقول بالصدق أن الفهم اللفظي للنص يكفي كما في
حالة موسى الذي أصدر قانون الفصح. يؤكل اللحم الظاهر ولكن يترك ما يختفي داخل
العظم (خر 12: 9). فإذا رغب أحد في النخاع المختفي للنص، لنتركه يبحث عنه عند ذاك الذي
يكشف عن الأسرار المختفية لمن هم يستحقون. إلا أننا يجب أن لا نعطي الآنطباع على
أننا سنترك النص دون اختبار وتمحيص، وسوف لا نهمل أمر الله، الذي يحفزنا على أن
نفتش الكتب (يو 5: 39).

هل تبحث عن  هوت دفاعى أخطاء ترجمة العالم الجديد لشهود يهوه 2

 لذلك دعنا نفهم
ماذا يقصد النص من الستين رجلاً مسلحًا. عندما أمر الله موسى أن يستلم إثنتي عشر
عصا على حسب عدد أسباط بني إسرائيل، اِزدهرت واحدة منها فقط وكانت هذه أكثر
اِستحقاقًا من الآخرين (عد 17: 2). ومرة أخرى، أخذ يشوع بن نون حجارة من نهر
الأردن، بعدد أسباط إسرائيل (يش 4: 9). لم ترفض واحدة منها لكنها جميعًا حملت
شهادة للسر الذي حدث على نهر الأردن.

تشير هذه الكلمات
إلى معنى عظيم لأن النص يظهر أن الناس تقدموا نتيجه اتكاملهم في الحق. ففي بدايه
حياتهم حسب الوصايا، واحده فقط من العصى التي تمثل الأسباط أنتجت أوراقًا وحملت
أزهارًا، بينما رفض الباقي وجفت دون أن تنتج ثمارًا. وعندما مر الوقت وأصبح الناس
أكثر دقه ومثابرة على فهم قانون الوصايا تمكنوا من فهمها وقبلوا الختان الثاني
الذي أمر به الرب يشوع (يش 2: 5-9). لأن سكاكين الصوان أزالت كل شيء غير نظيف.
(سيفهم كل مستمغ متقبل للكلمة ويعني أهميه ما ترمز إليه الصوان والسكين). لقد
تدعمت حياة الفضيلة في الناس حسب الوصايا فلم يرفض حجر واحد باسم أحد أسباط
الإسرائيليين وحيث أننا نتوقع زيادة السلوك في الخير بتقدم الوقت فحقيقة قد قويت
الفضيلة في إسرائيل. ويحكي لنا نشيد الأناشيد الآن أنه لم تؤخذ حجر أو عصا من كل
سبط من أسباط إسرائيل، وبدلاً من ذلك حصلنا على خمس محاربين أقوياء متمرنين على
المعركه ويحملون سيوفًا ويقفون حول اللتَخْت المقدس. ولم يرفض أي واحد منهم لأن كل
سبط اختار خمس محاربين 5×21=60. لذلك فمن الضروري أن يكون عندنا خمس رجال حرب
مخيفين من كل سبط مسلحين ليكونوا حراسًا للتخت الملكي. وإذا لم يكن هذا ممكنا لما
كان عندنا العدد ستين. كيف نجرؤ أن ندرس بقيه هذا النص؟ لماذا يقف خمس حراس مسلحين
من كل سبط حول اللتَخْت المقدس. كيف يظهر كل واحد من الخمس حراس كمدافع مخيف
بالسيف على فخذه؟ هل من المعقول أن يظهر رجل واحد كخمسه محاربين مسلحين؟ إنهم
يرمزا إلى الحواس الخمس، لأن كل محارب يظهر سيفه لكي يرهب العدد. يلقي سيف العين
دائمًا نظره على الله لكي يرى بصدق ولا يتلوث أبدًا برؤيه أي شيء غير نظيف. ومثل؟؟
يستمع سيف السمع إلى وصايا الله ولا يستقبل أبدًا الكلمة الباطلة. وهكذا يمكننا
أيضًا أن نُسلح كل من الذوق، اللمس،الشم بسيف المثابرة والتعقل مغلقًا كل حاسه
بالسلاح.

وذلك للدفاع عنا
ضد الصدمات والخوف من أعداء الظلمه، لذلك فاليل والظلام هي الوقت التي تحاك فيها
المؤامرات ضد أنفسنا. ويقول النبي أنه خلال هذا الوقت تتأهب وحوش الحقل لكي تقتنص
بقسوة غذاءها من قطيع الله: "تجعل ظلمه فيصير ليل. فيه يدب كل حيوان الوعر
الأشبال تزمجر لتخطف ولتلمس من الله طعامها" (مز).

لذلك تمثل إسرائيل
كل المخلصين (لأن ليس جميع الذين من إسرائيل هم إسرائيليون (رو 9: 6) ولكن هؤلاء
الذين ينظرون إلى الله ويحفظون وصاياه هم فقط الذين يحملون هذا الاسم. الرجل الذي
ينظر إلى الله لا يعير الخطيئه اِهتمامًا بحواسه "لا يقدر أحد أن يخدم سيدين.
فإنه إما أن يبغض الواحد ويحب الآخر أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر. لا تقدروا أن
تخدموا الله والمال" (مت 6: 24). لذلك فاللتَخْت الملكي الواحد هو لجميع
المُخلَّصين. فإذا رأى القلب النقي الله فإنه يُسمى إسرائيل باِستحقاق، ويُسمى
بهذا الاسم روحيًا الأسباط الإثنى عشر. التي جُمعت بروعة في العدد ستين. يوجد خط
واحد للمعركة وجيش واحد وتخت واحد، أي أنه توجد كنيسة واحدة وشعب واحد الذي سيصبح
عروس واحدة، متحدة في انسجام في شركة جسد واحد تحت إمرة قائد واحد وزعيم واحد،
العريس الواحد.

وعلى الجانب
الآخر، يرمز اللتَخْت إلى الراحة للمُخلَّصين. نحن نعلم من الله الذي يقول لمن
يقرع بدون خجل على الباب خلال الليل: "فيجيب ذلك من داخل ويقول لا تزعجني.
الباب مغلق الآن وأولادي معي في الفراش. لا أقدر أن أقوم وأعطيك" (لو 11: 7).
حقًا هل يطلق كلمة "أولادي" على هؤلاء الذين وصلوا إلى مرحلة من النمو
خالية من الانفعال بواسطة أسلحة العدالة. يُعلمنا هذا المثال أن الخير الذي نصل
إليه بمجهودنا ومثابرتنا وليس إلا الخير المغروس في طبيعتنا منذ البدء.

عندما يربط الشخص
سيفه على فخذه، يعني أنه وهب حياته للفضيلة، ورفض الانفعال يصبح إبيا لا يضطرب
بالانفعالات، لأن مرحلة الطفولة المبكرة لا تتأثر بالانفعالات، لذلك نتعلم أن
المحاربين حول اللتَخْت الملكي والأطفال فقى اللتَخْت لهم نفس المعنى، فكلاهما غير
خاضعين(خاضعان) للانفعالات. فالأطفال لم يجرِّبوا بعد الانفعالات، بينما المحاربين
قد تغلبوا عليها وأزاحوها بعيدًا عنهم. فلم يعرف الأطفال الانفعالات بينما
المحاربون قد رجعوا إلى حالتهم الأولى بتحولهم إلى أطفال بعد خُلوّهم من الانفعالات.
وقد توجد النعمة في كل من الثلاثة: الأطفال والمحاربون والإسرائيليين.

وكإسرائيلي يتمكن
من رؤية الله بقلبه النقي، وكمحارب يحرس تَخْت الملك، أي يحرس قلبه، في حالة خالية
من الانفعال وفي نقاء، وكطفل، يستريح على أريكة النعمة في المسيح يسوع ربنا له
المجد الآن وإلى الأبد آمين.

 



العظة
السابعة

 

يُعتبر الملك
سليمان نموذج للملك الحقيقي في كثير من النواحي. ويتكلم الكتاب المقدس عنه مشيرًا
إلى أعماله الحنة في كثير من النواحي. ويعني اسم سليمان "السلام" وهو
الذي بنى المعبد وكانت حكمته عظيمة لا تقاس، وحَكم إسرائيل وكان عادلاً بين الناس
وهو من نسل داود، وزارته ملكة أثيوبيا. تشير هذه وأمثلة أخرى مشابهة رمزيًا إلى
سليمان، وتصوَّر مقدمًا قوّة الإنجيل ومَنْ عنده السلام؛ الذي حطم العدو، وسمره
على الصليب، ونحن كنا أعداؤه غير أنه، صالح كل العالم لنفسه، "جعل البعير
قريبين بدمه، ولأنه هو سلامنا الذي جعل الاثنين واحدًا، ونقص حائط السياج المتوسط،
أي العداوة مبطلاً بجسده ناموس الوصايا في فرائض لكي يخلق الاثنين في نفسه إنسانًا
واحدًا جديدًا صانعًا سلامًا" (أف 2: 13-15).

من هو باني
المعبد، الذي وضع أساساته على الجبل المقدس، أي على الأنبياء والرسل؟ هو بناه كما
يقول الرسول (أف 2: 20) على أساس الرسل والأنبياء، وهم أحجاره الحية. وينسجم محيط
الحجارة الدائري مع الجدران حسب ما يقوله النبي ذكريا (زك 9: 16). وتوضع بترتيب
خاص يجعلها وحدة كوحدة الإيمان وبنموهم في رابطة السلام قد يكوِّنوا معبدًا
مقدسًا، مسكنًا للرب في الروح. يشير سليمان في حكمته إلى الحكمة الحقيقية ولا يعارض
أي شخص يدرس التاريخ والحق هذه حقيقة. يشهد التاريخ أن سليمان فاق حدود الحكمة
البشرية. حيث حفظ المعرفة لكل الأشياء في قلبه. فسبق جميع من عاشوا قبله ولم
يماثله أي واحد ممن عاشوا بعده. إلا أن الله هو أصل القوة والحق والحكمة ويقول
داود: "ما أعظم أعمالك يا رب. كلها بحكمة صُنعت" (مز 104: 24). ويفسر
الرسول المزمور السابق قائلاً: "الكل به وله قد خُلق" (كو 1: 16) أي
أنها خلقت من خلال حكمة الله.

شهد أعداء الرب
يسوع المسيح أنه هو الملك، ملك إسرائيل، حيث كتبوا فوق رأسه على الصليب "هذا
هو يسوع ملك اليهود" (مت 37: 27). ونحن نقبل هذه الشهادة حتى ولو يُفهم منها
أنها تُضعف شمول قوته وتحدّ من أُلوهيته على الإسرائيليين. يحمل العنوان المكتوب
على الصليب شهادة بألوهية المسيح، ليس على اليهود فقط، بل على جميع الناس. هو ملك
على كل الأرض ويحكم على كل أجزائها.

يشير حب سليمان
وحماسه المتدفق نحو الحق والعدل إلى العدل الحقيقي لكل الأرض: "لأن الآب لا يدين
أحدًا بل قد أعطى كل الدينونة للابن" (يو 5: 22)، ثم "أنا لا أقدر أن أعمل
من نفسي شيئًا. كما أسمع أدين ودينونتي عادلة، لأني لا أطلب مشيئتي بل مشيئة الذي أرسلني"
(يو 5: 30). هذا أدق تعبير للإدانة (للحساب): فلا يخضع في حكمته لفكرة طارئة أو
خيالية ولا لميول عاطفية، ولكن يسمع أولاً لمن سيحاكمون ثم يحكم. وإلا سوف لا تكون
لقوة الله تأثيرها، لأن الحق لا يسمح بالظلم أو بتغيير مسار المحاكمة نحو العدل.
لقد أنبأ سليمان عن المسيح الذي جاء من نسل داود حسب الجسد كما أشار الكتاب بذلك
(رو 9: 5).

زارت ملكة أثيوبيا
سليمان بعد ما سمعت عن حكمته، وقدمت له هدايا من الذهب والأحجار الكريمة والعطور (1
مل 10: 1-3)، ويتضح سرّ هذه الزيارة من دراسة عجائب الإنجيل. لأنه من لا يعرف أن
الكنيسة جاءت من مجتمع الظلمة بين الأمم عابدي الأصنام، الذين عاشوا بعيدًا عن
معرفة الله وكانوا منفصلين عنه بخليج الجهل العظيم. ولكن عندما أضاءت نعمة الله
وحكمته، وأرسل النور الحقيقي أشعته إلى من كانوا في الظلمة وظلال الموت. أغمضت
إسرائيل عيونها للنور، ورفضت أية مشاركة في الخير. لكن الأثيوبيين أسرعوا إلى الإيمان
من بين الأمم، والذين كانوا بعيدون اقتربوا بعدما غسلوا أنفسهم من الظلمة بالمياه
المقدسة. لقد اقتادهم الروح القدس إلى الله وقدموا هدايا للملك: بخور النسك
والعبادة وذهبًا لمعرفة الله الملك وأحجارًا كريمة للوصايا وعمل الفضيلة.

ساَبتدئ الآن بفحص
كلمات النشيد كالآتي: "الملك سليمان عمل لنفسه تختًا من خشب لبنان. عمل
أعمدته فضية وروافده ذهبًا ومقعده أرجوانًا ووسطه مرصوفًا محبة من بنات أورشليم
"
[ع9-10]. كما توقع سليمان سرّ الله فإنه يُظهر اِهتمامه بنا عندما يقودنا في
العربة التي تجرها الخيول: يظهر الله في قديسيه بطرق عديدة على حسب مقدرة كل واحد
منهم واِستحقاقه. ويمكن اِعتبار مكان معين أنه لله: فأحد الأشخاص يكون منزلاً،
وشخص آخر عرشًا، وثالث كرسيًا للقدم. لنجعل شخصًا عربة تجرها الخيول أو حصانًا
ممتازًا مدربًا لكي يستقبل هذا الراكب (الله). وبينما هو يكمل طريقه يقوده الله
أثناء سيره إلى الأمام.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس غ غداء 1

نعرف الآن شيئًا
عن العربة التي تجرها الخيول، والمصنوعة حسب حكمة سليمان من خشب لبنان، ومزينة
بدقة في كل أجزائها بالذهب والفضة والأرجوان والأحجار الكريمة وحب الصانع. لا
يتمكن
أن يصل كل واحد إلى المقدرة على الحب، إلاّ إذا عرف(ما تشكيلها؟؟) في حياته على
أنه إحدى بنات أورشليم اللآتي ذُكرن سابقًا، وهم أحرار. يتضح مما سقناه سابقًا أن
الشخص الذي يسكن فيه الله، هو أريكة يجلس عليها الله. ومثل هذا الشخص لا يعيش
لنفسه بعد ذلك، بل المسيح يعيش فيه، ويعطي برهانًا أن المسيح يتكلم من خلاله، حسب
قول الرسول الطاهر بولس (2 كو 13: 3). فيسمى هذ ا الشخص بجدار أريكة مولودة من
المسيح ويحملها المسيح.

ولكن ذلك ليس
موضوع دراستنا، ولكن مهمتنا هي المثابرة في فحص المواد التي ذُكرت، وكيفية تجميع
الخشب مع الذهب والفضة والأرجوان والحجارة الكريمة لكي نبني العربة التي تجرها
الخيول. فحتى بولس المهندس الحكيم يضع الخشب مع العشب والبوص على أنها عديمة
القيمة في بناء البيت (1كو 3: 12)، لأنها تفنى بقوة النار المدمرة التي تختبر
المواد. نحن نعلم أن الخشب لا يحتمل ولكن قد يتغير إلى الذهب، فضة أو أي شيء آخر
ذات قيمة ويقول القديس بولس: "ولكن في بيت كبير ليس آنية من ذهب وفضة فقط بل
من خشب وخزف أيضًا، وتلك للكرامة وذلك للهوان" (2 تي 2: 20). تُشير الآنية
الذهبية والفضية إلى الخليقة الغير جسدية الروحية بينما ترمز الآنية الخشبية
والخزفية إلى ما أنتجه العصيان من آنية طينية، فالخطية أدت إلى خلقنا من آنية
خشبية بدلاً من آنية ذهبية. يتحدد الغرض من استعمال الآنية تبعًا لقيمة المادة
المصنوعة منها، فبينما تُستعمل الأواني المصنوعة من مواد ذات قيمة غالية وأغراض
سامية، توضع المصنوعة من مواد رخيصة جانبًا للأغراض العادية. ولكن ماذا يقول بولس
عن هذه الأمور؟ تملك الأواني القدرة حسب إرادتها الحرة على أن من الخشب إلى الذهب
ومن طين إلى فضة. "فإن طهّر أحد نفسه من هذه يكون إناء للكرامة مقدسًا نافعًا
للسيد مستعدًا لكل عمل صالح" (2 تي 2: 21). تساعدنا هذه الكلمات على اكتساب
القدرة على فهم الكتاب المقدس.

يُشير جبل لبنان
في مواضع كثيرة من الكتاب المقدس إلى قوة عدوانية، كما يقول النبي "صوت الرب
مُكسِّر الأرز، ويكسر الرب أرز لبنان. ويمرحها مثل عجل لبنان، وسريون مثل فرير
البقر الوحشي" (مز 29: 5-6). كسَّر موسى تمثال العجل الذهبي إلى أجزاء صغيرة
في البرية وأصبحت المياه صالحة للشرب للإسرائيليين بعد أن تحطم التمثال إلى قطع
صغيرة (خر 32: 20). يتضح، كما يقول النبي أن الشرور لا تنتج فقط بواسطة قوة العدو،
فهذه بسيطة إذا قورنت بجذور الشر الأولية، جبل لبنان، التي تغذي خشب أشجار الأرز.
ففي وقت من الأوقات كنا جميعًا مثل أشجار أرز لبنان لأن جذورنا كانت مرتبطة بها
حياة الشر وخداع الوثنية. ولكن بعد أن انفصلنا منها بواسطة البلطة الروحية وأصبحنا
في أيادي الخالق المبدع شكلنا الله على هيئة أريكة. وحوَّل الخشب الذي قد كنا
مصنوعين منه بواسطة الميلاد الجديد إلى فضة وذهب، وأرجوان وأحجار كريمة لامعة.
لذلك يقول الرسول: "قسم الله لكل واحد مقدار من الإيمان" (رو 12: 3).
وتعطي الروح القدس قدرة التبوء بنسبة ما عنده من الإيمان، ولشخص آخر تمنحه شيئًا
آخر حسب طبيعته وقدرته على اِستقبال النعمة كعين لجسم الكنيسة، أو يد أو كدعامة
بدلاً من القدم. لذلك فيوجد في تركيب العربة التي تجرها الخيول، شخص يمثل عامودًا،
وآخر درجة سلم، وثالث وسادة لراحة الرأس، بينما آخرون مكلفون بما في داخل الأريكة.

لم يقصد المهندس
أن كل العناصر التي تستخدم في التجميل تخدم غرض واحد، ولكن كل الأجزاء تُزيّن حسب
الذوق بحيث يكون جمال كل جزء مختلف عن الأجزاء الأخرى، ولكن في انسجام. لذلك تُصنع
أعمدة الأريكة من فضة وقاعدتها بنفسجية بينما الرأس من ذهب. وعليها يسند العريس
رأسه. أما داخل الأريكة فمزين بأحجار كريمة. لذلك تُفهم الأعمدة على أنها تتبع
الكنيسة ويتكلم النشيد عن الأعمدة على أنها نقية وأن الذهب المصنوعة منه عولج
بالنار لتنقيته، وأنها ارتفعت إلى علو المملكة. (إن ألفة؟؟ المميزة للمملكة هو
الأرجوان). والعنصر الرئيسي حيث يسند من صنع الأريكة رأسه، هو ذهب التعاليم
النقية. أما الأجزاء المخفية والغير ظاهرة فتزيّن بضمير نقي من أحجار كريمة، التي
يرتبها مع بعضها الحب بواسطة بنات أورشليم. وتتطابق هذه الأريكة مع الكنيسة التي
على الأرض ويمكن تقسيم أجزاءها بين أشخاص حسب وظائفهم المختلفة. كما قلنا سابقًا
أن أجزاء العربة التي تجرها الخيول يمكن مقابلتها إلى كل نظام بالكنيسة. (لذلك
يقول الرسول: "فوضَع الله أُناسًا في الكنيسة أولاً رسلاً ثانيًا أنبياء
ثالثًا معلمين ثم قوَّات وبعد ذلك مواهب شفاء أعوانًا تدابير وأنواع ألسنة"
(1 كو 12: 28).

إن أسماء هذه
الأجزاء التي تدخل في تركيب الأريكة ترمز إلى القسوس والمعلمين وحالة الطهارة
والنقاء والبكورية التي تستحق الاحترام، والتي تشع بنور الأحجار الكريمة بداخل
الأريكة بواسطة نقاء الفضائل.

يكفي هذا لوصف
الأريكة ويحتوي ما يلي من النص على تشجيع العروس لبنات وشليم. لقد قدم بولس العظيم
نفسه للإدانة إذا لم يشارك في عمل كل الخير. لذلك يقول للشعب: "كونوا متمثلين
بي كما أنا أيضًا بالمسيح" (1 كو 11: 1). لذلك فالعروس المحبة أصبحت مستحقة
للأسرار المقدسة التي لعريسها. وعندما رأت السرير أي تَخْت الملك صرخت إلى
رفيقاتها – اللآتي قد يمثلن أنفس الُمخلصين – إلى متى تمكثن محبوسين في كهف هذه
الحياة؟ اِذهبن خارج ستارة (حاجز) الطبيعة البشرية لكي تروا الملك الذي وضعته له
أمه حسب قول النبي: "لأنَّك تتقدمه ببركات خير. وضعت على رأسه تاجًا من
إبريز" (مز 21: 3).

لا يمكن لأي شخص
أن يفهم بالكامل التعبيرات التي تخص الله، مثلاً كلمة "أم" تُذكر في
النشيد بدلاً من كلمة "الأب" وكلاهما لهما معنى واحدًا، لأنه لا يوجد
مذكر أو مؤنث لكلمة الله – لأنه لا يمكن لأي شيء مؤقت مثل هذا أن يُنسب لله – ولكن
عندما نكون واحدًًا في المسيح فنحن نبتعد عن علامات هذا الاختلاف الذي للإنسان
العتيق، لذلك يشير كل اسم إلى طبيعة الله التي لا يمكن التعبير عنها، لا ذكر ولا
أنثى يمكن أن تفسد طبيعة الله النقية. لأجل هذا قال السيد المسيح مثل تشبيه ملكوت
السموات بالمَلك الذي صنع عرسًا لابنه وأرسل عبيده ليدعوا المدعويين إلى العرس،
فلم يريدوا أن يأتوا (مت 22: 2). ويقول النبي عن الله "لأنك تتقدمه ببركات خير.
وضعت على رأسه تاجًا من إبريز" (مز 21: 3). لذلك يقول النشيد أن تاجًا وُضع
على رأس العريس بواسطة أمه. بما أن العروس والعريس واحدًا، أم واحدة وضعت التاج
على رأس العريس. لا يوجد اختلاف كبير إذا سمينا ابن الله الابن الوحيد أو ابنه
المحبوب. حسب رأي بولس أن كل اسم له القدرة على أن يكون من مرافقي الشرف للعروس
والذي يؤدي إلى أن يسكن العريس فينا. "اذهبن إذن" قالت العروس لرفيقاتها
"وأصبحن بنات صهيون من القمة العليا (لأن كلمة صهيون تعني القمة العليا)
وستتمكنّ من رؤية هذا المنظر الرائع، وهو عريس مُزيّن بتاجه". وتاجه هو
الكنيسة محوطة رأسه بأحجار حيه، الحب هو الشريط الذي يّزيّن هذا التاج، لأنه
لايُخطئ من يُسميه "أم" أو "حب" الله محبة كما يقول القديس
يوحنا (1يوحنا 8:4).

تقول العروس أن
عريسها يفرح ويبتهج بتاج العرس المزين، لأن العريس يفرح عندما يأخد الكنيسة كمسكن
له متوّج بفضيلة أعضائها المميّزين. قد يكون من المفضل أن نطبق هذه الكلمات
المقدسة على النحو الآتي: " أخرجن يا بنات صهيون وأنظرن الملك سليمان بالتاج
الذي توجه به أمه في يوم عرسه وفي يوم فرح قلبه" (نش 11:3). لذلك اِستقبل
كلمة الله حب عروسه، لأنها كلآب ترغب أن كل الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون
(1 تي4:2). أُعلان جمالها يبدو أكثر قداسة وأكد عليه النشيد بوضوح لأن مدح جمال
العروس لايرتبط بها فقط ولكن يشمل جميع الأعضاء. لذلك يقول النشيد: "هاأنت
جميلة يا حبيبتي هاأنت جميلة " (نشيد 1:4). لأن العروس قلدت حب الله لجميع البشر،
وأمرت شابة صغيرة لكي تخرج خارجا مثل إبراهيم- كل شابة من موطنها وعائلتها بحسب
الحواس – حتى ترى العريس الطاهر متوجًا مع الكنيسة. أصبحت العروس بحق رفيقة لجمال
الله لأنها اقتربت من الله من خلال الحب. لذلك يقول لها النص أنت جميلة بقربك من
الجمال بأرادتك النبيلة. يوضح تكرار المديح هنا صدق شهادة العريس. لأنه حسبل
الوصية المقدسة شهادة شخصيين تُؤكد الحق. لذلك يقول النشيد: "ها أنت جميلة يا
حبيبتي. هاأنت جميلة "

الكنيسة التي على
الأرض هي جسد للمسيح الواحد (1كو 12:12-27)، إلا أنه يوجد أعضاء كثيرين في هذا
الجسد الواحد. ولكل واحد وظيفته، إذ خلق الله شخصًا لكي يكون عيون الجسد وآخر
الأذنين. والبعض يقوم بعمل اليدين وآخرين ليحملوا ما تحمله الأقدام. أما قدرات
الذوق والشم والحواس الأخرى بالجسم فتوجد في جميع أعضاء جسم الكنيسة على وجه
العموم: الشفاه، الأسنان، اللسان، الصدور، المعدة، والبلعوم. كما يقول بولس:
"وأعضاء الجسد التي تحسب أنها بلا كرامة يعطيها كرامة أفضل. والأعضاء القبيحة
فينا لها جمال أفضل" (1كو 23:12). لذلك يمدح من يتعرف على الجمال كل من يتميز
به من أعضاء جسم الكنيسة.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي