شرح
الكتاب المقدس – القمص تادرس يعقوب
من تفسير وتأملات الآباء الأولون
تفسير سفر القضاة – المقدمة
|
|
نص سفر القضاة: تفاسير أسفار الكتاب المقدس 1- تفاسير سفر التكوين 1- تفاسير إنجيل متى |
إن كان
سفر يشوع هو سفر
الخلاص المجاني، فيه يتسلم يشوع قيادة الشعب ليدخل بهم إلى أرض الموعد، يغلب الأمم
الوثنية ويملك ويقَّسم، فإن سفر القضاة يكشف عن حال الإنسان في أرض الموعد، وقد
استهان بعطية الله العظمى، وتَراخى في المطالبة بمواعيده الإلهية المجانية، إذ
فترت غيرة الشعب وانصرف غالبيته إلى مشاركة الأمم الوثنية التي تركوها في وسطهم في
عبادتهم والتلذذ معهم بالخطية. لكن الله لا يترك أولاده في الرجاسات إنما يؤدب
مستخدمًا الأمم ذاتها كعصا قاسية للتأديب، حتى متى رجع الشعب يرسل لهم الله خلاصًا
وينقذهم.
نستطيع أن نقول بأن هذا السفر هو سفر
حياة كل مؤمن ذاق عذوبة الحياة الجديدة في المسيح يسوع بكونها الأرض الروحية التي
تفيض لبننًا وعسلًا، لكن عوض الانطلاق فيها من قوة إلى قوة يتراخَى مستهينًا بفيض
نعمة الله، فيرتد إلى الحياة الجسدانية والفكر الأرضي القاتل، الأمر الله يدفع
الله إلى تأديبه بالضيقات والآلام حتى يرده إليه ابنًا مقدسًا في الحق.
|
قضاة
كاتب السفر
وحدة السفر
غاية السفر
محتوياته
المسيح في سفر القضاة
سفر القضاة وروح القوة
أقسامه
قضاة:
اسم هذا السفر في العبرية
“شوفطيم” جمع “شوفط”، إي (قاضٍ)؛ وإن كانت كلمة “قاضٍ”
لا تعبر تعبيرًا دقيقًا عن الأصل العبري، المأخوذ في الغالب عن الكنعانية (عا 2: 3)،
والتي تعني “قائد” أو (رئيس). فإن القضاة المذكورين في هذا السفر ليسوا
قضاة بالمفهوم العام لنا، فلم يكن عملهم القضاء وإصدار أحكام حسب شريعة مكتوبة أو
تقليد شفوي(1).
بمعنى آخر لم تكن رسالتهم تحقيق العدل بتطبيق القانون، وإنما رد البر وإعادته في
حياة الجماعة، والدفاع عن حقوق هذه الجماعة وتخليصها من الضيق الذي تسقط فيه(2).
St-Takla.org Image: صورة في |
هؤلاء القضاة الذين ظهروا في الفترة ما
بين موت يشوع وبدء عصر الملوك (شاول)، كانوا ذوي سلطة لكن ليس كالملوك. فكان
الحاكم إلهيًا. بمعنى أن الله هو الملك الحق للشعب، يعمل خلال رئيس الكهنة كمُبلغ
للمقاصد الإلهية. وكان كل سبط يدبر أموره الخاصة به بواسطة رئيس السبط، أما الأمور
الكبرى التي تمس الجماعة على مستوى جميع
الأسباط أو بعضها معًا كمحاربة الأعداء
والتخلص من نيرهم فيرجع إلى القاضي الذي ليس له أن يسن الشرائع ولا أن يضع أثقالًا
على الشعب وإنما يحكم ويؤدب خاصة المنحرفين إلى العبادة الوثنية ويقود المعارك ضد
الأمم.
كان الله هو الذي يُقيم القاضي، وأحيانًا
الشعب يختارهم؛ وكان غالبيته لا يحمل السلطة على مستوى الاثني عشر سبطًا بل على
مستوى محلي.
غالبًا ما كان يُنظر للقاضي كمخلص، ينقذ
الشعب من سطوة الوثنيين خلال التوبة والرجوع إلى الله مع الجهاد.
كاتب السفر:
كاتب هذا السفر على ما يُظن هو صموئيل
النبي كما جاء في التقليد اليهودي(3)
وقبله كثير من آباء الكنيسة. وقد أكدّ هذا شهادة السفر الداخلية، إذ يظهر أنه كُتب
بعد تأسيس النظام الملوكي (قض 19: 1، 21: 15)، وقبل سبي أورشليم (قض 1: 21)، وضمها
إلى مدن اليهود في زمن داود الملك (2 صم 5: 6-8) وبذلك
يكون قد كُتب في أيام شاول الملك أو بداية عهد داود الملك(4)،
وكان نبي ذلك الزمان هو صموئيل.
ذهب البعض إلى أن كاتب السفر هو حزقيا،
ونادى فريق آخر أن عزرا قد جمعه مما كتبه القضاة كل في زمان قضائه. ويعتمد هذا
الفريق على العبارة “إلى سبي الأرض” (قض 18: 3) حاسبين أن السفر كُتب بعد
السبي البابلي، لكن يظهر مما جاء في (مز 78: 6، 61؛ 1 صم 4: 11) إن السبي
هنا يعني ما حدث حين أخذ الفلسطينيون التابوت. هذا وقد جاء السفر خاليًا من
الألفاظ الكلدانية مما يؤكد كتابته قبل السبي البابلي.
وحدة السفر:
حاول بعض النقاد تمزيق وحدة السفر إلى
ثلاث وحدات بكون كاتب صلب السفر (ص 3–16) غير كاتب المقدمة (ص
1، 2) وغير كاتب الملحق له (ص 17–21)، إذ
يرون أن كاتب الملحق في عصر متأخر جدًا. وقد أكد رتشارد فرنش
Richard Valpy French وحدة السفر خلال
دراسته له من الناحية اللغوية إذ وجد كلمات عبرية كثيرة مشتركة بين صلب السفر
والملحق، وبين مقدمة السفر والملحق، وبين المقدمة وصلب السفر(5).
St-Takla.org Image: صورة في |
غاية السفر:
يمكننا القول بأن الفترة التي عاصرها
القضاة هي فترة ارتداد فيها انشغل الشعب عن متابعة الجهاد لامتلاك أرض الموعد
وانهمكوا في العبادة الوثنية ومشاركة الأمم رجاساتهم. لكنه وُجدت قلة من المؤمنين
عبدوا الله، كما يشهد بذلك وجود خيمة الاجتماع في شيلوه (قض 18:
31)، والاحتفال بالعيد السنوي (قض 21: 19) ووجود
رئيس الكهنة والاهتمام بتابوت العهد (قض 20: 27-28)،
وتقديم ذبائح لله (قض 13: 15-16،
23، 20-26؛ 21: 4)، وممارسة الختان
(قض 14: 3؛ 15: 18)، وتقديم نذور للرب
(قض 11: 30؛ 13: 5).
جاء هذا السفر لا ليعرض تاريخ هذه الحقبة
وإنما ليعالج مشكلة الارتداد، كيف يُفقد الجماعة المقدسة قدسيتها ووحدتها،
ويحطمها أمام العدو ويذلها. هذا كله ثمرة الارتداد وبسماح إلهي حتى ترجع الجماعة
إلى الرب بتوبة جماعية مشتركة وتنفتح قلوب الكل لله فيرسل عونًا وخلاصًا.
محتوياته:
يعالج هذا السفر فترة ما بين قرنين
وثلاثة قرون أعقبت دخول شعب إسرائيل كنعان على يديّ يشوع، تبدأ بموت يشوع وتنتهي بموت
شمشون أو قُبيل بداية صموئيل النبي وانطلاق عهد الملوك على يديه (شاول ثم داود).
يصعب جدًا تحديد مدة هذه الفترة من خلال
السفر نفسه، لأنه لو جمعنا الفترات التي حكم فيها القضاء مع فترات الضيق أو
العبودية للأمم حيث لم يكن يوجد قضاة لوجدناها 410 عامًا، غير الفترة الحقيقية
التي لا تصل إلى هذا الرقم، لأن خلافة القضاة لم تكن متتالية بل عاصر بعضهم الآخر،
إذ كان نفوذ البعض على مستوى محلي وليس على مستوى الشعب كله(6).
هذا وقد تأخر البعض عن البعض الآخر فلم يكن القضاة يمثلون حلقة متصلة كالملوك.
وفيما يلي جدول عام للتواريخ الخاصة
بالقضاة (مع مراعاة تداخل الفترات فيما بينها).
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
ورد في الكتاب المقدس 14
قاضيًا منهم إثنا عشر قاضيًا في هذا السفر، حتى دعي بسفر الاثني عشر قاضيًا هذا
باعتبار أبيمالك (ص 9) ليس قاضيًا، واعتباره دبورة وباراق يمثلان قاضيًا
واحدًا، إذ يرى القديسان
أمبروسيوس(7)
وچيروم(8)
أن دبورة كانت قاضية، ويرى الأول أن باراق كان
ابنًا لدبورة الأرملة والقاضية،
وكان مجرد قائد حرب وليس قاضيًا.
St-Takla.org Image: صورة في |
إن كان سفر القضاة يمثل أحد العصور
المظلمة لشعب بني إسرائيل بسبب تهاونهم في التمتع بكمال مواعيد الله وانحرافهم نحو
العبادة الوثنية بعد استقرارهم في أرض الموعد، فإن الله لم يترك شعبه بل كان يرسل
لهم مخلصًا أو قاضيًا يدفعهم إلى حياة التوبة ويخلصهم من العدو الذي أسلمهم له
الله للتأديب، بل بالحري سلمتهم له خطاياهم ليذوقوا ثمرتها المرّة.(انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في
موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى).
وقد جاءت
شخصيات هؤلاء القضاة تكشف بعض جوانب المخلص الحقيقي يسوع المسيح، كما جاءت الأحداث
التي ارتبطت بهم تعلن الكثير عن خدمة العهد الجديد التي تمس حياتنا الروحية.
هذا هو المنهج الذي أود أن أتبعه في
تفسير هذا السفر، في شيء من البساطة، معتمدًا على فكر بعض آباء الكنيسة الأولى وفي
نظرتهم لأحداث وأشخاص هذا السفر.
إن كان سفر القضاة يعلن عن شخص السيد
المسيح خلال حياة القضاة وتصرفاتهم، فإنه إذ هو سفر الغلبة ضد العدو خلال هؤلاء
القضاة يكشف عن “الروح القدس” كروح القوة الذي به ننتصر في جهادنا
الروحي. وما فعله القضاة من أعمال مجيدة فائقة كانت بروح الرب وليس بعمل بشري،
تقدم لنا إمكانية في حياتنا الروحية وجهادنا ضد إبليس وأعماله الشريرة لا بقوتنا
الذاتية وإنما بعمل الروح فينا.
في حديث
القديس كيرلس الأورشليمي
عن
الروح القدس يقول: [تظهر قدرة هذا الروح في سفر القضاة، فبه حكم
عثنيئيل (قض 3:
10)، وبه اعتزت قوة جدعون (قض 6: 34)، وانتصر يفتاح (قض 11: 29)، وأقامت دبورة كامرأة حربًا، وقام شمشون في فترة
سلوكه بالبرّ بأعمال تفوق القدرة الإنسانية(9)].
أقسامه:
يحوي هذا السفر مقدمتين، في الأولى (ص
1) يقدم لنا إمكانية الإنسان أو الجماعة في أرض الموعد (الحياة الجديدة) إن
يغلب ويملك بلا انقطاع، وفي الثانية (ص 2) يقدم ملخصًا للاهوت هذا السفر كله
في إيجاز(10).
كما يضم السفر ملحقين هما عبارة عن حادثتين تمتا في عصر القضاة تكشفان عن مدى ما
وصل إليه الشعب من انحطاط أخلاقي وفساد (ص 17: 21).
|
|||
|
|||
|
_____
الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في
موقع الأنبا تكلاهيمانوت:
(1) Jerome Biblical Commentary, P 149.
(2) John L. Mckenzie: Deict. of the Bible, P 465.
(3) J. Raven: O.T. Introduction, P 159.
(4) Richard V. French: Lex Mosaica, P 191.
(5) Ibid 198 – 199: J. Raven: O.T. Introduction, P 158.
(6) Jerome Biblical Commentary, P 150.
(7) Conc. Widows, Ch 8.
(8) Ep. ad Furiam 17.
(9) Cat. hect. 16:28
(10) Mckenzie, P 464.
← تفاسير أصحاحات
القضاة:
مقدمة |
1 |
2 |
3 |
4 |
5 |
6 |
7 |
8 |
9 |
10 |
11 |
12 |
13 |
14 |
15 |
16 |
17 |
18 |
19 |
20 |
21
تفاسير أسفار الكتاب المقدس
1- تفاسير سفر التكوين
2- تفاسير سفر الخروج
3- تفاسير سفر اللاويين
4- تفاسير سفر العدد
5- تفاسير سفر التثنية
6- تفاسير سفر يشوع
7- تفاسير سفر القضاة
8- تفاسير سفر راعوث
9- تفاسير سفر صموئيل الأول
10- تفاسير سفر صموئيل الثاني
11- تفاسير سفر الملوك الأول
12- تفاسير سفر الملوك الثاني
13- تفاسير سفر أخبار الأيام الأول
14- تفاسير سفر أخبار الأيام الثاني
15- تفاسير سفر عزرا
16- تفاسير سفر نحميا
17- تفاسير سفر طوبيا
18- تفاسير سفر يهوديت
19- تفاسير سفر أستير + التتمة
20- تفاسير سفر أيوب
21- تفاسير سفر المزامير + مز 151
22- تفاسير سفر الأمثال
23- تفاسير سفر الجامعة
24- تفاسير سفر نشيد الأناشيد
25- تفاسير سفر الحكمة
26- تفاسير سفر يشوع بن سيراخ
27- تفاسير سفر إشعياء
28- تفاسير سفر إرميا
29- تفاسير سفر مراثي إرميا
30- تفاسير سفر نبوة باروخ
31- تفاسير سفر حزقيال
32- تفاسير سفر دانيال + التتمة
33- تفاسير سفر هوشع
34- تفاسير سفر يوئيل
35- تفاسير سفر عاموس
36- تفاسير سفر عوبديا
37- تفاسير سفر يونان
38- تفاسير سفر ميخا
39- تفاسير سفر ناحوم
40- تفاسير سفر حبقوق
41- تفاسير سفر صفنيا
42- تفاسير سفر حجي
43- تفاسير سفر زكريا
44- تفاسير سفر ملاخي
45- تفاسير سفر المكابيين الأول
46- تفاسير سفر المكابيين الثاني
1- تفاسير إنجيل متى
2- تفاسير إنجيل مرقس
3- تفاسير إنجيل لوقا
4- تفاسير إنجيل يوحنا
5- تفاسير سفر أعمال الرسل
6- تفاسير الرسالة إلى رومية
7- تفاسير رسالة كورنثوس الأولى
8- تفاسير كورنثوس الثانية
9- تفاسير الرسالة إلى أهل غلاطية
10- تفاسير الرسالة إلى أفسس
11- تفاسير الرسالة إلى فيلبي
12- تفاسير الرسالة إلى كولوسي
13- تفاسير تسالونيكي الأولى
14- تفاسير تسالونيكي الثانية
15- تفاسير رسالة تيموثاوس الأولى
16- تفاسير تيموثاوس الثانية
17- تفاسير الرسالة إلى تيطس
18- تفاسير الرسالة إلى فيلمون
19- تفاسير رسالة العبرانيين
20- تفاسير رسالة يعقوب
21- تفاسير رسالة بطرس الأولى
22- تفاسير رسالة بطرس الثانية
23- تفاسير رسالة يوحنا الأولى
24- تفاسير رسالة يوحنا الثانية
25- تفاسير رسالة يوحنا الثالثة
26- تفاسير رسالة يهوذا
27- تفاسير سفر الرؤيا