جلوس المسيح عن يمين الله

ما المعني اللاهوتي لعبارة ” صعد إلي السماء، وجلس عن يمين الآب “؟ وهل الله مثلنا له يمين ويسار؟

الرد:

المقصود بصعود المسيح إلي السماء، أنه صعد بالجسد. لأن اللاهوت لا يصعد وينزل. فهو موجود في السماء والأرض وما بينهما، مالئ الكل. إنما الصعود بالجسد وهذا ما رآه التلاميذ يوم الصعود (أع 1: 9).

ومن جهة الجلوس، الله ليس له يمين ويسار.

عبارة يمين ويسار تقال عن أي كائن محدود بيمين ويسار. أما الله فهو غير محدود. ومن ناحية أخري لا يوجد فراغ حوله يجلس فيه أحد، لأنه مالئ الكل وموجود في كل مكان. وكذلك لو جلس الابن إلي جواره، لكانا متجاورين. وهذا ضد قول الابن ” أنا في الآب، والآب في ” (يو 14: 11).

إنما كلمة (يمين) ترمز إلي القوة والعظمة والبر.

كما نقول في المزمور ” يمين الرب صنعت قوة، يمين الرب رفعتني. يمين الرب صنعت قوة، فلن أموت بعد بل احيا ” (مز 117). ومثل وقوف الأبرار عن يمينه، والأشرار عن يساره في يوم الدينونة (مت 25). فكون المسيح عن يمين الآب أي في عظمته وبره ز لذلك قال السيد المسيح لرؤساء الكهنة ” من الآن تبصرون ابن الإنسان عن يمين القوة ” (مت 26: 64).و كلمة (جلس) هنا، تعني استقر.. استقر في هذه القوة. أي أن عبارة ” أخلي ذاته ” (في 2: 7)، قد انتهت بالصعود. وما كان يسمح به من إهانات البصق واللطم والجلد وما أشبه ن قد انتهي. وقد استقر الآن في عظمته. حتى إنه حينما يأتي في مجيئه الثاني، سيأتي في مجده وجميع الملائكة القديسين معه (مت 25: 31). علي سحاب السماء، كما صعد (أع 1: 11).

 

ما معنى جلوس المسيح عن يمين الله؟

تسأل يا صديقي: لماذا يقول الإنجيل كما كتبه مرقس
16 : 19
أن الرب يسوع المسيح “جلس” عن يمين الله بينما كتاب أعمال الرسل 56: 7 يقول إن إستفانوس رأى السماء مفتوحة والرب يسوع “واقفاً” عن يمين الآب؟ وأيضاً تسأل عن معنى جلوس الرب يسوع عن يمين الله، وهل هذا يعني أنه مقرب لله “مادياً” أو “روحيا”؟

1 – لما أوحى الروح القدس بكلمة الله – أي الكتاب المقدس – إلى الأنبياء والرسل، إستعمل كلمات وأفكار وصوراً مفهومة لعقلنا البشري، فمثلاً يقول الرب يسوع المسيح في إنجيل يوحنا 24: 4 “الله روح، فلذلك لابد لعابديه من أن يعبدوه بالروح وبالحق” ومع ذلك يقول مزمور 1: 139-11 “يارب.. لقد طوقتني (بعلمك) من خلف ومن أمام وبسطت يدك فوقي.. أين الهرب من روحك؟ أين المفر من حضرتك؟ إن صعدت إلى السموات فأنت هناك، وإن جعلت فراشي في عالم الأموات فهناك أنت أيضاً. إن إستعرت أجنحة الفجر وطرت، وسكنت في أقصى أطراف البحر فهناك أيضاً يدك تهديني ويميناك تمسكني”. ويقول مزمور 8: 17 “إحفظني كحدقة عينك، وأسترني بظل جناحيك”. ويقول الرب يسوع في إنجيل يوحنا 9: 10 “أنا الباب، من دخل بي يخلص..”.

 

نرى هنا أن الكتاب المقدس يؤكد أن الله روح غير محدود بل موجود في كل مكان. ومع ذلك يتكلم الكتاب المقدس عن “يد” الله، “وحدقة العين”، “وجناحي” الله، ويقول الرب يسوع المسيح إنه “باب”. من البديهي أن مثل هذه الكلمات لا تؤخذ حرفياً ولكنها رموز لمعاني يفهمها عقلنا البشري المحدود. فمثلاً “يد” الله تتكلم عن سلطته وقوته، و “ظل الجناحين” يعني حماية ووقاية الله، وقول السيد المسيح إنه “باب” يعني أنه الطريق الوحيد والشخص الوحيد الذي يؤدي إلى دخول الإنسان إلى جنة الله.

 

2 – “الجلوس عن يمين” شخص كان يشير منذ القدم، وحتى في عصرنا الحالي، إلى المركز السامي، المقام الرفيع، التكريم، الإجلال، درجة الشرف. والجلوس أيضاً يشير إلى الإنتهاء من إنجاز مهمة وإتمامها كاملة. إذن، يريد الروح القدس أن يفهمنا في إنجيل مرقس 19: 16 أن الرب يسوع المسيح أنجز وأتم تماماً مهمة فداء البشر بموته على الصليب ليخلص البشرية من الجحيم ومن الخطية، ولم يبق شيء آخر ينبغي أن يفعله أي شخص آخر لخلاص البشر وغفران خطاياهم.

 

ويؤكد ذلك الروح القدس في أعمال الرسل 12: 4 “وليس بأحد غيره الخلاص، إذ ليس تحت السماء إسم آخر قدمه الله للبشر به يجب أن نخلص”. ولقد بيّن الله رضائه الكامل بعمل الرب يسوع المسيح حينما أقامه من الأموات وأجلسه عن “يمينه”، أي أعطاه المركز السامي، والمقام الرفيع، والتكريم والإجلال، والشرف. ولذلك يقول الكتاب المقدس في الرسالة إلى مؤمني فيلبي 9: 2-11 “لذلك أيضاً رفعه الله عالياً، وأعطاه الإسم الذي يفوق كل إسم، لكي تنحني سجوداً لإسم يسوع كل ركبة، سواء في السماء أو على الأرض أو تحت الأرض، ولكي يعترف كل لسان بأن يسوع المسيح هو الرب، لمجد الله الآب”. كما يشير الكتاب المقدس إلى الرب يسوع في الرؤيا 12: 5 “مستحق هو الحمل المذبوح أن ينال القدرة والغنى والحكمة والقوة والإجلال والمجد والبركة”.

 

3 – نقرأ في أعمال الرسل 55: 7-56 عن رجم إستفانوس بالحجارة، “فرفع إستفانوس نظره إلى السماء، وهو ممتليء من الروح القدس، فرأى مجد الله ويسوع واقفاً عن يمين الله”.

 

لا أعتقد بتاتاً أن إستفانوس “تخيل” ذلك كما تسأل يا عزيزي، إذ أن الروح القدس الذي أوحى بكل كلمة في الكتاب المقدس كان يستطيع أن يقول أن إستفانوس “تخيل” ذلك، ولكنه لم يقل هذا بتاتا. ترى يا عزيزي أن إستفانوس في تلك اللحظة كان على وشك الموت، إذ نقرأ في أعمال الرسل 59: 7 “وبينما كانوا يرجمون إستفانوس، كان يدعو: “أيها الرب يسوع، إقبل روحي” وأعتقد أن الرب يسوع ظهر لإستفانوس واقفاً ليشجعه ويرحب به في الجنة، وكأنه واقف لتحيته، وكأنه يقول له، “أنا تواق لإستقبالك! أهلاً بك ومرحباً هنا في ملكوت السموات” ونحن البشر عندما نرى صديقاً مقبلا إلى دارنا، ألا نقف لتحيته والترحيب به؟

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي