الإصحَاحُ
الْخَامِسُ

 

سمع الرب ما كان
يدور بخلد العروس، ومنحها سؤل قلبها، وأتى إلى حديقتها عندما كان ريح الجنوب يهب،
والتقط ثمار أطيابها، واِمتلأ بثمار الفضيلة وتكلم عن وليمته قائلاً: "قد
دخلْتِ جنتي يا أختي العروس. قطفت مرّي مع طيبي. أكلت شهدي مع عسلي. شربت خمري مع
لبني. كلوا أيها الأصحاب اِشربوا واِسكروا أيها الأحباء" [ع1]. هل ترى الآن
كيف تفوق عطية العريس على ما تطلبه العروس؟ أرادت العروس ينابيع من الأطياب في
حديقتها وأن يهبّ على نباتاتها ريح الجنوب في منتصف النهار، وأن ينال راعي الحديقة
الثمار التوتية حسب اختياره. يتضح أن كل رائحة طيبة تُدخل السرور عند شمِّها،
بينما الثمار التوتية المختارة ليست في مستوى الخبز كغذاء صحي للجسم. غيّر العريس
الثمار إلى أنواع أفضل عندما نزل إلى حديقة. ثم جمع منها المرّ والأعشاب العطرة.
ويتبعني النبي بكل ما هو جميل في العريس (زك 9: 17). جعل العريس الأشجار تُنتج
الخبز الذي خلطه بعسله بدلاً من الثمار التوتية المختارة. (هنا يوجد تقرير نبوي
وهو عسل العريس وغيره من المسرات. وتخلط الخمر المشتقة من الأشجار بمثل هذه
الثمار، بها! إن التمتع بالإضافة إلى عطر ثمرة العروس هو المرّ المتحد مع الأعشاب
العطرة. إنها تُميت أعضائنا الأرضية وتبقى وتنقي الحياة وتجعلها عطرة من أطياب
الفضيلة المختلفة.

يجد الشخص الذي
يبحث عن غذاء أكثر كمالاً، الخبز الذي لا يأكلونه الآن مع الأعشاب المرة كما تأمر
الوصايا (خر 12: 8). هذه الحياة مرة، والاختيار الأحسن يحوّل العسل إلى غذاء جامد
في الوقت المناسب وتضيف ثمرة الفضيلة حلاوة إلى حواس النفس. حدث مثل هذا عندما ظهر
خُبز السماء للتلاميذ بعد قيامة السيد المسيح. لقد صار طعمها حلوًا بالعسل من قرص
الشهد. يقدم للشخص العطشان كوبًا من الخمر واللبن وليس مرارة على إسفنجة مبللة بالخل
(مر 15: 36)، كما قدم اليهود لمخلصهم كأس الصداقة على خشبة. حقيقة نحن لا نجهل
السرّ الضمني وراء هذه الكلمات، أي كيف كان القديس بولس شجرة تحمل المرّ والذي كان
يموت كل يوم (1 كو 15: 31)، الذي وضع نفسه تحت حكم الموت، وأصبح عطرًا الحياة
لهؤلاء الذين خلصوا بواسطة رائحته الطيبة ونقاؤه وتفانيه. طحن بولس النباتات
الحيّة بالحديقة وحوّلها إلى قمح ليقدمها لله. شهد الجالس على العرش لهذا بقوله:
"كنت جوعانًا فاطعمتموني" (مت 25: 35). إن خبز الفرح هو السعادة المحلاة
بعسل الوصية. تصب العروس نباتات الحديقة المزهرة كخمر لعريسها الذي قال: "كنت
عطشانًا فسقيتموني" خمر مخروج باللبن، وليس بالماء كما يفعل أصحاب محلات بيع
الخمور. اللبن النقي عديم الغش هو الغذاء البسيط للبشر (1 بط 2:2)، أنه غير ممزوج
بأي شيء آخر، ونقي من أي مصدر للشر.

وبعدما خاطب
العريس العروس، قدم النشيد إلى أصدقاء العروس سرّ الإنجيل قائلاً: "كلوا
أيها الأصحاب، اِشربوا وأسكروا أيها الأحباء
" [ع1]. فالشخص الذي يعرف
كلمات الإنجيل الروحية يجد أنه لا فرق بين هذه الآيه والكلمات التي قيلت عند بدء
الخدمة الروحية للتلاميذ. ففي كلا الحالتين تقول الكلمات: "كلوا
واشربوا" (مت 26:26-27). ويظهر أن تشجيع العروس لأصدقائها كان أكبر مما كان
للتلاميذ. لكن من يفحص النصين بدقة يتبين له أن كلمات النشيد تتفق مع ما جاء
بالإنجيل. فالكلمة التي وُجهت للأصدقاء أنتجت ثمرها في الإنجيل. تتغلب الخمر على
العقل ويصبح المخمور في حالة من السعادة والفرح. لذلك يُصبح ما يشجع به النشيد
حقيقة بواسطة هذا الغذاء والشراب المقدس للإنجيل. لذلك يحتوي هذا الغذاء والشراب
الآن ودائمًا القدرة على التغيُّر المستمر والفرح من حالة دنيا إلى حالة أحسن.

وكما يقول النبي:
"لأن عندك ينبوع الحياة. بنورك نرى نورًا" (مز 36: 9). فالذين يشربون من
غنى بيت الله. من نهر فرحه ينتشون. وأيضًا انتشى داود العظيم لأنه خرج من نطاق
نفسه إلى آفاق الفرح والسعادة الغامرة: فقد رأى الجمال الغير منظور، وصرخ بصوته
الذي تقوده القوى المقدسة: "لماذا يقول الأمم أين هو إلههم" (مز 115:
2). يشرح داود بهذا التعبير كنوز الله العظيمة جدًا التي تعلو عن التعبير عنها.
وقال بولس، بنيامين الجديد، وهو في نشوة السعادة والفرح العظيم: "لأننا إن
صرنا مختلفين فللَّه – تُعتبر النشوة والسعادة حركة ناحية الله – أو كنا عاقلين
فلكم" (2 كو 5: 13). وأشار بولس بطريقة مماثلة إلى فستوس قائلاً: "لست
أهذي أيها العزيز فستوس بل أنطق بكلمات الصدق والصحو" (أع 26: 25).

شارك القديس بطرس
في هذا النوع من الغيبة عندما كان جوعانًا ومخمورًا في نفس الوقت. كان بطرس
جوعانًا قبل أن يقدم له الغذاء المادي وأراد أن يتذوقه، وبينما كان أعضاء عائلته يجهزون
الطعام (أع 10:10) جرب بطرس هذه الغيبة المقدسة الصاحية. وخرج من نفسه بواسطتها
ورأى الرؤيا الآتية: "فرأي السماء مفتوحة وإناء نازلاً عليه مثل ملاءة عظيمة
مربوطة بأربعة أطراف ومدلاة على الأرض. وكان فيها دواب الأرض والوحوش والزحافات
وطيور السماء. وصار إليه صوت قم يا بطرس وإذبح وكل. فقال بطرس كلا يا رب لم آكل قط
شيئًا دنسًا أو نجسًا. فصار إليه أيضًا صوت ثانية ما طهره الله لا تدنسه أنت. وكان
هذا على ثلاث مرات" (أع 10: 11-15). نتعلم من الصوت الذي ناداه في المرة
الأولى أن الله الآب هو الذي يُطهر، وفي المرة الثانية أن الابن الوحيد هو الذي
يُطهر وفي المرة الثالثة أن الروح القدس هو الذي يطهر كل شيء. تحدث هذه الغيبة من
الخمر الذي يقدمه الله لكل من يجلس على مائدته. فالله يُشجع بحق كل من يعيش حياة
الفضيلة ويقترب منه، وليس البعيدين عنه: "كلوا أيها الأصحاب اشربوا واسكروا
أيها الأحياء". "لأن الذي يأكل ويشرب بدون اِستحقاق يأكل ويشرب دينونة
لنفسه غير مميز جسد الرب" (1 كو 11: 29)، فهو يطلق كلمة "إخوة" على
المستحقين لهذا الطعام. "لأن من يصنع مشيئة الله هو أخي وأختي وأمي" (مر
3: 35).

ينام الإنسان بعد
ما يدخل في غيبة، وفي أثناء النوم يتم هضم الطعام وتُحفظ صحة من يشاركون في مائدة
الاحتفال. لذلك تنام العروس بعد الاحتفال. ويُعتبر هذا النوم غير مألوفٍ، ويختلف
عن النوم العادي الذي لا يكون الشخص فيه غير واعٍ بما حوله. وكلاهما يضادان بعضهما
البعض لأن النوم والاستيقاظ يتلو أحدهما الآخر. ونرى في العروس خليط من التعارض
المميّز: تقول "أنا نائمة وقلبي مستيقظ" [ع2]، ماذا نفهم من هذه
الآية؟ يشبه هذا النوم الموت، وفيه تتوقف كل وظائف الإحساس: فلا توجد رؤية أو سمع
أو شم أو تذوق أو إحساس باللمس، ولكن ينخفض ضغط الدم. وينسى الشخص القلق أثناء
النوم ويهدأ انفعال الخوف، ويقلل الغضب وينخفض القلق من التجارب المريرة، ويجعل
الشخص غير واع بالشرور. لذلك، نتعلم من العروس أنها ارتفعت وتفخر قائلة: "أنا
نائمة وقلبي مستيقظ".

يظهر أن الجسم
يُغلب على أمره أثناء النوم وذلك بفقدانه المؤقت للحواس بينما يبقى العقل وحيدًا
وغير مضطرب بالحواس. ويمكن أن نقول بحق أن الرؤية تستريح لعدم القيام بوظيفتها
بينما تزدري النفس بالرؤى التي تُخيف الأطفال الصغار. إني لا أتكلم فقط على
الأشياء المادية مثل الذهب والفضة والأحجار الكريمة التي تثير العيون الطامعة
ولكني أقصد العجائب السماوية العظيمة: النجوم المتلألئة وما يظهر من تغيرات على
كرة الشمس والقمر وأي شيء آخر مما يبهج العيون.

وجميع هذه سوف لا
تبقى إلى الأبد ولكنها تتحرك وتبتعد مع دورة الزمن. ولكن عندما نفكر بعمق في عظمة
الله يقل تقديرنا لهذه العجائب، وتتعب العين من النظر إليها ولا تنجذب النفس
الكاملة إلى أي شيء مرئي بل تتأمل بالفكر في كل ما يسمو فوق ما هو حسن. وحتى السمع
يتوقف عن القيام بوظيفته لأنه يهتم الآن بما وراء الكلام وتبتعد الروح عن حواسنا
الحيوانية وهي التي تتمتع بالروائح العطرة وحاسة الذوق التي تخدم المعدة وحاسة
اللمس العامة التي تنقصها الرؤية، ويظهر أن اللمس يتبع الأعمى، وإذا توقفت هذه
الحواس بالنوم وبقيت دون عمل، يستمر عمل الغلب في نقاء، ويتطلع المنطق إلى أعلى
دون اضطراب بعيدًا عن حركة الحواس.

يوجد للمتعة
وجهان: أحدهما يتأثر بالروح الخالية عن الهوى، والثاني يتأثر بأهواء الجسد. وما
تختاره منهما الإرادة الحرة، ويقوى على الآخر. فإذا اِهتم شخص بالحواس واِنجذب
ناحية متعة الجسم فسوف يعيش حياته دون أن يتذوق الفرح المقدس، لأن الحق يختفي بما
هو دنيء. أما هؤلاء الذين يبغون وجه الله، فإن الخير ينتظرهم، إنهم يعملون بكل
جهدهم أن يبتعدوا عن كل ما يرتبط بالحواس. لذلك عندما تتمتع النفس بما هو أسمى من
الوجود فإنها سوف لا تهتم بما يؤدي متعه الحواس. إنها تأمر جميع الميول الجسدية
بالتوقف، وترى النفس الله في تأملاتها المقدسة برؤية داخلية نقية. ليتنا نتجول
ونكون مستحقين من خلال هذا النوم الذي يتكلم عنه النشيد لكي نحفظ أرواحنا مرتبطة
بالمسيح يسوع ربنا، له المجد إلىالأبد آمين.

 

أوصى السيد المسيح
تلاميذه (مت 24: 42) وحثهم على التأمل العميق في الآفاق العليا، بعد أن نفضوا عن
طبيعتهم كل أوساخ العناصر المادية. وإحدى هذه الوصايا هي التغلب على النوم أثناء
البحث عن الحياة السامية، إذ لابد أن يحتفظوا بعقولهم متنبهة حتى يتمكنوا من طرد
الذي يخدع ويخون الروح والحق، ويُوحي بالرغبة الشديدة في النوم وأعني بهذه الحالة
الخيالات التي تُشبه الأحلام التي يتصف بها بعض الحكام والأغنياء الغارقين في غرور
غش هذه الحياة، مثل الكسل والكبرياء، الملذات المغرية، حب العظمة وملذاتها، وحب
المظاهر وكل أنواع الخداع التي يسعى إليها الأشخاص المهملين. تزول هذه الأشياء
والملذات المؤقتة بمرور الزمن. وقد تظهر أنها باقية ولكن ليس حسبما نعرف، فهي
كالبحر يرتفع في أمواجه مُندفعة بتأثر حركة الرياح، وفجأة تنخفض ويصبح البحر
هادئًا، وهكذا مع كل الأشياء المؤقتة أنها تتحطم مثل الأمواج.

 

وحتى لاتندفع
عقولنا وراء الخيالات يجب أن نبعد النوم العميق عن عيون أرواحنا وألاّ تكون ميولنا
نحو الأشياء الزائلة وننزلق بعيدًا عن ما هو حق وكائن. لذلك يُشجعنا المسيح أن
نكون حذرين: "لتكن أحقاؤكم ممنطقة وسُرجكم موقدة" (لو 35:12). فالضوء
الذي يشع من عيونا يبعد عنا النوم واحقاؤنا الممنطقة بالأحزمة لاتسمح للجسد أن
ينام. كذلك الحركة التي نقوم بها أثناء العمل تجعلنا دائمًا يقظين. ومعنى هذه
الرموز واضح إن يعيش الذي يتمسك بالأستقامة في ضوء الضمير النقي، لأن مصباح الثقة
في النفس ينير حياته. وتبقى روحه متيقظة، ولا يمكن خداعها لأن أشعة الحق تحميها،
كما لايهتم بالأحلام عديمة الفائدة. فإذا وصلنا إلى هذا المستوى بمساعدة المسيح
تصبح حياتنا ملائكية. لأن الوصايا المقدسة تُقارننا بالملائكة قائلة: "وأنتم
مثل أناس ينتظرون سيدهم متى يرجع من العرس حتى إذا جاء وقرع يفتحون له للوقت"
(لو36:12).

يقف هؤلاء الذين
يتوقعون رجوع السيد المسيح باشتياق وانتباه على أبواب السماء عند ما يدخل ملك
المجد إلى نعمته التي تفوق كل تصور. كما جاء في مز 6:18. "ومثل العروس الخارج
من حجله". بالرغم من خطأنا وعبادتنا للأصنام، وقد طرنا الله، فقد حظينا
بالميلاد الجديد وصرنا أبكارًا بعد غسل كل فساد فينا. لذلك تمت كل احتفالات
الزواج، وارتبط كلمة الله بالكنيسة. وكما يقول القديس يوحنا: "من له العروس
فهو العريس" (يو 29:3). واِستقبلت الكنيسة العروس في حجرة العرس المقدسة،
وتوقعت الملائكة رجوع الملك أثناء قيادته للكنيسة كالعروس وجعل طبيعتها مستعدة
للنعمة. فقال أن حياتنا يجب أن تكون خالية من الشر والخداع، حتى نكون مستعدين
لاِستقبال الرب عند مجيئه الثاني. وعندما نحرس أبواب مساكننا فإننا نُجهز أنفسنا
لوصول العريس، عندما ينادينا ويقرع على الباب. "طوبى لأولئك العبيد الذين إذا
جاء سيدهم يجدهم ساهرين" (لو 37:12). لأنه مبارك ذاك الذي يطيع ذاك الذي
يقرع. أن النفس تتطلع إلى هذه البركة تستقبل عريسها الواقف على الباب. أنها تراقب
باب بيتها بيقظة قائلة: "صوت حبيبي قارعًا" (نش 2:5). كيف نفي العروس
حقها إذ قد ارتفعت إلى ما هو أكثر قداسة؟

بمثل هذا السلطان
والجسارة تأمر ريح الجنوب وريح الشمال. وتقيم من جنتها – المليئة بالتفاح المختار
– مأدبة لسرب الخليقة الذي لايرفض أي مما يقدم إليه، بل يقول أن كل شيء جميل:
المر، التوابل، الخبز مع العسل والخمر وأيضًا اللبن. لذلك فإن الكلمة نفسه يشهد،
"كلك جميل يا حبيبتي ليس فيك عيبة" (نش7:4). أنها تتدبر أمرها الآن
لتستقبل وجه الله، لكنها لم تستقبل بعد الكلمة الواقف على بابها، لكنها تقف مبهورة
بسماع صوته تقول أن هذا الصوت ليس صوتها بل هو صوت عريسها الواقف على بابها.

نرى إن الطريق
الذي يؤدي إلى الله هو مفتوح إلى أعلى للصعود فيه، ولكن نعجب إذ إن ما تدركه النفس
ما هو الأ بداية لما هو غير مدرك؟ قد كنا نتوقع أن تتوقف العروس في طريق صعودها
لما سمعته من كلمات على فم عريسها. (لأنه ماذا تطلب أكثر من شهادة عريسها
بكمالها؟). والآن نرى ما بداخلها ليس ما هو خارج بيتها. أنها لم تنعم بعد برؤية
وجه عريسها، لكنها بعد تسمع أرشادًا بأن تسلك الصلاح. نعم أن الذي يتقدم في حياته
الروحية يحق له أن يسمع كلمات الرسول الصادقة، "فإن كان أحد يظن أنه يعرف
شيئًا فإنه لم يعرف شيئًا بعدكم يجب أن يعرف" (1 كو 2:8). وهكذا فإن النفس
تفهم ما قد أدركته ولكن من المؤكد أن ما لم تعرفه بعد يفوق ما قد أدركته فعليًا
لذلك فإن العريس يظهر لعروسه رغم أنها لاتراه، ولكنه يعدها خلال سماعها لصوته بأنه
سوف يظهر لها.

ولكي أوضح هذه
الفقرة، سأعطى مثالاً: إذا حدث لأي شخص أن يكون بالقرب من نبع الماء الذي يصفه
الكتاب (تك6:2). وإذا الضباب يطلع من الأرض ويسقى كل وجه الأرض، فيعجب من معجزة
المياة المتدفقة المندفعة بلا نهاية. ولا يتمكن من القول أنه قد رأي كل المياة
(لأنه كيف يمكن رؤية ما يخفيه بطن الأرض؟ وحتى لو بقى مدة طويلة بجوار المياه
المتدفقة فهو يرى المياه كما رآها في أول الأمر، لأنها لم تتوقف عن التدفق). وبنفس
الطريقة يكتشف الشخص الذي يتأمل في الجمال المقدس الخفي أنه يراه من جديد لأنه
سيراه كشيء، اسمي وأكثر عجبًا بالمقارنة بما رآه وأدركه من قبل ويستمر في تعجبه
على ما يكشفه له الله باِستمرار عن عظمته وجماله وقوته، بحيث لاتنتهي رغبته في
رؤية المزيد لأن ما ينتظره يجده دائمًا أعظم وأجمل وأقدس مما رآه من قبل. لذلك
تتعجب العروس وتنبهر من هذه المعرفة. وبالرغم من ذلك لاتتوقف أبدًا عن الأشتياق
إلى رؤية لما هو آت. والآن تعلم العروس أن كلمة الله يقرع فتنهض عند سماع صوت
قائلة: "صوت حبيبي قارعًا" (نش2:5).

وبعدما سكت الذين
كانوا ينصتون إلى العروس فيقول النص: "افتحي يا أختي يا حبيبتي يا حمامتي يا
كاملتي لأن رأس قد امتلأ من الظلّ وقصص من ندى الليل" (نش 2:5). إن تفسيري
سيساعدك على فهم معنى هذا النص. أبتدأ ظهور الله لموسى العظيم خلال النور (خر
18:19)، وبعدها كلمة من خلال السحاب (خر 21:20). وبعدما ارتفع موسى إلى أعلى وأصبح
أكثر كمالاً، رأى موسى الله في الظلام (خر 15:24-18). نتعلم من هذا المثال أن ابتعادنا
عن الأفكار الغير صحيحة الخادعة عن الله هو انتقال من الظلام إلى النور. بعد ذلك
يقود الفهم الدقيق للأشياء المخفية، والنفس لمعرفة طبيعة الله الغير منظورة، من
خلال الرؤى التي يُرمز لها بالسحاب، وهو لا يسمح بالرؤية الكاملة لما يوجد خلفه.
ولكن تتعود النفس بالتدريج أن ترى ما يختفي وراءه. وأخيرًا تُقاد النفس إلى أعلى،
وتنسى ما تتمكن الطبيعة البشرية من فهمه، وتدخل إلى قدس معرفة الله حيث تحاط من كل
جانب بالظلمة المقدسة. وتتخلى النفس عن كل شيء آخر، أي المظاهر والأفكار،
والشيء الوحيد الباقي لفهمها هو حيث يسكن الله الغير منظور والذي لا يمكن الوصول
إليه. يقول الكتاب من معُطى الشريعة: "وأما موسى فقد اقترب من الضباب حيث كان
الله" (خر 21:20).

وبعدما فحصنا هذه
الأمور، يلزم أن نفهم الكلمات المرتبطة بما تكلمنا عنه سابقا. كانت العروس سوداء
عندما ظللتها التعاليم الغير واضحة. ثم نظرت إليها الشمس نظرة ليست في صالحها، نفس
الشمس التي تحرق الحبوب التيلم تتكون لها جذور والتي سقطت على صخر نتيجة للتجارب
هُزمت العروس بهؤلاء الذين حاربوا ضدها، أنها لم تحرس كرمها، كانت العروس ترعى
قطيع من الماعز بدلاً من الغنم لأنها لم تعرف نفسها. ولكن بعد أن أبعدت نفسها عن
الشر، وغسلت نفسها من ظلمة الجهل، رغبت في التقرب من ينبوع الحق ثم قورنت العروس
بالحصان لسرعة تقدمها ثم باليمامة لبساطة تفكيرها. وأسرعت في الجري كحصانٍ خلال كل
شيء فهمته وجربته، وكانت تطير كيمامة وتستريح لرغبتها تحت ظل شجرة التفاح.

يتكلم النشيد عن
ظل شجرة التفاح بدلاً من الضباب وهي الآن محاطة بالليل المقدس حيث يقترب العريس
ولكنه لا يظهر.

كيف يمكن أن نرى
من هو غير منظور خلال الليل؟

يمنح العريس النفس
معرفة بحضوره غير أن الصورة لا تكون واضحة لأن طبيعته الغير مرئية تظل مختفية. ما
هي إذن التعاليم الروحية التي جربتها الروح هذه الليلة. كان كلمة الله يلمس الباب.
نحن نفهم أن هذا الباب هو العقل البشري الذي يبحث عن ما هو مختفي، ومن خلاله يدخل
الشيء الذي كان يبحث عنه. لذلك يقف الحق خارج أنفسنا لأنه كما يقول الرسول:
"الآن أعرف بعض المعرفة" (1 كو 12:13). يقرع الحق على عقولنا بواسطة
الكنايات والأسرار قائلاً "افتح" وبهذه الدعوة يقترح العريس طريقة لفتح
الباب. ويعطينا مفاتيح خاصة وهي الكلمات الجميلة في النشيد. ويتضح أن الأسماء مثل
أختي وصديق ويمامة والواحد الكامل هي المفاتيح التي تفتح ما هو مُخبئأ.

يقول العريس: إذا
رغبت في فتح الباب فارفع بوابات نفسك حتى يتمكن ملك المجد من الدخول (مز 7:24)،
يلزم أن تدخل مشيئتي في نفسك. كما يقوا الإنجيل: "لأن من يصنع مشيئة أبى الذي
في السماوات هو أخي وأختي وأمي" (مت 50:12). لابد أن تقترب من الحق وتُصبح
صديقه حتى لا تنفصل عنه يجب أن تكون كاملاً مثل يمامة فلا تحتاج لشيء وتمتلئ من
البراءة والنقاء. وعندما تحصل على هذه الأسماء كمفاتيح لنفسك، اجعل الحق يدخل
ويصبح أخت، وصديق ويمامة وواحد كامل. ستكون مكافئتك لاِستقبالي وسماحك لي بالسكن
معك هي الندى الذي أمتلئ به وينزل من رأس وقطرات الليل التي تسيل من شعري. ترمز
هذه الكلمات إلى قوة الشفاء للندى الذي يشير إليه النبي: "تحيا أمواتك تقوم
الجثث. استيقظوا ترنموا يا سكان التراب. لأن طلك ظلّ أعشاب والأرض تسقط
الأخيلة" (إش 19:26). تشير قطرات الليل إلى المعنى الذي أشرنا إليه من قبل.
يستحيل أن يُقابل الشخص الذي يدخل إلى عمق أقداس الغير منظور بفيض غامر من
المعلومات، بل يلزم أن يقتنع بفهم الطبيعة الداخلية للأشياء، فالحق معرفته بالندى:
تفيض هذه القطرات الروحية من القديسين وحاملي الرب القدوس بداخلي.

ترمز خصلات الشعر
التي توجد على رأس الكون إلى الآنبياء والمبشرين والرسل. ويشبه هؤلاء قطرات الندى
بالمقارنة بالحق، وبالرغم من كمال تعاليمهم وعمقها، إلا أن كل واحد منهم يستمد
المياه من ظلمة الكنوز المخبأة الغير مرئية والتي أصبحت أنهار لنا. كان بولس كنهر،
قد ولد عاليا على موجة أفكاره تأخذه إلى فردوس السماء الثالثة أي هذه الكلمات التي
لا ينطق بها. امتلأ بولس كالبحر بكل هذا الكلام الشيق الحي القوي، موضحًا مرة أخرى
أنه قطرة ندى بالمقارنة بكلمة الله الحي. ويقول: "لأننا نعلم بعض العلم
ونتنبأ بعض التنبوء" (1 كو 9:13) وأيضًا: "إن كان أحد يظن أنه يعرف
شيئًا فإنه لم يعرف شيئًا بعد كما يجب أن يعرف" (1 كو 2:8). فإذا ظهرت
القطرات والندى من خصلات شعر العريس كأنها أنهار فكيف نتخيل عرض البحر والأمواج؟
يلزمنا لنا أن نفكر بهذا الينبوع الذي يتكلم عنه السيد المسيح: "إن عطش أحد
فليقبل إليّ ويشرب" (يو 37:7). ليكوّن كل من يستمع إلى هذه الكلمات فكرة عن
هذه العظمة بمقارنة هذه بما قلناه من قبل. فإذا أبتدأت هذه النقطة الصغيرة في
تكوين أنهارًا، فكيف يمكننا أن نتخيل نهر الله من مجرد هذه النقطة؟

دعنا نرى كيف
تُطيع العروس كلمة الله وتعمل مدخلا لعريسها؟ "قد خلعت ثوبى فكيف ألبسه، قد
غسلت رجلىّ فكيف أوسخهما" (نش 3:5). سمعت العروس عريسها يناديها بالألقاب
الآتية: أختا، صديقة، يمامة، الواحدة الكاملة حتى تسكن كلمات الحق هذهبداخلها.
وعملت ما سمعت أي أنها خلعت رداءها من الجلد (تك 21:3) التي لبسته بعد سقوطها في
الخطية. غسلتت العروس أيضًا قدميها من التراب الذي غطاها عندما رجعت إلى الأرض،
بعد فترة إقامتها في الجنة لأنها سمعت: "لأنك تراب وإلى تراب تعود" (تك
19:3). لذلك فتحت العروس طريقًا في روحها لعريسها بواسطة إزالة النقاب من قلبها،
أي، من جسدها. وأعنى هنا بالجسد الإنسان العتيق. يشجع بولس هؤلاء المستعدين لغسل
أقدام أنفسهم من الأوساخ في ماء كلمة الله، أن يسرعوا في إزالتها وإطاحتها بعيدًا
عنهم. تفتح العروس طريقًا لكلمة الله بخلعها للإنسان العتيق وإزالة النقاب عن
قلبها. وتعمل الروح من كلمة الله رداء لها نلبسه عند دخوله إليها حسب قول الرسول
أنه يخلع الرداء الجسدي للإنسان العتيق ويلبس الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في
البر وقداسة الحق (أف 24:4). ويقول أن المسيح هو هذا الرداء.

أعتلافت العروس
أنها لاتلبس أبدًا الرداء الذي خلعته ورفضته، وأنها مكتفية بالرداء الذي لبسته بعد
ميلادها الجديد من الأعالى حسب الوصية التي اُعطيت للتلاميذ (مت10:10). يؤكد هذا
العمل كلمة السيد المسيح التي تشجع الذين تزينوا بالرداء المقدس أن لايلبسوا مرة
أخرى رداء الخطية، ولايحتفظوا بردائين بل برداء واحد، إذ لايتلائم الردائان مع
بعضهما. فلا ينسجم رداء الظلام مع الرداء اللروحي المنير. ولاتأمرنا الوصية بأن
لانحتفظ بردائين فقط بل أيضًا أن لانخيط رقعة من قطعة جديدة على ثوب عتيق(مر
21:2). وإلا، فإن الرقعة الجديدة تنكمش فتأكل من الثوب العتيق، ويصير الخرق أسوأ.
ويؤدي هذا تعرية جزء من الجسم ويتبع ذلك الخجل والعار. لذلك تقول العروس: "قد
خلعت ثوبى فكيف ألبسه" يُشبه الشخص الذي يرى نفسه مرتديا رداء السيد المسيح
اللآمع الذي لبسه بالنقاء وعدم الفساد، الرداء الذي ظهر به السيد المسيح أثناء
التجلى على الجبل. لذلك يرفض هذا الشخص رداء السكير والداعرة الممزق حسب ما جاء في
أمثال 21:23.

لا يتلوث الإنسان
مرة أخرى بالتراب من الأرض بعدما غسل قدميه: تقول العروس "قد غسلت رجلي فكيف
أوسخهما" (نش 3:5). خلع موسى حذاءه من رجليه (وهو مصنوع من جلد حيوان ميت)
لأنه كان يسير على أرض مقدسة (خر 5:3). يقول الكتاب أن موسى لم يلبس حذاءه مرة
أخرى، بل حسب أوامر الله له على الجبل صنع ثياب الكهنة التي استخدم في حياكتها
خيوطا ذهبية وزرقاء وبنفسجية وحمراء والكتان الفاخر حتى يشع جمالها حولهم (خر
5:28، 8). ولم يعمل موسى أية زينة على قدميه لأن أقدام الكهنة تبقى عارية دون
غطاء. لأن الكاهن يسير على الأرض المقدسة، فيلزم ألا يستعمل حذاء من جلد حيوان
ميت. لذلك منع السيد المسيح تلاميذه من لبس أحذية، لأنه أمرهم أن يسيروا في طريق
القداسة (مت 5:10، 6). أنتم تعرفون هذا الطريق المقدس الذي أمر السيد المسيح
تلاميذه أن يسيروا فيه قائلاً: "أنا هو الطريق" (يو 6:14). لا
نتمكن أن نسير في هذا الطريق إلا إذا خلعنا رداء الإنسان العتيق الميت.

دخلت العروس هذا
الطريق حيث غسل السيد المسيح قدميها وجففهما بقماش الكتان الذي كان متمنطقا به.
(تنظف قوة هذا القماش الذي كان متمنطقا به السيد المسيح من الخطايا. "الرب قد
ملك. لبس الجلال. لبس الرب القدرة. ائتزربها" (مز 1:93). ابتدأت العروس تراقب
نفسها عندما وضعت قدميها على الطريق الملكي فلا تحيد عنه إلى اليمين أو اليسار،
ولم تلوث قدميها بالطين بالسير خارج الطريق. أنت تعلم بالتأكيد معنى هذه الكلمات:
خلعت العروس حذاءها نهائيا بالعماد (لأن عمل من يُعمد يشمل فك سيور الحذاء، كما شهد
بذلك يوحنا عندما لم يتمكن من فك سيور حذاء السيد المسيح. إذ كيف يتمكن يوحنا من
فك سيور حذاء ذات الذي لم يرتبط برباط الخطية؟) حفظت العروس أقدامها بدون تلوث على
الطريق المرصوف مثل ما عمل داود بوصفه قدميه على صخرة بعد ما غسلها من الطين، حيث
قال: "أصعدني من حب الهلال من طين الحمأة وأقام على صخرة رجلي. ثبت
خطواتي" (مز 2:40). نحن نفهم أن هذه الصخرة هي السيد المسيح، فهو النور والحق
وعدم الفساد والبر الذي برصف الطريق الروحية. وعندما نحفظ خطواتنا على هذا الطريق
دون أن نبتعد عنه إلى الجانبين، تبقى حياتنا غير ملوثة بالقاذورات. هذه هي الطريقة
التي حفظت بها العروس بابها مفتوحا للسيد المسيح. ولقد وعدت أن لا تعود مرة أخرى
للقاذورات المرفوضة أو تستقبل أي ملوثات أرضية على طريق هذه الحياة، لذلك أصبحت
روحها مستعدة لكي تكون مقدسة. المسيح نفسه هو هذه القداسة(1 كو 30:1). وهكذا قد
أكملنا فحص مع أني هذه الكلمات.

تبتدئ بعد ذلك
النفس مرة أخرى في الصعود إلى أعلى. يقرع صوت العريس على قلب العروس وتمتد اليد
المقدسة إلى الداخل من خلال فتحة الباب: "حبيبي مد يده من الكوّه فإنت عليه
أحشائى" (نش 4:5). يتضح للشخص صاحب الفهم العادي أن هذه الكلمات أعلىمن
الناحية الروحية مما سبقها. قال السيد المسيح لعروسه "أفتحى" حتى يعطيها
القدرة على فتح ما تحتويه الأسماء المقدسة. أطاعت العروس كلمة الله (لأنها أصبحت
حسب ما سمعت، أختا، صديقة، يمامة وواحدة وصلت إلى الكمال). ثم خلعت حذاء الجلد،
وغسلت الأوساخ من قدميها ولم تلبس مرة أخرى الرداء العتيق المهزق. كما أنها لم
تثبت خطواتها على الأرض، لأنها سمعت صوت عريسها وتؤمن بوصاياه. فتحت العروس الباب
بعد أن أبعدت الحجاب عن قلبها. فتحت الباب وحجاب الجسد وعندما تُباعد مصراعي الباب
فقد يدخل ملك المجد. وللبوابة كموّة ضيقة قد لاتُمكّن العريس من أدخال يده خلالها.
غير أن يده وصلت إلى الداخل وأثارت رغبة العروس في رؤيته. لقد حسبت رؤية يد من
ترغب أن تعرفه مكسبا لها.

قد نستبعد درسًا
من النشيد إذا راجعنا دراسة هذا المحتوى. تمتلك النفس البشرية طبيعتين: جسدية
وفكرية والأخيرة نقية بينما الجسدية غير منطقية وهي التي تكوّن مادة الجسم. تتوجه
النفس إلى أعلى من خلال الفضيلة عندما تتطهر من العادات الخاطئة للحياة الأرضية،
وتنظر إلى ما هو طبيعى ومقدس. أنها لاتتوقف عن البحث في أصل الحق والخليقة ومصدر
الجمال فيها، الذي تنبع منه القوة والحكمة التي تظهر فيه. تحرك الحكمة جميع أفكار
الشخص، وقدراته للبحث. كما تثير غريزة حب الأستطلاع فيه! تُحدد الحكمة إدراكنا لله
وهي العملية المقدسة الوحيدة التي تأتي إلى وجودنا المائت لغرض منحنا الحياة
وبطريقة مشابهة تتحرك المياه بواسطة الريح ولاتبقى على حافة البحيرة ولكنها تصبح
ينبوع مندفعًا ومرتفعًا بالمياه مكوّنا موجه عالية. فإذا ما وصلت إلىأعلى ارتفاع
ظاهر للمياه، تختلط بالهواء ثم تهدأ حركة الريح في المستوى العالى. هكذا الحال في
النفس التي تبحث عن الله. تبتدئ النفس من أسفل في محاولة لمعرفة ما هو وراء حدود
المقدرة البشرية إلى فهم أعمال الله العظيمة. ثم تصبح غير قادرة على الاِستمرار
إلى الأمام لكي تفحص بدقة هذه الأعمال، وبدلاً من ذلك نتعجب وتعبده لأنه هو وحده
الذي يُعرف بأعماله. ترى النفس جمال السماء وأبدًاع مصادر الضوء وسرعة دوران الأرض
حول محورها والنظام المحكم للأشياء وتوافق مدارات النجوم والدورة السنوية بفصولها
الأربع. يحفظ الله الأرض الذي يحتضنها وهو يُغير وظائف النجوم. وهو يقوت ويحفظ
الآنواع العديدة المتباينة من الكائنات الحية: الأحياء المائية، الطيور، الأحياء
الأرضية كالنباتات كميّاتها والفرق بينها وصفات الفواكه والعصارات، وتُظهر هذه
كلها قوة الله.

عندما تتأمل النفس
هذه العجائب فإنها تعترف بصاحب هذه الأعمال. أيضًا تقودنا التغييرات التيستحدث في
نهاية العالم إلى حياة عظيمة فوق كل مانتصور وكما يقول السيد المسيح: "السماء
والأرض تزولان" (مت35:24). بعد ذلك سوف لانعرف الله من خلال أعماله كما نعرف
الآن (1 كو 12:13) ولكننا سوف نفهم صورة الجمال الذي لا يمكن التعبير عنه غير أننا
سوف نتمتع به (1 كو 6:2). وفي نفس الوقت تتكون حدود معرفتنا بمن ريمكن إدراكه
بواسطة عمله في الخليقة الذي ترمز له بيدىّ العريس. وبواستطهما لاتطأ أقدام النفس
التي تطهرت من الحياة المادية حتى لاتتلوث خطواتها وتمنعها من توقع دخول العريس
إلى بيتها.

تمتعن العروس
بتأمل يد العريس التي تمثل قدرته على العمل "حبيبي مد يده من الكوّة" لا
تتمكن الطبيعة البشرية من احتواء الطبيعة الإلهية الغير محدودة. وتقول العروس:
"فأنّت على أحشائي". تُشير كلمة "تعجب" إلى الآندهاش
والاستغراب عند رؤية هذه المعجزة. تتعجب كل نفس بما لها من قدرة للفهم بالأعمال
المبهرة ليد الله التي تفوق قدرات الإنسان، لأن الطبيعة الإلهية التي تعمل هذه
العجائب لا يمكن فهمها أو احتوائها. فكل مخلوق حي هو عمل هذه اليد التي ظهرت في
الكوّة. لذلك يصرخ يوحنا في إنجيله قائلاً: "كل شيء به كان، وبغيره لم يكن
شيء مما كان" (يو3:1). ويعبر النبي إشعياء عن نفس الفكرة، فيسمى اليد قوة
الله للعمل: "كل هذه صنعتها يدي فكانت كل هذه يقول الرب" (إش 2:66). لا يتمكن
عقل الإنسان من فهم هذا الآنجاز: جمال السماء بما فيها من نجوم والشمس وعجائب
الخليقة الأخرى. غير أن قلب الإنسان يخاف من قوة الله. فإذا كان الإنسان لا يفهم
كل أعمال الله، فكيف يتمكن من فهم الله الذي يعلو على ما في الخليقة؟

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد قديم سفر المزامير خادم المسيح 31

تشير صورة منزل
العروس إلى حياة الإنسان، حسب تفكيرى. لقد تعهدت يد الله الخالقة أمر خلاص حياتنا
البشرية عديمة القيمة. فتنازل الله وأخذ جسد بشريتنا وشابهنا في كا شيء ماعدا
الخطية (عب 15:4) وملأنا بالتعجب لظهوره في الجسد عند مولده من أمه التي بقيت
عذراء، عند اجتماع النور بالظلمة، والحياة بالموت، عند قصر الحياة وعند كوّة الباب
التي اِستقبلته. وهو صاحب اليد التي تمسك بكل شيء وتقيس السماء والأرض والبحر.
وتمثل العريس هبة الإنجيل التي وهبها للعروس. لأن الله ظهر على الأرض وكلم البشر
فعرفنا الجمال الأبدي للعريس، وقداسة كلمة الله وعظمة النور الحقيقي في عمل يديه.
لأننا نفهم أن يد الله هي القوّة التي عملت العجائب وبواسطتها أقام الموتى إلى
الحياة وتفتحت أعيّن العميان وشفي البرص وطُرد كل نوع من الأمراض الشديدة والغير
قابلة للشفاء من الأجسام بأمره.

تقدم لنا يدى
العريس قضيتين للتفكير العميق فيهما: تقترح أن الطبيعة الإلهية الغير مُدركة يمكن
أن نتعرف عليها من خلال هذه الأعمال وحدها. نفهم من كلام العروس أن الطبيعة
الإلهية تنبأت مقدما على هبة الإنجيل. وعند سماعها تُجهز أنفسنا لاختيار شيء أحسن
وهو ما يحتويه النشيد. تُعبر كل كلمات النشيد تعبيرًا كاملاً عن الطريق إلى الصلاح
لأنه حسب ما تكلم به بولس: "فإن ما لايُرى من أمور الله أي قدرته الأزلية
وألوهيته، ظاهر للعيان منذ خلق العالم، إذ تدركه العقول من خلال المخلوقات. حتى إن
الناس يأتوا بلا عذر" (رو 20:1). فإذا لم نقدر أن نفهم طبيعة الجنوح للهرطقة
ضد الحق. ولكن إذا بحثنا في الإنجيل فإننا نفهم سرّ يد العريس ويصبح إيماننا أقوى
بالنسبة لتعاليم الإنجيل المخفية وسوف نتقبل الذي لا يمكن الشك فيه من خلال كلمات
نشيد الأناشيد النبوية في المسيح يسوع ربنا له المجد إلى الأبد آمين.

 

نشيد الأناشيد
5:5-7

5- قمت لأفتح
لحبيبي؛ ويدأي تقطران مُرًا، وأصابعي مُر قاطر، على مقبض القفل.

6- فتحت لحبيبي،
لكن حبيبي تحَّول وعبر.  نفسي خرجت على كلمته. طلبته فما وجدته؛ دعوته فما أجابني.

7- وجدني الحرس
الطائف في المدينة. ضربونى جرحونى؛ حفظة الأسوار رفعوا إزاري (برقعى) عنى.

 

الكنيسة سفينة في
بحر كلمة الله

يتوقع الذين يخططون
للسفر في رحلة بحرية إلى الخارج الكثير من الرحلة المنتظرة، ويقدم البحارة صلاة
عند بدء الرحلة ملتمسين من الله رحلة آمنة. ثم تتحرك السفينة إلى عرض البحر تحت
قيادة القبطان. ويطلب البحارة في صلاتهم ريحًا متوسطة السرعة تدفع قلاع السفينة في
الاِتجاه الذي يرغبه قبطان السفينة. لا يسبب البحر أي ضيق عندما تكون الريح في
اِتجاه مناسب والبحر هادئًا والأمواج خفيفة. فتستمر المركب في إنسياب فوق الأمواج،
ويتمنى البحارة ما سوف يجنونه من ثروة طائلة طالما تسير رحلتهم بهدوء قبل أن يظهر
أي خطر.

 أني استعمل هذه
الأمثلة كمقدمة، لأن ما أعنيه واضح لكل مُنتبه لى.

يمثل البحر الشاسع
الاتساع التأمل بعمق في كلمة الله، ونتوقع من هذه الرحلة ثروة كبيرة والكنيسة هي
السفينة الحيّة التي تتوقع غنى قيادة الله المقدسة بكامل قوتها.

 ولكن نص النشيد
يعمل كقائد، ولا يلمس اليد التي تحرك دفة السفينة قبل أن يقدم جميع طاقم السفينة
الصلاة إلى الله حتى نتنسم قوة الروح القدس علينا وتحرك أمواج أفكارنا. بهذه
الطريقة يقود صلاتنا كما يقود القبطان الرحلة البحرية.

بعد ما عبرنا عرض
البحر بالتأمل العميق، يمكن أن نتحرك في غنى المعرفة إذا حلّ الروح القدس من خلال
الصلاة ودفع الشراع للأمام.

 

لنفتح لعريسنا
باصابعنا المملؤه بالمّر (حياة الإماتة)

دعنا نبتدى بكلمات
الوحى الإلهي التي نصها ما يأتي: "قمت لأفتح لحبيبي ويدأي تقطران مرّا
وأصابعى مرّ قاطر على مقبض القفل"
5:5. لا يمكن لكلمة الله الحىّ أن يكون
موجودًا بداخلنا (أعنى أن العريس النقي الغير منظور الذي يُوحّد النفس معه بطهارة
وعدم فساد) إلاّ إذا نزعنا الشرّ من أجسادنا بإماتة أجسامنا على الأرض. وبهذه
الطريقة نفتح الباب لكلمة الله حتى يدخل ويسكن مع أنفسنا. يتضح هذا من تعاليم
الرسول المقدسة. كذلك من كلمات العروس: "قمت لأفتح لحبيبي" بجعل
يدىّ ينابيع المرّ، ومنها تفيض الروائح الزكية العطرة، وتظهر أن أصابعى ممتلئة
بالمرّ.

 وتفتح العروس
طريقًا لعريسها بالكلمات الآتية: "فدفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما أقيم
المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضًا في جدة الحياة" (رو 4:6).

لا تتم فينا معجزة
القيامة من الأموات إلا إذا سبقها موتنا بإرادتنا. ويُرمز لهذا أي الموت
الأرادى، بقطرات المرّ التي تقطر من يدّىْ العروس، أصابعها تمتلئ بهذا العطر
.
وتقول أن المرّ لم يأتِ إلى يديها من أي مصدر آخر. وإذا كان هذا صحيحا يصبح المرّ
شيئًا طارئا. وغير إراديًا، فيقطر المرّ (قدرات نفسها العاملة) من يديها، ويعني
هذا أمانة انفعالاتها الجسدية بإرادتها. لهذا السبب تمتلئ جميع أصابعها بالمرّ.

 

أصابع الفضيلة

يفسر النشيد كل
عمل تقوم به الفضيلة باستعمال كلمة "أصابع". ويمكننا فهم ذلك بالمعنى
الآتي: "لقد اكتسبت قوة القيامة من الأموات بإماتة أعضاء جسدي على الأرض. وقد
أخذت بحرية هذا الالتزام بالإماتة، وكأن المرّ الذي فاض من يدىّ ناتج عن إرادتى
الحرة. لذلك يظهر نفس الاِتجاه باِستمرار في جميع أعمال الفضيلة التي تعرف بأسم
"أصابع".

أما هؤلاء الذين
يمارسون الفضيلة فقد يكون بعضهم ميتًا بالنسبة لأحد الأهواء بينما حيّا بالنسبة
لأهواءٍ أخرى. فنلاحظ أن البعض يميت حياة الافراط (الملذات) بينما لا يزالوا
يمارسون الكبرياء أو اهواء أخرى مدمرة للنفس مثل حب المال والغضب والطمع وحب
الظهور أو شيء آخر من هذا القبيل. فإذا ارتبطت هذه الاهواء الشريرة بالنفس، لايظهر
المرّ في أصابع الشخص، لأن الأماتة والانفصال عن الشر لا تمتد إلى جميع نواحى
حياته.

 تنهض االنفس
وتفتح للعريس، عندما تمتلئ الأصابع بما نطلق عليه المرّ. لذلك يظهر أن القديس
العظيم بولس قد فهم تمامًا قول السيد المسيح: "الحق الحق أقول لكم إن لم تقع
حبة الحنطة في الأرض وتمت فهي تبقى وحدها. ولكن إن ماتت تأتي بثمر كثير"
يوحنا24:12. علّم بولس هذه النظرية للكنيسة، فيتقدم الموت على الحياة، لأن
الحياة لاتدخل إلى الشخص إلا بعد أن يمر في بوابة الموت.

 

لتحيا فينا
الفضيلة وليمت الشر

 

حرية الإرادة:

لطبيعتنا وجهان:
أحدهما شفاف سرِّي وخفيف والآخر سميك ومادي وثقيل. لذلك فحركة كل منهما لها نشاط
معيّن لا يمكن أن يتبادلها مع الوجه الآخر. فالذكاء والنور هما من صفات النشاط
الذي يرتفع إلى أعلا، بينما النشاط المادي ثقيل الوزن يميل إلى أسفل ويتم هناك.
وبما أن طبيعة نوعّىْ النشاط هذه متعارضة ومتضادة في الاتجاة، فإن حركة أحدهما لا
تعمل بكفاءة إلاّ إذا أبطأت الأخرى في حركتها. ولنا قدرتنا على الاختيار الحرّ بين
هذين النشاطين، ويمكن لهذه القدرة تغيير النشاط الضعيف إلى نشاط قوى أوالعكس:
فالإرادة هي التي تضمن انتصار النشاط التي تدعمه. لذلك يمدح الإنجيل (مت45:24)
العبد الأمين الحكيم الذي أقامه سيده على خَدَمِةِ ليعطيهم الطعام في حينه. (ويمثل
العبد، في رأيى إرادتنا الحرة). لقد مُدح لأنه حفظ منزل سيده بتحطيم أعدائه.
ويُعتير تحطيم الأعداء غذاء وصحة لما هو صالح). وعلى جانب الآخر، فإن العبد الشرير
الذي يصادق السكارى، يُدان لأنه يُسئ معاملة خُدّام بيت الله ويضربهم.

تنال الفضيلة ضربة
قوية عندما ينتصر الشر. لذلك ننال الخير إذا تحمسنا لكلمة النبي، وهي، أن نبيد كل
صانعي الشر الموجودين في الأرض، في الصباح الباكر، ونُبعد كل الأفكار الشريرة عن
مدينة الله (المدينة هي النفس) (مز 8:101). فينتعش فينا النشاط الخيّر بعد إزالة
الشرور من نفوسنا. بذلك يمكننا أن نعيش بعد الموت، لأن واحدًا مما بداخلنا يموت،
بينما يعطى كلمة الله الحياة للآخر. كما يقول النبي "أنا أُميت وأُحيي"
(تث39:32). لذلك عاش بولس بعدما مات، وتقوى في الضعف، واِستمر في جهاده وهو
مربوط بالسلاسل، وكانت له ثروة في الفقر وكان غنيًا وهو لا يملك شيئًا،
وكان حاملاً في جسده كل حين إماتة الرب يسوع المسيح (2 كو 10:4).

ولكن دعونا نرجع
إلى مناقشتنا، وهي، أن النفس تقوم وترتفع من خلال الموت. (فإذا لم تمت فإنها تظل
مائتة إلى الأبد وغير قادرة على الحياة. فبالموت تمر النفس إلى الحياة وترفض كل
شيء يُسبب الموت). تؤكد العروس هذه التعاليم لنا: "قمت لأفتح لحبيبي ويداي
تقطران مرّا، وأصابعي مر قاطر على مقبض القفل"
.

 

لم يخلق الإنسان ليموت

يرمز المرّ إلى
الموت؛ كل من يعرف الكتاب المقدس لا يشك في ذلك. كيف إذن يتمكن الموت من أن يقوم؟
أظن أنه يجب أن نبحث عن فهم أوضح لهذا الموضوع. سوف نستجيب لأحسن قدراتنا وندرسه
بترتيب منظم: خلق الله كل شيء بجمال رائع، كما يشهد بذلك سفر التكوين (تك 31:1). وكان
الإنسان بين هذه الأشياء رائع الجمال، وفي الحقيقة زوده الله بجمال يفوق كل
المخلوقات الأخرى. ماذا أروع من صورة الجمال الأبدي؟ فإذا كان شيء رائع الجمال
وكان الإنسان بينها، وخُلق ليكون متفوقًا عليها، فبالتأكيد لم يكن الموت في داخله.
فمن غير الممكن أن يكون الإنسان جميلاً بينما يحمل خاتم الموت الحزين بداخله. غير
أن الإنسان كان على صورة بها الحياة الابدية وشبيها، ذا جمال صادق وجمال عظيم
ومزينًا بهيئة الحياة البهية المنيرة.

 

حياة فردوسية
أبدية

كانت جنة الله
للإنسان، وكانت تعج بالحياة لوفرة ما كان بها من أشجار. وكانت وصايا الله هي قانون
الحياة الذي وعد أن يبقى الإنسان حيّا إلى الأبد. وفي مركز الجنة زُرعت شجرة تفيض
بالحياة: كم هو ضروري أن نفهم ماذا تعني هذه الشجرة التي كانت ثمرتها هي الحياة!
وعلى الجانب الآخر كانت توجد شجرة تُسبب الموتُ وثمرتها تجلب الخير والشر. وكانت
هي الأخرى موجودة في مركز الحنة. ولا يمكن أن تحتل هاتان الشجرتان نفس المكان في
مركز الجنة: فإذا كانت أحداهما في المركز فلابد للأخرى أن تبتعد عنه. فمركز
الدائرة هو النقطة التي تبعد بمسافات متساوية من المحيط. ولما كان للدائرة مركز
واحد فلا يمكن أن يكون لها مركزان يحتلان نفس المكان. فإذا أخذنا نقطة أخرى كمركز
للدائرة مكان المركز الموجود حاليًا فيلزم أن نعمل دائرة أخرى. لذلك فالمركز الأول
لا يصلح أن يكون مركزًا للدائرة الثانية. ولكن يذكر الكتاب أن كلا من الشجرتين
توجدان في مركز الجنة، وأن لكل منهما قوة معارضة للأخرى (تك 9:2،3:3). أعنى أن
إحدى الشجرتين تعطى الحياة بينما ثمرة الأخرى تسبب الموت. يسمى القديس بولس الثمرة
الأخيرة بالخطية، قائلاً: "لأن أجرة الخطية هي الموت" رومية 23:6

الدرس الذي يلزم
أن نتعلمه هنا هو أن الحياة هة في مركز نباتات الله. أما الموت فلم يُزرع ولم يكن
له جذور أو مكان خاص به، نتيجة لعقمة في الحياة لا يشترك في الخير وليس له جدوى أو
ثمرة للأحياء. كانت شجرة الحياة في مركز جميع الأشياء التي زرعها الله، إلا أن
طبيعة الموت هي أنهاء أو توقف الحياة. فشجرة الموت توجد في الجنة، وتُقدم لنا
رمزيًا وتحمل ثمرتها صفات القوة المتعارضة.

يقول النص بوضوح
أن الخير والشر ظهرا في نفس الوقت مُشيرًا إلى طبيعة الخطية. تسبق اللذة في
الحقيقة كل شيء يُعمل من خلال الشر. لأن الخطية لاتوجد إلا وهي مرتبطة باللذة مثل
خطيتى الغضب والشهوة. لأجل هذا تُسمى الثمرة "جميلة" نتيجة للحكم الخاطئ
لهؤلاء الذين يجدون خيرهم في لذتهم. لذلك، نكشف أن الثمرة هي الشر لمرارة طعمها.
وحسب المثل: "لأن شفتيّ المرأة الأجنبية تقطران عسلاً وحنكها أنعم من
الزيت" أمثال3:5. فالعسل الذي يأتي من شفتيّ الشر ويرطب البلعوم لفترة ينقلب
طعمه إلى مرارة بالنسة لهؤلاء الذين يذوقون حلاوته بنوايا شريرة.

 

دخول الموت إلى
الإنسان

 فصل الإنسان نفسه
بعيدًا عن ثمار الأعمال الطيبة وامتلأ بالثمار المهلكة من خلال العصيان (اسم هذه
الثمار هو الخطية التي تؤدى إلى الموت). ثم مات الإنسان مباشرة عن الحياة الطيبة،
لأنه استبدل الحياة المقدسة بأخرى حيوانية دون تعقل. وعندما اختلط الموت بالطبيعة
البشرية، انتقل بالوراثة إلى الأجيال المتعاقبة من الأبناء. لذلك أصبحت حياتنا
موتًا، لأنه على أية حال، ماتت حياتنا في الحقيقة لأنها أصبحت محروقة من الأبدية.
ولكن الشخص الذي يعلم أنه بين نوعين من الحياة يتمكن من أن يعبر من الحياة المائتة
إلى الحياة الأبدية. ويمكنه أن يعمل هذا بواسطة إزاحة الأولى الرديئة، وهكذا يعطى
انتصارًا للثانية. لذلك استبدل الإنسان بواسطة الموت الحياة الحقيقية وإختار لنفسه
الحياة المائتة. ولكنه إذا يموت أي يتنكر لهذه الحياة المائتة الحيوانية فإنه
يتمكن من العبور إلى الحياة الأبدية. وبدون شك لا يمكن لأي شخص أن يدخل حياة
النعمة إلاّ إذا مات عن الخطية. ويفسر النص في سفر التكوين هذه الفكرة قائلاً
كان هناك شجرتان عند مركز الجنة، واحدة منها موجودة بالطبيعة، والأخرى تلتها بعد
فترة ومعها أمر بالمنع. يحدث تبادل الحياة والموت من خلال المشاركة أو عدمها
بالنسبة إلى نفس الشيء.
ويمكن تفسير ذلك كالآتي: الذي يعمل الشر يُعتبر ميتا
بالنسبة للحياة الطيبة. أما الذي يعيش في الفضيلة ويعمل الخير فإنه يموت بالنسبة
للشر لذلك تظهر يدَّىْ العروس ملأي بالمرّ، وبموتها عن كل الخطايا تقوم لتقيم
مدخلاً للكلمة.
والكلمة الذي يدخلها هو الحياة.

 

الحياة تحرك مستمر

ترتفع النفس التي
تنظر إلى الله إلى سمو الأعالى كما لاحظنا من قبل. أنها لا تعرف كما يجب، حسب قول
بولس (1 كو 2:8)، ولاتُدَّعى أنها قد فهمت، ولكنها تسعى إلى ما هو أعلا متقدمة إلى
الأمام إلى ما هو قدام (في 13:3).

يُقدم النشيد
كلمات العروس: "على مقبض القفل فتحت لحبيبي" ثم أضافت "لكن
حبيبي تحول وعبر، نفسي خرجت على كلمته
" 5:5-6. تُعلمنا العروس هنا أن
الطريق الوحيد لفهم هذه القوة التي تفوق كل عقل أنها لا تبقى أبدًا في صورة
جامدة، ولكن ترتفع عظمتها باِستمرار ولاتتوقف
. وتُسمى العروس كلمة
"أصابع" لكي ترمز بها إلى موت الشر في كل عمل من أعمال الحياة، وذلك
لأنها كانت ممتلئة بالمرّ. كما أنها أظهرت اقتناعها الحر بالفضيلة بيديها اللتين
كانتا تقطران مرّا. وقالت أن يديّها لمستا قفل الباب، أي أن عملها الطيب أقترب من
المدخل الضيق، الذي أعطى كلمة الله مفاتيحه لبطرس (مت19:16). لذلك تمكنت العروس
من فتح باب الملكوت: بيديها اللتان تعملان الأعمال الطيبة بواسطة مفاتيح الإيمان.
لأنه بواسطة الأعمال والإيمان يُهئ كلمة الله مفاتيح الملكوت فينا.

عندما تمنت العروس
مثل موسى، أن يُظهر لها وجه الله (خر13:33-22) اختفي منها ذاك الذي أرادت أن تراه.
فتقول "حبيبي تحول وعبر"، فعل هذا ليس ليرفض رغبة نفسها وإنما
لكي يجذبها نحوه. أنها لبركة عظيمة أن تخرج لتلقى حبيبها حسب كلمته. "معونتى
من عند الرب صانع السماوات والأرض. لايدع رجلك تزل. لاينعس حافظك" مز
2:212-3. يحرس الله ذهاب وإياب هؤلاء المستحقين، ويصبح خروجنا من حالتنا
الراهنة هو دخولنا إلى الخير الذي لاينطق به.
وتخرج النفس التي تتبع كلمة الله
الذي يقول: "أنا هو الباب، إن دخل بي أحد فيخلص ويدخل ويخرج ويجد مرعى"
يوحنا9:10. لم تتوقف أبدًا العروس عن الدخول والخروج وكانت تهدأ فقط بالتقدم
نحو الذي يرشدها إلى الأمام وتسمو فكرتها عنه كلما عرفت عنه المزيد
.

 عبر وجه الله عن
موسى بطريقة مشابهة، لذلك كانت نفس من أعطى الشريعة تتقدم في معرفة الله كلما
تبعته سائرةً وراءه أثناء ارشاده.

 من لا يعرف خطوات
التقدم التي خطاها موسى أثناء خدمته؟ ارتفع موسى باِستمرار إلى السمو، ولم يبق
جامدًا أثناء نموه. كانت خطوة موسى الأولى صحيحة عندما وضع عار المسيح أفضل من
مملكة مصر، وفضَّل أن يشارك آلام ومعاناة شعب الله بدلاً من الأستمتاع بلذَّه
الخطية المؤقت.

زاد غضب موسى
عندما حارب المصريون اليهود، فقتل أحد الغرباء، وكافح من أجل الإسرائيليين.

يمكن أن نفهم بحق
خطوات النمو هذه إذا اِعتبرنا هذه الأمثلة رمزية.

 نضج موسى أثناء
حياته الهادئة أثناء الصحراء، وامتلأ نورًا بما رآه في نار العليقة: ثم خلع حذاءه
المصنوع من جلد حيوان ميت، والتهمت عصاه ثعابين المصريين، وخلص شعبه من الفرعون
المستبد، واقتاده عمود السحاب، وشق البحر، واغرق جيش المستبد، وحوّل الماء
المُرعذبًا، وضرب الصخرة ففاض منها الماء، وكان مُزودًا بغذاء ملائكي، وسمع
الأبواق، وصعد موسى الجبل المشتعل، ولمس قمته، ودخل في السحاب وتحرك إلى وسط
السحاب حيث كان الله، وتسلم الوصايا، وأصبح يلمع كالشمس يصعب الاقتراب منه.

 حقًا من يستطيع
أن يحصر كل خطوات موسى التي ارتفع بها إلى أعلا أو يُحصى عواطفه الدينية؟!

كان يرغب
باِستمرار في الارتفاع بالرغم من عظمة وسمو مكانتة في الفضيلة وتجاربه العديدة في
لقاءاته مع الله. توسل إلى الله أن يراه وجها لوجه، ولو أن الكتاب يذكر أن الله
سمح لموسى أن يكلمة وجها لوجه. لم يكتف موسى بالعلاقة الحميمة والكلام مع الله
كصديق، لم فإنه يتوقف عن طلب المزيد
: "إذا كنت قد وجدت نعمة أمامك، أرنى
وجهك بوضوح". والذي وعد أن يمنح الطلب، أجاب: "فقال الرب لموسى هذا
الأمر أيضًا الذي تكلمت عنه أفعله، لأنك وجدت نعمة في عينى وعرفتك باسمك"
خروج17:33. اجتاز الرب بالقرب من موسى على المكان المقدس في الصخرة ورفع يده ولكن
موسى رأي فقط خلف الله بصعوبة بعدما اجتاز.

يتضح لنا من ذلك
أن الشخص الذي يرغب في رؤية الله يتمكن نت التأمل فيه بأن يتبعه باِستمرار فالتأمل
بعمق في وجه الله يؤدي إلى رحلة لاتنتهي بالسير وراء الكلمة. وعندما تقوم النفس من
الموت وتمتلئ بالمرّ تضع يدها على قفل الباب بواسطة العمل الصالح وبالرجاء للواحد
المرغوب أن يدخل. ثم يمر العريس وتخرج العروس، فهي لاتبقى في نفس المكان الذي كانت
فيه ولكنها تلمس كلمة الله الذي يقودها إلى الأمام.

 

لنخرج من طبيعتنا
فنتعرف عليه

تؤكد الكلمات التي
تلى ذلك ما فهمناه من الفقرة السابقة: لا يمكننا أن نفهم عظمة طبيعة الله ولكن
يلزم أن نمر بكل التخيّلات. "خرجت" النفس عن طبيعتها حتى لا تمنع ما لها
من عادات معرفة الحقيقة الغير منظورة، وأيضًا لا تتوقف في البحث عن الذي لا تجده،
ولا تتوقف عن القول أن الطبيعة الإلهية لا يمكن التعبير عنها.

تقول العروس:
"طلبته فما وجدته"6:5. كيف يمكن أن نجد العريس بينما لا يكشف أي
شيء عن نفسه؟ ليس له لون، هيئة، نوعية، كمية، مكان، مظهر، شاهد، أو شبيه بل أي شيء
يكشفه يعلو على حدود فهمنا ويختفي من بحثنا. لذلك تقول العروس: "بحثت عنه
بقدرات نفسي على التخيل والفهم،

ولكنه يعلو عليها
جميعًا ويبتعد عن تفكيرى عندما يقترب منه".

كيف نُعّرف ذاك
الذي يعلو دائمًا على أي شيء له اسم؟ لهذا السبب تفهم العروس المعنى المُراد من كل
اسم كعلاقة للخير الغير مُدرك. إن معنى كل كلمة لا يؤدي كل الغرض المقصود، بل يوضح
شيئًا أقل من الحق. لذلك تقول العروس: لقد ناديت بأقصى قدرتي، بهذه الأسماء التي
تُشير إلى النعمة المتناهية في العظمة والتي لا يمكن التعبير عنها، وذلك لأن
العريس أظهر نفسه أعظم من أي اسم. ومثال ذلك عندما كان داود ينادى الله أحيانا
بعدد كبير من الأسماء وأشار إلى أنها أقل كثيرًا من مستوى الحق:
"أما أنت
يارب فإله رحيم ورءوف طويل الروح كثير الرحمة والحق، صخرتى وحصنى ومنقذى، به أحتمى
ترسى وقرن خلاصي وملجأي" مز 15:86،2:18-3. ثم يعترف داود أن اسم الله لايُعرف
في كل الأرض وبالرغم من ذلك يُنظر إليه بتعجب وتبجيل "إيها الرب ربنا ما أمجد
اسمك في كل الأرض" مز 1:8.

 تكلم الله أيضًا
إلى منوح الذي تنبأ عن ابنه. وعندما سأل عن اسم الله، أجاب منسى وقال أنه أعجب
وأعظم من أن تحتويه الأذن البشرية (قضاه18:13). لذلك تنادى النفس الكلمة باقصى
قدرتها، لكنها لاتقدر أن تعمل كما ترغب، لأن النفس تشتاق أكثر من قدرتها. لا ترغب
النفس في ما هو غير قادرة على اِستقباله، مثل الله نفسه،

ولكن اختيارها
يتمشى مع رغبتها في. ولما كان ذاك الذي نُودى عليه الله غير ممكن الحصول عليه،
فلذلك تقول العروس: "طلبته فما وجدته دعوته فما أجابنى".

تكلمت العروس
وكأنها تُشير إلى ضيقتها، ولكن يظهر لي أنه يلزم فحص كلماتها التي تحوى صعودها إلى
مستوى أكثر ارتفاعًا. "وجدني الحرس الطائف في المدينة، ضربونى جرحونى،
حفظة الأسوار رفعوا إزارى عنى"
7:5.

 تظهر هذه كأنها
كلمات الألم وليس الفرح، وبالأخص عندما تقول "جرحونى حفظة الأسوار، رفعوا
إزارى (برقعى) عنى"
. وإذا فحصنا مع أني هذه الكلمات بدقة، يظهر أن العروس
تفخر بمن تجده أعظم جمالاً. لذلك يمكن توضيح كلامها كالآتي: يشهد النشيد أن العروس
قد تطهرت من كل ثوب عندما قالت: "قد خلعت ثوبى فكيف ألبسه قد غسلت رجلىّ
فكيف أوسخهما؟!"
3:5. والآن يقول النشيد أن برقعها رفُع عنها. وبرقع
العروس هو غطاء للرأس والوجه كما في قصة رفقة (تك 65:24). كيف يكون للعروس التي
خلعت ثوبها، حجابًا ينزعه عنها حفظة الأسوار؟ ألا يتضح من هذه الكلمات أن العروس
قد تقدمت إلى مستوى أعلى؟ فبعد أن خلعت جلدها القديم وكل غطاء أصبحت أنقي من
المرحلة السابقة. لايفهم أن العروس قد أزالت ما تغطى به جسمها، لأنه حتى بعد ما
خلعت ثوبها وبرقعها وجدت أنها لا بد أن تنزع شيئًا آخر.

لذلك يوضح
الارتفاع إلى الله أنه يوجد دائمًا شيئًا غيرمناسب في العروس. وبالمقارنة بنقاء
العروس في المرحلة الحاضرة فإن هذا الجلد المنزوع يصبح ثوبًا لابد أن يُخلع بواسطة
من يجدون العروس وهم الحّراس الذين يجوبون المدينة (أي روح المدينة). فهؤلاء الذين
يحرسون الأسوار نزعوا برقع العروس بعد أن ضربوها وجرحوها. توجد فائدة لنزع برقع
العروس: فعيونها أصبحت حرة بلا نقاب وتتمكن من النظر بدقة لترى محبوبها. ويشير نزع
برقع بلاشك إلى عمل الروح القدس حسب كلام الرسول: "ولكن عندما يرجع إلى الرب
يُرفع البرقع. وأما الرب فهو الروح وحيث روح الرب هناك حرّية" (2 كو 16:3،
17).

لا يشك أي شخص قد
اعتاد على التفكير المنطقي، في أنّ ما يُنتج الخير لابد أن يكون هو نفسه خيرًا:
فإذا كان نزع البرقع عملاً خيّرا، كذلك يكون الضرب وما نتج عنه من جروح عملاً
خيّرًا. ولكن يتضح من المعنى الظاهرى للنص أن الحادثة مؤلمة. لذلك فمن المفيد أن
نبحث عن فائدة هذه الكلمات في الكتاب المقدس، أي، إذا كان لها هدف طيب.

 

ضربات شافية

كيف تنقذ الحكمة
نفس الشاب من الموت؟ بماذا تنصحه الحكمة أن يعمل حتى لا يموت؟ دعونا نفحص كلام
العروس، "إن ضربته بعصا لا يموت" أمثال 13:23. لأنك أن ضربته بعصا فإنك
تنقذ نفسه من الموت. يقول النص في النشيد "ضربونى"، ويشير ذلك إلى
البقاء حيًا في ضوء: "إن ضربته بعصا لايموت" ما لم يُضرب الشاب بعصا فإن
نفسه لا تنجو من الموت. ويقول النبي إن الله يُحقق نفس النتائج عندما يُحيى بالقتل
ويشفي بالضرب: "أنا أميت وأُحيى. سحقت و أني أشفي وليس من يدى مُخلص"
تثنية39:32. ولذلك قال داود العظيم إن هذه العصا لاتسبب جروح بل راحة. "عصاك
وعكازك هما يعزياننى" مز 4:23. بهذه الأعمال تُجهز المائدة المقدسة بكل
التفاصيل الأخرى التي يذكرها (مز 23:5) زيت على الرأس وكأس خمر غير مخلوط الذي من
يشربه يكون مُنتشيًا وواعيا في نفس الوقت، والرحمة التي تتبعه وحياة طويلة في بيت
الرب. فإذا حَوَت هذه الضربة الطيبة هذه العناصر التي تكلم عنها النبي والأمثال
فإنه من المفيد أن نضرب بهذه العصا التي ينتج عنها الوفير من الخير العميم.

 

من هم الحراس؟

دعونا الآن نراجع
بعض الفقرات السابقة في النص التي لم نتكلم عنها مَرّ الكلمة على عروسه، ولكنها لم
تعرف حبيبها. أنه لم يمر عليها ومكن يجرى إلى الأمام ويهجر عروسه، ولكنه أراد أن
يجذبها لنفسه. وقالت العروس: "نفسي خرجت على كلمته". أي أن نفسها
خرجت من المكان الذي كانت فيه حيث وجدها حراس المدينة: "وجدني الحرس
الطائف في المدينة، ضربوني جرحوني، حفظة الأسوار دفعوا برقعي عنى"
. إذا
لاقت العروس أية آلام خاصة للاجحيم أو بلص لكانت هذه خبرة مريرة لها ("السارق
لا يأتي إلاّ ليسرق ويذبح ويهلك" يوحنا10:10 ولكن أن يجدها حراس المدينة فهذه
في الحقيقة نعمة، لأن ما يجدونه لا يمكن أن يسرقه اللصوص. من هم هؤلاء الحراس؟
إنهم ليسوا إلاّ حراس إسرائيل (مز 4:121)، هؤلاء هم حراسنا على اليمين، وهم الذين
نعتقد إنهم يحفظون نفوسنا من الشر ويحرسون دخولنا وخروجنا. الله هو حارس المدينة
ويقول عنه المز: "إن لم يحفظ الرب المدينة فباطلاً يسهر الحارس" مز
1:127. هؤلاء الذين يشير إليهم النص كحراس للمدينة هم "الأرواح الخادمة
المرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص" (عب 14:1).

يقول النص إن
النفس هي مسكن الله. هنا يجد الله النفس الضالة كما يعثر الراعي الصالح على الخروف
الضائع، فتتحرك جموع الملائكة لتحتفل بهذه المناسبة كما يقول السيد المسيح. ويشبه
ذلك الدرهم الضائع الذي وجد بعد أن أوقدت صاحبته سراجًا، ففرح الأصدقاء والجيران
(لو9:15). وأيضًا وُجد خادم الله داود كما قال المز: "وجدت داود عبدي، بدهن
قدسي مسحته" مز 20:89. فأصبح داود ملكا لمن وجده كما يتضح من الآتي:
"الذي تثبت يدي معه. أيضًا ذراعي تشدده. لا يرغمه عدو وابن الإثم لا يذله.
وأسحق أعداءه أمام وجهه وأضرب مبغضيه" (مز 21:89-23). توجد عناصر أخرى تُضمن
في هذه الفقرة من التمجيد.

 

ضربات الروح
الشافية

لذلك، فإنه من
الخير أن تجد الملائكة التي تجوب المدينة النفس. يشرح داود هذا بقوله: "ملاك
الرب حال حول خائفيه وينجيهم" (مز 7:34). تفتخر العروس عندما تقول:
"ضربني الحراس" إذ تشيد بتقدمها إلى الأمام وإلى أعلى. وإذا قالت هذا
عندما جُرحت، فيعني أن العصا المقدسة قد اخترقتها إلى الأعماق. لم تستقبل العروس
العصا الروحية على سطح جسمها مكان الضرب ولكنها سببت جرحًا تفتخر به العروس. ومن
هذه النتيجة تتضح أهمية النص. إن العصا المقدسة أو الروح القدس هو المؤدب
المُعزى الذي تؤدى ضرباته إلى التئام الجروح وثماره تتكون من الخير الذي يسجله
بولس المثابر القوى ومعلم الحياة الفضلى.
وظهرت على بولس آثار الضربات
والجروح، ولكنه فرح بهذه الجروح قائلاً: "لأني حامل في جسدي سمات الرب
يسوع" غلاطية17:6. وأظهر بولس ضعفًا من شوكة في الجسد بواسطة الشيطان، فتضرع
إلى الرب لكي يفارقه، فقال له "تكفيك نعمت لأن قوتى في الضعف تكمل".
ففرح بولس بالضعف لكي تحل عليه قوّة المسيح (2 كو 9:12). توضح هذه الكلمات الجرح
الجميل الذي نزع برقع العروس وهكذا كشف جمال النفس الذي كان يخفيه الغطاء.

دعونا نسترجع معنى
النص، فالنفس التي تتطلع إلى الله وتمتلئ بالرغبة في الجمال الخالى من الغش تتجدد
فيها رغبة أخرى للعالى الذي لاحدود له ولا تشبع هذه الرغبة أبدًا. فلا تتوقف مثل
هذه النفس عن الأمتداد إلى ما هو أمامها. يظهر أي شيء عظيم وعجيب كأنه تافه
بالمقارنة بما يأتي بعده، لأن ما وجدته العروس اِتضح أنه أكثر جمالاً مما اكتشفته
من قبل. لذلك كان بولس يموت كل يوم، لأنه في كل مرة كان يأخذ حياة جديدة، أي ميتا
بالنسبة للماضى وناسيًا كل الأشياء الماضية 1 كو 13:15.

لم تجد العروس
راحة في تقدمها في اِتجاه الكمال أثناء سعيها نحو عريسها. فقد عملت "حديقة
تفاح" برائحة طيبة تفوح من فمها، وجهزت طعامًا لسيد الخليقة من ثمرها الخاص،
وروّت حدائقها وأصبحت ينبوع ماء حي، وأظهرت نفسها جميلة بالكمال وبعيدة عن اللوم
حسب النص. وباِستمرار تقدمها، اكتشفت العروس شيئًا أكثر عظمة وجلالا: فأثناء قيادة
الكلمة لها، امتلأ رأسها بالندى، وقطرات الليل في خصلات شعرها. وغسلت أقدامها،
وأزالت جلد الحيوان الميت، ونزلت قطرات المرّ من يديها. ثم وضعت يدها على قفل
الباب، وفتحت الباب، وبحثت عن الذي لا يمكن احتوائه، ونادت على الذي لا يمكن
الحصول عليه. ووجد حراس المدينة العروس، واِستقبلت ضربة من العصا وقلدت الصخرة
التي يتكلم عنها النبي: "هوذا ضرب الصخرة فجرت المياه وفاضت الأودية" مز
20:78. لاحظ المستوى الذي وصلت إليه العروس في الارتفاع. لذلك اِستقبلت العروس
ضربة تشبه ضربة موسى للصخرة حتى يفيض منها وتروى هؤلاء العطشى إلى كلمة الله (خر
6:17). بعد ذلك كشف الحراس جمال وجهها برفع إزارها. هذا هو المعنى الرمزي.
غير
أنه ليس هناك سبب للغيرة من أي شخص يستطيع أن يقدم تفسيرًا أفضل للنص من الذي يكشف
الأسرار المخفية.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ج جِنْثُون ن

 

رؤية إشعياء ونشيد
الأناشيد

قد يرى أي شخص
العلاقة بين رؤية إشعياء (إش 1:6) ونشيد الأناشيد.

 أني أتكلم عن
رؤية إشعياء بعد ما مات الملك من مرض البرص. رأي إشعياء شخصا يجلس في بهاء على
ربوه عالية، على عرش مرتفع إلا أنه لم يتمكن من التحقق من شكله وعظمته. (لقد كان
يمكن لإشعياء أن يتكلم عن هذا إذا كان في إمكانه، كما وصف بالتفصيل أشياء أخرى مثل
عدد أجنحة السيرافيم ومواصفاتها وحركتها). لكنة تكلم فقط غن الصوت الذي سمعه
والعتبات العليا للأبواب التي ارتفعت نتيجة لتسابيح السيرافيم وأمتلأ البيت
بالدخان. ولمس أحد السيرافيم فمه بقطعة جمر متقدة، فطهرت وشفتيه واِستقبلت أذناه
كلمة الله. يشبه ذلك قول العروس أنها ضُربت وجرحت بواسطة حراس المدينة وأُزيح
برقعها. وبدلاً من إزاحة البرقع أزيحت العتبات العليا حتى لا تعترض رؤية وفهم
إشعياء، وذكر السرافيم بدلاً من الحرس، والعصا بدلاً من قطعة الفحم والحرارة المحرقة
بدلاً من الضربة. ويوجد هدف واحد لكل من العروس وإشعياء وهو التطهير والتنقية. لم
يتضرر النبي من قطعة الجمر المتقدة ولكنه أضاء وازداد بركة، كذلك العروس لم
تُظهر تألمها من ضربة الحراس ولكنها كانت تفتخر بحريتها بعد إزاحة برقعها. ويسمى
النشيد هذا البرقع الثوب الخفيف.

 

إزالة برقع خيبة
الأمل

يوجد تفسير آخر
لهذه الفقرة ينسجم مع ما سقناه في السابق. فبعد ما خرجت النفس حسب كلمة العريس،
بحثت عنه ولكنها لم تجده. ونادت عليه وهو الذي لا يمكن أن يحتويه أي اسم. وأعلمها
الحراس أنها تحب من لا يمكن الحصول عليه وذهبت وراء من لا يمكن الأمساك به.
فضربوها وجرحوها وضايقوها. وزاد ضيقها لأن رغبتها في محبوبها وشوقها لرؤية جماله
لم تتحقق. ولكن إزاحة برقعها (خيبة الأمل) أوضح للعروس أن الاشباع الحقيقي لرغبتها
هو في اِستمرار تقدمها في البحث والارتفاع: وكلما تحققت رغبتها، تحفزها لتوليد رغبة
أعلى نحو السمو الغير محدود والغير مُدرك. لذلك أُزيح برقع خيبة الأمل، وسوف ترى
العروس جمال حبيبها الغير مُدرك خلال الأبدية كلها. وازدادت حرارة شوقها وأخبرت
بنات أورشليم بخروج قلبها لأنها اِستقبلت سهم الله المختار بداخلها. فقد ضرب طرف
سهم الإيمان قلبها وماتت بجرح سهم الحب. يقول يوحنا:"الله محبة"
يوحنا8:4، له العظمة والقوة إلى الأبد آمين.

 

لماذا القسم هنا؟

رتب الله الأسرار
في الشريعة خلال موسى، وأكمل كل الناموس والأنبياء بنفسه. كما يقول: "لا
تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الآنبياء، ما جئت لأنقض بل لأكمل" مت17:5.
فحّرم القتل بالنهي عن الغضب، وحّرم خطية الزنى بإبعاد الشهوة. وأزال لعنة الحنث
في القسم: "أيضًا سمعتم أنه قيل للقدماء لاِتحنث بل أوف للرب أقسامك، وأما
أنا فأقول لكم لا تحلفوا البتة. لا بالسماء لأنها كرسى الله. ولا بالأرض لأنها
موطئ قدميه، ولا بأورشليم لأنها مدينة الملك العظيم. ولا تحلف برأسك لأنك لا تقدر
أن تجعل شعرة واحدة بيضاء أو سوداء. بل ليكن كلامكم نعم نعم لا لا. ومازاد على ذلك
فهو من الشرير" متى 33:5-37.

تشهد النفس للكمال
في نشيد الأناشيد، فقد أُزيل غطاء رأسها بنزع الجلد القديم وإزاحة البرقع عن وجهها،
الذي يشير إلى التفكير المتردد أو المتشكك. بذلك تتمكن النفس من الاِتجاه مباشرة
وباستقامة إلى الحق. تحَّلف العروس بنات أورشليم لا باسم عرش الله ولا بأسماء ملوك
الله الذين يحملون اسم أورشليم، ولا بشرف رأس أي شخص التي تحمل الشعر الذي لا
تتمكن من تحويل لونه إلى أبيض أو أسود، بل تنقل العروس قسمها إلى
"الحقل" طالبة من وصيفاتها أن يقسمن "بقوته" "أحلفكن
يا بنات أورشليم بالقوات وفضائل الحقل
"8:5. تقول العروس أنها جميلة
بالتمام ونظيفة من كل عيب وأنها لا تتكلم في غير المفيد، لأن ذلك يكون من الشيطان
– ولكن تتبع مثال ميخا (زكريا17:9)، فتتكلم العروس كلمة الله. فإذا كان أمر الله
الذي أشير إليه سابقًا ذا قيمة كبيرة، يكون لقسم العروس في النشيد أهمية كبيرة.
لأنها خالية من أي ارتباط أو موانع للقسم، كما أنها لم تسمح لوصيفاتها أن يقسمن
بأسم المدينة الملكية أو بعرش الملك العظيم. (نتعلم هنا أن نمتنع عن التسرع في
القسم الذي نعمله لله لأنه ليس في إمكاننا أن نضمن عرش أو مدينة في القسم).

يُحفظ شرف الرأس –
الذي يوصف فيما بعد أنه يتكوّن من ذهب – والذي لايتحول الشعر فيه إلى أبيض أو أسود
(كيف يصير الذهب أسوّد وكيف يتحول إلى اللون الأبيض؟) قدمت العروس هذا القسم
للعذارى، الأمر الذي لم تمنعه الشريعة بل يجعله فرصة للمديح كما يقول النبي:
"أما الملك فيفرح بالله ويفتخر كل من يحلف به" مز 11:63. وحتى يكون معنى
هذه الكلمات في حدود كلمت "نعم" و"لا" اللتين يحددهما الإنجيل
لكي يؤكد الحق، يقول: "بل ليكن كلامكم نعم "مت 37:5. لذلك فإذا كان هناك
منعًا لأن نقسم بعرش الملك أو مدينة حكمة أو بالرأس الحقيقية فإن كلمت نعم ولا،
هما وحدهما المسموح بهما، ومن خلالهما يمكن رؤية الحق في كلمة "نعم"،
واضح أن القسم الذي أمرت به العروس وصيفاتها يحتوي معنى كلمة "نعم" عندما
يكون من الضروري أن نؤكد ارتفاع نفوسنا: "أحلفكن يابنات أورشليم بالقوة
وفضائل الحقل
":إذا وجدتن حبيبي، ماذا تخبرنه؟ " أني مريضة
حبًا".

لقد فسرنا هذه
الكلمات حسب ما يشير إليه تتابع الأفكار. وسنلخص الآن المعنى المُتضمن في النص. يقول
الرسول أن القسم الذي يؤكد الحق لا يمكن تغييره، أنه يضع حدًا لكل خلاف لأنه يحسم
الأمور.
"فإن الناس يقسمون بالأعظم ونهاية كل خلاف عندهم لأجل التثبيت هي
القسم" (عبرانيين16:6). لذلك أمرت العروس وصيفاتها بقسم حتى يحفظه بدقة.
ولذلك لكي أن يؤكد بصورة قاطعة لوارثى وعده، أن قراره لايتغير أبدًا وذلك بالقسم.
فاستنادا إلى وعد الله وقسمه، وهما أمران ثابتان لا يتغيَّران ويستحيل أن يكذب
الله فيها، نحصل على تشجيع قوى، بعدما التجأنا إلى التمسك بالرجاء الموضوع أمامنا
(عبرانيين17:6-18). (لايقول احد قسمًا ما أقل من مستواه وشرفه). ويلزم الآن أن نفحص
علوّ القسم الذي فرضته العروس على الوصيفات.

 قالت العروس: "أحلفكن
يا بنات أورشليم بالقوات وفضائل الحقل"
ماذا تعني لنا هذه الكلمات عندما
تحفزنا؟ نحن نفهم بالتأكيد أن كلمة الحقل ترمز إلى العالم كما يشرحها السيد المسيح
(مت38:13). ماهي إذن "قوى"و"فضائل" العالم الكثيرة التي يُشير
إليها القسم؟ يجب أن نفهم أن هذه القوى والفضائل أعلى من أنفسنا حتى يمكن للقسم أن
يؤكدنا في الحق لهذه القوى والفضائل العظمى. لذلك يلزم أن نقدم تفسيرًا آخر
للكلمات من أجل توضيحها: "أحلفكن يابنات أورشليم بالظباء وذكور الغزلان
الحمراء في الحقول"
8:5. تعلمنا هذه الكلمات قوة العالم التي تؤكد صدق
القسم.

يتحد الإنسان
بالله بطريقتين:

1- أن لا يعتقد في
أفكار خاطئة عن الحق مثل المعتقدات الغير صائبة كمعتقدات عأبدي الأصنام والهرطقة.
في الحقيقة هذه هي "نعم".

2- يلزم أن يكون
للشخص عقل نقي يرفض كل اهواء النفس. لاتعارض بين هذه وكلمة "نعم"..

عندما نتمسك
بالفكرتين السابقتين، نتمكن من التفكير بعمق في الكائن بحق وأن نبعد كل الأهواء
التي تضر نفوسنا. ترمز الظباء وذكور الغزلان الحمر إلى "القوة". فالذي
يختبر هذه الرموز بصدق يمتلك قوة هذه الحيوانات البرية المستهلكة والمخربة. توصى
العروس وصيفاتها بهذه الكلمات "نعم": فيلزم أن ينظرن بإيمان نحو الله
ويجعلن حياتهن خالية من الأهواء. وعندما يتحقق هذا تتأكد فينا كلمة
"نعم" التي لا يمكن تغيرها. هذا هو القسم الذي يقوى الحق في الإيمان
ويُمجد كل واحد يتمسك به، كما يقول النبي (مز 12:63). عندما ينظر الشخص بثبات إلى
الحق ويعيش فيه بعد أن يغسل نفسه من كل تلوث بالشر، فإنه يبني تأكيد الإيمان
بداخله. هذا الشخص الذي يحلف قسمًا لله، (مز 3:132، 4) لن يدخل بيت سكناه، ولن
يعلو فراشه، ولن يعطى عينيه نومًا، ولا أجفانه نعاسًا، حتى يبني بيتًا لتابوت الرب
ومسكنًا لإله يعقوب القدير.

دعونا نستمع إلى
تعاليم العروس ونرى ماذا ترغب، إذا كنا أيضًا أبناء أورشليم السمائية. ماذا تقول
العروس؟ إذا وضعنا أنفسنا تحت القسم إلى "قوى" ذكور الغزلان الصافية
العيون وإلى "الفضائل" ذكور الغزلان الحمراء التي تحطم الشر، فإننا
نتمكن من رؤية العريس النقي وضارب سهام الحب.
وستقول كل نفس له " أني
مريضة حبًا"

 

جروح الحب

 جروح الحب جميلة،
كما نتعلم من الأمثال: "أمينة هي جروح المحب وغاشة هي قبلات العدو"
أمثال6:27. من هو الصديق الذي يسبب جروحا أفضل من قبلات العدوّ؟ تتضح الأجابة لكل
من يعرف أسرار الخلاص. لأن الصديق الحقيقي الدائم لايتوقف حبه لنا حتى ولوكنا
أعداءه، أما العدو فهو متوحش وغير أمين. لأنه يسبب لنا الموت بالرغم من أننا لم
نؤذِه. أصاب الجرح الإنسان الأول نتيجة عصيانه الوصية التي تأمر بالبعد عن الشر
(ويعتبر هذا الجرح انفصالاً عن ما هو طيب) بينما القبلة هي أمر لما هو ممتع وجميل.
ولكن توضح التجارب أن جراح الصديق تُعتبر شرفًا وتقدر أكثر من قبلة العدو. لذلك
أثبت الله لنا محبته، إذ ونحن بعد خطاه مات المسيح عنا رومية 8:5. التهبت العروس
بالحب واظهرت أن سهم الحب يوجد عميقًا بداخل قلبها، وهذا يمَّثل الشركة مع الله
لأن الله محبة (1 يوحنا8:4)، تنفذ إلى داخل القلب بواسطة شوكة الإيمان، فنقول مع
بولس: " الإيمان العامل بالمحبة" غلاطية6:5.

 

ما حبيبك من جيب؟

لندع القارئ يفهم
النص قدرما يستطيع بينما ندرس موضوع العذارى مع مُدرّستهن: "ما حبيبك من
حبيب أيتها الجميلة بين النساء؟ ما حبيبك من حبيب حتى تحلفينا هكذا"
9:5.
تشبه هذه الآية ما فسرناه سابقًا. رأت العذارى ما أثار اندهاشهن من نفس العروس
عندما خاطبت الكلمة قائلة: " نفسي خرجت على كلمته. " لقد عرفن أنه بعد
ما خرجت العروس، بحثت عن الذي لا يمكن تمييزه بأية علامة ونادت بصوت عال على من لا
يمكن تلقيبه بأي اسم. لذلك قالت العذارى كيف نعرفه الذي لا يمكن مناداته بأي اسم؟
أنه لا يجيب عندما ننادى، ولانجده عندما نبحث عنه. انزعى البراقع من على عيوننا
كما فعل معك حراس المدينة، حتى نتمكن من معرفة أين نبحث عنه. احكي لنا عن حبيبك
وطبيعته. أوصفي لنا، أيتها الجميلة بين النساء، الطريقة لمعرفته. أشيرى لنا على
الواحد الذي تبحثين عنه، واذكرى لنا ما هي العلامات التي يمكن بواسطتها معرفة هذا
الحبيب الغير مرئى، حتى معرفته بواسطة سهم الحب الذي جرح قلبك وزاد من رغبتك له من
خلال الألم العذب.

 

انه الخالق
المتجسد!

دعونا نعيد هذه
الآية حتى نستفيد مما سقناه ونجعله يتمشى مع كلمات الوصيفات: "ما حبيبك من
حبيب، أيتها الجميلة بين النساء؟ ما حبيبك من حبيب حتى تحلفينا هكذا؟
"

دعينا نستمع
بانتباه بعدما رُفعت براقعنا ونلتفت إلى الحق بعيون نفوسنا.

 كيف تصف العروس
لوصيفاتها ذاك الذي تبحث عنه؟

كيف تصف العروس في
كلمات هيئة من ترغبه؟

 كيف تُحضر
العذارى من لا يعرفونه؟ المسيح غير مخلوق وأيضًا مخلوق: ونعلم أن الغير مخلوق هو
أبدي وموجود قبل إنشاء العالم، وهو خالق الكل. وعلى الجانب الآخر يرشدنا الجزء
المخلوق، لأنه تكوّن حسب جسدنا الوضيع (في 21:3).) ويمكننا فهم الكلمات بطريقة
أفضل إذا فحصناها حسب ما جاء بالكتاب المقدس. نحن نعرف أنه في البدء كان الكلمة
وأنه كان دائمًا مع الله وأن الكلمة لم يُخلق، وبدونه لم يكن شيء مما كان (يو
3:1). والكلمة كان مع الله وكان الكلمة الله، وبه كان كل شيء. وُلد المسيح أي أنه
أخذ جسدًا وحلّ بيننا. وأظهر تجسده عظمته بوضوح، أنه الله، الابن الوحيد لله الذي
هو في حضن الآب، ظهر في الجسد، وقال عنه يوحنا: "والكلمة صار جسدًا وحل بيننا
ورأينا مجده كما لوحيد من الآب مملوءًا نعمة وحقًا" (يو 14:1).

 

بتجسده يقدس
البشرية

لما كان السيد
المسيح غير مخلوق وكان موجودًا قبل كل العصور فهو أبدي غير مُدرك وعظيم جدًا لا
يمكن التعبير عنه، هو الذي ظهر في الجسد وسمح لنا أن نعرف بعضًا من صفاته.

 تبحث الكنيسة هذه
الناحية في المسيح وتعلمنا وتصفها بقدر ما تستطيع لكل السامعين. أني أتكلم الآن
على أعظم سرّ في ديانتنا (1 تي16:3) وهو أن المسيح ظهر في الجسد، وعاش مع الناس
على شكل عبد ولما أخذ طبيعة الجسد المائت من خلال العذراء غير الفاسدة، اِستمر
المسيح في تقديس جموع البشر بتوحيدها معه في شركة سريّة. وغذى جسده أي الكنيسة
ورتب بانسجام أعضاءها بالإيمان لكي تكوّن العين والفم والأيدى وجميع الأعضاء. هكذا
يقول بولس "فإن الجسد أيضًا ليس عضوًا واحدًا بل أعضاء كثيرة" 1 كو
14:12.

لكل عضو وظيفة
معينة، لكن لا تحتقر العين اليد ولا ترفض اليد الرجل بل يرتبط الجسم بواسطة اطرافه
حتى تعمل جميع الأعضاء في انسجام مع الجسم كله. يقول بولس إن الله رتب لكل واحد في
الكنيسة عمله: "وهو أعطى البعض أن يكونوا رسلاً والبعض أنبياء والبعض مبشرين
والبعض رعاة ومعلمين. لأجل تكميل القديسين لعمل الخدمة لبنيان جسد المسيح، إلى أن
ننتهي جميعنا إلى وحدانية الإيمان ومعرفة ابن الله إلى إنسان كامل إلى قياس قامة
ملئ المسيح" أف11:4-13.

 يقول بولس أيضًا:
" ننمو في كل شيء إلى ذاك الذي هو الرأس المسيح الذي منه يستمد الجسد كله
تماسكه وترابطه بمساندة كل مفصل وفقا لمقدار العمل المخصص لكل جزء لينشيء نموًا
يؤول إلى بنيان الجسد بنيانًا في المحبة" أف15:4-16.

من يرى الكنيسة
يتمكن من رؤية المسيح الذي يبنيها وينميها بانضمام المؤمنين المُخلصين إليها. ترى
العروس بعيونها النقية، بعد ازاحة برقعها، الجمال المتناهي في العظمة والذي لا
يمكن التعبير عنه لعريسها، ثم جُرحت بسهم روحي نادى، فإن الحب الثائر فيها يُدعى
شهده. وليس في ذلك خجل أو عار لأن السهم ليس من جسد ولكن من الله. وتفتخر
العروس بجرحها عندما تضع شهوتها الروحية في أعماق قلبها. وتخبر وصيفاتها بذلك
قائلة: " أني مريضة حبًا".

 

خبرة الكنيسة مع
عريسها

تتقدم العروس في
الكمال، وكان عليها أن تُعلن لوصيفاتها جمال عريسها. ولم تتكلم عن ذلك منذ البداية
(لأنها كانت غير قادرة على إظهار الجمال المقدس المتناهي في العظمة والذي لا يمكن
التعبير عنه)، ولكنها تقود العذارى إلى الله المتجسد. (عمل يوحنا العظيم نفس الشيء
(1 يوحنا1:1) بأن بقى صامتًا على من كان منذ البدء. غير أنه دوّن بدقة مارآه وسمعه
ولمسته يداه بخصوص كلمة الحق). لذلك قالت العروس لوصيفاتها: "حبيبي أبيض
وأحمر. مُختار بين ربوّة. رأسه ذهب إبريز. قصصه فضة
fur حالكة كالغراب. عيناه كالحمام على مجارى المياه مغسولتان باللبن
جالستان على مياة وفيرة. خدّاه كخميلة يسكنان عطورًا شفتاه زنابق تقطران مرًا
مختارًا يداه كخاتمين من ذهبب مرصعّين بحجر كريم من ترشيش. بطنه عاج أبيض مُغلف
بالياقوت الأزرق. ساقاه عمودًا رخام مؤسستان على قاعدتين من إبريز. طلعته كلبنان.
مختار كالأرز. حلقه حلاوة وكله مشتهيات هذا حبيبي وهذا خليلي يا بنات
أورشليم" 10:5-16.

تكوّن كل هذه
الصفات عناصر جمال العريس،ذُكرت لمنفعتنا، لكنها لا تُظهر لنا جماله الغير مُدرك.
لقد جاء إلى الأرض. رأيناه وتكلم مع بني البشر، ولبس الطبيعة البشرية كما يقول
الرسول (رو20:1). وجعل الغير منظور مرئيًا بالأعمال وشهدت له الكنيسة.

 إن تأسيس الكنيسة
هو خلق جديد للعالم وحسب ما قال إشعياء النبي(إش17:65) هي خلق سماء جديدة (وكما
قال بولس (كولوس5:2: إيمانكم في المسيح هو القوة).

 خُلقت أرض جديدة
تشرب المطر النازل عليها، وخُلق إنسان آخر تجدد حسب صورة خالقه بالميلاد الجديد من
أعلى. وُوجد نور جديد يقول عنه المسيح: "أنتم نور العالم" مت14:5،
"تضيئون بينهم كأنوار في العالم" فيلبى15:2،: لذلك تضيء كواكب كثيرة في
قوة الإيمان. ليست الأعداد الكبيرة من الكوامب التي سماها الله هي العجائب الوحيدة
في الخليقة. إن أسماءهم، يقول كلمة الله، مكتوبه في السماء (لقد سمعت خالق العالم
الجديد يقول لكواكبه: "افرحوا بالحري أن أسماءكم كُتبت في السماوات"
(لو20:10). وبالإضافة إلى هذه الكواكب التي خلقها السيد المسيح توجد شموس تُنير
أعمالها الطيبة العالم. ويقول صانع هذه الشموس: "فليضئ نوركم هكذا قدام الناس
لكي يروا أعمالكم الصالحة ويمجدوا أباكم الذي في السماوات" مت16:5. ثم
"حينئذ يضئ الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم" مت43:13. لذلك يمكن لمن
يتأمل إلى ما هو منظور في الدنيا ويفهم الحكمة التي تُشير إليها جمال المخلوقات،
أن يعمل مقابلة بين الجمال المنظور والجمال المعنوي الخفي أي ينبوع الجمال الذي
نبعت منه جميع الأحياء الموجودة. وشبيه بذلك فالذي يرى هذا الخلق الجديد في
الكنيسة يرى فيه أنه الكل في الكل. ومثل هذا الشخص يُقاد بالإيمان خلال ما هو
محدود ومفهوم إلى معرفة الله الغير محدود. لهذا السبب تقترب العذارى من النفس
التي ترتفع إلى الكمال حتى تُعرفّهم بحبيبها. وتشرح لهم بواسطة عمل الخلاص بعض
صفات من تبحث عن
ه. وأوضحت أن الكنيسة بكاملها جسم واحد للعريس وعيّنت أهمية كل
عضو من أعضائه، ولا يكمل الجسم إلاّ باِتحاد كل عضو من الأعضاء.

يهدف الكتاب
المقدس إلى تعليمنا وقد مهدنا فيما سبق لهذا الهدف النبيل. ويبتدئ نشيد الأناشيد
تعاليمه بجسم الإنسان، كما يبتدى متى بسلسة النسب من إبراهيم إلى داود (مت
2:1-17)، ويصف كلا السفرين أسرار الله حسب الجسد. وعلى الجانب الآخر يتكلم يوحنا
العظيم على بداءات هذا السر الذي توجد جذوره في الأبدية، ويعلن أن كلمة الله كان
موجودًا منذ البدء. وتحفز العروس وصيفاتها بمعتقدات مشابهة، لأن عقولنا لاتتمكن من
تصور طبيعة الله الغير منظورة والغير مُدركة إلاّ إذا آمنا بالمرئى أو بالجسد من
خلال الإيمان.

وتقول العروس:
"حبيبي أبيض وأحمر" 10:5. ويصف الاختلاط بين هذين اللونين الرابطة
الصحيحة للجسد. قد مررنا على هذا التعبير في السابق عندما شبهت العروس عريسها
بتفاحة لونها هو خليط من الأحمر والأبيض. فالتفاحة لونها أبيض وتصبح حمراء كرمز
للدم.

يولد كل جسد نتيجة
للزواج، ولكن الشخص الذي يولد بالجسد خارج نطاق هذا السر، لا يخضع لنوازع الطبيعة
البشرية ولا للأهواء الصادرة من العقل. وهو يعلم أن ولادة الجسد تنتمى إلى كل جنس
البشر. تقول العروس أن الذي يشارك في الجسد والدم لونه أبيض وأحمر. على أة الاحوال
باشارتها إلى طبيعة الجسد بهذين اللونين لم تقل إن المسيح يشاركنا في طريقة ميلاده
ما يخص باقى البشر. بل بالحري أخذ الله طبيعتنا البشرية من جموع البشر التي ولدها.
من خلال الأجيال المتعاقبة. ولكن المسيح وحده دخل إلى العالم بطريقة جديدة في
ميلاده، فلم تتدخل الطبيعة في هذا الميلاد بل خدمته. لذلك تقول العروس أن عريسها
أبيض وأحمر، أي أنه، يسكن في هذه الحياة الحاضرة باللحم والدم بينما ولد من نقاوة
بتولية. الحبل به عذراوى، ولادته دون دنس أو آلام، وحجال عرسه هي القوة
"الأعظم علواً" التي ظللت على العذراء كسحابة. هو المصباح في بهاء الروح
القدس، ويتحرر فراشه من الهوى وزواجه من الفساد.

 

مُختاريين ربوة

يُسمى بحق، العريس
المولود تحت مثل هذه الظروف "المختار من بين ربوات"، فقد كان خاليًا من
الميلاد الناتج عن زواج، لأن وجوده لم يكن نتيجة لزواج لا توجد تسمية ترتبط بميلاد
البشر يمكن أن نطبقها على ميلاد المسيح الذي لم يلوثه فساد والذي تم دون آلام حيث
أن البتولية وميلاد الطفل لا يمكن تطبيقها على العريس في نفس الوقت. أُعطينا الابن
بدون أب، فقد وُهب لنا الطفل بدون ميلاد. ولم تعرف العذراء كيف نشأ الجسم الإلهي
داخل جسمها ولم تلده بالالآم كما يقول إشعياء النبي: "قبل أن يأخذها الطلق
ولدت. قبل أن يأتي عليها المخاض ولدت ذكرًا" إشعياء7:66. لذلك كان المسيح
مختارًا، وكانت ظروف ميلاده مختلفة عن ظروف ميلاد أي بشر، وحياته على الأرض التي
انتهت بالموت لم تبتدئ بالسرور، ولم تأتِ من خلال آلام الوضع. وحدث ذلك حسب ترتيب
وتوقيت معيَّن.

 لقد ادينت
المرأة لتحبل بالأوجاع وتلد بالآلآم (تك16:3)، لأنها جلبت الموت على الطبيعة
البشرية من خلال الخطية. لقد كان من الضروري أن تحمل "أم الحياة" طفلها
بالفرح وتكمل حملها وولادته بالفرح
.

 لقد بشرها رئيس
الملائكة جبرائيل "أيتها المملتئة نعمة الرب معك مباركة أنت في النساء"
لوقا28:1. ازالت رسالة الملاك الحزن لميلاد الأطفال في الخطية والذي ورثناه منذ
البدء. لذلك هذا هو الطفل الذي أُعطيناه بطريقة خاصة للميلاد البتولى من بين ربوات
الأطفال الذين ولدوا في الخطية، فحق أن يطلق عليه التعبير: "أبيض وأحمر"
لأن لحمه ودمه مختاران من "بين ربوات البشر" بسبب عدم فساده وحريّته من
آلام الوضع. لذلك فميلاده واضح ومختلف عن أي ميلاد آخر. تطبق العروس هذه الكلمات
على عريسها بسبب طبيعة ميلاده المختلفة. أنت تعلم بالحقيقة أن كثيرين ولدوا من
جديد وكان هو بكرًا بينهم (رو 29:8)، "هو البداءه بكر من الأموات"(كو
18:1)، هو الذي هزم ضربة الموت ورتب الميلاد من الأموات بقيامته (أع 24:2). كان
المسيح أب لكل هذه الولادات رغم أنه لم يعاين هو نفسه من الآم الولادة. فلم يُجرب
الولادة بالماء أو الولادة من الموت أو الولادة كأول مولود من هذا الخلق المقدس بل
كانت ولادته خالية من الألم. لهذا السبب تقول العروس "مُختار بين ربوه".

 

رأسه ذهب ابريز

دعونا نتأمل في
جمال العريس الذي يُمدح في كل اجزاء جسمه: "رأسه ذهب إبريز" 11:5 وتعني
كلمة "إبريز" ذهب نقي من كل شائبة. ويتبين لي أن الذين ترجموا كلمة
إبريز من العبرية إلى اليونانية لم يجدوا أي كلمة تعادلها في المعنى. غير أننا
نعلم أنها تعني النقاوة التي لا تختلط بأي شيء ردئ. ولقد سبق القول أن هذه الآية
تشير إلى السيد المسيح رأس جسد الكنيسة (كو 18:1). نحن نعلم أن هذه الكلمة لا تشير
إلى لاهوت المسيح السرمدى بل إليه كإنسان. لقد رأيناه على الأرض، وتكلم مع البشر،
لقد كان ابنا للعذراء حيث خل لاهوته في جسده الذي أخذه منها. وكان أول ثمرة من
الكتلة العامة لعجين البشر، حيث أخذ كلمة الله طبيعتنا، وأعادها إلى نقائها،
وطهرها من كل عيب موروث. ويقول عنه النبي: "على أنه لم يعمل ظلمًا ولم يكن في
فمه غش" إشعياء 9:53. "وهو مُجرب في كل شيء مثلنا بلا خطية"
عبرانيين15:4. لذلك فهو الرأس لجسد الكنيسة وأول ثمرة لطبيعتنا البشرية، خالٍ، من
الشر ويتكون من ذهب نقي.

 

خصلات العريس

إن خصلات شعر
العريس سوداء وداكنة مثل الغراب (أني أذكر الغراب الذي يُقَّود العين المستهزئة
[أمثال17:30]. أنه يستعمل هذه العين المستهزئة كغذاء لصغاره). إن خصلات شعر العريس
هي أشجار السماء العالية التي ترتفع من الأرض إلى السماء. أنها تضيف إلى جمال
العريس، لأنها ثابتة على رأسه الإلهية. وفي الحقيقة يعلم القارئ وظيفة الخصلات
التي تعلمنا عن العريس ما سبق أن ذكرناه. "خصلات شعر مليئة بندى الليل"
ويسمى الآنبياء هذه الخصلات المحملة بالندى "السحب"، ومنها يأتي مطر
التعاليم التي تروى الأرض الجدباء، وتجعل حقول الله خصيبة.

يرمز السيد المسيح
للرسل بكلمة "خصلة شعر". كانت حياتهم الأولى سوداء مثل جابى الضرائب
والسارق والمضطهد وأي شيء آخر وآكل لحوم مثل الغراب الذي يقور العيون. أني أتكلم
عن رئيس سلطان الهواء لقوى الظلمة (أف2:2). وبنفس الطريقة تحول بولس من غراب إلى
شجرة صنوبر دائمة الخضرة وأصبح "خصلة شعر" على الرأس الإلهية. كان بولس
قبلاً مُجدفا ومُفتريا ومضطهدا (1 تي13:1)، أي كان غرابًا. ثم تحول إلى خصلة شعر
ممتلئة بالندى السماوي من أجل أعضاء جسم (الكنيسة)، وأفرز اسرار كلمة الله الغامضة
والخفية. لذلك أضافت خصلات الشعر الذهبية المدلاة من الرأس، لجمال العريس، وكأنها
تتحرك بنسيم الروح القدس. وتحولت هذه الخصلات إلى تيجان لتجميل رأس العريس النقية.
وتوضح لي الكلمات الآتية معنى خصلات الشعر: "وضعت على رأسه تاجًا من إبريز
" مز 3:21. لذلك فخصلات الشعر هذه تشبه أحجارًا كريمة تزين رأس العريس.

دعونا الآن نفحص
ما يقوله النشيد عن عينى العريس: "عيناه كالحمام على مجارى المياه، مغسولتان
باللبن" لايُفهم المعنى الكامل لهذه الكلمات (لأن ما نفهمه منها، في رأيى
لايفيه حقه)، ولكني أقدم التفسير بعد الفحص الدقيق. يقول القديس بولس:
"لاتقدر العين أن تقول لليد لا حاجة لي إليك" 1 كو 21:12. يعلمنا بهذا
لأنه يلزم لجسد الكنيسة أن يستعمل كلا من العيون والأيادي حتى يعمل بكفاءة.
فالتفكير العميق وحدة لا يبلغ النفس إلى الكمال إلا إذا كان مصحوبًا بالأعمال التي
تقود إلى حياة طيبة من الناحية الأخلاقية. كذلك لا تكفي الحياة النشيطة إلا إذا
كانت تحت قيادة متفانية في الواجبات الدينية الروحية. لذلك لأبد أن تعمل العيون مع
الأيدي. قد يشير النشيد إلى معنى العيون ولذلك نعرف لماذا يمدحها وسنناقش أهمية
يدي العريس في فقرة مقبلة.

 

عيناه كالحمام على
مجارى المياه

الرؤية هي الوظيفة
الطبيعية للعين، ولهذا السبب فموضعها يقع أعلى جميع الحواس. ولذلك فهي مؤهلة
بالطبيعة لقيادة كل جسد. نسمع عن بعض الأشخاص يذكرهم الكتاب المقدس، ويقودنا إلى
الحق مثل "الرائي" 1صموئيل11:9، و"الناظر"
و"الرقيب" حزقيال17:3، يُسمى الآنبياء هؤلاء الأشخاص "عيونًا"
ويمثلون هؤلاء الذين يُكلفون بالمراقبة والملاحظة والانتباه. ونعرف صفاتهم بمقارنة
جمالهم بشيء أحسن. تقول العروس "عيناه كالحمام"، تمدح العروس عيون
العريس لأنها تعمل حسب ارشاد الروح القدس وفهي بريئة ونقية.

يُعبر النص عن
الحياة الروحية النقية بالحمام، الذي شاهد شبيهها يوحنا عندما حلَّ الروح القدس
على المياه (يو 32:1)، لذلك فإن الذي يُعيّن بواسطة الله كعيون لجسد الكنيسة يجب
عليه أن يغسل أي شيء يعوق بصره، لكي يقوم بوظيفة المراقبة والرؤية كما يجب. يقول
الله أنه لا يوجد نوع واحد من المياه لغسل عيوننا، بل توجد أنواع كثيرة. فتوجد
فضائل عديدة تمثل عدة ينابيع لتنقية المياه التي نغسل بها عيوننا لكي تُصبح نقية.
والأمثلة على هذه الينابيع لتنقية المياه هي: المثابرة والعمل الدءوب، والتواضع،
والصدق، والبر، والحزم والشجاعة، والرغبة في عمل الخير، والبعد عن الشر. تفيض
أنواع هذه المياه وغيرها من نبع واحد وهو يضم مجاريها في مجرى واحد وبواسطتها
تتنقي العيون من أي إفرازات للانفعالات.

وتُقارن العيون
بالحمام "عندما تمتلئ بالمياه" وذلك لبساطة وبراءة هذه الطيور. ويقول
كلمة الله: "مغسولتان باللبن". لا يعكس اللبن أي صورة. بينما كل السوائل
الأخرى تشبه المرآة، لها سطح ناعم يعكس صورة من يحملق فيها، إلاّ أن اللبن ليست له
هذه الخاصية. هذه، إذن أحسن صفة لتمجيد عيون الكنيسة: أنها لا تعكس الصوِّر الغاشة
المعتمة للأشياء غير الموجودة والخاطئة، الباطلة أو المضادة للطبيعة الصادقة للحق.
إنهم ينظرون فقط إلى الواقع نفسه ولا يعكسون الرؤى الكاذبة وأوهام الحياة. لذلك
تغسل النفس الكاملة عيونها في اللبن لكي تحفظ نقاءها.

يقدم النشيد الآن
شيئًا يجعلهم يبذلون مجهودًا كبيرًا، العيون "الجالسة بجوار المياه
الوفيرة". يطلب منا كلمة الله أن نطبق تعاليم الله بدقة وباِستمرار وبانتباه،
حتى تُمتدح عيوننا بالنقاء. وتُعلمنا أننا يمكن أن نتمتع بجمال العريس نفسه
بالجلوس باِستمرار بالقرب من " المياه الوفيرة". وفي الحقيقة أن كثير من
الذين أُشير إليهم كعيون أعلنوا توقفهم عن المثابرة في عمل الخير وبدلاً من ذلك
جلسوا بالقرب من أنهار بابل وأدانهم الله نفسه: "تركوني أنا ينبوع المياه
الحية لينفروا لأنفسهم آبارًا مشققة لا تضبط ماء" إرميا13:2. لذلك لا بد
للعين أن تصبح جميلة وتناسب رأس العريس المذهبة، أي أنها ستكون نقية مثل الحمام،
وصادقة ليس بها غش مثل اللبن، ولا تخدع أبدًا بالأوهام الخيالية. فيلزم أن نجلس
متحلين بالصبر بالقرب من المياه المقدسة الوفيرة مثل شجرة ثابتة نامية بالقرب من
المياه الجارية. وهكذا تثمر في الوقت المناسب وتبقى الفروع خضراء مزدانة بألوان
أوراقها الجميلة (مز 3:1).

يجعل الكثير من
الأشخاص عيونهم الروحية تُهمل هذه المياه ولا يُعيرون كلمة الله ألا انتباها
ضئيلاً. بل يحفرون لأنفسهم بئرًا للطمع لكي تخدم مجدهم الباطل، ويعملون آبارًا
للكبرياء ويحفرون آبارًا للخداع التي لا تبقى فيها المياه التي يريدونها على
الدوام. لذلك فهم يمجدون القوة والعظمة التي يحاولون تجميعها ولكنها تتسرب فجأة
إلى الخارج ولا يبقى أي أثر لمجهودهم الباطل للأشخاص الذين غرروا بهم. يرغب كلمة
الله من هؤلاء الأوصياء والذين يقومون بوظيفة الحراسة أن يقيموا حائطا للحماية
(جفون عيونهم) بتأكيد تعاليم الله. ويلزم أن يخفوا نقاء وبهاء حياتهم بضبط النفس
ويخبئونها بجفون عيونهم حسب القول حتى لا يسقط شعاع الغرور على عيونهم. وسنفحص
أعضاء العريس الأخرى إذا وهبنا الله الوقت بنعمة ربنا يسوع المسيح له المجد إلى
الأبد آمين.

 

يشبه الذي يغذي
طفلاً رضيعًا باللبن في حياته الروحية المبكرة، من يعتنى بهؤلاء الذين ولدوا من
جديد في الكنيسة، كما يقول الرسول (عبرانيين13:5). وهو يوزع خبز الحكمة على صاحب
الضمير الكامل. "لكننا نتكلم بحكمة بين الكاملين" (1 كو 6:2)، أى أننا
ندرب بالتعليم الجيدة حوّاس النفوس لكي تستقبل خبز الحكمة. وتستقبل فكوك (أو حدود)
هؤلاء الأشخاص كطعام لها انعكاسات على الحكمة ويجزءونها إلى أجزاء صغيرة. وهذه
الفكوك في جسد المسيح لاترضع بعد ذلك من حلمات كلمة الله، ولكنها تتغذى الآن على
الطعام الصلب الذى تقول عنه العروس ""خداّّه كخميلة الطيب وأتلام
ريّاحين ذكية". تتكلم العروس عن خدود العريس بعد ما تكلمت عن عيونه، وهي
حقيقة واضحة لكل شخص منتبه لكلماتها. والعيون التي توجد بالقرب من ملئ المياه
الروحية، لابد أن تًغسل بواسطة اللبن النقي الغير مخلوط مثل الحمامة البريئة، حتى
يشارك العريس طيبته ونقاؤه جميع أعضاء الكنيسة. وصعد إشعياء العظيم الجبل العالى،
من أجل هذا السبب، وأُمر أن يصرخ بصوت واضح (إش9:40-12) لكي يُعلن: "هذا
إلهكم قادم بقدرته وقوته، وذراعة تحكم له، وها أجرته معه ومكافأته أمامه. يرعى
قطيعه كراع، ويجمع الحملان بذراعه، وفي أحضانه يحملها ويقود المرضعات برفق. يحوّط
السماوات بكف يده، يمسك العالم بقبضة يده، ويعلن أوامرهللشخص الذى جبله المقدس.
بعدما تعرفنا على الحق بواسطة غسل عيون الشخص بهذه المياه وبهذا اللبن، يتبع ذلك
خدود العريس، فوظيفتها هي طحن الطعام لكي يغذي الجسم.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القس أنطونيوس فكرى عهد قديم سفر الملوك الأول 06

دعونا نفحص خدود
العريس ونستمع للعروس التي تتكلم عنها "خداه كخميلة الطيب وأتلام رياحين
ذكية" يعني النص أن خديه يشبهان كوبًا للشرب أو آنية ليست عميقة ولا عالية
ويعتبر هذا التشبيه مدحًا. فإذا مدح أى شخص نوع من التعليم المفتوح البسيط النقي
مثل هذه الآنية فإن عمقه لا يمكن أن نخطئه. كما يقول النبي: "لا يغمرني سيل
المياه ولا يبتلعني العمق ولا تطبق الهاوية عليَّ فاها" (مز 15:69). لذلك
نقول أن الحق في بساطتها ليس له دخل في أي خداع داخل التجويف كما هو مشار إليه
بالقصعة التي تستعمل في حفظ الأعشاب والتوابل ذات الرائحة الزكية لأنها ليست
مصنوعة من فضة أو ذهب أو كريستال أو أي مادة مثل هذه.

يتكلم النشيد، كما
هو واضح، عن العيون النقية لأعضاء الكنيسة، إنهم يجهزون الطعام لجسد الكنيسة
بتحوله إلى قطع صغيرة بواسطة الفك حتى لا يكون هناك شيء مخفيًا أو خادعًا في
كلماتهم. وعيونهم لامعة وحرة وخالية من الغش، تشبه عيون الأطفال. ويقول النبي:
"وصايا الرب مستقيمة تفرح القلب. أمر الرب طاهر ينير العينين. خوف الرب نقي
ثابت إلى الأبد. أحكام الرب حق عادلة كلها" (مز 8:19، 9). فإذا كانت الآنية
كلمة الله مثل هذه فمن المؤكد أنها ليست مصنوعة من خزف ولكن من الأعشاب العطرة
للعريس المذكورة في أول النشيد لأنها أحسن من جميع الأطياب. كان بولس أناءً وقد
أثبت نفسه بالشهادة للحق وليس للغش. لقد رفض كل شيء أرضي من خلال العماد الذي أزال
القشور من عينيه (أع 18:9) وأصبح طفلاً للروح القدس لأنه تكوّن من طيب رائحته
العطرة. بعد ذلك صُنع هذا الآناء من نحاس مُختار وأصبح أناءً يُصب منها خمر كلمة
الله. وملآنة بمعرفة أسرار فلا تحتاج إلى عمل إنساني [فلم يأخذ بولس تعاليمه من
لحم ودم (غل 16:1)]، ولكنه يُنتج المشروب المقدس ويصبه لمن يريده بينما تُشبه
الفضائل المختلفة العطور لرائحة المسيح الزكية. وتُعدل هذه حسب حاجة الأشخاص
المختلفة الذين يستقبلون كلمة الله – اليهود واليونانيين، النساء والرجال، الأسياد
والعبيد الآباء والأطفال، وكل من كان خاضعًا أو غير خاضع للناموس. وتتحد روّعة هذه
التعاليم المتنوعة مع كل فضيلة. ويمزج العطر في الآناء حسب حاجة كل شخص يستقبل
كلمة الله. لذلك فالجمال الذي يصف جسد العريس يُمجد أيضًا خديه.

تشهد شفتا العريس
التي تعطى توابل عطرة على المديح الذى ينسب إلى خديه: "خداه كخميلة الطيب
وأتلام رياحين ذكية" (نش 13:5). يشير المثالين هنا إلى صفتين: الأولى هي الحق
الذى يشع من كلماته (لأن السوّسن يرمز إلى النقاء والحق). والثانية هي طريق الحياة
الروحية الغير مادية الذي يُعبر عنه بتعاليمه وبالتفكير في دائرة الروحيات التي
تضبط الرغبات العالمية أى الرغبات الجسدية. يرمز المرّ إلى الموت، ويفيض من الجسد
ويملأ النفوس التي تصبح سهلة الآنضباط. كثيرًا ما يستخدم الكتاب المقدس كلمة المرّ
على أنها إشارة إلى الموت. لذلك، فالعين النقية الكاملة تجعل خدودها اناءًا تفيض
منها التوابل العطرة. وتظهر براعم السوّسن التي تُزيّن البهاء المقدس وكأنها كلمات
فمه. وهكذا يسمى كلمة الله هؤلاء الآنقياء الذين يفوح منهم عطر الفضيلة. ومنهم
يقطر المرّ الذى يملأ باِستمرار عقول من يستقبلونه. ونتيجة لذلك فهم ينتظرون
باحتقار إلى الحياة المادية. ويعتبرونها ميتة بإهمالهم متطلباتها. فاض بولس بهذا
المرّ من فمه وكان ممزوجًا بالنرجس النقي لضبط النفس وملأ به إذان العذراء الطاهرة
(وإسمها ثكلا) التي اِستقبلت هذا الفيض في نفسها. فأماتت الإنسان العتيق وأطفأت كل
فكر ورغبة جسدية. وبعدما اِستقبلت ثكلا تعاليم الخلاص هذه اختفى جمالها ومات
شبابها مع جميع وظائف جسدها. عاش داخلها كلمة الله وحده، ولأجله كانت كل الدنيا
ميته بالنسبة لها وماتت هي بالنسبة للدنيا.

فاض أيضًا بطرس
العظيم بالسوّسن المنير لكلمة الله عندما كان في منزل كرنيليوس وملأ مستمعيه
بالمرّ. وعندما اِستقبلوا كلمة الله دُفنوا المسيح، وأماتوا أنفسهم بالنسبة لهذه
الدنيا (أع 34:10-48). وتوجد أمثلة كثيرة في حياة القديسين. لأنهم أصبحوا فم
الكنيسة العام وملأوا مُستمعيهم بالمرّ الذي أمات أهواءهم وحملوا ثمارًا بسوّسن
الكلمة. وأصبحوا أبطالاً عظامًا للإيمان. واعترفوا الاعتراف الحسن، وامتلأوا
بالمرّ أثناء كفاحهم من أجل الإيمان. ولا يوجد الآن لزوم لإطالة البحث في هذا
الموضوع لأن استيعابي للنص أصبح واضحًا: فلقد درسنا كيف أصبح فم الكنيسة سوّسنا،
وكيف يقطر المرّ من السوّسن وكيف تملأ هذه القطرات نفوس من يستقبلونها.

دعونا الآن ندرس
الآية التالية من النشيد: "يداه حلقتان من ذهب مرصعتان بالزبرجد" (نش
14:5). لا تعمل عيون جسد الكنيسة بالكمال إذا لم ترتبط بخدمة الأيدي. ونحن نفهم
ذلك بوضوح من بولس العظيم الذي يقول: "لا تقدر العين أن تقول لليد لا حاجة لي
إليك" (1 كو 21:12). تشهد أعمال الشخص للعين الحادة الرؤية وتكشف عن الحياة
الفاضلة لمحبته في الوصول إلى الجمال الحقيقي. دعونا نبحث موضع العيون وعلامتها
بالأيدى في جسد الكنيسة وسوف نحاول تفسير ما يقصده الله بتقديم الكلمات المقدسة في
النشيد للمستمعين. "يداه حلقتان من ذهب مرصعتان بالزبرجد"

لقد فهمنا أن
النشيد يمدح رأس العريس وأن هذا المديح يتحقق في يديه. والمسيح هو الرأس وفيه حل
الله لكي يصالح العالم لنفسه (1 كو 19:5). وحسب ما قاله بولس أظهر المسيح نفسه في
الجسد من خلال الفضيلة والمعجزات. فإذا كانت رأس العريس من ذهب نقي فمعنى ذلك أنها
خالية من الخطية: "على أنه لم يعمل ظلمًا ولم يكن في فمه غش" (إش9:53).
وبنفس الطريقة يقول النص أن يدى العريس من ذهب ويشير ذلك إلى أنه نقي ولا عيب
ولاشر فيه. وتعمل الأيدى كأعضاء لادارة احتياجات الكنيسة العامة حسب أوامر الله
المقدسة. ومدحها يشبه تمجيد الرأس أى أن كلا اليدين والرأس نقية وخالية من الخطية.
وتصبح اليدان نقيتان عندما يُنزع منهما كل شيء منحوت عليه بالذهب فهذا يخفي
جمالها. وفي حالة نحت شكل معين في الرخام، يستخدم المثال سكينه(ازميل) للنحت
لازالة بعض الأجزاء متى يتكون الشكل حسب النموذج. لذلك يجب أن تُشكل الأيادي
الكثيرة لجسد الكنيسة إلى شيء جميل بواسطة النحت الذى يتم عن طريق الكثير من التخيل
والتفكير حتى تكون الأيادي من ذهب نقي. ويتضح أن أى شيء يُزول من الأيدى يشوه
جمالها أى أن، ما يُدخل السرور للناس مثل حب الظهور والطمع والاِهتمام بالمظهر
الخارجي والاِهتمام بالمجد الشخصى واشباع الملذات والتفاخر بأعطاء الأوامر. لذلك
يجب إزالة أشياء مثل هذه بواسطة طرق التأمل والتفكير حتى يبقى الذهب النقي الغير
مغشوش والذى يُقارن بالرأس المصنوعة من الذهب النقي.

تساعد كلمات
الرسول في توضيح نص النشيد، الذى يقول: "نحن وكلاء سرائر الله" زنبحث عن
الجديرين بالثقة والأمناء من بين مساعديه وكتب قائلاً: "ثم يُسأل في الوكلاء
لكي يُجد الإنسان أمينًا" (1 كو 2:4). لذلك فالوكيل الأمين الحكيم (لو42:12)
يعمل عمل أيادي الكنيسة ويُظهر يده الذهبية في تقليده لسيده الحكيم الذى تقول عنه
كلمات النشيد أنه يتكون من المثال الآتي: "رأس مكونة من ذهب عظيم". لم
يكن يهوذا بالتأكيد يدًا ذهبية في جسم الرسل، فكان بائسًا حزينًا ومُنفردًا. ولما
كان مؤتمنًا على الفقراء، لم ينزع عنه جشعه للمال، بل سرق سرًا من صندوق مال الرسل
دون أن يراعي وصية الله. وماذا كانت نتيجة ذلك؟ لقد شنق يهوذا نفسه، فازال نفسه من
الحياة، وجلب العار والدمار على روحه، ووضع في قبر صانعى الشر الذى يبقى عبر
الأيام. لذلك يلزم أن تتشكل أيدينا بحيث تزيل كل ما ورثناه من شر. فيبقى فقط ما هو
من ذهب الذى ينسجم مع جمال الرأس.

تُذكر كلمة زبرجد
في الكتاب المقدس ويتحدد معناها حب الوضع الذي ذُكرت فيه. فكثيرًا ما يُقصد بها
معنى سلبيًا، وعلى الجانب الآخر قد يقصد بها معنى مقدسًا ونبيلاً. عندما هرب يونان
النبي من وجه الله، بحث عن سفينة مسافرة إلى ترشيش (يونان 3:1). وقال داود العظيم
أن سفن ترشيش تحطمت بواسطة الرياح القوية (مز 7:48). هبت مثل هذه الريح على
التلاميذ وهم مجتمعون في العلية. وتعرفوا عليها أولاً بريح قوية عاصفة، بعد ذلك
ظهرت لهم على هيئة ألسنة نار مُضيئة (أع 3:2). تحطم الرياح المتعددة الأشكال
الشرور التي تحارب ضد الطبيعة البشرية، وتعرف الرياح بسفن ترشيش. وترمز هذه السفن
إلى الشر، وبالرغم من ذلك يعبر حزقيال العظيم في إحدى رؤياه المقدسة عندما يصف
ظهور عظمة الله: "كانت هيئة مثل ذلك "ترشيش" (حزقيال16:1،)
وأُستعملت هنا في النبوة لترمز إلى أي شيء روحي وغير جسدي وليس له لون. لذلك، يوجد
لدينا معنيان لنص النشيد: تعتبر كلمة ترشيش كما لو كانت ترمز لمعنى إيجابى (لأن أى
شيء له ناحية لايُمدح) إذا طبقناها على يدىّ العريس. يلزم أن نزيل باحتراس كل شيء
زائد عن الحاجة أو جسدي حتى نتمكن أن ندخل في الدائرة الروحية المقدسة وننفض كل
شيء مادي، ثقيل في هذه الحياة. يتبع خبراء صناعة الأحجار الكريمة مثل الزبرجد نفس
الطريقة. يزيلوا أولاً الطبقة الداكنة الترابية بواسطة نوع من الحجر الصلب ويبقى
الحجر النقي الامع أخضر اللون مثل ريت الزيتون. يُخيّل لي أن الرسول القديس يشرح
هذه العملية بأكثر وضوحًا بارشادنا حتى نزيل كل شيء خارج عن رغباتنا لكي نتمكن من
رؤية ما قد خفي عنا. "ونحن غير ناظرين إلى الأشياء التي تُرى بل إلى التي
لاتُرى. لأن التي تُرى وقتية وأما التي لاتُرى فأبدية" (2 كو 18:4). نحن نفهم
هذه الكلمات وكأنها تُطبق على الأيدى. وعندما نزيل أى مُغريات مادية، تصبح أيدينا
نقية وتتحول بإرادتنا الحرة إلى ما هو غير مادي وروحي. "يداه حلقتان من ذهب
مرصعتان بالزبرجد".

دعونا ننظر إلى
كلمات النشيد التي تشير إلى بطن العريس: "بطنه عاج أبيض مغلف بالياقوت
الأزرق" (نش 14:5). سلم مُعطى الوصايا موسى لوحى الشهادة التي نقش عليها
الحروف المقدسة. لذلك قال الله لموسى عندما أراد أن يعطى الوصايا: "وقال الرب
لموسى أصعد إلىّ، إلى الجبل وكن هناك. فأعطيك لوحى الحجارة والشريعة والوصية التي
كتبتها لتعليمهم" (خر12:24). أزال وضوح الإنجيل كل شيء جسدي وأرضي، فلم يعد
هناك داع لحروف منقوشة على ألواح الحجر ولكن على عاج ناعم لامع. ويُعرف موضع
الوصايا والشريعة "بالبطن" وهي لوح من "العاج على حجر زفير".

يساعد المثال من
جسم الإنسان في زيادة فهم هذه الكلمات من النشيد. يُستخدم خشب الصندوق (
puxion) المتين لصناعة ألواح الكتابة، لذلك عندما نسمع عن الواح مصنوعة
من هذا الخشب الخفيف نفهم أنها خاصة باستعمال اُلكتاّب لكي ينسخوا عليها. وتُعرف
هذه الألواح بأسم بوكسيون، ويسميها النشيد بأسم خشب الصندوق بدلاً من العاج.
والألواح التي تُصنع من هذا الخشب تشبه مادة العظم، لاتفسد وذلك لما يمتاز به هذا
النوع من الخشب من صلابة ونعومة: فلا يتشقق أو يفسد بمرور الوقت.

يعطى اللون الأزرق
الداكن لحجر الزفير راحة للعيون المُتعبة للأشخاص الذين يثابرون باِهتمام في قراءة
الحروف على الألواح، لأن بهاء الزفير يُريح العيون. ويمكن تطبيق هذا المثال على
"بطن" الكنيسة. لقد سمعت النبي الذي أوحى له الله يقول: "أجابني
الرب وقال اكتب الرؤيا وأنقشها على الألواح لكي يركض قارئها" (حب 2:2). تصلح
كلمة "بطن" كتعبير جيد لتمجيد جسد السيد المسيح. حفز النص حبقوق لكي
ينقش رؤيته على اللوح، لذلك يمكننا أن نسمى اللوح نقاء القلب الذي تنقش عليه
ذاكرتنا الرؤى المقدسة. وشبيه بذلك، عندما فتح حزقيال العظيم فمه، ووضعه في درج
سفر مليئة بالحروف على كل جانب: "وقال لي يا ابن آدم أطعم بطنك واملأ جوفك من
هذا الدّرج الذي أنا مُعطيك إياه فأكلت فصار في فمي كالعسل حلاوة" (حز 3:3).
يُسمى الجزء المنطقي من النفس حيث توضع التعاليم المقدسة "بطن" ويمكننا
تسمية قلب إرميا العظيم "بطن" الذي امتلأ بالأفكار الحزينة: "أحشائي
أحشائي. توجعني جدران قلبي. يئن في قلبي. لا أستطيع السكوت. لأنك سمعتِ يا نفسي
صوت البوق وهتاف الحرب" (إر 19:4). وإذا أردنا أن نسوق شاهدًا أعظم من الكتاب
المقدس نسجل ما قاله السيد المسيح إلى هؤلاء الذين آمنوا به: أنهار ماء حي ستفيض
من كل من يؤمن به "من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حي"
(يو 38:7). وتُضيف أن القلب النقي يُشار إليه بالتعبير "بطن". ويصبح لوح
للشريعة المقدسة (رو 15:2) كما يقول الرسول. ويوضح تأثير الشريعة المكتوبة في
القلب ليس بحبر (2 كو 3:3)، ولكن بروح الله الحي الذي يرسم هذه الحروف في النفس:
وليس على ألواح حجرية كما يقول الرسول، ولكن على لوح القلب النقي، الخفيف والمضيء.
يلزم أن تُنقش الكلمات المقدسة الموجودة في الذاكرة النقية الصافية، على القدرة
القائدة للنفس، بحروف بارزة واضحة. تُشير الزفير في الحقيقة إلى تمجيد بطن العريس
فقط باللوح الذي يشع نورًا بلون السماء. ترشدنا هذه الصورة لكي نكون متنبهين
للأشياء السماوية، مكان كنزنا (مت 21:6). فإذا ثبتنا في حفظ وصايا الله تتكون
لدينا آمال مقدسة تنعش عيون نفوسنا.

ثم تمدح العروس
أرجل العريس: "ساقاه عمودا رخام مؤسستان على قاعدتين من إبريز" لبيت
الحكمة أعمدة كثيرة مزينة بمواد متباينة (أم1:9)، التي تدعم خيمة الشهادة. وتُصنع
رءوس وقواعد الأعمدة من ذهب بينما الأجزاء المتوسطة مُغلفة بالفضة. تقول العروس أن
أعمدة الكنيسة من رخام ومثبتة بأحكام على قواعد من ذهب. [الكنيسة بيت كما يقول
الرسول: "وأنما إن كان أحد لايعرف أن يدبر بيته فكيف يعتنى بكنيسة الله"
(1 تي5:3)]. لذلك تمتلئ كلمات العروس بحكمة بصليئل (خر30:35-33) عندما تصف جمال
العريس. تزدان رأس وقاعدة العمود بالذهب، وتوضح هذه الكلمات أنها تشير إلى خيمة
الأجتماع. تعلو كل رأس عمودا من الذهب. لذلك فرأس العريس نقية تتكون من ذهب غير
ملوث والذى ينظر إلى جماله تكون عيونه نقية (يسمى النشيد هذا الذهب الخالص
باسم"كيفاز")، بينما تؤسس أرجله على قواعد ذهبية. تُلزمنا هذه الفقرة أن
نُفسر رمز العمدان، ولانخطئ إذا كنا من تلاميذ القديس بولس الذي استعمل التعبير
"عمدان " ليشير إلى زملاؤه من الرسل بطرس ويعقوب ويوحنا (غلا9:2). أنه
من المفيد لنا أن نتعلم من بولس، حتى يمكننا أن نكون مستحقين أن نُسمى عمدان.
وأيضًا نتعلم من حكمة بولس أن العمود يلزم أن يستند على أساس من الحق. فالحق من
ذهب وقواعده هي أرجل العريس وتزيّن يداه ورأسه. وقد يُفسر الأساس على أنه رخام. ونحن
نفهم من كلمات النشيد أن أرجل الجسد عمدان رخام (أى أن هؤلاء الأشخاص الذين يدعون
ويحملون جسد الكنيسة حياتهم مثالية وحديثهم فاضل. ومن خلالهم يكون أساس إيماننا
قوى ومتين، ويكمل طريق الفضيلة، ويرتفع أعضاء جسد الكنيسة إلى أعلى بأشتياقنا إلى
وعد الله). يقود الحق والثبات جسد الكنيسة. يمثل الذهب الحق، الذي يسمى أساس
المبني المقدس (المعبد) ("لأنه لايستطيع أحد أن يضع أساسا آخر غير الذي وضع
الذي هو يسوع المسيح" (1 كو 11:3) فالمسيح هو الحق وعليه تؤسس
"أرجل" عمدان الكنيسة).

يُمثل الرخام بهاء
الحياة الحازمة التي لاِتحيد عن رغبتها في الخير. يوجد بخيمة الإجتماع الكثير من
العمدان التي تدعم بيت الحكمة بينما يكفي عمودان لتدعيم جسد الإنسان. لذلك يلزم أن
نطبق هذا السر على شيء آخر، أى، على الوسائل المختلفة لكي نصل إلى الفضيلة بواسطة
الشريعة. يمكن الحصول على الكثير من تعاليم الحكمة بواسطة فحص مع أني الكلمات.
تقودنا كلمة الإنجيل الموجزة المفيدة إلى طريق مختصر مركز للكمال الحياة الفاضلة.
لذلك يقول السيد المسيح: "بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والأنبياء"
(مت40:22). أنه يقع على عاتقك هذه المسئولية التي اسندت إليك، لأن كلا الوصيتين
لها نفس المعنى. فالشخص يرفع الحمل إذا كان معلقا على كتفيه أو على يده. يقول
السيد المسيح أن الناموس كله والأنبياء يتعلق على هاتين الوصيتين، بينما تقول
العروس أن جسد عريسها يحمله عمودان مثبتان على أساس من ذهب. يجب أن نفهم صواب سر
أرجله على أنها تُشير إلى هاتين الوصيتين، لأن السيد المسيح يقول أن الوصية الأولى
تشبه الثانية: "تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك. هذه هي
الوصية الأولى والظمى. والثانية مثلها. تحب قريبك كنفسك" (مت37:22-39).

ثبت بولس هذين
العمودين في تي العظيم عندما أراد أن يجهزه كبيت للرب: الإيمان والضمير (1
تي15:3). يؤدي الإيمان إلى حب الله بكل القلب والروح والقوة. أما الضمير الخيّر
فيقود صاحبة إلى معاملة الجار بروح طيبة مُحبة. ولا يتعارض فهمنا الحالي للعمدان
مع تفسيرنا السابق لها، لأن كل من هذه العمدان تمثل بطرس ويعقوب ويوحنا وأى واحد
يكون مستحقًا لهذا الاسم الآن وفي المستقبل.

وحسب ما يقوله
الرسول (1 تي 15:3)، فإن الشخص الذي يصل إلى الكمال بهاتين الوصيتين يصير عمودًا
ويدعم الحق؟ لذلك فإن جسم الحق كله يرتفع على هذين العمودين التي تدعمها الأرجل.
ويتكون أساسها من ذهب، أى أنه، أساس الإيمان الثابت، المستمر والقوى في كل شيء حسن
مع الخلق القديم.

يقع على عاتقك هذه
المسئولية التي أسندت إليك، لأن كلا الوصيتين لها نفس المعنى. فالشخص يرفع الحمل
إذا كان معلقا على كتفيه أو على يده. يقول السيد المسيح أن الناموس كله والأنبياء
يتعلق على هاتين الوصيتين، بينما تقول العروس أن جسد عريسها يحمله عمودان مثبتان
على أساس من ذهب. يجب أن نفهم صواب سر أرجله على أنها تُشير إلى هاتين الوصيتين،
لأن السيد المسيح يقول أن الوصية الأولى تشبه الثانية: "تحب الرب إلهك من كل
قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك. هذه هي الوصية الأولى والظمى. والثانية مثلها. تحب
قريبك كنفسك" (مت37:22-39).

ثبت بولس هذين
العمودين في تي العظيم عندما أراد أن يجهزه كبيت للرب: الإيمان والضمير (1
تي15:3). يؤدي الإيمان إلى حب الله بكل القلب والروح والقوة. أما الضمير الخيّر
فيقود صاحبة إلى معاملة الجار بروح طيبة مُحبة. ولا يتعارض فهمنا الحالي للعمدان
مع تفسيرنا السابق لها، لأن كل من هذه العمدان تمثل بطرس ويعقوب ويوحنا وأى واحد
يكون مستحقًا لهذا الاسم الآن وفي المستقبل.

وحسب ما يقوله
الرسول (1 تي15:3)، فإن الشخص الذي يصل إلى الكمال بهاتين الوصيتين يصير عمودًا
ويدعم الحق؟ لذلك فإن جسم الحق كله يرتفع على هذين العمودين التي تدعمها الأرجل.
ويتكون أساسها من ذهب، أى أنه، أساس الإيمان الثابت، المستمر والقوى في كل شيء حسن
مع الخلق القديم.

تلخص العروس وصف
جمال عريسها بقولها: "طلعته كلبنان. فتى كالأرز. حلقه حلاوة وكله مُشتهيات.
هذا حبيبي وهذا خليلى، يا بنات أورشليم" (نش 15:5-16). أني أرى أنها تُظهر
عريسها بوضوح لأن الجمال الذى تمدحه جمالاً ظاهرًا. ويتبع هذا الظهور كلام الرسول
عن الكنيسة كجسد له أطراف (1 كو 12:12). تقول العروس أن هيئته تشمل الأعداد الغير
محدودة من الأرز في جميع أرض لبنان. ولايوجد شيء وضيع أو حقير في هيئة جسمه ولكنه
يتكون من الأرز العالى الذى ترتفع فممه إلى علو شاهق.

دعونا نختبر
مقارنات العريس الأول: "طلعته كلبنان" هنا أختبار بمقارنة الأضداد. بما
أن الخير له اسم واحد بالنسبة إلى حقيقة ما يوجد فأى شيء لايشترك معه يكون باطلاً
ولا يكون له وجود لاختيار الشخص صاحب الحكم الصائب على الأشياء، ما هو عديم
القيمة، بل يحصل على ما هو خير ونبيل. تتكون هيئة العريس من مختارات من أرز لبنان،
ويقترح الكتاب المقدس طريقتين لفهم كلمة لبنان: أحدهما رديئة ومرفوضة. كما جاء في
النبوة، فهو يشبه العجل الذى لابد أن يتحطم(مزمو29:5،6). أما الشكل الثاني فهو
مجيد يناسب الله ويشبهه. نفهم من هذه الكلمات أن هناك ملك واحد وهو خالق الكون
كله. بينما على الجانب الآخر يوجد رئيس هذا العالم الذى يسمى نفسه ملك الظلمة.
تخدم ربوات من الملائكة الملك الحقيقي،بينما يلتف حول رئيس قوى الظلمة ربوات من
الشياطين (كو 13:1). تتبع الرئاسات والسلاطين والفضيلة ملك الملوك ورب الأرباب.
وفي الآخرة حين يسلم المسيح المُلك لله الآب بعد أن يكون قد أباد كل رئاسة وكل
سلطة وكل قوة للعدو، فإنه لابد أن يملك إلى أن يضع جميع الأعداء تحت موظئ قدميه (1
كو 24:15،25).

يرى النبي حزقيال
(حزقيال1:10) رؤية: ملك العظمة جالسًا على عرشه العالي العظيم وموضع العرش فوق
النجوم ويشبه عرش الأعلى مقاما. أن صانع الفخار له سلطانًا على الطين، فيصنع من
كتلة واحدة إناءًا للاستعمال الرفيع وآخر للاستعمال الوضيع. فماذا إذا إن الله وقد
شاء أن يُظهر غضبه ويعلن قدرته، قد احتمل بكل صبر آنية غضب معدة للهلاك وذلك بقصد
أن يعلن غنى مجده في آنية الرحمة التي سبق فأعدها للمجد (رو21:9-23). وبالإضافة
إلى ذلك، يرسل الله ملائكة إلى قديسيه لنملأهم بالحياة الطيبة والسلام، بينما يرسل
إلى العصاة القساة حمم غضبه، وسخطه وغيظه، ويطلق عليهم ملائكة الهلاك. (مز 49:78).
لا داع أن نتكلم باسهاب على كيف يقف الشيطان ضد الخير والسلام.

يظهر جبل لبنان
لنا من جميع جوانبه وتنمو الغابات الكثيفة تظلل جوانبه المنحدرة ولهذا السبب تتنوع
الصور التي كتبت عن جبل لبنان في الكتاب المقدس، لذلك يجب أن نفحص كل واحدة منها
على حدة. لذلك يرى الأنبياء لبنان في أوجهها المختلفة، لمدحها ولإدانتها. الرب
يكسر أرز لبنان ويقلل من شأنها ويجعلها كالعجل الوحشي الذي يُعبد في الصحراء (مز
5:29-6) (تعلمنا هذه النبوّة أن كل شر يرفع نفسه ضد معرفة الله سوف يذوىة إلى
لاشيء). ويمكن أن نضفي معنى أفضل إلى لبنان: "الصديق كالنخلة يزهر كالأرز في
لبنان ينمو" (مز 12:92). ينمو الواحد العادل كنخلة عالية لأنه في الحقيقة
عادل (السيد المسيح هو الواحد العادل الذي صعد من الأرض إلى السماء من أجلنا). هو
نخلة يحمل الكثير من الأوراق. وأصبح السيد المسيح وهو في طبيعتنا البشرية، جبلاً
ملأ بالأرز كل من كان مرتبطًا به بالإيمان وناميًا عليه. وعندما نُزرع في بيت
الله، ننمو ونزدهر في فناء الله.

الكنيسة هي بيت
الله، حسب قول الرسول، (1 تي15:3) وأرز الله ينمو فيها. والأفننية هي خيام
الاجتماع في الأبدية حيث تزدهر آمالنا وتتحقق في الحين الحسن. لذلك يكتمل جسد
المسيح من خلال كل واحد من أطرافه. (لأنه كما أن الجسد هو واحد وله أعضاء كثيرة
وكل أعضاء الجسد الواحد إذا كانت كثيرة هي جسد واحد كذلك المسيح أيضًا" (1 كو
12:12). من أجل هذا السبب، تسمى العروس جمال عريسها "طلعته كلبنان فتى
كالأرز" ويتميز ذلك عن لبنان المرفوضة. وعلى حسب قول إشعياء النبي
(إش34:10،1:11) تسقط لبنان المرفوضة بينما ترتفع الأخرى عندما يفرخ برعم من جذع
يسى. وعندما ينضج ويصبح مسئولا يُغير الأسد والنمر والحية إلى حيوانات أليفة
هادئة، فيسكن الأسد مع العجل ويرقد النمر مع الطفل، وسوف يرعاها جميعًا هذا الطفل
الصغير الذى ولد لنا. ثم يضع يده على فتحة مرقد الثعبان ويلمس صغاره فيلغى
سُميتها. كما يقول إشعياء النبي (إش 34:10) تسقط لنان أمام جبار مهوب. وتوضح النبوّة
هذه الأشياء بالرموز. ولايلزم أن نناقشها لأنها واضحة لكل شخص. لأنه من لايعرف أن
الطفل الذى ولد لنا لم يلمس الثعبان. ودمرت قدرته الوحوش التي كانت تعيش تحت سقف
واحد مع الكائنات الأليفة، غفد أزال طبيعتها المتوحشة. وقد سقطت قسوة لبنان بواسطة
أعمال هذا الصبى المولود لنا. فكل من يرفع نفسه ضد الحق سوف يسقط عند إبتدأ الشر.
لذلك، تقارن العروس جمال سيدها بأرز لبنان المختار "طلعته كلبنان فتى
الأرز".

تهدى العروس
المديح العريس: "حلقه حلاوة وكله مُشتهيات" (نش 16:5). نفس هذه الكلمات
كالآتي: يوجد الحلق أسفل الذقن ويصدر الصوت من القصبة الهوائية والحنجرة بواسطة
حركة الهواء. بما أن كلمات العريس لذيذة مثل العسل في حلاوتها، فصوته هو عضو
الكلمة. وصوته الذي يصدر من الحلق قد يطلق عليه راعٍ ومُفسر للكلمة التي يتكلمةا
السيد المسيح. وسوف نتمكن من فهم حلق العريس بهذه الطريقة. عندما سُئل يوحنا
المعمدان: من أنت؟ قال: "أنا صوت صارخ في البرية" (يو 23:1). يقدم
الرسول بولس برهانًا على أن السيد المسيح يتكلم بداخله وبواسطته أصبح صوته عذبا (2
كو 23:13). قدم جميع الآنبياء أنفسهم كأعضاء الصوت للروح القدس وأصبحت أصواتهم
عذبة بتثبيت العسل المقدس في حناجرهم. يأكل الملوك والشعوب العسل لما له من فوائد
للصحة. ولا يقلل التمتع بأكله الرغبة في الاستزادة منه. لذلك تُسمى العروس عريسها
"أنه هو كله المرغوب فيه دائمًا" ويعتبر هذا تعبيرًا عن من تبحث عنه. كم
هي نعمة كبيرة لأرجل العريس التي تجعله مرغوبًا فيه بشدة. فأرجله كاملة في كل شيء
خيّر وتتكون هيئته وجمالها المرغوب فيه من جميع أعضاؤه. فهو مرغوب فيه ليس فقط من
أجل عيونه ويداه وخصلات شعره بل أيضًا من أجل قدميه ورجليه وحنجرته. فلكل عضو من
الأعضاء أهميته الخاصة ولا يقلل من هذه الأهمية ارتفاع أهمية أحد الأعضاء على
الأعضاء الأخرى.

"هذا هو
حبيبي وهذا هو خليلى يا بنات أورشليم" (نش 16:5). بعد ما ذكرت العروس
للوصيفات صفات من تبحث عنه، حتى يتمكنّ من معرفته، أشارت إليه بقولها: "هذا
هو الواحد الذي أبحث عنه، قد قام من يهوذا ليكون أخا لنا، وأصبح رفيقًا لمن سقط في
أيدي اللصوص، فربط جراحه بعدما صب عليها زيتًا وخمرًا وأركبه دابته وأوصله إلى
الحان واعتنى به، وعند مغادرته الحان في اليوم التالي، أخرج دينارين ودفعهما لصاحب
الحان وقال له أعتن به، ومهما تنفق أكثر، فإني أفيك ذلك عند رجوعي"(لو
30:10-35). وكل عمل من هذه الأعمال هو في الحقيقة واضح وعندما تصدى للسيد المسيح
أحد علماء الشريعة ليجربه وليضع نفسه في كبريائه فوق الآخرين وسأل السيد المسيح
قائلاً: "من هو قريبي" (لو 29:10). فشرح كلمة الله على هيئة قصة يظهر
فيها محبة الله الكاملة للجنس البشري. فتكلم عن نزول الإنسان من السماء، وهجوم
اللصوص عليه، وتعريته من رداء عدم الفساد وجروح الخطية، والاِستمرار في الخطية
وانتشارها على نصف الطبيعة البشرية بينما بقيت النفس حيّة. ثم تكلم السيد المسيح
عن الناموس الذى أصبح دون فائدة، فلم يرع الكاهن ولا اللاوى جروح من سقط في أيدى
اللصوص لأن دم التيوس والعجول ليس قادرا على محو الخطية (عبرانيين 13:9). إلا أن
السيد المسيح أخذ طبيعتنا البشرية بالكامل، فكان القطعة الأولى المقدسة من العجين
(رو16:11) الذى شمل جزءا من كل جنس: اليهود والسامريين واليونانين والجنس البشري
كله وبجسده، أى بدايته التي أسرع بها إلى مكان الشر الذى وقع فيها الرجل، ضمد
جراحه وأركبه دابته واحاطه برعايته ومحبته وأوصله إلى مكان الراحة حيث يستريح كل
المتعبين والثقيلى الأحمال (مت28:11). فكل من يدخل إليه ويستقبله كما يقول السيد
المسيح: "من يأكل جسدي ويشرب دمى يثبت في وأنا فيه" (يو 56:6).

لذلك، يتمكن
الإنسان بقدرته الخاصة أن يستقبل بداخله من لا يمكن احتوائه فأخذ دينارين: محبة
الله من كل القلب، محبة الجار مثل محبة النفس وللأجابة على سؤال أحد علماء الشريعة
فليس سامعوا الشريعة هم الأبرار أمام الله، بل العاملون بالشريعة يبرون (رو 13:2)،
لذلك يجب أن نستلم هاتين العملتين (الإيمان بالله والضمير الحى ناحية اخوّتنا في
البشرية)، ونحقق عمل هاتين الوصيتين في أعمالنا فقد قال السيد المسيح إلى صاحب
الحان أنه سيفي ما يُنفقه على الرجل المجروح عند رجوعه الثاني. لذلك فالذى أصبح
رفيقنا من خلال هذا الحب، تحوّل إلى أخ لنا بانتمائه لنا من يهوذا، أنه هو الذى
تعلنه العروس لبنات أورشليم قائلة: "هذا حبيبي وهذا خليلى يا بنات
أورشليم" وبفهم هذه الصفات المميزة للعريس سوف نجده ونستقبله بواسطة إرشاد
الروح القدس من أجل خلاص نفوسنا. إليه العظمة الآن وكل أوان إلى الأبد آمين.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي