يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عنى هذه الكأس


+(متى 26: 36-46)

36حِينَئِذٍ جَاءَ مَعَهُمْ يَسُوعُ إِلَى ضَيْعَةٍ يُقَالُ لَهَا جَثْسَيْمَانِي، فَقَالَ لِلتَّلاَمِيذِ: «اجْلِسُوا هَهُنَا حَتَّى أَمْضِيَ وَأُصَلِّيَ هُنَاكَ». 37ثُمَّ أَخَذَ مَعَهُ بُطْرُسَ وَابْنَيْ زَبْدِي، وَابْتَدَأَ يَحْزَنُ وَيَكْتَئِبُ. 38فَقَالَ لَهُمْ: «نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدّاً حَتَّى الْمَوْتِ. امْكُثُوا هَهُنَا وَاسْهَرُوا مَعِي». 39ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ،
وَكَانَ يُصَلِّي قَائِلاً: «يَا أَبَتَاهُ، إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ، وَلَكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ». 40ثُمَّ جَاءَ إِلَى التَّلاَمِيذِ فَوَجَدَهُمْ نِيَاماً، فَقَالَ لِبُطْرُسَ: «أَهَكَذَا مَا قَدَرْتُمْ أَنْ تَسْهَرُوا مَعِي سَاعَةً وَاحِدَةً؟ 41اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلَّا تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ. أَمَّا الرُّوحُ فَنَشِيطٌ وَأَمَّا الْجَسَدُ فَضَعِيفٌ».
42فَمَضَى أَيْضاً ثَانِيَةً وَصَلَّى قَائِلاً: «يَا أَبَتَاهُ إِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ تَعْبُرَ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ إِلاَّ أَنْ أَشْرَبَهَا، فَلْتَكُنْ مَشِيئَتُكَ». 43ثُمَّ جَاءَ فَوَجَدَهُمْ أَيْضاً نِيَاماً، إِذْ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ ثَقِيلَةً. 44فَتَرَكَهُمْ وَمَضَى أَيْضاً
وَصَلَّى ثَالِثَةً قَائِلاً ذَلِكَ الْكَلاَمَ بِعَيْنِهِ. 45ثُمَّ جَاءَ إِلَى تَلاَمِيذِهِ وَقَالَ لَهُمْ: «نَامُوا الآنَ وَاسْتَرِيحُوا! هُوَذَا السَّاعَةُ قَدِ اقْتَرَبَتْ، وَابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي الْخُطَاةِ. 46قُومُوا نَنْطَلِقْ! هُوَذَا الَّذِي يُسَلِّمُنِي قَدِ اقْتَرَبَ!».


+(مرقس 14: 32-42)

32وَجَاءُوا إِلَى ضَيْعَةٍ اسْمُهَا جَثْسَيْمَانِي، فَقَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: «اجْلِسُوا هَهُنَا حَتَّى أُصَلِّيَ». 33ثُمَّ أَخَذَ مَعَهُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا، وَابْتَدَأَ يَدْهَشُ وَيَكْتَئِبُ. 34فَقَالَ لَهُمْ: «نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدّاً حَتَّى الْمَوْتِ! امْكُثُوا هُنَا وَاسْهَرُوا». 35ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى الأَرْضِ، وَكَانَ يُصَلِّي لِكَيْ تَعْبُرَ عَنْهُ السَّاعَةُ إِنْ أَمْكَنَ. 36وَقَالَ: «
يَا أَبَا الآبُ، كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ لَكَ، فَأَجِزْ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسَ. وَلَكِنْ لِيَكُنْ لاَ مَا أُرِيدُ أَنَا، بَلْ مَا تُرِيدُ أَنْتَ».37ثُمَّ جَاءَ وَوَجَدَهُمْ نِيَاماً، فَقَالَ لِبُطْرُسَ: «يَا سِمْعَانُ، أَنْتَ نَائِمٌ! أَمَا قَدَرْتَ أَنْ تَسْهَرَ سَاعَةً وَاحِدَةً؟ 38اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ. أَمَّا الرُّوحُ فَنَشِيطٌ، وَأَمَّا الْجَسَدُ فَضَعِيفٌ».
39وَمَضَى أَيْضاً وَصَلَّى قَائِلاً ذَلِكَ الْكَلاَمَ بِعَيْنِهِ. 40ثُمَّ رَجَعَ وَوَجَدَهُمْ أَيْضاً نِيَاماً، إِذْ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ ثَقِيلَةً، فَلَمْ يَعْلَمُوا بِمَاذَا يُجِيبُونَهُ.
41ثُمَّ جَاءَ ثَالِثَةًوَقَالَ لَهُمْ: «نَامُوا الآنَ وَاسْتَرِيحُوا! يَكْفِي! قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ! هُوَذَا ابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي الْخُطَاةِ. 42قُومُوا لِنَذْهَبَ. هُوَذَا الَّذِي يُسَلِّمُنِي قَدِ اقْتَرَبَ!».


+(لوقا 22: 39-44)

39وَخَرَجَ وَمَضَى كَالْعَادَةِ إِلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ، وَتَبِعَهُ أَيْضاً تَلاَمِيذُهُ. 40وَلَمَّا صَارَ إِلَى الْمَكَانِ قَالَ لَهُمْ: «صَلُّوا لِكَيْ لاَ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ». 41وَانْفَصَلَ عَنْهُمْ نَحْوَ رَمْيَةِ حَجَرٍ وَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَصَلَّى 42قَائِلاً: «
يَا أَبَتَاهُ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسَ. وَلَكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ». 43وَظَهَرَ لَهُ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ يُقَوِّيهِ. 44وَإِذْ كَانَ فِي جِهَادٍ كَانَ يُصَلِّي بِأَشَدِّ لَجَاجَةٍ، وَصَارَ عَرَقُهُ كَقَطَرَاتِ دَمٍ نَازِلَةٍ عَلَى الأَرْضِ.

 

يقول المعترض:
أن المسيح رفض أن يموت على الصليب

والقول أن المسيح جاء إلى العالم برضاه لكي يموت على الصليب ويصالح البشرية مع الله ويفديهم بدمه ويخلصهم من خطيئة آدم، يتناقض مع ما جاء في الأناجيل التى أظهرت أن المسيح رفض الصلب وتراجع عن قراره وصلي إلى الله أن يعبر عنه هذا الكأس ولا يصلب، حتى أن عرقه تصبب كقطرات دم نازلة على الأرض (متى 26: 36-46)، (مرقس 14: 32-42)، (لوقا 22: 39-44)

كما يضيف المعترض تساؤلات أخرى هى:

(أولاً) ما هو سبب حزن وإكتئاب المسيح وتصبب عرقة مثل قطرات الدم؟

(ثانياً) لماذا صلى المسيح ثلاث مرات؟

(ثالثاً) ما هو قصد المسيح أن تعبر عنه تلك الكأس؟

(رابعاً) لمن كان المسيح يصلى إذا كان هو الله؟

(خامساً) هل كان للمسيح إرادة ومشيئة مغايرة لإرادة ومشيئة الآب؟‍


 


الرد:

لا يستطيع أى إنسان حتى وقتنا الحاضر تصور مقدار ثقل خطية البشر التى تحملها المسيح على كاهلة فى سبيل فداء العالم، وتعجز الأقلام عن شرح هذا السر الذى لا يستطيع أى عقل بشرى إستيعابة.

وأما قول المسيح “يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عنى هذه الكأس” فقد تجسدت مرارة تلك الساعة فى أشد معانيها فى رغبة المسيح كنائباً عن البشر فى أن لا يقف هكذا أمام الله الآب مجدِّفاً متعدِّياً صانعاً شرًّا.

ولكن ما الحيلة وماهو المخرج والمنفذ وهو قد وضع على عاتقه إثم جميع الناس، وإذ به يتخذ صورة المتهم الذى أغضب الله، وهكذا إنبرت مشيئة الابن بالنهاية موافقة راضخة لمشيئة الآب، أن يقف المسيح الابن المتجسِّد موقف الإنسان – معادياً لله حاملاً خطايا البشرية في جسده، محكوماً عليه بالموت واللعنة من الله قبل أن ينالها على الصليب من أفواه حكَّامه والصالبين.

 


(أولاً) سبب حزن وإكتئاب المسيح وتصبب عرقة مثل قطرات الدم:

(متى 26: 37-38) 37ثُمَّ أَخَذَ مَعَهُ بُطْرُسَ وَابْنَيْ زَبْدِي، وَابْتَدَأَ يَحْزَنُ وَيَكْتَئِبُ. 38فَقَالَ لَهُمْ: «نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدّاً حَتَّى الْمَوْتِ.

(مرقس 14: 33-34) 33ثُمَّ أَخَذَ مَعَهُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا، وَابْتَدَأَ يَدْهَشُ وَيَكْتَئِبُ. 34فَقَالَ لَهُمْ: «نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدّاً حَتَّى الْمَوْتِ!

إن تلك الآية تعتبر من الآيات الروحية العميقة جداً، بل ومن أقوى الآيات غموضاً على فهمنا وإدراكنا البشرى المحدود لفهم تلك الساعات الرهيبة التى عاشها السيد المسيح بعد العشاء الربانى ليلة خميس العهد وحتى صلبة يوم الجمعة، لدرجة أنه قال لتلاميذه أن نفسه حزينة حتى الموت.

وظهور ملاك من السماء للمسيح ليعزية ويشدده ويقوية إنما هذا دليل تأكيد أن آلام المسيح فى جسده البشرى كانت آلاما حقيقية تعرض لها الناسوت.

نعم لقد كانت نفس السيد المسيح حزينة وإستمر هذا الحزن حتى مات، وما أن ذاق الموت حتى تحول هذا الحزن إلى فرح بفداء وخلاص العالم، ومن هنا كانت مسرة الله أن يسحقة بالحزن وجعلة ذبيحة لخلاص العالم:

(أشعياء 53: 10)
أما الرب فَسُرَّ بأن يسحقه بالحزن إن جعل نفسه ذبيحة إثم

لم يقل الإنجيل أن المسيح كان خائفاً بل كان حزيناً مكتئباً

وسر حزن المسيح ليس الخوف من آلام الصليب بل هو:

1- حمل المسيح أحزان كل البشرية التى أخطات وإنفصلت عن الله بصفته نائباً عن البشر.

2- حمل المسيح آلام وإكتئاب كل إنسان إنفصل عن الله.

3- الحزن بسبب ثقل خطايا العالم التى أغضبت الله وحملها المسيح وحده.

4- الحزن بسبب الترك والإنفصال الأدبى بين الآب والإبن الذى سوف يتعرض للقصاص والمحاكمة، جعل المسيح فى قمة الحزن والإكتئاب.

فقد كان ذلك الإنفصال الآدبى ووقوف المسيح أمام الله متهماً هى كأس الآلام بعينها

ولكن ماذا عن الصليب؟؟ لم يكن الصليب هو الكأس من جهة المسيح أقنوم الإبن، بل على العكس فقد كان الصليب هو سبيل مسرة الله، لقد جاء المسيح لكى يصلب وينفذ مشيئة الله

وبسبب هذا الإنفصال الادبى والحزن والكآبه ووقوف المسيح متهم بدون ذنب عن خطايا العالم، صار
عرقة يتصبب كقطرات من الدمولذلك طلب من الله الآب أن يبعد عنه حتى مجرد التفكير فى مثل هذا الأمر غير الموصوف.

فلم يعترض المسيح ولم يتراجع عن الصلب، حتى وهو معلق ومصلوب قال:

(متى 27: 46) صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً: «إِيلِي إِيلِي لَمَا شَبَقْتَنِي» أَيْ: (إِلَهِي إِلَهِي لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟)

(مرقس 15: 34) صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً: «إِلُوِي إِلُوِي لَمَا شَبَقْتَنِي؟» (اَلَّذِي تَفْسِيرُهُ: إِلَهِي إِلَهِي لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟)

لاحظ هنا لم يقل المسيح «لماذا سمحت بآلامي؟» بل قال «لماذا تركتني؟»

لأن شدة آلامه كانت نتيجة احتماله خطية العالم فصار متروكاً من الله باعتباره نائب الخطاة جميعاً.

فذاق المسيح الموت عن كل إنسان (عب 2: 9)

والذي لم يعرف خطية جُعل خطية لأجلنا لنصير نحن برّ الله فيه (2 كو 5: 21).

لم تكن صرخة المسيح بسبب آلامه الجسدية، التى لا يستطيع أى إنسان عادى أن يصرخ مثلها بعد أن خارت وضاعت كل قواه من الجلد والتعذيب وحمل الصليب وتعليقة ست ساعات على الصليب نذف فيها كمية دم كثيرة جداً من يدية ورجلية على الصليب.

بل كانت تلك الصرخة العظيمة المدوية بسبب إحتجاب وجه الآب عنه.

والحق أن الآب لم يترك المسيح، لأنه في ذلك الوقت كان يقوم بالعمل الذي يُفرح قلب الله.

«أما الرب فَسُرَّ بأن يسحقه بالحزن إن جعل نفسه ذبيحة إثم» (إش 53: 10).

وبسبب حزن المسيح الشديد هذا على الصليب الذى فاق كل آلامه إنفجر قلبة!!!

نعم.. لقد مات المسيح على الصليب بسبب حدوث إنفجار فى القلب

وكان خروج دم وماء من جنبه بعد طعنة فى جنبه بالحربة دليل على حدوث إنفجار فى قلب المسيح من قمة الحزن.

كانت كأس عصيبة من الآلام النفسية والمحن العصيبة جدا التى مر بها المسيح.

وهذا رداً على من يقول أن المسيح كان خائفاً وتراجع فى قرار إقدامة على الصلب

فالآية واضحة بها كلمة كأس، لم يقال أنه كان خائفاً أو مرعبواً

ولم يقل المسيح أنه لا يريد أن يصلب وتراجع عن قرارة ورغبتة فى الصلب

فقد كان المسيح حزينا جدا ووصل لدرجة الإكتئاب

ولو راجعنا ما كتبه لوقا تماماً نلاحظ:

(لوقا 22: 44) وَإِذْ كَانَ فِي جِهَادٍ كَانَ يُصَلِّي بِأَشَدِّ لَجَاجَةٍ، وَصَارَ عَرَقُهُ كَقَطَرَاتِ دَمٍ نَازِلَةٍ عَلَى الأَرْضِ.

صار عرق المسيح كقطرات دم نازلة على الأرض بسبب الجهاد الشديد فى الصلاه وليس من الخوف

فالخوف الشديد لا يتسبب فى سقوط عرق كقطرات دم بل قد لا يسقط عرق علي الاطلاق

وعلمياً معروف أن الإنسان فى حالة الخوف ينتج هرمون الأدرينالين

Epinephrine and norepinephrine

المسئول عن تشغيل الجهاز العصبي السمباستيك، لزيادة ضخ الدم للعضلات الكبيره مثل الرجلين وغيرهما ليعين الشخص علي سرعة الهرب ويذود معدل التنفس، وفي نفس الوقت يقلل توارد الدم للجهاز الهضمي وايضا يقلل توارد الدم للجلد فيجعل الجلد باردا جافا الي حد ما ولا تحدث معه هذه الحالة

اما فى حالة العرق الذى يتصبب مثل قطرات دم
Bloody sweat

وإسمه العلمي
Hematohidrosis

وتعريفه

Hematidrosis (also called hematohidrosis) is a very rare condition in which a human being sweats blood. It may occur when a person is suffering extreme levels of stress, for example, facing his or her own death. Several historical references have been described; notably by Leonardo da Vinci: describing a soldier who sweated blood before battle

وهي حالة نادره ممكن تحدث لشخص يقع تحت ضغط نفسي شديد جدا فيؤدي الي انفجار الشعيرات الدمويه الموجوده في الغدد العرقيه ويختلط الدم بالعرق وتخرج قطرات عرق مختلطه بالدم ويكون لونها دموي (عرق مدموم)، وهذا ليس من الخوف ولكنه حالة مختلفه تماما ناتجة من ضغط نفسي شديد جداً

وإشعياء النبى وصف حالة المسيح تماماً يومى خميس العهد والجمعة العظيمة على الصليب:

(إشعياء 53: 1-12) 2 نَبَتَ قُدَّامَهُ كَفَرْخٍ
وَكَعِرْق
مِنْ أَرْضٍ يَابِسَةٍ، لاَ صُورَةَ لَهُ وَلاَ جَمَالَ فَنَنْظُرَ إِلَيْهِ، وَلاَ مَنْظَرَ فَنَشْتَهِيَهُ. 3 مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ النَّاسِ،
رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ الْحَزَنِ
، وَكَمُسَتَّرٍ عَنْهُ وُجُوهُنَا، مُحْتَقَرٌ فَلَمْ نَعْتَدَّ بِهِ. 4 لكِنَّ
أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا
، وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَابًا مَضْرُوبًا مِنَ اللهِ وَمَذْلُولاً. 5 وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. 6 كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ، وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا. 7 ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. 8 مِنَ الضُّغْطَةِ وَمِنَ الدَّيْنُونَةِ أُخِذَ. وَفِي جِيلِهِ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ قُطِعَ مِنْ أَرْضِ الأَحْيَاءِ، أَنَّهُ ضُرِبَ مِنْ أَجْلِ ذَنْبِ شَعْبِي؟ 9 وَجُعِلَ مَعَ الأَشْرَارِ قَبْرُهُ، وَمَعَ غَنِيٍّ عِنْدَ مَوْتِهِ. عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ ظُلْمًا، وَلَمْ يَكُنْ فِي فَمِهِ غِشٌّ. 10 أَمَّا الرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِالْحَزَنِ. إِنْ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ يَرَى نَسْلاً تَطُولُ أَيَّامُهُ، وَمَسَرَّةُ الرَّبِّ بِيَدِهِ تَنْجَحُ. 11 مِنْ تَعَبِ نَفْسِهِ يَرَى وَيَشْبَعُ، وَعَبْدِي الْبَارُّ بِمَعْرِفَتِهِ يُبَرِّرُ كَثِيرِينَ، وَآثَامُهُمْ هُوَ يَحْمِلُهَا. 12 لِذلِكَ أَقْسِمُ لَهُ بَيْنَ الأَعِزَّاءِ وَمَعَ الْعُظَمَاءِ يَقْسِمُ غَنِيمَةً، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سَكَبَ لِلْمَوْتِ نَفْسَهُ وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ، وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ وَشَفَعَ فِي الْمُذْنِبِينَ.

 


(ثانياً) سبب صلاة المسيح ثلاثة مرات:

لقد كانت تلك الصلاة ليلة الخميس بعد العشاء الربانى وكان يسوع يصلى وحده، ومن المؤكد أن السيد المسيح بعد قيامتة قص على التلاميذ والرسل أحداث تلك الصلاة ولذلك دونوها فى الأناجيل.

وفى تلك الساعة وأثناء صلاة المسيح بدأت تتحقق نبؤة أيوب:

(أيوب 9: 32-33) 32 لأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ إِنْسَاناً مِثْلِي فَأُجَاوِبَهُ فَنَأْتِي جَمِيعاً إِلَى الْمُحَاكَمَةِ. 33 لَيْسَ بَيْنَنَا مُصَالِحٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى كِلَيْنَا!

فالله ليس إنسان مثلنا حتى يأتى إلى المحكمة ونحضر جميعا المحاكمة، ولا يوجد مصالح أو محامى بين الله والناس حتى يضع يده على كلينا (بين الله والناس)

فمن هو ذلك المصالح؟

من يترافع عن الله؟

من يترافع عن الإنسان؟

الإجابة: أن من يترافع عن الله الخصم هو الله ذاته.. ومن يترافع عن الإنسان هو الإنسان؟

وهنا تحقق قول بولس الرسول:

(تيموثاؤس الأولى 2: 5) لأَنَّهُ يُوجَدُ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ:

الإِنْسَانُ

يَسُوعُ الْمَسِيحُ

وهكذا تجسد الإله الواحد فى صورة الإنسان يسوع المسيح الله الظاهر فى الجسد إبن الله المتجسد

ليكون محامياً ومصالحاً بين الله الآب من خلال لاهوته والإنسان من خلال ناسوته.

 


محكمة العدل الإلهية:


فى تلك الساعة إنعقدت ثلاث جلسات لمحكمة العدل الإلهية:

القاضى:

الله

أقنوم الآب

الخصم:

الله

الثالوث الأقدس

المتهم:

الإنسان

الإنسان يسوع المسيح إبن الإنسان المتجسد (نائب عن البشر)

دفاع الخصم:

إبن الله

أقنوم
الكلمة

دفاع المتهم:

إبن الله

أقنوم
الكلمة

رغم أن طرفى النزاع هما الله والإنسان:

إلا أننا نلاحظ القضية بها خمسة عناصر، القاضى والخصم والمتهم ومحامى الخصم ومحامى المتهم.

ولكن الغريب أن:

1- الله مثلث الأقانيم هو الخصم والحكم فى نفس الوقت..

2- نفس المحامى للدفاع الخصم والمتهم وهو المسيح إبن الله أقنوم الكلمة.

3- المتهم برئ من التهم المنسوبة إليه ولكنه تطوع إختيارها لحمل تلك الإتهامات

4- محامى المتهم ظهر فى صورة لاهوت المسيح

5- المتهم ظهر فى صورة ناسوت المسيح

فالمسيح إبن الله أقنوم الكلمة هو نفسه المصالح والمحامى والدفاع بين الطرفين.

حقاً إنها محكة غريبة ومعقدة جداً لا تستطيع الكلمات ومفردات اللغة فك رموز وشفرات تلك المحاكمة الرهيبة.

وفى أثناء تلك المحاكمة حدث إنفصال آدبى بين الآب القاضى والإبن المتجسد المتهم.

لقد دخل المسيح بتجسده فى تجربة الإنفصال عن الله أدبياً، ليمثل واقع الإنسان المرير بعد سقوطه بكل معناه حتى فى إنفصاله عن الله بسبب الخطية وهنا حجب الله الآب وجهه عن إبنه المتجسد فى صورة الإنسان المتهم.


لماذا؟

لأن المسيح هنا وقف موقف المتهم والمدان والمذنب

ووقف المسيح أمام الله الآب حاملاً كل ذنوب العالم من شرور وتعدى وقتل وتجديف

فالموضوع ليس صورياً ولا بلاغياً بل هو واقع حقيقى مأسوى ومرير لا نستطيع إدراكة.

وقف المسيح أمام الله نائباً عن كل البشر ولبس كل ذنوب العالم

وتعهد على نفسه بصك الديون التى أغضبت الله من كل البشر

فهو قد وقع بالنيابة عنا على ديوننا وخطيانا وأبرأ ذمتنا أمام الله

وأصبح هو الآن المديون الفعلى أمام الله

وفى هذه المحاكمة وقف المسيح إبن الإنسان أمام الله:

متهماً فى صورة آدم الذى عصى أمر الله وهو لم يعصى (حاشاً)

متهماً فى صورة كل قاتل وهو الذى لم يقتل (حاشاً)

متهماً فى صورة كل زانى وهو الذى لما يزنى (حاشاً)

متهماً فى صورة كل سارق وكاذب وعابد الآوثان.. إلخ

 

وسوف نتناول بعض التفصيل فى صلاة المسيح فى بستان جثسيمانى:

كانت صلاوت المسيح الثلاثة فى تلك الليلة هى ثلاث جلسات إستئناف لمحكمة العدل الإلهية، وسوف نحاول من نصوص إنجيلى متى ومرقس صياغة تاك الجلسات كالتالى:

 


الجلسة الأولى:


(متى 26: 39) يَا أَبَتَاهُ، إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ، وَلَكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ


(مرقس 14: 36) يَا أَبَا الآبُ، كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ لَكَ، فَأَجِزْ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسَ.

المتهم:

الإنسان

يَا أَبَا الآبُ، كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ لَكَ، فَأَجِزْ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسَ

المتهم:

الإنسان

يَا أَبَتَاهُ، إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ

دفاع المتهم:

إبن الله

وَلَكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا

دفاع الخصم:

إبن الله

بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ

القاضى:

الله

الله الآب لم يجاوب الإبن


 


+ المتهم: الإنسان يسوع المسيح إبن الإنسان المتجسد (نائب عن البشر)


(مرقس 14: 36) يَا أَبَا الآبُ، كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ لَكَ، فَأَجِزْ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسَ.

المتهم:

الإنسان

يَا أَبَا الآبُ، كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ لَكَ، فَأَجِزْ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسَ

المتهم:

الإنسان

يَا أَبَتَاهُ، إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ

وكأن المسيح الإنسان

المتهم
يقول:

والآن يأبى أتت الساعة وكأس العقاب قد حان وقتها

وأنا بصفتى إبن الإنسان حامل خطايا العالم وممثلاً عن الإنسان

أعلم أنك تستطيع كل شئ فأنت وحدك الإله القادر على كل شئ

فهل تسمح رحمتك الإلهية أن تصنع مع الإنسان حسب رحمتك وتعبر تلك الكأس عنه بدون صلب؟


 


+ دفاع المتهم: المسيح إبن الله الكلمة:


(متى 26: 39) يَا أَبَتَاهُ، إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ

دفاع المتهم:

إبن الله

وَلَكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا

المسيح هنا بصفته إبن الإنسان والمحامى وومثل الدفاع عن الإنسان المتهم يتقدم إلى الله الآب بإستفسار وتساؤل: هل من الممكن عبور تلك الكأس وعدم موت الإنسان، لكن الأمر متروك لك حسب إراداتك.


 


+ دفاع الخصم: المسيح إبن الله الكلمة:

دفاع الخصم:

إبن الله

بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ

المسيح هنا بصفته الله وممثل الدفاع عن الحق والعدل الإلهى، يتقدم إلى الله الآب القاضى، ويقول له، وإنت كنت أنا ممثل الدفاع عن الإنسان وهذه رغبتى ورغبتك أيضاً فى عدم موت الإنسان

إلا إننى ممثل الدفاع عن الحق الإلهى فأنت الإله الحق وحدك والعدل هو طريقك منذ الأزل

فإن كانت تلك الرغبة تتعارض مع إرادتك فلتكن مشيئتك

وليس كما أريد (أرغب) أنا بل كما تريد (تشاء) أنت.


 


+ القاضى:

القاضى:

الله

الله الآب لم يجاوب الإبن

لم يتلقى المسيح إجابة أخرى من الآب وما زال قرار الصلب قائماً.

فقد بحث القاضى فى القضية وبعلمة الأزلى لم يجد وسيلة للخلاص سوى الصليب

ورغبة الطرفين فى التصالح تتطلب المحافظة على وحدة العدل والرحمة الإلهية

ولأن عدل الله هو عدل رحيم.. ورحمتة رحمة عادلة.

لم يشأ موت الإنسان وكفل له الوعد بتنفيذ الخلاص.

 


الجلسة الثانية:


(متى 26: 42) يَا أَبَتَاهُ إِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ تَعْبُرَ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ إِلاَّ أَنْ أَشْرَبَهَا، فَلْتَكُنْ مَشِيئَتُكَ

المتهم:

الإنسان

يَا أَبَتَاهُ إِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ تَعْبُرَ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ إِلاَّ أَنْ أَشْرَبَهَا

دفاع الخصم والمتهم:

إبن الله

فَلْتَكُنْ مَشِيئَتُكَ

القاضى:

الله

الله الآب لم يجاوب الإبن


الجلسة الثالثة:


(متى 26: 44) وَصَلَّى ثَالِثَةً قَائِلاً ذَلِكَ الْكَلاَمَ بِعَيْنِهِ

المتهم:

الإنسان

يَا أَبَتَاهُ إِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ تَعْبُرَ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ إِلاَّ أَنْ أَشْرَبَهَا

دفاع الخصم والمتهم:

إبن الله

فَلْتَكُنْ مَشِيئَتُكَ

القاضى:

الله

الله الآب لم يجاوب الإبن


القاضى


الله


الحكم بصلب المسيح

 

فى صلاة المسيح الثانية والثالثة أكد نفس الكلام ولكن مقارنة بالصلاة الأولى نلاحظ:


+ المتهم: الإنسان يسوع المسيح إبن الإنسان المتجسد (نائب عن البشر)


(متى 26: 39) يَا أَبَتَاهُ، إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ


(متى 26: 42) يَا أَبَتَاهُ إِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ تَعْبُرَ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ إِلاَّ أَنْ أَشْرَبَهَا

المتهم (1):

يَا أَبَتَاهُ، إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ

(متى 26: 39)

المتهم (2):

يَا أَبَتَاهُ إِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ تَعْبُرَ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ إِلاَّ أَنْ أَشْرَبَهَا

(متى 26: 42)

فى الصلاة الثانية، إنتقل المسيح الإنسان بصفتة نائب عن البشر خطوة أكثر للأمام إذ قد تحقق فى صلاته الأولى أنه لا سبيل للخلاص سوى بالصليب لتحقيق العدل الإلهى، فالإنسان مستوجب الموت وأحكام الله هى حق وعدل.

وهنا أقر المسيح فى صلاتة الثانية بأنه على إستعداد لشرب تلك الكأس.

 


+ دفاع الخصم والمتهم: المسيح إبن الله الكلمة:


(متى 26: 39) وَلَكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ


(متى 26: 42) فَلْتَكُنْ مَشِيئَتُكَ

دفاع الخصم والمتهم (1):

وَلَكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ

(متى 26: 39)

دفاع الخصم والمتهم (2):

فَلْتَكُنْ مَشِيئَتُكَ

(متى 26: 42)

فى الصلاة الثانية والثالثة، المسيح بصفته الدفاع والوسيط بين الطرفين (الله والناس) سلم وترك الأمر كلة لمشيئة الله.

وكأى محامى سواء من جانب الخصم أو من جانب المتهم فى نهاية مرافعتة يقول للقاضى والآن الأمر متروك لأيدى عدالتكم.

 

لقد كلم المسيح الله الآب ثلاث مرات مترجِّياً أن تعبر عنه الكأس

الصلاة الأولى: كانت لتكن إرادتك أنت وليس كما أريد أنا وخرج المسيح وسلَّم المشيئة كإنسان

الصلاة الثانية: إنتقل خطوة أكثر إن لم يمكن أن تعبر عني هذه الكأس إلاَّ أن أشربها، بمعنى إن لم يكن ممكناً أن تكون مشيئتي فلتكن مشيئتك.

الصلاة الثالثة: كانت لمزيد من تطبيع المشيئة على المشيئة وكانت حتماً فلتكن مشيئتك مسرَّتي!

ويكون المسيح قد أكمل النبوَّة بحروفها!!

وقد بذل دمه نفسه عنا ليصالحنا لنفسه بنفسه كما هو مكتوب:

هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية.

 

ومع صدور منطوق الحكم بصلب المسيح فى تلك المحكمة الإلهية، تمت المصالحة النظرية بين الخصم والمتهم أى بين الله والإنسان، وتم تنفيذ ذلك الحكم فى اليوم التالى بصلب المسيح وموته، وحينئذ تمت المصالحة العملية بالفعل بين الله والإنسان وتمت المصالحة بين السمائيين والأرضيين.

وأيضاً بعد صدور وتنفيذ حكم الصلب تمت النبؤات:

1- سرور الخصم: (إشعياء 53: 10) أَمَّا الرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِالْحُزْنِ. إِنْ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ

2- سرور دفاع الخصم (المسيح إبن الله): (عبرانيين 12: 2) نَاظِرِينَ إِلَى رَئِيسِ الإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ، الَّذِي مِنْ أَجْلِ السُّرُورِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَهُ، احْتَمَلَ الصَّلِيبَ مُسْتَهِينًا بِالْخِزْيِ، فَجَلَسَ فِي يَمِينِ عَرْشِ اللهِ.

3- سرور دفاع المتهم (المسيح إبن الله): (مزمور 40: 8) أَنْ أَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا إِلَهِي سُرِرْتُ. وَشَرِيعَتُكَ فِي وَسَطِ أَحْشَائِي.

 

وبعد أن إنتهى المسيح من قبول المشيئة الأبوية، أي شُرب كأس خطايا البشر لتسري كل الخطايا في عروقه وجسده، تكون الصلاة قد بلغت قمة ذروتها وأتت بثمرها وإرتاحت نفسه أن يكون خاطئاً وأن يكون خطية!! حتى عندما جاء إلى تلاميذه فى المره الثالثه قال لهم:

+(متى 26: 45-46) ثُمَّ جَاءَ إِلَى تَلاَمِيذِهِ وَقَالَ لَهُمْ: «نَامُوا الآنَ وَاسْتَرِيحُوا!

هُوَذَا السَّاعَةُ قَدِ اقْتَرَبَتْ

، وَابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي الْخُطَاةِ.

46قُومُوا


نَنْطَلِقْ

! هُوَذَا الَّذِي يُسَلِّمُنِي قَدِ اقْتَرَبَ!».

أى ناموا الآن وإستريحوا فلم أعد بحاجه لكم لكى تسهروا وتصلوا معى

بل والأكثر من ذلك قال لهم المسيح قوموا الآن

ننطلق
لأن الذى يسلمنى قد إقترب.

المتعارف عليه أن الشخص المتهم الهارب من حكم الإعدام ينطلق للهرب لكى ينقذ نفسه من الموت،

أما هنا فالمسيح يريد الإنطلاق لكى يموت ويصلب!!!

ونفس التعبير قاله أيضاً المسيح ليهوذا الإسخريوطى الخائن أن ينطلق بأقصى سرعة لكى يسلمه:

(يوحنا 13: 27) فَبَعْدَ اللُّقْمَةِ دَخَلَهُ الشَّيْطَانُ. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «مَا أَنْتَ تَعْمَلُهُ فَاعْمَلْهُ
بِأَكْثَرِ
سُرْعَةٍ

»

لماذا لأن ذلك هو مشيئة الله الآب وفى موت المسيح سروره.

أما تلاميذ المسيح فقد إنطلقوا بالفعل ولكن كان إنطلاقهم للهرب!!!

(متى 26: 56) وَأَمَّا هَذَا كُلُّهُ فَقَدْ كَانَ لِكَيْ تُكَمَّلَ كُتُبُ الأَنْبِيَاءِ». حِينَئِذٍ تَرَكَهُ التَّلاَمِيذُ كُلُّهُمْ وَهَرَبُوا.

(مرقس 14: 50) فَتَرَكَهُ الْجَمِيعُ وَهَرَبُوا.

كما قال لهم المسيح هوذا الساعة قد اقتربت

وهى تطابق لقوله: «تُوبُوا لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ» (متى 4: 17)

هذه هي الساعة التي جاء من أجلها ابن الإنسان:

“لأَجْلِ هَذَا أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ السَّاعَةِ” (يوحنا 12: 27)

تلك الساعة التى في باطنها جنين ملكوت السموات بإنتظار آلام المخاض لينطلق الجنين حاملاً مفديِّي الرب، فإن تألَّمنا معه ألم المخاض تمجَّدنا معه بمجد الملكوت

(رومية 8: 17) إِنْ كُنَّا نَتَأَلَّمُ مَعَهُ لِكَيْ نَتَمَجَّدَ أَيْضاً مَعَهُ.

فهذ ساعة إبن الإنسان وهذا ملكوت الله، وتفصلهما ساعة رؤساء الكهنة وسلطان الظلمة، لأن من الظلمة سيولد النور.

والآن عزيزي القارئ ترى في بستان جثسيماني ومن خلال صلوات المسيح الثلاث الدموية المنسحقة والابن المتجسِّد منكفئ بوجهه إلى التراب وعرقه ينزف كالدم، أقوى فعلين محوريين في عملية الفداء والخلاص.

الأول: قبول شرب كأس خطايا الإنسان من يد الآب والوقوف أمامه كخاطئ وحامل الخطية

الثاني: القبول بالتسليم ليد الخطاة بعد أن سلَّم نفسه ليد الآب!

وهكذا تسلح المسيح بصلاة جثسيماني للمحاكمة والصلب.

 


(ثالثاً) قصد المسيح أن تعبر عنه تلك الكأس:

+(متى 26: 39) يَا أَبَتَاهُ، إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ

+(مرقس 14: 36) يَا أَبَا الآبُ، كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ لَكَ، فَأَجِزْ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسَ.

وقف المسيح هنا أمام الله الآب يصلى بصفته محامى المتهم والإنسان المتهم المحكوم عليه بالموت معاً، وسأل الله، بصفته محامى الخصم (الله) والمتهم (الإنسان).

أيضاً تسائل وقال لله الآب متسائلاً:

يا أبى لقد حكمت على آدم ونسله بالموت عندما خالف وصيتك بالأكل من شجرة معرفة الخير والشر، ووعدته أيضاً بالخلاص بأن نسل المرأة يسحق رأس الحية.

(تكوين 3: 15) هُوَ يَسْحَقُ رَاسَكِ وَانْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ».

(تكوين 3: 19) لانَّكَ تُرَابٌ وَالَى تُرَابٍ تَعُودُ»

والآن قد أتت الساعة لتنفيذ هذا الوعد الإلهى.

والمسيح إبن الإنسان هنا يمثل الإنسان فى صراعة من الله من أجل الحصول على الخلاص من الموت

ويتقدم المسيح إلى الله الآب بإستفسار وتساؤل شخصى مباشر كممثل للبشر


يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عنى هذه الكأس

هذا الإستفسار والتساؤل مازال يدور فى ذهن كل إنسان حتى الآن وهو:

هل من إمكانية للخلاص بدون الصليب؟

ألم يكن الله قادراً على غفران خطية آدم ونسلة بكلمة منه وبدون عقاب؟

أليس الله وحده هو غافر الخطايا والذنوب؟

ما هو سبب ربط صلب المسيح بالخلاص؟

هل كان صلب المسيح ضرورة حتمية للخلاص؟

هل كان صلب المسيح هو السبيل والطريق الوحيد للخلاص؟

.. وكل مثل تلك الأسئلة التى تعلق فى أذهان الناس

 

ولقد رأينا فى صلاوات المسيح الثلاث قدم لنا الإجابة على جميع تلك الأسئلة.

وأوضح لنا أنه لم يكن يوجد أى سبيل آخر لخلاص وفداء البشرية سوى بصلب المسيح.

وأن طلب المسيح ثلاث مرات متوالية أن تعبر عنه الكأس

جاء ليكون شاهداً على كل العالم أنه كان لا يوجد طريق آخر لخلاص العالم سوى بموت المسيح على الصليب. وهذا يؤكد أن الخلاص ما كان ليمكن ان يتم بدون سفك دم المسيح وصلبة على الصليب.

وليس كما يزعم غير المؤمنين بأنه ضعف من المسيح أو أنه أراد التراجع عن الصلب.

 

وكيف يقال أن المسيح أراد التراجع عن صلبة وهو الذى قال قبل ذلك:

(يوحنا 17: 5) وَالآنَ

مَجِّدْنِي

أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ عِنْدَ ذَاتِكَ بِالْمَجْدِ الَّذِي كَانَ لِي عِنْدَكَ قَبْلَ كَوْنِ الْعَالَمِ.


هل يفهم القارئ معنى كلمة مجدنى؟؟؟

(يوحنا 12: 16) وَهَذِهِ الأُمُورُ لَمْ يَفْهَمْهَا تلاَمِيذُهُ أَوَّلاً وَلَكِنْ لَمَّا

تَمَجَّدَ يَسُوعُ

حِينَئِذٍ تَذَكَّرُوا أَنَّ هَذِهِ كَانَتْ مَكْتُوبَةً عَنْهُ وَأَنَّهُمْ صَنَعُوا هَذِهِ لَهُ.


تمجد يسوع = صلب المسيح

وأيضا قيل أن الروح القدس أنه سوف يحل على التلاميذ بعد أن يمجد (يصلب) المسيح، وقد حدث هذا يوم الخمسين من صعود المسيح:

(يوحنا 7: 39) قَالَ هَذَا عَنِ الرُّوحِ الَّذِي كَانَ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ لأَنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ بَعْدُ لأَنَّ يَسُوعَ
لَمْ يَكُنْ قَدْ
مُجِّدَبَعْدُ

.

وقد تكلم المسيح نفسة أيضاً عن هذه الساعة بصفته إبن الإنسان قائلاً:

(يوحنا 12: 27-28) 27
اَلآنَ نَفْسِي قَدِ اضْطَرَبَتْ.
وَمَاذَا أَقُولُ؟
أَيُّهَا الآبُ نَجِّنِي مِنْ هَذِهِ السَّاعَةِ. وَلَكِنْ لأَجْلِ هَذَا أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ السَّاعَةِ.
28
أَيُّهَا الآبُ

مَجِّدِ

اسْمَكَ». فَجَاءَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ: «
مَجَّدْتُ وَأُمَجِّدُ أَيْضا
ً».

وهنا المسيح يتسائل بصورة الإنسان

ماذا أقول؟

أهل أقول نجنى أيها الآب من الصلب؟؟

ولكن كيف يعقل هذا؟

إن كنت أنا قد أتيت من أجل الصلب

أيها الآب مجد إسمك (كلمتك = إبنك)

وحينئذ جاءه صوت من السماء مجدت وأمجدك أيضاً..

 

وبعد العشاء الربانى يوم خميس العهد وإنصراف يهوذا وذهابة لليهود لكى يسلم لهم المسيح، قال يسوع:

(يوحنا 13: 31-32): 31
فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ يَسُوعُ: «الآنَ تَمَجَّدَ ابْنُ الإِنْسَانِ وَتَمَجَّدَ اللَّهُ فِيهِ.
32
إِنْ كَانَ اللَّهُ قَدْ
تَمَجَّدَ
فِيهِ فَإِنَّ اللَّهَ
سَيُمَجِّدُهُ
فِي ذَاتِهِ
وَيُمَجِّدُهُ
سَرِيعاً
.


لقد وصف المسيح صلبه بالمجد

 

لو كان المسيح كما يدعى المعترض خائفاً ما الذى كان يمنعه من الهرب!!!

لقد سبق وتنبأ المسيح بكل آلامه وهو أنه سيصلب ويموت ويقوم فى اليوم الثالث

حتى بعد تلك الصلاة عندما أتى يهوذا ليسلمة إستل بطرس سيفة وقطع إذن عبد رئيس الكهنة، فقال له المسيح رد سيفك فكيف تكمل الكتب لو لم يتم الصلب:

(متى 26: 51- 54) إِذَا وَاحِدٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَ يَسُوعَ مَدَّ يَدَهُ وَاسْتَلَّ سَيْفَهُ وَضَرَبَ عَبْدَ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، فَقَطَعَ أُذْنَهُ َقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ. لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ السَّيْفَ بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ أَتَظُنُّ أَنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ الآنَ أَنْ أَطْلُبَ إِلَى أَبِي فَيُقَدِّمَ لِي أَكْثَرَ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ جَيْشًا مِنَ الْمَلاَئِكَةِ؟ فَكَيْفَ تُكَمَّلُ الْكُتُبُ: أَنَّهُ هكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ؟.

كما جاء أيضاً فى يوحنا قوله لبطرس:


(يوحنا 18: 11)

فَقَالَ يَسُوعُ لِبُطْرُسَ: اجْعَلْ سَيْفَكَ فِي الْغِمْدِ.
الْكَأْسُ الَّتِي أَعْطَانِي الآبُ ألاَ أَشْرَبُهَا

؟

 

وهكذا نرى بوضوح من النص أن المسيح كان يقدر أن يتفادى الصليب, ولكنه إختار طواعية موت الصليب بملء إرادتة الكاملة.

 

أما الكأس المقصودة هنا فهى كأس الغضب الإلهى رمز مرارة الخطية التى ارتكبها العالم، وبسببها حزن وإكتئب قلب يسوع من غضب أبيه المحبوب، لأن كل ديون تاريخ العالم استعدت لتسطو على البريء لتبيده.

لا يستطيع إنسان تحمل هذا الكفاح، وكان يسوع إنساناً حقاً وضعيفاً في طبيعته الإنسانية.

لهذا أرسل أبوه ملاكاً من السماء ليعزية ويشدده ويقويه ليستطيع حمل خطية العالم.

نعم لقد حجب الآب وجهه عن إبنه ولكن لم يحجب رحمته عنه فأرسل له ملائكة

فهل الرومان أكثر شفقة على المسيح من الله الآب!!! (حاشاً)

فقبل صلب المسيح أعطوة خمراً ممزوجة بالمر لكى يشربها قبل أن يتم دق المسامير فى يدية ورجلية حتى تكون بمثابة مسكن أو مخدر من العذاب والألم ومع ذلك رفض أن يشرب ليتجرع كل مرارة العذاب والألم إلى المنتهى.

(مرقس 15: 22) 22وَجَاءُوا بِهِ إِلَى مَوْضِعِ «جُلْجُثَةَ» الَّذِي تَفْسِيرُهُ مَوْضِعُ «جُمْجُمَةٍ». 23وَأَعْطَوْهُ خَمْراً مَمْزُوجَةً بِمُرٍّ لِيَشْرَبَ فَلَمْ يَقْبَلْ. 24وَلَمَّا صَلَبُوهُ اقْتَسَمُوا ثِيَابَهُ مُقْتَرِعِينَ عَلَيْهَا: مَاذَا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ؟ 25وَكَانَتِ السَّاعَةُ الثَّالِثَةُ فَصَلَبُوهُ.

 

لا يستطيع أى إنسان أن يدرك تفسير هذه الصلاة الإلهية العظمى، وفى تلك الليلة خيّم الظلام على العالم وعلى يسوع البار. وتكاثف غضب الله على حامل خطايانا. وانقضت جيوش الشر على نفس أتباعه. وذهب يسوع إلى بستان جثسيماني خارح المدينة. ما كان ابن الله خائفاً من الموت، ولا من الشيطان. لأنه صارع سابقاً هذه السلطات الشريرة وغلبها في جسده منتصراً عليها عدة مرات. إنما بعد تواضعه ورفع خطية العالم في محبته، حجب أبوه العادل القدوس وجهه عنه، وجعله «كبش الخطية» نائباً عن جميع الأمم. لقد حزن يسوع حزنا عميقاً جداً، لأجل انفصاله عن أبيه أثناء دينونة العالم المنسكبة على شخصه. فجسد المسيح ونفسه البشرية كانت معارضة ومضادة لشرب كأس غضب الله المرير المعد للناس عقاباً لخطاياهم.

وهنا صلى الابن صلاة النجدة ليخلصه أبوه من الساعة الرهبية، ومن هذا التخلى والإنفصال

وهنا سأل المسيح بصفته إبن الإنسان الله الآب


هل توجد طريقة أخرى للخلاص غير الصلب؟؟


هل هناك وسيلة أخرى لفداء العالم غير الصليب؟؟


إن كان هناك بديل آخر لخلاص البشر إفعله

وبارتجاف وسجود كافح المسيح لفداء الكون طالباً طريقاً آخر إن أمكن غير طريق الصليب

ولكن لم يتلقى أى إستجابة من الله الآب

وهنا قبل المسيح مشيئة الآب واستعد لشرب كأس غضب الله.

لا بديل سوى العدل, لذلك اختار طواعية أن يجتاز العدل الإلهي. هو اختيار أوضح الكتاب أنه صعب, ولكن المحبة انتصرت.

 


وهذا الصراع الرهيب يعلمنا أنه لا توجد طريقة أخرى لفداء العالم إلا بالصليب.


وهذا الموقف بين المسيح والله الآب جاء فى الإنجيل ليس ليكشف ضعف المسيح كما يدعى المعترض


بل ليكون شاهد على كل العالم أنه لا يوجد طريق آخر للخلاص سوى بموت المسيح على الصليب


وهذا يؤكد أن الخلاص ما كان ليمكن ان يتم بدون سفك دم المسيح وصلبة على الصليب.


وهكذا نقول: لِيَكُنِ اللهُ صَادِقاً وَكُلُّ إِنْسَانٍ كَاذِباً (رومية 3: 4)

 

فى تلك الليلة سقط غضب الله على الإبن ليشرب كأس غضب الله إلى النهاية

هذا هو الترك الحتمي الذي أجراه الله على المسيح حتى يمكن أن يجوز اللعنة وحده من أجل البشرية التي يحملها. فلولا هذا الترك الإلهي لما صحَّ الصليب ولما صارت اللعنة لعنة بل صارت أضحوكةً!!

 

هنا صار الصليب صليباً حقا وزادت مرارته ألف مرَّة.

فَتَرْك الله الآب له هو أشدُّ هَوْلاً من آلام الصليب مراراً، بل هو الموت حقا الذي ذاقه المسيح بالترك قبل أن يذوقه بالموت على الصليب.

فالمسيح صُلب مرَّتين، صُلب بترك الآب له عمداً وصُلب بيد الأشرار قهراً.

أو هو صليب ذو وجهين، وجه سماوي قاتم قتام الظلام الحالك لا نور فيه لاختفاء وجه الآب

ووجه أرضي اظلمَّت له الدنيا مثل صدى ظلمة السماء، فاختفى نور الشمس لاختفاء نور وجه الآب عن الابن رب الخليقة ونورها، كرد فعل للجريمة التي اقترفها الإنسان من نحو الابن!!

 


توضيح بعض المعانى


يعبر:

جائت كلمة يعبر باليونانى بمعنى:

يعبر شئ, يمر، شخص يتحرك للامام لكي يمر, زم، يتقدم في الوقت

ومعني الكلمة واضح هي عبور الشئ اي يخوض فيه الي الطرف الاخر وليس العكس فيقول اعبر عني اي اي تمضي سريعا

فهو يصور الام الصلب والموت كنهر يجب ان يعبره ويتحمل الالام ولكن يطلب ان يتمكن من العبور ولا يغرق في منتصف النهر

 


كأس:

برغم انها قد تعني اي كأس ولكن كلمة المسيح هنا لها معني خاص وهو

كأس السكيب التي كانت تسكب علي المذبح في العهد القديم لتطهير الخطيه

(سفر العدد 4: 7) وَعَلَى مَائِدَةِ الْوُجُوهِ يَبْسُطُونَ ثَوْبَ أَسْمَانْجُونٍ، وَيَضَعُونَ عَلَيْهِ الصِّحَافَ وَالصُّحُونَ وَالأَقْدَاحَ وَكأساتِ السَّكِيبِ، وَيَكُونُ الْخُبْزُ الدَّائِمُ عَلَيْهِ،

كأس الغضب التي يجب ان يشربها المسيح عن البشر

(إشعياء 51: 22) هكَذَا قَالَ سَيِّدُكِ الرَّبُّ، وَإِلهُكِ الَّذِي يُحَاكِمُ لِشَعْبِهِ: «هأَنَذَا قَدْ أَخَذْتُ مِنْ يَدِكِ كأس التَّرَنُّحِ، ثُفْلَ كأس غَضَبِي. لاَ تَعُودِينَ تَشْرَبِينَهَا فِي مَا بَعْدُ.

 

كأس الخلاص

(مزامير 116: 13) كأس الْخَلاَصِ أَتَنَاوَلُ، وَبِاسْمِ الرَّبِّ أَدْعُو.

 

وهذا ما قاله السيد المسيح

(متى 20: 22) فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ: «لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مَا تَطْلُبَانِ. أَتَسْتَطِيعَانِ أَنْ تَشْرَبَا الْكأس الَّتِي سَوْفَ أَشْرَبُهَا أَنَا، وَأَنْ تَصْطَبِغَا بِالصِّبْغَةِ الَّتِي أَصْطَبغُ بِهَا أَنَا؟» قَالاَ لَهُ: «نَسْتَطِيعُ».

وهو يوضح انه يعرف انه سيشرب كأس غضب الله عن البشرية كلها ويقول قبل موقف جسيماني بفتره

وهذه الكلمة لها معني يوناني جميل

4221

ποτήριον

potērion

Thayer Definition:

1) a cup, a drinking vessel

2) metaphorically one’s lot or experience, whether joyous or adverse, divine appointments, whether favourable or unfavourable, are likened to a cup which God presents one to drink: so of prosperity and adversity

المعنى اليونانى المجازى هو فرحه وغضب وهو تعبير للتعيين الالهي وتعبير عن محنة او كارثة

 

وقد تنبا اشعياء النبي عن هذه الصيغة وقال:

(إشعياء 63: 1) مَنْ ذَا الآتِي مِنْ أَدُومَ، بِثِيَابٍ حُمْرٍ مِنْ بُصْرَةَ؟ هذَا الْبَهِيُّ بِمَلاَبِسِهِ، الْمُتَعَظِّمُ بِكَثْرَةِ قُوَّتِهِ. «أَنَا الْمُتَكَلِّمُ بِالْبِرِّ، الْعَظِيمُ لِلْخَلاَصِ».

وهو ما قاله يوحنا

(يوحنا 3: 16) لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ.

وهذا ليس خوف او محاولة هروب فهو يقدر ان يخرج دون ان يمسه احد كما فعل في

(متى 16 : 21-23)، (متى 21 : 46)

(لوقا 4 : 29)، (لوقا 22 : 53)

(يوحنا 7 : 44)، (يوحنا 8 : 59)، (يوحنا 10 : 10)، (يوحنا 10 : 17)، (يوحنا 17 : 1)

(فيلبى 2 : 6-8)

 

وهو الذي جعل اليهود والجنود كلهم يخافون ويسقطون الي الوراء بكلمة من فمه

إنجيل يوحنا 18: 6

فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ: «إِنِّي أَنَا هُوَ»، رَجَعُوا إِلَى الْوَرَاءِ وَسَقَطُوا عَلَى الأَرْضِ.

فهو يعلم بكل ما سيحدث واخبر تلاميذه بهذا واليهود ايضا حينما قال

إنجيل يوحنا 2: 19

أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «انْقُضُوا هذَا الْهَيْكَلَ، وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ».

وعالم بخيانة يهوذا وانكار بطرس وكل الاحداث

وهو الممثل للبشريه اظهر ضعف البشرية واظهر بشريته الكامله ايضا

فمعني يا ابتاه ان امكن فلتعبر عني هذه الكأس هو ان يجعل زمن الالام والموت قصير ويجعلها تعبر سريعا لانه سيشرب كأس عقاب خطايا كل البشريه ليعطينا كأس الخلاص مكانها وهو يعلم ذلك ومن اجل ذلك قد جاء وتجسد

 


(رابعاً) لمن كان المسيح يصلى إذا كان هو الله؟:

السيد المسيح حينما كان يصلى، كان كإنسان، لأنه أخذ إنسانية كاملة.

وللإنسان روح وجسد، وكما يصلى الإنسان بروحه (1 كو 14: 14)، كان السيد المسيح يصلى بروحه الإنسانية.. ولم تكن هذه هى المرة الوحيدة التى ذكر الإنجيل المقدس أن المسيح صلى، لكن ذلك ورد فى مواضع كثيرة

(لو 3: 21، 5: 16، 6: 12 –13، 9: 18 –28، 11: 1-2، مت 14: 23، مر 1: 35).

ولم يرد فى جميع النصوص المشار إليها هنا منطوق الصلوات التى صلاها السيد المسيح، ولا نعرف من أى نوع كانت تلك الصلوات. هل كانت صلوات تأمل أو تمجيد أو تسبيح أو شكر.. لكنها على أى حال كانت تلك الصلوات ” مناجاة “.

لكن الصلاة التى صلاها المسيح فى جثسيمانى كانت صلاة طلب.

كانت بمثابة حوار بين الله والإبن حول التدبير الإلهى بشأن بحث طريقة تنفيذ عملية الخلاص

كانت عملية الخلاص معلومة فى فكر الله منذ الأزل

ولكن لحكمة إلهية من المسيح شاء الوحى المقدس ان تدون فى الإنجيل بعض تفاصيل تلك الصلاة

قد تكون هذه الصلاة إجابة على أسئلة الإنسان.. هل من سبيل غير الصليب؟؟

والسيد المسيح فى جثسيمانى صلى صلاة طلب ليرد بها على أسئلة الناس

لأنه كان فى تدبير الفداء بديلاً عنا، أى أنه صلى كنائب عن البشرية وشفيع فيها

وجائت النتيجة أنه لا بد من الصليب وبدون سفك دم لا تحصل مغفرة.

وفيما يختص بصلواته جميعاً التى ذكرت فى الإنجيل – فيما عدا صلاته فى جثسيمانى

فإنها كانت من قبيل المناجاة بين اقنوم الابن واقنوم الآب داخل الوحدة الثالوثية وذلك بالنظر إلى لاهوته الكائن مع الآب فى جوهر الذات الإلهية.

وذلك على مثال المناجاة التى تدور داخل الإنسان بينه وبين نفسه فيقول مثلاً: ” أنا قلت لنفسى أو قلت فيما بينى وبين نفسى “.. لآن الابن من حيث لاهوته ليس أقل من الآب فى الجوهر حتى يطلب منه كما يطلب العبد من الرب.. وكدليل على الوحدة الجوهرية بين اقنوم الابن واقنوم الآب قول المسيح لتلاميذه: ” أنا لست وحدى لأن الآب معى ” (يو 16: 32).. ” الذى رآنى فقد رأى الآب.. إنى أنا فى الآب والآب فى.. صدقونى إنى فى الآب والآب فى.. ومهما سألتم باسمى فذلك أفعله ليتمجد الآب بالابن. إن سألتم شيئاً باسمى فإنى أفعله ” (يو14: 9-14).

وقال أيضاً: ” أنا والآب واحد ” (يو 10: 30) أى أن الابن والآب قائمان معاً فى جوهر واحد وذات إلهية واحدة. وللتدليل على أن صلوات المسيح كانت من قبيل المناجاة بين اقنوم الابن واقنوم الآب داخل الوحدة الثالوثية، نذكر ما قاله المسيح وهو ينادى الآب على مسمع من تلاميذه ومن الجماهير المحيطة به ” أيها الآب قد أتت الساعة، مجد ابنك ليمجدك ابنك ايضاً ” (يو 17: 1) ” أيها الآب مجد اسمك. فجاء صوت من السماء، مجدت وأمجد أيضاً.

فالجمع الذى كان واقفاً وسمع قال قد حدث رعد، وآخرون قالوا قد كلمه ملاك. أجاب يسوع وقال ليس من أجلى صار هذا الصوت بل من أجلكم ” (يو12: 28- 30) وثمة نقطة أخرى تتصل بموضوع صلاة المسيح.. لقد آتى المسيح كآدم ثان ليصبح رأساً للخليقة الجديدة.. يقول بولس الرسول: ” صار آدم الإنسان الأول نفساً حية، وآدم الأخير روحاً محيياً.. الآنسان الأول من الأرض ترابى، الإنسان الثانى الرب من السماء “

(1 كو 15: 45- 47).. وإذا كان آدم الأول بزلته دخلت الخطية إلى العالم وحملت معها الموت، فإن آدم الثانى ربنا يسوع المسيح أتى لخلاص الإنسان وليرده إلأى رتبته الأولى. وعلى ذلك فإن السيد المسيح بالإضافة إلى ذلك قدم للبشرية مثلاً للإنسان الكامل، وهو الذى دعانا لحياة الكمال الإنسانى، وهكذا يقول القديس بطرس: ” فإن المسيح أيضاً تألم لأجلنا تاركاً لنا مثالاً لكى تتبعوا خطواته ” (1 بط 2: 21).. فالسيد المسيح علم بشخصه وليس بكلامه كما فعل كل المعلمين الذين سبقوه.. ومن ضمن ما أراد السيد المسيح أن يعلمه للبشرية، الصلاة. لذا فكثيراً ما نقرأ عنه انه كان يصلى.

 


(خامساً) هل كان للمسيح إرادة ومشيئة مغايرة لإرادة ومشيئة الآب:‍

قد يقول قائل: هل كان للمسيح إرادة ومشيئة مغايرة لإرادة ومشيئة الآب حتى يقول لكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت؟‍

ورداً على ذلك نقول: إن كان يبدو من هذه الآية أن هناك مشيئتين، مشيئة للمسيح له المجد ومشيئة للآب، لكن الحق أن للمسيح مشيئة واحدة، وهى عينها مشيئة الآب.

لكن كان لابد أن يظهر فى عمل الفداء كمال ناسوت المسيح


وإنه لم يأخذ جسداً خيالياً كما زعم بعض الهراطقة

لكن كلمة الله اتخذ له جسداً حقيقياً ذا نفس عاقلة ناطقة.

كان من الطبيعى للناسوت الحقيقى الكامل فى المسيح أمام هول آلام الإنفصال الأدبى عن الله، أن يرفض هذه الآلام التى تجعل المسيح يقف مداناً أمام الله وينسكب عليه غضب الآب.

إن صلاة المسيح فى بستان جثسيمانى تعبر عن شدة آلامه الحقيقية

وكنوع من التمنى كان يتمنى أن تعبر عنه كأس الصليب نظير عدم حجب وجه الآب عنه.

لكنه فى نفس الوقت هو يشاء أن يصلب من أجل خلاص البشر ويموت بديلاً عنهم

(يوحنا 12: 27) اَلآنَ نَفْسِي قَدِ اضْطَرَبَتْ. وَمَاذَا أَقُولُ؟ أَيُّهَا الآبُ نَجِّنِي مِنْ هَذِهِ السَّاعَةِ. وَلَكِنْ لأَجْلِ هَذَا أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ السَّاعَةِ.

وقال عن موته أنه سوف يصلب باكل إرادته:

(يوحنا 10: 18) لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضاً. هَذِهِ الْوَصِيَّةُ قَبِلْتُهَا مِنْ أَبِي».

 

ويتكلم بولس الرسول عن سروره بالصليب فيقول:

(عبرانيين 12: 2) نَاظِرِينَ إِلَى رَئِيسِ الإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ، الَّذِي مِنْ أَجْلِ السُّرُورِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَهُ احْتَمَلَ الصَّلِيبَ مُسْتَهِيناً بِالْخِزْيِ، فَجَلَسَ فِي يَمِينِ عَرْشِ اللهِ.

فليس هناك فى الواقع مشيئة للمسيح تتعارض مع مشيئة الآب، لكنه تعبير عن الآلام وانها حقيقة لدرجة أن الناسوت لو كان خلواً من اللاهوت لكان يتمنى أن تعبر عنه كأس الصليب. ولكن ومع ذلك فالناسوت أيضاً يحتمل الألم برغبته فى سبيل الرغبة الأسمى وهى خلاص البشر. وهى فى نفس الوقت رغبة اللاهوت والناسوت معاً، وليس بين الأثنين فى الواقع أى تعارض لأن الناسوت ناسوت الكلمة متحداً به بغير افتراق أو انفصال.

 

وحينما نتكلم عن الإرادة ينبغى التمييز بين الرغبة واتخاذ القرار.

فالإرادة الطبيعية تعنى الرغبة

والإرادة الشخصية تعنى القرار

وهكذا يمكننا أن نفسر قول السيد المسيح فى ترجمة الأصل اليونانى:

(متى 26: 39) “ليس كما أرغب أنا بل كما تريد أنت وأنا”

أى ليس كما أرغب أنا بحسب رغباتى الطبيعية الإنسانية

بل كما تريد أنت وأنا بحسب الرغبة الشخصية الإلهية وبحسب التدبير الثالوثى للخلاص

وهذا هو قرارنا فى إتمام الفداء أنا وأنت والروح القدس

وهو أيضاً قرارى الشخصى أن يتم الفداء على الصليب.

وهذا هو الفرق بين الرغبة الطبيعية والإرادة الشخصية

فالمسيح بإرادته الشخصية قرر أن يصنع الفداء

أما فيما يخص الرغبة الطبيعية الإنسانية فإنه بلا شك لم يكن يرغب فى الإهانة وخيانة يهوذا وغيرها

فكلمة ليس هنا لا تعنى أن للسيد المسيح إرادتين

لأن المقصود هنا ليس الإرادة الشخصية، لكن المقصود هو نداء الطبيعة فقط (
Natural Will
)

فقد جاء عن المسيح أثناء التجربة على الجبل:

(متى 4: 2) فَبَعْدَ مَا صَامَ أَرْبَعِينَ نَهَاراً وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً جَاعَ أَخِيراً.

فهل عندما جاع المسيح أخيراً جعل من الحجارة خبزاً ليأكل؟

بالطبع لم يحدث

إذاً نداء الطبيعة هو رغبة المسيح فى الآكل.. لكن المسيح بإرادتة إستمر فى الصوم

وبالمثل هنا

نداء الطبيعة هو رغبة المسيح فى عدم الصلب.. لكن المسيح بإرادتة قبل موت الصليب

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي